البحوث

الحوار الأسري

الحوار الأسري

 

إعداد

الدكتور طاهر مهدي البلّيلي

 

عضو المجلس الأوربي للإفتاء و البحوث

أستاذ الفقه المقارن و الأصول و المقاصد

في أكاديمية العلوم الإسلامية “بروكسل”

قبل أن نشرع في الحديث عن الحوار الأسري ينبغي أن نضع مسلمات لهذا الحوار كي يتسنى للأطراف المتحاورة أن تخضع لشروط الحوار.

1) يجب أن يكون هناك نظام داخل الأسرة يتفق عليه الجميع.

2) أن يؤمن الجميع أنهم متساوون أمام ذلك النظام.

3) أن يعتقد الكل أنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالعمل الصالح و التقوى.

4) أن يفهم كل أفراد الأسرة أن الله الخالق لا يفرق بين الرجل و المرأة و لا الكبير و الصغير على أساس الخلقة.

5) أن يرسخ في عقل كل أفراد الأسرة أن الحياة ميدان امتحان و أن الكمال لا يكون إلا في الآخرة.

نعم إن الحياة العائلية اصبحت فناً وعلماً يمارسه أفراد الاسرة مجتمعين أم متفرقين مقتنعين أم مضطرين.

وإن النظام الذي تسير عليه السرة إنما يدخل في مسمى الأخلاق التي جاء الرسل عليهم السلام ليعلموها للناس كافة.

قال “صلى الله عليه وسلم” :”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (تحفة الاحوذي شرح الترمذي 1769).

و لنجاح الحياة العائلية ينبغي أن ينجح الحوار العائلي أولا لأنه بمثابة صمام الأمان للعلاقة بين أفراد الأسرة كافة. و بيت بدون حوار يكون فريسة للفوضى و الخلافات الدائمة و الخصومات المستمرة، ما يؤدي إلى انهيارها و تفرق أفرادها.

1- الحوار بين الوالدين:

إذا أردنا أن ننجح في حياتنا العائلية ينبغي أن يولي كل من الزوجين اهتماما بمشاعر الطرف الآخر حتى يكتسب ثقته واحترامه وتقديره.

ولشدة القرب و التعود على رؤية الحبيب يسدل حجاب كثيف بين الزوجين فلا يلقيا بالا لطريقة تعاملهما مع بعضهما ما يؤدي غالبا إلى الإهمال لذلك الإنسان العزيز الذي يعيش ملتصقا بنا – مثل شريك أو شريكة الحياة – وقد يقول أحدهما كلمة لا يلقي لها بالا فتجرح المشاعر و قد تُسيل الدموعَ أحيانا و تصيب شريك حياته بالكآبة و الجوى و الأسى.

إننا نخطئ حين نظن أن لطف المعاملة يستحقه الغرباء فقط، و أما الجفاء والغلظة فهي حق الأقرباء وحدهم .

يقول الدكتور “مأمون مبيض” الأخصائي في علم النفس التربوي و السلوك: “إن العلاقة بين الوالدين من الأمور الهامة في حياة الولد و نشأته، و هي بأهمية العلاقة بين الولد و والديه.

فالولد ينشأ عادة و يترعرع بشكل طيب في الجو الذي يعيش فيه الأبوان في ظل حياة زوجية سعيدة…و في جو يقدر كل طرف مشاعر و مصالح الطرف الأخر، بحيث يتحدثان عن الأمور و يشتركان في المسؤولية و يساعد كل منهما الأخر، و بهذا الشكل يقدم كل منهما مثلا للقدوة الحسنة، و كيف يجب أن تكون العلاقة منسجمة”[1].

ونظراً لأن الحوار العائلي هو شرط مسبق لنجاح العائلة رغم ما تتعرض له من صعاب فإننا وضعنا الشروط التالية علها تساعد على التوافق الأسري و حل الخلافات بعيدا عن الصّراعات و العنف اللذان كثيرا ما يؤديان إلى الفراق و هدم الأسرة إلى الأبد.

  • الاقتناع أن الطرف الآخر، سواء أكان زوجة أو زوجا أو ولدا، له خصوصياته التي جبله الله عليها، و من ثم لا يجوز انتهاكها إلا في حالة الضرورة القصوى. و المؤمن مفطور على الاستقلال بأموره الشخصية.  فقبل أن ندخل على أحد من أفراد الأسرة في غرفته يجب أن نطرق الباب و نستأذن طاعة لقوله تعالى :”يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى يؤذن لكم”. وعند الدخول نلقي السلام لطمأنة الشخص لقوله: “وتسلموا على أهلها”، وينطبق هذا على البيت و الغرفة و السيارة أيضاً. و من الآداب التي تساعد على الثقة و المحبة عند الخروج من الغرفة أو السيارة أو مكان العمل أن نسأل من فيها هل يريد شيئاً أو خدمة ما قبل الانصراف. و من الأشياء التي يجب الالتزام بها أن لا نقرأ خطاباً أو ورقة لا تخصنا، و لا نفتح جوّالا و لا بريدا إلكترونيا و لا رسالة، لأن هذا من باب التجسس و الله تعالى يقول: “ولا تجسسوا”.
  • القناعة أيضا أن الطرف المقابل هو مخلوق كامل الأهلية يتمتع بالعقل و الرأي و الحرية و منه استحقاقه للاحترام مهما كانت رؤيته للأمور. و عليه فالحوار معه واجب لحل كل خلاف. فعندما نستعير شيئا ما؛ كتاباً أو مسطرة أو نقودا نعيدها إلى مكانها دون تأخر. و إذا كسرنا شيئاً أو أتلفناه عوضناه عنه خيرا منه أو مثله على الأقل. و ليس كون الطرف الآخر زوجة أو زوجا أو ابنا أو بنتا ينقص أو ينفي هذا التعامل الأخلاقي العالي.
  • إذا أخطأ أحدنا في حق الآخر فليعتذر له و يمكنه أن يتوسل إليه ليصفح عنه لأن حقوق الله مبنية على المسامحة و أما حقوق العباد فمبنية على المشاحّة. و شدة القرابة لا تنفي وجوب احترام الحقوق و أداء الواجبات.
  • يجب قبول الاعتذار حال طلبه من الطرف المخطئ ، ولا ينبغي الإكثار من اللوم مخافة النفور، لأن صاحب النفس المنكسرة يكفيه انكساره و تلومه على نفسه، فلا نزيد الطين بلة. قال تعالى: “و ليعفوا و ليصفحوا و الله يحب المحسنين”.
  • الاعتقاد التام بأن الشورى هي أساس التعامل داخل الأسرة و هكذا يعطى كل طرف دوره كاملا حتى يحس أنه عنصرا فعالا في أسرته و أنه ذو أهلية و هكذا تنموا الثقة في النفس و في الغير. و يمكن استعمال الشورى في كل كبيرة و صغيرة لوضع الزوجة أو الزوج في ثقة تامة، و قد ثبت أن النبي “صلى الله عليه وسلم” كان يستشير ليس فقط أصحابه و إنما زوجاته أيضا. فقد ثبت أنه استشار صفية في الحج عندما رفض المسلمون التحلل فما كان من الزوجة الكريمة أم المؤمنين صفية أن قالت له قم يا رسول الله أحلق فسوف يحلق القوم. و فعلا أحلق الرسول I فتبعه القوم كلهم و هكذا تم الخير كله بمشورة امرأة.
  • في حال حصول خلاف كبير يجب أن يظل الحديث هادئاً ومحترماً، خاليا من السباب و الشتائم و اللعن. لقوله I :»ليس المسلم بالسباب و لا الشتّام و لا اللعان« (البخاري مناقب 3295). و يجب أن ندرك هنا أن الخلاف طبيعة في البشر و ليس بالضرورة سيئا، قال تعالى :”ولا يزالون مختلفين و لذلك خلقهم”. و لكن الحكمة تقتضي أن نساير و نحاول أن نجد حلا عن طريق الحوار الهادئ و النقاش البنّاء. و حتّى عندما يحصل الخلاف مع الأولاد أو بشأنهم ينبغي أن يكونوا طرفا محترما نأخذ معه و نرد كي نصل إلى نتيجة حسنة و إلا مرضية على الأقل. و أن نقول الحق و لو على أنفسنا و لكن نحرص أن نجعل معه حلاوة في الحال و المقال لأنه مُرٌّ كطعم العلقم، ولكن بطريقة لطيفة غير جارحة يمكننا أن نجعل الطرف المقابل يتقبله و يبتلعه على مرارته. و بهذا نكون قد وفينا بواجبنا تجاه الحق:» الساكت عن الحق شيطان«.(قاله أبو علي الدقاق)
  • من يحتج إلى نصيحة من الطرفين الزوج أو الزوجة أو الأطفال، نقدمها له بكل حب و تواضع متذكرين حديث الرسول “صلى الله عليه وسلم”: “لا خير في قوم لا يتناصحون و لا خير في قوم لا يتقبلون النصيحة” “الدين النصيحة” (مسلم إيمان 82) و أكثر الناس يستحق النصيحة أفراد الأسرة الواحدة. و لا ينبغي أن يكون هناك طرف واحد يحترف النصيحة على حساب الآخرين. فيجب على كل أفراد الأسرة أن يسدوا النصيحة بآدابها و أخلاقياتها دون وجل ولا خجل و لا تردد. و لكن هذه الجرأة على النصيحة تحتاج إلى أن يسود الأسرة جو من الثقة المتبادلة بين أفرادها.
  • الترابط و التلاحم داخل الأسرة، فإذا أصيب أحد أفرادها تأثر لحاله الباقون، و إذا بكى لآخر بكى الباقون، و إذا حزن أحدهم تحازن الجميع لفرط ما يجدون. قال “صلى الله عليه وسلم” : “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا” (بخاري طلاق 459) و يقول:» المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى« (البخاري آداب 5552) فإذا كان المسلمون يوصفون على لسان الرسول “صلى الله عليه وسلم” بهذا الوصف الدقيق الرقيق فإن أفراد الأسرة الواحدة أولى بهذا التضامن و التكافل بل و الإيثار المطلق.
  • و من باب ممهدات الحوار أنه إذا حلّت مناسبة سعيدة لأحد أفراد الأسرة شارك فيها الجميع دون اعتذار، خاصة فيما يتعلق بأهل الزوجة أو الزوج، أو الأولاد. و هذا هو مفهوم الجسد الواحد المتماسك الذي ذكر في الحديث الشريف.
  • و على الزوجين تبادل التشجيعات و احترام هوايات كل واحد من أفراد الأسرة و تقدير هوايات الأولاد و تقديرها ، والثناء عليها بكل جدية و إخلاص. وليضع كل فرد في الحسبان أن رب العالمين خلقنا مختلفي الأذواق و الأمزجة و هذا التنوع هو تنوع طبيعي لا يمكن معاكسته. و عليه فيستحيل تغيير خلق الله تعالى. ومما ينبغي فعله أيضا أنه إذا عجز أحد أفراد العائلة عن أداء مهمة ما و احتاج للعون فعلى بقية أفراد الأسرة معاونته وتشجيعه دون إبطاء. وهذا هو مفهوم قوله تعالى: “وتعاونوا على البر و التقوى”.
  • ثم التسامح و عدم نبش الماضي بآلامه و العفو عن كل ما سلف من شأنه أن يوطد العلاقة بين أفراد الأسرة و يمتن الثقة. و الله تعالى يقول: “عفا الله عما سلف”. فالتسامح والعفو عند المقدرة من شيم الأكرمين و إذا كان الله يعفو فلماذا لا يعفو الإنسان.
  • تقسيم المهام في المنزل و خارجه من أهم أسباب نجاح الحوار الأسري، و عندما ينقسم العمل فيما بين أفراد الأسرة ، ليؤد كل فرد ما عليه، قبل أن يطلب ما له يكون الانسجام التام بإذن الله ويؤثر الجميعُ الجميعَ وهكذا يعملون بروح الآية التي تقول: “ويؤثرون على أنفسهم “.
  • محاولة الصبر و المصابرة على الشدائد عبادة يحب الله تعالى أصحابها حيث يقول:”والله مع الصابرين”، “إن الله مع الصابرين” .. و بشكر الله دوماً تزداد النعم، و إذا أسدى شخص معروفا إلى أحد أفراد الأسرة شكره الجميع و ردوا له خيره، لأن الله تعالى يقول: “ولئن شكرتم لأزيدنكم” ويقول “صلى الله عليه وسلم” : “من لم يشكر الناس لم يشكر الله”.(الترمذي بر 1877)
  • الاجتماع على طاعة الله تعالى من أسباب مسهلات الحوار في الأسرة فالصلاة عماد الدين فإذا أقامتها الأسرة فقد أقامت الدين و بذلك تقيم الحوار فيما بين أفرادها، ثم إن العبادات تعطي ثقة لمن يقوم بها و الثقة بالله هي أساس النجاح واليقين. و الله تعالى يقول : “ومن يتوكل على الله فهو حسبه”.
  • ثم إن من حسن الحوار أن يتنادى أفراد الأسرة بأحب الأسماء إليهم.

إلى هنا أنتهي من الحديث عن الحوار الأسري و لكن قبل أن أضع القلم و اطوي الصحيفة أحب أن أقول كلمة عن المرأة. لقد عاب القرآن على العرب قديما وأد المرأة و هي حية و لا يزالون يئدونها و لكن هذه المرة ليست طفلة بل شابة و امرأة ناضجة المواهب مرجوة الخير لأمتها. إن الوأد ليس هو الدسّ في التراب و حسب، بل هو الحرمان من التعليم و القراءة و الكتابة، كيف لا و نصف المسلمين اليوم في العالم لا يقرأون و لا يكتبون على ما أعطاهم الله من مقدرات و إمكانيات لا يحسنون تسخيرها كما ينبغي.

إنني أؤمن إيماناً جازماً أن احتقار المرأة جريمة كبرى وإثم مبين، لأن الرسول I أعطاهن أعظم حب في هذه الدنيا حيث قال: “وحبب إلي من دنياكم النساء و جعلت قرة عيني في الصلاة” (النسائي نساء 3878) ، وكذلك دفع المرأة إلى إشباع الغرائز بطرق رخيصة هي جريمة أبشع. و الإسلام الصحيح يأبى حبس النساء و تضييق الخناق عليهن وحرمانهن من أبسط حقوقهن. و من هنا كان هذا الجهد المقل.

إنه ينبغي أن يترك المجال للمرأة لتعمل أينما قدرت و استطاعت أن تنفع أنتها و مجتمعها، سواء داخل البيت أو خارجه و لكن ضمن ضوابط تحفظ مستقبلها و مستقبل الأمة لأن المرأة تفوق نصف المجتمع تعدادا. فلا يمكن حبس نصف المجتمع عن إفادة الأمة بحجة الفتنة و العورة و غير ذلك مما يتغنى به فقه التشدد الذي حكم على أن المرأة هي سبب الداء و أن جمالها هو هلاك للأمة و ليس نجاة لها، و هم بذلك لا يعيبون على المرأة وحدها خلقتها إنما يوجهون نقدا مستورا للخالق سبحانه كأنه أخطأ الخلق أو بالغ في جعل المرأة فتانة و غواية، كأنه ليس للرجال نصيب في الزلل و الخطأ.الحوار الاسري حوار الحوار الأسري O9MX5fX2

فإذا كانت المرأة تدير أسرتها بحرفية دقيقة و بأنفاسها العميقة تنضج جيل المستقبل و تحميه من الرذيلة على الرجل أن يعرف قدره و يلزم حده فلا يتعداه، بحجة حق القوامة و بخاصة عندما يكون كسولا بغير عمل أو مريضا هزيلا لا يقوى على جهد، أو جاهلا بفنون الإنتاج و المساهمة الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها.

و لنذكر دوما قوله “صلى الله عليه وسلم” : “النساء شقائق الرجال” (الترمذي طهارة 105) أي مثلهم في الحقوق ومساويات لهم في أصل الخلقة و عليهن من الواجبات بقدر ما يؤدين بالمعروف و لا فضل لرجل على امرأة إلا بالتقوى و العمل الصالح.

المراجع

القرآن الكريم

الحديث الشريف

موسوعة التاريخ

هذه المراجع على cd  شركة صخر للمعلوماتية.

[1] ) أولادنا من الطفولة الى الشباب، فصل رابع العلاقة بين الوالدين، صفحة 35.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق