البحوث

القروض الطلابية

القروض الطلابية

سالم عبد السلام الشيخي
مقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد:

فهذه محاولة قاصرة للبحث في ثنايا نازلة عمت بها البلوى ، وكثر حولها الإستفتاء ، تتعلق بما لامفر للمسلمين المقيمين في الغرب عامة -وفي أوربا خاصة- من ولوجه ؛ ألا وهو باب  التعليم الجامعي ، وما كان في منزلته من المؤسسات التعليمية ،إنها مسألة  القروض الطلابية  التي اتفقت كلمة الحكومات الأوربية على تقديمها ،وتسهيل الوصول اليها رغبة في التقدم العلمي ، والإزدهار الفكري لمواطنيها ومجتمعاتها .

 وأبناء الأقليات المسلمة هم جزء من هذه المجتمعات ، ويسري عليهم ما يسري على أقرانهم من أبناء هذه الأوطان ، وتشملهم عموم الأسباب التي أدت بالحكومات الأوربية الى  تقنين القوانين ، واتخاذ كافة الإجراءات التي يتم من خلالها المساهمة في بعض تكاليف الدراسة ،ومساندة الطلاب في المرحلة الدراسية- بعد الإلزامية- على مواصلة التعليم وإكمال مراحله كل ذلك عبر ما يعرف بالقروض الطلابية.

 وبما أن الواقع الأوربي -من بعد التطور الحاصل في الإتحاد الأوربي- ،أصبح بمثابة بيت واحد تتفق قوانينه ،وتقترب أهدافه ،وتتوحد مخططاته ،فقد أصبح البحث في أي قضية من قضاياه العامة في أي  قطر من أقطاره ، وكأنه بحث في كل الواقع الأوربي ، خاصة إذا كانت هذه القضية مما لاتختلف من قطر أوربي الى أخر كالقضايا المتعلقة بالصحة والاجتماع والتعليم ونحوها مما له علاقة بالإرتقاء بمستوى المواطن الأوربي والعمل على سعادته ، ورفاهيته   .

ولذا فعندما بدأت البحث في مسألة القروض الطلابية كنت أعزم على دراستها على مستوى الدول الكبرى في  الإتحاد الأوربي ، وبعد سؤال أهل الإختصاص تبين لي أن هذه المسألة متشابهة متقاربة على مستوى  جميع دول الإتحاد ، فما كان مني إلا أن أكتفي  بنموذج واحد يتمثل في النموذج  البريطاني ، فكان هو محل الدراسة والبحث .

وبما أن المنهجية الفقهية في دراسة العقود المعاصرة  تقتضي أن يبدأ البحث الفقهي بتجلية واقع  تلك العقود ، وذلك بالتعرف على مكوناته الذاتية والخارجية ، سواء منها ما يتعلق  بالمسلم الذي ابتلي بها  ، أو ما يتعلق بحقيقة تلك العقود ، وأركانها ، وشروطها ،والقوانين المنظمة لها ، وقد حاولت جاهدا أن ألتزم بهذه المنهجية ، وذلك من خلال دراسة عقد القروض الطلابية بشكل مفصل ،ثم من خلال دراسة كل القوانين والتشريعات المنظمة لهذه القروض  ، مع دراسات ميدانية إحصائية تتعلق بواقع الطلاب في بريطانيا- بشكل عام _ وواقع الطلاب المسلمين على وجه الخصوص ،ثم الإنتقال بعد ذلك الى مرحلة التكييف الفقهي والتي بدورها مهدت للوصول الى رأي فقهي في هذه النازلة فرأيت أن أعرضه على مشايخي وإخواني في المجلس الأوربي  للمناقشة والتعديل ، وذلك طلباً لمزيد علم وفهم أسأل الله أن ينفع به في مجلسنا المبارك ،وقدكانت كتابة البحث على النحو التالي :

أولاً : تمهيد بين يدي الموضوع وقد تحدثت فيه عن الآتي :

أولاً:- الواقع المالي والتعليمي لأبناء المسلمين في بريطانيا .

 ثانياً:- واقع تكاليف الدراسة والمعيشة للطلبة في بريطانيا.

المبحث الأول : القروض الطلابية التعريف والماهية، وتحته مطالب :

المطلب الأول : تعريف القروض الطلابية .

المطلب الثاني: الوصف القانوني لعقد القروض الطلابية.

المطلب الثالث: تعريف الربط بمؤشر تكاليف المعيشة .

المطلب الرابع : تعريفات لمصطلحات مصاحبة .

المبحث الثاني : التكييف الفقهي للقروض الطلابية في أوربا، وتحته مطالب :

المطلب الأول :  تحرير العلاقات القائمة بين أطراف القروض الطلابية .

المطلب الثاني : أنواع الربط القياسي بمؤشر تكاليف المعيشة.

المطلب الثالث : أقوال العلماء المعاصرين في مسألة ربط القروض بمؤشر تكاليف المعيشة  .

المطلب الرابع: الأدلة على كل قول ومناقشتها .

المبحث الثالث: حكم القروض الطلابية في أُوربا ، وتحته مطالب :

المطلب الأول : القول بجواز ربط القروض الحسنة بمؤشر تكاليف المعيشة و أثره في حكم القروض الطلابية في أوربا.

المطلب الثاني: حكم القروض الطلابية في ظل القول بحرمة ربط القروض  بمؤشر تكاليف المعيشة .

 المطلب الثالث: خصوصية الربط بمستوى الأسعار في القروض الطلابية.

المطلب الرابع: البديل الإسلامي عن القروض الطلابية.

المطلب الخامس: قاعدة الحاجة الشرعية وأثرها في هذا الباب .

والله تعالى ولي التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين

 

                                                                        كتبه:

                                                                     سالم عبد السلام الشيخي

تمهـــــيد

في مستهل هذا البحث أحببت أن أُمهد بما يعد كالمقدمة بين يدي القول في حكم إقدام الطلبة المسلمين في أُوربا على القروض الموسومة بالقروض الطلابية، وهو تمهيد نتحدث فيه عن الواقع المالي والتعليمي لأبناء المسلمين في أُوربا_ من خلال النموذج البريطاني _ ، ثم نتحدث عن واقع الدراسة وتكاليفها في بريطانيا ، لنشكل بعد ذلك صورة تقريبية لواقع المسألة التي عقدنا هذا البحث للوصول إلى حكمها، وبذلك نكون قد اقتربنا من الشروط التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- لمن أراد أن يتمكن من الفتوى الصحيحة بقوله: “ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى و الحكم بالحقِ إلاّ بنوعين من الفهم.

أحدهما: فهم الواقع و الفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن و الأَمارات والعلامات حتى يحيط به علماً.

و النوع الثاني: فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر ” (1) .

أولاً:- الواقع المالي والتعليمي لأبناء المسلمين في بريطانيا .(2)

يبلغ عدد المسلمين في بريطانيا قرابة الملونين وذلك حسب الإحصاءات التي أجريت في  عام ( 2006) ميلادية،- ولعل الواقع أكبر من ذلك بكثير –  إذ أن عدد المسلمين الذين لم يشاركوا في هذا الأحصاء كثير جداً ، وذلك لأسباب بعضها فكرية وبعضها سلوكية كعدم المبالاة و قلة المشاركة الإيجابية في هموم الوطن الأوربي ، فإذا ما وضعنا هذا العدد في إطار العدد الكلي لأبناء المجتمع البريطاني شكل عندها المسلمون نسبة تقارب أربعة في المئة من تعداد المجتمع البريطاني  .

ومع قلة هذه النسبة إلاّ أن المسلمين يمثلون أكبر أقلية دينية في بريطانيا ، وليس هذا فحسب بل هم يشكلون نسبة كبيرة في أكبر المدن البريطانية ويتواجدون في جميع القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة، ومما يميز هذا الوجود هو ارتفاع نسبة المرحلة العمرية للشباب بين المسلمين – فقد أثبتت الدراسات أن الشباب المسلم  يمثلون أكبر نسبة في بريطانيا في هذه المرحلة العمرية – .

فإذا أضفنا إلى ذلك نتائج الدراسة التي قامت بها وزارة الداخلية عام ( 2006 ) ميلادية. -والمتعلقة بتحديد نسبة التدين بين الشباب البريطاني- والتي أظهرت أن أعلى نسبة بين الشباب البريطاني من المتمسكين بأصول دينهم والملتزمين بأداء شعائرهم هم من شباب المسلمين، كل ذلك يمهد لنا القول بأهمية أن يكون أبناء المسلمين في أعلى درجات العطاء والمشاركة والتفاعل الحضاري مع بقية أبناء الوطن ، هذا العطاء الذي سيمثل وعاءً لبلاغ الرسالة الإسلامية و أداء للأمانة النبوية.

هذا الدور المناط بأبناء المسلمين والمنتظر أن يقوموا به أحسن قيام يرتبط بشكل مباشر بمقدار اعتنائهم بالتعليم ، ووصولهم الى المكانة المرموقة فيه.

سواء كان ذلك بالإنتظام في سلك الدراسات الجامعية ،أوالمعاهد التخصصية أو ما يماثلها من المؤسسات التعليمية، فمقصودنا أن تمكن أبناء المسلمين من المتطلبات التعليمية هو السبيل الذي يمكنهم من العطاء والمشاركة والتفاعل الحضاري مع بقية أبناء الوطن ، وييسير عليهم الدخول و المشاركة في كافة المؤسسات الخاصة والعامة في أوطانهم الأوربية.

فإذا عدنا إلى محاولة التعرف على الواقع التعليمي لأبناء المسلمين ، فإن الدراسات التي بين أيدينا تظهر أن عدد أبناء المسلمين في المرحلة الإلزامية للتعليم قد بلغ في عام (2007م ) حوالى نصف مليون مسلم يُفترض أن يتحول أغلبهم الى المرحلة التعليمية الإختيارية- أي بعد التعليم الإلزامي وذلك بعد بلوغ الطالب ستة عشر سنة- أما عددهم في المرحلة التعليمية الإختيارية فإنني وللأسف لم أقف على دراسة دقيقة بهذا الخصوص – تبين تعداد أبناء المسلمين في المؤسسات التعليمية بعد المرحلة الإلزامية – إلاّ أن بعض الإشارات تُظهر أن نسبة وصول أبناء المسلمين إلى المؤسسات التعليمية بعد المرحلة الأساسية الإلزامية ما تزال ضعيفة ، وأن الدولة تحاول أن تضع البرامج والخطط التعليمية لمساعدة أبناء المسلمين على مواصلة الصعود في المراحل الدراسية المتقدمة وللإنصاف فإن هذا الأمر ليس خاصاً بأبناء المسلمين فقط بل هو عام لأبناء المجتمع البريطاني .

أما عن الواقع المالي لأبناء المسلمين ، فهو مرتبط بالواقع المالي للمسلمين عموماً ، وهو واقع آخذ في التحسن بفضل الله ، لكن أغلب المسلمين مازالوا يصنفون في طبقة محدودي الدخل -أي أصحاب الدخل المحدود – ونسبة قليلة منهم تصنف في الطبقة المتوسطة ونسبة أقل تصنف في الطبقة الغنية ، وقد كشفت الدراسات أن عدد الذين تجاوزوا مرحلة المليون جنيه من المسلمين وصل الى (5400 ) مسلم ومسلمة فقط.

ثانياً:- واقع تكاليف الدراسة و المعيشة للطلبة في بريطانيا:(3)

بعد النظر والدراسة لمجموعة من الدراسات و البحوث التي قامت بها الجهات المعنية بمتابعة جميع التطورات المتعلقة بواقع الطلاب المالي ،وواقع تكاليف الدراسة، والالتحاق بالجامعات في بريطانيا يمكننا أن نقدم هذه الخلاصة على النحو التالي :

  1. أن جميع الدراسات تشير إلى أن تكاليف الدراسة -من الرسوم الدراسية ونحوها- وكذلك تكاليف معيشة الطلبة ستكون في إزدياد مستمر مما سيجعل الكثير من الطلاب بحاجة إلى الإقتراض حتى يتسنى لهم مواصلة الدراسة.
  2. أثبتت الدراسات الميدانية أنه منذ عام ( 2007 ميلادية ) أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في الرسوم الدراسية في كثير من الجامعات ، وأن هذا الإرتفاع قد أوصل هذه الرسوم إلى ثلاثة الآف جنيه إسترليني للعام الواحد عن كل طالب.
  3. أثبتت الدراسات أن المنح المالية المقدمة من الدولة لن تكون متوفرة كما كانت عليه سابقاً.
  4. تكاليف الدراسة الجامعية :

تقوم الدولة بتقييم احتياجات الطلبة المالية بناءً على أمرين إثنين:

  • الأمر الأول: الرسوم الجامعية.
  • الأمر الثاني : تكاليف المعيشة للطالب الواحد.
  1. الرسوم الجامعية .

تقوم الدولة بالمساهمة المالية فيما يتعلق بالرسوم الجامعية وذلك عن طريق الآتي :

  • دفع منح للجامعات بما يعادل خمسة آلاف جنيه عن كل طالب ، وهي منح مجانية تدفعها الدولة للجامعات للتخفيف من الرسوم الجامعية عن كل طالب .
  • فتح المجال للقروض الطلابية أمام كل الطلبة.

تنبيه: حسب الدراسات الميدانية كانت الرسوم الجامعية التي ينبغي على الطالب أن يدفعها سنوياً قبل عام ( 2007 م) تقدر ب ( 1125جنيه) ومنذ عام ( 2007 م) ارتفعت الرسوم لتصل إلى ثلاثة الآف جنيه عن كل سنة.

  1. تكاليف المعيشة:

تعتمد الجهات المعنية على تقرير صادر عن مؤسسة (SIES) ،وهي مؤسسة معنية بتقدير تكاليف المعيشة لجميع الطلبة في بريطانيا بناءً على عدة عوامل منها : متوسط أعمار الطلاب، والحالة الاجتماعية ، وعدد الأبناء -إن كان للطالب أبناء- و المدينة التي يقيم فيها ونحو ذلك. ومن خلال النظر في التقارير الصادرة عن هذه الجهة (SIES) تبين الآتي:

  • تقدر هذه المؤسسة أن متوسط تكاليف المعيشة بالنسبة للطلاب هي :
  • التكاليف المتعلقة بدراسته و التي تبلغ ( 3665 جنيه) سنوياً.
  • التكاليف التي يحتاجها الطالب خارج إطار الدراسة كتكاليف المواصلات ونحوها تصل إلى (3300 جنيه) سنوياً .

وعليه فإن مجمل تكاليف المعيشة للطالب الواحد هي قرابة السبعة الآف جنيه في السنة الواحدة ،وهذا كله ما قبل عام 2007 ميلادية.

  • إيرادات الطلبة :

تختلف مصادر إيرادات الطلبة التي تمكنهم من  تغطية هذه المصاريف، إذ إن المعونة المالية التي تقدمها الدولة اسبوعياً للطلبة لا تكفي لتغطية هذه المصاريف ، ولذا فإن بعض الطلبة يلجؤون للعمل أثناء الدراسة مما يؤثر سلباً على أدائهم التعليمي.

ج) متوسط ديون الطالب عند تخرجه.

بناءً على الدراسة المذكورة سابقاً، والمقدمة من (SIES) بلغت مديونية الطالب في

بريطانيا عند تخرجه في عام (2002 – 2003) مبلغاً وقدره 8666 جنيهاً مقسمة على النحو التالي:

  • ديون مستحقة عليه من الدولة (84%).
  • ديون مستحقة من البنوك (Bank over draft) تصل إلى (11%).
  • ديون تجارية أخرى (3%).

وقد ذكرت آخر الدراسات أن متوسط مديونية الطالب بعد عام (2007) سوف يصل إلى (15000 جنيه).

خلاصة التمهيد

تبين لنا من خلال هذا التمهيد الآتي:

  1. أن إقبال الطلبة المسلمين على الدراسات الجامعية قليل بالنسبة للأعداد التي تكون في المراحل الإلزامية (من 6 – 16 سنة )والتي بلغت نصف مليون في عام ( 2007م).
  2. أن الأقلية المسلمة أغلبها من ذوي الدخل المحدود.
  3. أن الرسوم الدراسية مكلفة لكل الطلبة في بريطانيا ، إذ تبلغ في المتوسط الى أكثر من ثلاثة الآف جنيه في السنة الواحدة ، وهو قدر مالي مرهق لكل طالب في بريطانيا.
  4. أن تكاليف المعيشة واحتياجات الطلبة مرتفعة جدا ، إذ تبلغ في المتوسط الى أكثر من ثلاثة الآف جنيه في السنة الواحدة .
  5. أن الطالب في بريطانيا عندما يتخرج يكون محملاً بديون وقدرها (8666 جنيه )وهو دين مرشح إلى الوصول الى ( 15000) منذ عام ( 2007 م ) .

بناءً على هذا التمهيد يمكننا أن نتصور حاجة الطلبة المسلمين إلى دعم خارجي لمواصلة الدراسة الجامعية، وسوف نحاول في المباحث التالية أن نبين هل لهذه الحاجة أثر على أي اختيار فقهي يتعلق بالقروض الطلابية-من حيث جوازها من عدمها- أو لا ؟.

المبحث الأول : القروض الطلابية التعريف والماهية .

وتحته مطالب :

المطلب الأول : تعريف القروض الطلابية .

المطلب الثاني:- الوصف القانوني لعقد القروض الطلابية.

المطلب الثالث :تعريف الربط بمؤشر تكاليف المعيشة .

المطلب الرابع : تعريفات لمصطلحات مصاحبة .

المطلب الأول: القروض الطلابية التعريف والماهية:

عندما يطلق المصطلح الإضافي المعروف بالقروض الطلابية – وهو ترجمة حرفية للمصطلح الإنجليزي (student loans) – يتبادر إلى الذهن أنها قروض مالية تقدمها المؤسسات المالية كغيرها من القروض بزيادة ربوية أو بدونها .

وهذا المتبادر إلى الذهن ليس هو حقيقة القروض الطلابية في أكثر دول العالم – وبالأخص الدول الغربية- وذلك لأن القروض الطلابية في جميع الدول الغربية لها خصوصية معينة تُكتسب من طبيعة علاقة الدولة بهذه القروض.

فالدول الغربية ونظراً لإهتمامها بقطاع التعليم وحرصها على توفير الخدمات لجميع المنتسبين لهذا القطاع ، تبنت نوعاً من الدعم المالي  لجميع الطلبة المنتسبين للمرحلة الجامعية هو أشبه بدعم بعض الدول للسلع التموينية الأساسية لمواطينيها.

فالدولة إبتداءً تمنح الجامعات -والمؤسسات التعليمية المثيلة – مساعدات ومنح عن كل طالب يلتحق بها ،وقد ذكرنا أنها تصل في بريطانيا إلى خمسة آلاف جنيه سنوياً، وبما أن تكاليف الدراسة في الجامعات هي أكثر من هذا المبلغ ؛ فإن الدولة تتكفل بعد ذلك بدعم وتحمل بعض القروض الربوية عن طريق التعاقد مع القطاع المالي الخاص ، ثم تعطي هذه القروض للطلاب -دون مقابل ربوي – كما هو معلن في الوثائق القانونية – و ذلك عبر صورتين اثنتين:

الصورة الأولى: أن لايكون هناك أي فارق بين المبلغ الذي يقترضه الطالب وبين ما يطلب منه تسديده. وهذه الصورة أصبحت نادرة في أكثر الدول الأوربية.

الصورة الثانية: أن تربط هذه القروض بمؤشر تكاليف المعيشة مع إعطاء فرصة للطالب بعدم السداد إلاّ بعد حصوله على العمل ، وهذا ما يطلق عليه اليوم في جميع الدول الغربية بالقروض الطلابية.

ويمكن أن يزداد الأمر وضوحاً بالإستعانة بهذه الإطلالة السريعة على بعض الجوانب القانونية المنظمة لهذه القروض في بريطانيا مع التذكير بأنها لا تختلف كثيراً عن بقية الدول الأوربية.

فقد جاء في الفصل التاسع لقانون القروض الطلابية لعام 1996 م – اختصاراً- ما يلي:

  1. يتاح تقديم القروض الطلابية من السكرتير العام للولاية (Secretary of State).
  2. يتم ذلك عن طريق أخذ قروض من القطاع الخاص وتقوم الدولة بدعم هذه القروض – أي أن تتحمل هي دفع الأقساط الربوية المترتبة عليها و لا تحمل الطلاب منها شيئاً- وهذا أشبه بما يحصل من دعم الدولة للسلع التموينية في كثير من دول العالم.
  3. تُتاح هذه القروض للطلبة المستحقين للمساعدة وهم من المواطنين أو الحاصلين على الإقامة الدائمة ، وذلك لأجل لمساعدتهم على دفع مصاريف الدراسة و تكاليف المعيشة الطلابية .
  4. يقوم البرلمان بإقرار المساعدة المالية لأي ارتفاع متعلق بمصاريف السكرتير العام للولاية وذلك لدعم القروض المقدمة من قبل القطاع الخاص، ويكون حسب الميزانية التقديرية المقدمة من السكرتير.
  5. يقوم البرلمان بإقرار المساعدة المالية لأي ارتفاع متعلق بمصاريف السكرتير العام للولاية ،والتي تندرج تحت أي بند من البنود المتعلقة بقانون القروض الطلابية لعام 1996.
  6. الجهة الحكومية المسؤلة عن تقديم المعونات و القروض وجلبها من القطاع الخاص تسمى بشركة القروض الطلابية (Students Loans Company) وهي حكومية وتعرف إختصاراً بـ (LSC).

وبعد هذه الإطلالة السريعة على طبيعة علاقة الدولة بالقروض الطلابية يمكننا أن ندرك الخصوصية المتعلقة بهذه القروض ، وهي كونها قروض تتداخل فيها ثلاث جهات وهي المؤسسات المالية الخاصة -من بنوك ومصارف وشركات مالية-، والمؤسسة الحكومية المعروفة بشركة القروض الطلابية ، والطلبة المستفيدين من هذه القروض، وسوف نبين عند حديثنا عن حقيقة العقد المتعلق بهذه القروض نوع العلاقة بين هذه الجهات الثلاثة وأثر ذلك على التكييف الفقهي لمسألة القروض الطلابية.

المطلب الثاني:- الوصف القانوني لعقد القروض الطلابية: (4)

القروض الطلابية كما ذكرت في تعريفها أنها عقد له خصائص محددة ، ولا يمكن الحكم على هذا العقد إلاّ بتصوره تصوراً صحيحاً- فالحكم عن الشئي فرع من تصوره- ولذا أحببت أن أُفرد للحديث عن حقيقة هذا العقد وبيان أركانه وشروطه القانونية هذا المطلب، وسيكون ذلك من خلال النظر والتأمل في عدة دراسات قانونية مختصة بعقد القروض الطلابية وما يتعلق به من قوانين وتشريعات ، فأقول و بالله التوفيق.

  1. مصادر القروض الطلابية وشروطها- العلاقة بين الدولة والمؤسسات المالية الممولة:

في هذه الفقرة نبين طبيعة العلاقة التي تربط بين شركة القروض الطلابية (LSC) ،وبين المؤسسات المالية من القطاع الخاص وخلاصتها كالتالي:

  • تقوم شركة القروض الطلابية (LSC) بعرض مناقصات لاستجلاب القروض من القطاع الخاص ، ولا يحق لأي جهة من القطاع الخاص أن تحتكر تمويل شركة القروض الطلابية (LSC) ، ويجب على شركة القروض الطلابية أن تسعى لجلب القروض من جهات ومؤسسات مالية متنوعة من القطاع الخاص.
  • يتم دعم هذه القروض من قبل الدولة عن طريق الميزانية السنوية المخصصة لهذا الغرض، و التي تدفع لسكرتير الولاية كما ذكرنا سابقاً.
  • تقوم شركة القروض الطلابية (LSC) بمنح وتنظيم هذه القروض بناءً على النصوص المتعلقة بذلك في القانون الذي تم ذكره سابقاً.
  • تكون التكلفة المأخوذة من شركة القروض الطلابية (LSC) أي الفائدة الربوية ثابتة طول فترة العقد.
  • تقوم شركة القروض الطلابية (LSC) بدفع الأقساط الشهرية للشركات المالية الممولة.
  • لايجوز للجهات المالية الممولة تعيين أو تفويض أي جهة أُخرى لإستلام أي أمر يتعلق بالاتفاقية بين الطرفين إلاّ بموافقة شركة القروض الطلابية (LSC).
  • هذه الاتفاقية لا يجوز استبدالها، أو إحداث أي تعديلات عليها، أو على ما فيها من البنود.
  1. العلاقة بين شركة القروض الطلابية (LSC) وبين الطالب المقترض:

العلاقة بين شركة القروض الطلابية (LSC) والطالب المقترض هي محل النظر الأساسي لكل من أراد أن يصدر حكماً شرعياً بخصوص هذه القروض ، فمعرفة هذه العلاقة، و تكييفها شرعا للوصول إلى الحكم عليها هو مقصود هذا البحث وهدفه .

وقبل الدخول في التفاصيل أحب أن أؤكد على أمرين اثنين.

الأمر الأول: أن الحكومة تعلن في موقعها الرسمي وبشكل واضح وصريح أنها لاتقوم بأخذ أي نوع من الفائدة الربوية على القروض الممنوحة للطلاب، وذلك لعدم رغبتها في معارضة بعض التعاليم الدينية لبعض فئات الشعب البريطاني ، وتمثل على ذلك بالتعاليم الدينية  للمسلمين و اليهود، أي أن الدولة تعلن وبشكل واضح أن القروض الطلابية تخضع لفائدة نسبتها صفر في المئة.

الأمر الثاني: أن طبيعة التعاقد بين شركة القروض الطلابية (LSC) و الطالب المقترض -كما هي في نص العقد  وكل الدراسات القانونية المتعلقة بالقروض الطلابية – أنه تعاقد على قرض خالي من الفائدة الربوية لكنه مربوط بمستوى أسعار السلع الفردية -أي مربوط بمؤشر تكاليف المعيشة- أو هو عقد ترتبط الفائدة فيه بنسبة تتناسب مع نسبة التضخم المالي الحاصل في المستقبل وفقاً لدراسات محددة.

وتعلل كل القوانين و الدراسات هذا الربط القياسي بأن القرض الطلابي يكون على مدى طويل وفي أثناء هذه المدة تكون القيمة الحقيقية للعملة قد تغيرت بسبب التضخم ، فيتم تعديل أصل المبلغ المقترض (أو على الصحيح ما تبقى من القرض) بالنسبة لقيمة التضخم في أسعار السلع الفردية و المعروف بي ( Retail prices Index ) حتى تكون قيمة الدين في المستقبل على ما كانت عليه ساعة الاقتراض.

فالأصل إذاً في العقد الذي يربط بين شركة القروض الطلابية (LSC) و الطالب المقترض أنه قرض مربوط بمؤشر تكاليف المعيشة، ولبيان تفاصيل هذا العقد نذكر بعض البنود القانونية المنظمة له.

  • يتم تعديل وحساب الفائدة على القرض من الأول من سبتمبر إلى آخر يوم في أغسطس من كل عام. ومثال ذلك أنه من الأول من سبتمبر (2007م) إلى (31/أغسطس/2008م) يكون معدل الفائدة السنوية (4,8%) عن المبلغ المتبقي من القرض.
  • لا تستفيد أي جهة بأي مقدار من الربح من هذه النسبة وهذا طبعاً فيما يتعلق بالطالب و الجهات الحكومية المسؤولة عن القروض الطلابية.
  • يتم إضافة وتعديل نسبة الفائدة على القرض إلى أن يتم دفع أصل القرض كلياً.
  • تقوم وزارة المالية و الضرائب ((H.M. Revenues and Customs)  بإعلام شركة القروض الطلابية (LSC) بقيمة الأقساط ومواقيتها عند أنتهاء كل سنة، ومن ثم تقوم بتعديل نسبة الفائدة عليها بما يتناسب مع التوقيت الذي يتم فيه الدفع .

تنبيه : لاتقوم الدولة بإضافة نسبة الفائدة على الجزء الذي تم دفعه في الماضي ، وإنما تضاف هذه النسبة على المال المتبقى من القرض.

  1. كيفية دفع أقساط القروض الطلابية.
  • يتم تحصيل وجباية جميع الأقساط عن طريق مصلحة الضرائب.
  • تتحدد قيمة الأقساط التي تدفع عن طريق مصلحة الضرائب بحسب دخل الفرد السنوي، فعندما يزيد الدخل السنوي عن خمسة عشر ألف جنيه يتم جباية (9%) من الدخل الذي يفوق المبلغ المذكور.
  • في حالة ما انخفض دخل الفرد إلى أقل من خمسة عشرة ألف جنيه سنوياً تتوقف جباية الأقساط لحين ارتفاع الدخل السنوي إلى أكثر من خمسة عشرة ألف جنيه سنوياً  (£15,000).
  • لا توجد مهلة زمنية محددة يتوجب تسديد القرض فيها .

فائدة :  أثبتت الدراسات  أن متوسط مدة السداد  للقروض الطلابية في الأغلب  هو ثلاثة عشر سنة تقريباً.

المطلب الثالث : تعريف الربط القياسي:

لعلماء الإقتصاد تعريفات متقاربة لعملية ربط الديون والقروض بمؤشر تكاليف المعيشة، أو ما يسمى بالربط القياسي ، وسوف أكتفي بالنقل من كلام الدكتور رفيق المصري وهو من أهل الإختصاص فقد قال في تعريف الربط القياسي ما يلي :” الربط القياسي ترجمة عربية للفظ الأجنبي Indexation وهذا اللفظ مأخوذ من index numbers وتعني الأرقام القياسية التي يعرف معناها دارسو الإحصاء و الاقتصاد. ويطلق عليها بالفرنسية Indices حيث تتخذ سنة معينة أساسا للمقارنة، وتعطى رقما قياسيا مقداره 100، وتحدد التغيرات النسبية في سني المقارنة، فتكون أرقامها القياسية 100 أو أكثر أو أقل بحسب الثبات أو الزيادة أو النقصان.

ويقصد بالربط القياسي إلى تثبيت قيمته تحقيقا للعدالة بين طرفيه: المقرض و المقترض. ومثاله: أن تقرض 100 ريال تعادل 50 كغ من قمح موصوف وتستوفي القرض بمبلغ من الريالات يعادل 50 كغ من هذا القمح الموصوف، فإذا كان المعادل 100 ريال كان معنى ذلك أن القوة الشرائية للريال (بالنسبة للقمح) بقيت ثابتة طيلة مدة القرض ولم تتغير.

وإذا استوفيت 200 ريال كان معناه أن القوة الشرائية للريال قد هبطت بمقدار النصف، وزادت أسعار القمح بمقدار الضعف، من ريالين إلى أربعة ريالات.

وإذا استوفيت 50 ريالا كان معناه أن القوة الشرائية للريال قد زادت بمقدار الضعف، وانخفضت أسعار القمح بمقدار النصف، من ريالين إلى ريال واحد فقط وهكذا.

وقد يتفق على ربط القرض بالقمح أو بالتمر، أو بأي سلعة أخرى زراعية أو صناعية. وقد يربط بمجموعة (=سلة) من السلع مثلاً 100 ريال تعادل 40 كغ قمح x 2 ريال = 80 ريالا و20 كغ شعير x 1 ريال = 20 ريالا فيسدد القرض. بمبلغ من الريالات يعادل عند السداد 40كغ قمح + 20كغ شعير.

هذا وقد يربط النقد بنقد أخر أقوى منه، كأن يقرض أحدهم مصرفا بالريال السعودي على أساس كمية معينة من الدولارات(أي على أساس سعر صرف معين) أو على أساس كمية معينة من ( الدنانير الإسلامية ) كما في البنك الإسلامي للتنمية، مع الإنتباه إلى أن هذا الدينار الإسلامي وحدة حسابية تعادل حقا واحدا من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، وهو حق يمثل مجموعة من العملات الدولية بنسب معينة، فالدينار الإسلامي تسمية محلية لوحد نقدية غير محلية (انظ المادة 4 و 24 و 26 من اتفاقية تأسيس البنك، وبرنامج ودائع الاستثمار: دعوة للاستثمار وفق أحكام الشريعة لعام 1401 هجرية).

سبب الظاهرة:

المعلوم ان القروض غالباً ما تعقد في عصرنا هذا بالنقود، لا بالسلع فيقرض أحدهم آخر 1000 ريال مثلاً، لا 1000 كغ من القمح أو الشعير أو غيرهما.

ومعلوم أيضا أن النقود قد تغيرت أشكالها على مر الزمن، فكانت أولا نقودا معدنية ثمينة كالذهب و الفضة لها قيمة ذاتية، فالذهب و الفضة لهما استعمالات نقدية، بالإضافة إلى استعمالاتهما الأخرى، في صناعة الحلي و المجوهرات و الأواني وأداوات الزينة و التحف والساعات وحشو الأسنان… ثم أصبحت نقودا معدنية خسيسة (=غير ثمينة) كالفلوس التي لها قيمة ذاتية، ولكنها قليلة بالنسبة لقيمتها النقدية الاصطلاحية، ثم اتخدت النقود شكل النقود الورقية التي لا تكاد قيمتها الذاتية تذكر حيال قيمتها النقدية، فورقة من فئة 500 ريال، ما قيمة المادة التي صنعت منها بالقياس إلى قيمتها النقدية (قوتها الشرائية)؟ إنها لقيمة مهملة بلا شك.

ومع سهولة إصدار النقود الورقية، وقعنا في التضخم النقدي و هو ارتفاع عام في السلع و الخدمات مما يعني الميل العام في انخفاض قيمة النقود، أي قوتها الشرائية، أو سلطانها على الأموال الأخرى من سلع وخدمات.

واضطربت هذه النقود الورقية في معظم البلدان، وبدراجات متفاوتة في مدى نهوضها بالوظائف النقدية: وسيط للمبادلة، أداة للحساب و المحاسبة، مقياس للقيم، أداة اختزان (مخزن أو مستودع) للقوة الشرائية، أساس للمدفوعات المؤجلة. فهي تقوم ببعض الوظائف وتعجز عن بعض فلم تعد قادرة على اختزان قوة شرائية ثابتة (نسبيا) إذا بقيت لدى صاحبها أو أقرضت إلى الغير. فصرت تقرض مبلغا قوته الشرائية 100 ريال وتسترد مبلغا في العدد ولكن قوته الشرائية 50 ريالا. “(5)

المطلب الرابع : تعريفات لمصطلحات مصاحبة :

من المصطلحات التي تذكر في صلب هذا الموضوع ما يتعلق بالقيمة الاسمية والحقيقية للنقود وتعريفها على النحو التالي :

تعريف القيمة الاسمية: القيمة الاسمية لأي صك أو وثيقة أو عملة أو ورقة نقدية هي القيمة المدونة عليها وهذه القيمة تحددها الحكومة.(6)

وعلى هذا فإن القيمة الاسمية للديون و القروض هي المقدار المعلوم بموجب عدد وحدات النقد الذي تعاقد عليه المتعاقدان عند العقد. والذي يسميه الفقهاء بالثمن، ويوجبون رد مثله.

القيمة الحقيقية: هي قيمة النقود الشرائية ،والتي هي عبارة عن مقدار ما يتحصل عليه بوحدة النقد من سلع وخدمات .(7)

المبحث الثاني : التكييف الفقهي للقروض الطلابية في أوربا :

وتحته مطالب :

المطلب الأول :  تحرير العلاقات القائمة بين أطراف القروض الطلابية .

المطلب الثاني :  أنواع الربط القياسي بمؤشر تكاليف المعيشة.

المطلب الثالث : أقوال العلماء المعاصرين في مسألة ربط القروض الربط بمؤشر تكاليف المعيشة  .

المطلب الرابع : الأدلة على كل قول ومناقشتها .

المطلب الأول :  تحرير العلاقات القائمة بين أطراف القروض الطلابية:

للتعرف على الحكم الشرعي للقروض الطلابية ينبغي تحرير جميع العلاقات القائمة بين أطراف هذه  القروض  ، ثم الحكم على كل علاقة من خلال طرق الاستنباط والاجتهاد.

والأطراف التي تذكر دائماً عند الحديث عن القروض الطلابية هي ثلاثة أطراف :

  • الطالب .
  • المؤسسات المالية من القطاع الخاص .
  • شركة القروض الطلابية الحكومية (LSC) .

ولكي نحرر الحكم الشرعي للقروض الطلابية نحتاج أن نتعرف على نوعية العلاقة بين كل من :

  1. الطالب و المؤسسات المالية من القطاع الخاص.
  2. الطالب و شركة القروض الطلابية (LSC).
  3. المؤسسات المالية (من القطاع الخاص) وشركة القروض الطلابية LSC .

وعليه فإن وصف العقد الذي يربط بين أطراف القروض الطلابية هو على النحو التالي :

العلاقة الأولى: بين الطالب و المؤسسات المالية من القطاع الخاص:

بعد الدراسة القانونية لعقد القروض الطلابية، تبين لنا بأنه لا توجد أي علاقة بين الطالب و المؤسسات المالية من القطاع الخاص سواء كانت بنوك أو شركات مالية أو نحوها ( لا على سبيل الإقتراض و لا الكفالة و لا الضمان و لا غيرها من العقود ).

العلاقة الثانية :- بين الطالب و شركة القروض الطلابية (LSC):

بينا سابقاً أن العقد الذي يربط بين الطالب وشركة القروض الطلابية: هو عقد قرض -بدون فائدة ربوية-مربوط قياسياً بمؤشر تكاليف المعيشة في حالات التضخم.

وسوف نفصل القول في الحكم على هذا النوع من القروض في المبحث الأتي المطالب بإذن الله .

العلاقة الثالثة:- بين الشركات المالية (من القطاع الخاص) وشركة القروض الطلابية (LSC):

بعد النظر في جميع القوانين المنظمة لهذه العلاقة ، فإن العقد الذي ينظمها هو عقد ربوي صريح، والذي يعنينا هنا أن نبين أنه لا صلة لهذا العقد بالعقد الذي يربط بين الطالب وشركة القروض الطلابية ، لا على سبيل الضمان و لا الكفالة و لا نحوها من عقود الوساطة ، والدولة ممثلة في شركة القروض الطلابية تقوم بأخذ القروض الربوية من شركات القطاع الخاص ، ثم تضع هذه القروض في سلة مالية واحدة، ثم تقوم بعد ذلك باقتطاع القروض الطلابية لكل طالب بحسب حاجته ومواصفاته بناءً على العقد الذي بينها وبين كل طالب يرغب في الحصول على القرض الطلابي بالوصف الذي ذكرناه في تعريف القروض الطلابية.

المطلب الثاني: أنواع الربط القياسي بمؤشر تكاليف المعيشة:

ذكر الدكتور نزيه حماد أنواع الربط القياسي باختصار فقال : ” هناك ثلاثة أنواع للربط القياسي هي:

أحدها الربط التعاقدي (الرضائي) ، وقوامه اتفاق الطرفين في مداينةٍ على كون الالتزام المالي فيها مرتبطاً بمؤشر تكاليف المعيشة.

والثاني: الربط القانوني ، وذلك عندما يصدر قانون حكومي عام يلزم جميع الأشخاص المتداينين بالربط. مثل اصدار الحكومة قانوناً يلزم جميع البنوك بربط الودائع المصرفية بمؤشر تكاليف المعيشة. وعندها يحصل المودع بصورةٍ مباشرة على نوعين من الزيادة، الأول هو الفائدة المقررة للحساب المعروفة نسبتها وقت الإيداع. والثاني زيادة أُخرى مرتبطة بمؤشر تكاليف المعيشة تُعرف نسبتها عند الإعلان عن مؤشر الأسعار في نهاية الفترة.

والثالث: الربط العلاجي ، وهذا الربط لا يكون مقرراً أصلاً عند المداينة لا بالتراضي بين العاقدين و لا بقوة القانون ، ولكن يُلجأ إليه عند الوفاء في حالات التضخم التي تنخفض فيها القوة الشرائية للنقود انخفاضاً فاحشاً، لتعديل الديون و الالتزامات الآجلة بغية إعادة التوازن في تلك المداينات ، تحقيقاً لمبدأ العدالة و الإنصاف، ورفعاً للظلم و الإجحاف عن الدائنين وجبراً للضرر اللاحق بهم نتيجة ذلك التضخم ” .(8)

المطلب الثالث :- أقوال العلماء المعاصرين في مسألة ربط القروض بمؤشر تكاليف المعيشة:(9)

  تشعبت أقوال العلماء المعاصرين في بيان الاجتهاد الشرعي الصحيح لمسألة ربط الديون بمؤشر تكاليف المعيشة أو بمستوى الاسعار، وذلك لاختلافهم في أصل أعتبار أثر التضخم على ما ترتب في الذمة من ديون، وكذلك لاختلافهم في تحديد مقدار الهبوط الفاحش للقوة الشرائية للنقود الورقية ، و الذي يعنينا من خلافهم ما يتعلق بإثبات صحة الربط القياسي من عدم صحته بدون الدخول في التفاصيل المتعلقة بمقدار التضخم المؤثر على العقود الآجلة، إضافة إلى ذلك فإننا نحتاج أن نبحث في خلافهم في الربط القياسي التعاقدي و القانوني و لن نتطرق لأقوالهم في الربط القياسي العلاجي.

-وذلك لأن الربط القياسي في مسألة القروض الطلابية هو من النوع التعاقدي من جهة، والقانوني من جهة أخرى؛ لأن القانون يلزم شركة القروض الطلابية (LSC) ومن يقترض منها من الطلاب بالربط القياسي – .

وتحصيل أقوال العلماء في هذه الصورة من الربط القياسي هي على النحو التالي:

القول الأول:- جواز ربط القروض و الديون بمؤشر تكاليف المعيشة:

وهذا اختيار الشيخ السلامي إذا كان الربط القياسي تعاقدياً حيث قال :” يجوز للمتعاقدين في الالتزامات الآجلة أن يضبطا قيمة الإلتزام بمعيار هو المرجع عند الأداء (كالذهب، أو الدولار، أو سلة العملات ) ،وبهذا يكون كل من المتعاقدين على بينة من أمره منذ البداية” (10).

وهو ما اقترحه الشيخ محمد الأشقر على المجمع الفقهي بجدة فقال : “ينبغي أن يعدل نقص القوة الشرائية للنقود الورقية في سائر المداينات المؤجلة، وذلك بإضافة نسبة مئوية (وهي نسبة التضخم) إلى الثمن المؤخر في بيوع النسيئة أو إلى مبلغ القرض ليستكمل البائع أو المقرض أو المودع في الحسابات المصرفية مقابل ما نقص من حقه.” (11).

 وهو ما نسبه الدكتور المرزوقي إلى الدكتور علي القره داغي ولم أقف على بحث الدكتور القره داغي لأنقل قوله في هذه المسألة.

وقد اختار هذا القول عدد من الاقتصاديين الإسلاميين كالدكتور عبدالرحمن يسري، والدكتور محمد عبدالمنان، والدكتور رفيق المصري وغيرهم.

القول الثاني:- عدم جواز ربط القروض و الديون بمؤشر تكاليف المعيشة:

 وهو الذي قال به شيخنا عبدالله بن بيه والشيخ محمد صديق الضرير والشيخ علي السالوس وغيرهم. وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حيث جاء في القرار الرابع للدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد في الكويت : أن  العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة  في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار (12).

وهو ما تم إقراره في الندوة التي عقدت في البنك الإسلامي بجدة بالتعاون بين المعهد الإسلامي للبحوث و التدريب التابع للبنك الإسلامي بجدة و بين المعهد العالمي للاقتصاد الإسلامي التابع للجامعة الإسلامية في إسلام آباد، وقد جاء في توصيتها الثالثة بأنه : لايجوز ربط الديون التي تثبت في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار، بأن يشترط العاقدان في العقد المنشئ للدين كالبيع و القرض وغيرها ،ربط العملة التي وقع بها البيع أو القرض بسلعة أو مجموعة من السلع أو عملة معينة، أو مجموعة من العملات بحيث يلتزم المدين بأن يوفي للدائن قيمة هذه السلعة ،أو العملة وقت حلول الأجل بالعملة التي وقع بها البيع أو القرض (13).

وقد اختار هذا القول عدد من الاقتصاديين الإسلاميين كالدكتور محمد عمر شبرا و الدكتور محمد علي القري وغيرهم.

المطلب الرابع: الأدلة على كل قول مناقشتها (14):

استدل أصحاب كل قول من الأقوال السابقة بجملة من الأدلة نكتفي بذكر بعضها- مما تسمح له سعة هذا البحث فاستفراغ الجهد في سرد جميع الأدلة مما لاطاقة لهذا البحث على استيعابه _ .

  • أدلة القول الأول:

استدل أصحاب القول الاول -الذين قالوا بجواز ربط الديون بمؤشر تكاليف المعيشة – بأدلة أهمها ما يأتي:

  1. قوله تعالى: {وأوفوا الكيل و الميزان بالقسط} (سورة الانعام:152)، وقوله تعالى:{وزنوا بالقسطاس المستقيم} (سورة الشعراء:182). والوفاء بالقسط يشمل كل أنواع المعاملات المالية ، وليس الوزن أو الكيل فحسب، ومعلوم أن الربوي، والقروض الآجلة لن تدفع بقيمتها الحقيقية في حالة التضخم، والربط بمؤشر تكاليف المعيشة يحقق العدل والقسط الذي دعت اليه نصوص الشريعة.
  2. “لاضرر ولا ضرار” و “الضرر يزال” قاعدتان أساسيتان من القواعد الفقهية العامة في الشريعة الإسلامية. والتضخم يسبب الضرر في القيمة الحقيقية للالتزامات الآجلة، لذا فإن ربط الالتزامات بتغير الأسعار يعتبر تعويضاً عن هذا الضرر.

ومن المعلوم أن المقرض والمقترض ليسا مسؤولاً عن هذا الضرر في القيمة الحقيقية ، لأن الأسباب التي تؤدي إلى التضخم هي خارج سلطان كل منهما ، و الربط بمؤشر تكاليف المعيشة يصون كليهما من الضرر.

  1. إنّ رد القروض و الديون بقيمتها الحقيقية سواء زادت أو نقصت عن مقدارها وقت القرض أو الدين ونحوهما، يتحقق فيه التماثل المطلوب في الحديث الشريف “مثلاً بمثل”.

فمن اقترض –مثلاً- (1000ريال) ثم زادت نسبة التضخم (10%) فرد (1100 ريال) فهذه ليست زيادة حقيقية، وإنما هي رد لنفس المالية التي اقترضها المقترض ، لأن مالية الألف ريال من حيث قوتها الشرائية كانت أكثر وقت الاقتراض ، ثم انتقصت عند الأداء بنسبة (10%) فلو رد المقترض (1000) ريال لكان في ذلك ظلم على المقرض لأنه لم تعد له المالية الكاملة  التي أقرضها، بل عادت إليه ناقصة، وإذا ألزمنا المقترض أن يدفع إليه (1100) ريال لم يكن ذلك إلاّ إكمالاً للمالية المقترضة لأن مالية (1100ريال) اليوم هي عين مالية الألف عند الاقتراض. فزيادة المائة جبر لنقصان قيمة النقد، وليست زيادة على المالية المقترضة ، فلزم أن لا تعتبر هذه الزيادة من الربا المحرم.

  • أدلة القول الثاني:

استدل أصحاب القول الثاني -الذين قالوا بعدم جواز ربط الديون بمستوى الأسعار- بأدلة أهمها ما يأتي:

  1. أن الورق النقدي المعمول به في جميع دول العالم في هذا العصر، نقد قائم بذاته، له حكم الذهب والفضة، وقد اتفقت على هذا قرارات المجامع الفقهية، ويتخرج على هذا وجوب رد مثل الدين الثابت في الذمة عند حلول الأجل ، وعليه فلا يجوز ربط القروض والديون بمستوى الأسعار تخريجاً على أقوال علماء المسلمين ومنهم الأئمة الأربعة حيث اتفقوا على أن النقود الذهبية والفضية يرد مثلها في الديون قروضاً ، أو ثمن بيوع مؤجلة، أو مهراً مؤخراً، أو نحو ذلك فالنقص ، أو الزيادة في القيمة لا يعتد بها، فإنه لا يلزم المدين إلا رد مثلها. أما إذا انقطعت أو فقدت العملة في بلد المتعاقدين فتجب قيمتها.
  1. إن ربط القروض ، أو ثمن المبيع المؤجل ، أو الصداق المؤخر بمستوى الأسعار يؤدي إلى الربا لأنه إذا دفع المقرض للمقترض ، مثلاً خمسين ألف ريال سعودي ، ومثله مبلغ الدين. وبعد عام و قد حل موعد السداد، ارتفعت نسبة التضخم (5%) فإنه يلزمه دفع الخمسين ألف (50000) وعليها زيادة ارتفاع الأسعار وقدرها ألفان وخمسمائة ريال (2500) ، وهذا ربا الفضل وربا النسيئة معاً وهو باطل بإتفاق. لما رواه مسلم وغيره عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” لا تبيعوا الدينار بالدينارين و لا الدرهم بالدرهمين ” (15).

وعن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ” الذهب بالذهب و الفضة بالفضة و البر بالبر و الشعير بالشعير و التمر بالتمر و الملح بالملح، مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ و المعطي فيه سواء “(16).

فالحديثان تضمنا النص على المنع من أخذ أكثر أو أقل مما أقرض أو باع به … فكانت الزيادة أو النقص ، الناتجان عن الربط بمؤشر تكاليف المعيشة منهي عنهما لأنهما ربا وهو ربا الفضل و النسيئة.

  1. إن فيه غرراً فاحشاً وهو ناشئ عن الجهل بمقدار الثمن ، فالبائع والمشتري و المقرض و المستقرض لا يعلم كل منهما مقدار ما يجب دفعه عند حلول الأجل ، لأنه لا يعلم كم تساوي قيمة السلعة أو السلع التي يربط بها القرض أو قيمة المبيع المؤجل ، أو الصداق المؤخر، ومن شروط البيع العلم بمقدار الثمن ، ومن شروط وجوب المهر المسمى العلم بمقدار المهر، ومقدار الثمن ، و المهر في حالة ربطهما بمستوى الأسعار : أمران احتماليان غير معلومي المقدار فيكون البيع و القرض فاسدين لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وبيع الغرر “(17).
  • مناقشة الأدلة والترجيح:

ما استدل به الفريق الأول -ممن يرى جواز ربط الديون بمؤشر تكاليف المعيشة – من الأدلة -ما ذكرته منها وما تركته اختصاراً- يمكن أن نقسمها الى مجموعتين على النحو التالي:

أولهما:- مجموعة من الأدلة العامة التي تدل على وجوب إيفاء الكيل ، وإقامة القسط ، و العدل ، وعدم تحميل طرف من أطراف العقد الغبن ، أو النقص الحاصل نتيجة للتضخم.

مع أدلة أخرى تؤسس لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وأن الضرر الواقع على المقرض ينبغي أن يزال ويعالج ، وأن المعالجة عن طريق الربط القياسي معالجة صريحة سليمة من أي ظلم أو أخذ لمال الغير بغير حق.

والملاحظ على كل هذه الأدلة أنها أدلة عامة لا تسلم من المعارضة بمثل ما استدل به أصحابها، فقد يناقش الاستدلال بوجوب إيفاء الكيل و إقامة القسط ، بأنه ليس من العدل و القسط أن يدفع المقترض زيادة على المبلغ الذي اقترض، وليس من العدل كذلك أن يعالج الأمر لمصلحة طرف دون طرف آخر.

وأما الاستدلال بقواعد رفع الضرر فإنه يجاب عنه بأنه من القواعد الفرعية للقاعدة الكبرى (لاضرر ولا ضرار) أن الضرر لا يزال بمثله فلا يمكن أن يرفع الضرر عن المقرض بإيقاع الضرر على المقترض.

ثانيهما:- أدلة تؤكد على ضرورة اعتبار القيمة عند القضاء ، وأن رد القروض و الديون بقيمتها الحقيقية – سواء زادت أو نقصت عن مقدارها وقت القرض أو الدين-  يتحقق فيه التماثل المطلوب في قوله صلى الله عليه وسلم : ”  مثلاً بمثل” .

والملاحظ أن كل الأدلة التي ذكرها أصحاب هذا القول فيما يتعلق باعتبار القيمة عند القضاء مبناها على مسألة في غاية الأهمية، وهي اعتبار الفارق- من جهات كثيرة- بين العملات الورقية المعاصرة ،وبين النقدين الذهب والفضة.

وهذا الاعتبار قد تجاوزه أصحاب القول الثاني – الذين قالوا بعدم جواز الربط القياسي – تجاوزاً أدى الى إهمال كل الدراسات الشرعية ، و الاقتصادية ، والقانونية المتعلقة بالنقود الورقية المعاصرة ، وما طرأ عليها عبر مراحل متعددة بدأت فيها بمرحلة ارتباط كامل بما يعادلها من العملة الذهبية ، وانتهت منذ أكثر من نصف قرن إلى اعتبارها أوراقاً نقدية لا علاقة لها بما يقابلها من الذهب و الفضة ، وقد أوقع هذا التجاوز  أصحاب القول الثاني ومن وافقهم – ممن يرى اعتبار المثل لا القيمة عند القضاء في العملات الورقية – في ارتباك وتناقض كبير.

عبر عن بعضه شيخنا ابن بيه -حفظه الله- بقوله:” فإن تصفح كلام العلماء لا شك يساعد على تكوين رأي و إعطاء صورة مميزة لأي موضوع. ذلك هو الهدف وراء مراجعة

 كلام الأقدمين والمتأخرين ومقارنة أقوال المحللين و المحرمين إلا أن النتيجة الأولى التي يمكن أن يخرج بها المرء بعد أن طالع أقوال الفقهاء هي ملاحظة الإضطراب الواضح عند أكثرهم في هذه المسألة، فلا يكاد أحدهم يبرم رأياً إلا كر عليه بالنقض و لا يبسط وجهاً إلا عاد عليه بالقبض ….” .(18).

أما ما استدل به الفريق الثاني الذي حرم ربط الديون بمؤشر تكاليف المعيشة فيمكن اختصاره كذلك في مجموعتين من الأدلة على النحو التالي:

المجموعة الأولى: أدلة تحاول أن تربط بين القول بأن الأوراق النقدية اليوم هي  نقد قائم بذاته له حكم الذهب والفضة، وبين التعامل مع هذه الأوراق في ضوء جميع الأحكام المتعلقة بالذهب والفضة مثلاً بمثل سواء بسواء ، دون مراعاة لأدنى فارق بين هذه الأوراق و بين النقدين  الذهب والفضة ، ولعلنا نشير الى فارق واحد بين العملات الورقية المعاصرة وبين النقدين الذهب والفضة ، وذلك هو الفارق المتعلق بالثبات النسبي للقوة الشرائية للذهب والفضة المغاير للهبوط المستمر للقوة الشرائية في النقود الورقية وقد قرب الدكتور محمد الأشقر -حفظه الله – هذا الفارق بأمثلة في غاية من الأهمية فقال : ” فلننظر إلى ما آل إليه الأمر الان (أي بخصوص العملات الورقية) :

  • الجنيه الذهبي يساوي الآن 33 ديناراً أردنياً (وهو الذي حل محل الجنيه الفلسطيني وكان يساويه في القيمة).
  • الجنيه الذهبي يساوي الآن 190 جنيهاً مصرياً.
  • الجنيه الذهبي يساوي الآن 45000 ليرة تركية وقية.

ومعنى ذلك أن القوة الشرائية هبطت في مدى ستين عاماً فقط للعملات الورقية الثلاث كما يلي:

هبطت قيمة العملة الورقية الأردنية إلى جزء واحد من 33 جزءا من قيمتها الأصلية، أي هبوط بمعدل نسبة %5 سنوياً تقريباً.

وهبطت قيمة العملة الورقية المصرية إلى جزء واحد من 190 جزءاً من قيمتها الأصلية أي بمعدل نسبة %8,4 سنوياً تقريباً.

وهبطت قيمة العملة الورقية التركية إلى جزء واحد من 45000 جزءاً من قيمتها الأصلية أي بمعدل نسبة %16,4 سنوياً.

فقارن هذا بمدى استقرار سعر الذهب من عصر النبوة إلى الأن -أي في مدى 1400 سنة – ، تجد أنه لم ينخفض أصلاً، أو انخفض بنسبة ضئيلة جداً بمعدل لا يكاد يُذكر، وهبطت الفضة إلى جزء واحد من سبعة أجزاء من قيمتها في المدة نفسها ” (18).

فالمقصود أن أكثر أدلة القول الثاني متجه نحو محو الفارق بين العملات الورقية وبين النقدين الذهب و الفضة. ولذلك استندوا إلى أقوال جمهور العلماء بأن النقود الذهبية و الفضية يرد مثلها في الديون ونحوها من العقود. وأعملوا هذا الرأي المتفق عليه في النقود الورقية دون مراعاة لأي فارق يذكركما بينا ذلك آنفاً.

المجموعة الثانية:- أدلة أقاموها على مقدمة لا يتفق معهم فيها أصحاب القول الأول ،وهذه المقدمة هي : أن القضاء في جميع الديون يكون بالمثل لا بالقيمة.

وبما أن الخلاف حاصل في هذه المقدمة فلا يمكن الاستدلال بنتيجتها على من لا يسلم بها أصلاً، ولذا تجد أصحاب القول الثاني يستدلون بأنه إذا دفع المقرض للمقترض، مثلاً خمسين ألف ريال سعودي.

وبعد عام وقد حل موعد السداد وارتفعت نسبة التضخم 5% فإنه يلزمه دفع الخمسين ألفاً (50000) وعليها زيادة ارتفاع الأسعار وقدرها ألفان وخمسمائة ريال (2500) فيقولون أن هذه الزيادة فيها ربا الفضل وربا النسيئة.

ثم يسوقون بعد ذلك الأدلة على تحريم ربا الفضل وربا النسيئة -وهي أدلة لاينازعهم في ثبوتها الخصم ، ولكنه لايسلم بتخريج المسألة عليها  . وهذا المسلك لأصحاب القول مسلك ضعيف في الاستدلال ؛ إذ أن أصحاب القول الأول ينازعون أصلاً في اعتبار المبلغ الذي دفعه المقترض زيادة في الظاهر وهو (2500 ريال ) في المثال السابق أنه زيادة، بل يعتبرون أن القيمة الشرائية للمبلغ الاجمالي الذي دفعه المقترض يوم السداد تساوي القيمة الشرائية أو تقاربها يوم الاقتراض، ولذا فهم لا يعتبرونها زيادة وإذا انتفى عنها هذا الوصف انتفى عنها وصف الربا.

القول الراجح:

أُحب أن أنبه إلى أنني لا أتجرأ بين يدي مشايخي على مقام الترجيح بين الأقوال في مثل هذه النوازل العظيمة ،و إنما هو ترجيح نسبي أقترحه بين  أيديهم على سبيل المناقشة ، والنظر وليس على سبيل الحسم و القطع.

والذي يترجح بعد النظر في أدلة الفريقين أن القول الأول هو القول الراجح بقيد حصره في مسائل القروض الحسنة لا غير.

أي أنه يجوز الربط بمؤشر تكاليف المعيشة في القروض الحسنة ، ويمنع عن غيرها من العقود الآجلة.

وسبب هذا الربط الانتقائي – إن صح التعبير – أن القرض الحسن هو الوحيد – في عالم العقود المالية اليوم – من بين سائر العقود التي تجريها البنوك والمصارف والشركات الحكومية -في بعض الدول- الخالي عن صفة العقود المركبة. وأما غيره من العقود الآجلة فهي عقود مركبة معقدة ، ومسألة القبول بالربط بمؤشر تكاليف المعيشة في جميعها تحتاج إلى معالجة أصل هذه العقود وشروطها قبل الحديث عن هذه  المسألة .

فالتأمل في هذه العقود التي تجريها المؤسسات المالية- غير الإسلامية – يظهر أن أكثرها عقودا فاسدة، أو في أقل أحوالها تتضمن شروطا فاسدة أو باطلة ، ومحاولة معالجة التضخم الجارية عليها بالربط بمؤشر تكاليف المعيشة هي محاولة بناء على جرف هار.

وأُذكر هنا بأن حديثي في هذا الصدد هو عن البنوك الربوية- خاصة على الساحة الغربية-وليس عن البنوك و المصارف الإسلامية التي يمكنها أن تعالج أثار التضخم بغير الربط بمؤشر تكاليف المعيشة -إن اختارت عدم شرعية هذا الربط – من الحلول و الاقتراحات التي تقدمت بها المجامع والندوات الفقهية.

ولعلي أستأنس في هذا الصدد بقول الأستاذ محمد عارف عندما قال : ” أود أن أُبين أن هناك قضية لها ما يبررها للجوء إلى الربط خاصة فيما يتعلق بالقرض الحسن، وذلك في إطار إسلامي، كما بينا آنفاً، أن صاحب ( المخزون المالي ) و ( المقرض ) هما أكثر الناس عرضة للخسارة من جراء التضخم ،لذا فهما بحاجة للوقاية من التضخم وهو أمر لاتستدعيه قواعد العدل نحو المقرض فحسب، و إنما يستدعيه أيضاً تشجيع الناس على تقديم القروض الحسنة كما أمر بها القرآن ، وكذلك منع وضع الأكتناز. وهذا الربط ضروري بصورة خاصة إذا ما تم تقديم القرض الحسن بشكل مؤسسي  ومن خلال قنوات كما هو الحال في القروض التي تمنح للحكومات بدون فوائد ” (19)

  • أدلة الترجيح :
  1. قوة أدلة من قال بصحة الربط بمؤشر تكاليف المعيشة عامة ، وتنزيلها بشكل أقوى على القرض الحسن ، فهو أولى من كل العقود الآجلة التي ذُكرت بتخصيص دلالات أدلة القول الأول عليه.
  2. لعدم صحة الاستدلال بالنصوص الصريحة الصحيحة في باب ربا الفضل وربا النسيئة على بطلان الربط بمؤشر تكاليف المعيشة ، وذلك لعدم التسليم أصلاً بوجود زيادة في القيمة – وهي المقصودة من التبادل النقدي- و إن كانت هناك زيادة في العدد و هي لاقيمة لها إن لم يبني عليها زيادة في القيمة الشرائية.
  3. لمراعاة الفارق بين العملات الورقية والنقدين الذهب والفضة مع التسليم لما توصلت إليه جميع المجامع و المجالس الفقهية من اعتبار العملات الورقية نقدا قائماً بذاته. ولقد أحسن الدكتور نزيه حماد إذا قال: ” الذي يترجح عندي بعد التأمل ، والنظر أن هناك اختلافات جوهرية بين العملات الورقية المعاصرة وبين النقدين الذهب والفضة مما يجعل سريان بعض أحكامها عليها من حيث زكاتها وجريان الربا فيها لا يقتضي بالضرورة انطباق سائر أحكام النقدين عليها وخصوصاً في وظيفة الدفع المؤجل في حالة التضخم وانهيار قوتها الشرائية …. ومن ثم فإنني أرى أن أقوال الفقهاء السابقين واستدلالاتهم حول تغيرات النقود (بالخلقة أو بالاصطلاح) كساداً وانقطاعاً ورخصاً وغلاءً لا تنطبق على الورق النقدي المعاصر، ولايصح تخريج أحكام تغيرات النقود الورقية عليها.

 فالورق النقدي نقدٌ قائم بذاته، له طبيعته وخصائصه وتغيراته ومشكلاته التي تنشأ في ظل نظامه النقدي، ولابدّ في التعرف على أحكامه الشرعية في ظل تغيراته من نظر اجتهادي جديد، وخصوصاً في قضية ربط الديون والالتزامات الآجلة بمؤشر تكاليف المعيشة في حالات التضخم” (20 ).

  1. لأن القيمة الحقيقية للعملات الورقية تكمن كما يقولون في قيمتها الشرائية ، ولذلك قد نقترب من المثلية التي نصت عليها الأحاديث إذا راعينا القيمة الشرائية للعملات الورقية ولذا يقول الدكتور محمد عارف : ” إن مفهوم ( المثل بالمثل ) يعني ضمناً عدم وجود فرق في نوعية الشعير المقرض و الشعير المردود، وفي هذه الحالة تكون المبادلة قيمة بقيمة. ولكن بالنسبة لموضوع النقود سيكون التبادل غير متكافئ في ظل التضخم، وذلك أن النقود التي يتم إرجاعها ستكون ( أدنى ) في قيمتها من النقود التي أقرضت. وهذا يصل إلى حد المبادلة غير المتكافئة التي تخالف مبدأ العدل.

   ولعل مصدر اللبس يكمن في أن الفقهاء يميلون إلى التفكير في النقود ( كسلعة ) وهي بالتأكيد ليست كذلك فعلى عكس الذهب و الفضة اللذين لهما قيمة حقيقية كسلع ، فإن قيمة عملة ما تكمن في قوتها الشرائية ، وهكذا فإن ( القوة الشرائية ) المتجسدة في العملات هي التي تقرض و ترد ، لذا فإنه من غير المستصوب- في رأي -إهمال التغيرات في القوة الشرائية للنقود ، وهكذا فإنه في حالة القرض الحسن دون فائدة نرى أن قيمة الدولار الواحد المقرض في السنة(1) مختلفة عن قيمة الدولار المعاد في السنة (7)، وبالتالي فإن العملية لن تطابق معيار ( المثل ) ( مثلا بمثل ) التي وردت في الحديث النبوي الشريف” (21).

  1. إنّ الاستدلال على عدم جواز الربط القياسي لأنه ينطوي على الجهالة و الغرر وهما يبطلان القول بجوازه لثبوت النهي عنهما في العقود. هذا الاستدلال قد يكون صحيحاً إذا كان هذا الربط في أكثر الدول الإسلامية التي لا تكشف بوضوح عن مقدار حالة و حجم التضخم، والأنهيار في قيمة العملة قبل وقتها، مما يجعل الربط بمؤشر تكاليف المعيشة يحتوي على جهالة وغرر كبير.

أما ما يتعلق بالدول الغربية و التي هي موضع القروض الطلابية-محل البحث- فإن الحديث عن الجهالة و الغرر إنما هو بالقدر اليسير المغتفر الذي لا تخلو منه غالب العقود المالية .

ويمكن الجواب عن الإستدلال بوجود الجهالة والغرر عند الربط بمؤشر تكاليف المعيشة بما نبه إليه علماء الاقتصاد- من المسلمين -من ضرورة التمييز بين القيمة الحقيقية و القيمة الأسمية للنقود وقد ذكرت تعريف كل منهما في المبحث الأول.

يقول الدكتور محمد عبدالمنان: ” يرى البعض عدم السماح باستخدم ربط الحقوق و الالتزامات الآجلة بتغير الأسعار لأنه ينطوي على عنصري ( الجهالة ) و ( الغرر) ، ومن جهة أخرى فإنه إذا كان الربط يتضمن عنصري الجهالة والغرر، فإن جميع عقود الاستثمار الإسلامية تتضمن قدرا من الجهالة و الغرر بدرجات متفاوتة.

وعلاوة على ذلك، فلا ينشأ الغموض في تحديد التزامات المدين متى تم تفهم التمييز بين القيمة الحقيقية و القيمة الأسمية للنقود بصورة واضحة. ولقد تقدم القول أن الربط بإعادة المعاملة للقيمة الحقيقية يساعد على توفير عناصر الأطمئنان و التأكد ويزيل اللبس في العقود النقدية طبقاً لما أظهرته تجربة أمريكا اللاتينية.

كما يؤدي ربط الحقوق و الالتزامات الآجلة بتغير الأسعار إلى التقليل من عنصر عدم الأطمئنان للمستثمرين بدلا من أن يزيد في الواقع من مستواه من ثم فإن تفسير الربط على أساس الغرر يمكن أن ينظر إليه أنه غير ملائم وغير وثيق الصلة بالموضوع “(22).

المبحث الرابع: حكم القروض الطلابية في أُوربا

وتحته مطالب :

المطلب الأول: القول بجواز ربط القروض الحسنة بمؤشر تكاليف المعيشة و أثره في حكم القروض الطلابية في أوربا.

المطلب الثاني: حكم القروض الطلابية في ظل القول بحرمة ربط القروض  بمؤشر تكاليف المعيشة .

المطلب الثالث: خصوصية الربط بمؤشر تكاليف المعيشة في القروض الطلابية.

المطلب الرابع:  البديل الاسلامي عن القروض الطلابية.

المطلب الخامس:  قاعدة الحاجة الشرعية وأثرها في هذا الباب .

المبحث السادس: حكم القروض الطلابية في أُوربا

لقد حاولت منذ بداية البحث إلى آخر محطة علمية وصلنا إليها، أن أُقدم بين يدي هذا المبحث، وذلك بمحاولة الكشف عن واقع القروض الطلابية في أوربا، وفهمه من خلال التعرف على طبيعة العقد في هذه القروض ، مع فهم واقع الطلاب المسلمين في أوربا من خلال النموذج البريطاني الذي اخترناه  .

كل ذلك خوفا من وقوع الخطأ في الفتوى في هذه القضية الناتج عن الخطأ في فهم الواقع و الواقعة وقد قال شيخنا الإمام القرضاوي – حفظه الله -: ” ومن أسباب الخطأ في الفتوى عدم فهم الواقع الذي يسأل عنه السائل فهماً صحيحاً، ويترتب على ذلك الخطأ في التكييف، أعني في تطبيق النص الشرعي على الواقعة العملية” (23).

وفي هذا المبحث نحاول ان نكشف الغطاء بإذن الله عن حكم هذه النازلة من خلال المطالب التالية:

المطلب الأول : القول بجواز ربط القروض الحسنة بمؤشر تكاليف المعيشة و أثره في حكم القروض الطلابية في أوربا.

بما أنه قد ترجح لدينا جواز ربط القروض الحسنة بمؤشر تكاليف المعيشة ، فإنه ينبني على ذلك القول بجواز القروض الطلابية في أوربا، والتي قوام العقد فيها على ربطها بمؤشر تكاليف المعيشة وبمستوى الأسعار، بل القول بالجواز هنا هو من باب أولى فبما أننا قد أجزنا ربط القروض الحسنة بمؤشر تكاليف المعيشة في حالة السعة ، فإجازته في حال الحاجة التي يعيشها أبناؤنا في أُوربا من باب أولى.

 ويمكن تخريج هذا الترجيح على أقوال العلماء الذين قالوا بجواز الربط بمؤشر تكاليف المعيشة – وبمستوى الأسعار بوجه عام – وما علينا الإ أن نسحب قولهم هذا ليعمل به في باب  القروض الطلابية في أوربا ، فهي أولى بإجتهادهم ، وأحرى بإختيارهم والله أعلم وأحكم .

المطلب الثاني : حكم القروض الطلابية في ظل القول بحرمة ربط القروض بمؤشر تكاليف المعيشة .

ذكرت في المبحث السابق أن القول الذي استقر عليه المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي : هو حرمة ربط الديون بمؤشر تكاليف المعيشة وبمستوى الأسعار . وقد جاء في نص قرارهم ما يلي : ” العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما بالمثل وليس بالقيمة ، لأن الديون تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة- أياً كان مصدرها – بمستوى الأسعار ” .

وهو القول الذي أكدته التوصيات الصادرة عن ندوة آثار التضخم على الديون و الحقوق الآجلة ، والتي تمت بالتعاون بين المجمع الفقهي في جدة وبعض البنوك الإسلامية.

 ومع التقدير لقول المجمع الموقر ،وتوقير جميع أقوال العلماء الذين وافق قولهم قول المجمع ، إلاّ أنه يمكن أن يقال بإستثناء حالة القروض الطلابية في أُوربا إعمالاً للقواعد والأصول الشرعية التي تراعي اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال في مثل هذا الاجتهاد الذي استقر عليه قول المجمع الفقهي.

وقد قال شيخنا ابن بية-حفظه الله –  في بيان أن مسألة الربط بمؤشر تكاليف المعيشة هي من مسائل الإجتهاد _  ” إنّ مسألة قضاء ما ترتَّب في الذمة من غير النقدين عند انخفاض قيمته بما يساوي قيمته ليست منصوصة للشارع لا بنفي ولا إثبات إلاَّ من خلال بعض العمومات أو القياس، ولذلك فهي مسألةٌ اجتهادية  “(24) .

المطلب الثالث : خصوصية الربط بمستوى الأسعار في القروض الطلابية.

لقد ذكرت عند الحديث عن أدلة القائلين بحرمة الربط بمؤشر تكاليف المعيشة وبمستوى الأسعار أن من أقوى الأدلة التي ذكروها في هذا السياق هو ما يتعلق بوجود الجهالة و الغرر في الربط بمستوى الأسعار ،(  بل أزعم أن هذا الدليل هو الذي جعل شيخنا الإمام -ابن بيه- حفظه الله يذهب الى القول بمنع الربط بمؤشر تكاليف المعيشة كما هو ظاهر في بحثه هذه المسألة ) .

ولعل أصحاب هذا القول لو تأملوا في حقيقة عقد القروض الطلابية في أوربا لتبين لهم بشكل وضوح أن هذه الجهالة وهذا الغرر ، يكاد يكون منفياً وهو ما عُبر عنه في القانون البريطاني (free  Interest  )- أي الفائدة تساوي صفر- وبُرر هذا الأمر صراحة بأنه مراعاة لبعض الخصوصيات الدينية لبعض الأقليات في بريطانيا  كالمسلمين و اليهود. ولكشف هذه الحقيقة يمكن لأي باحث أن يتأمل في القوانين المنظمة لعملية دفع الأقساط من قبل الطالب ليرى مقدار الجهالة والغرر – إن وجد – ويحكم بعد ذلك بمدى تأثيرها على صحة الربط بمؤشر تكاليف المعيشة من عدمه .

وهذه خلاصة للقوانين المنظمة لعملية دفع الأقساط من قبل الطالب نذكرها على النحو التالي :

  1. لا يتجاوز الفارق الذي يدفعه الطالب زيادة على القرض الأصلي معدل ( 4.8% ) في أي حال من الأحوال .
  2. يتم تقدير هذه الزيادة الناتجة عن نسبة التضخم عند البدء في السداد ، وذلك على المبلغ المتبقي من القرض ، ولا تحسب كما تحسب الفائدة الربوية منذ استلام المقترض للقرض.
  3. تبدأ عملية دفع الأقساط بعد حصول الطالب على عمل لا يقل دخله عن خمسة عشرة ألف جنيه إسترليني (15,000). فإذا لم يتحصل على عمل ، أو تحصل على عمل بدخل يقل عن القيمة المذكورة فهو غير ملزم بسداد القرض.
  4. لا توجد مدة زمنية محددة للسداد يتوجب عندها سداد القرض وقد أثبت الدراسات التي أطلعت عليها أن متوسط سداد القرض بالنسبة للطلبة في بريطانيا في الأغلب يصل إلى ثلاثة عشرة سنة.
  5. في حالة ما انخفض دخل الطالب بعد حصوله على عمل على خمسة عشرة ألف جنيه، فإن سداد الأقساط يتوقف لحين ارتفاع دخله السنوي فوق القيمة المذكورة.
  6. تُدفع الأقساط وفقاً للنظام الضريبي ، وتضاف نسبة مئوية لا تزيد على 9% على ضريبة الدخل وذلك وبالنظر إلى الفارق بين الدخل الحقيقي ، وبين قيمة الخمسة عشرة ألف المذكورة .

هذه خلاصة لبعض بنود القانون المنظم لجباية الأقساط من الطلبة المقترضين ، فهل يمكن أن يقال أن هناك زيادة حقيقية على القرض سوف تدخل على المقرض -وهي الجهة الحكومية المسماة بـ(SLC) ؟.

وهل يمكن أن يقال بوجود غرر مؤثر على صحة هذا العقد بعد هذه البنود ، والضوابط التي تراعي مصلحة الطالب قبل كل شئ؟.

 أتصور أن أي عملية حسابية سوف تبين خلاف ذلك ، و إن وجد بعد ذلك غرر أو جهالة في بعض الجوانب فلا شك عندها أنها من الأمور المغتفرة شرعا والتي لا تخلو منها أكثر العقود المالية ذات الصلة بالموضوع.

المطلب الرابع: البديل الإسلامي عن القروض الطلابية.

قد يقول قائل ممن يرى حرمة القروض الطلابية في أُوربا تمسكاً  -بأصل القول بحرمة ربط القروض بمستوى الأسعار – ، أنه ينبغي على الطلبة المسلمين البحث عن البدائل الشرعية خاصة بعد ذيوع الأخبار عن افتتاح بعض البنوك الإسلامية في بريطانيا ووجود بعض النوافذ الشرعية في البنوك الربوية كبنك (HSBC).

ولقد طلبت من بعض أصحاب التخصص في المعاملات المالية في بريطانيا أن يكتب لي بحثاً ميدانياً عن هذه الافتراضية- وهي وجود بديل إسلامي – خاصة بعد أن شاع بين بعض الناس أن بنك (Lloyds) قد افتتح حساب مصرفي إسلامي للطلبة المسلمين  (Islamic Student Account) فكانت نتيجة البحث الميداني ما يلي:

  1. البدائل الإسلامية المتاحة:

دل البحث الأولي في المواقع الإلكترونية ذات الإختصاص على وجود ثلاثة بنوك إسلامية مختصة في بريطانيا إضافة إلى ما يقارب عن 25 مؤسسة أخرى غير مختصة تقدم (نوافذ) أو خدمات مالية إسلامية إضافة إلى خدماتها الأخرى (25).

ومن أهم هذه المؤسسات – بما يتعلق بمضمون هذا البحث – هي تلك المؤسسات المقدمة لخدمات مصرفية إسلامية أشمل وهي البنك الإسلامي البريطاني، وبنك HSBC AMANAH وبنك LLOYDS TSB.

 هذه المؤسسات المصرفية الثلاثة تم الإتصال بها هاتفياً ومن ثم زيارتها للبحث عن أي بدائل للقروض الطلابية التي تقدمها الدولة ، وفيما يلي أهم نتائج هذا البحث :

  1. البنك الإسلامي البريطاني: البنك الإسلامي البريطاني لا يقدم قروض للطلاب ، ولا يوفر خدمة حساب مصرفي خاص بالطلبة. والحسابات الجارية يمكن أن تفتح بأسم الطلاب ولكن القروض المالية لاتُمنح لهم إلاّ بعد حصولهم على عمل.
  2. بنك HSBC AMANAH: الحسابات الطلابية أيضاً غير متوفرة في بنك ( HSBC AMANAH ) وبالتالي فإن القروض الطلابية غير متوفرة في هذا البنك.
  3. بنك LLOYDS TSB: بنك ( LLOYDS TSB ) هو أول بنك بريطاني يقدم خدمة حساب مصرفي إسلامي للطلبة (Islamic Student Account). ويحق لصاحب الحساب سحب ما بين  ( 200 جنيه- 005 جنيه  ) عدا الرصيد المودع كل عام دراسي دون فائدة ، والقروض الطلابية غير متوفرة أيضاً كما في المؤسستين السابقتين.
الخلاصة

تشير نتائج هذا البحث إلى عدم توفر بدائل حقيقية للقروض الطلابية التقليدية في بريطانيا ، وعلى الرغم من تزايد عدد البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يعد بنك ( LLOYDS TSB  )هو المقدم الوحيد لخدمة الحساب الطلابي الإسلامي الذي لا يوفر سوى خدمة السحب تحت الحساب OVERDRAFT FAULTY كما بينا  دون أن يمنح أي قروض طلابية بديلة عن القروض الطلابية التي تقدمها الدولة .

المطلب الخامس:  قاعدة الحاجة الشرعية وأثرها في هذا الباب .

من القواعد الفقهية التي استقر عليها العمل عند أكثر فقهاءنا أن الحاجة الشرعية بشروطها و ضوابطها تنزل منزلة الضرورة وقد عبروا عن ذلك بعدة صيغ ففي حين عبر عنها السيوطي و ابن نجيم وغيرهما بقولهم : ” الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامةً كانت أو خاصةً  “(26)، عبر عنها غيرهم بقولهم : ” الحاجة تنزل منزلة الضرورة ” (27) كما عبر عنها الزركشي رحمه الله بقوله : ” الحاجة الخاصة تبيح المحضور  “(28) ولا يتسع هذا البحث للدخول في تفاصيل مباحث هذه القاعدة ، ولمن أراد ذلك فليرجع الى بحث شيخنا الإمام عبدالله بن بيه – حفظه الله – فقد أصل أصولها وقعّد قواعدها في بحثه العظيم ( قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة ) (29).

وفيما قال كفاية وغنية لمن أراد أن يطلع على ما ينبغي أن يكتب بماء التبر المصفى.

وأوجه الحاجة في واقع المسلمين المتعلقة بهذا الباب يمكن بيانها فيما يلي:

  1. الحاجة الخاصة بالطلبة المسلمين وهي تتمثل في ثلاث صور :
    • الصورة الأولى ، في حاجة أبناء المسلمين إلى الاستقرار الوظيفي في ظل الواقع المادي الرأسمالي الذي يعيشه المواطن الأوربي .

 وأقصد بالاستقرار الوظيفي  أن الحصول على الوظيفة في أي مجال من المجالات التي تقوم عليها المؤسسات الخاصة والعامة يتطلب الحصول على الشهادة الجامعية في حدها الأدنى، ولامناص للطالب المسلم في أن يواصل دراسته ليتمكن من الحصول على الوظيفة المناسبة سواءً كان ذلك في المجال الاقتصادي ، أو الإداري ، أو الطبي ، أو التقني ، أو نحوها من المجالات ، ولايمكن لأحد أن يرد هذه الحاجة _كما سمعت من بعض أهل الفتوى _ بحجة الوفرة في  الأعمال المهنية -كالقيام بأعمال الصيانة ، أو البناء ونحوها – فهذه المجالات تحتاج إلى امكانيات ورغبات لا تتوفر إلاّ عند العدد القليل من أبناء المسلمين ، ثم لا يمكن أن يتصور أن يحشر أبناء المسلمين في هذه المجالات تاركين المجالات التي تتطلب الحصول على الدراسات الجامعية لغيرهم .

  • الصورة الثانية:- الحاجة إلى الاستقرار النفسي والأخلاقي .

 فقد أثبتت الدراسات النفسية ، والاجتماعية أن معدلات الجريمة ترتفع في أوساط الذين لم يواصلوا طريقهم التعليمي ، وانخرطوا مبكراً في البحث عن الأعمال المهنية ، فأدى ذلك الى وقوع عدد منهم ضحايا للأوساط التي يعملون فيها، والبيئات التي يتعاملون معها ، وعليه فإن هناك حاجة نفسية، واجتماعية، وأخلاقية لأبناء المسلمين لكي يتمكنوا من مواصلة تعليمهم ، ويلتحقوا بعد ذلك بالأعمال المناسبة لهم ،  وهذه الحاجة  مما يمكن أن تشملها قواعد الحاجة وضوابطها.

  • الصورة الثالثة : الحاجة المالية .

ذكرت عند وصف واقع المسلمين ، وواقع أبناءهم أنهم في الأغلب من أصحاب الدخل المحدود ، ولا يملكون القدرة المالية على تحمل نفقات الدراسة الجامعية- التي تصل الى أكثر من عشرين ألف جنيه استرليني عند التخرج –  وقد بينت كيف أن الدراسات قد أثبتت أن الطالب إذا تخرج من الجامعة فإنه يخرج بعجز مالي مقداره تسعة آلاف جنيه قبل عام 2007 ، وهو عجز قد يرتفع بعد هذا العام الى خمسة عشرة ألف جنيه.

وهذه الحاجة المالية تدفع بالطلبة المسلمين- كغيرهم من الطلاب – الى البحث عن مصدر مالي يعينهم على تحمل تكاليف الدراسة ، ومع عدم وجود بديل إسلامي فلا مفر عندها من الدخول في طريق القروض الطلابية لسد الحاجة والمساعدة في سداد التكاليف الدراسية من رسوم ومواصلات وسكن ونحوها .

2–  الحاجة العامة للأقلية المسلمة:

تبين لنا من خلال الإحصائيات والدراسات أن عدد الطلبة المسلمين في عام ( 2007 م) في انجلترا وويلز الذين تتراوح أعمارهم ما ( 5- 16 سنة ) هو نصف مليون طالب مسلم ، وهؤلاء جميعا ينبغي أن يتواجدوا على مقاعد الدراسة الجامعية ، وبما أن أكثر المسلمين من أصحاب الدخل المحدود ، فإن المستقبل التعليمي ، والوظيفي لهذا العدد الضخم من أبناء المسلمين مرتهن وبشكل واضح بمدى انخرطهم في المؤسسات التعليمية بعد المرحلة الإلزامية ،وهذه المؤسسات كما بينا تحتاج الى دعم مالي لايتوافر لدى الأقلية المسلمة .

فالقول بحرمة القروض الطلابية يوقع حرجاً عاماً على الأقلية المسلمة ، وهو حرج تأباه قواعد الشريعة وأصولها العامة . هذا بإلاضافة الى أمر في غاية الأهمية يتعلق بمستقبل الأقلية المسلمة في الغرب عموما وفي أوربا على وجه الخصوص ، وهو أن الدعوة الى الإندماج الإيجابي- والتي استقر عليها العمل لدى جميع المؤسسات الإسلامية في أوربا ودعا اليها المجلس الأوربي في دوراته السابقة –  لايمكن أن تتحقق الإ بالتواجد في جميع مؤسسات المجتمع العامة والخاصة ، وهذا التواجد مرتبط بمقدار الحصول على الكفاءات العلمية التي طريقها المؤسسات التعليمية بعد المرحلة الإلزامية من الجامعات ونحوها .

وأخيراً فإن المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث عندما أصدر فتواه بشأن القروض الربوية لمن أراد أن يتملك بيتاً ولم يجد بديلاً عنها، وقد تحقق بوصف الحاجة المعتبرة شرعاً، أنه يجوز له الإقدام على ذلك إعمالاً لقاعدة الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ، فقال: وهناك إلى جانب هذه الحاجة الفردية لكل مسلم، الحاجة العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقلية خارج دار الإسلام، وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية، حتى يرتفع مستواهم، ويكونوا أهلا للانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس، ويغدوا صورة مشرقة للإسلام أمام غير المسلمين، كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم، ليقوموا بواجب الدعوة ويساهموا في بناء المجتمع العام، وهذا يقتضي ألا يظل المسلم يكد طوال عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لخدمة مجتمعه، أو نشر دعوته ” ( 30).

وهذا تعليل يمكن إسقاطه على مسألة القروض الطلابية بل يسعنا أن نقول : إذا كان المجلس الأوربي قد أجاز أخذ القروض الربوية في خارج ديار الاسلام – وهي من القروض المحرمة عند جمهور المعاصرين –  لمن أراد أن يتملك بيتا وقد اتصف بوصف الحاجة الشرعية إعمالاً لقاعدة الحاجة ،فإن إعمال قاعدة الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة في باب القروض الطلابية التي خلت عن الزيادة الربوية هو أولى وأحق بالجواز .

ملحق رقم  (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين

قرار رقم: 115 (9/12) [1]

بشأن موضوع التضخم وتغير قيمة العملة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ ـ 1 رجب 1421هـ الموافق 23 – 28 أيلول (سبتمبر) 2000م.

بعد اطلاعه على البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم (بحلقاتها الثلاث بجدة، وكوالالمبور، والمنامة) وتوصياتها، ومقترحاتها، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع  بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء. 

قرر ما يلي:

أولا:  تأكيد العمل بالقرار السابق رقم 42(4/5) ونصه:”العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تقضي بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها بمستوى الأسعار”. 

ثانيا: يمكن في حالة توقع التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها وذلك بأن يعقد الدين بما يلي:

              ‌أ-  الذهب أو الفضة                  ب- سلعة مثلية.  ‌                 ج-  سلة من السلع المثلية.

             ‌د-  عملة أخرى أكثر ثباتا.            ‌هـ- سلة عملات.

ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلا.وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة ما مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى (الربط بتلك العملة) أو بسلة عملات، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75(6/8) رابعاً. 

ثالثاً: لا يجوز شرعاً الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي:

أ-   الربط بعملة حسابية.      ‌                 ب-  الربط بمؤشر تكاليف المعيشة أو غيره من المؤشرات.

ج-  الربط بالذهب أو الفضة.                 ‌  د-   الربط بسعر سلعة معينة.

هـ-   الربط بمعدل نمو الناتج القومي     ‌و-  الربط بعملة أخرى.   

‌ز-  الربط بسعر الفائدة.                          ‌ح-  الربط بمعدل أسعار سلة من السلع.

وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير وجهالة فاحشة بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود.

وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه، ومشروط في العقد فهو ربا. 

رابعاً: الربط القياسي للأجور والإجارات:

 ‌أ- تأكيد العمل بقرار مجلس المجمع رقم 75(6/8) الفقرة: أولاً بجواز الربط القياسي للأجور تبعاً للتغير في مستوى الأسعار.

‌ب- يجوز في الإجارات الطويلة للأعيان تحديد مقدار الأجرة عن الفترة الأولى والاتفاق في عقد الإجارة على ربط أجرة الفترات اللاحقة بمؤشر معين شريطة أن تصير الأجرة معلومة المقدار عند بدء كل فترة. 

ويوصي المجمع بما يلي:

  1. بما أن أهم أسباب التضخم هو الزيادة في كمية النقود التي تصدرها الجهات النقدية المختصة لأسباب متعددة معروفة، ندعو تلك الجهات العمل الجاد على إزالة هذا السبب من أسباب التضخم الذي يضر المجتمع ضررا كبيرا، وتجنب التمويل بالتضخم سواء أكان ذلك لعجز الميزانية أم لمشروعات التنمية. وفي الوقت نفسه ننصح الشعوب الإسلامية بالالتزام الكامل بالقيم الإسلامية في الاستهلاك، لتبتعد مجتمعاتنا الإسلامية عن أشكال التبذير والترف والإسراف التي هي من النماذج السلوكية المولدة للتضخم.
  2. زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدان الإسلامية وبخاصة في ميدان التجارة الخارجية، والعمل على إحلال مصنوعات تلك البلاد محل مستورداتها من البلدان الصناعية. والعمل على تقوية مركزها التفاوضي والتنافسي تجاه البلدان الصناعية.
  3. إجراء دراسات على مستوى البنوك الإسلامية لتحديد آثار التضخم على موجوداتها واقتراح الوسائل المناسبة لحمايتها وحماية المودعين والمستثمرين لديها من آثار التضخم. وكذلك دراسة واستحداث المعايير المحاسبية لظاهرة التضخم على مستوى المؤسسات المالية الإسلامية.
  4. إجراء دراسة حول التوسع في استعمال أدوات التمويل والاستثمار الإسلامي على التضخم، وما له من تأثيرات ممكنة على الحكم الشرعي.
  5. دراسة مدى جدوى العودة إلى شكل من أشكال ارتباط العملة بالذهب، كأسلوب لتجنب التضخم.
  6. إدراكاً لكون تنمية الإنتاج وزيادة الطاقة الإنتاجية المستعملة فعلا من أهم العوامل التي تؤدي إلى محاربة التضخم في الأجل المتوسط والطويل، فإنه ينبغي العمل على زيادة الإنتاج وتحسينه في البلاد الإسلامية، وذلك عن طريق وضع الخطط واتخاذ الإجراءات التي تشجع على الارتفاع بمستوى كل من الادخار والاستثمار، حتى يمكن تحقيق تنمية مستمرة.
  7. دعوة حكومات الدول الإسلامية للعمل على توازن ميزانياتها العامة (بما فيها جميع الميزانيات العادية والإنمائية والمستقلة التي تعتمد على الموارد المالية العامة في تمويلها)، وذلك بالالتزام بتقليل النفقات وترشيدها وفق الإطار الإسلامي وإذا احتاجت الميزانيات إلى التمويل فالحل المشروع هو الالتزام بأدوات التمويل الإسلامية القائمة على المشاركات والمبايعات والإجارات. ويجب الامتناع عن الاقتراض الربوي، سواء من المصارف والمؤسسات المالية، أم عن طريق إصدار سندات الدين.
  8. مراعاة الضوابط الشرعية عند استخدام أدوات السياسة المالية، سواء منها ما يتعلق بالتغيير في الإيرادات العامة، أم بالتغيير في الإنفاق العام، وذلك بتأسيس تلك السياسات على مبادىء العدالة والمصلحة العامة للمجتمع، ورعاية الفقراء، وتحميل عبء الإيراد العام للأفراد حسب قدراتهم المالية المتمثلة في الدخل والثروة معا.
  9. ضرورة استخدام جميع الأدوات المقبولة شرعاً للسياستين المالية والنقدية ووسائل الإقناع والسياسات الاقتصادية والإدارية الأخرى، للعمل على تخليص المجتمعات الإسلامية من أضرار التضخم، بحيث تهدف تلك السياسات لتخفيض معدل التضخم إلى أدنى حد ممكن.
  10. وضع الضمانات اللازمة لاستقلال قرار المصرف المركزي في إدارة الشؤون النقدية، والتزامه بتحقيق هدف الاستقرار النقدي ومحاربة التضخم، ومراعاة التنسيق المستمر بين المصرف المركزي والسلطات الاقتصادية والمالية، من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي والنقدي، والقضاء على البطالة.
  11. دراسة وتمحيص المشروعات والمؤسسات العامة إذا لم تتحقق الجدوى الاقتصادية المستهدفة منها، والنظر في إمكانية تحويلها إلى القطاع الخاص، وإخضاعها لعوامل السوق وفق المنهج الإسلامي، لما لذلك من أثر في تحسين الكفاءة الإنتاجية وتقليل الأعباء المالية عن الميزانية، مما يسهم في تخفيف التضخم.
  12. دعوة المسلمين أفراداً وحكومات إلى التزام نظام الشرع الإسلامي، ومبادئه الاقتصادية والتربوية والأخلاقية والاجتماعية 

توصية بشأن حلول التضخم:

رأى المجمع بشأن الحلول المقترحة للتضخم تأجيلها وعرضها لدورة قادمة.

والله الموفق،،

 

الفهرس
مقدمة1
تمهيد بين يدي الموضوع4
أولاً:- الواقع المالي والتعليمي لأبناء المسلمين في بريطانيا5
ثانياً:- واقع تكاليف الدراسة و المعيشة للطلبة في بريطانيا.6
المبحث الأول : القروض الطلابية التعريف والماهية .9
المطلب الأول: القروض الطلابية التعريف والماهية:10
المطلب الثاني:- الوصف القانوني لعقد القروض الطلابية12
1.    مصادر القروض الطلابية وشروطها- العلاقة بين الدولة والمؤسسات المالية الممولة12
2.    العلاقة بين شركة القروض الطلابية (LSC) وبين الطالب المقترض.12
3.    كيفية دفع أقساط القروض الطلابية.14
المطلب الثالث : تعريف الربط القياسي .15
المطلب الرابع : تعريفات لمصطلحات مصاحبة17
1. تعريف القيمة الاسمية17
2 القيمة الحقيقية.17
المبحث الثاني : التكييف الفقهي للقروض الطلابية في أوربا18
المطلب الأول :تحرير العلاقات القائمة بين أطراف القروض الطلابية19
العلاقة الأولى:- بين الطالب و المؤسسات المالية من القطاع الخاص19
العلاقة الثانية :- بين الطالب و شركة القروض الطلابية (LSC).19
العلاقة الثالثة:- بين الشركات المالية (من القطاع الخاص) وشركة القروض الطلابية (LSC).19
المطلب الثاني :- أنواع الربط القياسي بمؤشر تكاليف المعيشة21
المطلب الثالث :- أقوال العلماء المعاصرين في مسألة ربط القروض بمؤشر تكاليف المعيش22
القول الأول:- جواز ربط القروض و الديون بمؤشر تكاليف المعيشة22
القول الثاني:-  عدم جواز ربط القروض و الديون بمؤشر تكاليف المعيشة.23
المطلب الرابع :الأدلة على كل قول مناقشتها.24
أدلة القول الأول24
أدلة القول الثاني25
مناقشة الأدلة والترجيح.26
القول الراجح.29
المبحث الرابع: حكم القروض الطلابية في أُوربا32
المطلب الأول :- القول بجواز ربط القروض الحسنة بمؤشر تكاليف المعيشة و أثره في حكم القروض الطلابية في أوربا.33
المطلب الثاني : حكم القروض الطلابية في ظل القول بحرمة ربط القروض بمؤشر تكاليف المعيشة .35
المطلب الثالث :- خصوصية الربط بمستوى الأسعار في القروض الطلابية.36
المطلب الرابع :- البديل الإسلامي عن القروض الطلابية38
المطلب الخامس :- قاعدة الحاجة الشرعية وأثرها في هذا الباب40
الصورة الأولى ، في حاجة أبناء المسلمين إلى الاستقرار الوظيفي في ظل الواقع المادي الرأسمالي الذي يعيشه المواطن الأوربي40
الصورة الثانية:- الحاجة إلى الاستقرار النفسي و الأخلاقي40
الصورة الثالثة : الحاجة المالية.

الحاجة العامة للأقلية المسلمة

41
ملحق رقم  (1)43
  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق