البحوث

التورق المنظم كما تجريه المصارف الإسلامية ونوافذها في أوربا

التورق المنظم

كما تجريه المصارف الإسلامية ونوافذها في أوربا

“دراسة فقهية مقارنة”

د. محمد عبد اللطيف محمود البنا

دكتوراه في الفقه المقارن

المستشار الشرعي لموقع “إسلام أون لاين”

المقدمة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول والله وبعد..

فالناظر للمعاملات الاقتصادية الحديثة يجد تطورا هائلا في عقودها، كما يجد عقودا صارت من التركيب بمكان، بما يحتاج لأمرين:

دراسة اقتصادية مستوعبة يتبين فيها الفقيه حقيقة المعاملة جيدا ثم يبدأ في التحرك نحو الحكم الشرعي .

ودراية فقهية ملمة بالجوانب الاقتصادية المعتمدة شرعا، وذلك ليستطيع المزج عن بينة وجدارة وثقة وعلم، أو يرج المعاملة من دائرة الحل.

ولن يستطيع الفقيه فعل ذلك بدون معرفة الضوابط الشرعية في المعاملات ولقد وضعت الشريعة الإسلامية مجموعة من القواعد التي تتم بها عقود المعاوضات حتى تستحل الأموال بوجه الحق لا الباطل يقول الله تعالى: ” وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {188}”([1])

وأهم هذه القواعد ما يلي:

أولاً: حرمة الربا:

ومن القواعد التي تضبط التعامل بين الناس حرمة الربا، وهو دليل كذلك على أن المعاملة يجب أن تكون حلالا، ليس فيها ما حرمه الله تعالى، ويدل عليها قوله تعالى:” وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا “([2])  

وقوله -صلى الله عليه وسلم-” الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل ، يدا بيد ، والفضل ربا ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد” ([3])

ثانياً: التراضي:

وأساسها قوله تعالى:” فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا {4}” النساء([4])

 وقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {29}.النساء([5])

وقوله صلى الله عليه وسلم: ”  لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس” ([6])وفي رواية عن أبي حميد الساعدي ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-” لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه “و قوله صلى الله عليه وسلم: ” إنما البيع عن تراض” ([7]) .

فهذه النصوص تبين بجلاء أن التراضي مع مشروعية المعاملة هو أساس من أسس التعامل بين الناس، فالإكراه يبطل المعاملة أو يفسدها.

ثالثاً: حرمة الغرر:

والغرر يعني التغرير بالطرف الآخر وخداعه، فيبتاع ما إن عرف حقيقته هجره، وتركه ويدل على هذه القاعدة ما ورد عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلمعن بيع الحصاة وعن بيع الغرر” ([8]).

رابعاً: الوفاء:

وهي من أهم القواعد إذ بحصل تمام البيع وقبض الثمن، وبدونها تحدث الخديعة، والنصب، ويدل على هذه القاعدة قوله تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ “([9]) ، وقوله-صلى الله عليه وسلم-” المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً”([10])

والشروط التي وضعها الفقهاء لصحة البيع وكذلك العيوب القادحة في هذه الصحة سواء الجهالة اوالإكراه والتوقيت والغرر والضرر أو الشرط المفسد كفيلة بأن تبلور على سبيل الاحتياط حصانة للعقد وصيانة له.

وأكتفي في هذا المقام بهذه القواعد لأبين أن موضوع “التورق المنظم كما تجريه المصارف الإسلامية ونوافذها في أوربا دراسة فقهية مقارنة” من الموضوعات المهمة للاقتصاديين والفقهاء وترجع الأهمية لما يلي:

أولاً: أغلب التعامل الآن في المصارف بالتورق المصرفي.

ثانياً: نسبة المخاطرة فيه منعدمة.

ثالثاً: يدر ربحا هائلا للمصارف.

رابعاً: يحل مشكلات ضخمة لمن يريد التمويل لسد حاجته.

خامساً: ولكن طرأت على هذه المعاملة مجموعة من التساؤلات:

  • هل الحكم الشرعي فيها واحد يمكن القول في المعاملة بالإجماع أو شبه الإجماع؟.
  • هل الأدلة التي استند إليها الفقهاء قوية تسلم من كل رد.
  • هل فعلا التورق يحقق مصلحة؟ وهل المصلحة حقيقية؟
  • هل كما يقال إن التورق المصرفي رجوع نحو البنوك الربوية؟
  • هل وجود السلعة متوهم أم حقيقي؟
  • ما الغرض الحقيقي من التورق المصرفي؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير كان لا بد من وضعها أمامي أثناء البحث، ووجدت مجموعة من الصعوبات تتمثل فيما يلي:

  • أن البنوك والمصارف تتعامل بالتورق بالفعل وإن اختلفت المسميات، فأصبحت واقعا حيا ملموسا.
  • وجود خلط كبير بين التورق الفقهي الفردي الجائز وبين التورق المصرفي.
  • وجود هيئات شرعية كبيرة لها سمعتها أفتت بالجواز.

صعوبة الحصول على المراجع لأنها لم تطبع في الغالب.

ولقد تغلبت على هذه الصعوبات بفضل الله تعالى بالاستعانة بالله تعالى، وسؤال أهل الخبرة، والعكوف على ما تيسر من أبحاث للقراءة والتأمل والتحليل.

ووضعت منهجا أسير عليه يتمثل فيما يلي:

منهج استقرائي استنباطي تمثل في حصر من كتب في التورق المصرفي وحاولت من بين السطور معرفة منهجية الكاتب وما توصل له، ثم كان المنهج العقلي الذي تمثل في التحليل والمناقشة، وتمخض ذلك عن الخطة التالية:

أولاً: مقدمة: وهي التي بين يديكم الآن وفيها المنهج والخطة.

ثانياً: المبحث الأول: وكان عن تعريف التورق والتورق الفردي وأتبعته بالفتاوى الصادرة فيه وبيان حكمه.

ثالثاً: المبحث الثاني: وكان عن التورق المنظم كما تجريه المصارف الإسلامية ونوافذها في أوربا وبينت فيه مفهومه وحكمه والغرض منه والفتاوى الصادرة فيه ورأي من أجاز ورأي من منع، وتناولت أدلة كل فريق بالمناقشة والتحليل.

رابعاً: المبحث الثالث: التورق العكسي بينت فيه مفهومه وحكمه والغرض منه والفتاوى الصادرة فيه.

خامساً: المبحث الرابع: دراسات في التورق المصرفي، وبينت فيه أهم الدراسات التي تكلمت عن التورق المصرفي سواء كانت الدراسات التي أجازت أم التي منعت، وتناولت أدلة المجيزين بالتحليل والمناقشة.

سادساً: المبحث الخامس: التورق بين سد الذرائع والمصلحة، واخترت فيه دراستين من مدرسة واحدة وبينت فيه أن اعتماد كل دراسة على دليل من هذين الدليلين وجه الحكم، وتناولتهما بالتحليل والمناقشة.

سابعاً: المبحث السادس: ما يمكن أن تفعله النوافذ الشرعية للمصارف في أوربا.

سابعاً: الخاتمة: وبينت فيها النتائج والمقترحات.

والله تعالى من وراء القصد،،

“عليه توكلت وإليه أنيب”

                                                                                د. محمد عبد اللطيف البنا

                                                                            دكتوراه في الفقه المقارن “جامعة القاهرة”

                                                                         مدير النطاق الشرعي لموقع “إسلام أون لاين”

 

المبحث الأول
تعريف التورق والتورق الفردي

 

تعريف التورق: جاء في “معجم مقاييس اللغة”: (الورق: المال. من قياس ورق الشجر، لأن الشجرة إذا تحات ورقها انجردت كالرجل الفقير). وقال الفيروز أبادي: أورق؛ أي كثر ماله ودراهمه. ويقال: التجارة مورقة للمال – كَمَجْلَبَة – أي مُكثَّرة ([11]).

وكلمة (التوّرق) على وزن (تَفَعُّل) وتدل على دخول المرء في الشيء بعناء وكلفة، وأنه ليس من أهله، كتحلَّم، وتشجَّع، وتشدَّق، وتكلّف، وتصبّر، وتجلّد … إلخ ([12]).

الوَرِق بكسر الراء يعني الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة([13])، يقول الله تعالى:” وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا”([14]).

والتورق يعني طلب الورق أي الفضة أو الدراهم، أو المال.

التورق في الاصطلاح الفقهي:  ورد مصطلح (التورُّق) بلفظه في كتب الفقه الحنبلي وأرادوا به “أن يشتري المرءُ سلعةً نسيئةً، ثم يبيعها نقداً لغير البائع بأقل ممّا اشتراها به، ليحصل بذلك على النقد” ([15]).

قال البهوتي: لو احتاج إنسان إلي نقد ، فاشتري ما يساوي مائة بمائة وخمسين ، فلا بأس بذلك ، نص عليه ، وهذه المسألة تسمى ” مسألة التورق ” من الورق ، وهو الفضة ، لأن مشترى السلعة يبيع بها .”[16]

وقال ابن مفلح : ” ولو احتاج إلي نقد ، فاشترى ما يساوى مائة بمائتين ، فلا بأس ، نص عليه ، وهى التورق ، وعنه يكره ، وحرمه شيخنا.[17]

قال الحنفية ” كأن يحتاج المديون ، فيأبي المسئول أن يقرضه ، بل أن يبيع له ما يساوي عشرة بخمسة عشر إلي أجل ، فيشتريه المديون ، ويبيعه في السوق بعشرة حالة…”[18]

قال ابن تيمية: “وإن كان المشتري يأخذ السلعة فيبيعها في موضع آخر، فيشتريها بمئة ويبيعها بتسعين لأجل الحاجة إلى الدراهم، فهي مسألة التورق” ([19]).

والتورق معروف بغير هذا اللفظ عن الشافعية فهو عندهم معروف باسم (الزرنقة) “وأما الزرنقة: فهو أن يشتري الرجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد”. ثم قال: “وهي العينة الجائزة” ([20]).

أما بقية الفقهاء، فقد عَرَفُوا هذه المسألة، وأشاروا لحكمها الشرعي في معرض كلامهم عن العينة أو بيوع الآجال، ولكن دون إطلاق أية تسمية خاصة عليها.

ونخلص مما سبق أن التورق في الاصطلاح الفقهي هو شراء سلعة ليبيعها إلى آخر غير بائعها الأول للحصول على النقد. مثال ذلك أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها لآخر نقداً ليحصل على ثمنها الحال لرغبته في الحصول على النقد. أو هو :”أن يشتري سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدا -لغير البائع- بأقل مما اشتراها به، ليحصل بذلك على النقد”([21]).

وهو ما عبرت تقريبا عنه الموسوعة الفقهية الكويتية ([22]):” والتورق في الاصطلاح أن يشتري سلعة نسيئة ، ثم يبيعها نقدا – لغير البائع – بأقل مما اشتراها به ؛ ليحصل بذلك على النقد”.

وبالنظر للتعريف الذي أجازه الفقهاء، وهو ما عرف بالتورق الفردي، نجد أنه عبارة عن نوع من التجارة يتكون مما يلي:

أولاً: هناك من يمتلك سلعة ويبيع مآلا.

ثانياً: رجل يريد شراء سلعة معينة (لا لذاتها) فيشتريها مآلا بسعر يتم الاتفاق عليه.

ثالثاً: مشترٍ طرف ثالث ليس البائع الأول.

رابعاً: المتورق هنا يأخذ السلعة ويحوزها فيتوافر هنا شرط الحيازة.

خامساً: المتورق يمتلك السلعة قبل بيعها، ويستطيع أن يمارس كل نتائج الملكية من حيازة واستعمال وتصرف على البضاعة.

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز شراء الرجل سلعة بالأجل وبيعها إلى غير بائعها نقداً وغرضه الحصول على النقود([23]).

واستدلوا على القول بالجواز بالكتاب والسنة والقياس. أما الكتاب فقوله تعالى: ” وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا “([24]) والحرام لا تثبت حرمته إلا بنص، ولا يجوز لأحد أن يقيد حكم شيء أحله الله تعالى؛ لأن تحريم الحلال كتحليل الحرام.

ولقد حضت السنة على البيع والشراء، وحددت ملامح البيع، وضوابط العقد، وشروطه في مباحث كثيرة، وضابط القياس أن تتوافر الأركان والشروط في العقد ثم يخلو من الموانع والعيوب فإن توافر له هذا فهو صحيح.

وللتورق الفردي صور ذكرها الدكتور محمد عثمان شبير ([25]) نجملها فيما يلي:

1-     أن يحتاج رجل إلى دراهم (نقود)، فيشتري سلعة نسيئة إلى سنة مثلاً بثمن يزيد عن ثمنها نقداً، ثم يبيعها على غير البائع الأول؛ لأنه إذا باعها على الأول فهي بيع عينة. ومثاله: إنسان يريد أن يتزوج، وليس عنده أموال، فيشتري سيارة بمائة ألف ريال مؤجلة لمدة سنة، ثم يبيعها لغير البائع بتسعين ألف ريال ليدفع تكاليف الزواج([26]).

2-     أن يشتري المدين سلعة نسيئة بطريق المرابحة للآمر بالشراء، وبثمن يزيد عن سعر يومها، ويبيعها بسعر أقل إلى الدائن مثل: أن يشتري المدين سيارة بالأقساط بمائة ألف ريال، ويبيعها إلى الدائن بما عليه من دين، وهو ثمانون ألفاً.

3-     أن يشتري الرجل السلعة من تاجر بأكثر من سعر يومها، كألف دينار، على أن يدفع نصف ثمنها نقداً (معجل)، والنصف الآخر نسيئة (مؤجل) إلى سنة، فيأخذ المشتري السلعة، ثم يبيعها بالنقد بأقل من ثمنها الذي اشتراها به كثمانمائة دينار، ويسدد النصف المعجل، وهو خمسمائة دينار، وينتفع المشتري بالباقي وهو ثلاثمائة دينار، وبعد تمام السنة يسدد الثمن المؤجل، وهو خمسمائة دينار أ.هـ.

وليست هذه وحدها صور التورق، وإنما أبرزها فهناك أكثر من عشرين صورة أوردها ابن القيم رحمه الله تعالى في تهذيب سنن أبي داود خاصة في معرض كلامه عن مبحث العينة.

وبناء على المعنى اللغوي والاصطلاحي يمكن استخلاص معنى التورق بأنه شراء سلعة ليبيعها إلى آخر غير بائعها الأول للحصول على النقد . مثال ذلك أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها لآخر نقداً ليحصل على ثمنها الحال لرغبته في الحصول على النقد فان باعها إلى بائعها الأول فهي العينة الممنوعة أما إن باعها إلى طرف ثالث فهي التورق.

بيع التورق والعينة:

يرى بعض الفقهاء أن هناك اختلافا بين بيع التورق وبيع العينة. ولقد وردت بعض الأحاديث في بيع العينة تنهى عنه ونص على ذلك الفقهاء ووضعوا له صورة هي: أن يبيع الرجل سلعة لرجل آخر بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه بعقد آخر بثمن أقل نقدا([27]).

فهناك طرفان أحدهما يحتاج مالا من الآخر والآخر لا يقرض قرضا حسنا فيلجآ لهذه الصورة التي يتحايلان فيها على الربا فيبيع المقرض بيعاً صورياً ما عنده من بضاعة بملبغ آجل ثم يعود فيشتريها منه بمبلغ حال ويسلمه المبلغ، فمحصلة الأمر في النهاية أن السلعة لم تكن مقصودة، وإنما كانت فقط للتحايل على أن سيأخذ مبلغا من المال أقل ويرده بالزيادة وهذا هو الربا.

واستندوا في تحريمهم له على الأحاديث التي نهت عنه ومنها:

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ”([28]).

فالمقصد في البيعين (التورق والعينة) ليس الانتفاع بالسلعة وإنما الحصول على النقد اللازم لاحتياجاته الأخرى، أو ضروريات حياته، ولا يوجد من يقرضه قرضا حسنا، فيضطر لذلك.

ويختلف البيعان فيما يلي:

  • بيع العينة ينحصر بين طرفين وبيع التورق بين ثلاثة أطراف.
  • الحصول على النقود هي جل الاهتمام في بيع التورق أما في بيع العينة فحصول الزيادة لصاحب السلعة في العينة هو الأساس، وما العينة إلا للتحايل على الربا.
  • صاحب السلعة في التورق ليست له أي علاقة بالسلعة بعد بيعها لوجود طرف ثاني وثالث في الصفقة، أما في بيع العينة فالبائع لا يخسر سلعته بل ترد إليه لأن البيع الذي تم كان صوريا، والدليل على ذلك أن المشتري الثاني هو البائع الأول في العينة، ولكنه مختلف في التورق.

ولقد ذكر الدكتور محمد عثمان شبير مجموعة من الألفاظ ذات الصلة ببيع التورق بهذا المعنى وبيع العينة نلخص ما ذكره فيما يلي([29]):

أطلق على التورق في العصور الماضية والحاضرة عدة ألفاظ وأسماء نذكر منها: الزرنقة، والوعدة، والدينة، والكسر. وفيما يلي بيان ذلك:

1-الزرنقة:

الزرنقة في اللغة: مأخوذة من زرنق، وهو يطلق على ثلاثة أمور: أحدها: الإخفاء، فيقال تزرنق في الثياب؛ إذا لبسها واستتر بها. والأمر الآخر:الاستقاء بالأجرة على الزرنوق: (آلة يستقى بها من البئر) والأمر الثالث: أعجمية معرب زرنة: أي ليس الذهب معي، فيطلب الذهب بالعينة.([30])

والزرنقة في الاصطلاح: تطلق على العينة والتورق؛ قال الزمخشري في بيان معناها: ” أن يشتري الشخص الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجل، ثم يبيعه من البائع، أو من غيره بأقل مما اشتراه.([31]) وأطلقت الزرنقة على كل من العينة والتورق؛ باعتبار أن المتعامل بهما يخفي الحصول على النقود.وأطلقها الشافعية على التورق خاصة؛ فقال أبو منصور الأزهري (ت:370هـ) : ” وأما الزرنقة: فهو أن يشتري الرجل سلعه بثمن إلى أجل، ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد.”([32]).

2-الوعدة:

الوعْدة في اللغة: من الوعد، وهو الإخبار عن فعل المرء أمراً في المستقبل يتعلق بالغير، سواء أكان خيراً، أم شراً. ([33])

  والوعدة في عرف بعض الناس في المملكة العربية السعودية تطلق على التورق، حيث كان الناس يشترون السلع: كالسكر من التجار بالأجل، ويعيدون بيعه نقداً إلى تجار آخرين في سبيل الحصول على النقود. وكانوا يستفتون العلماء فيها، فقد استُفتي الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله؛ فأجاب بجوازها في المشهور من المذهب. ويرجع سبب تسمية التورق بذلك الاسم إلى أن المدين يخبر الدائن أنه موعود بشراء سلعة إلى أجل، وسيبيعها ليحصل على النقود المحتاج إليها لسداد الدين، فيقول للدائن: سآخذ وعدة وسأبيعها على كل حال.([34])

3-الدينة:

الديْنة في اللغة: مأخوذة من داينت فلاناً: إذا عاملته ديناً، فيقال: دان الرجل، يدين ديناً، إذا استقرض، أو اشترى سلعة لأجل.([35])

   والدينة في عرف بعض الناس في المملكة العربية السعودية تطلق على التورق أيضاً، حيث كانوا يشترون السلع: كالأرز من التجار بالأجل، ويعيدون بيعه نقداً إلى تجار آخرين في سبيل الحصول على النقود. وقد استفتي فيها الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله؛ فأجاب: بجوازها في المشهور من المذهب. ويرجع سبب تسمية التورق بهذا الاسم إلى أن ثمن السلعة فيه يبقى ديناً في ذمة المشتري الأول.([36])

4-الكسْر:

الكسر في اللغة: مصدر كسر، فيقال: كسر الشيء إذا هشمه وفرق بين أجزائه.([37]) والكسر في عرف بعض الناس في السودان، يطلق على التورق،حيث كانوا يشترون القمح والشعير والصابون والسكر من التجار بالأجل، ويعيدون بيعها نقداً إلى تجار آخرين في سبيل الحصول على السيولة.([38])  ويرجع سبب تسمية التورق بذلك إلى أن المتورق يخسر في معاملته ويُكسر.

أيا كان الأمر فهذا هو التورق الفردي البسيط الذي أجازه الفقهاء وأجازه مجمع الرابطة في دورة مؤتمره الخامسة عشرة رجب 1419هـ، ولكن هناك التورق المنظم كما تجريه المصرف في الوقت الحاضر وهو ما سنلقي الضوء عليه في السطور القادمة.

حُكم التورّق الفردي:

اختلف العلماء حول حكم التورق الفردي وسنعرض الآن للمجيزين ثم أدلتهم، وللمانعين ثم أدلتهم وسنرجح بينها بعد ذلك بإذن الله تعالى.

أولاً: المجيزون للتورق الفردي:

أولاً: الأحناف:

أجاز الأحناف التورق ولكن حرموا العينة قال الكاسانس رحمه الله: “إذا باع رجل شيئاً نقداً أو نسيئة، وقبضه المشتري، ولم ينقد ثمنه، لا يجوز لبائعه أن يشتريه من مشتريه بأقل من ثمنه الذي باعه منه عندنا” ([39])، وجاء في حاشية ابن عابدين: “قال أبو يوسف: لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك. ولم يعدوه من الربا”([40]).

ثانياً: المالكية:

لم يصرح المالكية بلفظ التورق، ولكن كلامهم عن بيوع الآجال وشروطهم التي وضعوها لها تفيد إجازتهم فبعد أن تكلم ابن جزي في مسألة بيوع الآجال قال: ” يجوز بيع السلعة من غير بائعها مطلقاً”([41]). وقال الدردير في (الشرح الصغير) : “يمنع من البيوع ما أدّى لممنوع يكثر قصده للمتبايعين، ولو لم يقصد بالفعل، كسلف بمنفعة، أي كبيع أدّى إلى ذلك، كبيعه سلعة بعشرة لأجل، ثم يشتريها بخمسة نقداً أو إلى أجل أقل، فقد آل الأمر إلى رجوع السلعة لربها، وقد دفع قليلاً، وعاد إليه كثيراً”([42]).

فدل هذا على إجازتهم للتورق الفردي بالمفهوم الذي ذكرناه.

ثالثاً: الشافعية:

يقول الإمام الشافعي في الأم: “فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها، وكان الثمن إلى أجل، فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقدٍ أقل أو أكثر مما اشتراها به، أو بدين كذلك، أو عرض من العروض؛ ساوى العرض ما شاء أن يساوي، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل”([43]). فقد ذهب الشافعي –رضي الله عنه- ليس لجواز التورق فقط وإنما للعينة أيضا بإجازته أن تباع لبائعها بثمن أقل، ولعل الشافعي نظر هنا لشكلية العقد وليس لجوهره.

رابعاً: الحنابلة:

المذهب الوحيد الذي نص صراحة على التورق بمعناه الفردي هو المذهب الحنبلي ونسب للإمام أحمد –رحمه الله- القول بجواز التورق، وورد عن أصحابه كذلك القول بالجواز وهو القول المعتمد في المذهب، قال المرداوي في الإنصاف: ” لو احتاج إلى نقد، فاشترى ما يساوي مئة بمئة وخمسين، فلا بأس. نص عليه، وهو المذهب، وعليه الأصحاب، وهي مسألة التورق”([44]).

ثانياً: أدلة المجيزين:

بعد استقراء ما جاء به المجيزون من أدلة وجدتها تدور حول ما يلي:

الدليل الأول: أمره يدور على الإباحة لعدم وجود نص يحرمه:

واستدل هؤلاء بأن التحريم بحاجة لنص صريح ولا يوجد في القرآن ولا صحيح السنة هذا النص، واستندوا بقول الله تعالى:” وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ” ([45])، وقوله تعالى: “وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ”([46])، وقوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ”([47])، ولأن الأصل هو أنه لا تحريم إلا بنص فيبقى أمر التورق على الإباحة.

ولأن النظر للمعاملات النظر للمعاني وليس كالعبادات التعبد فيكتفى كما قال الشاطبي في الموافقات بعدم المنافاة: ” لأن الأصل في العبادات التعبد، دون الالتفات إلى المعاني، والأصل فيها أن لا يُقدم عليها إلا بإذن، إذ لا مجال للعقول في اختراع العبادات، وما كان من المعاملات يُكتفى فيه بعدم المنافاة، لأن الأصل فيها الالتفات إلى المعاني دون التعبد، والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه”([48]).

فلعدم وجود النص على التحريم صار الأمر على الإباحة.

الدليل الثاني: لا يقاس التورق الفردي على العينة:

تتفق العينة مع التورق الفردي في أن الغرض هو الحصول على النقود، ولكن في العينة لم تنتقل السلعة من البائع فسلعتها ترد إليه، أما في التورق فتوجد سلعة حقيقية وبيع حقيقي، وتنتقل السلعة بالفعل إلى المستورق، ويبيعها هو إلى المشتري الطرف الثالث.

فهناك فرق يمنع صحة قياس التورق على العينة، ومحصلة أن المتورق سيخسر من فرق السعر بين بيع الآجل والبيع الحال فطالما البيع حقيقي فلا بأس ونص الفقهاء على ذلك يقول الشوكاني: “بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء هو الجواز”([49])، ويقول الكاساني “لا مساواة بين النقد والنسيئة، لأن العين خير من الدين، والمعجّل أكثر قيمة من المؤجل”([50]).

ثالثاً: المانعون للتورق الفردي:

  • رجح ابن تيمية كراهة التورق عند الإمام أحمد بن حنبل في روايته الثانية([51]).

وتبع ابن القيم شيخه في ترجيحه ولكنه ذكر أنه بالرغم من حظر شيخه له إلا أنه يرى أن التورق أخف من العينة فجاء عنه في إعلام الموقعين :”وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها، فهي العينة، وإن باعها لغيره فهو التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما، فهو مُحلل الربا، والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون، وأخفها التورق. وقد كرهه عمر بن عبد العزيز، وقال: هو أخية الربا … وكان شيخنا يمنع من مسألة التورق، وروجع فيها مراراً وأنا حاضر، فلم يرخص فيها”([52]).

رابعاً: أدلة المانعين:

الدليل الأول: أنه في معنى الاقتراض بالربا:

وذلك لأن المحصلة لا تدور على السلعة وإنما تدور على المال ، فهو بحاجة لمال وما يتحصل عليه سيكون قليلا ويدفع مقابله أكثر، وهو حقيقة الربا.

يقول ابن تيمية في الفتاوى :” والأصل في هذا الباب أن الشراء على ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يشتري السلعة من يقصد الانتفاع بها، كالأكل والشرب واللباس والركوب والسكنى ونحو ذلك، فهذا هو البيع الذي أحلّه الله.

والثاني: أن يشتريها من يقصد أن يتجر بها، إما في ذلك البلد، وإما في غيره. فهذه هي التجارة التي أباحها الله.

والثالث: أن لا يكون مقصوده لا هذا ولا هذا، بل مقصوده دراهم لحاجته إليها، وقد تعذر عليه أن يستسلف قرضاً أو سلماً، فيشتري سلعة ليبيعها ويأخذ ثمنها، فهذا هو التورق، وهو مكروه في أظهر قولي العلماء – وهذا إحدى الروايتين عن أحمد – كما قال عمر بن عبد العزيز: “التورق أَخيّة الربا”([53]).

الدليل الثاني: أنه يدخل في بيع المضطر:

ولقد نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- عنه روى أبو داود :” نهى عن بيع المضطر، وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تدرك” رواه أبو داود وصححه السيوطي.

وذلك لأن المستورق لا يلجأ لهذا النوع إلا مضرا لأنه لم يجد من يقرضه قرضا حسنا، فلحاجته الماسة لجأ لهذا الأمر.

الرد على هذه الأدلة:

  ولا يجد المرء في رد هذه الأدلة لما يلي:

أولاً: بالنسبة للدليل الأول :

الفرف كبير بين الاقتراض بالربا وبين بيع التورق الفردي، فبيع التورق الفردي يحتوي على سلعة حقيقية وبيع حقيقي جائز شرعا بما يمكن اعتباره مخرج شرعي مناسب لا يقع معه صاحبه في الربا.

ثانياً: بالنسبة لكونه بيعا لمضطر وهو منهي عنه:

فالرد عنه من وجوه :

أ- أن مفهوم الاضطرار المنهي عنه هنا هو ما صاحبه خداع وغش واسغلال لحاجة المضطر.

 ب- أن الغالب الأعم من المتبايعين يفعل ذلك مضطرا لقوته وقوت عياله ولو كان هذا مني عنه لكان – كما قال ابن حزم-” كل من يبتاع قوت نفسه وأهله للأكل واللبس، فإنه مضطر إلى ابتياعه بلا شك، فلو بطل ابتياع هذا المضطر لبطل بيع كل من لا يُصيب القوت من ضيعته، وهذا باطل بلا خلاف”([54]).

 ج- تكلم العلماء في سند الحديث وبينوا أنه ضعيف لجهالة شيخ بني تميم جاء في المجموع للنووي:” وهذا الإسناد ضعيف، لأن هذا الشيخ من بني تميم مجهول”([55]).

ولقد أجاز الإمام أحمد في رواية الكراهة فعله للمضطر كما يقول ابن القيم فيقول:” وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة، وإن باعها لغيره فهو التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو مُحَلل الربا، والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون، وأخفها التورق، وقد كرهه عمر بن عبد العزيز، وقال: هو أخيَّة الربا، وعن أحمد فيه روايتان، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر، وهذا من فقهه رضي الله عنه، قال: فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر، وكان شيخنا يمنع من مسألة التورق وروجع فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه”([56]).

فبالرغم من كراهته –في رواية- إلا أنه أجازه للمضطر.

فالمتورق مضطر للاقتراض، ولكنه لا يجد من يقرضه، لذلك يبيع السلعة التي اشتراها بثمن أقل مما حصل في ذمته.

ضوابط التورق الفردي:

وقد ركزت القرارات والفتاوى الخاصة بشأن التورق الفردي والتي سيرد بعضها بعد قليل على الضوابط الشرعية للتورق الفردي، ويمكن ذكر أهمها([57]):

1-     أن يتم استيفاء المتطلبات الشرعية لعقد شراء السلعة بالثمن الآجل، مرابحة، ويراعى في بيع المرابحة للآمر بالشراء وجود السلعة، وتملك البائع لها قبل بيعها، وفي حال وجود وعد ملزم، فإنه يجب أن يكون من طرف واحد.

2-أن تكون السلعة المباعة من غير الذهب، أو الفضة، أوالعملات الورقية المعاصرة.

3-     أن تكون السلعة المباعة معينة تعييناً يميزها عن موجودات البائع الأخرى.

4-     أن يكون الشراء حقيقياً، وليس صورياً، ويفضل أن تتم العملية بالسلع المحلية.

5-     أن يتم قبض السلعة حقيقة أو حكماً بالتمكن فعلاً من القبض الحقيقي، وانتفاء أي قيد أو إجراء يحول دون قبضها من قبل المتورق.

6-     أن يكون بيع السلعة (محل التورق) لغير البائع الذي اشتريت منه بالأجل، بأقل مما اشتراها به، لا مباشرة، ولا بالواسطة، وذلك لتجنب العينة المحرمة شرعاً.

7-     أن لا يكون هناك ربط بين عقد شراء السلعة بالأجل، وعقد بيعها بثمن حال، بطريقة تسلب العميل حقه في قبض السلعة، سواء أكان الربط بالنص في المستندات، أم بالعرف، أم بتصميم الإجراءات.

الخلاصة في التورق الفردي:

مما سبق بيانه نلاحظ اختلاف الفقهاء في  حكم  التورق أنه يدور على ثلاثة أقول هي الحرمة والكراهة والإباحة، وقد نجد في المذهب الواحد أكثر من رأي.

ونخرج من هذا بأن بيع التورق الفردي جائز ولا حرج فيه؛ لأنه يدور على سلعة ويتم التبايع فيها بعقود بيع صحيحة مكتملة الشروط والأركان، كما أن أدلة المجيزين تعد راجحة وقوية لا تصمد أمامها أدلة المانعين، ويمكن القول كذلك بأن النية والحاجة لها دور كبير في نقاء عملية بيع التورق من كل شائبة قد تشينها أو تشوبها.

ويؤيد هذا الفتاوى التالية:

1- فتوى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في قرارة الخامس في الدورة الخامسة عشرة عام 1419هـ والذي جاء نصه كما يلي:

القرار الخامس

بشأن حكم بيع التورُّق

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ، أما بعد :

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، برابطة العالم الإسلامي ، في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ، التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419هـ الموافق 31/10/1998م ، قد نظر في موضوع حكم بيع التورُّق .

وبعد التداول والمناقشة ، والرجوع إلى الأدلة ، والقواعد الشرعية ، وكلام العلماء في هذه المسألة ، قرر المجلس ما يأتي :

أولاً:    أن بيع التورُّق: هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورق).

ثانياً:   أن بيع التورق هذا جائز شرعاً، وبه قال جمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة: 275) ولم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما.

ثالثاً:   جواز هذا البيع مشروط، بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً.

رابعاً:   إن المجلس -وهو يقرر ذلك- يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم، طيبة به نفوسهم، ابتغاء مرضاة الله، لا يتبعه منّ ولا أذى وهو من أجل أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى، لما فيه من التعاون والتعاطف، والتراحم بين المسلمين، وتفريج كرباتهم، وسد حاجاتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون، والوقوع في المعاملات المحرمة، وأن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن، والحث عليه كثيرة لا تخفى كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء، وحسن القضاء وعدم المماطلة.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه سلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.” ([58]).

هذا هو نص فتوى الإباحة، ونلاحظ أن التورق الذي أجازه مجمع الفقه هنا هو التورق الذي أقره الفقهاء، بضوابطه سالفة الذكر من حيازة وبيع لشخص آخر، مما يختلف به عن بيع العينة المؤدي للربا.

  • فتوى هيئة كبار العلماء:

ومن الفتاوى التي أباحت أيضا هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بجواز التورق الفقهي، وصورته: أن يحتاج إنسان إلى نقود للاستهلاك أو التوسع بها في تجارته مثلاً، فيشتري سلعة إلى أجل بأكثر من سعر مثلها حالاً؛ ليبيعها بعد قبضها على غير من اشتراها منه؛ فهذه لا ربا فيها، ولا يصدق فيها أنها بيعتان في بيعة فهي جائزة([59]).

فقد أجازت الفتوى التورق الفردي البسيط بصورة واضحة ومفصلة.

3- فتوى لجنة المعايير الشرعية:

كما قررت لجنة المعايير الشرعية جواز التورق بضوابطه الشرعية، حيث جاء في المعيار الثلاثين: “يمكن أن يكون المتورق هو العميل، وذلك بشرائه السلعة (محل التورق) من المؤسسة، ثم يبيعها لغيرها لتحصيل السيولة”([60]) .

 

المبحث الثاني

التورق المنظم في المصارف والمؤسسات الإسلامية

ونوافذها في أوربا

التورق المصرفي :

قبل أن نقف ونحلل تعريف التورق المصرفي نقول: إن هناك أكثر من مؤتمر دولي انعقد لدراسة هذه المعاملة المصرفية المستحدثة منها ثلاثة في عام واحد وهذه المؤتمرات هي:

الأول: مؤتمر “دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية” في الشارقة المنعقدة من 26 – 28 صفر 1423هـ الموافق 7 – 9 /5/2002هـ.

الثاني: مؤتمر جامعة الشارقة ، خلال المدة 24 : 26-2-  1423هـ .

الثالث : ندوة البركة الثانية والعشرون بمكة المكرمة ، خلال 8 : 9 -4 – 1423هـ.

الرابع : ندوة البركة الثالثة والعشرون بمكة المكرمة ، خلال 6: 7 / 9/ 1423هـ.

الخامس: الدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003م.

السادس: مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة) من 1 إلى 5 جمادى الأولى 1430هـ، الموافق 26 – 30 نيسان (إبريل) 2009م.

ومن الأول للرابع لم تسفر المؤتمرات والندوات عن رأي بشأن حكم هذه المعاملة، سوى التوصية بمزيد بحث، ودراسة .

والتورق المصرفي عرفته فتوى المجمع الفقهي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقـدة بمكـة المكرمـة ، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الذي يوافقه: 13-17/12/2003م([61]) بأنه: “قيـام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب أو الفضة ) من أسواق السلع العالمية أو غيرها ، على المستورق بثمن آجل ، على أن يلتزم المصرف – إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة – بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر ، وتسليم ثمنها للمستورق”.

تحليل التعريف:

هناك أطراف أربعة في هذه المعاملة :

  • البنك ويقوم بدورين الأول وسيط دوره أن يرتب بيع سلعة من الأسواق العالمية على شخص معين بثمن آجل 1000 مثلا، والثاني بائع فالبنك يقوم نيابة عن المشتري ببيعها لشخص آخر بثمن حال وليكن 700، ويسلم الثمن للمستورق.
  • المستورق: وهو المحتاج للأموال وهو الذي يذهب للبنك ليحدد سلعة -هو في الأصل لا يريدها لذاتها وإنما يريد المال- بثمن مؤجل ثم يشتريها البنك له ، على أن يبيعها نيابة عنه حالا ويعطيه الأموال ، فهذا محتاج فعلا للأموال لا السلعة.
  • مشتر للسلعة حالا وهو محتاج فعلا للسلعة، ويأخذها من البنك بصفته نائبا عن المستورق.
  • السلعة نفسها، وقد يمتلكها البنك، وقد لا يمتلكها لأنها تكون في الأسواق العالمية، وأقصى ما يمتلكه هنا إيصال يحدد أوصافها.

هذه المعاملة تشبه بيعين:

البيع الأول: بيع المرابحة للآمر بالشراء، في أن الشخص يريد شراء سلعة موصوفة في الذمة، فيذهب البنك ليشتريها له، واعتمد هذا البيع في حله على الإلزام بالوفاء في الوعد الذي قال به بعض المالكية.

والبيع الثاني: بيع العينة لأن الأمر لا يتوقف عند هذا الأمر ولكنه يتعداه إلى أن يبيع البنك نيابة عن هذا الشخص السلعة بثمن حال، لشخص آخر، بعدما يتفق معه على الثمن مؤجلا، ويعطي الثمن لصاحب السلعة، أو من ناب عنه فيها. والفارق يدخل لحساب البنك.

ونلاحظ أن هذا البيع اشتمل على ما يلي:

1 – بيع عينة لأن المتورق لا هم له غير السيولة النقدية وموضوع السلعة هذا كان فقط للتحايل، فالمحصلة بالنسبة للمتورق هنا أنه أخذ من البنك مبلغا وهو (ثمن السلعة بعد بيعها حالا) وسيرده أكبر من ذلك ( ثمن السلعة التي اتفق أن يشتريها من البنك آجلا) وهذه المحصلة من الربا وهو محرم.

2- ليس هناك قبض ولا حيازة غالبا، فالسلعة من السوق العالمية للمشتري حالا.

3- المعاملة صورية فالوسيط همه فارق السعر فقط، أما أن يحوز السلعة أو غيره فلا.

4- المستورق لا يريد السلعة أصلا ولكن يريد المال، فالأمر هنا يدور على المال وليس السلعة، ووجود السلعة هو أمر شكلي فقط يتحايل به على الربا.

فواضح من خلال التعريف أن التورق ليس مقصودا لذاته، وإنما مقصود لغيره، فالمستورق لا هم له إلا المال لسد حاجته.

الغاية من التورق المنظم:

لقد عد العلماء للتورق المصرفي المنظم مجموعة من الغايات استهدفتها المصارف والنوافذ الإسلامية تتمثل فيما يلي([62]):

1- تمويل الأفراد والشركات، وتوفير السيولة اللازمة لتمويل مشاريعهم الاقتصادية والاجتماعية . وقد اعتبرته المصارف بديلاً شرعياً عن القرض الربوي.

2-     تمكين المدينين من سداد ديونهم لدى المصارف التجارية، حيث تستخدم المصارف الإسلامية التورق لتحويل المدين للبنوك التجارية للتعامل مع المصارف الإسلامية.

3-     استثمار المصرف الإسلامي ما لديه من سيولة فائضة في السلع الدولية عن طريق المتاجرة بهذه السلع، حيث يقوم المصرف بشراء السلعة من شركة في السوق الدولية بوسائل الاتصال الحديثة، ومن ثم بيعها للمتورق بالأجل مساومة أو مرابحة، بأكثر من سعر يومها، ثم يبيعها المصرف نيابة عن المالك (العميل)، وقد يبيعها  للشركة التي اشترى منها السلعة. ويستفيد المصرف من فرق السعرين.أ.هـ

فالغاية من التورق المصرفي المنظم هي توفير السيولة النقدية التي يمكن من خلالها عمل مشروعات، أو سداد ديون أو قضاء حاجيات هذا من ناحية المستورق، أما من ناحية البنك فيستغل السيولة التي لديه بوفرة في عمليات البيع والشراء ويستفيد من فروق الأسعار.

كيفية يتم التورق في المؤسسات المالية الإسلامية:

نظرا لحداثة عقد التورق، وكيفية إجرائه في المؤسسات والمصارف الإسلامية، كان لا بد من إلقاء نظرة مسحية على الواقع فبالرغم من جود فتاوى مجمعية بالتحريم إلا أننا نجد بعض البنوك تجري المعاملة وبعضها لا يجريها وبعضها يتوسط فيأخذ بعض جوانبها، ولقد رفع واقع المعاملات البنكية للتورق فضيلة الدكتور محمد عثمان شبير([63]) في ثلاثة أقسام هي:

القسم الأول: مؤسسات مالية ومصارف إسلامية لا تمارس التورق المصرفي مثل: البنك الإسلامي الأردني، والبنك العربي الإسلامي الدولي الأردني.

القسم الثاني: مؤسسات مالية ومصارف ونوافذ إسلامية تمارس التورق المصرفي بجميع صوره؛ حيث بدأ العمل به كوسيلة من وسائل التمويل في دول الخليج العربي، فأول ما بدأ العمل به في المملكة العربية السعودية، حتى وصلت نسبة التمويل به إلى (80%). ومن أوائل المصارف التي مارست هذه الأداة البنك الأهلي السعودي، حيث مارسها قبل نهاية الألفية الثانية، وسماها: “تيسير”. وفي اكتوبر(2000م) أطلق البنك السعودي البريطاني صيغة التمويل بالتورق المصرفي المنظم، وسماها: ” التورق المبارك” و” مال “. وفي سنة (2002م) أطلق بنك الجزيرة السعودي صيغة التمويل بالتورق المصرفي المنظم، وسماها:” دينار “. وفي السنة نفسها أطلق البنك السعودي الأمريكي صيغة التمويل بالتورق المصرفي المنظم. وسماها: “تورق الخير”([64]) وغير ذلك من المصارف كمصرف الشامل البحريني، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، وشركة أصول للإجارة والتمويل الكويتية، وبيت التمويل الكويتي، وبنك الريان القطري.

إجراءات التورق المصرفي:

 وتتم عملية التورق المصرفي المنظم لدى هذه المصارف وفق الإجراءات التالية([65]):

1-يتقدم العميل للمصرف الإسلامي بطلب تمويل بأسلوب التورق المصرفي المنظم.

2-     يعرض المصرف قائمة بأسعار السلع؛ ليحدد العميل نوع السلعة والثمن والأجل.

3-     يطلب المصرف من العميل وعداً بالشراء، وتوكيله ببيع السلعة المشتراة.

4-     يقوم المصرف بشراء السلعة من السوق الدولية أو المحلية.

5-     بموجب الوعد يقوم المصرف ببيع السلعة للعميل بأسلوب المرابحة، وتقسيط  الثمن.

6-     بموجب الوكالة يقوم المصرف ببيع السلعة بسعر الحال (النقد) لحساب العميل، ويودع ثمنها في حساب العميل لدى المصرف.

7-     يستوفي المصرف أقساط بيع المرابحة من العميل حسب الاتفاقأ.هـ.

وواضح مما سبق أن المعاملة تضمنت كافة أركان التورق فيوجد مستورق، يريد نقودا، فيكلف المصرف بشراء سلعة -هو لا يحتاجها- عن طريق بيع المرابحة للآمر بالشراء، ويوكله في بيعها حالا، ويستفيد المستورق بالحصول على المبلغ الذي أراده مسبقا باختياره من عرض أسعار السلع، ويستفيد المصرف بفارق الأسعار بين البيع العاجل والبيع الآجل، فحقيقة التعامل كان على نقود وليس سلعة.

القسم الثالث: مؤسسات ومصارف ونوافذ إسلامية تقتصر في تطبيقه على بعض صوره مثل: البنك الوطني الإسلامي بقطر، حيث يقتصر على التورق بغرض سداد الديون([66]).

إجراءات التورق المصرفي المنظم بغرض سداد الديون:

1-     أن يتم فتح حساب للبنك في سوق الأسهم الدولية، وإيداع الحد الأدني من التأمين النقدي ضمن مجموعة مؤشر: “داو جونز الإسلامي”

2-     أن يتقدم العميل للبنك الإسلامي؛ بطلب سداد ديونه في بنكه الحالي مقابل تحويل راتبه إلى البنك الوطني الإسلامي.

3-     يقوم البنك بدراسة الطلب، ومدى ملائمته لسياسة تمويل الأفراد في البنك الإسلامي.

4-     يقدم العميل للبنك الإسلامي خطاباً يفيد عدم ممانعة بنكه الحالي من تحويل راتبه الشهري لصالح البنك الإسلامي بمجرد سداد التزاماته القائمة.

5-يقوم العميل بالتوقيع على وعد بشراء الأسهم من البنك بعد تملكها ، كما يوقع على تفويض للبنك ببيع الأسهم المملوكة للعميل بعد شرائها من البنك، وإيداع المبلغ في حساب العميل بعد قبضه، ومن ثم استخدامه في سداد الدين المطلوب للبنك الآخر.

6-     يقوم البنك بشراء الأسهم المطلوبة (في حدود المبلغ المحدد من العميل) وذلك من خلال الحساب المفتوح للبنك لدى سوق الأسهم الدولية.

7-     بعد التأكد من إضافة الأسهم المشتراة لحساب البنك لدى سوق الأسهم الدولية، يبلغ العميل بذلك ويبيع له الأسهم المشتراة، حيث يتم توثيق عملية البيع من قبل البنك، وقبول ذلك من قبل العميل بواسطة التسجيل الصوتي المحفوظ لدى البنك.

8-     بموجب تفويض العميل للبنك بالبيع، يقوم الأخير بإصدار تعليماته ببيع الأسهم في السوق الدولية لصالح العميل.

9-     في اليوم الثاني يقوم العميل بتوقيع عقد بيع بالمساومة مع البنك الإسلامي لتغطية إجراءات البيع بواسطة الهاتف والتي تمت في اليوم السابق.

10-   في اليوم الثالث من الشراء يتم تسوية حساب البنك الإسلامي النقدي مع السوق الدولية وقبض الثمن، ومن ثم استخدامه في سداد دين العميل تجاه البنك الآخر مقابل تحويل راتبه لحسابه لدى البنك الإسلامي حسب ما تمَّ الاتفاق عليه.أ.هـ

واضح أن هذه الإجراءات الغرض منها تضييق الدائرة جدا للوصل إلى الحلال في هذه المعاملة ومن ثم كان وجود البنك في سوق الأسهم الدولية أساسا، وشراؤه وتملكه وحيازته ثم بيع الأسهم للعميل، ثم بموجب توكيل يبيع البنك للعميل أسهمه ويقبض الثمن، ثم يسدد الدين للعميل، ويقبض هو حقه من راتب العميل شهريا الذي تم تحويله له.

وخلاصة الأمر هنا : أن البنك اشترى حالا وباع للعميل على أقساط مؤجلة، والغرض توفير سيولة مالية للعمل لسداد ديونه، واستفادة البنك أو المؤسسة بفارق السعر.

فالاضطرار هنا واضح لوجود الدَّين، ولأنه لم يجد القرض الحسن، وليس أمامه سوى الربا المحرم، ولوجود بيع حقيقي وسلعة حقيقية مع هذا كانت فتوى الهيئة الشرعية للبنك بإجازة ذلك.

وربما يميل الباحث هنا لإجازة التورق المصرفي هذا لأمرين:

الأول: الضرورة المتمثلة في رغبة المستورق سداد دينه ولا يوجد أمامه غير الاقتراض بالربا أو طلب التورق.

الثاني: اتخاذ كافة الاحتياطات التي تضمن سلامة العملية من شراء وتملك وبيع وتوكيل بالبيع.

ولكن يبقى في النفس أمر يتمثل في أن المحصلة واحدة حيث لم يُرِد أصلا السلعة ولا الأسهم، وإنما أراد المبلغ العاجل الذي يسدده آجلا بأكثر مما أخذه.

ويرد سؤال للذهن هل الرجل يتحايل هنا أم يريد مخرجا شرعيا لأزمته الحالة؟

والأمر وإن كان يتجه إلى النيات في الأصل لمعرفة الرد على هذا التساؤل إلا أن الظاهر يؤكد وجود دين عليه يريد سداده، فهنا يريد مخرجا شرعيا، ولا يتحايل.

وهناك فروق أساسية بين التورق الفردي والتورق المصرفي المنظم جعلت هذه الفروق الحكم يختلف بينهما ونلخصها فيما يلي([67]):

1- التورق الفردي تتم فيه المعاملة بصورة بسيطة تلقائية تحرك الفرد فيها حاجته وتنصب على البضاعة الحقيقية التي بالأسواق.

أما في التورق المصرفي المنظم، فهو نظام مركب منظم، يحتاج إجراءات معينة، وعقود مقننة، وله إجراءات ووثائق وسلع محددة في أسواق دولية معينة.

2- المستورق في التورق الفردي هو الذي يشتري السلعة وهو الذي يبيعها والبائع لا علاقة له ببيع السلعة مطلقاً، ولا بمن سيشتريها ممن اشتراها منه.

ولكن في التورق المصرفي المنظم فإن البائع وهو البنك أو المؤسسة هو الذي يتوسط في بيع السلعة بنقد لصالح المستورق بموجب توكيل بعد أن يشتريها له.

3- أن المبلغ الناتج عن البيع في التورق الفردي يقبضه المستورق من المشتري منه للسلعة ولا علاقة للبائع الأول بالأمر، أما في التورق المنظم فالبائع هو الذي يسلم النقود للمستورق، ويسدد المستورق آجلا المبلغ بالزيادة.

4- في التورق الفردي لا علاقة للبائع بهدف المشتري، أما في التورق المصرفي فهناك تفاهم مسبق بين الطرفين على أن الشراء بأجل إنما هدفه الوصول للنقد من خلال البيع الحال اللاحق.

5- الاتفاق المسبق بكتابة عقود أمر ظاهر وشرط أساسي في التورق المصرفي أما في الفردي فلا.

6- أطراف التورق الفردي ثلاثة: المستورق والبائع للسلعة والمشتري لها من المستورق بعقدين منفصلين تماما، وفي التورق المصرفي فإن عدد الأطراف أربعة المصرف والعميل طالب التورق والبائع الأول للسلعة والمشتري النهائي للسلعة. فالمصرف لا يملك السلعة ابتداء، وإنما يشتريها بناء على طلب العميل (المستورق)،ثم يبيعها له بثمن مؤجل، ثم ينوب عنه في بيعها مرة ثانية لطرف رابع بثمن نقدي أقل من ثمن الشراء، وهناك ثلاثة عقود منفصلة.

وعقد التورق كما هو ظاهر من تعريفه يتكون من مجموعة من العقود المختلفة التي ركب منها فصار بصورته هذه، وهذه العقود هي([68]):

1- عقد بين المصرف والشركة التي تبيعه السلعة، وبالقطع فإن المصرف لم يكن ليشتري لولا أنه يقصد البيع لعملائه المتورقين.

2- عقد بين المصرف والمستورق ومن المقطوع به أن المتورق لم يكن ليشتري السلعة لولا أن المصرف سيبيع هذه السلعة لحسابه لتوفير النقد المطلوب . فالعرف والقرائن وظروف الحال الذي يتكون لدى مستخدمي هذه العقود يقطع بارتباطها بعضُها مع بعض.

3- عقد وكالة بين المصرف والعميل .

4- عقد بين المصرف بصفته وكيلاً عن المستورق وبين الشركة التي تشتري السلعة، وبالطبع فإن هناك اتفاقاً مسبقاً وترتيبات متفق عليها بين المصرف وهذه الشركة على الشراء بثمن معين ومحدداً أساسه في هذه الاتفاقية.

فمن خلال هذه العقود يمكن تكييف التورق فقهيا بأنه عقد يتضمن العقود التالية:

  • عقد بيع بالمواصفات، وهو ما يتم بين البنك وبين الشركة المالكة يتعاقد معها البنك على أن تبيعه معدنا أو سلعة موصوفة في الذمة، كما يمكن أن يخزنها لدى هذه الشركة أيضا أو في مخازن عالمية معدة لمثل هذه الأغراض.
  • عقد مرابحة يقوم البنك بمقتضاه ببيع السلعة للمستورق بموجب وعد من العميل بالشراء وتقسيط الثمن.
  • عقد وكالة يوكل المستورق فيه البنك، ليقوم ببيع السلعة لغير بائعها الأول.

 

 الفتاوى الصادرة عن التورق المنظم:

ذكرنا في التورق الفردي فتوى لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وقد أجاز هناك هذا النوع من التورق([69])، وذلك لبساطة العملية وتوافر شروط صحتها كما ذكر جمهور الفقهاء.

1- أما في القرار التالي نجد أن فتوى المجمع الفقهي الإسلامي نفسه من موقع الرابطة([70]) حيث حرم هذه المرة بيع التورق، والسبب في ذلك أن الفتوى الأولى كانت عن التورق الذي يتم بين الأفراد، وصورته غير هذه، أما هذه فتنصب على التورق المصرفي جاء في الفتوى:

“الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الذي يوافقه: 13-17/12/2003م، قد نظر في موضوع: (التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر).

وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيـام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب أو الفضة ) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف – إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة – بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.

وبعد النظر والدراسة ، قرر مجلس المجمع ما يلي:

أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية :

1 – أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً ، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.

2 – أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.

3 – أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها ، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل . وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء ، والذي سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره.. وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة. فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه ، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه ، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن ، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها ، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.

ثانياً: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة ، امتثالاً لأمر الله تعالى . كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا ، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول.أ.هـ

ففتوى المجمع فصلت الأمر وأوضحت الحكم بالحرمة وذلك لأنها معاملة تفتقد غالبا التقابض، كما أنها صورة لبيع العينة، كما أن المصرف بوضعه هذا أشبه ما يكون بالصورية، أو الشكلية التي تعود عليه بالتربح، ولكن فقط عن طريق إدخال سلعة .

2- وأجاب الدكتور الشيخ حامد العلي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت ([71]) في سؤال هو: ما رأيك في التورق الذي تجريه البنوك الإسلامية ؟ بفتوى المجمع الفقهي السابقة ثم قال: وهذه الفتوى في محلها جزا الله العلماء الذين حرروها خير الجزاء .أ.هـ

3- قرار مجمع الفقه الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي وانتهي إلى حرمة التورق المصرفي كذلك وهذا هو نص القرار([72]):

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين قرار رقم 179 (5/19)

بشأن التورق

حقيقته، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم)

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة) من 1 إلى 5 جمادى الأولى 1430هـ، الموافق 26 – 30 نيسان (إبريل 2009م).

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع التورق: حقيقته، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، وبعد الاطلاع على قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بهذا الخصوص، قرر ما يلي:

أولاً: أنواع التورق وأحكامها:

 (1) التورق في اصطلاح الفقهاء: هو شراء شخص (المستورق)  سلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها نقداً بثمن أقل غالباً إلى غير من اشتُريت منه بقصد الحصول على النقد.

وهذا التورق جائز شرعاً، شرط أن يكون مستوفياً لشروط البيع المقررة شرعاً.

(2) التورق المنظم في الاصطلاح المعاصر: هو شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (المموّل)  ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك، وذلك بثمن حال أقل غالباً.

(3) التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.

ثانياً: لا يجوز التورقان )المنظم و العكسي) وذلك لأن فيهما تواطؤاً بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمناً أو عرفاً، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا.

ويوصي بما يلي:

(‌أ) التأكيد على المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية باستخدام صيغ الاستثمار والتمويل المشروعة في جميع أعمالها، وتجنب الصيغ المحرمة والمشبوهة التزاماً بالضوابط الشرعية بما يحقق مقاصد الشريعة الغراء، ويجلي فضيلة الاقتصاد الإسلامي للعالم الذي يعاني من التقلبات والكوارث الاقتصادية المرة تلو الأخرى.

)‌ب) تشجيع القرض الحسن لتجنيب المحتاجين للجوء للتورق. وإنشاء المؤسسات المالية الإسلامية صناديق للقرض الحسن..

والله أعلم،،،

4- فتوى موقع الإسلام سؤال وجواب عن تورق البنك السعودي البريطاني([73]) وكان نص السؤال: ما رأي الشرع في القروض التي يقدمها البنك السعودي البريطاني تحت مسمى التورق؟

وجاء نص الجواب متضمنا نوعي التورق الفردي والمنظم، فأجاز الأول ومنع الثاني كما يلي:

الحمد لله.

أولاً: التورق هو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل ، ثم يبيعها – لغير من اشتراها منه – بثمن حالٍّ أقل ، وسميت المعاملة بذلك نسبة إلى الورِق وهي الفضة ، لأن المشتري لا غرض له في السلعة وإنما يريد النقود .

وهذه المعاملة جائزة عند جمهور العلماء .

جاء في “الموسوعة الفقهية” (14/147) : ” والتورق في الاصطلاح أن يشتري سلعة نسيئة , ثم يبيعها نقدا – لغير البائع – بأقل مما اشتراها به ; ليحصل بذلك على النقد . ولم ترد التسمية بهذا المصطلح إلا عند فقهاء الحنابلة , أما غيرهم فقد تكلموا عنها في مسائل ( بيع العينة ) … حكم التورق : جمهور العلماء على إباحته سواء من سماه تورقا وهم الحنابلة ، أو من لم يسمه بهذا الاسم وهم من عدا الحنابلة . لعموم قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) ولقوله صلى الله عليه وسلم – لعامله على خيبر : ( بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا ) [ و”الجمع” و “الجنيب” نوعان من أنواع التمر] . ولأنه لم يظهر فيه قصد الربا ولا صورته . وكرهه عمر بن عبد العزيز ومحمد بن الحسن الشيباني . وقال ابن الهمام : هو خلاف الأولى , واختار تحريمه ابن تيمية وابن القيم لأنه بيع المضطر والمذهب عند الحنابلة إباحته” انتهى.

وأما إذا باع السلعة لمن اشتراها منه ، فهذا هو بيع العينة كما سبق ، وهو محرم . وراجع جواب السؤال رقم ( 45042 ) .

ثانياً: التورق الذي يتم عن طريق البنوك له ثلاث صور :

الأولى: أن يشتري البنك السلعة شراء حقيقيا ، ثم يبيعها على العميل بالأقساط . وإذا ملكها العميل وقبضها باعها – لغير البنك – بثمن حال أقل ، وهذه المعاملة جائزة .

الصورة الثانية: ألا يشتري البنك السلعة ، وإنما يدفع ثمنها عن العميل ، مقابل أخذ ثمن أعلى مقسط ، ثم يتولى العميل بيع السلعة أو يوكل البنك في بيعها . وهذه المعاملة محرمة ؛ لأنها حيلة على ارتكاب الربا ، لأن حقيقة المعاملة أن البنك أقرض العميل ثمن السلعة ، وأخذه مع زيادة . وراجع جواب السؤال رقم ( 36408 ) .

الصورة الثالثة: وتسمى التورق المصرفي المنظم : أن يشتري البنك السلعة ، ثم يبيعها على العميل بالأقساط ، دون أن يقبض البنك السلعة قبل بيعها ، ويقوم العميل بتوكيل البنك في بيعها بثمن أقل ، والعميل لم يقبض السلعة أيضا ، ولم يرها ، وهو غير مهتم بها غالبا ، وإنما غرضه النقود ، وهذه الصورة محرمة كالتي قبلها ، وقد شاع وجودها في هذه الأيام ، وتعاملت بها بعض البنوك على أنها صورة مشروعة من التورق ، وقد أفتى عدد من أهل العلم بتحريمها ، كما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرار بالتحريم ، وقد ذكرنا نص القرار في جواب السؤال رقم ( 98124 ) . والله أعلم.

5- فتوى إجازة التورق المصرفي إن كان هناك دين:

وهي فتوي الهيئة الشرعية للبنك الوطني الإسلامي بقطر المكونة من: الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي رئيساً، والأستاذ الدكتور علي القره داغي نائباً للرئيس، والدكتور سلطان الهاشمي عضواً، ونص الفتوى هو: “أجازت الهيئة الشرعية لبنك قطر الوطني الإسلامي التورق المنضبط الذي وضعت له ضوابط دقيقة من وجود محل العقد، وحيازته، وتملكه، ثم بيعه لطرف ثالث، ومع ذلك قيدته الهيئة: بأن يكون هذا خاصاً بأصحاب الديون الذين يريدون سداد ديونهم للخروج من الربا المحرم، والبدء بالتعامل المشروع البعيد عن كل ما هو حرام. ولذلك لا ترى الهيئة الشرعية لبنك قطر الوطني الإسلامي مانعاً شرعياً من طرح (التورق) بضوابطه السابقة على الجمهور، والتعامل معه؛ انطلاقاً من يسر شريعتنا الغراء وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ووجود كل البدائل المشروعة فيها لتتحقق لأتباعها السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل” ([74]).

ولقد ذكرنا قبل ذلك بأن الدين من باب الاضطرار فربما يكون استثناء جائزا عند عدم وجود وسيلة غير الربا.

 

المبحث الثالث
التورق العكسي

التورق العكسي:

البنوك هنا هي التي بحاجة للسيولة فيطلب من عملائها، من خلال توسيط عمليات تقوم بها البنوك لصالح العملاء، لشراء بعض السلع من الأسواق العالمية أو المحلية، بسعر حال، ثم بيعها للبنك بسعر آجل. على أن يتصرف فيها البنك بعد ذلك بالبيع لشخص ثالث.

أو هو أن العميل (المودع) يوكل المصرف الإسلامي في شراء سلعة معينة ، ويسلم العميل المصرف الثمن نقداً، ثم يقوم البنك بشراء هذه السلعة من العميل بثمن مؤجل، وبربح يتم الاتفاق عليه مع العميل([75]).

والسبب في لجوء البنوك لهذه المعاملة أن البنوك تحتاج سيولة مالية ، وكذلك يجذبون أصحاب رءوس المال بإعطائهم أرباحا كبيرة من خلال هذه المعاملة.

إجراءات التورق العكسي([76]):

1-     أن يقوم العميل بإيداع مبلغ من المال في حسابه لدي المصرف.

2-     يتقدم المصرف للعميل بتوجيهه لشراء سلعة ثمنها قدر المبلغ الذي في حسابه؛ ليشتريها المصرف منه مرابحة، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه بينهما وفقا لوقت تأجيل الثمن. ويفضل المصرف أن تكون السلعة مما يتيسر له ببيعها في الحال وبأقل نقص.

3-     يعرض المصرف على العميل صاحب الحساب أن يتوكل عنه في شراء السلعة، ولا يلزمه بذلك إن كان قادرًا على شراء السلعة التي يريدها البنك.

4-     يتوكل المصرف بعد تملك العميل للسلعة ببيعها لنفسه بثمن مؤجل لمدة محدودة.

5-     في حال عدول المصرف عن الشراء بعد شراء العميل السلعة؛ فإن العميل يعامل المصرف بمقتضى أحكام الوعد الملزم؛ لأن وعد العميل وعد ملزم بأن يشتري منه السلعة مرابحة بعد تملكه إياها.

6-     في حال رغبة العميل في السداد المبكر لمديونيته على المصرف أو سحب المبلغ؛ فإن المصرف يتيح له تحقيق هذه الرغبة، لكن يدخل معه في مسألة: “ضع وتعجل”.

7-     في حال توفر مبلغ لدى العميل ويرغب في إضافته إلى حسابه، فيمكنه إجراء عملية المرابحة مع المصرف  وفق الإجراءات المتخذة في أول عملية مرابحة مع البنك.

حكم التورق العكسي :

التورق العكسي لا يجوز شرعا واستدل القائلون بهذا على ما يلي([77]):

1-     أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.

2-     أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم التورق المصرفي المنظم، فما علل به منع التورق المصرفي المنظم من علل توجد في هذه المعاملة.

3-     أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي.”

فتاوى التورق العكسي:

1- قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بدورته التاسعة عشرة في الشارقة وذكرناه في التورق المصرفي المنظم وجاء فيه عن التورق العكسي([78]):”التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.

ثانياً: لا يجوز التورقان )المنظم و العكسي) وذلك لأن فيهما تواطؤاً بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمناً أو عرفاً، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا”.

2- فتوى ندوة البركة وجاء فيها عن التورق العكسي برقم (28/3) أفتت فيها بعدم جواز هذا النوع من التورق، ونصها: “الأصل في البنوك الإسلامية تطبيق المضاربة والمشاركة ونحوهما من العقود المؤصلة في الفقه الإسلامي، وأن الصورة المثلى أن تكون العلاقة بين البنك وعملائه هي المضاربة. وإن المتبع في المرابحة أن يكون البنك هو البائع، ولا يجوز قلب هذه العلاقة، بحيث يكون المشتري هو البائع في المرابحة (المرابحة العكسية) مع تضمين هذه العملية التزام البنك بأداء النسبة التي قُيدت بها المرابحة، والالتزام بالتوكيل في التورق وحق البيع للنفس.” أ.هـ

3- فتوى هيئة الرقابة الشرعية للبنك العربي الإسلامي الدولي([79]):

حيث جاء فيها: ” المرابحة المصرفية المنظمة، أو المرابحة المصرفية العادية، أو المعاكسة هي نوع من أنواع الحيل الربوية التي ترى الهيئة عدم اعتمادها أسلوباً من أساليب التمويل المصرفي الإسلامي، ولكن يمكن استخدام المرابحة المعاكسة في قبول الودائع بضوابط شرعية أهمها، الأول: أن تكون العملية حقيقية وليست وهمية. والثاني:أن لا يوكل العميل البنك بشراء البضاعة من السلع المحلية أو المستوردة بواسطة الاعتمادات المستندية. والثالث: أن لا يقوم البنك ببيع السلعة المشتراة من العميل ببيعها له أو ممن اشتراها العميل منه حتى لا يقع البنك في بيع العينة المنهي عنها. والرابع: في حال حاجة العميل لجزء من ثمن البضاعة تعامل من خلال مكافآت السداد المبكر غير المشروطة وفقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : “ضعوا وتعجلوا.” ([80]) ولا يعتبر العميل مودعاً، بل دائناً للبنك بثمن بضاعة المرابحة المعاكسة.”

فقد اعتبرت هذه الفتوى وما قبلها التورق العكسي كالتورق المنظم وحكمت بعدم جوازه.

المبحث الرابع
دراسات في التورق المصرفي

 

أقدم هنا تنويها عن بعض الدراسات التي اهتمت بالتورق المصرفي أو كانت نصا فيها، وذلك لتتضح الصورة أكثر أمام الباحثين ولأقرب لهم سبل التوصل إليها.

وأبدأ هنا بآخر البحوث وأقصد بها بحوث مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السابعة عشرة التي أقيمت بالشارقة عام 2009م وسأبدأ بالمجيزين وأرد عليهم علما بأن آخر ثلاثة بحوث ممن أجيز لم تقدم في هذا المؤتمر وأشرت للمؤتمرات التي قدمت فيها:

أولاً: المجيزون:

1- بحث بعنوان ” أحكام التورق وتطبيقاته المصرفية” للدكتور محمد تقي العثماني نائب رئيس دار العلوم كراتشي ورئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبـحرين .

وبحث آخر لفضيلته بعنوان”أحكام التورق وتطبيقاته المصرفية” قدمه محمد تقي العثماني، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003 . وأكد فيه بصفة عامة على ضرورة الامتناع عن التوسُّع في استخدام التورق في الأعمال المصرفية وقصره على حاجات الأفراد الحقيقية ، ونص على منع بعض صوره .

ولقد ذكر في بحثه الأول ما يدل على إجازته التورق المصرفي ولكن من بابين أولهما باب السياسة الشرعية، وباب الضرورة التي اقتضتها نشأة البنوك والمصارف في بيئة ربوية، وحاجة الناس الماسة، فبعد أن ذكر أن “عدة من المجامع والندوات الفقهية اتفقت على جواز التورق، فإن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بدأت تطبقه في عمليات التمويل” وبين أن على هذه المؤسسات والهيئات الشرعية بها أن تقصره على الحاجة فقط لأنه من الحيل والمخارج المشروعة وبالتالي لا يتوسع فيه ويتم التوجه للشراكة والمضاربة، وردا على سؤال بمنعه على سبيل سد الذريعة قال إن: ” إطلاق المنع في هذه المرحلة الابتدائية يمكن أن يسبب مشاكل عملية في بعض الحالات التي يحتاج فيها إلى التورق احتياجا حقيقيا، ولكن يجب أن تشدد هيئات الرقابة الشرعية في رقابتها على مثل هذه العمليات من جهتين:

الجهة الأولى: أن لا تسمح بمثل هذه العمليات إلا في حاجات حقيقية، وأن تؤكد على المؤسسات الإسلامية أن تقلل نسبتها من مجموع ممارساتها.

والجهة الثانية: أن يكون التورق خاليا عن الملابسات الأخرى التي تخرجه من حد الجواز، أو تزيده كراهة، أو تجعله عملية صورية فقط”.

ثم يقول: “كل ما ذكرنا من الشروط الشرعية فيما سبق، إنما هي شروط للحكم بصحة العقد. أما من ناحية السياسة الشرعية، فقد رأينا أن الطرق المتبعة في المصارف الإسلامية ليست على سذاجة التورق الذي تصوره الفقهاء. فلو كان ذلك التورق الساذج خلاف الأولى، فما بالك بهذه الصور المعقدة التي أضيف إليها عدة عقود يصعب تنفيذ شروطها الشرعية في مجال العمل المصرفي السريع؟

وهذا يؤكد ما ذكرنا من ضرورة الامتناع عن التوسع في استخدام التورق في الأعمال المصرفية وقصره على حاجات الأفراد الحقيقية، وإجراءه بطريقة اللازم لصحة العقود، حتى لا تكون ذلك عملية صورية تؤول إلى تمويل ربوي بجيمع آثاره ونتائجة الشنيعة”.

2- بحث بعنوان :” التورق حقيقته وحكمه والفرق بينه وبين العينـة والتوريق” للأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي بالموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف الكويت، وهو من البحوث التي أجازت التورق المصرفي بشرط الحاجة للمؤسسات والأفراد فيقول:” أما صوره المثارة في هذا المجال في التطبيق المصرفي ، فقد عرضت بعض هذه الصور ، وبينت الرأي فيها ، مشترطا لصحتها أن تكون السلعة مملوكة لبائعها ومقبوضة قبضا حقيقيا عند إجراء عقد البيع عليها ، بجانب توافر شروط الصحة الأخرى . و نظرا للاختلاف في حكم التورق ، أرى أنه ينبغي أن يكون الإقدام عليه لحاجة ، كتسديد دين أو إنفاق على أهله ، وأسرته معاشا أو تعليما أو تطبيبا وما إلى ذلك مما تدعو إليه الحاجة ؛ نظرا للتبعات المالية التي تترتب على من يستسهل هذا النوع من البيع من إثقال بالديون . و أنه كما يكون جائزا للأفراد  ، يكون جائزا للمؤسسسات والشركات بنفس القيد المذكور وبشرط ألا تجعله طريقا وأسلوبا نمطيا أو شكليا لتنمية أموالها ، ومضاعفة أرباحها ، فتؤثر بذلك تأثيرا سلبيا على كثير من أوجه الاستثمار الأخرى النافعة للوطن والمواطنين”.

3- بحث بعنوان:” التورق حقيقته – أنواعه (الفقهي المعروف و المصرفي المنظم) للدكتور إبراهيم أحمد عثمان قاضي المحكمة العليا عضو مجمع الفقه الإسلامي- السودان والخبير بالمجمع وهو من المجيزين حيث قال:” بيع التورق الفقهي والمصرفي جائز شــــرعاً لأن الأصل في البيوع الإباحة لقول الله تعالى: “وأحل الله البيع وحرم الربا”. إن بركة المال في حركته، وكلما تعددت الوسائل الاقتصادية وفق الأحكام والضوابط الشرعية في مجال الاقتصاد كان ذلك تطبيقاً صحيحا للشريعة الإسلامية التي لم تنزل إلى الناس بصفتها العالمية إلا لكونها تمتلك من الوسائل والأدوات التي تجعلها فعلاً صالحة لكل زمان ومكان . وحماية لمنتج التورق من الخروج على القواعد والضوابط الشرعية  نرى أن تقوم المصارف الإسلامية بالمراقبة الميدانية فيما يتعلق بالمرحلة الأخيرة لبيع العميل سلعته والتأكد من عدم وجود سوق محدودة الأطراف تجعل العميل يدور في فلكها بيعاً وشراءً”.

ورتب على إجازته هذه إجازة التورق العكسي فقال:” وأما حكم التورق العكسي فهو جائز على القول بصحة التورق المصرفي كما ذكرنا سابقاً” .

ثم ذكر أدلة المانعين للتورق المصرفي ورد عليها والتي تتمثل فيما يلي:

1- التورق القديم أو الفقهي ليس هو التورق المصرفي :

ورد على ذلك بقوله: “ويجاب عن ذلك: بأن هذا التفريق لا مسوغ له لأن التورق الحديث هو نفسه التورق القديم غير أنه منظم ووسائله حديثة , وأطراف التورق القديم متوفرة فيه وتتم العملية في ساعات , ولا حرج في ذلك , فلو اشترى الإنسان سلعة ثم باعها بنفسه أو وكيله بعد ساعة لطرف آخر فإنه لا حرج فيه فهل يقول أحد بأن هذا البيع حرام”.

ويمكن الرد عليه هنا بأنه لا يشتري بنفسه بل يوكل البنك في الشراء له، ثم البيع له، ولا هم للبنك إلا الحصول على الزيادة ولا هم للمتورق إلا الحصول على المال، أما أن يشتري هو ويبيع بنفسه أو عن طريق وكيله لغير البائع فلا حرج.

2- البنك ينصرف عن وظيفته بتوسعه في التورق:

ورد على ذلك بقوله:” ويجاب عن ذلك: القول بأن التورق يؤدي إلى الاستغناء عن صيغ الاستثمار الأخرى وعدم قيام البنوك بالاستثمار التنموي غير صحيح .لأن البنوك كما تقوم بالاستثمار المباشر, تقوم أيضا بتمويل الراغبين بالاستثمار عن طريق عقد السلم والاستصناع وليكن التورق ثالثهما”.

ويمكن الرد بأن عقود السلم والاستصناع وغيرها من العقود التي يمكن أن نطلق عليها بأنها مشروعة لا ينبغي أن نضم إليها عقدا شابته أسباب كثيرة تسقط مشروعيته.

3- سد أبواب المفسدة:

فالناس يستغلون التورق لأجل المزيد من الديون فقد يشترون السلعة بمائة ألف ويبيعها بخمسين ألف مما يترتب على ذلك إضاعة المال .

ورد على ذلك بقوله الذي نسبه للدكتور علي محيي الدين القره داغي :” ويجاب عن ذلك: إن ما ذكر من مفاسد ليس ناتجاً من التورق من حيث هو إنما ترتب عليه بسبب الاستغلال وهذا يجري في عقود أخرى مثل بيع المرابحة وبيع الأجل”.

ويمكن القول بأن سوء الاستغلال بصفة عامة مانع ثانوي وليس أصيلا، وفي التورق المصرفي المفسدة واضحة من أكثر من جانب فلا استثمار حقيقي، ولا سلعة تتداول، وإنما معاملة صورية للتمويل دون مخاطرة الخسارة.

4- بحث بعنوان “التأصيل الفقهي للتوّرق في ضوء الاحتياجات التمويلية المعاصرة” قدمه الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية في مؤتمر “دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية” من 26- 28 صفر 1423هـ الموافق 7-9/5/2002.

و بحث آخر لفضيلته بعنوان “حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر” مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003م . وتوصل فيه إلى الأخذ ببيوع التورق وأنه بيع صحيح مستوف متطلبات جوازه وصحته من شروط وأركان .

وهذا البحثان وصاحبهما من أكثر البحوث شهرة في المواقع المختلفة على الإنترنت وغيرها في مناقشات الباحثين، فقد تبني القول بالإباحة، بل عده من مصالح الكسب للمدخرات للأفراد والمؤسسات معا، فقال: “التوّرق يعتبر آلية ذات أثر فعٌال  في سبيل تحقيق الفلسفة الاقتصادية لتوفير النقد وتحصيله وهو في الوقت نفسه صيغة شرعية موفرة القدرة على الانطلاق بالاستثمارات الإسلامية إلى ما فيه تحقيق مصالح الكسب والنماء للمدخرات النقدية من أفراد ومؤسسات”.

5- بحث بعنوان ” تطبيقات التوّرق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي “ للدكتور: موسى آدم عيسى في مؤتمر” دور المؤسسات المصرفية الاسلامية في الاستثمار والتنمية” من 26- 28 – صفر 1423هـ الموافق 7-9/5/2002م

فقد أجاز التورق، ولكن مع ذلك قال:” من الأفضل قصر استخدامه في مجال التمويل الشخصي للأفراد وفي الحالات التي لا يمكن  تمويلها عن طريق الصيغ المصرفية الإسلامية الأخرى وكذلك لتمكين العملاء من سداد المديونيات الربوية التي في ذممهم بغية التحول إلى المصارف الإسلامية”.

 

ثانياً: المانعون للتورق المصرفي:

6- دراسة بعنوان :” التورق حقيقته ، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم)” ملخص دراسة أعدتها الدكتورة هناء محمد هلال الحنيطي بإشراف الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي والأستاذ الدكتور خالد أمين عبد الله للحصول على درجة الدكتوراه من الأكاديمة العربية للعلوم المصرفية ولقد خلصت في دراستها إلى ما يلي:” وبناء على ما تقدم ذكره يظهر بوضوح أن القول بعدم جواز التورق المصرفي المنظم هو الصواب. وأنه لا يجوز إلا للحاجة القصوى. فالتورق عقد مركب من عدة عقود في عقد واحد، سواء كان تورق مصرفي أو منظم، فبدايته عقد بيع وفي مآله قرض بزيادة،فأصبح التورق بديل للقرض بفائدة”.

ولأنها رسالة دكتوراه ودراسة مهمة أرى أن أضع بين يدي القارئ بعض النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة والتي أؤيدها فيما توصلت له.

أهم النتائج:

  • التورق: لجوء شخص بحاجة ماسة إلى نقد ولا يجد من يقرضه إلى شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، بثمن أقل مما اشتراه، ودون أن يكون هناك تواطؤ بين الأطراف الثلاثة.
  • إن أساس قيام المصارف الإسلامية ومبرر وجودها أنها تجمع مدخرات المسلمين وتوجهها للاستثمار بصيغ استثمار شرعية مساهمة في خطة التنمية الشاملة وليس تقديم التمويل ومنح الائتمان الذي يتمثل في توفير سيولة نقدية للمتعاملين معها فهناك مخاطرة في الاستثمار الإسلامي يتحملها كلا الطرفين الممول والمستثمر فلا فائدة من الاستثمار إلا من خلال إيجاد قيمة اقتصادية نافعة.
  • تعددت أراء الفقهاء والباحثين في بيع التورق وخصوصاً التورق المصرفي المنظم الذي اتخذ حيلة للحصول على النقد، وذلك عن طريق الشراء بالآجل والبيع بالعاجل، وقد رأى بعض الباحثين القول بصحته وأن الحاجة للسيولة أمر معتبر. أما المانعين للتورق فيرون أن التواطؤ والتحايل على الربا واضح في صيغة التورق. فحقيقة التورق هي نقد حاضر بمؤجل أكثر منه وهو تحايل على الربا والتحايل أسوأ من الربا الصريح لأنه استحلال للمحرم .
  • أن تطبيق التورق المصرفي المنظم يؤدي إلى ضعف الفارق بين العمل المصرفي الإسلامي وعمل المصارف التقليدية حيث إن التورق والاقتراض بالفائدة يتفقان في نتيجة الحصول على السيولة المطلوبة للعملاء، مما يؤدي إلى زيادة الديون الاستهلاكية. فنية الحصول على النقد مصرح بها في التورق المصرفي المنظم، وبالتالي فأن التورق المصرفي سيؤدي إلى فقدان المصارف الإسلامية مصداقيتها ومبرر وجودها. وهو جمع مدخرات العملاء وتوجهها للاستثمار بصيغ استثمار شرعية تشارك في التنمية الاقتصادية .
  • تزايد الإقبال على التعامل بالتورق المصرفي المنظم يعود إلى تدني نسبة المخاطرة وسرعة الإنجاز وربحية عالية بالنسبة للمصارف، بعكس عقود المشاركة والمضاربة القائمة على الربح والخسارة.
  • الإقبال المتزايد على التورق المصرفي يؤكد أن هناك مجموعة كبيرة من العملاء تبحث عن البديل الإسلامي للبنوك التقليدية، مما يؤكد وجود العاطفة الدينية لدى العملاء وإقبالهم على الأدوات المالية الإسلامية .
  • إن تطبيق التورق المصرفي المنظم يؤدي إلى زيادة تراكم المديونية لدى العملاء، وإلى تهجير أموال المسلمين إلى الخارج لأنها تتم من خلال سوق البورصة .
  • بدأ التورق المصرفي المنظم يحل تدريجياً محل عقود الاستثمار والتمويل الأخرى في المصارف الإسلامية والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية وسيستمر هذا الإحلال حتى يسيطر التورق المصرفي المنظم والعينة على صيغ الاستثمار الأخرى . فمعظم المصارف الإسلامية وجهت نشاطها التمويلي إلى التورق المصرفي المنظم وضيقت دائرة صيغ الاستثمار الأخرى من مشاركة ومضاربة مع أهميتها في مجال النشاط الاقتصادي . حيث أن أموال التورق لم تستخدم في مشروعات تحقق تدفقات نقدية.

7- بحث بعنوان : “التورق حكمه وتطبيقاته المعاصرة” للأستاذ الدكتور نزيه كمال حماد أستاذ الاقتصاد الإسلامي بالقراءة المتأنية للبحث نجد أن ظاهر الكلام الجواز ولكن مع التحقيق العلمي نجد أن الشروط التي وضعها تعني أن الصورة المطبقة حاليا تخالفها، إذ يقول:” وقد تبين لنا بعد المناقشة المستفيضة للتورق المصرفي المنظم أن حكمه الشرعي – إذا وقعت سائر عقوده ووعوده على الوجه الشرعي – هو الجواز والمشروعية، بشرط أن تباع السلعة أو السلع التي يشتريها العميل لطرف ثالث، لا علاقة للمصرف به، وأن لا تؤول المعاملة بأي وجه من الوجوه إلى رجوع السلعة إلى بائعها بثمن معجل أقلّ مما باعها به نسيئة”.

ومما استدل به على المشروعية ما يلي:

أ- تواقر الأركان وشروط الصحة في جميع العقود والوعود المجتمعة في المعاملة – إذ الأصل الشرعي قياس المجموع على الآحاد في الحكم بجواز العقود والالتزامات المتعددة في صفقة واحدة – مع انتفاء الدليل الشرعي الحاضر.

ب- كون هذه المنظومة التعاقدية المستحدثة ليست محل نهي في نصّ شرعي، وليست حيلة ربوية ولا ذريعة إلى ربا أو حرام، كما أنه ليس هناك تناقضٌ أو تضادّ في الموجبات والأحكام بين عقودها ووعودها المتعددة.

ج- أنها مخرجٌ شرعيٌ محمودٌ لحصول المحتاج إلى السيولة المالية على طلبته بمنأى عن القرض الربوي وذرائعه والحيل إليه، وذلك غرض صحيحٌ مشروعٌ يتضمن مصلحة معتبرة مأذوناً بها شرعاً.

د- أن هذه المعاملة لا تؤول ولا تفضي إلى فعل محظورٍ أو مخالفةٍ لمقصد من مقاصد الشارع الحكيم فيما أحلّ وحرّم.

هـ – أنها لا تعدو أن تكون صيغة مطورة مُحسنة لمسألة التورق – التي ذهب جماهير الفقهاء إلى جوازها، وقامت الأدلة والبراهين المعتبرة على مشروعيتها – لا تختلف عنها في المفهوم والقصد والآلية، فيسري عليها حكمها الشرعي بالحلَّ والجواز، لانتفاء الفارق المؤثر.

وبعد ذلك قال: “أما إذا كان الشخص الثالث – أي مشتري السلعة من العميل المتورق – وكيلاً عن البائع (المصرف) في شرائها، أو مشترياً لحسابه بمواطأة لفظية أو عرفية أو نحو ذلك، فلا تجوز عندئذٍ هذه المعاملة، لأنها تكون (عينة) في الحقيقة”, ولعل هذا الكلام الأخير هو ما دعانا للقول بأن الشروط التي وضعها –مع صورة المعاملة التي يكون فيها البنك وكيلا- تخالف النتيجة التي توصل إليها وهي الجواز.

8- بحث بعنوان :” التورق حقيقته وأنواعه” لفضيلة الأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس أستاذ الفقه والأصول وأستاذ فخري في الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية المعاصرة من جامعة قطر والنائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا وعضو مجمع الرابطة ومجمع المنظمة. وخلص في بحثه إلى أن :” التورق المصرفي الذي يجعل وظيفة البنك الذي يطبقه هي وظيفة البنك الربوي وليس الإسلامي -بينت أنه- ربا صريح محرم”.

 9- بحث آخر بعنوان”العينة والتورق، والتورق المصرفي” لفضيلة الدكتور أيضا، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003. وبين فيه أن التورق المصرفي ربا صريح محرم.

10- بحث بعنوان :” التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي” للأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير رئيس قسم الفقه والأصول كلية الشريعة-جامعة قطر.

حيث قال بعد أن ناقش الآراء كلها:” وبناء على ذلك فالراجح هو القول الأول من أن التورق المصرفي المنظم لا يجوز شرعاً”.

وبالنسبة للتورق العكسي قال:” والراجح هو القول الأول من أن التورق العكسي لا يجوز شرعاً؛ لأنه يتضمن التورق المصرفي المنظم، ويزيد عليه بعدة أمور ممنوعة شرعاً، ومن ذلك: أن يبيع الوكيل لنفسه، والدخول في مسألة: “ضع وتعجل”، وأنها قرض جرَّ نفعاً”.

11- بحث بعنوان:” التورق المصرفي دراسة تحليلية نقدية للآراء الفقهية” للدكتور سعيد بو هراوة . الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.

وخلص في بحثه إلى التحريم فقال:” تبين من خلال مناقشة المقدمات اللغوية والأصولية والأدلة التفصيلة لكل من المجيزين والمانعين أن أدلة المانعين أقوى وحجتهم أظهر، وعليه تم ترجيح تحريم التورق المصرفي، وقدمت أدلة إضافية تدعم تحريم هذه المعاملة”.

12- بحث بعنوان:” التورق حقيقته، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم) لفضيلة الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي جامعة دمشق- كلية الشريعة.

خلص فيها إلى أن: “التورق المصرفي المنظم أو التمويل بالنقود الحاصل بين الفرد والبنك، وكذا عكسه وهو ممارسة المؤسسة أو الشركة بذاتها له بصفتها أنها هي المتورق، فيعد حراماً شرعاً، لأنه يفقد قبض السلعة حقيقة أو حكماً، ويكون مجرد عقد صوري يستر تعاملاً ربوياً أو قرضاً صريحاً بفائدة، فهو حيلة على الربا، والحيلة منكرة دينياً وخلقياً”.

13- بحث بعنوان: “التورق حقيقته وأنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم )” للأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط وزير الأوقاف بالمملكة الأردنية الهاشمية سابقاً.

خلص فيه إلى عدم جواز التورق فقال:” وحين ننظر في الأمر نرى أن هناك فرقاً بين العينة وبين التورق وأن جمهور الفقهاء على تحريم العينة , وهم مختلفون في حكم التورق ما بين مجيِز وغير مجيز . والذي أميل إليه  هو عدم جواز التورق للأدلة التي اعتمدها المانعون ولأن فيه شبهة الربا”.

14- بحث بعنوان:” التورق ، حقيقته ، أنواعه ( الفقهي المعروف والمصرفي المنظم)” للأستاذ الدكتور إبراهيم فاضل الدبو مملكة البحرين.

ورجح التحريم بقوله: “يترجح لي رأي القائلين بتحريم التورق المصرفي” وذكر في الخاتمة : “وقد اخترت هذا الرأي لما ظهر لي رجحانه ورجحان أدلته” .

وعن التورق العكسي قال:” وقد ظهر لي كذلك من خلال البحث أن ما يسمى بالتورق العكسي أو المرابحة العكسية. حرمة هذه المعاملة أيضاً. لأن هذه المعاملة تدخل في مفهوم (التورق المنظم) الذي اخترنا قول من قال بحرمته”.

15- بحث بعنوان: “التورق مفهومه وممارساته والآثار الاقتصادية المترتبة على ترويجه من خلال بنوك إسلامية” للدكتور عبد الرحمن يسرى أحمد أستاذ الاقتصاد ، جامعة الإسكندرية – مصر.

وخلص في بحثه للتحريم فقال:” لا يتفق التورق المصرفي مع التورق التقليدي الذي تناوله معظم فقهاء المسلمين قديماً إلا  في معناه العام والذي يعنى قصد تحقيق سيولة نقدية لشخص محتاج إليها بطريق بيع سلعة اشتراها بالأجل. ولقد أجيز التورق التقليدي في حالة واحدة وهى عدم إعادة بيع السلعة بثمن أقل لمن اشتريت منه. وكُرِهَ في حالات خُشي فيها أن يكون ذريعة إلى الربا بطريق التواطؤ أو التحايل. وحُرِّمَ في حالات أخرى لم يختلف فيها البتة عن العينة المذمومة التي يستفيد فيها بائع السلعة بالأجل من بيع مشتريها مرة ثانية بثمن أقل فيصبح فيها البيع الذي أحله الله وسيلة لأكل الربا “.

16- بحث بعنوان:” التورق حقيقته، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم)” للدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير مفتين بدائرة أوقاف دبي.

خلص في بحثه إلى عدم الجواز فقال:” القول بعدم جواز التورق المنظم لكونه ليس هو التورق الحقيق الذي أجازه جمهور الفقهاء، ولا ريب أن هذا القول وجيه تدل عليه النصوص والقواعد الفقهية، والمقاصد الشرعية، والمصالح الاجتماعية. فيتعين القول بعدم جوازه لبعض ما تقدم فكيف بكله؟!”.

17- بحث بعنوان:” التورق الفردي والتورق المصرفي( المنظم)” للدكتور حسين كامل فهمي الباحث بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية سابقاً.

وذهب في بحثه إلى عدم مشروعية التورق المنظم والعكسي فقال:” لقد تأكد للباحث بعد استعراضه لكافة الأدلة النقلية والعقلية التي وردت بالبحث بخصوص النوعين الأولين من التورق المصرفي (المباشر، والعكسي)، صورية العقود التي تتعامل بها بعض البنوك الإسلامية حاليا مع عملائها في إطار كل نوع من هذين النوعين من العمليات”.

وقال أيضاً: “بناء على كل ما سبق، وعلى ضوء ما أظهرته تجربة العمل المصرفي الإسلامي من خلال مسيرتها التي دامت نحو ما يزيد عن ثلاثين عاما، فإن الباحث يوصي بكل مما يلي:

أ ـ      بطلان جميع أشكال عقود التورق المصرفي، سواء مباشر أو عكسي، أو كدعم لبطاقات الائتمان التي تصدرها البنوك الإسلامية.

ب ـ     إلغاء العمل في جميع عمليات الائتمان المصرفي الأخرى الذي تتخصص فيها البنوك الإسلامية حاليا بالكامل، ويشمل ذلك جميع عقود البيع للآمر بالشراء التي تتعاقد عليها البنوك في شكل عمليات مرابحة ـ مشاركة متناقصة ـ استصناع ـ إجارة منتهية بالتمليك.

ج ـ     تفرغ البنوك الإسلامية لنشاط الخدمات المصرفية والاستشارية فقط.

18- بحث بعنوان: “منتجات التورق المصرفية” للدكتور سامي بن إبراهيم السويلم نائب مدير المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب البنك الإسلامي للتنمية بجدة.

وخلص في بحثه لما يلي: ” وكون هذه المعاملة معروفة منذ القرن الأول الهجري، وكانت مواقف السلف منها بهذا الحسم والوضوح، (يقصد التحريم) دليل على أن مسيرة التمويل الإسلامي اليوم بحاجة لمراجعة جادة. فانتشار التورق المنظم والمصرفي تراجع وتقهقر للتمويل الإسلامي من جهتين: الأولى أن هذه الصيغة ممنوعة منذ القدم، وبدلاً من إيجاد صيغ وأدوات مشروعة، تتجه المؤسسات الإسلامية إلى الصيغ المشبوهة والممنوعة. الثانية أنها صيغة قديمة ليس فيها جديد، حتى لو غضضنا الطرف عن مدى مشروعيتها”.

 19- ولفضيلته بحث آخر بعنوان “التورق … والتورق المنظم”، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003م.

وبين فيه أن أدوات العينة بصورها المختلفة تسهل المداينات دون أي ارتباط بالنشاط الاقتصادي الفعلي، وأن التورق المنظم أقرب إلى الربا وإن مسيرة التمويل الإسلامي بحاجة إلى مراجعة مخلصة وجادة.

20- بحث بعنوان:” تعقيبات على البحوث الخاصة بالتطبيقات المصرفية للتوّرق “  للأستاذ الدكتور علي محمد القرة داغي([81]) قدمه في مؤتمر “دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية” في الشارقة المنعقدة من 26 – 28 صفر 1423هـ الموافق 7 – 9 /5/2002، وقد أجاز فيه التوّرق وفق شروط وضوابط لإشباع حاجة أو ضرورة.

21- بحث بعنوان ”  التطبيقات المصرفية لعقد التوّرق وآثارها على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي “  للدكتور أحمد محي الدين  أحمد  في مؤتمر” دور المؤسسات  المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية “من 26 – 28 صفر 1423هـ – الموافق 7 – 9 /5/2002 في الشارقة.

وذكر فيه أن التورق ضار بمسيرة العمل المصرفي الإسلامي حيث ” يعمل على إرباك النشاط الاقتصادي ويثقل كاهله بالديون المستخدمة لأغراض إستهلاكية”.

22- بحث بعنوان: ” تعليق على بحوث التورق” للأستاذ الدكتور حسين حامد حسان في مؤتمر “دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية” من 26- 28 صفر 1423هـ – الموافق 7-9 /5/2002م.

قال فيه بحرمة التوّرق الفردي والمؤسسي المنظم لمنافاته لمقاصد الشريعة العامة ومبادئها الكلية، مرجحا في تحريم الفردي قول ابن تيمية وابن القيم.

23- بحث بعنوان” ملخص أبحاث في التورق” قدمه عز الدين محمد خوجه ، في ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الإسلامي – مملكة البحرين – من 8-9 ربيع الأخر 1423هـ الموافق 19-20 يونيو 2002م

دعا فيه الباحث المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية للتعاون بشكل وثيق مع الهيئات والمؤسسات الداعمة للصناعة المصرفية الإسلامية مثل المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية للتعريف بها وأبراز خصائصها وكيفية تطبيقها في مختلف المؤسسات المالية الإسلامية .

24- بحث بعنوان”حكم التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر” للدكتور  الصديق محمد الأمين الضرير، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003م .

حرم فيه التورق وعده استحلال للربا باسم البيع.

25- بحث بعنوان”التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر” للدكتور عبد الله بن محمد بن حسن السعيدي، قدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003م.

وهو من البحوث المشهورة أيضا في تحريم الربا سدا للذريعة وتوصل به إلى أن التورق المصرفي في المصارف الإسلامية يمثل رجوع القهقري، إذ تراجعت من خلاله عن أهدافها وسياستها.

المبحث الخامس
أثر الأدلة الشرعية في حكم التورق
“التورق بين سد الذرائع والمصلحة”

 

ولقد قمت بدارسة بحثين لعالمين من مدرسة واحدة أحدهما اعتمد على سد الذريعة كدليل على التحريم هو الدكتور السعيدي والآخر اعتمد على المصلحة في الإباحة، وفور الانتهاء من عرض البحوث سأعقد هذه المقارنة بإذنه تعالى.

وبعد رصد هذه البحوث والدراسات وتلخيص لأهم آرائها أقدم الآن للقارئ نموذجين اعتمد أولهما على تغليب جانب سد الذرائع فانتهي لتحريم المعاملة، والآخر اعتمد على تغليب جانب المصلحة فحكم بالإباحة.

النموذج الأول: تغليب جانب سد الذرائع:

التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر([82])

قدم الدكتور: عبد الله بن حسن السعيدي الأستاذ في قسم الثقافة الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بحثا بعنوان التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر في الجلسة المسائية مساء يوم الأحد 20/10/1424هـ في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي ناولت الورقة ما يلي:

وقف فيها على جزئيتين جوهريتين الأولى : دراسة تصويرية للموضوع، والأخرى فقهية، وكان لا بد أن تسبق الدراسة التصويرية الدراسة الفقهية حتى يتبين الأمر وينكشف جليا.

وبين في الدراسة التصويرية ما يلي:

أولاً: في بيان اسمها ، والنظر فيها : تسمي هذه المعاملة التورق المصرفي ، وتسمي التورق المنظم أيضا ، وهذه التسمية قد أطلقها الباحثون ممن بحثوا التورق المنظم، وبين أن البنوك تسميها أسماء كثيرة واختار أن تسمى ” التورق المصرفي المنظم ” على هذه الأسماء كلها ، لما له في حقيقتها من نصيب .

وبين أن له تاريخاً يبدأ من عام 2000، وذكر أن الغاية منه تكمن في تحصيل السيولة النقدية لدى الأفراد ، والشركات ، وقد نصت كثيرا من البنوك على هذا ، وضمنته ما يتصل بهذه المعاملة من نماذج ، ومطويات ثم عرج على وصفه وإجراءاته بما يلي: يقوم البنك بشراء كمية من المعادن ، من السوق الدولية وقد يقيم البنك وسيطاً يقوم مقامه في الشراء ، وتبقى السلعة في المخازن الدولية ، وتحرر الشركة ” البائعة ” للبنك ” المشتري ” شهادة تخزين تفيد مواصفات السلعة ، وكميتها ، ومكان تخزينها ، ورقم صنفها ، وامتلاك البنك لها.

ثم يقوم البنك بعد امتلاكها ببيعها على سبيل التجزئة عن طريق برنامج التورق المصرفي ، سالكاً في البيع ما يلي من إجراءات هي إجراءات البيع :

  1. ” طلب الشراء ” يتقدم به العميل إلى البنك من خلال أنموذج يعده البنك سلفا .
  2. اتفاقية يعنون لها بـ ” شروط وأحكام البيع بالتقسيط ” ، وهي لا تمثل إيجاباً في عقد البيع ، ولا قبولاً فيه ، لكنها تحدد العلاقة بين الطرفين من خلال الاتفاق على ما فيها من شروط ، وأحكام ينبغي أن يخضع لها عقد البيع عند وجوده .
  3. “إشعار عرض البيع ” ، وهو يمثل إيجابا من البنك موجها إلى المشتري ، يشير فيه إلى السلعة ، وكميتها ، وقيمتها ، ونحو ذلك .
  4. ” إشعار الموافقة على الشراء ” وهو يمثل قبول العميل إيجابَ البيع السابق . وقد تنعكس لدى بعض البنوك فيكون الإيجاب من العميل ممثلاً بطلب شراء يتضمن السلعة ، وكميتها ، وقيمتها ، ونحو ذلك . ويكون القبول من البنك بإشعار يتلو ذلك يفيد البنكُ فيه عميله بالموافقة على إيجابه السابق
  5. إشعار توكيل البنك بالبيع نيابة عن العميل .

وبين أن للتورق المنظم ميزة تتمثل في ثلاث أمور: الأولى : أن البنك يشتري السلعة سلفا ، قبل طلب العميل ، على أن بعض البنوك لا تشتري إلا بعد طلب العميل ، وهذا لا يخرجه عن كونه تورقا عندهم لتميزه بالميزتين اللاحقتين . الثانية : أن البنك يرتب تنظيما مع الشركة البائعة ، والشركة المشترية في السوق الدولية ، وذلك قبل عقد البيع . الثالثة : أن البنك يقوم ببيع السلعة التي اشتراها منه عميله ، نيابة عنه . وهذه أظهر ما يميز التورق المنظم .

وخلص مما سبق إلى أن التورق المصرفي المنظم يشتبه بالتورق المعلوم لدي الفقهاء ، ويفترق عنه من جهة ما هو عليه من تنظيم صار وصفا لازما له ، ومؤثرا فيه ، لذا سيأخذ من تعريف التورق بطرف بقدر ما يتفقان فيه ، وسيفترق عنه بقدر ما يفترقان فيه ، فأرى أن يعرف بأنه : ( تحصيل النقد بشراء سلعة من البنك ، وتوكيله في بيعها ، وقيد ثمنها في حساب المشتري ) .

وبعد هذا الوصف والتصوير قدم دراسة فقهية خرجت التورق على أنه:

  1. التورق المصرفي المنظم غايته تحصيل النقد من المشتري ” العميل ” وهو من هذا الوجه يتفق مع التورق المعلوم عند الفقهاء .
  2. التورق المصرفي المنظم يتكون من عقدين منفصلين :
  3. أولهما : تعاقد البنك ” البائع ” مع العميل ” المشتري ” ، والفرض أنه عقد بيع صحيح قد استوفي أركانه وشرائطه .
  4. وثانيهما : تعاقد البنك بالنيابة عن العميل ” المشتري ” مع طرف آخر ” مشتر ” للسلعة ، غير بائعها الأول ، والفرض أنه عقد بيع صحيح ، قد استوفى أركانه وشرائطه .

وانتهى إلى أن التورق المنظم هو التورق الذي عرفه الفقهاء قديما، ثم تصدى لبعض الفروق بينهما وفندها.

وفند بعض الشبهات كإلحاق التورق بالعينة التي تتخذ ذريعة للربا على أن التورق لدى الفقهاء يُعد نوعا من العينة غير الممنوعة ، ولهذا فإنهم يوردون صورته ضمن مسائل العينة ، عدا الحنابلة ، حيث يخصونه باسم التورق ، وأن كانوا يذكرونه حيث تذكر العينة فإنه آخذ منها بطرف .

ثم تحدث عن مزاياه وعيوبه فقال تتمثل المزايا فيما يلي:

أ – أن التورق المصرفي بديل شرعي عن عقد القرض الربوي .

ب- أن التورق المصرفي أداة من أدوات التمويل القصير الأجل ، التي تحتاج إليها المصارف .

ج- أن التورق المصرفي يفتح مجالا للمصارف الإسلامية لتمويل بعض المشاريع ذات الخطورة العالية التي لا ترغب المصارف بالدخول فيها .

د- أن التورق يمثل صيغة نافعة ، وقابلة للتطبيق تمكن من توفير تمويل المخزون ، للشركات المنتجة.

والعيوب في أنه كالعينة، ووسيلة للربا.

وبعد عرضه انتهى بنتيجة مؤداها : وبمجموع هذا كله يتقرر حكم التورق المصرفي المنظم ـ فيا يظهر لي ، والعلم عند الله تعالى ـ وهو المنع .

وخرج من البحث بالنتائج التالية:

  1. إن التورق المصرفي في البنوك الإسلامية ، يمثل رجوع القهقرى ، إذ تراجعت من خلاله عن أهدافها ، وسياستها ، التي كانت تنتقد بموجبها المرابحة للآمر بالشراء وتعتبرها حلا مؤقتا حتى يشتد عود البنك الإسلامي .
  2. أن البنوك توجه أموالا طائلة في التمويل من خلال التورق المصرفي ، فبعضها يخصص له ما يفوق الخمسة ملايين دولار يوميا ، وبعضها يخصص له ما يفوق العشرة ملايين دولار يوميا ـ فهي المستفيدة من هذه المعاملة ـ فكيف لو وجهت هذه الأموال الطائلة للاستثمار والتنمية ؟ !
  3. إن مبدأ ” التيسير ” و ” القبض الحكمي ” هما خير مطية للتورق المصرفي المنظم ، وغيره مما يناسب فلسفة البنوك الربوية ” التمويل ” فتحاذر التجارة ، وتحاذر تحويل السيولة إلى سلع ، ومنتجات ، وتتذرع إلى ذلك بهذين المبدأين . أ.هـ

النموذج الثاني: تغليب المصلحة:

وفي بحث آخر بعنوان حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية([83]) لمعالي الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية.

ولقد حدد حجج القائلين بالمنع فيما يلي:

أولاً : أنه مسلك اضطراري لا يأخذ به إلا مكره عليه ، أو مضطر إليه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر . رواه أبو داود .

ثانيًا : حقيقته وأيلولته إلى الربا حيث إن غرض طرفي التعامل به الحصول على نقد بنقد زائد مؤجل والسلعة بين النقدين وسيلة لا غاية فهو منطبق على قول بعض الفقهاء درهم بدرهمين بينهما حريرة .

ثالثًا : إن الغرض من التعامل به الحصول على النقد والسلعة وسيلة وليست غاية .هو يشبه العينة التي قال جمهور أهل العمل بتحريمها حيث إن الغرض والوسيلة إلى الحصول على النقد فيهما واحدة .

وذكر أنه يمكن مناقشة هذه الحجج والرد عليها بما يلي :

أولاً : القول بأن التورق لا يأخذ به إلا مضطر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر. قول فيه نظر ولا تظهر وجاهة الاستدلال عليه بحديث النهي عن بيع المضطر ؛ لأن الاستدلال به استدلال في غير محله ؛ حيث إن حقيقة التورق ظهور الرغبة من صاحبها في الحصول على نقد يغطي به حاجته إليه سواء أكانت الحاجة مما تقتضيها مصلحته في الاكتساب أم مما تقتضيها حاجته في شؤون حياته من شراء مسكن أو سيارة أو زواج أو غير ذلك وهذا لا يعد اضطرارًا إلى الحصول على النقد. وإنما هي الرغبة في الحصول عليه لتغطية الحاجة به ، والرغبة حاجة وليست ضرورة ، وحصوله علي النقد لا يتصور إلا بإحدى طرق أربع هي :

أ/ حصوله على من يهب له ذلك المبلغ . والحصول عليه بهذه الطريقة أمر مستبعد في الغالب.

ب/ وجود من يقرضه ذلك المبلغ قرضًا حسنًا . وهذا كذلك غير متيسر في الغالب لا سيما إذا كان محتاجًا إلى مبلغ كبير لتوسيع نشاطه التجاري أو لمضاعفة نشاطه الصناعي أو الزراعي أو نحو ذلك .

ج/ لجوؤه إلى المصارف الربوية لأخذ حاجته من النقود بالتعامل الربوي وهذا محرم ولا يجوز .

د/ تحصيله حاجته من النقود بطريقة بيع التورق . وهذا أمر متيسر وقد قال جمهور أهل العلم بجوازه ولم نر أحدًا منهم قال بتقييد الجواز بحاجة مُلِحَّة أو اضطرار أو تخصيصه لفئة معينة دون الأخرى أو لأحوال خاصة .فرغبته في الحصول على المبلغ حاجة وليست ضرورة فلا يشمله النهي عن بيع المضطر. وفي نفس الأمر بالرجوع إلى شراح هذا الحديث لم نر أحدًا منهم ذكر أن بيع التوَّرق من بيوع الاضطرار ، وأن النهي يشمله، فسقط بهذا القول بأن بيع التورق من بيوع الاضطرار المنهي عنها .

ثانيًا : القول بأن حقيقة التورق أيلولته إلى الربا حيث إن غرض طرفي التعامل الحصول على نقد بنقد مؤجل والسلعة واسطة بين النقدين وهو منطبق على قول بعض أهل العلم : درهم بدرهمين وبينهما حريرة.

هذا القول فيه نظر ولو أردنا أن نطبق حال من احتاج إلى نقد وسلك في سبيل تحصيله مسالكَ الحصول عليه من بيوع المرابحة أو المشاركة المتناقصة ، أو بيوع السلم ، أو غير ذلك من وسائل الحصول على الاستزادة من النقود مما هو جائز شرعًا لقلنا بمنع ذلك؛لأن قصده الحصول على النقد بواسطة شراء السلع ثم بيعها .

وهذا لا يقول به أحد ، ثم إن تطبيق بيع التورق على مسألة : درهم بدرهمين وبينهما حريرة تطبيق مع الفارق ذلك أن الحريرة لا تساوي قيمتها الدرهم الزائد وإنما جيء بها للتحليل ، أما التورق فالراغب في النقد يشتري سلعة بثمن مؤجل هو مثل الذي تباع به على آخر بيعًا مؤجلاً ، ثم إن مشتريها يبيعها في السوق بثمن مثلها حَالاًّ فظهر بهذا الفرقٌ بين المسألتين .

ثالثًا : أما القول بأن الغرض من التعامل بالتورق الحصول على النقد. والسلعة وسيلة وليست غاية . فهو يشبه العينة التي قال الجمهور بتحريمها ، فلا يخفى أن جميع وسائل التجارة من بيع وشراء ومشاركة ومرابحة وغير ذلك من آليات الاستثمار الغرض من استخدامها وممارسة التجارة عن طريقها الحصول على النقود والاستزادة منها وجميع هذه الآليات وسيلة ذلك، كما لا يخفى أن التورق يختلف عن العينة حيث إن العينة معناها رجوع السلعة إلى من باعها حيث إنه لم يبعها إلا باعتبار رجوعها إليه وحصوله على رغبته في أن تكون المائة مائة وعشرين مثلا دون فوات سلعته عليه ، فضلاً عن أن هاتين البيعتين _ بيعة البائع على المشتري ، وبيعة المشتري على البائع _ بيعتان في بيعة واحدة وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة واحدة وفسرها بعض المحققين من أهل العلم ومنهم ابن القيم _ رحمه الله _ بأنها العينة بخلاف التورق ، فإن السلعة التي باعها البائع على الراغب في الشراء تورقًا لن ترجع للبائع حيث إن شرط بيع التورق ألا يبيع المشتري السلعة على من باعها عليه فإن باعها عليه فهي العينة المحرمة .

فلم يبق من حجج القول بتحريم التورق إلا القصد _ قصد المشتري النقد دون السلعة _ وهذا القصد لا يعتبر سببًا في القول بالتحريم فقد وجه صلى الله عليه وسلم عامله لتحقيق قصد الحصول على الجنيب من التمر بأن يبيع الجمع ويشتري بثمنه جنيبًا ولم يكن هذا القصد مانعًا من صحة هذا التصرف والأخذ بهذا المخرج الصحيح للحصول على تحقق الرغبة وقد وَجِد من بعض فقهاء عصرنا هاجسُ حَذَرٍ من التوسع في الأخذ بالتورق من قبل المصارف الإسلامية ويظهر لي أنه هاجسُ وسواسٍ وإن اعتقد أهله أنه هاجس تقوى وورع .

فما هو المحذور من توسع البنوك الإسلامية في ممارسة الاستثمار عن طريق بيوع التورق، والحال أنها بيوع تُوَفِّر لذوي الحاجات بها تأمين حاجاتهم من النقود ، وتقيهم من بلاوي الربا ومضاعفاته ، وتيسر لهم الحصول على ما يحتاجونه من سلع ومنافع وخدمات وهم بذلك في الغالب يختارون التورق طريقًا للحصول على النقد بمحض الإرادة والاختيار ، لا على سبيل الاضطرار .

وإني لأعجب حتى نهاية العجب من قول بعضهم : إن قلنا بجواز بيع التورق للأفراد ومن الأفراد لتغطية حاجاتهم فلن نقول بذلك للبنوك لأن ذلك هو غايتهم من تكثير نقودهم وليس لهم غاية في السلع وتداولها .

والرد على هؤلاء أليست البنوك شخصيات اعتبارية لها حكم الأشخاص الطبيعيين في مخاطبتهم بأحكام الإسلام في المعاملات المالية .؟ والإسلام لا ينظر في تشريعاته من وجوب وحظر واستحباب وكراهة وإباحة إلى الأشخاص فيفرق بينهم في الحكم فهذا يجوز له ما لا يجوز لأخيه وهذا يحرم عليه ما يصح لأخيه وإنما أحكامه مبنية من حيث الحظر والإباحة والتصحيح والبطلان على وجود مقتضى الحكم فإن كانت المصالح غالبة كان الحكم بالإباحة أو الاستحباب أو الوجوب وإن كانت المضار غالبة كان الحكم بالحظر ومتى كان الحكم جائزًا فهو جائز في حق الأفراد والجماعات بغض النظر عن حال من تعلق به الحكم وقد صحت مجموعة من المعاملات بين المسلمين وغيرهم ولم يكن اختلاف المتعاملين في العقيدة أو الدين أو الاتجاه أو المسلك سببا في تغير الحكم من جواز إلى حظر أو من صحة إلى فساد أو بطلان ما دام الحكم متفقا مع أصول الإسلام وقواعده ونصوصه .

فالتورق ما دام جائزًا في حكم الأفراد ومن الأفراد لتغطية حاجاتهم من النقود فلماذا لا يجوز في حق البنوك والمؤسسات المالية ؟ بل قد يكون جوازه في حق البنوك آكد لأنه بديل عن الربا الذي هو محل نشاطهم ومثار قلق بعضهم من ممارسته وتشوفهم إلى بديل عنه. وفي نفس الأمر بيع التورق بيع صحيح مستكمل جميع أركانه وشروطه ومنتفية عنه أسباب فساده أو بطلانه. والقول بأن غرض البنوك منه تحصيل النقود وتنميتها وليس لهم غرض في السلع وتداولها يرد عليه بأن طريق بيوع التورق هو شراء السلع وبيعها واستقرار أثمانها في الذمم دون زيادة عليها بعد إبرام العقود بها . ويمكن أن يرد على هذا القول أيضا بما جاء في فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز بيع التورق من قوله : وأما تعليل من منعها أو كرهها بكون المقصود منها هو النقد، فليس ذلك موجبًا لتحريمها ولا لكراهتها؛ لأن مقصود التجار غالبًا في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة .أهـ([84]).

وانتهى إلى الترجيح الآتي:

الذي يظهر لي _ والله أعلم _ جواز بيع التورق لعموم قول الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } ولأن العين المشتراة لم ترجع إلى البائع الأول حتى يقال بأنه يشبه العينة أو هو العينة وكذلك فإن الحاجة تقتضيه ؛ حيث إن محتاج النقد لا يستطيع تأمين حاجته في الغالب إلا بإحدى طرق أربع :

إحداها : الاقتراض من غيره قرضًا حسنًا وهذا الغالب عدم تيسره ، فإن تيسر القرض الحسن لبعض الناس فغالبهم لا يتيسر له ذلك .

الثانية : أن يقترض قرضًا ربويًّا وهذا ممنوع بإجماع أهل العلم ممن يعتد بقوله .

الثالثة : الحصول على ذلك بطريقة الهبة وهذه كالطريقة الأولى ، الغالب عدم تيسرها ، فإن تيسرت لبعض الناس وما أقلهم فغالبهم لا تتيسر له .

الرابعة : الحصول على النقد بطريق بيوع التورق .

ونظرًا إلى أن بيع التورق بيع صحيح حيث تتحقق فيه شروط البيع ، وأركانه ، واعتبار صحته ، وانتفاء موانعه ، فليس القصد منه الربا ، ولا أنه صورة من صوره ، ولأنه يغطي حاجة يقتضيها عنصر التيسير والسماحة فهو بدل شرعي عن التمويلات الربوية المحرمة.

ولأن الأصل في المعاملات الإباحة فلا يحرم منها إلا ما دل الدليل على تحريمه ولا دليل على ذلك . ولانتفاء النص من الكتاب أو السنة أو عمل الصحابة رضوان الله عليهم على تحريمه . وما ذكره القائلون بتحريمه فقد تقدمت مناقشته والإجابة عنه بما أسقط الاستدلال به على التحريم ، أو الكراهة .أ.هـ

التحليل:

بعد عرض هاتين المدرستين نوضح أن الخلاف قديم جديد، فهو خلاف أساسه التكييف الفقهي، حتى في حال التكييف الصحيح، سيبقى الأمر دائرا بين نظريتين:

النظرية الأولى، وهي التي أخذ بها المالكية في تغليب سد لذريعة، واعتبار المعاملة من قبيل بيع الربا المحرم، أو المؤدي إليه.

والنظرية الثانية هي نظرية تغليب المصلحة، واعتبار الأمر دائرا على التسهيل لاعتبارات كثيرة منها السيولة، والحاجة الملحة، وتحقيق المصلح، أضف لذلك هو اعتبار كل اتفاق استئناف لعقد جديد كما قال الشافعي رحمه الله.

وأرى أن مثل هذه المعاملات لا بد من وضع ضوابط لها، لأن الخلاف حولها لن يحسم بسهولة إذ لكل فريق أدلته، وتفنيداته التي يرد بها على الآخر، وإن كنت أستريح لتغليب سد الذريعة، إلا أنه لا بد من وضع ضوابط تحكم المسألة أهمها ما يلي:

متى يكون التورق صحيحاً([85]) :

يجب لكي يكون التورق المصرفي صحيحا مجموعة من المتطلبات الشرعية، والمالية:

أولاً: المتطلبات الشرعية:

1- حيازة السلعة، فيجب أن تكون السلعة موجودة بالفعل ولا يكفي صك الحيازة في المخازن الدولية ، وصحيح أنه يمكن شراء العين موصوفة، ولكن البنك هنا أيضا يأخذ مواصفات، ويشتري ويبيع على أساسها دون قبض.

2- وجود شخص واحد يتم البيع له والشراء منه ، وعقد أكثر من صفقة معه في وقت واحد كلها تدور على سلعة واحدة، هذا هو عين بيع العينة وهي من الربا المحرم، لذا لا بد من تفريق الصفقات بمعنى أن يشتري البنك بالفعل ويحوز، ثم يبيع لأي أحد، إلا إن كان هناك اتفاق، أو وعد ملزم فيصنف بيع مرابحة للآمر بالشراء.

3- البنك في كل الحالات كسبان، ففارق البيع بالآجل، والبيع الحال يعود للبنك، فأرى هنا أن يتحمل البنك نسبة مخاطرة ولن تتم إلا بالحيازة.

5- تسليم السلعة، فيمكن للبنك أن يعطيه أوراقا يذهب هو لأخذ السلعة من المخازن الدولية، دون أن يراها البنك، فقط يعتمد على مواصفات، هذا وإن كان جائزا إلا أنه يرفع أيضا روح المخاطرة عن البنك مما يصفه بأنه لا يخاطر، ولا يعرض ماله للمغامرة.

 6-  قد يتعجل البنك، ويبيع السلعة بموجب التوكيل لأي شخص، دون حتى قبضها، وهذا لا يجوز.

7-  يجب وصف السلعة وصفا نافيا للجهالة خاصة عندما يشتري البنك جملة كبيرة من البضاعة، وسوف يبيعها تجزئة فهنا لا بد من وصف الجزء المبيع تحديدا، وليس جملة ما اشتراه البنك.

ثانياً : المتطلبات المالية :

1- للبنك أن ينتقي نوع السلعة ليخفف المخاطر التي سيتعرض لها، كما أنه يمكن أن يرفض ما هو سريع العطب.

2-   أن يعمل البنك كوسيط بين البائع والمشتري، وليس كشريك يضمن المكسب فقط.

3- بعد حيازة البنك للسلعة، يمكنه كوكيل بيعها لأعلى سعر، كما يمكنه التعامل مع موزعين، ليتخلص من التخزين وأضراره.

وقبل العمل بهذه الضوابط يجب القول بأن التورق لا يجوز شرعا لأنه خروج عن العملية المصرفية الإسلامية، وتحايل على الربا.

 المبحث السادس
ما يمكن أن تفعله النوافذ الشرعية للمصارف في أوربا

 

قبل الشروع في طرح ما يمكن أن تفعله النوافذ الإسلامية، أبين أولاً ما يلي:

أولاً: المقيمين في أوربا من المسلمين عدد كبير جدا يحتاج بالفعل إلى نوافذ إسلامية تحل مشكلاتهم، ويتعاملون من خلالها بما يرضي الله تعالى.

ثانياً: فرص العمل المتاحة تجلب الكثير من الأموال التي هي بحاجة لاستثمار تمشيا مع مبدأ عدم الاكتناز، ومبدأ الاستثمار الحلال.

ثالثاً: معظم مشاكل غير المسلمين النفسية في اوربا في انهم إما لا يجد عملا يؤمن به وجوده ومستقبل حياته، أو وجد العمل ولا يجد وسيلة آمنة شرعا يستثمر فيها أمواله بصورة تقرها الشريعة الإسلامية.

رابعاً: من الواجبات على المواطنين المسلمين أن يتعايشوا كمواطنين في هذه البلاد وعليهم أن يؤسسوا مشاريع صغيرة يخدم بها بعضهم بعضا ويحلون بها كثير من المشكلات.

خامساً: على النوافذ الشرعية تجنب المعاملات التي تصدر بها قرارات بعدم الشرعية حتى يثق الناس بها.

سادساً: على النوافذ الشرعية أن تتجنب الشكليات والأسماء وتنظر لحقيقة المعاملات ومقاصدها وليس لشكلها فقط.

سابعاً: على الاقتصاديين أن يبتكروا حلولا شرعية للواقع المسلم في دول أوربا لتعايش اقتصادي آمن .

ثامناً: على المسلمين أن يتكاتفوا ويتعاونوا على البر والتقوى، وأن يعين أحدهم أخاه على المعيشة.

تاسعاً: على المراكز الإسلامية كبء كبير في إرشاد الناس لتعاون أفضل ومشروع وأن يكون لديهم الحلول الشرعية المناسبة لحماية الناس وأموالهم.

عاشراً: أن تفتح المراكز الإسلامية أبوابا يقدم الناس من خلالها مشاريع جادة بسيطة يتكسبون من خلالها.

وبعد هذه الرؤيى يمكن للنوافذ الشرعية في أوربا أن تقوم بما يلي:

أولاً: بيع المرابحة للآمر بالشراء ولا حرج في ذلك مطلقا اعتمادا على الإلزام بالوفاء بالعهد، وقد سبقت إجازة هذه المعاملة في كثير من المؤتمرات والندوات وصار الكلام عليها الآن مكررا.

ثانياً: كثير من المقيمين في أوربا بحاجة للعمل فيمكن أن تتيح لهم النوافذ الإسلامية – في حدود ما يسمح به القانون- المشاريع الصغيرة وذلك من خلال المضاربة الشرعية، أو الشراكة.

ثالثاً: يمكن أن تتوسع النوافذ في عقود السلم وهناك فتاوى مجمعية بذلك ولقد أجاز ذلك مجمع الفقه الإسلامي ففي فتوى مجمع الفقه الإسلامي التي خرجت بقرار رقم : 85 ( 2/9) بشأن بيع السلم، وكان لها انتشار واسع([86]):

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع السَّلم وتطبيقاته المعاصرة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ، قرر ما يلي :

أولاً : بشأن (السلم) :

  • السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل ما يجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت ديناً في الذمة، سواء أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات .
  • يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم، إما بتاريخ معين، أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع، ولو كان ميعاد وقوعه يختلف اختلافاً يسيراً لا يؤدي للتنازع كموسم الحصاد .
  • الأصل تعجيل قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، ويجوز تأخيره ليومين أو ثلاثة ولو بشرط، على أن لا تكون مدة التأخير مساوية أو زائدة عن الأجل المحدد للسلم .
  • لا مانع شرعاً من أخذ المُسْلِم (المشتري) رهناً أو كفيلاً من المسلّم إليه (البائع) .
  • يجوز للمسلِم (المشتري) مبادلة المسلَم فيه بشيء آخر – غير النقد – بعد حلول الأجل، سواء كان الاستبدال بجنسه أم بغير جنسه . حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ولا إجماع، وذلك بشرط أن يكون البدل صالحاً لأن يجعل مسلماً فيه برأس مال السلم .
  • إذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الأجل فإنَّ المسلم (المشتري) يخير بين الانتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله، وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة .
  • لا يجوز الشـرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير .
  • لا يجوز جعل الدين رأس مال للسلم لأنه من بيع الدين بالدين .

ثانياً: بشأن (التطبيقات المعاصرة للسلم) :

انطلاقاً من أن السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية، من حيث مرونتها، واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة، سواء أكان تمويلاً قصير الأجل أم متوسطة أم طويلة، واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين، أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار، واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل، والنفقات الرأسمالية الأخرى .

ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم، ومنها ما يلي :

  • يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة، حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها ويسلّموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم، فَيُقَدِّمُ لهم بهذا التمويل نفعاً بالغاً ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم .
  • يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي، ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة، وذلك بشرائها سَلماً وإعادة تسويقها بأسعار مجزية .
  • يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين، وصغار المنتجين الزراعيين، والصناعيين، عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات، أو مواد أولية كرأس مال سلم، مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها .

يوصي المجلس بما يلي :

استكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة . والله الموفق أ.هـ

انتهت الفتوى والقرار المجمعي وخلفت وراءها أنواعا من السعة والمرونة التي لا يمكن أن تغفل خاصة في التطبيقات المصرفية المعاصرة التي شملت المنتجين الزراعيين، و الصناعيين و المقاولين و التجار، واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل، والنفقات الرأسمالية الأخرى .

وتعددت المجالات التطبيقية لعقد السلم، لأمور كثيرة منها ما يخص العمليات الزراعية والأمور الصناعية، وتمويل الحرفيين وغير ذلك مما جاء في الفتوى.

فهذا التعدد في المجالات يمكن استغلاله لصالح المسلمين في بريطانيا، ويريحهم بأن السلم مرخص فيه، وتوجد في توسيع مجالاته فتاوى مجمعية.

رابعاً: الاستصناع وهو مشروع ويمكن التوسع فيه فقد أصبح التمويل عن طريق عقد الاستصناع يحتل دوراً رئيساً في الصناعة المصرفية الإسلامية، إذ قامت المصارف بتمويل إنشاء المباني السكنية والاستثمارية بنظام الاستصناع، وساهمت بذلك في حل مشكلات معاصرة كثيرة، إذ ساهمت في توفير السلع التي يطلبها العميل وفقا لاحتياجاته ومتطلباته بما يؤدي لتلبية احتياجات العميل. وساهمت المصارف في صناعات أخرى عديدة وأبرمت العديد من عقود الاستصناع مع عملائها، غير أن أبرزها حجماً في المعاملات هو المجال العقاري مثل عقود تمويل إنشاء المدارس وإنشاء محطات الكهرباء وإنشاء الفنادق.

خطوات التمويل بالاستصناع في المصارف الإسلامية من قبل العميل:

يتقدم العميل إلى المصرف بطلب منه أن ينشأ له مبنى أو يصنع له معدة أو خط إنتاج لمصنع معين، ويرفق مع طلبه بيان كامل مدعم بالرسوم والخرائط من المهندس الاستشاري عن شكل ومواصفات المبنى (أو خط الإنتاج) الذي يريد إنشاءه، وصور الملكية، مخطط ومساحة الأرض وموقعها، مخطط مبدئي للبناء، وتقرير مختصر من المهندس الذي صمم البناء بحيث يتضمن هذا التقرير تكلفة البناء.

 يعرض المتعامل أيضاً مع طلبه الدفعة المقدمة التي يمكن سدادها للمصرف الإسلامي، والضمانات التي يعرضها، وطريقة السداد (دفعة واحدة أو على أقساط متعددة شهرية أو ربع سنوية)، مصحوبة بدراسة مالية ويقدر فيها الإيراد المتوقع ومدى قدرته على الوفاء بسداد الأقساط.

 يقوم المصرف بعمل دراسة جدوى فنية متخصصة للمشروع بمعرفة خبراء التمويل في المصرف مع الاستعانة بمكتب استشاري هندسي يتبع المصرف، بغرض التعرف على جدوى تمويل المشروع.

 في حالة موافقة المصرف على العرض المقدم من العميل يطلب منه تقديم المستندات النهائية للتمويل وتقديم الضمانات اللازمة.

 بعد الاتفاق النهائي يقوم المصرف بتوقيع عقد بيع استصناع مع العميل يحدد فيه جميع حقوق والتزامات كل طرف من أطراف العقد، وهما (المصرف والعميل) وأهم ما يتضمنه العقد ما يلي: ثمن بيع المبنى للعميل من قبل المصرف، ميعاد التسليم طبقاً للمواصفات، مدة السداد، قيمة القسط، وقيمة الدفعة المقدمة في حالة وجودها.

 بعد توقيع عقد بيع الاستصناع بين المصرف والعميل، يقوم المصرف بتوقيع عقد تنفيذ مع المقاول الذي رسا عليه العطاء عن طريق المناقصة يسمى “عقد استصناع موازي” أو عقد المقاولة، وتكون علاقة المتعامل بالمصرف مباشرة ولا علاقة له بالمقاول، ومن الممكن أن يقترح العميل للمصرف شركة معينة للتنفيذ.

 للعميل الحق في تعيين مهندس استشاري لمتابعة سير العمل في المشروع ولكن يتحمل العميل تكلفته.

 إذا لم يلتزم المتعامل بسداد ما عليه من دين في المواعيد المحددة ولم يسدد الأقساط، يعطيه المصرف مهلة إذا كان متعسرا ويساعده على إيجاد الحل، أما إذا كان العميل مماطلا يكون من حق المصرف اتخاذ إجراءاته للحصول على باقي مستحقاته لدى العميل.

كيف يمكن للعملاء الاستفادة من صيغة “بيع الاستصناع”؟

فيما يلي القطاعات التي يمكن أن تستفيد من التمويل عن طريق بيع الاستصناع:

قطاع الأفراد: عن طريق بناء الفيلات وسداد الثمن على أقساط.

 القطاع الحرفي: عن طريق تصنيع الآلات والمعدات.

 القطاع المهني: عن طريق تصنيع الأجهزة المتخصصة.

 القطاع الصناعي: عن طريق تصنيع الآلات والمعدات الصناعية.

 قطاع الخدمات العقارية: عن طريق بناء الفنادق والأسواق.

كما يمكن للعملاء الاستفادة من صيغة التمويل بالمرابحة مع صيغة التمويل بالاستصناع عن طريق شراء احتياجاتهم من المعدات والآلات والمفروشات بالمرابحة لاستخدامها فيما تم إنشاؤه من فيلات أو فنادق.

وهكذا بكل دقة نجد أن العميل والبنك يتفقان اتفاقا نافيا للجهالة، وأنهما يتوقعان حدوث كل شيء فكان النص عليه في العقد، وكان النص على كيفية الاستيفاء([87]).

خامساً: المشاركة :

والمشاركة بين البنك الإسلامي والمسلمين في أوربا أمر مهم فهو يؤمن لهم التميل، وينتقي المشروعات، وهم يعملون فيفيدون مجتمعهم، وينيرون طريقهم بأخلاقهم ومعاملاتهم، ويطمئنون لمستقبلهم الكسبي، ويعملون في مشروع هو ملكهم، والأرباح يتقاسمونها فيما بينهم بحسب الاتفاق.

سادساً: المضاربة:

وهي من الأمور المشروعة لمن لا يملك مالا ولكنه يملك الساعد فيمكن للبنك أن يموله ليعمل وفق المضاربة الشرعية وهو أمر متاح ومشروع.

الخاتمة

بعد هذه الدراسة يمكن أن نقرر ما يلي:

أولاً: بيع التورق المصرفي يختلف عن بيع التورق الذي عرفه الفقهاء قديما.

ثانياً: الحكم فيه بتغليب سد الذرائع لكثير من الأمور التي يؤدي إليها.

ثالثاً: أن أصلي سد الذرائع والمصلحة لهما الدور الكبير في توجيه الحكم الفقهي في المعاملات المالية المعاصرة.

رابعاً: المعاملات المالية الحديثة يجب أن يتم تخريجها، وتكييفا فقهيا بصورة صحيحة، حتى يمكن الحكم عليها.

خامساً: لا بد من توفير الإمكانات اللازمة للمجامع الفقهية لسرعة البت في المستجدات العصرية حتى لا تتأخر وتكون العجلة قد دارت.

سادساً: الأمة بحاجة لنهضة في كثير من المجالات لا سيما الفقه الإسلامي، فتفعيله ليأخذ دوره في الحياة أصبح من أوجب الواجبات.

سابعاً: تداخل العلوم وقلة الإلمام بالمسائل يوجب أن تتضافر الجهود، والتعاون في كثير من المجالات فعالم الاقتصاد بجواره الطبيب بجوارهما عالم الفقه، ليحدث التصور المنضبط.

ثامناً: التورق المنظم لا يجوز شرعا وكذلك العكسي لوفرة الأدلة على ذلك ورجحانها.

تاسعاً: لو كان هناك دين فالأولى أن يتكاتف المسلمون لسداده، ولو لم يجد وليس أماه إلا التورق فيمكن للضرورة القصوى أن يستورق والضرورة تقدر بقدرها.

التوصيات:

 

أوصي بدراسة منفصلة لحالات الضرورة التي يمكن أن تتصادف فهل يمكن للمضطر أن يستورق.

أوصي بعمل مؤتمر في ما هو متوقع اقتصاديا من خلال العاملين في المجال.

أوصي بوضع الضوابط والإطار العام للمعاملات الاقتصادية حتى لا نقع في محظور.

أوصي البنوك والنوافذ الشرعية ألا يقدموا على معاملة إلا بعد أن يستوفوا حكمها الشرعي من متخصصين.

والله ولي التوفيق،،،

                                                                  كتبه

                                                             د. محمد عبد اللطيف محمود البنا

                                                          دكتوراه في الفقه المقارن

                                                     عضو هيئة تدريس بجامعة “عمر المختار” سابقاً

                                                   المسئول عن قسم الفتوى بموقع “إسلام أون لاين”

المراجع

المراجع مرتبة أبجدياً

أولاً: القرآن الكريم

ثانياً: كتب السنة:

1- سنن ابن ماجة، سنن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (207- 275هـ) تحقيق محمود فؤاد عبد الباقي المكتبة العلمية بيروت لبنان بدون

2- سنن البيهقي للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن حسين بن على البيهقي(ت458هـ) دار المعرفة بيروت لبنان ط الأولى 1354هـ

3- سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة تحقيق أحمد شاكر،  مصطفى البابي الحلبي الطبعة الثانية 1398هـ 1978م

4- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري بشرح الإمام النووي، مكتبة الغزالي بيروت، ومكتبة مناهل العرفان بيروت بدون.

ثالثاً: كتب الفقه:

5- الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي ( 150- 204 هـ )، دار المعرفة بيروت ط الثانية سنة 1393 هـ

6- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف علاء الدين أبو الحسن بن سليمان المرداوي (885هـ-1480م)، دار إحياء التراث العربي

7- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع،تأليف علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني(587هـ-1191م)، دار الكتب العلمية، بدون.

8- تهذيب السنن لابن القيم، دار الكتب العلمية،  بيروت، لبنان: 1421هـ، 2001م.

9- التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة عشرة بالشارقة عام 2009م.

10- رد المحتار على الدر المختار في شرح تنوير الأبصار  المعروف بـ ( حاشية ابن عابدين ) تأليف محمد أمين بن عمر المشهور بابن عابدين (1252هـ-1836م)، دار الكتب العلمية

11-الفتاوى الكبرى للإمام الإمام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (728هـ) دار الكتب العلمية.

12-فتح القدير تأليف كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهُمام (861هـ)، دار الفكر بدون

13-الفروع، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي (763هـ-1362م)، عالم الكتب

14- قرارات وتوصيات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في  دورته التاسعة عشرة،(1428هـ/2007م).

15- كشاف القناع على متن الإقناع تأليف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال دار الفكر بيروت سنة 1402هـ

16- المجموع شرح المهذب للشيرازي بتكملة الشيخ محمد نجيب الطيعي، مكتبة الإرشاد بالسعودية بدون.

17- المحلى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري (456هـ-1064م)، دار الفكر بدون

18- مطالب أولى النهى في شرح غاية المنتهى للشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني(1243هـ)، المكتب الإسلامي

19- المغني لموفق الدين عبد الله بن أحمد المعروف بابن قدامة (620هـ-1223م)، دار إحياء التراث العربي

20- منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح والزيادات للإمام تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المصري الشهير بابن النجار – طبعة مكتبة العروبة – القاهرة

21- الموافقات في أصول الشريعة تأليف إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي (ت 790هـ) تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة بيروت

22- الموسوعة الفقهية الكويتية وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، ملحوظة كل مجلد له عدة طبعات يختلف بها عن الآخر لأنها لم تصدر في وقت واحد بل مستمرة الصدور للآن

23- موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي أ.د علي السالوس دار الثقافة بقطر الطبعة التاسعة 1427هـ 2006م.

24- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار للشيخ الإمام محمد بن على بن محمد الشوكاني، دار القلم بيروت بدون وهو من كتب الفقه أيضا

رابعاً: كتب اللغة:

25- القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، الرسالة الطبعة الثانية 1407هـ 1987م.

26- لسان العرب لابن منظور دار المعارف بدون

27- مختار الصحاح للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر الرازي ط الرابعة المطبعة الأميرية سنة 1357هـ 1938م

28- المصباح المنير ص للعلامة أحمد بن محمد بن علي الفيومي، طبعة مكتبة لبنان –بيروت- لبنان 1987م.

29- المعجم الوجيز من إنتاج مجمع اللغة العربية

30- المعجم الوسيط ، من إصدارات مجمع اللغة العربية بدون.

خامساً مواقع الكترونية:

http://19sh.c-iifa.org/qrart-twsyat/

http://www.h-alali.net/f_open.php?id=0d0637a2-dc2b-1029-a62a-0010dc91cf69

  http://www.islamifn.com/maaeer/tawrug.htm.

http://www.islam-qa.com/ar/ref/111906.

http://www.islam-qa.com/ar/ref/82612

http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=46#_ftn2

http://www.almoslim.net/articles/show_article_main.cfm?id=974

http://www.islamtoday.net/moniah/research6.htm

http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=24&catid=184&artid=4686

http://www.kantakji.org/fiqh/Files/Finance/65.txt

http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=3413&PHPSESSID=e8674a6bbd6be2a0ebe271f238e35432. http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=3413&PHPSESSID=e8674a6bbd6be2a0ebe271f238e35432.

http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=145&l=AR&cid=10.

www.Shubily.com

الفهرس العام

                        الموضوع                                                                      الصفحة

المقدمة                                                                                                      2

المبحث الأول تعريف التورق والتورق الفردي                                              6

التورق في الاصطلاح الفقهي:                                                                  6

بيع التورق والعينة:                                                                                   9

حُكم التورّق الفردي                                                                                  12

أولا : المجيزون للتورق الفردي                                                                  12

ثالثا: المانعون للتورق الفردي                                                                    14

ضوابط التورق الفردي                                                                               16

الخلاصة في التورق الفردي                                                                      17

المبحث الثاني: التورق المنظم في المصارف والمؤسسات الإسلامية ونوافذها في أوربا       19

التورق المصرفي                                                                                       19

الغاية من التورق المنظم                                                                           21

إجراءات التورق المصرفي                                                                         22

إجراءات التورق المصرفي المنظم بغرض سداد الديون                              23

الفتاوى الصادرة عن التورق المنظم وخلاصة الحكم                                   27

المبحث الثالث التورق العكسي                                                                 32

إجراءات التورق العكسي                                                                           32

حكم التورق العكسي                                                                                33

فتاوى التورق العكسي                                                                              33

المبحث الرابع دراسات في التورق المصرفي                                            35

أولا: المجيزون ومناقشة أدلتهم                                                                 35

ثانيا المانعون للتورق المصرفي                                                                 39

المبحث الخامس أثر الأدلة الشرعية في حكم التورق التورق بين سد الذرائع والمصلحة     47

النموذج الأول : تغليب جانب سد الذرائع                                                     47

النموذج الثاني: تغليب المصلحة                                                                51

المبحث السادس ما يمكن أن تفعله النوافذ الشرعية للمصارف في أوربا    57

الخاتمة                                                                                                       64

المراجع                                                                                                      66

الفهرس العام                                                                                            69

([1]) البقرة 188.

([2]) البقرة 275.

([3]) حديث : الذهب بالذهب أخرجه مسلم عن عبادة بن الصامت حديث رقم 913 ( المختصر ).

([4]) النساء 4.

([5]) النساء 29.

([6]) رواه ابن حبان في صحيحه جـ 7 ص 587 والحاكم في صحيحه . وأخرجه البيهقي وحسنه من حديث السائب بن يزيد ، ثم قال : وحديث أبي حميد أصح ما في الباب . وفي رواية الديلمي عن أنس بلفظ ” لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه “.

([7]) رواه ابن ماجه والضياء عن أبي سعيد الخدري – كشف الخفاء للعجلونى ..

([8]) أخرجه مسلم ح ق939 المختصر.

([9]) سورة المائدة الآية الأولى.

([10]) رواه الترمزي عن عمرو بن عوف المزني وقال حديث حسن صحيح ورواه أبو داود وصححه ابن حبان من حديث أبى هريره.

[11] ) القاموس المحيط ص 1198، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/101، أساس البلاغة ص 496، المغرب 2/350، المصباح 2/816.

[12] ) قال ابن القيم في زاد المعاد 4/138: “لأن لفظ (تفعُّل) يدل على تكلُّف الشيء والدخول فيه بعسر وكلفة، وأنه ليس من أهله، كتحلَّم وتشجَّع وتصبَّر ونظائرها، وكذلك بنوا (تكلَّف) على هذا الوزن”.

([13] ) انظر المعجم الوسيط مادة ورق ص 1068 مجمع اللغة العربية القاهرة.

([14] ) الكهف 19.

[15] ) أنظر: الإنصاف 11/195، مطالب أولي النهى3/61.

[16]  ) كشاف القناع للبهوتي ج3 ص 189وشرح منتهي الإرادات ج2 ص 158

[17] )   الفروع لابن مفلح ج4 ص 171

[18] )   فتح القدير لابن الهمام ج5ص425.

[19] ) مختصر الفتاوى المصرية، لابن تيمية ص 327، وانظر: إعلام الموقعين 3/182.

([20])  الزاهر لأبي منصور الأزهري ص 216، وفي المصباح، بعد أن ذكر الفيومي صورتها قال: “فهي عينة أيضاً، لكنها جائزة باتفاق”2/527.

([21] ) موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي أ.د علي السالوس ص 9.3 دار الثقافة بقطر الطبعة التاسعة 1427هـ 2006م.

([22] ) الموسوعة الفقهية الكويتية ج 14 ص 147.

([23] ) انظر موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي أ.د علي السالوس ص 903.

([24] ) البقرة 275.

([25] ) التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة عشرة بالشارقة عام 2009م ص 4.

([26] ) شرح زاد المستقنع للعثيمين، 4/137.

([27]) انظر على سبيل المثال ابن قدامة: المغني:4/132 ـ السبكي: تكملة المجموع: 10/124.

([28]) رواه أبو داود: أول كتاب الإِجارة باب في النهي عن العينة: 3/274 حديث رقم 1292، وانظر تهذيب سنن أبي داود لابن القيم وقد ناقش المسألة وأورد كثيرا من الأحاديث في النهي عن العينة.

([29]) التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة عشرة بالشارقة عام 2009م ص 5 وما بعدها.

[30] انظر: الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، 2/108، ومختار الصحاح، مادة: زرنق.

[31] النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، ص 393، والفائق في غريب الحديث للزمخشري، 2/108

[32] الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، للأزهري، ص 216.

[33] المفردات للأصفهاني، ص526، والمصباح المنير للفيومي، 2/916.

[34] فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، ص: 11

[35] المصباح المنير، للفيومي،1/279  بيع الوفاء والعينة والتورق، للشيخ عبد القادر العماري، ص22 ، وانظر: التورق والتورق المنظم للسويلم، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد(20)، ص252-253..

[36] فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، ص: 1

[37] المعجم الوسيط ، 2/787.

[38] بحث: تطبيقات التورق لموسى آدم عيسى، ضمن وقائع مؤتمر المؤسسات المصرفية، 2/ 462.

([39]) بدائع الصنائع 5/199.

([40]) حاشية ابن عابدين ج7/ ص 655 ، ط1،بيروت، لبنان: دار المعرفة، 1420هـ، 2000.

([41]) القوانين الفقهية لابن جزى ص 277.

([42]) الشرح الصغير 3/117.

([43]) الأم 3/69.

([44]) الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف 11/195، وانظر مطالب أولي النهى 3/61، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/158، كشاف القناع 3/175.

([45]) البقرة: 275.

([46]) الأنعام: 119.

([47]) النساء: 29.

([48]) الموافقات 1/284.

([49]) نيل الأوطار5/152.

([50]) بدائع الصنائع للكاساني 6/187.

([51]) مجموع فتاوى ابن تيمية 29/30.

([52]) إعلام الموقعين 3/182.

([53]) مجموع فتاوى ابن تيمية 29/442.

([54]) المحلّى 9/22.

([55]) المجموع للنووي 9/161.

([56]) إعلام الموقعين ، ابن القيم ، ج3/ص 182، وانظر: تهذيب السنن لابن القيم، ج3/ص301، دار الكتب العلمية،  بيروت، لبنان: 1421هـ، 2001م.

([57]) انظر: قررات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ص320، وأبحاث هيئة كبار العلماء، قرار رقم(3/11) تاريخ (16/10/1397هـ) 4/427- 431، والمعايير الشرعية ص 492، وانظر أبحاث الدورة 17 لمجمع المنظمة.

([58]) قرارات مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص (322- 323) وانظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي أ.د علي السالوس ص 616،

وانظر الرابط التالي: http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=145&l=AR&cid=10.

([59])أبحاث هيئة كبار العلماء، قرار رقم(3/11) تاريخ (16/10/1397هـ) 4/427- 431.

([60])المعايير الشرعية ص 492.

[61]  انظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=155&l=AR&cid=10.

وانظر أيضاً بيع الوفاء والعينة والتورق، للشيخ عبد القادر العماري، ص22 ، والتورق والتورق المنظم للسويلم، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد(20)، ص252-253..

([62]) التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 22 بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة.

([63])التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 23 وما بعدها بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة.

([64] ) انظر الرابط التالي بحث للدكتور السعيدي :

http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=3413&PHPSESSID=e8674a6bbd6be2a0ebe271f238e35432.

([65])التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 23 وما بعدها بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة.

([66]) التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 23 وما بعدها بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة، واعتمد في ذلك على ما جاء في فتوي الهيئة الشرعية للبنك الوطني الإسلامي بقطر المكونة من: الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي رئيساً، والأستاذ الدكتور علي القره داغي نائباً للرئيس، والدكتور سلطان الهاشمي عضواً، ونص الفتوى هو: “أجازت الهيئة الشرعية لبنك قطر الوطني الإسلامي التورق المنضبط الذي وضعت له ضوابط دقيقة من وجود محل العقد، وحيازته، وتملكه، ثم بيعه لطرف ثالث، ومع ذلك قيدته الهيئة: بأن يكون هذا خاصاً بأصحاب الديون الذين يريدون سداد ديونهم للخروج من الربا المحرم، والبدء بالتعامل المشروع البعيد عن كل ما هو حرام. ولذلك لا ترى الهيئة الشرعية لبنك قطر الوطني الإسلامي مانعاً شرعياً من طرح (التورق) بضوابطه السابقة على الجمهور، والتعامل معه؛ انطلاقاً من يسر شريعتنا الغراء وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ووجود كل البدائل المشروعة فيها لتتحقق لأتباعها السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل”.

([67] ) انظر: التورق والتورق المنظم للدكتور سامي السويلم، ص 3، و حكم التورق الذي تجريه البنوك، د. يوسف عبد الله الشبيلي على موقعه www.Shubily.com بتصرف شديد.

([68] ) انظر بتصرف التورق وموقف الشريعة الإسلامية منه أ.د حسين حامد حسان، الاقتصاد الإسلامي، مجلة محكمة، العدد(267)، مجلد (23)، جمادي الأخر 1424هـ، أغسطس2002، ص 11.

([69]) قرارات مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص (322- 323) وانظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي أ.د علي السالوس ص 616 ، وانظر الرابط التالي: http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=145&l=AR&cid=10.

([70] ) انظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=155&l=AR&cid=10.

([71] ) انظر الفتوى على الرابط التالي: http://www.h-alali.net/f_open.php?id=0d0637a2-dc2b-1029-a62a-0010dc91cf69

([72] ) انظر الفتوى على الرابط التالي: http://19sh.c-iifa.org/qrart-twsyat/

([73] ) انظر الفتوى على الرابط التالي: http://www.islam-qa.com/ar/ref/82612 ، وانظر للتعرف على حقيقة هذا التورق والأسباب الداعية إلى تحريمه : http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=46#_ftn2 وكذلك : http://www.almoslim.net/articles/show_article_main.cfm?id=974

 

([74])التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 23 وما بعدها بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة.

([75])انظر موقع الإسلام سؤال وجواب على الرابط التالي: http://www.islam-qa.com/ar/ref/111906.

([76])التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 25 وما بعدها.

([77]) قرارات وتوصيات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في  دورته التاسعة عشرة،(1428هـ/2007م).

([78] ) انظر الفتوى على الرابط التالي: http://19sh.c-iifa.org/qrart-twsyat/

([79]) انظر: التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 37 وما بعدها بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة.

([80])سنن الدارقطني، 3/46. و فِى إِسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ ضَعِيفٌ.

([81]) اعتمدت بتصرف كبير في استقراء بعض البحوث القادمة على رسالة دكتوراه للدكتورة هناء محمد هلال الحنيطي والتي لخصتها في بحث:” التورق حقيقته ، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم) بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة.

([82]) انظر الرابط التالي:

http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=3413&PHPSESSID=e8674a6bbd6be2a0ebe271f238e35432.

([83] ) انظر الرابط التالي: http://www.islamtoday.net/moniah/research6.htm

 ([84] ) مجموع فتاوى ج 19ص 50.

([85] ) انظر مع شيء من التصرف الرابط التالي: http://www.islamifn.com/maaeer/tawrug.htm.

([86])مجلة المجمع (العدد 9، ج1 ص 371). وانظر :

http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=24&catid=184&artid=4686

وانظر : http://www.kantakji.org/fiqh/Files/Finance/65.txt

([87]) انظر بحثنا الاستصناع في الفقه الإسلامي تطبيقات عصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق