التحكيم والتحاكم الدولى فى الشريعة الإسلامية
فقد جرت سنّة الله في خلقه باختلافهم في آرائهم ، واعتقاداتهم ، ومللهم ، واختلاف ألوانهم وألسنتهم ولا يزالون مختلفين حتّى يرث الله أرضه ومن عليها ، قال تعالى : ” ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين ، إلاّ من رحم ربّك ، ولذلك خلقهم ” (1) ، فمن أجل الاختلاف ثمّ الرحمة للسعداء ، والعذاب للأشقياء ، ليكون فريق في الجنّة ، وفريق في السّعير ، خلق الله الخلق ولا يزالون مختلفين أبدا ، واختلافهم آية من آيات الله : ” ومن آياته خلق السّماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين ” (2) .
كما جرت سنّة الله في خلقه باتّفاقهم على حب ما جبلوا عليه من المتـاع والمـال ، قـال تعالى : ” زيّن للناس حب الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا والله عنده حسن المآب ” (3) وجبل الإنسان على حب المزيد من كلّ مال ؛ ليتنافس النّاس فتعمر الأرض وتزدان ، ويسعد الإنسان في حياته الدّنيا ، لكن لما كان حب الإنسان للمال جمّاً ، لو ترك إليه لأسرف وطغى ، وتنكب الطّريق ، وجار ، وظلم وغدا عبداً للمال يشقى به .تنزلَت آيات الله وكتبه وبعث بها رسله ، ليعرّفوا الإنسان حدود حرّيته في حبّ المال والمتاع ، ثمّ تنزلَت آيات القرآن الكريم لتنظيم موارد المتاع الحلال ومصارفه ، والحرام ومساربه وتدرج التّشريع في أحكام حفظ المال والحقوق ، حتّى حدّ الحدود القاطعة لمن بالغ في التّجاوز والظّلم ، وشرع من الأحكام عامة ما ينظّم حياة النّاس في أسرهم ومجتمعهم ودولهم .
وبنى النّفوس من داخلها قبل العلاج في واقع الحياة وزخمّها ، ليكون وازع الدّين أوّل سياج حفظ الحقوق لأصحابها ،فقد تنتهي الخصومة بالعفو أو بالإعراض عن الجاهلين . وقد تنتهي الخصومة بالصّلح . إلاّ أنّ من الخصومات ما لا تنتهي إلاّ بإقامة البراهين والحجج أمام القضاء ، فكان القاضي نهاية مطاف انتصاف المظلومين من الظالمين ، وتقرير الحقوق وردّها إلى أصحابها .
عوان البحث | المؤلف | التحميل |
التحكيم والتحاكم الدولى فى الشريعة الإسلامية | أ.د عجيل جاسم النشمى |