البحوث

المولود خارج رابطة الزواج.. أحكامه وضوابطه

المولود خارج رابطة الزواج

أحكامه، وضوابطه[1]
 أ.د. نورالدين بن مختار الخادمي

 

 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم.

 وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فإن نازلة المولود خارج دائرة الزواج الشرعي الصحيح، تُعد من أشد النوازل حيرة وأعقدها نظرا وأعظمها أثرا ؛ وذلك باعتبار كونها نازلة إنسانية وأخلاقية وقانونية واجتماعية، وباعتبار طابعها الجدلي والعملي قديما وحديثا.

وتزداد أهمية هذه النازلة في العصر الحالي، وتتعاظم أحوالها وآثارها وتداعياتها؛ لما آلت إليه الأوضاع الإنسانية والعالمية من تزايد عدد هؤلاء المواليد؛ لأسباب عدة، منها ما يتصل بانتشار الوسائل الإعلامية والمحطات الفضائية التي كان لبعضها الدور السلبي في امتهان الفضائل والاستخفاف بالقيم والدعاية للانحراف والشذوذ، ومنها ما يتصل بضعف الوازع الديني والخلقي، مع سهولة فعل المحظور وتعدد مداخله وذرائعه، ومنها ما يتصل بتزايد صعوبات الزواج وعظمة تكاليفه وطول انتظاره وتكاثر مشكلاته وسهولة انهياره، ومنها ما يتصل بظهور أنماط مستحدثة من الزيجات التي يتسارع بعض أهل الفكر والفقه لتبريرها وترويجها، من غير تقدير دقيق لمدركاتها ومناطاتها وأحوالها ومآلاتها.

وقد كان لهذه النازلة الكبرى أثرها في استحثاث أهل النظر والتحقيق من فقهاء الإسلام وعلمائه وهيئاته ومؤسساته؛ كي ينهضوا جميعا بهذه النازلة: تصورا جامعا وتكييفا دقيقا واحتكاما لمدركات الشرع كافة وتقديرا لمصالح والوقائع والمآلات وكافة ما يصلح للنظر والاستنباط، والتنزيل والتفعيل، والمراجعة والتقويم.

ومن هنا، لزم عرض هذه النازلة وتوجيه الفقهاء –أفرادا ومؤسسات-؛ للاجتهاد فيها وتقرير أحكامها وفتاواها وقراراتها الفقهية وضوابطها وشروطها وآثارها الشرعية.

وقد أقمت هذا البحث على مبحثين اثنين:

المبحث الأول:

وهو موسوم بـ “نسب المولود خارج رابطة الزواج: حكمه، وأدلته”.

وقد قسمته إلى مطلبين، تضمن المطلب الأول القول بعدم ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج. أما المطلب الثاني فقد ضمنته القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج. وقد اخترت القول الثاني وأسهبت في عرض أدلته الشرعية الجزئية والكلية.

المبحث الثاني:

وهو موسوم بـ “ضوابط ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج وشروطه وآثاره”.

وقد قسمته إلى ثلاثة مطالب، تضمن المطلب الأول ضوابط ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج، وتضمن المطلب الثاني شروطه، وتضمن المطلب الثالث آثاره.

وأسأل الله تعالى التوفيق والقبول، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يلهمنا الرشد والسداد في هذه القضية وأشباهها. والله تعالى يقضي بالحق وهو يهدي السبيل.

المبحث الأول: نسب المولود خارج رابطة الزواج: حكمه وأدلته

تراوحت كلمة أهل العلم في نسب المولود خارج رابطة الزواج بين قولين اثنين: قول يمثل الأصل، وهو عدم ثبوت هذا النسب، وقول يمثل الاستثناء في مقابل الأصل، وهو ثبوت هذا النسب بضوابط ذلك وشروطه. وفيما يلي نورد هذين القولين:

المطلب1: القول بعدم ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

مفاد هذا القول: أن المولود خارج رابطة الزواج، لا يُنسب إلى الرجل صاحب الماء، أو غيره ممن يُدعى أنه أب له. وذلك لانتفاء السبب الشرعي المثبت لرابطة انتساب الفرع إلى أصله والولد إلى أبيه. وقد ذكر أهل العلم أن هذا القول هو قول الأئمة الأربعة، ومذهب الظاهرية. ومستندهم في ذلك عدة أدلة وقواعد شرعية، نذكر بعضها فيما يلي:

أدلة هذا القول:

  • أن الأصل في ثبوت النسب هو الفراش والزواج الشرعي الصحيح. وما عداه فلا يكون فيه نسب. وهذا الأصل ثابت بأدلة الشرع الجزئية وقواعده الكلية وعموم توجيهاته وقرائنه ومعطياته. ومن ذلك: قاعدة رابطة النكاح والأسرة وما يترتب عليها من آثار والتزامات وحقوق، وما تؤول إليه من المصالح المعتبرة كمصلحة حفظ النسل والنسب والعرض، ورعاية الولد وحسن ولايته وتوجيهه، واستقرار الأحوال النفسية والأخلاقية والأمنية للفرد والمجتمع والدولة والأمة، في الظاهر والباطن، في العاجل والآجل.
  • حديث الفراش، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “الولد للفراش وللعاهر الحجر”[2]. واختلف العلماء في معنى الفراش، فذهب الجمهور إلى أنه اسم للمرأة، وقد يعبر به عن حالة الافتراش، وذهب أبو حنيفة إلى أنه اسم للزوج[3]. والراجح ما ذهب إليه الجمهور، وذلك لأن الفرش عند العرب يُعبر به عن الزوج وعن المرأة، وهي الفراش المعروف، فمن ادعى أن المراد به الرجل دون المرأة فعليه الدليل. والفراش في هذا الحديث إنما هو كناية عن حالة الافتراش. والمرأة مشبهة بالفراش؛ لأنها تُفترش، فكأن النبي –عليه الصلاة والسلام- أعلمنا أن الولد لهذه الحال التي فيها الافتراش، فمتى لم يمكن حصول هذه الحال لم يلحق الولد، فمعنى قوله: “الولد للفراش”، أي: لصاحب الفراش[4]. ومعناه: أن الزاني لا حظ له في الولد ولا يُلحق به نسبه[5].
  • حديث عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: “اختصم سعدُ بنُ أبي وقَّاٍص وعبدُ بن زَمْعَةَ في غلامٍ، فقال سعدٌ: هذا يا رسول الله، ابن أخي عُتبة[6] بن أبي وقاص، عَهِدَ إلىَّ أنهُ ابنُهُ انظر إلى شبَهِهِ، وقال عبدُ بنُ زَمعة: هذا أخي يا رسولَ الله، وُلد على فراش أبي من وَليدته، فنظر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى شَبَهِه، فرأى شَبِهًا بَيِّنا بعُتبةَ، فقال: (هو لك يا عبدُ بنَ زَمعةَ، الولد للفراش وللعاهر الحجرُ، واحتجبي منه يا سَوْدَةُ بنتَ زمعة)، فلم تَرَهُ سودةُ قطُّ[7].

ووجه الاستدلال بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت الولد لفراش زمعة للوليدة المذكورة..، فإنه لما قال عبد بن زمعة “ولد على فراش أبي” ألحقه النبي صلى الله عليه وسلم بزمعة صاحب الفراش، ولم ينظر إلى الشبه البين الذي فيه المخالفة للملحوق به[8].

  • أن إثبات النسب يكون ذريعة لفعل الزنا واستهانة شأنه وعاقبته؛ فقد يُقدم الإنسان على الفاحشة دون خشية مما يترتب عليها من آثار وجود الولد بالخصوص، حيث يقوم على تنسيبه إليه دونما عناء أو ابتلاء أو شقاء.

والرد على استدلالهم:

  • أن تقرير الأصل لا ينافي تقرير الاستثناء، إذ الاستثناء معيار العموم، وهو ما يُصار إليه لمصلحة أرجح من مصلحة الأصل في الأحوال الخاصة التي تُقدر بقدرها ولا تتعدى مواضعها[9]. والاستثناء الشرعي المعتبر حجة يُصار إليها ومُدرك يُعول عليه، وهو حقيقة مركوزة في نصوص الوحي وأحكام الدين وشواهد الحياة ومعاش الناس. ووجه الاستثناء في هذه المسألة إنما هو تثبيت النسب بين الرجل صاحب الماء وفرعه المتولد منه، بشروط ذلك؛ استنادا إلى رجحان مصلحة إثبات النسب على مصلحة نفيه، أو جلب مصلحة الإثبات ودرء مفسدة النفي.
  • وقد أجيب عن أن حديث “الولد للفراش وللعاهر الحجر”[10]، وحديث السيدة عائشة أم المؤمنين “اختصم سعدُ بنُ أبي وقاص وعبدُ بن زَمعة في غلام…”؛ بأنهما وردا فيما إذا كان هناك صاحب فراش ينازع الولد، أما إذا لم يكن صاحب فراش فإن الحديث لا يدل عليه، إذ لا نزاع أصلا، فما المانع من استلحاق أبيه له. قال ابن تيمية: “ففي استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشا قولان لأهل العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “الولد للفراش وللعاهر الحجر”، فجعل الولد للفراش، دون العاهر، فإذا لم تكن المرأة فراشا لم يتناوله الحديث، وعمر ألحق أولادا في الجاهلية بآبائهم، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة؟[11].

فالحديث ليس نصا في المسألة، وإنما ورد في حال وجود التنازع على الولد، فعندئذ يُرجح الفراش. قال ابن تيمية: “فإذا لم تكن المرأة فراشا لم يتناوله الحديث، وعمر ألحق أولادا ولدوا في الجاهلية بآبائهم”[12].

  • لو كان الأمر كما ذهبوا إليه لما حُرم على الرجل أن ينكح المخلوقة من مائه سفاحا. وقد قال بذلك الأحناف[13]، والمالكية[14]، والحنابلة[15]. ودليلهم عموم قوله تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم}[النساء: 23]، وفيه مراعاة للخصائص الوراثية في حرمة المصاهرة، فلا فرق بين البنت المتخلقة من نكاح سليم وبين أخرى تكونت من نكاح فاسد.

وأجاز الشافعية نكاح الزاني من تخلقت من مائه سفاحا. واعتبروها أجنبية عنه ولا تُعد بنتا في الشرع بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “الولد للفراش وللعاهر الحجر”[16]، ولا يثبت لها إرث أو غيره من أحكام النسب[17].

لكن نفي النسب عن الزاني هو إنكار للحقائق والواقع، فيكون المقصود هنا هو نفي البنوة حكما لا واقعاً.

والجدير بالذكر في هذا المقام أن الجمهور يقولون بتبعيض آثار النسب، فنراهم يفرقون بين بنت آية التحريم {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء: 23]، وبين بنت آية الفرائض {يوصيكم في الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}[النساء:11]. وقد أجاد ابن القيم[18] الرد على الشافعية، حيث جاء في كلامه أنه إذا كان الشرع قد حرم على الرجل وطء البنت التي تغذت بلبن الفحل، فكيف يحل له أن ينكح من تخلقت من مائه سفاحا. وهذا من باب دلالة الأَوْلى. وحديث سودة بنت زمعة حجة على الشافعية.

المطلب2: القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

ذهب لفيف من أهل العلم المحققين قديما وحديثا إلى أن المولود خارج رابطة الزواج، يثبت نسبه ممن زنى بأمه، بضوابط ذلك وشروطه.

فممن ذهب إليه من القدامى:المولود خارج رابطة الزواج.. أحكامه وضوابطه مولود المولود خارج رابطة الزواج.. أحكامه وضوابطه                                           1

عمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، وإسحاق بن راهويه، وابن تيمية، فقد اختاره، وكذلك ابن القيم الذي رجحه. وأفتى به الحنفية، حيث ذكروا أنه يحل تزوج الحبلى من الزنا إذا ما تزوجت بالزاني الذي حبلت منه، كما في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق[19].

قال الكمال بن الهمام: “أما لو كان الحبل من زنا منه جاز النكاح بالاتفاق، كما في الفتاوى الظهيرية محالا إلى النوازل، قال رجل تزوج حاملاً من زنا منه، فالنكاح صحيح عند الكل ويحل وطؤها عند الكل”[20].

وممن ذهب إليه من المعاصرين:

 سعد بن ناصر الخثلان[21]، وخالد المصلح[22] (يميل إليه تنظيرا فقهيا وليس إفتاء فعليا)، ويوسف بن عبد الله الشبيلي[23]، وعلي محيي الدين القره داغي[24]، ونايف العجمي[25]، وعقيل بن محمد المقطري[26]، وهني الجبير[27]، ونورالدين الخادمي، والذوادي قويمدي[28].

أدلة هذا القول:

  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة جريج، وفيه قال: من أبوك يا غلامُ؟ قال: الراعي.

ووجه الدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن جريج نسب الولد للراعي الزاني، وصدق الله هذه النسبة بما أجراه من خلاف العادة في نطق الصبي[29].

والحديث هو: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان رجل من بني إسرائيل يُقال له جُريجٌ يصلي فجاءته أمه دعته فأبى أن يجيبها فقال: أجيبها أو أصلي، ثم أتته فقالت: اللهم لا تُمته حتى تريه المومسات وكان جُريج في صومعته فقالت امرأة: لأَفْتِنَنَّ جُريجاً، فتعرضت له فكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غُلاما فقالت: هو من جُريج، فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبُّوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغُلامَ فقال: من أبوك يا غُلامُ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين[30].

وفي رواية مسلم، عن أبي هريرة؛ أنه قال: كان جُريجٌ يتعبد في صومعته. فجاءت أمه. قال حُميدٌ: فوصف لنا أبو رافع صفةَ أبي هريرة لصفةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُمَّه حينَ دعته. كيف جعلت كَفَّها فوق حاجبها. ثم رفعت رأسها إليه تدعوه. فقالت: يا جُريجُ! أنا أمكَ. كلِّمني. فصادفته يُصلي. فقال: اللهم أمِّي وصلاتي. فاختار صلاته. فرجعَتْ ثم عادت في الثانية. فقالت: يا جُريجُ! أنا أمك. فكلمني. قال: اللهم أمي وصلاتي. فاختار صلاته. فقالت: اللهم إن هذا جريج. وهو ابني. وإني كلمته فأبى أن يكلمني. اللهم! فلا تُمِتْهُ حتى تُرِيَهُ المومساتِ. قال: ولو دعت عليه أن يُفتن لَفُتن.

قال: وكان راعي ضأنٍ يأوي إلى دَيْرهِ. قال فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي. فحملت فولدت غلاما. فقيل لها: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدَّيْرِ. قال فجاءوا بفُؤوسهم ومَساحيهم. فنادَوْه فصادفوه يُصلي. فلم يكلمهم. قال فأخذوه يهْدِمون دَيْرَهُ. فلما رأى ذلك نزل إليهم. قالوا له: سَل هذه. قال فتبسَّم ثم مسح رأس الصبي فقال: من أبوكَ؟ قال: أبي راعي الضأنِ. فلما سمعوا ذلك منه قالوا: نبني ما هدمنا من دَيْرك بالذهب والفضة. قال: لا. ولكن أعيدوه ترابا كما كان. ثم علاه[31].

  • قصة ملاعنة هلال بن أمية رضي الله عنه مع امرأته، وفيه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أبصروها فإن جاءت به أكحلَ العينينِ سابِغَ الأَليتينِ خَدَلَّجَ الساقينِ فهو لشريك بن سمحاءَ، فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن”[32].

وفيه –كذلك-: عن أنس بن مالك قال: إن هلال بن أميةَ قذف امرأته بشريك بن سمحاء. وكان أخا البراء بن مالك لأمه. وكان أولَ رجل لاعن في الإسلام. قال: فلاعنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أبصروها. فإن جاءت به أبيضَ سَبِطاً[33]، قضئ العينين[34] فهو لهلال بن أميةَ. وإن جاءت به أكحلَ جَعْداً حَمْشَ الساقين[35] فهو لشريكِ بن سمحاء” قال: فأُنْبئت أنها جاءت به أكحلَ جعْداً حَمْشَ الساقين[36].

ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الولد إلى أبيه من الزنا. والذي خُلق من مائه[37].

  • كان عمر بن الخطاب يُليط –أي يلحق- أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.

جاء في مصنف عبد الرزاق أن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سليمان ابن يسار يقول: كان عمر بن الخطاب يُليط أولاد الشرك بآبائهم[38].

وجاء في مصنف عبد الرزاق –كذلك- عن الثوري عن عبد الله بن عون عن غاضرة العنبري قال: أتينا عمر بن الخطاب في نساءٍ تبايعن[39] في الجاهلية، فأمر أن يقام أولادهن على آبائهن، ولا يسترقوا[40].

عن عبد الله بن عمر عن نافع قال: كانت جارية لابن عمر ، وكان له غلام يدخل عليها، فسبّه أو فسببته، فرآه ابن عمر يوما، فقال: أحامل أنتِ؟ قالت: نعم، قال: ممن؟ قالت: من فلان، قال: الذي سبّه أو سببته، قالت: نعم، فسأله ابن عمر، فجحد، وكانت له إصبع زايدة، فقال: له ابن عمر: أرأيت إن جاءت به ذا زايدة؟ قال: هو إذن مني، قال: فولدت له غلاما له إصبع زايدة، قال: فضربهما ابن عمر الحدّ، وزوّجها إياه، وأعتق الغلام الذي ولدت[41].

  • القياس على الأم من الزنا، فكما أن الولد يُنسب إلى أمه من الزنا؛ لأنها هي التي

ولدته، فكذلك يُنسب إلى أبيه؛ لأنه خُلق من مائه، فهو أبوه كونا وطبيعة.

وقد عُهد في الشرع التسوية بين المتماثلات والتفرقة بين المختلفات. فتكون نسبته إلى أبيه مماثلة لنسبته إلى أمه، من جهة كون كل منهما سببا لوجوده، الأم بمائها وحملها، والأب بنطفته ومائه.

ذكر ابن القيم أن الولد تَكَون من ماء الزانيين؛ فلا يُعقل أن ننسبه إلى أحدهما دون الآخر، وما المانع من لحوقه بأبيه إذا لم يدعيه غيره[42]. ولأن الأم “اشتركت مع الأب في ماء الولد وزادت عليه الحمل والرضاع[43]. ولأن الابن يُنسب إلى أمه فحسب إذا لم يُعرف له أب[44].

وربما يكون القول بنسبته إلى الأم دون الأب مبنيا على جهة العلم بأمه دون الأب، فيُقال من قِبل الفقهاء بأن ولد الزنا يُنسب إلى أمه؛ إذا عُلمت أمه وجُهل أبوه[45]، ومعلوم أن الأم تُعرف أكثر من الرجل؛ لأنها تحمل ولدها وتضعه، بخلاف الأب؛ فهو يضع النطفة فحسب، وهذا قد يكون له أثر في عدم معرفة هذا الأب. أما إذا عُلم الأب؛ فيُلحق الولد به، كالأم تماما.

  • قاعدة تشوف الشرع إلى ثبوت النسب، وتيسيره لأسباب ذلك ووسائله.

وأصل هذه القاعدة أدلة وقرائن شرعية عدة. ومن ذلك: سرور النبي صلى الله عليه وسلم بخبر ثبوت نسب أسامة بن زيد من زيد بن الحارثة  –رضي الله عنهما-[46]

“لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُظهر السرور بما ليس من الحق في شيء”[47]. و”لأنه ليس من صفته أن يسر بأمر باطل عنده لا يسوغ في شريعته، وكان أسامة أسود وكان زيد أبيض، فكان المشركون يطعنون في نسبه[48]، وكان يشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فسر بذلك لمكانهما منه”[49].

  • قاعدة كون إثبات النسب أولى من نفيه، ووجه الاستحسان أن الشرع يتشوف لإثبات النسب؛ فإن إلحاقه[50] ولدا بغير أبيه أقل ضررا من قطع نسبه، على أن الشرع أعطى له فرصة نفي النسب عند علمه بالولادة[51]. وبناء على ذلك، قد يُفهم ما ذهب إليه أبو حنيفة من تصحيح عقد المشرقي على المغربية أو بالعكس[52]، وإثبات النسب لهما، وإن لم يحصل بينهما اللقاء؛ فقد يتخرج ذلك على هذه القاعدة، إذ يكون إلحاق الولد لغير أبيه أقل ضررا من قطع نسبه، على أن الشرع أعطى له فرصةَ نفي النسب عند علمه بالولادة، كما صرح بذلك ابن عاشور[53].

ولذلك –كذلك- تُعتمد المشابهة بين الفرع والأصل للإثبات لا للنفي، إذ وجود المشابهة مظنة الانتساب، وأما عدم المشابهة فلا دلالة له على انتفاء الأنساب، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الموطأ والصحيحين “أن أعرابيا قال يا رسول الله: وُلد لي غلام أسود فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حُمْر، قال: هل فيها من أوْرَقَ[54]؟ قال: نعم قال: فأنى ذلك؟ قال: لعله نزعه عرق قال: فلعل ابنك هذا نزعه”[55]، فلما لم تنضبط المشابهة، ولم يكن لها حد محدود، لم تجعلها الشريعة بينة إلا عند الضرورة وفي حالة الاحتياط، كما ورد في حديث استلحاق ابن وليدة زمعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “هو أخوك يا عبدُ بن زَمعة”. وقال لسودة بنت زمعة: “احتجبي منه” لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص[56].

  • قاعدة كون النسب معقول المعنى؛ إذ الأصل في النسب أنه تولد الفرع من أصله

وتبعيته له. وربما مما يشير إلى هذا المعنى المعقول حديث عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل تَبْرُق أسارير وجهه فقال: “ألم ترَيْ أن مُجَزِّزًا المُدْلِجي نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد ورأى أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضُها من بعض”[57]، فالتصريح بوجود الشبه بين الأقدام هو إشارة لطيفة إلى الاعتبار بالتولد والتفرع، وأنه مناط تحقق الأبوة الطبيعية والكونية. وهو ما يشير إلى معقولية معنى انتساب الفرع إلى أصله، وأنه غير داخل في التعبدات وكيفياتها المحددة والمضبوطة شرعا.

وقد دقق ذلك ابن عاشور بقوله: ” أصل تقَوُّم ماهية النسب الشرعي هو التولُّد المعبَّرُ عنه بالتناسل وبالنسل وبالسُّلالة (بضم السين)، [وهو] عبارة عن الحالة الجبلية الفطرية التي هي حصول ماء الرجل في رحم المرأة حصولًا معتبرًا شرعًا[58] كما تقدم.

فلكون قيام حقيقته هو الحالة الطبيعية، كان النسبُ غيرَ قابل لتغيير ماهيته بنقل ولا بإسقاط ولا بقضاء. ولا يكون القضاءُ بإلحاق نسب بأحدٍ إلا كشفًا عن تحقق ماهية النسب في نفس الأمر بحسب طرق ثبوته.

ولذلك كان تبني رجلٍ أو امرأة ابنًا غيرَ متولد منهما (ويُسمّى الدَّعِيَّ) باطلاً شرعًا، قال الله تعالى: ]وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ[(الأحزاب: 4).[59]

ثم إن هذا التكون الطبيعي لا يكون معتدًّا به في نظر الشرع بحيث تترتب عليه آثارُ النسب في أحكام الإسلام، إلا إذا توفرت في حصوله شرائطُ الإباحة الشرعية لحصوله، أي في حالة إباحة الشرع وقوعَ ماء الرجل في رحم المرأة أو حالة تقرير الشرع ذلك الوقوعَ بعد حصوله. فإذا حصل في حال تحريم حصوله، ولم يجوزه الشرعُ بعد حصوله، لم يكن نسبًا معتدًّا به شرعًا، ولا تترتب عليه أحكامُ النسب في الشريعة، وكان مجردَ تولد طبيعيٍّ كتولد البهائم، ولقاعدة: المعدوم شرعًا كالمعدوم حسّا.

سوى أن جمهورَ فقهاء الإسلام رأَوْا تحريمَ تزوج الرجل امرأةً تُحُقِّقَ أنها خُلقت من مائه في زناه بأمها، وهو قول مالك[60] وأبي حنيفة[61] وأحمد،[62] خلافًا للشافعي[63] وابن الماجشون من المالكية، في خصوص جواز تزوج الرجل امرأة تخلقت من مائه من زِنًى،[64] دون تزوج المرأة ابنَها الذي حملت به من زِنًى فالإجماع على تحريم تزوجها إياها.[65]

إن حقيقة التولد أو التكون الطبيعي تثبت النسب وآثاره في صورتين:

الصورة الأولى: إباحة الشرع وقوع ماء الرجل في رحم المرأة. وهو موضوع النكاح الشرعي ابتداء وأصالة.

الصورة الثانية: تقرير الشرع ذلك الوقوع بعد حصوله. وهو موضوع النكاح المُصحح شرعا انتهاء واستثناء. ومنه الاتصال الجنسي خارج إطار الزواج والناتج عنه الولد، والذي تم تصحيحه وجبره بأدلة ذلك ومعتبراته وشروطه وضوابطه.

  • قاعدة الستر على الزناة والزواني وأهليهم وولدهم، وترتيب آثار ذلك المتعلقة

بتقرير الفضائل والقيم وعدم إشاعة الفاحشة بين الناس، وتقليل دواعيها ومظاهرها، واستبعاد التهاون فيها وتحقيرها وتطبيعها في الوقائع والنفوس. ومعلوم أن قاعدة الستر هي إحدى القواعد الشرعية الاستقرائية المقررة في كافة الملة والأمة، والمستخلصة بطائفة كبرى من أدلة الكتاب والسنة، وشواهد السيرة والتاريخ، وكثير من القرائن والأمارات والمدركات.

  • قاعدة مراعاة مآلات فعل نسبة الولد إلى أبويه:

 من حيث تقرير حق الهوية، واللقب العائلي والانتساب وآثاره المتمثلة في الرعاية والنفقة والتربية وغيرها. وفي حال عدم ثبوت نسب الولد لأبويه، سوف يؤول الأمر إلى التشرد والضياع والانفلات التربوي والاجتماعي والوقوع في دوائر اليأس والاكتئاب، وربما في عوالم الجريمة والانحراف.

ومن حيث التشجيع على التوبة والمراجعة والرجوع إلى الله تعالى وإلى حضيرة المسلمين ومواقع الخير والبر والفضيلة. فإثبات نسب الولد سيكون له أثره الإيجابي في نفس الوالدين من حيث توازنهما النفسي واستقرارهما الباطني واعتدال سلوكهما، وهو ما يقرر معاني التوبة والاستقامة، ويعين على دوام ذلك واستصحابه.

أما نفي هذا النسب فقد يكون له أثره السلبي والخطير في إحباط شخصيتي الوالدين؛ بسبب الإحساس بالندم والحيرة، واستحالة تدارك ما فات، واستصحاب ذلك الشعور إلى مدد طويلة قد تستغرق العمر كله، وقد تصبح كابوسا يطارد صاحبه ما حيي وما بقي، وهو الأمر الذي يفوت العيش الطبيعي والتوازن الذاتي الذي يُناط به التدين والالتزام وفعل الخير وإدامة المعروف.

  • قاعدة كون التشريع يراعي الحقائق لا الأوهام، “لا عبرة بالتوهم”، وولد الزنى ليس وهما وإنما هو حقيقة كونية وطبيعية، ويُعطى حكم الحقيقة الشرعية عند إعمال مدركاتها وضوابطها الشرعية المرعية في إثبات نسبه وبنوته الشرعية.
  • قاعدة “لا يحمل أحد عن أحد[66] ، أو قاعدة “لا تزر وازرة وزر أخرى[67]“، فولد الزنا لا يُؤاخذ بما فعله الزانيان؛ فيُحرم من البنوة الشرعية ومن آثارها المترتبة عليها، بل يُلحق بهما إذا توافرت شروط ذلك، كالاستلحاق والتوبة والزواج وكونه قد تخلق من مائهما، وغير ذلك مما هو مذكور في شروط إثبات نسبه. وهذا ينطبق على من عُرف أبوه وأمه، أما مجهول النسب فلا يُلحق، وفي الوقت ذاته لا يُؤاخذ بجريرة غيره، من حيث ترتيب استحقاقاته وعدم الإثم واللوم، وغير ذلك.
  • قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد المتعلقة بثبوت النسب وعدمه، حيث تفضي هذه الموازنة إلى اختيار إثبات النسب على نفيه؛ لغلبة مصالحه على مفاسده، من حيث حجمها ودوامها وتعديتها وغير ذلك.
  • معطى الاعتبار بالواقع المعاصر ومشكلاته وتحدياته المؤثرة في وقوع كبيرة الزنا، وفيما ينتج عنها من وجود الأولاد؛ ولا يراد الاعتبار بالواقع اعتبار هذا الواقع حاكما على الأحكام والفتاوى والأقضية الشرعية، وإنما يُراد به اختيار بعض الأقوال والفتاوى وترجيحها في معالجة ما ينتجه الواقع من مشكلات وتحديات. فقد شهد عصرنا الحالي قيام دواعي الانحراف وتضخمها وسهولتها، كقيام المحطات الفضائية والمواقع المثيرة والمغرية، وكشدة الاتصال والاحتكاك والابتذال في الروابط الإنسانية والاجتماعية والمهنية… كما شهد عصرنا ضمورا ملحوظا في مظاهر الستر والعفة والاستقامة، واختفاء كبيرا لدواعي الفضيلة والاستقامة والطهر. ومن ذلك: عسر الزواج وغلاء المهور وكثرة النفقات المالية على الأعراس، وغياب حسن اختيار المرء لزوجه، وضعف التربية الإيمانية والسلوكية؛ وهو الأمر الذي يعجل بفك رابطة الزواج، وسرعة الوقوع في الوحدة والضياع والاضطراب والشقاء، وربما الوقوع في دوائر الزيغ والمعصية؛ رغبة في الانتقام وردود الأفعال، واستصحابا لسد الحاجة الفطرية والرغبات الشهوانية، واستسهالا للمحظور وعزوفا عن المأذون فيه الذي قد لا يُتاح بسبب تشديد الناس وتعقيدات الواقع.

المبحث الثاني:  ضوابط ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج وشروطه وآثاره

القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج، مقيد بضوابطه وشروطه، ومفض إلى آثاره ومآلاته. وهو الأمر الذي ينفي عنه الإطلاق والانفلات أو الاختلال والاضطراب على مستوى حماية الثوابت الدينية والأحكام والمقاصد الشرعية، وعلى صعيد بالتوجيه الثقافي والالتزام القانوني، وسلامة الدول والشعوب واستقرار أنظمتها الأسرية والاجتماعية والإنسانية. وكل هذا نفصله في المطالب الثلاثة الآتية:

المطلب1: ضوابط نسب المولود خارج رابطة الزواج:

هذه الضوابط هي مجموع ما يضبط هذا النسب ويؤسسه على أصوله وقواعده ومقاصده الشرعية والأخلاقية، ويقيمه على منهج سوي لا تُعطل فيه مصالح النسل والنسب والعرض، ولا تُصادم فيه ثوابت الدين وأحكامه، وفضائل الأخلاق وشيمه. ويمكن أن نجمل هذه الضوابط فيما يأتي بيانه:

الضابط الأول: استثنائية إثبات نسب المولود خارج رابطة الزواج: ويُراد بالاستثنائية اعتبار هذا الحكم حكما استثنائيا يُقابل الأصل، ورخصة في مقابل العزيمة، وعملا استحسانيا عُدل فيه عن القياس الجلي أو الدليل العام، وحلا خاصا لبعض الأوضاع الابتلائية والاضطرارية والحاجية التي يجد المرء فيها ذاته في وضع حرج وضيق شديد ينزل عليه قواعد ذلك وشروطه.

وهذا الحكم لا ينبغي أن يكون بديلا عن إثبات النسب بطرقه الأصلية المعتبرة شرعا، وهي الزواج الشرعي الصحيح أو الفاسد الذي يقبل التصحيح والجبر. وإنما يظل حكما خاصا بأحواله ومواضعه، ومراعى فيه شروطه وآدابه، ومعمولا فيه دوام النظر والاجتهاد والتحقيق، ومنزلا عليه أداء الإفتاء الموجه إلى النوازل التي يُبتلى بها الناس، والمعالج لأحوالها الخاصة في ضوء ملابساتها وسياقاتها ومآلاتها.

الضابط الثاني: المقاربة الاجتهادية الدقيقة لإثبات النسب خارج رابطة الزواج، وذلك باعتبار كون هذا الإثبات أمرا يحتاج إلى نظر الفقيه المجتهد، واستدعاء المدركات الشرعية والتنسيق والموازنة بينها، وتنزيلها على الواقعة ، والاعتبار بقرائن الأحوال ومآلات الأفعال بعد النظر في منطلقاتها وحيثياتها؛ وهو الأمر الذي يستوجب ضربا من الاجتهاد الاختياري الذي يقيم بنيانه على اختيار الآراء والمواقف والفتاوى الفقهية الأكثر ملائمة لمقاصد الشرع، والأنسب لمصالح الخلق والأدعى للتمثل والامتثال.

الضابط الثالث: الطابع التقديري الشرعي لإثبات النسب خارج رابطة الزواج، وذلك من جهة اعتبار هذا الحكم شأنا سياسيا شرعيا يُقدره الحاكم وفق قواعد المصالح الشرعية المرعية التي يُناط بها تصرفه وسياسته، كما جاء في القاعدة الشهيرة: “تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة”، والمصلحة التي يجري الحاكم النظر بناء عليها، إنما هي المصلحة المعتبرة التي تشهد لها الأدلة الخاصة والعامة، أو المصالح المرسلة ومطلق المصالح التي تلائم مقاصد الشارع العامة، دون أن تدل عليها الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة. عليه، فإن الحاكم له حظ وافر في تقدير ما يراه مناسبا لمسألة الحال؛ بإجراء النظر الجماعي والمتخصص والأمين، وبالاستعانة بأهل الذكر في هذا المجال.

الضابط الرابع: تقرير السياسة الوقائية لمسألة النسب، وذلك  بحسن التوجيه الديني والتوعية التربوية والحث على الفضائل ومنع الرذائل وسد ذرائع الفساد ومقدمات المحظور وأسباب الفاحشة، وتكثيف البرامج والمواد الإعلامية والتعليمية والتدريبية الهادفة إلى حماية الناس من الوقوع في التناسل خارج إطار الزواج، وضرورة التشجيع على الزواج وتسهيله وترويجه وتعميمه وتعظيمه، وغير ذلك مما يكون بمثابة الوقاية والحماية والحيطة والحذر.

الضابط الخامس: تقرير العلاقات الأدبية والأجواء النفسية والاجتماعية الإيجابية بين العاملين في المجال الفقهي والمتصدين لمعالجة حالة المواليد الذين يأتون خارج رابطة الزواج، ويشكلون واقعا يحتم على الفقهاء وغيرهم حسن معاملة لهذه الحالة وأصحابها، دون تشنج أو تعنت، ودون انفلات أو انبتات. أي أن أهل الفقه المحققين مدعوون إلى مناشدة الاتفاق أو الوفاق في هذه الحالة، ومأمورون بتقليل بوادر التنازع والتدابر، وتضييق سبل التلاسن الفقهي والتهارج المذهبي الذي قد يضيع الحق ويضعف الحل ويعمق المشكلة ولا يحلها. ونحن أمام هذه الحالة، لا يجوز لنا تبادل الاتهام بالتهاون في ثوابت الأحكام وفضائل الأعمال، أو الاتهام بالتساهل أو التعصب.

الضابط السادس: استناد حل مشكلة النسب إلى عدة معان مجتمعة، كمعنى حفظ النسب والعرض والعفة، ومعنى الستر والحياء وعدم إشاعة الفاحشة وإخفائها وتغييبها، ومعنى التشجيع على التوبة والصلاح وعون الناس على الطاعة وعدم عون الشيطان عليهم، ومعنى الرفق بالناس وفتح أبواب الأمل في وجوههم وعدم تيئيسهم وإحباطهم، ومعنى حفظ الفروع من الضياع والتيه والألم غالب العمر، وحفظ الأصول من الجحود والتنكر والتمادي في الباطل والاسترسال في القسوة. ولذلك، فإن حل هذه المشكلة المتزايدة في ديار المسلمين وغيرهم، لا ينبغي أن يحكمها معنى واحد دون استحضار سائر المعاني الأخرى، فهي مشكلة متعددة الزوايا ومتداخلة النتائج ومتشابكة المنافع والأضرار؛ وعليه لزم الجمع بين المعاني وترجيح الأفضل والأنسب؛ بناء على عمق النظر الشرعي وسلامته من القوادح.

المطلب2: شروط إثبات نسب المولود خارج رابطة الزواج:

تتكامل هذه الشروط مع الضوابط المذكورة، وذلك باعتبار كونهما الإطار الحامي لفضيلة النسب وحرمته، والموجه له بناء على كافة المدركات والمعتبرات الشرعية والأخلاقية والإنسانية والواقعية. ويمكن اعتبار كون هذه الشروط بمثابة الأمر المفصل لمجمل الضوابط، أو الأمر الذي يتوقف عليه إثبات نسب المولود خارج رابطة الزواج. فلا يكون هذا النسب ثابتا وصحيحا إلا بإعمال الشروط التالية:

الشرط الأول: توبة الزاني والمزني بها، والعزم على عدم الرجوع والندم على ما فات:

جاء في فتاوى ابن تيمية: “نكاح الزانية حرام حتى تتوب، سواء كان زنى بها هو أو غيره. هذا هو الصواب بلا ريب، وهو مذهب طائفة من السلف والخلف”[68].

وذلك مجازاة للتائب على توبته بجبر خطئه وتدارك فائته، وتشجيعا له على الخير والطاعة، وصرفا له عن الرذيلة والشيطان، واليأس والحيرة والضياع. ومعلوم أن الإسلام يتشوف إلى توبة التائب، ويضع لها ما يناسبها من الأحكام والتخفيفات والتباشير.

الشرط الثاني: أن يتزوج الزاني بالمزني بها:

وذلك لتحقيق معنى انتساب الفرع لأصله بقيام الزوجية التي تُعد سبب التولد والانتساب. ولاقتصار الزاني على مزنيته في استدامة الخلوة والمباشرة والنكاح، بعد تصحيح الوضع وجبر الخلل؛ ولأن ذلك أدعى لتوافقهما وقبول أحدهما للآخر، إذ كل منهما كان سببا لمعصية الآخر، وبتصحيح الوضع يكون كل منهما سببا لطاعة الآخر، والإسلام يجب ما قبله، و”{إن الحسنات يذهبن السيئات}.

وقد ذكر لفيف من أهل العلم أنه يصح تزوج الزاني من الزانية، لكن بشرط توبة الاثنين، والعزم على عدم الرجوع. وهو ما قضى به الصحابة والتابعون وأفتوا به رضي الله عنهم[69].

وبعضهم اعتبر أن زواج الزاني ممن زنى بها أفض وأِوْلى، وليس فقط جائزا ومأذونا فيه. وهو قول مروي عن عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم –رحمهم الله-[70].

ومن الآثار والأقوال المروية في ذلك، نورد ما يلي:

  • سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن رجل زنى بامرأة ثم يريد أن يتزوجها، قال: “ما من توبة أفضل من أن يتزوجها، خرجا من سفاح إلى نكاح[71].
  • وجاء رجل إلى أبي بكر، فذكر له أن ضيفاً له افتض أخته، استكرهها على نفسها، فسأله فاعترف بذلك، فضربه أبو بكر الحدّ، ونفاه سنة إلى فدك، ولم يضربها، ولم ينفها، لأنه استكرهها، ثم زوَّجها إياه أبو بكر، وادخله عليها[72].
  • – كان ابن عباس يقول في الرجل يزني بالمرأة، ثم يريد نكاحها، قال: أول أمرها سفاح، وآخره نكاح[73]. وكان يقول: “إذا تابا فإنه ينكحها، أوله سفاح وآخره نكاح، أوله حرام وآخره حلال”[74]. وقيل له: الرجل يصيب المرأة حراما، ثم يتزوجها، قال: إذ ذاك خير، أو قال: ذاك أحسن[75]. وقال: الآن حسن، أصاب الحلال [76]. وقال: اعلم أن الله يقبل التوبة منهما جميعا، كما يقبلها منهما متفرقين[77].
  • – وعن جابر بن عبد الله يقول: “لا بأس بذلك، أول أمرها زنًا حرام، وآخره حلال[78].
  • عن سعين بن جبير في امرأة فجر بها رجل، ثم يريد أن يتزوجها، قال: “أوله سفاح وآخره نكاح، وأَحلَّها له ماله”[79].
  • وقال الزهري: “لا بأس به[80].
  • وعن سماع بن ثابت الزهري يقول: إن وهب (وقيل: موهب) بن رباح تزوج امرأة، وللمرأة ابنة من غير موهب ، ولموهب ابن من غير امرأته، فأصاب ابن وهب ابنة المرأة، فرفع ذلك إلى عمر ابن الخطاب، فحدّ عمر ابن موهب، وأخَّر المرأة حتى وضعت، ثم حدَّها، وحرص على أن يجمع بينهما، فأبى ابن موهب[81].
  • عن عبد الله بن عمر عن نافع قال: كانت جارية لابن عمر ، وكان له غلام يدخل عليها، فسبّه أو فسببته، فرآه ابن عمر يوما، فقال: أحامل أنتِ؟ قالت: نعم، قال: ممن؟ قالت: من فلان، قال: الذي سبّه أو سببته، قالت: نعم، فسأله ابن عمر، فجحد، وكانت له إصبع زايدة، فقال: له ابن عمر: أرأيت إن جاءت به ذا زايدة؟ قال: هو إذن مني، قال: فولدت له غلاما له إصبع زايدة، قال: فضربهما ابن عمر الحدّ، وزوّجها إياه، وأعتق الغلام الذي ولدت[82].
  • وعن قتادة عن الحسن قال: هو أحق بها لأنه يحبُّها[83].
  • وحدث أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: سئل علقمة بن قيس عن رجل زنى بامرأة، هل يصلح له أن يتزوجها؟ قال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}[84][الشورى:25].

الشرط الثالث: الاستلحاق

وهو أن يطلب الرجل إلحاق من خلق من مائه خارج إطار الزواج، وفق الشروط والضوابط الشرعية المرعية.

والاستلحاق لغة: مصدر استلحق، يُقال: استلحق ادعاه. واصطلاحا: هو الإقرار بالنسب[85]. هو طلب الرجل لحوق أحد بنسبه، فالسين والتاء في اللغة العربية للطلب. والطلب هنا هو طلب ثبوت النسب وترتيب آثاره عليه.

قال ابن عاشور عن الاستلحاق بأنه: “إقرار من إليه انتساب النسب”[86]. وقال: “الإقرار بالنسب يُخص باسم الاستلحاق في الاصطلاح المالكي.

ولم يكن معنونا بعنوان الاستلحاق في كتب المتقدمين من المالكية، بل كانت مسائله مندرجة في باب الإقرار. وربما جرى لفظ لحق أو استلحق في كلامهم، ووقع ذلك في عبارة مالك رحمه الله”[87]. وهو –كذلك- استعمال الشافعية، والحنابلة. أما الحنفية فاستعملوه في الإقرار بالنسب على قلة[88].

هل يُشترط تحقق تزوج المستلحِق (بالكسر) بالمستلحَق (بالفتح)؟

قال المالكية: لا يعتبر في الاستلحقاق تحقق تزوج المستلحِق (بالكسر) بالمستلحَق (بالفتح) أو تملكه أمه إن كانت أمه أمََة. قال ابن عبد السلام: “لأنهم اعتبروا في هذا الباب (الاستلحاق) الإمكان وحده ما لم يقم دليل على كذب المقر. قال سحنون: “يعتبر ذلك وهو خلاف المشهور[89]” . قال المالكية: يصح استلحاق أحدٍ ميتا[90]. ويصح استلحاق أحدٍ كبيراً ولا يشترط تصديق المستلحَق على أصح الطرق في المذهب[91].

من يكون له حق الاستلحاق؟

المشهور في المذهب المالكي: لا يلحق النسب إلا باستلحاق الأب[92]، واحتج له بأن الأب لا يُنزل غيره في تحقق الإصابة بمنزلته[93]، ولأن الشارع متشوف لإلحاق النسب. ولو لا أن الشارع خصه بالأب، لكان استلحاقُ الأم أولى؛ لأنها اشتركت مع الأب في ماء الولد وزادت عليه الحمل والرضاع[94]. وقد أجمع العلماء على أن الأم لا تستلحق أحدا؛ لأنها لو استلحقت ألحقت بالزوج ما ينكره، والله تعالى يقول: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها}، وإنما يمكن أن تلحق الولد بالزوج إذا أقامت البينة أنها ولدته وهي زوجته في عصمته[95].

في المذهب الشافعي أن الأخ يستلحق، دليله ما في حديث عائشة من قول عبد بن زمعة: “أخي وابن وليدة أبي”.

وابن الأخ يستلحق[96] (كأنه قياس على استلحاق الأخ)[97].

وفي الحديث دليل على أن لغير الأب أن يستلحق الولد، فإن عبد بن زمعة استلحق أخاه بإقراره بأن الفراش لأبيه، وظاهر الرواية أن ذلك يصح وإن لم يصدقه الورثة، فإن سودة لم يُذكر منها تصديق ولا إنكار[98].

ثم اختلف القائلون بلحوق النسب بإقرار غير الأب هل هو إقرار خلافة ونيابة عن الميت فلا يُشترط عدالة المستلحق بل ولا إسلامه، أو هو إقرار شهادة؟ فتعتبر فيه أهلية الشهادة، فقالت الشافعية وأحمد: إنه إقرار خلافة ونيابة، وقالت المالكية: إنه إقرار شهادة[99].

ولي الأمر له حق الاستلحاق: يجوز لولي الأمر أن يستلحق شخصا ويثبت نسبه من شخص إذا توافرت شروط ذلك وضوابطه، كأن يعلم أنه من مائه، وأنه لم يدعيه غيره. ودليل ذلك: فعل الخليفة عمر لما كان يُليط أولاد الجاهلية ، وقاعدة معقولية النسب وكونه إثباتا لتفرع الفرع من الأصل، وقاعدة التشوف لثبوت النسب، وقاعدة تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة، وقاعدة فساد الزمان وضعف الهمة والوازع والفضيلة في نفوس كثير من الناس الذين ينفلتون من مسؤولية ما فعلوا، ولا يعترفون بأخطائهم وما نتج عنها من أولاد. ويتعين الاحتياط في ذلك الاستلحاق أو الإلحاق، وذلك بمراعاة الشروط اللازمة في الاستلحاق، واعتماد وسائل الإثبات بدقة؛ حتى لا يُنسب من ليس فرعا لأصل إلى ذلك الأصل، وحتى لا تختلط الأنساب وتضطرب الأواصر الأسرية وتختل آثارها وتُفوت مصالحها.

شروط الاستلحاق: يشترط فقهاء المذاهب لصحة الاستلحاق شروطا معينة، منها: أن يولد مثل المستلحَق لمثل المستلحِق، وأن يكون المقر له مجهول النسب، وألا يكذبه المقر له إن كان من أهل الإقرار[100].

الشرط الرابع: أن يكون الولد من ماء الزاني:

وذلك ليتحقق الوجود الطبيعي والكوني لمعنى الأبوة، والذي يمثل مناط الأبوة الشرعية بقيام الزوجية الصحيحة. وقد جاء في شرح ابن بطال أن الولد إنما يكون من ماء الرجل وماء المرأة[101]، وهو ما يفيد بأن الماء أساس لقيام البنوة الطبيعية المفضية إلى البنوة الشرعية عن طريق عقد النكاح الصحيح. وفي مسألة تحريم بنت الزنا ذهب الجمهور إلى الاعتبار الماء الذي تخلقت به، فقد ذكروا أنها مخلوقة من مائه؛ فكانت بنته حقيقة، وأنها بضعة منه، ولم يعرف أحد من الصحابة أنه أباح أن ينكح الرجل بنته من الزنا. وأن تحريم بنت الزنا أولى من تحريم البنت من الرضاعة[102].

الشرط الخامس: أن لا تكون الزانية فراشا لزوج أو (سيد)[103]:

استناد إلى الحديث “الولد للفراش”، لأن صاحب الفراش هو الأولى بلحوق الولد به من الذي يستلحق ذلك الولد.

الشرط السادس: أن لا تكون الزانية داعرة يغشاها أكثر من واحد[104]:

وذلك لإمكان إلحاق ولد لم يتخلق من ماء من أُلحق به، بسبب كثرة المياه وتداخلها، ودخول أكثر من واحد على المرأة الواحدة. وهو ما يخالف قاعدة حفظ الأنساب.

المطلب3: آثار إثبات نسب المولود خارج رابطة الزواج:

تترتب هذه الآثار على ثبوت النسب باعتبارها سببا أو وصفا شرعيا معتبرا أنيط الحكم الشرعي به. فالعلاقة بين النسب وآثاره علاقة تلازمية، يكون فيها الوصف الظاهر المنضبط سببا أو علة والآثار مسببا أو نتيجة. ومتى حكمنا بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج بناء على اعتباراته وضوابطه وشروطه؛ فإنه يجوز الحكم بترتيب الآثار اللازمة على ذلك الحكم. وهي مجموع الآثار التي ذكر العلماء أنها تترتب على النسب الثابت بالنكاح الصحيح ابتداء وأصالة. وهي نوعان كبيران:

  • آثار تعود إلى النسب ذاته، من حيث نفوذه على الكافة وحفظه وعدم صحة نقله أو إسقاطه أو تعجيز في إثباته[105].
  • وآثار تعود إلى مستلزماته المادية والمعنوية، كلزوم الرعاية والنفقة والتعهد بالتربية والتعليم والإرشاد، وقيام المحرمية واستحقاق الميراث، واستحقاق دم القتيل أو ديته بالأخذ أو العفو[106].

رأي لجنة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي

فتوى رقم (4)

فتوى بشأن تزوج الزاني المزني بها ونسبة الولد إليه

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد.

فقد اطلعت لجنة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي على السؤال الوارد إليها برقم (3)، وتاريخ1 /7/1430هـ، ونصه : أنا شاب أقمت علاقة محرمة مع مطلقة، وأسفرت العلاقة عن وجود طفلة أنجبتها الأم خارج البلد، وأنا أود أن أصلح غلطتي، والمرأة تريد أن أتزوجها لتحضر البنت من الغربة، فما وضع هذه البنت معي، وماذا أفعل؟

وبعد الاطلاع والدراسة أجابت اللجنة بما يأتي :

فإن الزنا فاحشة عظيمة، وجريمة لا يعدِلُها بعد الكفر وقتل النفس شيء، وسبيل للشر وإشاعة الفاحشة، وسبب لنشر العداوة والبغضاء، وباب عظيم لكثير من الأمراض والأدواء؛ لذا حرمه الله في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونوَّع في بيان تحريمه، فتارة بالنهي عنه صراحة ، وتارة بوصفه بأقبح الأوصاف، وقرنه بصنوف المحرمات، وتارة بتحريم الطرق المفضية إليه وسدِّها، مما يدل على شناعة أمره، وشدة خطره، قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }الإسراء32، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً }الفرقان68، وفي الحديث الطويل في رؤياه صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة الزناة، ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في الصحيحين قال: “فانطلقنا فأتينا على مثل التنور – قال فأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات، قال : فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا – قال – قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لى: انطلق انطلق، وفي آخره: “وأما الرجال والنساء العراة الذين فى مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزوانى”.البخاري(1297)، ومسلم(4220).

كما انعقد الإجماع على تحريم الزنا، وأنه كبيرة من الكبائر.

لذا كان الواجب التنبيه على تحريم وخطر الزنا، وأنه من الفواحش العظام.الإجماع لابن المنذر(41).

أما المسألة الوارد السؤال بشأنها، فقد اختلف أهل العلم في زواج الزاني بالمزني بها إذا لم تكن فراشا لزوج أو سيد، واستلحاق ولده منها على قولين:

القول الأول: أنه لا يجوز للرجل أن يستلحق ولده من الزنا، وهو قول الأئمة الأربعة، ومذهب الظاهرية.

وأبرز ما استدلوا به حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ)، فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ. أخرجه البخاري(1912) ومسلم(2645).

وقد أجيب عن الحديث بأنه ورد فيما إذا كان هناك صاحب فراش ينازع في الولد، أما إذا لم يكن صاحب فراش فإن الحديث لا يدل عليه، إذ لا نزاع أصلا، فما المانع من استلحاق أبيه له؟!

القول الثاني: أن الأفضل أن يتزوجها الزاني، وينسب الولد له، وهذا القول مرويٌّ عن عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهم الله.

وأبرز ما استدلوا به الآتي:

أولاً: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة جريج، وفيه قال: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي. أخرجه البخاري(2302) ومسلم(4625).

ووجه الدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن جريج نسب الولد للراعي الزاني، وصدَّق الله هذه النسبة بما أجراه من خلاف العادة في نطق الصبي.

ثانياً: قصة ملاعنة هلال بن أمية رضي الله عنه مع امرأته، وفيه: “فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ “أخرجه البخاري (4378).

ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الولد لأبيه من الزنا، والذي خلق من مائه.

ثالثاً: القياس على الأم من الزنا، فكما أن الولد ينسب لأمه من الزنا؛ لأنها هي التي ولدته، فكذلك ينسب لأبيه؛ لأنه خلق من مائه، فهو أبوه كوناً، وإن انتفت الأبوة الشرعية، فكان أولى الناس به.

رابعاً: أن هذا هو الموافق لقواعد الشرع، فإن الشرع يتشوف إلى ثبوت النسب، وحفظ الولد من الضياع والتشرد والانحراف، وفي الأخذ بهذا القول تحقيق لهذا المطلب الشرعي العظيم، ولا شك أن كون الولد ينشأ منسوبا لأبٍ خيرٌ له من أن ينشأ منسوبا لأمه، مصاحبا للعار بقية عمره، يتجرع ويلات جريرة ليس له فيها يد، ففي عدم نسبته مفاسد عظيمة، كلحوق العار به، وبأمه، وبذويها، بل وبالمجتمع ككُلٍّ، مع ما في هذا القول من الستر على الزناة والزواني وأهليهم وولدهم، وتشجيع لهم على التوبة.

وهذا القول هو الذي يترجح، وهو أنه يصح تزوج الزاني من الزانية، لكن بشرط توبة الاثنين والعزم على عدم الرجوع، كما يصح نسبة ولد الزنا لأبيه إذا استلحقه، بل هو الأولى به، وهو ما قضى به الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان عمر رضي الله عنه يليط-أي يلحق-أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام. أخرجه عبد الرزاق في المصنف(12374)، والبيهقي في السنن الكبرى10/263، وسئل ابن عباس رضى الله عنهما فيمن فجر بامرأة ثم تزوجها؟ قال: أوله سفاح وآخره نكاح لا بأس به. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7 / 155، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لا بأس بذلك ، أول أمرها زنا حرام ، وآخره حلال. أخرجه عبد الرزاق في المصنف 7 / 202، وسئل عمرو بن جابر بن زيد عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال : هو أحق بها، هو أفسدها.مصنف ابن أبي شيبة 3 / 361، والآثار في ذلك كثيرة جدا عن الصحابة والتابعين في القضاء والفتوى بذلك. والله أعلم

                                                            إعداد:  أمانة وحدة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي

ثبت المصادر والمراجع:

إيثار الإنصاف في آثار الخلاف، ابن الجوزي، تحقيق العلي الناصر الخليفي، دار السلام، ط1، 1408هـ- 1984.

بدائع الصنائع، الكاساني

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، د.ت.

التركة والميراث في الإسلام، محمد يوسف موسى، دار الكتاب العربي، مصر، 1959 – 1960.

رد المحتار، ابن عابدين، مطبعة مصطفى البابي، مصر، ط2، 1368هـ/1948م.

الجامع لأحكام القرطبي.

زاد المعاد، ابن قيم الجوزية، ط1، د.ت.

سبل السلام شرح بلوغ المرام، الصنعاني، دار الفكر، بيروت، لبنان، د.ت.

سنن الترمذي، إبراهيم عطوه عوض، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

السنن الكبرى للبيهقي(ت458هـ)، بذيل الجوهر النقي لابن التركماني علاء الدين علي بن عثمان المارديني (ت745هـ)، دار الفكر.

سنن ابن ماجة، تحقيق وترقيم وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1372هـ – 1952م.

سنن أبي داود.

شرح الزرقاني على مختصر خليل، الزرقاني، دار الفكر، بيروت، د.ت.

صحيح البخاري، بشرح ابن بطال أبي الحسن علي بن خَلف بن عبد الملك، ضبط وتعليق أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد ناشرون، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط3، 1425هـ – 2004م.

صحيح مسلم.

عقد الجواهر الثمينة، ابن شاس، تحقيق محمد أبو الأجفان وعبد الحفيظ منصور، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1415هـ-1995م.

فتاوى لجنة موقع الفقه الإسلامي، الرياض، المملكة العربية السعودية.

فتح القدير، الشوكاني، دار المعرفة، د.ت.

القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، أبو بكر بن العربي، تحقيق محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1992م.

القواعد، المقري، تحقيق أحمد بن حميد، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.

كتاب الفروع، ابن مفلح الحنبلي، ط4، بيروت، 1405هـ-1985م.

مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، سنة 1416هـ/1995م.

المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق وتخريج وتعليق الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي.

مغني المحتاج، الشربيني، المكتبة التجارية الكبرى، د.ت

مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر ابن عاشور، تحقيق محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس، الأردن.

المنتقى شرح موطأ مالك بن أنس، أبو الوليد الباجي، دار الكتاب العربي، بيرةت، لبنان، ط1، 1331هـ.

الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، مطابع دار الصفوة للطباعة والنشر بمصر، ط4، 1414 هـ- 1993م.

النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور، بحث مرقون موجه إلى الموسوعة الفقهية الكويتية، ص24.

ملخص بحث نسب المولود خارج رابطة الزواج

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

تعد نازلة المواليد خارج رابطة الزواج من أشد النوازل الخطيرة التي تصدى لها فقهاء الإسلام، ولاسيما في العصر الحالي الذي تزايد فيه عدد هؤلاء المواليد؛ لأسباب عدة تتصل بتأخر الزواج وعظم تكاليفه وسهولة انهياره عند كثير من الأزواج، وتتصل كذلك بتعدد أسباب الانحراف واتساع أبوابه الإعلامية والدعائية والسلوكية، وبضعف الوازع الديني والتربوي والقانوني لدى بعض الناس.

وتثير هذا النازلة جدلا فكريا وفقهيا وقانونيا كبيرا؛ لما تتسم به من إشكاليات معرفية وأخلاقية وواقعية، ولما يمكن أن تؤول إليه من مشكلات معقدة وتجاذبات في المواقف والرؤى في ضوء فتاواها الفقهية وبياناتها الشرعية.

وهو الأمر الذي يجعل الإفتاء فيها أمرا بالغ الحساسية ومثار زيادة الجدل والرد، وربما يفضي إلى توسيع دائرة الاختلاف والتنازع في هذه النازلة، والخروج من المدارسة العلمية والاجتهادية دون اتفاق أو وفاق أو تقارب وتواصل بوجه ما وبقدر ما.

ولكن، ومع ذلك كله، فإن الواجب الشرعي المنوط بأهل النظر والاجتهاد في عصرنا الحالي، لزوم حسم هذه النازلة؛ بوضع مقارباتها ومناقشاتها الشرعية وفتاواها وقراراتها الفقهية؛ تقريرا لما يكون حلاً إسلامياً مناسباً وممكنا لهذه النازلة، وتوجيهاً لكافة المكلفين ولخاصة المبتلين نحو تبين الرأي وتمثل الحكم وأداء الفتوى، وحملا لهم على السير السوي وسلك طريق الالتزام والامتثال باطمئنان وإيمان، وبثقة في كلام أهل المحققين، وبحسن الظن بالله وعفوه وكرمه وإحسانه.

ومجمل كلام أهل العلم في هذه النازلة قولان كبيران منوطان بمدركات شرعية كثيرة جزئية وكلية، ومُفسران بتفسيرات مصلحية وإنسانية وواقعية عدة. وهذا القولان هما:

القول1: عدم ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

وهو قول الأئمة الأربعة، ومذهب الظاهرية، وغيرهم. وأظهر أدلتهم في ذلك:

  • حديث “الولد للفراش”.
  • حديث سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة.
  • أصلية الزواج الشرعي في ثبوت النسب وترتيب آثاره عليه.
  • حفظ النسل والنسب والعرض.
  • سد ذريعة الزنا.

القول2: ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

وهو قول لفيف من أئمة السلف وعلماء الخلف. ومن هؤلاء: عمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، وإسحاق بن راهويه، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وجمهور الحنيفية. وقد رجحه علماء معاصرون كثر، منهم: سعد بن ناصر الخثلان، ويوسف الشبيلي، وعلي محيي الدين القره داغي، ونايف العجمي، وعقيل بن محمد المقطري، وهاني الجبير، ونورالدين الخادمي. وأظهر أدلتهم في ذلك:

  • حديث الغلام في قصة جريج. ووجه الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن جريج نسب الولد للراعي الزاني، وصدّق الله هذه النسبة بما أجراه من خلاف العادة في نطق الصبي.
  • قصة ملاعنة هلال بن أمية مع امرأته. وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الولد إلى أبيه من الزنا. والذي خُلق من مائه.
  • قضاء عمر بإلحاق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.
  • القياس على الأم في الزنا في إلحاق ولدها بها.
  • قاعدة تشوف الشرع إلى ثبوت النسب، وقاعدة إثبات النسب أولى من نفيه.
  • قاعدة معقولية النسب، إذ النسب ليس تعبديا ومحددا بكيفية مخصوصة، ومعناه المعقول هو تفرع الولد عن والديه.
  • قاعدة الستر والعفة والحياء.
  • مراعاة مآلات الأفعال، إذ يُراعى ما يؤول إليه ثبوت النسب من حفظ الولد وأبويه وأسرته، ومن صيانة المجتمع من دواعي الاستخفاف برابطة النسب وأعراض الناس.
  • قاعدة مراعاة حقائق الأمور دون أوهامها، فالولد حقيقة واقعية حسية، وليس وهما أو تخيلا. وهو خلاف التبني الذي تنتفي منه الأبوة الحقيقية، كونا وشرعا.
  • قاعدة المسؤولية الذاتية، فلا يُؤاخذ الولد بجريرة والديه في معاقبته بنفي النسب عنه.
  • قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد؛ فمصالح ثبوت النسب أعظم من نفيه.
  • مبدأ الاعتبار بالواقع المعاصر، وليس اعتباره حاكما على الشرع.

ونظن أن هذا القول هو الراجح الذي يُصار إليه في حياتنا المعاصرة؛ لأدلته المذكورة، وضوابطه وشروطه اللازمة. وهي على النحو التالي:

ضوابط القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

  • هذا القول هو استثناء من الأصل، ولا ينبغي أن يكون بديلا عن أصل ثبوت النسب بطريق الزواج الصحيح. وهو يقتصر على مواضعه، ويعالج ما يجد من نوازل في الماضي، ولا يؤسس لأحوال مستقبلة. فهو إفتاء لما ابتلي به الناس فعليا في السابق.
  • هذا القول هو قول اجتهادي وتقدير سياسي شرعي يُبنى على مداركه ويُقصر على مواضعه ويتحدد بنظر الحاكم الشرعي وتصرفه المنوط بالمصلحة المعتبرة.
  • اتباع سياسة الوقاية والحماية، وتقرير أدب الخلاف فيه بين أهل العلم، ولزوم الإلمام بمجموع المدركات الشرعية في دراسة هذه النازلة، ودون الاقتصار على دليل واحد أو قاعدة بعينها.

شروط القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

  • توبة الزاني بالمزني بها.
  • زواجهما.
  • طلب إلحاق الولد بأبيه وأمه.
  • أن يكون الولد متخلقا من ماء الرجل.
  • أن لا تكون المرأة فراشا لزوج.
  • أن لا يغشاها أكثر من واحد.

آثار القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

تترتب جميع آثار النسب بمجرد تقرير ثبوت النسب، وذلك لأن هذه الآثار هي مسببات النسب ونتائجه، فمتى ثبت تثبت، ومتى انتفى انتفت، إذ هي دائرة معه وجودا وعدما. ومن هذه الآثار: نفوذ النسب وحفظه، وعدم صحة نقله أو إسقاطه، ولزوم الرعاية والنفقة والتربية، وقيام المحرمية واستحقاق الميراث ودم القتيل أو ديته بالأخذ أو العفو.

وقد رجح هذا القول في الآونة الأخيرة (سنة 1430هـ/2009م) موقع الفقه الإسلامي بالرياض، والذي يديره فضيلة الشيخ خالد الدعيج حفظه الله.

وللبحث صلة باستكمال مناقشاته؛ بغية استصدار القرار الفقهي الوفاقي المناسب. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

 وكتب هذا الملخص بخط اليد، نورالدين مختار الخادمي، بمطار تونس قرطاج يوم السبت 1 ماي 2010/17 جمادى الأولى 1431. متجها إلى مدينة تورينو بإيطاليا. وكتبه بالحاسوب بتونس العاصمة مساء الجمعة 23 جمادى الأولى 1431/ 07 مايو 2010م.

مشروع قرار نسب المولود خارج رابطة الزواج

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:

فإن النسب الصحيح من أشرف الروابط الأسرية والفضائل الأخلاقية والمقاصد الشرعية. ولذلك أقره الإسلام وشرع له ما يناسبه من الأحكام الجزئية والكلية، وعده مقصدا كليا ومرادا إلهيا يعمر به الكون وتستقيم بمقتضاه الحياة، وتٌقام بموجبه الأسرة الصالحة، وتنتظم بسببه سائر العلاقات الاجتماعية والإنسانية.

وقد أقر الشرع الحنيف الزواج أصلا للعلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى، وطريقا لوجود الولد، وثبوت نسبه وترتب آثاره عليه. ولذلك نهى عن كل مختلف العلاقات الجنسية خارج هذا الزواج، ومنها علاقة الزنا الموسوم بأفحش الأوصاف وأقبحها؛ لما يفضي إليه من اختلاط الأنساب وهتك الأعراض، وسوء العواقب وخراب الإنسان والعمران.

وفي مقابل ثبوت النسب بطريق الزواج الشرعي الصحيح، واستثناء منه في بعض الأحوال الخاصة، وبمراعاة الضوابط والشروط اللازمة لذلك؛ ذكر بعض العلماء من أهل النظر والتحقيق، من السلف والخلف، أنه يجوز إثبات نسب من يولد خارج رابطة الزواج، بناء على عدة أدلة شرعية جزئية وكلية؛ تقرر بمجموع النظر فيها إثبات النسب، وانطلاقا من تقدير مقاصدي واعتبار واقعي تحصل بموجبه مصالح أولى وأعظم من مصالح نفي النسب. ولكن تثبيت هذا النسب، إنما يقع في دائرة الاستثناء من الأصل ودون أن يكون بديلا عن رابطة الزواج التي هي الأصل في ثبوت النسب. وذلك كله يُقتصر على مواضعه وتُعتبر فيه ضوابطه وشروطه، ويُنص فيه على مصالحه ومنافعه بالنسبة إلى الولد والأسرة والمجتمع، فضلا عن بيان مدركاته الشرعية الكثيرة، جزئياً وكلياً.

وبناء على ما ذكر، فإنه يُقترح اتخاذ القرار التالي:

نص القرار:

البند1: يثبت نسب المولود خارج رابطة الزواج من أبيه صاحب الماء الذي تخلق منه الولد. وذلك وفقاً للشروط التالية:

  • توبة الزاني بالمزني بها.
  • زواجهما.
  • طلب إلحاق الولد بأبيه وأمه.
  • أن يكون الولد متخلقا من ماء الرجل.
  • أن لا تكون المرأة فراشا لزوج.
  • أن لا يغشاها أكثر من واحد.

والأولى في العصر الحالي هو اعتماد هذا الحكم الاستثنائي الذي تدعو إليه الضرورة القصوى التي يجد فيها الرجل والمرأة المخطئين أمام حالة قاهرة لا أمل فيها للتدارك، ولا مجال فيها للتفلت من النتيجة الحاصلة، إلا بإلحاق الولد ولمِّ شمل الأسرة بعد فعل الزواج، والإقبال على الحياة بأمل وعمل وحياء ووفاء وإصلاح وإنجاح.

ولا ينبغي أن يكون هذا الحكم الاستثنائي بديلا عن الأصل العام والقاعدة المطردة في حفظ النسل والنسب والعرض. كما لا يجوز أن يُتخذ ذريعة لتسويغ الزنا وتسويق العلاقات المشبوهة أو المحظورة.

البند2: تترتب جميع آثار النسب بمجرد تقرير ثبوت النسب،

 وذلك لأن هذه الآثار هي مسببات النسب ونتائجه، فمتى ثبت تثبت، ومتى انتفى انتفت، إذ هي دائرة معه وجودا وعدما. ومن هذه الآثار: نفوذ النسب وحفظه، وعدم صحة نقله أو إسقاطه، ولزوم الرعاية والنفقة والتربية، وقيام المحرمية واستحقاق الميراث ودم القتيل أو ديته بالأخذ أو العفو.

وفي هذا الإطار نتوجه بالنصح إلى:

  • كلٍّ من الشباب المسلم بخاصة والمسلمين بعامة، وذلك بملازمة الاحتياط والحذر من الوقوع في الخطأ وأسبابه، والتساهل في أعراض الناس وحرماتهم، وعليهم أن يبحثوا عن الحلال إذا استطاعوا، أو أن يلزموا الصبر والاحتساب والوقاية والاستعفاف. قال تعالى: {إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:10]، وقال: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}[النور:33]
  • كلًّ من الأسر والمجتمعات الإسلامية، وذلك بملازمة منهج الشرع وأحكامه وآدابه في معالجة حالات الخطأ ووجود الأولاد خارج رابطة الزواج؛ بتجنب ردود الأفعال العنيفة (كالقتل والثأر والتعذيب والهجران)؛ فذلك لا يقل تحريما وتجريما من فعل فاحشة الزنا وآثارها، وبالعمل على إيجاد الحلول المناسبة وجبر الخلل وفعل الممكن بأسرع وقت. وكل ذلك ينبغي أن يقع في تمام الستر والرفق والحياء، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، وعلى الجميع أن يتعاونوا في الإصلاح والإنجاح، لا في التحامل والشماتة والتسارع إلى جلد الغير وتزكية الذات، {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}[النجم:32]
  • كلًّ من الدول والمنظمات الإسلامية، وذلك بأن تعمل –كل حسب تخصصها وإمكانياتها- من أجل ترسيخ القيم الإسلامية والفضائل الأخلاقية، وتسهيل أسباب الزواج وفتح أبوابه، ومنع مداخل الشهوة المحظورة أو تقليلها، والسعي إلى وضع الخطط والبرامج التعليمية والثقافية والإعلامية والحلول العملية لتجنيب الشباب بالخصوص من الوقوع في دواعي الهوى وعوالم الداء. والله تعالى الأعلى والأعلم.

[1] أصل هذا البحث مقدم إلى بعض المؤسسات الفقهية، مع بعض التعديل والتحيين. وهو جدير بأن يناقش من قبل أكثر من مؤسسة اجتهادية بقصد استصدار الموقف الفقهي الدقيق.

[2] صحيح البخاري بشرح ابن بطال، كتاب الرجم، باب: للعاهر الحجر، 8/436، وكتاب الفرائض، باب: الولد للفراش حرة كانت أو أمة.

[3] سبل السلام شرح بلوغ المرام، 3/210.

[4] شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 8/368.

[5] شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 8/436.

[6] مات عتبة هذا كافرا، وكان أوصى أخاه سعدا باستلحاق هذا المولود الذي ولد على فراش زمعة.  هامش سبل السلام شرح بلوغ المرام، الصنعاني، 3/ 211.

[7] صحيح البخاري، وصحيح مسلم.

[8] سبل السلام شرح بلوغ المرام، الصنعاني، 3/211.

[9]

[10] سبق تخريجه.

[11] فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي بالرياض.

[12] الفتاوى الكبرى، 32/112، 113.2/79، 80.

[13] إيثار الإنصاف في آثار الخلاف، ابن الجوزي، ص107.

[14] عقد الجواهر الثمينة، ابن شاس،2/37.

[15]  كتاب الفروع، ابن مفلح، 3/295.

[16] سبق تخريجه.

[17] مغني المحتاج، الشربيني، 3/175.

[18] زاد المعاد، ابن قيم الجوزية،4/211.

[19] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، 5/279.

[20] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، 2/113.

[21] جاء قوله في فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي على النحو التالي:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،

فأوافق على ماجاء في الفتوى ، وعلى مارجح فيها من جواز زواج الزاني بالمزني بها بشرط توبتهما و استلحاق الزاني لولده من الزنا بشرط أن ألا تكون المزني بها فراشا لزوج ( أو سيد) ، وهذا هو القول الذي يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية ، وفيه مصالح عظيمة  خاصة للولد الذي يترتب على القول بعدم استلحاقه تحطيم لشخصيته وعقدة تلازمه طيلة حياته…، والشريعة تتشوف لحفظ الأنساب وتحقيق المصالح ودرء المفاسد ..

د.سعد بن تركي الخثلان

نائب رئيس الجمعية الفقهية السعودية

الأستاذ المشارك في قسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام

[22] السلام عليكم: بسم الله الرحمن الرحيم:  الفضلاء  في أمانة وحدة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي: أصحاب الفضيلة الأجلاء: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فتحية طيبة للجميع ودعوة صادقة أن يبارك الله شهركم بالصالحات وأن يرزقنا الفوز بالمبرات.

فأتقدم إليكم برأي لعل الله أن يجعل الصواب حليفه بخصوص زوج الزاني من المزني بها أجارنا الله ومن سيء العمل فلقد اطلعت على الفتوى المحررة بهذا الشأن. وبدأ لي أن الفتوى غير مناسبة للنشر لا في صياغتها وتحريرها فقد خلطت بين مسألتي الزواج والاستلحاق هذا من جهة. ومن جهة أخرى وهي الأهم أن صدور فتوى جماعية بهذا الشأن ينبغي ألا يفوّت النظر في عواقب مثل هذه الفتوى ومآلاتها لاسيما وسوق الشر والفساد في كثير من البلاد رائجة ولا يند عن كريم علمكم عمل كثير من المتربصين بالفتاوى وأهلها. وأذكركم بما نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:« ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه؟ من لم يؤيس الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله». وقد قال شيخ الإسلام معنى هذا الكلام الفقيه كل الفقيه الذي لايؤيس الناس من رحمة الله ولا يجرئهم على معاصي الله. وظني أن الفتوى العامة بمثل هذا مما قد ينفتح به على الناس باب سوء وشر. وقد أدركت ملاحظة مثل هذا المعنى في أجوبة من أدركته من علمائنا. ولا يغيب عن شريف علمكم ما ذكره الشاطبي من ضرورة مراعاة المآلات في الفتوى. علما أني من حيث النظر الفقهي أميل إلى القول بجواز زواج الزاني بالمزني بها لكن هذا رأي أجسر على تدوينه في بحث علمي أو تقرير تعليمي لكني أجبن عن أفتي به فتوى تسير بها الركبان (فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِين). اللهم بصرنا بالصواب. وليس وراء الله مرمى.أخوكم د.خالد المصلح.

[23] جاء قوله في فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي على النحو التالي: أفيدكم بالموافقة على ما جاء في الفتوى
بارك الله فيكم. د. يوسف بن عبد الله الشبيلي.

[24] جاء قوله في فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي على النحو التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد و على آله وصحبه ، وبعد

 أوافق على الفتوى ، وعلى الذي رجح فيها ، وهذا رأيي مسجل منذ عدة سنوات في كتابي : فقه القضايا الطبية المعاصرة ، ط. دار البشائر الإسلامية ببيروت 2005

 ولكن بشرط واحد ، وهو أن لا تكون الزانية داعرة يغشاها أكثر من واحد ، هذا والله أعلم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أ.د. علي محيى الدين القره داغي

[25] جاء قوله في فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي على النحو التالي:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركات. اطلعت على الفتوى، وأوافق على مضمونها، مع ملاحظة استيفاء أدلة القول الأول، فقد بنى الجمهور قولهم على نصوص وأقيسة لم يذكر منها إلا دليلا واحدا، وفي المقابل استوفت الفتوى أدلة القول الثاني الذي اختارته، وثمة ملاحظة أخرى تتعلق بالمنهج، فالفتوى تتسم باللغة الأدبية، وهذا غير معتاد في صياغة الفتوى عند المتقدمين، كذلك فإن الإطالة ملازمة لفتاوى الأمانة عند صياغة الفتوى، ، وبعض المقدمات يمكن الاستغناء عنها، فأرجو التنبه لذلك، والله أعلم. وفقكم الله لكل خير .والسلام عليكم. نايف العجمي.

[26] جاء قوله في فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي على النحو التالي:

أوافق على نشر الفتيا بالصيغة التي أعدتها اللجنة. أخوكم/ د . عقيل بن محمد المقطري

[27] جاء قوله في فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي على النحو التالي:

الحمدلله وحده وقد اطلعت عل الفتوى وأوافق عليها لا مانع من نشرها. هني الجبير.

[28] حيث أورد قوله تعليقا على فتوى أمانة موقع الفقه الإسلامي بالرياض: وإن الذي يترجح بعد التأمل في كلام الفقهاء وفتاوى القدامى والمعاصرين هو جواز عقد النكاح على المرأة الحامل ممن زنى بها، بل لزوم ذلك، كما يترجح لزوم إلحاق نسب الولد ـ بعد التحري والتأكد ـ بأبيه الزاني، وهو لزوم اعتباري مصلحي، تدعو إليه الحاجة والمصلحة مع انتفاء مخالفته للشريعة الغراء.

[29] فتوى موقع الفقه الإسلامي.

[30] صحيح البخاري بشرح ابن بطال، كتاب المظالم، باب إذا هدم حائطاً يبني مثله، ج6/ص 610،611. وصحيح البخاري من الكتب الستة، كتاب المظالم، باب (35) إذا هدم حائطا فَلْيبن مثله، 3-1/ ص108، 109.

[31] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها، الكتب الستة، 3/ ص 1976.

[32] صحيح البخاري، ضمن الكتب الستة، كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة النور، باب3 “ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين”، 6-4، وسنن أبي داود، ضمن الكتب الستة،  كتاب الطلاق، حديث رقم 2254. وسنن ابن ماجة، كتاب الطلاق، باب27، حديث رقم 2067، ج1/ ص668. وسنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، حديث رقم 3179.

[33] سبطا: هو المسترسل الشعر.

[34]  هو فاسد العينين بكثرة دمع أو حمرة أو غير ذلك.

[35] أي دقيقهما.

[36] صحيح مسلم، كتاب اللعان، ضمن الكتب الستة، 2/1134، حديث رقم 1496.

[37] فتوى موقع الفقه الإسلامي.

[38] مصنف عبد الرزاق، ج7/ص303، 304.

[39] تبايعن: يعني بِعْنَ. وذكر المحقق أنه يحتمل أن يكون “بغينَ” من البغاء. هامش المصنف، (13274)، ج7/ص304.

[40] مصنف عبد الرزاق، (13275)، ج7/ص304.

[41] مصنف عبد الرزاق، 7/205.

[42] زاد المعاد، ابن القيم،

[43] شرح الزرقاني على مختصر خليل، 6/105، نقلت من النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص18.

[44] شرح ابن بطال على صحيح البخاري، 8/385.

[45] وكذلك في الملاعنة عندما ينكر الزوج الولد، فقد روي عن ابن عمر “أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها، ففرق النبي بينهما وألحق الولد بالمرأة”. صحيح البخاري بشرح ابن بطال، 8/365.

[46] وذلك لما جاء في حديث عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل تَبْرُق أسارير وجهه فقال: “ألم ترَيْ أن مُجَزِّزًا المُدْلِجي نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد ورأى أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضُها من بعض”. البخاري، كتاب الفرائض،  باب: القائف، حديث رقم 6770، أو 770. وصحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف، حديث 1459. وكتاب المناقب، وغيره. وصحيح مسلم، كتاب الرضاع، حديث رقم 1456.، وسنن الترمذي، كتاب الولاء والهبة، حديث رقم 2129، وسنن أبي داود، كتاب الطلاق، وغيره.

[47] النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور، بحث مرقون موجه إلى الموسوعة الفقهية الكويتية، ص24.

[48] لكونه كان أسود شديد السواد، وكان زيد أبيض، وأم أسامة هي أم أيمن كانت حبشية وصيفة لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم.

[49] شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 8/386.

[50] يعني أبا حنيفة العنمان.

[51] النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور، ص10.

[52] النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور،  ص 12.

[53] النسب في الفقه الإسلامي، ص10.

[54] النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور،  ص25.

[55] شرح العيني لصحيح البخاري، 9/607.

[56] النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور،  ص25.

[57] البخاري، كتاب الفرائض،  باب: القائف، وكتاب المناقب، وغيره.

[58] نسب ابن عاشور، ص32.

[59] راجع في هذا كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية، ص441-449.

[60] شرح عبد الباقي على مختصر خليل، ص204 جزء3.

[61] الدر المختار ورد المحتار، ص428 جزء2.

[62] نيل المآرب، ص143 جزء2.

[63] المهذب للشيرازي، ص43 جزء2.

[64] الجامع لأحكام القرطبي، ص115 جزء5.

[65] تفسير الألوسي روح المعاني، طبع بولاق 1310، ص58 جزء3، نقلت عن نسب ابن عاشور، ص32 وما بعدها.

[66] القبس شرح موطأ مالك ابن أنس، أبو بكر ابن العربي، 3/975.

[67] القبس شرح موطأ مالك ابن أنس، أبو بكر ابن العربي، 3/1174، المنتقى، الباجي، 2/27، 33.

[68] 32/109 ، 110.

[69] فتوى لجنة موقع الفقه الإسلامي.

[70] فتوى موقع الفقه الإسلامي.

[71] مصنف عبد الرزاق، 7/204.

[72] مصنف عبد الرزاق، 7/204.

[73] مصنف عبد الرزاق، 7/202.

[74] مصنف عبد الرزاق، 7/ 202.

[75] مصنف عبد الرزاق، 7/203.

[76] مصنف عبد الرزاق، 7/203.

[77] مصنف عبد الرزاق، 7/203.

[78] مصنف عبد الرزاق، 7/202.

[79] مصنف عبد الرزاق، 7/203.

[80] مصنف عبد الرزاق، 7/204.

[81] مصنف عبد الرزاق، 7/204.

[82] مصنف عبد الرزاق، 7/205.

[83] مصنف عبد الرزاق، 7/206.

[84] مصنف عبد الرزاق، 7/206.

[85] الموسوعة الفقهية، 4/84.

[86] النسب في الفقه الإسلامي، ص7.

[87] النسب في الفقه الإسلامي، ص17.

[88] الموسوعة الفقهية، 4/84.

[89] شرح الحطاب على مختصر خليل (وبهامشه شرح المواق)، مطبعة السعادة بمصر 1329، ص239، ج5، نقلت من النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص22.

[90] شرح الزرقاني على مختصر خليل، 6/106، نقلت عن النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص22.

[91] مواهب الجليل شرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد الحطاب، 5/238، والشرح الصغير، أبو البركات أحمد الدردير، 4/540. شرح عبد الباقي الزرقاني والبناني على مختصر خليل، 6/106، نقلت من النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص22.

[92] شرح الزرقاني على مختصر خليل، 6/105، نقلت من النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص18.

[93] شرح العيني على البخاري، 5/402 نقلت من النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص18.

[94] شرح الزرقاني على مختصر خليل، 6/105، نقلت من النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص18.

[95] شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 8/385.

[96] شرح الزرقاني على مختصر خليل، 6/104، وشرح المواق بهامش شرح الحطاب على مختصر خليل، 5/238، نقلت عن النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، 18.

[97] النسب في الفقه الإسلامي لابن عاشور، ص 18.

[98] سبل السلام، الصنعاني، 3/212.

[99] سبل السلام، الصنعاني، 3/212.

[100] الموسوعة الفقهية، 4/85.

[101] شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 8/368. وقد أورد ابن بطال هذا التوجيه في سياق اعتراضه على أبي حنيفة الذي نسب إليه القول بوجود الولد من غير إمكان الوطء. شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 8/367.

[102] نيل المرام شرح آيات الأحكام، فهد عبد الله، 1/137، 138.

[103] سعد الخثلان، فتوى موقع الفقه الإسلامي.

[104] علي القره داغي، فتوى موقع الفقه الإسلامي.

[105] النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور، ص33، 34،

[106] النسب في الفقه الإسلامي، محمد الطاهر ابن عاشور، ص8، 20. وقواعد المقري، القاعدة رقم 235.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق