البحوث

المواطنة في غير ديار الإسلام بين النافين والمثبتين

المواطنة في غير ديار الإسلام بين النافين والمثبتين

“دراسة فقهية نقدية”

 

إعداد

الدكتور/ صلاح الدين سلطان

المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ البحرين

عضو المجلس الأوربي

 

بحث مقدم

للدورة السابعة عشرة للمجلس – البوسنة

جمادى الأولى 1428 هـ / مايو 2007 م

 

 تقسيم البحث

المقدمة:

المبحث الأول :  المواطنة في القرآن الكريم والسنة النبوية .

  • تمهيد : المواطنة لغة واصطلاحا .
  • المطلب الأول : المواطنة في القرآن الكريم .
  • المطلب الثاني : المواطنة في السنة النبوية .

المبحث الثاني : حكم المواطنة في غير ديار الإسلام بين المثبتين والنافين.

  • المطلب الأول : من يمنع الإقامة والمواطنة في غير ديار الإسلام .
  • المطلب الثاني : أدلة من يرى منع المواطنة في غير ديار الإسلام.
  • المطلب الثالث : مناقشة وترجيح .
  • المطلب الرابع : من يرى صحة المواطنة في غير ديار الإسلام .
  • المطلب الخامس : أدلة من يرى جواز أو وجوب المواطنة في ديار غير الإسلام.

الخلاصـــة

المراجـــع .

المقدمة

المواطنة في غير ديار الإسلام من القضايا الشائكة التي تفرض نفسها على ذوي العلم والفقه أن يقدموا لها الكثير من الدراسات والأبحاث والفتاوى التي ترفع عنهم الحرج ، وتهيئ لهم فقهاً إصلاحيا مبادراً وليس فقهاً تسويغيا أو انعزالياً خائفاً متوجساً ، ذلك لأن المسلمين المقيمين فى غير ديار الإسلام ليسوا عشرات الآلاف أو الملايين بل هم مئات الملايين (قرابة نصف مليار مسلم).

فإذا أضفنا إلى ذلك أن المسلمين المتوطنين فى ديار الإسلام تضاءلت حقوقهم وتضاعفت واجباتهم حتى صاروا أقل فى حقوقهم من كثير من إخوانهم المسلمين في غير ديار الإسلام في الحريات المتاحة أو الحقوق في التملك والأمن والتنقل والتعبير عن الرأى بالنشر والتجمعات والمسيرات والانتخاب وما إلى ذلك.

هذا كله يلقي بعبء أكبر على الباحثين والعلماء والفقهاء أن يقدموا رؤية اجتهادية شرعية يغلب على الظن فيها تحرى الحق قدر الوسع ، ورفع الحرج وجلب المصالح ودرء المفاسد .

والأصل أن تستقر هذه المئات من الملايين استقراراً يمكنها من هذه المراحل السبع التي ذكرها شيخنا العلامة د.القرضاوي وهى الهوية والاستيقاظ والتجمع والتحرك والبناء والتوطين والتفاعل ، وأن يقوم كل مسلم بمهامه الخمس الأساسية نحو نفسه بأن يحفظها وينميها ، ونحو أهله وأسرته بأن يحميها من الذوبان ويقيمها على الإسلام ، ونحو إخوانه المسلمين في الغرب بأن يتحد معهم ، ونحو المجتمع غير المسلم بأن يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ونحو قضايا أمته المسلمة بأن يهتم بها ويعمل لنصرتها .

والحق أن هناك إفراطاً وتفريطاً حدث لكثير من المسلمين في غير ديار الإسلام بين قوم ذابوا وتاهوا في دياجير الفسق والفجور والتحلل ، وآخرين منعزلين عن مجتمعهم ، غرباء مع قومهم الذي أقاموا بينهم ، بينما يقف فريق من ذوي الفهم الصحيح والرؤية المستقبلية والفقه الذي يعتمد على المقاصد العامة للشريعة الإسلامية يقولون بوضوح : إن الواقع  قد فرض وجود مسلمين أصليين في بلاد غير إسلامية ، وهجرة ملايين من المسلمين إلى بلاد شتى بضغط الحريات الممنوعة والتخلف الحضاري ، وقلة المال ، وهم مقيمون سواء أْفتى الناس بحرمة الإقامة والتجنس أم لا ؟.

هل نضعهم دائما في حجر الزاوية أنكم فساق مرتدون خارجون عن الإسلام يوم أن خرجتم من دياره أو ولدتم في هذه البلاد ، أم نبحث الأسباب ونلتمس الأعذار كدعاة وليس كقضاة في الوقت الذي لا يستطيع الكثير من هؤلاء أن يخبرونا عن بلد إسلامي واحد ينطبق عليها كل شروط ديار الإسلام كاملة كما ذكرها علماؤنا وفقهاؤنا ؟ وإذا وجدت هل يمكن أن تستوعب كل هذه الملايين؟ وهل إذا استوعبت نكون قد حققنا أننا خير أمة أخرجت للناس أم أمة اعتزلت الناس ؟ وهل فقه التمكين الذي تمتعت به الأمة قروناً طويلة يجب أن يبقى ثابتاً كله فى زمن الاستضعاف لأمه بأكملها ثم الإجهاز على رمز وحدتها السياسية فى الخلافة الإسلامية ، والفكرية بالتبعية لفلسفات شتى تُناقض عقائدها ، والاجتماعية ببث عادات التحلل عبر الفضائيات والانترنت وثورة المعلومات، إن عصبة الأمم التي أسست سنة 1922 وهيئة الأمم التي أسست سنة 1945 لم يجعلا للأمة الإسلامية في الأرض كلها مقعدا واحداً ثابتاً مثل فرنسا أو انجلترا أو غيرهما؟ فهل تُستدعي كل الاجتهادات الفقهية فى التجنس والتوطين والإقامة فى ديار غير المسلمين فى هذه الظروف القاسية المتباينة أم نتوخى فقه النصوص الجزئية في إطار مقاصدها الشرعية ، ونخط طريقا يجمع بين الأصالة والتشدد فى الثوابت والمعاصرة والمرونة فى المتغيرات والفروع ، هذا ما سأحاول جهدى الإجابة عنه فى بحث قضية المواطنة والتجنس.

                                                                                                        د. صلاح سلطان

المبحث الأول : 

المواطنة معناها وحكمها

تمهيد: المواطنة لغة واصطلاحاً:

أولا : المواطنة لغة :

المواطنة لغة من وطن وأوطن هو المنزل الذي يعيش فيه الإنسان ، ومحله الذي يأوى إليه واتخذه سكنا يقيم فيه، قال الشاعر ابن بري :

كيما ترى أهل العراق إننى                 أوطنت أرضا لم تكن من وطنى

والموطن هو مشهد من مشاهد الحرب لقوله تعالى ” لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ” (التوبة:25)، وأوطان الغنم: مرابضها أي مكان إقامتها الدائمة بعد المراعي . والتوطين : هو التمهيد لاتخاذ الوطن ومحل الإقامة ، وأوطن الأرض ووطنها واستوطنها اتخذها وطنا .

ثانياً: المواطنة اصطلاحاً:

عرّف دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأنها : علاقة بين فرد ودولة يحددها قانون تلك الدولة ، وبما يتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق فى تلك الدولة([1]) .

وتعرف الجنسية بأنها: رابطة سياسية وقانونية بين الشخص ودولة معينة تجعله عضواً فيها وتفيد انتماءه إليها وتجعله في حالة تبعية سياسية لها([2]) ، ومصطلح المواطنة يساوى مصطلح الجنسية في كثير من الدول ، بينما يوجد ثمة اختلاف فى دول أخرى ويبدو لى أنه ليس ثمة اختلاف بينهما وإن كان لفظ المواطنة أقرب إلى الاستعمال اللغوي ، والحقيقة المادية والمعنوية ، وكل دولة عندها فى القانون الخاص تفضيل يختلف عن غيرها في حقوق وواجبات المواطنة ، تضيق وتتسع حسب مدى احترام وتقدير الإنسان.

المطلب الأول : المواطنة في القرآن الكريم:

وردت مادة (وطن) في القرآن الكريم مرة واحدة في قولة تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ”(التوبة : 25) أي مواضع وأماكن كثيرة ، ورد بمعناه اللغوي أو الاصطلاحي أو هما معا كثيرا فى كلمة الدار حيث ورد ثمانى عشرة مرة بمعنى الوطن .

ومن المعاني التي وردت بالمعنى اللغوي فقط قوله تعالى:” َفخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ (القصص : 81)، ومما ورد بمعنى الوطن اللغوي والاصطلاحي قوله تعالى :-

  1. “وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَوَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ”(الحشر : 9)
  2. “فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً” (الإسراء : 5)
  3. “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ” (الممتحنة : 8)
  4. “وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا”(الأحزاب : 27)

وقد جعل القرآن الكريم الإخراج من الوطن (الديار) مثل القتل سواء بسواء يتضح ذلك من قوله تعالى :”وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ” (البقرة : 84)

ويعلل “د. محمد عمارة” هذا الارتباط بين المنهج الإسلامي والوطن بقوله : إن إقامة الدين لا تتأتى إلا فى واقع ووطن ومكان وجغرافيا ، ولذا يصبح الانتماء الوطني بعداً من أبعاد الانتماء الإسلامي العام … فالوطن ضرورة لإقامة دنيا الإسلام وعمرانه ، وضرورة الدين ليكون الوطن إسلامياً وتتحقق إسلامية عمرانه([3]).

المطلب الثاني: المواطنة فى السنة النبوية:

عند البحث فى مادة وطن فى السنة النبوية نجد أنها قد وردت أكثر من ثلاثين مرة وتعني المكان الذي يعتاده الإنسان ويتخذه محلاً سواء لعبادة أو سكن أو مشاهد للقتال أو الوطن الذي يعيش وينتمي إليه الإنسان بالمفهوم السياسي الشائع الآن ومن ذلك ما يلي :-

ما رواه أحمد بسنده عن أبى سلمة الأنصاري أن رسول الله r نهى عن نقرة الغراب (أىْ في الصلاة أثناء السجود خاصة) وأن يوطّن الرجل مقامه فى الصلاة كما يوطّن البعير ([4])، أي يصلي فى مكان واحد، وتكرر إقامته فيه مثل الوطن .

ما رواه “البخاري” فى كتاب تفسير القرآن بسنده عن زيد بن ثابت أن أبا بكر قال له: “إن القتل قد استحر يوم القيامة بالقُرَّاء فى كثير من المواطن “.

لأن المقاتلين يقيمون فيه فترة فعُدّ كالوطن أي مشاهد القتال وهو مثل ما جاء فى النص القرآني” ([5]).

  • روى ابن حبان فى صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : “ولأن أكون قد قبلت هذه الثلاثة (أي الاكتفاء بثلاثة أيام كل شهر فقط) كان أحب إلي من أهلى ومالى ، لأن رسول الله r علم ضعف عبدالله بن عمر عما وطّن نفسه عليه من الطاعات “([6]) وهو من الاعتياد الذي يكون فى التوطين ، حيث يعتاد المقيم عليه ليلاً ونهاراً.
  • روى أبو داود بسنده أن عثمان صلى بمنى أربعاً لأنه اتخذها وطناً . أي لم يصلٍ قصراً لأنها صارت له وطناً ومقاما([7]).

المبحث الثاني :

حكم المواطنة فى غير ديار الإسلام بين المثبتين والنافين:

لعل المواطنة في غير ديار الإسلام من أكثر القضايا التي اختلف فيها العلماء على نحو يبدو فيه التعارض مابين من يرى أن المواطنة في غير الإسلام كفر صراح وردة عن دين الله تعالى ، أو هى السبيل إليه ، ومنهم من يرى أنها فسق وفجور وجرأة على المعاصى ، وانسياق وراء الهوى ، وهناك من يرى كراهيتها ، ومن يراها جائزة أو مندوبة ، وهناك من يرى وجوب الإقامة في ديار غير المسلمين ، وهناك من يفضل لكل حالة حكمها وهو الأصح. ويمكن أن نقسم هؤلاء إلى فريقين : من يرى المنع من الإقامة والتجنس والمواطنة ومن يرى صحة الإقامة .

المطلب الأول : من يمنع الإقامة والمواطنة فى غير ديار الإسلام:

هناك فتاوى من بعض علماء الأمة بمنع الإقامة والمواطنة في غير ديار الإسلام أو الحصول على جنسيتها مثل الفتوى على سؤال التونسيين عن حكم ما عرضته فرنسا على أهل تونس أن يتجنسوا بجنسيتها كي تُكثر من الجواسيس والعملاء ، وتذيب المسلمين فى الثقافة الغالبة المتحللة من الدين والأخلاق ، وهناك من قاس على هذه الفتاوى التي خرجت لأحوال مخصوصة ، وهناك من يبحث الأمر استقلالا وسوف أورد بعض أقوالهم ثم أتبعها بالأدلة التي يستدلون بها .

{1} فتوى الشيخ يوسف الدجوى :

” التجنس بالجنسية الفرنسية والتزام ما عليه الفرنسيون فى كل شيء… ومحاربة المسلمين والانضمام إلى صفوف أعدائهم معناه الانسلاخ من جميع أحكام الإسلام … والرضا بالكفر كفر، والوسيلة تُعطي حكم المقصد، ومالا يتم الكفر إلا به فهو كفر”([8]).

{2} فتوى الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل: ([9])

يرى فضيلة الشيخ أن يقسم المجنسين بجنسية دولة كافرة ثلاثة أصناف:

القسم الأول: من أحب البقاء بينهم ورأى أن معاملتهم والانتماء إليهم أفضل من المسلمين ورضي بإجراء أحكامهم عليه ، لاشك في كفره وهو مرتد عن دين الإسلام ردة صريحة([10]).

القسم الثاني: من طلب الجنسية واستوطن غير بلاد الإسلام حرصا على مصالحه الدنيوية وليحصل على التسهيلات التي يحصل عليها المواطنون، وهو مؤد لشرائع الإسلام مظهر لدينه وإن صدر الحكم بما يخالف الشريعة رفضه فهذا على خطر عظيم وارتكب منكراً عظيما وهو على خطر من الردة عن الإسلام لركونه إليهم وبقائه بين أظهرهم ([11]).

القسم الثالث: من بلي بهم في بلاده وهو كاره لهم ومبغض لدينهم ، وأرغموه على التجنس أو مغادرة بلاده وأهله وأولاده فقبلها ، وهو مع ذلك مقيم لشرائع الإسلام ، مظهر لدينه ، معلن العداء لهم مصارح لهم بكفرهم وباطلهم فمثل هذا لاشك على خطر في بقائه عاص وآثم بقبوله الجنسية([12]) .

وهذه فى الحق مغالاة في الحكم على المواطنة حتى عند الإكراه وفيها من الحرج الكثير الذي سنناقشه إن شاء الله .

{3} فتوى الشيخ محمد سعيد البوطى:

يقول الشيخ : إن حكم التنقل والإقامة فى الأقطار والبلدان المختلفة أساسه الإباحة لعموم الأدلة لكن هذا الحكم يتبدل إلى الحرمة أو الكراهة أو الوجوب وفقا لقاعدتى : سد الذرائع ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح .

ويرى أن أداء فرض الدعوة يكفي بإرسال فئة فى إثر أخرى على سبيل التناوب ولا يستقرون فى بلاد الكفر.

ويرى الشيخ أن الإقامة تؤدي – قطعا- إلى محرمات اعتقادية وأخرى سلوكية وإن صمد الآباء لا يسلم الأبناء وهو أمر كاف للحكم بالتحريم وموجب لمفارقاتها ، ولذا فإن الإباحة الأصلية تزول وتحل محلها حرمة الإقامة ، هذا فوق كون المواطنة والتجنس بدولة من دول الكفر أبرز مظاهر الموالاة ، وهي إعلان لهذا الولاء وهو إذن من المحرمات المقطوع بحرمتها بدلالة النصوص ([13]).

{4} فتوى الشيخ الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس:

يرى فضيلة الشيخ أن الهجرة إلى دولة غير إسلامية محظورة لما يعيشه المسلم من حياة غير إسلامية ، ولخضوعه لنظام وقوانين جاهلية ، فوق ما فيها من تقوية لهذه المجتمعات ، وإن لم توجد دولة إسلامية فعلى المسلم أن يعمل من خلال جماعة لإقامة دولة إسلامية فى بلاد المسلمين لا أن يذهب إلى أمريكا ليقيم الدولة الإسلامية([14]) .

وهناك فتاوى من آخرين تمنع من الإقامة أو المواطنة فى غير ديار الإسلام وتدور حول المعاني السابقة ([15]). ولهذا الفريق من العلماء أدلة كثيرة أوردها    – إن شاء الله – فيما يلى : .

المطلب الثاني : أدلة من يرى منع المواطنة والتجنس بغير ديار الإسلام:

أولاً: من القرآن الكريم:

(1) آيات النهي عن موالاة الكافرين منها ما يلى:

  • ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ” (الممتحنة:1)
  • ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (المائدة:51).

يقول الأستاذ “سليمان توبلياك”: “إن التجنس بجنسية دولة غير إسلامية من أهم صفات الولاء وولاء الكفار كفر” ([16]).

ويقول الشيخ البوطي بعد أن يورد الكثير من آيات نفي الولاء لغير المسلمين : “إن التجنس هو تعبير قاطع عن الولاء للدولة التي يحمل جنسيتها وعن خضوعه لنظامها “ثم يقول : “إن التجنس بجنسية دولة من دول الكفر من المحرمات المقطوع بحرمتها بدلالة هذه النصوص([17]). والى مثل هذا ذهب الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل إمام المسجد الحرام وأورد آيات أخرى من نفس الموضوع”([18]). وكذا الشيخ رحيل محمد الرحيل([19]) .

(2)آية النساء التي توجب الهجرة عند الاستضعاف:

قولة تعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِير# اًِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (النساء : 97،98)

لا يكاد باحث في قضية الجنسية والمواطنة إلا ويورد هذه الآية دليلا على منع الهجرة والإقامة والمواطنة والتجنس بجنسية دولة غير إسلامية .

ثانياً : الأدلة من السنة :

لعل أكثر الأدلة التي يسوقها من يرون منع المواطنة والإقامة والتجنس في ديار غير المسلمين ما يلي :

  1. عن جرير بن عبد الله أن رسول الله r قال: أنا برئ ممن يقيم بين أظهر المشركين ، قالوا يا رسول الله : ولم ؟ قال: لا تتراءى نارهما([20]) .
  2. ما رواه أبو داوود وغيره بسندهم عن سمرة بن جندب أن النبي r قال: من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله ، وفى رواية ” لا تُساكنوا المشركين ، ولا تجامعوهم ، فمن سَاكنهم أو جامعهم فهو مثلهم ([21]).

وقد استدل عدد من العلماء بهذه الأحاديث على كفر أو فسق من يقيم بين المشركين [22].

ثالثاً: الأدلة  الإجماع على منع الإقامة بين المشركين :

أورد الباحث سليمان توبولياك فى رسالة عن الأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي ما نصه : أجمع علماء الإسلام على أن الهجرة واجبة على المسلم الذى يعيش فى دار الكفر ذليلا ضعيفا ، لا يستطيع أن يظهر دينه و ما يعتقده ونقل عن الإمام أحمد بن يحيى الونشريسي قوله : “أجمع أهل العلم على أن من أسلم ببلد الحرب فواجب عليه أن يخرج منه إلى بلد الإسلام ، ولا يقيم حيث تجري عليه أحكام الكفر ….”([23])

رابعاً: الأدلة العقلية على كفر أو فسق المواطنة في غير ديار الإسلام:

يسوق إخواننا العلماء أدلة كثيرة من العقل والواقع منها ما يلي :-

  1. أن المسلم سيضطر إلى الخضوع لغير حكم الله عز وجل وسيعيش مُهانا ذليلا ليس قادرا على إظهار دينه والتعبد لله عز وجل خاصة في ظل قوانين الأسرة من الزواج والطلاق والحضانة والإرث وغيره([24]).
  2. الجنسية والمواطنة بين غير المسلمين تكثير لسوادهم وأحد مقومات وجودهم وأسباب قوتهم ، وهو جزء من الولاء لدولتهم ([25]).
  3. أن المسلم المتوطن فى غير ديار الإسلام ملزم بالخدمة العسكرية ، وقد تشن هذه الدول حربا على المسلمين فيضطر إلى المشاركة معهم وفيها من المآثم مالا يعلمه إلا الله تعالى([26]) .
  4. من الناحية التعليمية يخضع المتجنس لأنظمة تعليمية تقوم على أساس الكفر والضلال([27]) .
  5. أن الامتيازات التي يحصل عليها المتجنس لا تكون إلا بعد كفره بالله تعالى حسب نص عبارة الشيخ سعيد البوطي :”إن الكفر الصريح قد يكون فى كثير من الأحيان شرطاً ضروريا لا بد منه للحصول على امتيازات ومنافع معينة([28]).
  6. انتماء المسلم إلى جنسية بلد أو دولة غير مسلمة مع الإقامة فيها محرم حرمة ذاتية ، مثل حرمة الزنا والربا ولحم الخنزير ، وحرمة الإقامة بدون تجنيس حرمة لغيرها ، ومن يحمل فى جيبه بطاقة التجنيس الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية يرتكب محظورا فى جنب الله حتى لو عدوا أنفسهم من رعيل الدعاة والمجاهدين([29]).
  7. الإقامة أو التجنيس يؤدي ـ حتما ـ إلى أن تتخطف الأولاد التيارات الجانحة عاجلا أو آجلا ، إلى الجنوح السلوكي والتربوي .
  8. يؤدي إقامة العلماء وتوطنهم بالغرب إلى حالة نزيف عقلي وفكري للأمة الإسلامية مما يقوي المجتمعات غير الإسلامية وينهك المجتمعات الإسلامية علميا ويجعلها فى دائرة التخلف دائما([30]) .

المطلب الثالث: مناقشة وترجيح:

يبدو لي من خلال استعراض اجتهادات وأدلة من حرم  المواطنة والتجنيس بجنسية دولة غير إسلامية ما يلي:-

أولاً: هناك لغة مكررة فى خطاب إخواننا الذين كفّروا أو فسقوا من طلب الجنسية والمواطنة فى غير ديار الإسلام باستعمال متكرر لعبارات “الدولة الكافرة ، بلاد الكفر ، الإقامة بين الكفار ، …” والحق أنه من الأولى مراجعة هذا الخطاب الحاد الذي لا يفرق بين حكومات غير إسلامية طاغية وظالمة وأخرى عادلة ، وشعوب منقادة تحتاج أن نصلها بأسلوب خطابي يلفت انتباههم إلى هذا الدين العظيم، والأولى هنا الرجوع إلى بحث أستاذنا العلامة الشيخ القرضاوي “خطابنا الإسلامي فى عصر العولمة” حيث حقق الأدلة الشرعية على جواز استعمال لغة رقيقة فى الحوار مع غير المسلمين أو التعبير عنه كما كان هدي سيدنا رسول الله “صلى الله عليه وسلم” فى صلح الحديبية، وتعامله مع النجاشي ، وهدي سيدنا عمر t لما غير اسم الجزية لتكون الزكاة على بني تغلب ، وغيرها من الأدلة .

ثانياً: يوجد بشكل متكرر استعمال لغة القطع فى مقام الاجتهاد الذي يقوم كله على الظن حيث يعرف الاجتهاد بأنه :”هو بذل الفقيه أقصى جهده فى استنباط حكم شرعي ظني” وهو اختيار الإمام الشوكاني وغيره، لكن أن يتحول الفقيه من الاجتهاد الظني إلى الحكم القطعي فهذا خروج عن ضوابط وخصائص الاجتهاد ، ومن ذلك ما ذكره الشيخ البوطي بقوله:”إن الإقامة فى بلاد الكفر تؤدي قطعا إلى محرمات اعتقادية وأخرى سلوكية…وأن التجنس بجنسية دولة من دول الكفر من المحرمات المقطوع بحرمتها بدلالة النصوص  وأن التجنس تعبير قاطع عن الولاء للدولة …”([31]) . وأن الكفر الصريح قد يكون شرطا ضروريا لا بد منه للحصول على امتيازات ومنافع معينة فى الغرب([32]) .

ثالثاً: يشترك أيضا كل من حرم المواطنة فى بلاد الغرب أو تحريم التجنس بأن هذا ينافى البراء من الكفر ويعني الولاء لهم  وأهله ـ كما يقولون ـ والحقيقة أن هذا الفهم يعيبه أمور أصلية فى طرق الاستنباط منها مايلى:-

  • ‌أ- عزل نصوص الولاء والبراء عن بقية النصوص الآمرة بالبر والقسط والعدل مع كل من لم يحاربنا من غير المسلمين سواء كانوا أقارب أو جيران أو نقيم لديهم أو نزورهم .
  • ‌ب- عزل الوقائع والفتاوى السابقة عن سياقها وظروفها الزمانية والمكانية ، مثل فتوى تحريم أخذ الجنسية الفرنسية من أهل تونس والجزائر والمغرب فى وقت كانت فرنسا تحتل هذه البلاد وتبحث عن فرنسة المسلمين ، وتجريدهم من دينهم ، واتخاذ العملاء منهم ، وهذه فتوى صحيحة فى مكانها وسياقها لأن الحلال إذا صار ذريعة إلى الحرام حُرَّم قياساً على حرمة بيع العنب لمن يتخذه خمراً ، والسلاح فى زمن الفتن والهرج لمن يقتل به بريئاً ، ….. ومنه أيضاً حديث ” أنا برئ ممن يقيم بين ظهراني المشركين ” فالحديث مع ضعفه الشديد من ناحية السند فهو مرسل لم يصله عالم للحديث معتبر به ، لكن أيضا فى سياقه التاريخي لو صح لما دلّ على مرادهم ، لأن قوماً من بني خثعم أسلموا فآذاهم من لم يسلموا ، فأرسل النبي r إلى المسلمين ليهاجروا إلى دار الأمان والإسلام “المدينة” حيث كانت الهجرة واجبة فلم يفعلوا ، وأرسل سرية تؤدب هؤلاء المشركين الذين آذوا وفتنوا المسلمين ، فأسرعوا فيهم القتل وكان بينهم المسلمون الذين اعتصموا بالسجود فظن قائد السرية أنهم مشركون مخادعون ، ولذا كان فداء هؤلاء المسلمين على النصف لأن هناك خطأ منهم أنهم لم يهاجروا ، وخطأ من القائد أنه لم يستوثق من صحة إسلامهم ، وهذا كله يرجع إلى ما قبل فتح مكة حيث جاء النص العام ” لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ” ، وحديث عائشة : أما وقد أفشى الله الإسلام فحيث شاء رجلٌ عبد ربه .
  • ‌ج- أن مفهوم الولاء والبراء رغم كثرة ماكتب فيه إلا أنه يمكن اعتبار الولاء المخرج من الملة يشترط فيه ثلاثة أمور مجتمعة هي : –
    1. حب الكافرين وبغض المسلمين .
    2. طاعة الكافرين فيما يخالف شرع الله تعالى .
    3. نصرة الكافرين على المسلمين .

وهذه الثلاثة نجدها جدّ واضحة في سورة الحشر في موقف المنافقين الذين كرهوا المسلمين ، وأحبوا اليهود المحاربين ، وعاهدوهم على ” وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً “(الحشر : 11) ، وأيضاً على النصرة ” لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ “(الحشر : 11) .

أما آحاد هذه الشروط الثلاثة فليس من الولاء لما يلي : –

  • ‌أ- الأصل أن يحب الرجل زوجته غير المسلمة (الكتابية) وأن يحبها أبناؤها وأقاربها مادامت غير محاربة لله ورسوله ولدينه .
  • ‌ب- إذا أطاع المسلم غير المسلمين فيما يخالف الشرع من باب الهوى أو طاعة الشيطان أو تقليد العرف الغالب أو ….. ، وهو يعتقد صحة الشرع الحنيف ، ويلوم نفسه أحياناً أو كثيراً على هذه المخالفات التي تحدث من كثير من مسلمي الغرب أو حتى الشرق هذه لا تخرج أبداً من الملة لأنه مثل تارك الصلاة تشاغلاً وتكاسلاً وليس منكراً لفرضيتها .
  • ‌ج- أن من ساعد غير المسلمين ضد المسلمين جبناً وخوراً وضعفاً وهوانا فلا يحكم بكفره مثلما حدث في مساعدة حاطب بن أبى بلتعة مشركى قريش مع النص الواضح من النبي r ، لكن القلب سليم من ناحية الإيمان بصدق الرسالة ، ووجوب نصرتها .

رابعاً: لا يمكن الاتفاق مع من يرى أن عالمية الإسلام ووجوب توصيله إلى كل إنسان أن هذا يكفي فيه الزيارة بعد الزيارة من علماء الأمة ، لأن هذا الرأى يعتبر أن البلاغ يكفي بالكلمة ، لكن الحق أن المواطنة والإقامة والتجنس والشعور الحقيقي أن هؤلاء قومي ، وهذه أرضي ، وفهم آلام وأمال أبناء البلد الذى يقيم فيه المسلم ، وإشعاره الآخرين بأنه مواطن صالح حريص على قوة وتقدم بلده فى كل جوانب الخير ، هذه نوافذ ضرورية للبلاغ ، وطرائق حية للإصلاح ، والحصول على الجنسية والمواطنة يعطي حق الترشيح والانتخاب ، و هى أوسع طرق الإًصلاح والتغيير فى الغرب أكثر من الشرق، حيث لا يزال الصوت الانتخابي مغيراً ومؤثرا ، و هى  وسائل تعددت فيها الآراء بين وجوب المشاركة الانتخابية وندبها أو صحتها ، هذا بالطبع خلافا لمن يرى كراهيتها أو حرمتها وهم فى الأصل الفريق المانع من الإقامة والمواطنة استنادا لقاعدة الولاء والبراء التي يساء فهمها عادة .

خامساً: ادعاء الإجماع الذي أورده الإمام أحمد بن يحيى المونشريسي بأن إذا أسلم مشرك بدار الحرب عليه أن يخرج من داره  إلى بلد الإسلام ..” هذا إجماع لا دليل عليه ولا سند يثبته ، ولا يعرف من هم أهل الإجماع وفق شروط الأصوليين ، كما أنها فتوى تخص زمنها لو صحت ، أما الآن فأهل البلد الأصليين لا يمكن لأكثرهم أن يغادروا بلادهم ولا ينبغى ، ولا توجد دولة إسلامية واحدة تستوعبهم ، هذا كله فضلا عن الخلاف الأساسي حول هل كل بلاد الغرب هى ديار حرب أم لا؟ والراجح من بحوث سابقة وعديدة([33]) أنها دار عهد ودعوة .

سادساً: القول أن من واجبات المواطنة الاشتراك فى الخدمة العسكرية هذا صحيح ، والأصل أن المواطن يجب أن يشترك فى الدفاع عن بلده ضد كل اعتداء خارجي ، ما دام اعتداء ولو من دولة مسلمة فيجب الإصلاح أو القتال لما ورد في سورة الحجرات قوله تعالى “وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ” (الحجرات:9) ، فلو كان المسلم مواطنا فى دولة غير إسلامية واعتدت دولة أخرى مسلمة أو غير مسلمة عليها لوجب على هذا المسلم الاشتراك فى رد العدوان ، ولكن إن قامت هذه الدولة غير المسلمة بالاعتداء على دولة أخرى ـ مسلمة  أو غير مسلمة ـ لوجب إعلان رفض هذا الاعتداء ، ولا تجوز المشاركة بحال، وتجب الاستفادة من المواد القانونية التي تعطي المواطن حق الامتناع عن الخدمة العسكرية عند التأثم الضميري، وهو ما فعله محمد علي كلاي فى حرب أمريكا على فيتنام، ولذا أفتيت بعدم جواز اشتراك الجنود المسلمين الأمريكان فى الحرب على ما يسمى الإرهاب فى أفغانستان والعراق وغيرها([34])”استنادا إلى أن هذا عدوان ، ووجود مواد قانونية في الخدمة العسكرية تجيز الاعتذار، هذا وقد أفتى العلامة الشيخ القرضاوي بأنه: لا ضير فى أداء الخدمة العسكرية التي تتبع الحصول على الجنسية الغربية، فاحتمال حمل السلاح ضد الإخوة المسلمين قائم فى العالم الإسلامي نفسه كما حدث بين العراق وإيران، وحرب الخليج الثانية سنة 1991م .

هذا يعني أن ذلك وارد في ديار الإسلام ولا يسقط صحة المواطنة أو الحصول على الجنسية لكن الأصل هو الامتناع عن المشاركة في كل ما يؤدي إلى ظلم أو قتل الأبرياء .

سابعاً: أن فى المواطنة في ديار الغرب والإقامة فيه فتنة للأبناء من خلال انصهارهم فى البرامج التعليمية البعيدة عن الإسلام هذا يرد عليه بما يلي :-

  1. التعليم غير الإسلامي صار مرتكزا موجودا فى ديار الإسلام كلها أو أغلبها وتستهوي الكثير من أبناء المسلمين، وهو يحتاج إلى منظومة كاملة فى مواجهة العولمة سواء كانت فى ديار الإسلام أو خارجها .
  2. هناك انتشار كبير للمدارس الإسلامية فى الغرب وهي وإن كانت تحتاج إلى الكثير من التطوير والتقويم لكنها تقوم بدور ضروري جدا للمسلمين فى الغرب .
  3. انتشرت صور جديدة من التعليم المنزلي أو عن بعد، وهو يتيح فرصا جديدة للتخلص من آثار الاحتكاك الذي يضر ببعض الأولاد الذين فتنوا أو انقادوا لزملائهم غير المسلمين .
  4. إذا أدى الآباء والأمهات دورهم التربوي لأولادهم ، فيبدو لي أن هؤلاء حتى لو تعلموا فى مدارس غير إسلامية سيكونون رموزا طيبة للإسلام فى مدارسهم وجامعتهم كما نرى فى ولايات كثيرة ، وهي من الوسائل الدعوية الضرورية .
  5. ومع ذلك إذا رأى الوالدان أن الأولاد قد تأثروا كثيرا بالتعليم الغربي العلماني فيجب أن يتخذوا من التدابير ما يردّ أولادهم إلى الفطرة الصحيحة ، ولو كان ذلك يقضي ترك هذا المناخ إلى بلد إسلامي ومدارس ذات توجهات تربوية صحيحة .

ثامناً: إدعاء أن المواطنة بين غير المسلمين أحد مقومات وجودهم ، وأسباب قوتهم كما ذكر الأستاذ رحيل محمد رحيل قول لا يمكن التسليم به ، حيث إن مسلمي أمريكا لا يزيدون عن 3% ، وهم في دول أوربا لا يزيدون في أية دولة عن 15% فهل هذه الأقلية أحد مقومات وجودهم وسبب قوتهم ، إن هذا من المغالطات إن لم تكن من المبالغات الكبيرة ، ونحن نأمل أن تكون الأقلية المسلمة عناصر حية قوية مؤثرة فى أي بلد استوطنوا .

تاسعاً: أشارك أصحاب الرأى فى منع الجنسية فى أمر أساسي وهو التخوف من هجرة العقول المتميزة فى الأمة الإسلامية إلى الغرب مما أعتقد أنه تدمير للأمة الإسلامية وتعمير لدول الغرب، والإحصاءات مخيفة، بل مرعبة، بما يوجب إصلاحا ضروريا أولا في بلاد الإسلام التي لم تهيئ المناخ العلمي والمادي بل مناخ الحرية لكي يجد النوابغ من هذه الأمة مكانهم الطبيعي بين أبناء ملتهم وإذا كان الشجاع من انتصف من نفسه فأرى أن هذا مرجعه إلى دول الإسلام أكثر من دول الغرب التى تغري هؤلاء النوابغ بالهجرة أو البقاء لديهم ، وإعطائهم الفرصة الكاملة للابتكار والإبداع ، مع رخاوة العيش وطيب الإقامة .

المطلب الرابع : من يرى صحة المواطنة فى غير ديار الإسلام :

هناك الكثير([35]) من العلماء الذين يرون صحة المواطنة فى غير ديار الإسلام أورد عدد منهم ثم أعود إلى ذكر الأدلة النقلية والعقلية .

( 1 ) الشيخ محمد رشيد رضا:

يقول الشيخ: لا خلاف فى وجوب الهجرة من الأرض التي يمنع فيها المؤمن من العمل بدينه ، أو يؤذي إيذاء لا يقدر على احتماله ، أما المقيم في دار الكافرين ، لا يمنع ولا يؤذى إذا هو عمل بدينه ، بل يمكنه أن يقيم جميع أحكامه بلا نكير ، فلا يجب عليه أن يهاجر ([36]) .

( 2 ) الشيخ المراغي:

يقول الشيخ المراغي :”المقيم في دار الكفر ولا يمنع ولا يؤذى إذا طبق شعائر دينه ، فلا يجب عليه الهجرة كما هو مشاهد من المسلمين المقيمين في بلاد الإنجليز الآن ، إلا أن الإقامة فيها ربما كانت سببا من أسباب محاسن الإسلام ، وإقبال الناس عليه ……. “([37]) .

( 3 ) الشيخ العلامة : يوسف القرضاوي:

يقول الشيخ فى كتابه فقه الأقليات المسلمة  الحصول على جنسية تلك البلاد “أي غير الإسلامية”، وهي تعطي المسلم قوة مادية ومعنوية ، وتجعل له حق المواطنة ، كالمواطنين الأصليين ، فلا يستطيع أحد طرده كما يشاء ، وله حق الانتخاب والترشيح ، وحقوق أخرى كثيرة ومهمة،وتستطيع الجماعة المسلمة إذا اتحدوا وتفاهموا وتعاونوا أن يكونوا جماعة من(جماعات الضغط ) السياسي.

( 4 ) الشيخ جاد الحق “شيخ الأزهر” السابق:

ذكر فضيلة شيخ الأزهر :” إذا أمن المسلم على دينه” ، ومارس شعائر الإسلام في بلد ليس له دين أصلاً ، أو له دين غير الإسلام تصح إقامته ….

( 5 ) المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث:

إن المجلس الأوربي بثقله العلمي وبهذه الريادة العلمية من أمثال فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيسا وفضيلة الشيخ العلامة الدكتور فيصل مولوي وأعضائه من السادة العلماء قد تجاوزوا الحكم فى هذه القضية إلى بحث المشكلات الواقعية فى ضوء الأحكام الشرعية والمقاصد الكلية حتى صار يمثل المرجعية الأولى للمسلمين فى أوربا ، ومن هذه التوصيات الجامعة للمجلس ما نصه فى دورته الثانية للمجلس الأوربي :” نحث المسلمين على الالتزام بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ، وبما أجمع عليه فقهاء الإسلام من وجوب الوفاء بمقتضيات عهد الأمان وشروط الإقامة والمواطنة…” .

( 6 )  الشيخ طه جابر العلواني  رئيس “المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية” سابقاً:

يقول الشيخ :”لم تكن فكرة المواطنة كما نفهمها اليوم موجودة فى العالم الذى عاش فيه فقهاؤنا الأقدمون .. ولم تكن الإقامة في بلد غير البلد الأصلي تكسب حق المواطنة بناء على معايير ثابتة مثل الميلاد في البلد المضيف أو الزواج أو  الإقامة وإنما كان يتحول مباشرة إلى مواطن إذا شارك أهل البلد معتقداتهم وثقافاتهم أو يظل غريبا بها طال به المقام”([38]) . … ويرى ضرورة الالتزام بالمفهوم القرآني للجغرافيا فالأرض لله والإسلام دينه ، وكل بلد هو “دار إسلام” بالفعل فى الواقع الحاضر ، أو دار إسلام بالقوة فى المستقبل ، والبشرية كلها أمة الإسلام فهي إما “أمة ملّة” اعتنقت هذا الدين ، أو “أمة دعوة” نحن ملزمون بالتوجه إليها لدخوله ……([39]) .

( 7 ) د.عبدالكريم زيدان:

يرى أن الأصل فى الإقامة والتجنيس بدار الحرب هو الحظر إلا إذا وجد المبرر لذلك وأهم هذه المبررات :-

  • التُجارة كما كان يدخل تجار دار الحرب إلى دار الإسلام وتجّارنا إليهم .
  • الدعوة إلى الله تعالى لأن النبي r ذهب إلى الطائف وهو بمكة لأن الإسلام دين عالمي . وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
  • طلب العلم النافع له وللمسلمين الذي لا يجده إلا فى دار الحرب كالعلوم الصناعية ، فيباح أو يندب أو يجب السفر لتعلم ما يقوي المسلمين .
  • العلاج لأن التنقل للعلاج لم يقيد أن يكون فى ديار الإسلام والمطلق يجري على إطلاقه ([40]).

( 8 ) الشيخ محمد علي التسخيري:

يقول الشيخ :”التجنس بجنسية البلاد الكافرة في نفسه لا مانع منه إلا ترتب عليه عمل محرم … فإذا أمكن التخلص منها فلا مانع وإلا فلايجوز ، إلا أن تكون ضرورة”وهو يتوافق مع رأي كثير من علماء الشيعة منهم السيد كاظم الحائري وآية الله لطف الله الصافي

( 9 ) عدد من الباحثين في دراسات علمية متخصصة في فقه الأقليات:

هناك عدد من الباحثين المتميزين الذين عاشوا أو زاروا الغرب وقدموا رسائل علمية متميزة تجمع بين الأصالة والمعاصرة ، وفقه النص والواقع، فقه الجزئيات والمقاصد منهم ما يلي:

(1) د.شريفة آل سعيد: عقدت الدكتور شريفة آل سعيد فصلاً بعنوان حكم إقامة الجاليات الإسلامية فى غير البلاد الإسلامية والتجنس بجنسيتها([41]) ، مهدت فيه بأقسام الديار إلى دار إسلام وحرب وعهد وموقع هذا التقسيم فى الواقع المعاصر ورجحت أن أكثر دول العالم دار عهد ودعوة وأوردت حالات المسلم فى البلاد غير الإسلامية ما بين مضطهد مطارد يجبر على تغيير دينه وهذا تجب عليه الهجرة ، ومن لا يقدر على الهجرة لا إثم عليه ، أما من كان قادرا على أداء واجباته الدينية محافظا على هويته الإسلامية ، ولا يخشى الفتنة فى دينه أو نفسه فلا حرج من الإقامة أو التجنس بل قد  تكون واجبة أحيانا ووضعت أهم الضوابط للتجنس ومنها :-

  1. ألا يترتب على الإقامة أو التجنس فقدان المسلم لشخصيته الإسلامية أو أولاده .
  2. أن يكون المسلم سفيرا للإسلام بخلقه وعمله .
  3. أن يجدد نيته دائما أن يتعاون مع الصادقين لإقامة الإسلام فى مجتمعه.

(2) الباحث عمار منذر قحف: قدم في رسالته للماجستير بعنوان الأحكام الشرعية الناظمة للعادات الاجتماعية للأقليات الإسلامية فصلا عن الجنسية وآثارها الاجتماعية ، يقول :إن الحلف والعقد (الجنسية والمواطنة) الذي يبرمه مسلمو أمريكا يحقق مصالح ملموسة لهم ولبقية المسلمين فى العالم ، ذلك أن أمريكا التي تسيطر على العالم تقوم على مبدأ جماعات الضغط المؤثر فى النظام السياسي من خلال تبادل المصالح ، فالمسلمون يدافعون فى أمريكا عن موقف بلدانهم الأصلية، وهم سفراء الإسلام أيضا فى سلوكهم الملتزم والداعي لمبادئ الإسلام فى كل مجالات الحياة([42]) .

(3) الباحث سليمان توبولياك: قدم الباحث فى رسالته للماجستير  بعنوان : الأحكام السياسية للأقليات المسلمة فى الفقه الإسلامي فصلا بعنوان : حكم إقامة المسلمين فى البلاد غير المسلمة والهجرة منها تناول فيه أدلة المؤيدين والمخالفين وبحث حكم اللجوء السياسي إلى البلاد غير الإسلامية وانتهى إلى أنه ، “لا ريب أن دار الكفر اليوم تغيرت كثيرا فى معظم دول العالم حيث حقوق الإنسان محفوظة بالدساتير والقوانين بغض النظر عن اعتقادات الشخص وتوجهاته كما أنه يسمح للمسلمين أن يظهروا دينهم ويمارسوا شعائرهم الدينية، وهذا يعني أن الهجرة ليست واجبة على من كان في دار الكفر وحاله هذه ، خاصة اليوم حيث لا توجد الدولة الإسلامية التي تستقبل المهاجرين ، بل لا يختلف اثنان أنه في الدول الإسلامية  أكبر نسبة انتهاكات لحقوق الإنسان ، وهي أيضا أقل الدول ديمقراطية فى العالم”([43]) .

(4) د أحمد شلبيك([44]): قدم الدكتور بحثا ـ لم ينشر ـ بعنوان حكم التجنس بجنسية غير إسلامية بين فيها مواقف المسلمين في غير ديار الإسلام بين مستضعف ومن يتمتع بحرية وبين أصليين من أبناء البلد ومهاجرين ، وفرق بين أرض اغتصبت مثل فلسطين والشيشان والفلبين وألبانيا ، والبلاد التي هاجر إليها المسلمون مثل أوربا وأمريكا ، من يعيش فى هذه البلاد وتعطيه الجنسية حقوقا وإمكانات لممارسة شعائر دينه ، فيجوز لهم التجنس بل يجب عليهم لأن فى التجنس اعترافا بكيانهم وحصولهم على الضروريات فى الحياة ، فمن ليس له جنسية ليست له أية حقوق فى تلك المجتمعات ، ولا يستطيع الاستفادة من المرافق العامة ، ولا يجوز للإنسان أن يضر بنفسه ولا بغيره ، وكل ما يؤدي إلى الحرام حرام وكل ما يؤدى للحصول على ذلك فهو واجب ([45]).

المطلب الخامس : أدلة من يرى صحة المواطنة فى ديار غير الإسلام:

سوف أورد هنا الأدلة النقلية التي تمثل قناعاتي([46]) بجواز  استحباب أو وجوب المواطنة في ديار غير المسلمين:

أولاً: الأدلة من القرآن الكريم :

  • قوله تعالى :”فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ” (النحل:36)

ورد الأمر بالسير في الأرض ثلاث عشر مرة([47]) ، تدعو المسلمين مرات وغير المسلمين مرات أخرى بأن يسيروا في الأرض فيعتبروا بما حدث للأمم السابقة([48]) ، أو كيف بدا الله الخلق .

وهذه الآيات تعطي الأصل العام وهو أن الحركة فى الأرض والمقام بأي جزء منها والتوطن فى أي البلاد هو الأصل العام ، وليس الأصل هو الحظر كما يذكر البعض ، فالأصل فى الأشياء الإباحة إلا ما ورد الدليل بحرمته ، وهنا الأمر بالسير عام غير مخصص ، والتخصيص إذا قدرناه بالاستضعاف الوارد فى سورة النساء لا يلغي الأصل العام ، وهو إباحة السير والمواطنة فى أي مكان فى الأرض .

  • قوله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ” (النساء:97،98)

هذه الآية يستدل بها أكثر الذين يحرمون أو يفسقون أو يكفرون من يقيم في غير ديار الإسلام ، وأرى أن هذه الآية من أدلة الجواز أو الندب أو الوجوب فى بعض الأحيان أن يهاجر الإنسان من بعض بلاد الإسلام إلى بلاد أخرى إسلامية أو غيرها ، فراراً بدينه وحفاظاً لنفسه وأهله وولده وماله .

وإذا أردنا أن نحقق مناط هذه الآية فإننا نستطيع أن نقرر مايلى:ـ

  • أن كثيراً من ديار الإسلام ضاقت بالدعاة الصادقين ، وطاردتهم وأدخل الكثير منهم السجون والمعتقلات ، ومارسوا معهم أشد أنواع التعذيب ، وأنهكوا أهلهم وأولادهم ولطخوا سيرتهم فى وسائل الإعلام ، وفَصَلوا الكثير منهم من وظائفهم ولم يجد هؤلاء الدعاة وقفاً إسلاميا يحفظ لهم عيشاً كريما ، أو كفافاً من العيش ، فهاجر كثير منهم إلى بلاد غير إسلامية ، ووجدوا هناك حرية لا تقارن بما كانوا فيه من ملاحقة وتضييق ، وبدأوا يؤسسون المراكز الإسلامية ، والمدارس والمؤسسات التعليمية والإغاثية ، وأنشأوا دور النشر ومراكز الدعوة وصار من وراء تلك الهجرات وذاك التوطن خير كثير يشهد به كل من رأى وشاهد وعاين ، وليس من سمع وقرأ فقط عن الغرب ! فلهذا يبدو لي أن هؤلاء قد طبقوا الآية عندما هاجروا وحافظوا على أنفسهم وذريتهم وإخوانهم ، بل صار من يتشبع بفكر علماني أو شيوعي في بلادنا من جراء الوجه الواحد الذي يعرف فى وسائل النشر إذا سافر للبعثات الدراسية فى الغرب ووجد النشاط الإسلامي والمسجد والإخوة والأخوات فى المدارس والجامعات يتغير فكر الكثير فى هذه الأسفار الغربية ، ليكونوا بحق دعاة مصلحين ، وعلى أيديهم دخل كثير من أبناء هذه البلاد فى الإسلام ، ورفع المسلمون شعار التوطين والآن المواطنة كى يحققوا للإسلام انتشاراً وامتداداً ما كان أحد يحلم به لكنه قدر الله تعالى “إذا ضاق الأمر اتسع”([49]) .
  • قولة تعالى :” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” (آل عمران: 110) .

قال مجاهد : كنتم خير أمة أخرجت للناس على الشرائط المذكورة ، وقال القرطبي : مدح الله هذه الأمة ما قاموا بالأمر بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وآمنوا بالله واتصفوا به ، فإذا تركوا الأمر بالمعروف وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سبباً فى هلاكهم([50])

وقال الشيخ السعدي فى تفسيره للآية : هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم ، وأنهم خير الناس للناس نصحاً ومحبة للخير ودعوة وتعليماً وإرشادا وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، وجمعاً بين تجميل الخلق والسعي فى منافعهم وبين تكميل النفس بالإيمان بالله والقيام بحقوق الإيمان([51]) .

ويقول د. العلواني : إن أمةًً لها هذه الخصائص لا يمكن أن تحدها أرض أو يختص بها مكان بل لابد أن تخرج إلى الناس وتبلغهم رسالة الله([52]) .

والحقيقة التي أؤمن بها أن هذه الهجرات وإن كانت عشوائية هي من تقدير الله تعالى حتى تقوم الأمة برسالتها فى تبليغ دعوة الله إلى الناس ، ولو لم تكن هذه الهجرات قد تمت لكان يجب أن تُخرج الأمة وفوداً للدعوة إلى الله تعالى تقيم بين أظهرهم وتبلغهم دعوة الله تعالى ، ليس في خطب منبرية أو حلق مسجدية ، وإنما فى معايشة لواقع كل بلد ، وإشعارهم إننا جزء منهم نرجو لهم الخير ، ونتعاون معهم فيما لم يخالف شرعاً ، وننصحهم وندعوهم إلى الله في كل المواقع من الجار والصاحب بالجنب إلى المجالس النيابية ، والقنوات الفضائية ، والأحزاب السياسية .

بهذا نكون خير أمة أخرجت للناس حقاً لأننا نوقن أن منهاجنا هو رحمة للناس”وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”(الانبياء107) وهذا هو جوهر رسالتنا في الحياة وهي العبودية لله ليس في النفس فقط بل السعي مع الناس حتى يعبدوا الله تعالى كما جاء في كلمات ربعي بن عامر أو كما قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالىَ:”وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات :56) ما العبادة التي خلق الله الجن والإنس لها ؟ قلنا: هي التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله ، فإن هذين النوعين لم يخل شرعاً منهما([53]).

  • قوله تعالى : “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” (سبأ 28)

هذه الآية وأترابها مما يفيد عالمية الإسلام توجب مايلي:ـ

  • أن رسالة الإسلام يجب أن تصل لكل أهل الأرض فى أي مكان منها.
  • والرسول r قد قبض ونحن حملة رسالته من بعده لقوله تعالى ” قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ “(يوسف : 108) فكل من اتبع الرسول r يجب أن يكون داعية ، قال ابن حزم الأندلسي في المسألة رقم (48) من المحلى : والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان على كل أحد، كلُ على قدر طاقته باليد ، فمن لم يقدر فبلسانه ، فمن لم يقدر فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ، وذكر الأدلة العديدة وذكر أنها أدلة محكمة لا ناسخ لها([54]) .
  • من الدعوة على بصيرة أن نكون على علم بما يلى:.
  • رسالة الإسلام التي سنحملها للناس .
  • واقع القوم الذين ندعوهم من حيث التاريخ والتحديات والثقافة والاعتقادات السابقة والمؤثرات الحالية والآمال المستقبلية .
  • لغة القوم لقوله تعالى” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” (إبراهيم:4) .
  • الطرائق المتعددة للدعوة العملية والقولية ، وليس أجدى فى الدعوة من المخالطة والمعايشة وأن يروا محاسن الإسلام فى أفراد وجماعات ويظهر لنا الإمام الكاساني الحنفي هذا البعد الدعوي في التعامل مع أهل الكتاب إذا كنا دولة فيها غير مسلمين فيقول : إن ترك أهل الكتاب بالذمة ليس ذلك طمعا فيما يؤخذ منهم ، بل ليخالطوا المسلمين فيتأملوا فى محاسن الإسلام وشرائعه فيروا أن الإسلام مؤسَس على ما تحمله العقول وتقبله ، فيدعوهم ذلك إلى الإسلام ، وهذا سبب عقد الذمة([55]) .
  • متابعة هذه الدعوة فإن بعض الوقت ألين من بعضه ، والارتقاء الفكري والسلوكي بالمدعوين حتى إذا جاءت فرصة سانحة ، وانشراحة صدر انتهزها كى يقرب عباد الله إلى الله تعالى .

هذه المتطلبات للدعوة على بصيرة لا تصلح من الزائرين بل من الدعاة المقيمين الذين يتقنون لغة القوم ويفهمون تاريخهم وواقعهم وطموحاتهم ، ثم يخاطبونهم فى كل موقع ، وليس كما ذكر الشيخ البوطي أن وجوب الدعوة فى غير ديار الإسلام يكفي أن نرسل وفوداً زائرين وفداً وراء آخر دون إقامة ، هذا قطعاً لم يعد يصلح اليوم فليس لدى القوم فراغ حتى يأتى خطيب أو متحدث يلقي إليهم بخاطرة أو موعظة ثم يعود ، ويكون قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، بل يجب أن تُرسل وفود للإقامة والمواطنة وينادوا عليهم بنداء كل أنبياء الله تعالى “يا قومي” وليس (ياأهل الكفر) فهو منهم وليس غريباً أو وافداً عليهم .

  • قولة تعالى ” وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ” (المزمل: 20)

هذه الآية تبيح الضرب فى جنبات الأرض للتجارة والربح ، فلا حرج على المسلم أن يخرج تاجراً فى ربوع الأرض ، والشركات العالمية وعابرات القارات لا يجوز أن تكون حكراً على غير المسلمين بل يجب أن ينهض المسلمون بواجبهم فى أن تكون لهم شركات ومؤسسات عالمية تقوم على شريعة الإسلام وعدم الاستغلال والاحتكار ، وتحفظ المسلمين من ضغوط التجويع والإفلاس ، ألم تكن التجارة هي مفتاح الدعوة فى بلاد الهند والسند؟ ألم تكن القوافل التجارية تحمل فى طياتها المعاني التربوية والدعوية؟، إن ابن مسعود الذي نشأ فى جزيرة راعياً للغنم عند عقبة تحول بإسلامه وفهمه إلى إن قال فى تفسير هذه الآية :”أيما رجل جلب أى استورد بضاعة” إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء” وقال ابن عمر : ليس موتة أحب إلىّ بعد الموت فى سبيل الله من الموت بين شعبتيْ رحلِى أبتغي من فضل الله ضارباً فى الأرض([56]) .

ولقد أنزل الله تعالى آية يرفع بها الحرج عمن خافوا أن يجمعوا مع الحج تجارة رابحة فأنزل الله تعالى ” لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ “(البقرة:198) وفى هذا يروي الدار قطني عن أبي أمامة التميمي قال قلت لابن عمر:إني رجل أكري فى هذا الوجه وإن ناسا يقولون لا حج لك.

فقال بن عمر: جاء رجل إلى رسول الله   r فسأله مثل هذا الذى سألتنى ، فسكت حتى نزلت هذه الآية ” لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ ” فقال رسول الله r إن لك لحجاً([57]).

ولقد كانت الحركة التجارية بين ديار الإسلام وغيرها قوية مما أحوج سيدنا عمر إلى أن ينظمها ويضع لها قوانين وفى هذا يروي أبو يوسف ويحيى بن آدم أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب أن تجار المسلمين إذا دخلوا إلى دار الحرب أخذ منهم العُشر، قال: فكتب إليه عمر “رضي الله عنه” : خذ منهم العُشر مثلما يأخذون منا ، وخذ من تجار أهل الذمة نصف العُشر ، وخذ من المسلمين مائة وخمسة ، فما زاد فمِن كل أربعين درهماً درهماً([58]) .

لو أن هذا المستوى من النضج الفكري والاقتصادي ظل حتى زماننا هذا ما صرنا إلى هذا الانحسار الذي جعل الاقتصاد والإعلام بيد غيرنا وهما صنّاع السياسة العالمية وهما أسلحة الخراب والدمار المادي والأخلاقي فى أمة الإسلام .

وعليه فإن السفر والإقامة والمواطنة لأجل التجارة وتكثير المال في أيدي المسلمين لا حرج فيه شرعا جريا على الأصل العام ، ما لم يؤد ذلك إلى ضياع الدين وفتنة الأولاد ، فإن المال فى سلم المصالح الضرورية الستة هو آخرها ” الدين والنفس والعرض والنسل والعقل والمال ” والمال يحفظ كل ما سبقه فى الرتبة من دين ونفس وعرض ونسل وعقل ، ونحن نحتاج إلى مبادرات تحفظ المسلمين ديناً ودنيا وليس إلى فكر انعزالي يضاعف الاستضعاف ، ونتراجع معه عن كل قدراتنا التي وهبها الله لنا .

ثانياً: الأدلة من السنة النبوية والآثار:ـ

  • روى البخاري بسنده عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة t مع عبيد الله بن عمير فسألتها عن الهجرة قالت : لا هجرة اليوم ، إنما كانت الهجرة إلى الله ورسوله وكان المؤمنون يفرون بدينهم إلى رسول r من أن يفتنوا ، أما وقد أفشى الله الإسلام فحيثما شاء رجلٌ عَبَد ربه ، ولكن جهاد ونية([59]). هذا الحديث من أحاديث المقاصد فى بابه ، أي أن حركة المسلم تدور حول المكان الذي يستطيع أن يطبق دينه فى نفسه وأهله ومجتمعه وأمته ، وأن واجبه نحو هذه الأركان أفضل من المكان الذي تركه ، ولذا يقول ابن حجر العسقلاني : أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة بسبب خوف الفتنة والحكم يدور مع علته فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله فى أي موضع لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت([60]) ، وقال الكاساني الحنفي : لا خلاف بين أصحابنا في أن دار الكفر تصير دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها([61]). وقال الماوردي الشافعي :إذا قدر المسلم على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر ، فقد صارت البلد به دار إسلام ، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يرجى من دخول غيره فى الإسلام([62]) . من هذا الحديث يبدو جليا أن المواطنة تتوقف على مدى قدرة المسلم أن يمارس شعائر دينه وأن يحفظ نفسه وأن يدعو غيره ، والواقع أن الغرب الآن يعطي فرصاً أضعاف ما يجده المسلم فى ديار الإسلام ، نعم هناك فتن لكنه تحدٍ كبير والحمد لله نجح فيه بتوفيق الله تعالى أعداد كبيرة ، وأخفق آخرون ، والحرام لا يحرم الحلال ، فحيثما وجد المسلم سعة فى الدعوة أقام ، وحيثما أغلقت عليه الأبواب رحل إلى غيرها عملاً بآيات سورة النساء وبهذا الأثر .
  • روى البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عباس أن النبي r قال يوم فتح مكة : “لا هجرة ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا” . يبدو لى أن هذا الحديث فيه أمور يجب التوقف عندها([63]) أهمها:
    • “لا هجرة” مقصود بها واقعة حال تخص عصر النبوة فى أن الهجرة الواجبة من مكة أو غيرها إلى الدولة الوليدة الآمنة لكل مسلم فى المدينة لم تعد واجبة وليس فيها تحريم الهجرة إلى يوم القيامة فيظل الأصل العام هو التحرك والهجرة من بلد لآخر لأسباب دعوية أو مالية أو علمية أو أمنية أو لأى سبب آخر من أسباب الخير أو الشر .
    • الحديث يقر المقصد من الهجرة إلى الله تعالى ورسوله r أنها ترتبط ليس بالمكان وإنما بمقدار التمكين الذى يراه المسلم لدينه ودعوته ، فعلى قدر سعة الحركة بدين الله يكون مقامه واستوطانه.
    • الاستنفار إذا كان للحرب والقتال فهو أيضا للدعوة إلى الله عز وجل ، وفتح المؤسسات الإسلامية وإنشاء جماعات الضغط التي تساهم فى الحفاظ على مساحات الحرية المرجوة والسعي للاعتراف بالإسلام كدين عالمي له أتباع كثر يجب أن يُحترم في كل الأطر الرسمية والقوانين المحلية والهيئات العالمية ، والأصل أن المسلم حيثما أقام سواء فى ديار الإسلام أم غيرها أن تكون له مبادرات ومشاركات دعوية مع إخوانه المسلمين حوله ، بل مع المنصفين من غير المسلمين كي نقدم للبشرية كلها نموذجاً رفيعاً لمنهج الإسلام الإصلاحي والتعمير الحضاري وليس كما صوروه منهجاً رجعياً تدميرياً.

من هذه الأدلة فى القرآن الكريم والسنة النبوية ننتهي إلى صحة المواطنة فى غير ديار الإسلام سواء كان مواطناً أصلياً أو طلب الجنسية ليكون مواطناً من رعايا دولة غير إسلامية , وإن كان هناك تفصيل آخر في شروط هذه المواطنة أو طلب الجنسية والتي تدور أغلبها حول مدى تحقيق المقاصد الشرعية للفرد والأسرة والجماعة المسلمة ، وأمة الإسلام سواء في دينها أو نفسها أو نسلها أو عرضها أو عقلها أو مالها .

وهذه تحتاج إلى بحوث متخصصة أخرى ..

الخلاصة
  • المواطنة هى علاقة بين فرد ودولة يحدد قانون تلك الدولة واجبات وحقوق فى تلك الدولة وتتسع وتضيق الحقوق حسب مدى تقدير الإنسان في دولته .
  • المواطنة فى القرآن والسنة تأتى بالمعنى الاصطلاحى ، بلفظ الدار ، ويصل الاعتزاز بالمواطنة إلى اعتبار الإخراج منه قهراً يساوي القتل فى الإسلام.
  • هناك عدد من العلماء أفتوا بحرمة طلب الجنسية أو المواطنة فى غير ديار الإسلام وذهبوا إلى تكفير أو تفسيق من يفعل ذلك ، وعموم أدلتهم تستند إلى الولاء والبراء والخضوع لأحكام غير الإسلام طواعية، والفتن التي يتعرض لها الأولاد خاصة والأسر عامة ، ويستدلون بنصوص صحيحة لا تدل على مقصودهم حيث تنتزع من سياقها , أو تهمل بقية النصوص فى موضوعها ، أو يعتمدون على فتاوى لها ظروفها التى تغيرت فى واقعنا الآن .
  • الحق أن الولاء المحرم يعنى حب غير المسلمين وبغض المسلمين ، وطاعة غير المسلمين مخالفة لشرع الله ، والنصرة لهم ، وهذه المعانى مجتمعة لا تتوفر فى كثير من صور المواطنة الأصلية أو المواطنة بالتجنيس .
  • هناك مفاسد فى الإقامة فى غير بلاد الإسلام ، لكن هذه المفاسد لم تعد قاصرة على هذه الديار ، ويحتاج الأمر إلى الاجتهاد المقاصدى فى مدى تحقيق شرع الله فى حياه المسلمين ، خاصة فى وجوب نشر الدعوة ، والخروج إلى الناس جميعاً بهذا المنهج .
  • أتوافق مع أكثر العلماء الذين يرون صحة المواطنة الأصلية أو بالتجنس ، حيث تدل على ذلك نصوص الأمر بالسير والضرب فى الأرض للدعوة أو للتجارة أو التعليم ، ووجوب نشر الإسلام فى الأرض كلها ، ووجوب حماية المصالح الضرورية بالهجرة إذا تعرض المسلم للفتنة فى بلاده .
  • أى مسلم فى بلد غير مسلم يجب أن يعتز بالمواطنة ، ويستشعر المسئولية عن إصلاح بلده ، والوفاء لها بحق البناء والتعمير ، وليس التخريب والتدمير ، بشرط أن يكون ذلك من خلال التزام الثوابت الإسلامية .
  • على كلٍ إذا تيقن المسلم المقيم فى غير ديار الإسلام أنها دار فتنة له أو لأسرت فيجب عليه أن يغادرها إلى بلد يأمن فيه على دينه وعرضه .

[1]قضايا الخليج www.gulfissues.net\mpage\paperartc\ashoor.htm

[2] قانون الهجرة والتجنس في المرسوم (337) . على موقع الإنترنت لدائرة الهجرة والتجنس الأمريكية الحكومية :www.usdoj.gov

الوجيز في القانون الدولي الخاص د. صوفى أبو طالب ص : (1/65)

[3]  معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام ، ص (149،195) .

[4] ورد المعنى نفسه في حديث آخر للإمام أحمد بن حنبل ـ مسند المكيين .

[5]  ورد هذا اللفظ أيضا في حديث رواه الترمذي في سننه كتاب تفسير القرآن عن رسول الله r ، ومن سورة التوبة بعبارة :”وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها .. .

[6]  رواه ابن حبان ـ كتاب البر والإحسان ، باب ما جاء في الطاعات وثوابها رقم (39774) .

[7] سند أبي داود – كتاب الحج : باب الصلاة بمنى رقم (1962) من كتاب ضعيف سند أبي داود تأليف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ص (153).

[8]  الجنسية في الشريعة الإسلامية ، رحيل محمد رحيل ، ص (155) .

[9]  إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء.

[10] ثلاث رسائل فقهية ـ الأولى : حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية ، ص (111، 112) .

[11] نفسه ، ص (112) .

[12] نفسه ، ص (113) .

[13]  الإقامة والتجنس في دار الكفر ، ص(185 -195) ، وهذه خلاصته من بحثه وقد حرصت على نقل عباراته نصا .

[14] راجع فتوى الشيخ على صفحة إسلام أون لاين يوم 13/8/2000م

[15] هناك فتوى علماء جمعية الهداية الإسلامية بتوقيع الشيخ علي محفوظ رئيس لجنة الفتوى وأمانة الشيخ محمد الزرقاوي ( من علماء الأزهر الشريف ) ، وفتوى الشيخ أدريس الشريف محفوظ مفتي بيروت ، والشيخ محمد شاكر .

[16] الأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي ، رسالة ماجستير ، ص (81) .

[17] الاقامة والتجسس في دار الكفر ص (199)

[18] ثلاثة رسائل فقهية ص(14-53) ، وقد أورد قرابة العشرين آية منها : البقرة :217 ، آل عمران :28-149-162 ، المائدة: 52-80-81 ، الأعراف : 175 ، التوبة :23 ، هود :113 ، النحل :106-107 ، الكهف :20 ، الحج :11 ، محمد :25 -28 ، المجادلة :22 ، الحشر :11 ، الممتحنة :1 .

[19]  الجنسية في الشريعة الإسلامية ، ص (141) .

[20] رواه النسائي مرسلا ، وبهذا قال البخارى والدار قطنى ، والترمذي ، وأبو داود ، راجع تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول r رقم 34038 ، 2172253

[21] سلسة الأحاديث الصحيحة للألبانى (5/435) ، وذكر : قال الحاكم الصحيح على شرط البخارى ووافقه الذهبى وتصحيحه وهّم فاحش منهما . راجع تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول r رقم (150001) .

[22]  ثلاث رسائل فقهية الشيخ السبيل ص (54) ، الجنسية في الشريعة الإسلامية ، رحيل محمد ، ص (142) .

[23]  راجع رسالته للماجستير ص (61) ، ولم أستطع الحصول على كتاب البيان والتحصيل الذي نقل عنه وهو أمين لا يتهم في نقله عن الإمام الونشر يس ص (4/171) وملحق المدونة الكبرى (5/466) .

[24]  الجنسية في الشريعة الإسلامية ، رحيل محمد رحيل ، ص(141)

[25]  نفسه ، ص ( 142 ، 150) .

[26]  السابق ، ص (144 – 150 ) .

[27]  نفسه ، ص (149) .

[28]  الإقامة والتجنس للشيخ البوطي ، (202) .

[29]  نفسه ، ص( 204) ، وهذه نص عباراته غفر الله له .

[30]  الجنسية في الشريعة الإسلامية ، ص (151) وقد أوردت في كتابي عن المشاركة في الانتخابات إحصاءات رهيبة عن حجم هذا الاستنزاف العقلي والفكري لأمة الإسلام منها ما قرره البروفسور باكنز رئيس جامعة كورتل الأمريكية أنه قد هاجر في الفترة من (1949-1961) 43 ألف مهندس ، 11 ألف طبيب . وإحصائية أخرى أن العلماء الذين هاجروا من ديار الإسلام إلى أمريكا من (66 -1977) 109.253 عالما ، وفي تقرير آخر أن طلاب البعثات الدراسية من المصريين يبقى في الخارج 70% منهم أما طلاب العراق فيبقى في الخارج 81.2 % من طلاب البعثات الحكومية ، ومن طلاب لبنان 90% ، وأن عدد الأطباء الجزائريين في باريس أكبر من عدد كل الأطباء في الجزائر ، وعدد الأطباء الإيرانيين في نيويورك أكبر من عدد جميع الأطباء في إيران .

وأخيرا تقدر هذه العقول المهاجرة بأنها سببت في خسارة مادية لبلادها الإسلامية في عقد ونصف أكثر من200 مليار دولار حسب تقرير لمنظمة العمل العربية في المؤتمر الذي عقده وزراء العمل في الدول العربية في الإمارات سنه 2003 راجع مقال أ. عبد الناصر نهار إلى مجلة ميدل إيست أولاين يوم 3/9/2003 www.midle-east-online.com ، وراجع برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة حيث استضاف أ. أحمد منصور الدكتور حسان النجار رئيس اتحاد الأطباء العرب بتاريخ 8/8/2001م وكان حواراً ثريا بالأرقام والحقائق عن ” أسباب ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الغرب

[31]  راجع هذه اللغة القطعية في كتابه عن الإقامة والتجنس ص(185-199) .

[32]  راجع هذه اللغة القطعية في كتابه السابق ص(202) .

[33]  راجع ردي على المفتي الشيخ علي جمعة فى إباحة التجارة في الخمور والقمار في غير ديار الإسلام على أنها دار حرب .

[34]  فتوى منشورة في Islamonlie.net  في حينها .

[35]  سوف أحرص على إيراد اجتهادات علمائنا المعاصرين كما عملت في رأي المانعين باعتبار أن الواقع الحالي للأمة قد تغير كثيرا عما كانت عليه أحوال بلاد الإسلام صاحبة الخلافة الجامعة لأطراف الإسلام كلها أو أغلبها ، لكن الآن انفرط العقد ، وتحكم أعداء الإسلام في بلادهم سواء من داخلهم أو خارجهم .

[36]  تفسير المنار ( 5/291) ، وقيل أن هذا رأي الشيخ محمد عبده حيث قال بعدم وجوب الهجرة على المسلمين المقيمين في البلاد الأوربية لأنهم متحققون من حريتهم الدينية .  راجع فقه الأقليات المسلمة ، خالد عبدالقادر ، ص (134) .

[37]  تفسير المراغي (2/133) .

[38]  فقه الأقليات المسلمة، ص (16، 17) .

[39]  المرجع السابق ، ص (32) . ومع تقديرى لشيخنا الدكتور طه إلا أنه لا يمكن أن نوافقه الرأي أن الأرض دار إسلام حاضراً أو مستقبلا ، فالحق والباطل يتصارعان وهي سنة ربانية ستجري إلى قيام الساعة ، لا يمكن اعتبار روسيا والصين واستراليا وأمريكا وأوربا ديار إسلام  إذا أمن فيها المسلم، بل هي دور عهد ودعوة وبعضها يمكن اعتباره دار حرب وفقا لموقفها من الإسلام والمسلمين .

[40]  الديمقراطية ومشاركة المسلم في الانتخابات ، د. عبدالكريم زيدان ، ص (30،31) بحث علمي قدم إلى مؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في شوال سنة 1422 هـ .

[41]  رسالة دكتوراه بعنوان : فقه الجاليات الإسلامية في المعاملات المالية والعادات الاجتماعية ، قدمته بالجامعة الأردنية  ونالت درجة الشرف الأولى ، وفي الحق الدراسة المقدمة كلها من الدراسات العلمية الدقيقة تمتعت فيها الباحثة بصبر دقيق ، وعلم وثيق ، ومناقشة واعية ، ورؤية دعوية متميزة ، راجع في الموضوع ص (44-86) .

[42]  راجع رسالته للماجستير ، ص (65،66) ، وهم من الذين عاشوا حياتهم في أمريكا ، في كنف أسرة اتسمت بالعلم والدعوة ، ومن هنا فإن اختياراته العلمية فيها الكثير من الدقة والرؤية للواقع الإسلامي في أمريكا وزادت الدراسة الفقهية قريحته قوة وعمقا .

[43]  ص (16) من رسالة الماجستير ، وهي تتسم بالاعتدال بالرؤية من باحث أظنه من أوربا يعى جيدا ظروف المسلمين في غير ديار الإسلام .

[44]  مدرس الفقه الإسلامي بالجامعة الإسلامية الأمريكية سابقاً ، والأستاذ الآن في كلية الشريعة – جامعة الشارقة  .

[45]  راجع أخر صفحة من بحثه ، وهو في طور الإعداد والطباعة .

[46] وهى مما أورد بعضه علماؤنا ، ولكن لى تفصيلاً وتخريجاً يضاف إلى جهودهم الطيبة .

[47] راجع هذه المواضع في : (آل عمران:137) ، (يوسف:109) ، (الحج:46) ، (الروم:42،9) ، (فاطر:44) ، (غافر:82،21) ، (محمد:10) ، (الأنفال:11) ، (النحل:36) ، (النمل:69) ، (العنكبوت:20) .

[48] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (9 / 69) .

[49] أذكر أنني زرت فضيلة الشيخ سيد سابق في بيته بمكة سنة1984 ، وكنت في مرحلة إعداد الماجستير ، وكانت عندى نقطة تحيرنى أين ديار الإسلام وديار الحرب في الواقع وفقا لتعريف فقهائنا السابقين ؟ ، ولما بثثته شجوني وطرحت عليه تساؤلاتى ، رد قائلا :نحن نجلس الآن في مكة التي كان يأمن فيها الإنسان والطير حتى لو ارتكب الإنسان جرما يستجير ويجار بمكة ، لكنا هنا لانستطيع أن نقول كل الحق الذي نعتقده على حين أنى أذهب إلى أوربا وأمريكا وغيرها فأتمكن من أن أقول كل الحق الذى أعتقده ، ويأمن المسلم هناك أكثر مما يأمن في ديار الإسلام  أحيانا ً، ونصحني بتجاوز هذه النقطة حتى تبحث في مجالس فقهية جماعية  . والحق أننى تابعت القراءة في الموضوع وانتهى اجتهادى المتواضع إلى اعتبار ديار الغرب لمن توطن فيها ووقع على اتفاق أنها دار عهد ودعوة ، وقد تكون بعض هذه البلاد نفسها دار حرب لمسلم مقيم خارج هذه الديار لما تشنه من حرب على بلاد الإسلام .

[50] الجامع لأحكام القرآن للقرطبى (ص : 42 )

[51] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان . الشيخ عبد الرحمن السعدى – مؤسسة الرسالة (ص : 113،112 )

[52] في فقه الأقليات د . العلواني ( ص : 42 )

[53] التفسير الكبير ( ص : 28/ 233 )

[54] المحلى لابن حزم ( ص : 1 / 26 )

[55] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (7/112،111) ، ونفس المعنى لدى الإمام السرخسي في المبسوط (10/77) .

[56] الجامع لأحكام القرآن للقرطبى (ص : 19 / 37 )

[57] نفسه ( ص : 2 / 270،174 ) وراجع سنن الدارقطنى – كتاب الحج

[58] الخراج لأبي يوسف ( ص : 135 ) ، والخراج ليحيى بن آدم فقرة ( 639،638 ) وراجع كتابي : سلطة ولى الامر في الشريعة الإسلامية ( ص : 69،66 )

[59] صحيح البخاري – كتاب مناقب الأنصار- باب هجرة النبي r وأصحابه إلى المدينة رقم (3900)

[60] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (7/290)

[61]بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني الحنفي (7/121)

[62] راجع رسالة الدكتوراه للأستاذة شريفة آل سعيد فقه الجاليات المسلمة ( ص : 61 ) والدكتور العلواني في كتاب فقه الأقليات المسلمة ( ص : 43 ) ويبدو لي أن هناك توسعاً في اعتبار دار الإسلام للبلد كلها بمجرد أمن المسلمين على دينهم أو بعضهم وتمكنهم من إظهار دينهم ،وعليه فتبقى ديار عهد ودعوة حتى تكون الأكثرية للمسلمين والحكم للإسلام ، والأمن لكل ذى دين ، وآنئذٍ تكون دار إسلام .

[63] رواه البخاري – كتاب الجهاد والسير – باب لا هجرة بعد الفتح رقم ( 3077) ، وصحيح مسلم – كتاب الإمارة باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير رقم (4803) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق