البحوث

فسخ الأنكحة غير المعترف بها عند القوانين في البلدان الأجنبية عن طريق التحكيم

 

فسخ الأنكحة غير المعترف بها عند القوانين في

البلدان الأجنبية عن طريق التحكيم

الدكتور أكرم كلش

  1. واقعة الأنكحة غيرالمعترف بها عند القوانين:

          لقد اعتاد المسلمون القاطنون في البلدان غيرالمسلمة بصفة خاصة على عقد نكاح غير رسمي في إطار فقهي إما إبان الخطوبة، أي قبل عقد النكاح الرسمي، أو لدى تعذر عقد النكاح الرسمي.

إن مثل هذه العقود غير معترف بها في إطار القوانين السارية فى هذه البلدان وخصوصا في المجتمعات الغربية ومرفوضة وكأنها لم تكن.

ولهذا السبب لابد لعقود النكاح من أن تبرم من قبل الجهات الرسمية حسب الأنظمة الحقوقية السارية في تلك البلدان.

          لاشك أنه من الممكن وحتى من الضروري أيضا اتخاذ التدابير الضرورية لتسجيل عقد النكاح بصورة رسمية حسب الفقه الإسلامي وتشريع النظم القانونية بهذا الصدد بغية صيانة الحقوق القانونية للطرفين المعنيين وفق مبدأ المصلحة[1].

ومع ذلك لا يمكن النظرإلى عقد النكاح المبرم بين الطرفين حسب الأصول والشروط الفقهية  على أنه لاغ أو باطل نظرا لقيمة بيان إرادة الإنسان فى الفقه الاسلامي.

لأن النظر إلى بيان الإرادة الذي يدلي شخص ذو  أهلية كاملة في إطار المقاييس الشرعية وبصورة ملائمة للشروط على أنه لاغ أو باطل يعني الحط من الأهلية وعدم تقديرها واحترامها.

ومن هذا المنطلق فإن لبيان الإرادة التي يتحلى بها الطرافان المتمتعان بالأهلية الكاملة إبان إبرام عقود النكاح أو إبان إبرام العقود المدنية الأخرى يتمتع بنتائج وأحكام قانونية حسب الأصول والشروط.

          يدعي البعض في هذه الأيام بأن على عقود النكاح غير المعترف بها من قبل السلطات الرسمية أن تكون لاغية من الناحية الفقهية ايضا حسب مبدأ المصلحة لأنها عاجزة عن حماية حقوق الطرفين المعنيين في عقد الزواج.

إن هذه الدراسة سوف لن تتناول ولن تناقش مثل هذه الآراء  بل أنها سوف تعالج قضية فسخ عقود النكاح غير المعترف بها من قبل السلطات الرسمية عند الضرورة او عند الحاجة الملحة من خلال التحكيم الاختياري ، في ظل الحقائق الاجتماعية.

ومع ذلك لابد من الإشارة الى بعض النقاط الهامة في هذا الصدد وهي:

ا.  يسارع بعض الخاطبين إلى إبرام عقد نكاح غير رسمي إبان فترة الخطوبة من جراء القلق الناجم عن بعض الحساسيات الدينية والرغبة بلقاء بعضهم البعض في ظل الجو الشرعي الذي يوفره عقد النكاح. في حين أن فترة الخطوبة هي بالأصل فترة المزيد من تعرف الخاطبين على بعضهم البعض.

          إن عقد النكاح بين الأطراف المتحابة الذين يكنون المعرفة التامة المتبادلة قد لا يعرض هذه الأطراف لأية مشاكل تذكر ولكنه قد يتمخض عن خلق بعض المشاكل بين الأطراف المقبلة على الزواج دون سابق معرفة جيدة متبادلة كما يجب.

          إن فترة الخطوبة هي الفترة التي تتيح للأطراف المقبلة على الزواج إمكانية اختبار مدى التلاؤم القائم بينهم من حيث المزاج والتفهم والثقافة والأعراف والعادات ووجهات النظر والتعرف على مدى قدرتهم على تأسيس حياة زوجية طوال الحياة. ولهذا السبب، فإن عقد نكاح عرفى/ ديني بين الطرفيىن الذين  يفتقران الى المعرفة التامة المتبادلة لا يتمخض احيانا عن نتائج سليمة محمودة العواقب لأنه يلغي  فرصة التعارف الكافى  بين المقدمين على الزواج.

          لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على  رؤية الخاطب  المخطوبة[2]   و شجع على أخذ رأي المخطوبات  و معروف أنه صلى الله عليه وسلم  طبق هذا المبدأ على ابنته فاطمة الزهراءرضى الله عنها حين زواجها من علي كرم الله وجهه[3] .

          ولا يخفى على أحد بأن القضايا الزوجية التي تهدد الكثير من الأسر ناجمة بالأصل عن انعدام المحبة و التلاؤم والاستحسان بين الزوجين.

          ب.  ومن حق المرأة الموافقة على إبرام عقد النكاح شريطة أن يفوض الرجل الطلاق الىيها حسب الأصول في الفقه الإسلامي على أنها كلما أرادت أن تطلق نفسها فلها هذه الصلاحية[4] واذا وافق الزوج على هذا الشرط فإن للمرأة الحق في تطليق نفسها من زوجها عندما تفقد الحياة الزوجية مقاصدها ومعناها[5].

وانطلاقا من ذلك يمكن للمرأة المقدمة على الزواج الموافقة على ابرام عقد النكاح العرفى / الديني على هذا الشرط  و تنقذ نفسها من هذا العقد غير رسمى عند الضرورة او الحاجة .

ج.   يهمل البعض تسجيل النكاح  بصورة رسمية او لا يستطيع عليه ،بمختلف الأسباب، ولذلك فإن الواقع يؤكد بأن ثمة أنكحة غير رسمية  وهي جزأ لا يتجزأ من حياتنا وواقع مجتمعاتنا.

هذا علما بأن المحاكم لا تنظر  في القضايا الناجمة من جرائها، نظرا لعدم اعتراف النظم الحقوقية بمثل هذه الانكحة  في المجتمعات غير مسلمة.

ورغبة بإيجاد مخرج لمثل هذه القضايا فلابد من العثور على وسيلة غير رسمية تعتمد على الصلح بين الطرفين المتنازعين وخصوصا أن الأنظمة السارية لا تعترف بمثل هذه العقود من جهة وليست ثمة إمكانية عدم اعتبارها للنظر بالتالي في العقد القائم بينهما نتيجة معتقداتهما الدينية من جهة أخرى .

          ولهذا السبب تصبح المرأة التي تطلب الطلاق والتي تصطدم برفض بعلها هي الضحية في حين أن الآيات الكريمة التالية تأمر الزوج إخلاء سبيل عقيلته بالمعروف إن رفضت البقاء في عصمته: “وإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ اَجَلَهُنَّ فَاَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيات اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا اَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِه وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أن اللّهَ بِكُلِّ شيء عَليمٌ “[6] فأكدت الآية الكريمة  بأن الدين الحنيف يرفض استغلال عقد الزواج من أجل إلحاق الضرر بالزوجة ولدرجة أنه يوضح بأن مثل هذه الممارسة تعني التهكم والاستهزاء بآيات الله عز وجل. أضف إلى ذلك بأنها ، أي الممارسة، غير مشروعة لا من الناحية الدينية ولا من الناحية الأخلاقية والحقوقية. فالإنسان مجبول بفطرته على طيب القلب والاستقامة من جهة وابتغاء الفساد والغبن من جهة وقد يرتكب أشنع ضروب الظلم إن لم يتحل بالأخلاق الكريمة [7].

د.  إن الدين لا يجيز إكراه الفرد على مواصلة حياته الزوجية التي يأباها.

لأن الحياة الزوجية مبنية على المودة والرحمة والمحبة والتراحم المتبادل كما جاء في الآية الكريمة التالية: ” وَمِنْ آياته۪ٓ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنفسكم أزواجا لِتَسْكُـنُٓوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۜ إن ف۪ي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [8]. أضف إلى ذلك بأنه لا يمكن تأسيس حياة زوجية صحيحة على بنيان تتجاذبه الكراهية المتبادلة من كل جانب.

هـ.  ويمكن للزوجين لدى ظهور الخصام بينهما أن يعينا حكما من أهله وحكما من أهلها حسب التوجيه القرآني الكريم من أجل تسوية ذلك الخصام.

ويذهب بعض العلماء الى أن تعيين الحكم واجب من الناحية الدينية[9] ، وخير مثال على ذلك المادة رقم 130 من ’قانون حقوق الاسرة ( حقوق عائلة قرارنامه سى)، هذا القانون الخاص بحقوق الأسرة في العهد العثماني التي نــُظمت تحت ضوء الشريعة الاسلامية ، حيث يعين القاضي حكما مؤهلا من اهل الرجل وحكماً مؤهلاً من اهل المرأة  كما يمكن تعيين  الحكم المؤهل من خارج أسرتي الزوجين إن لم تضم أسرتاهما الشخصيات المؤهلة لهذا الغرض.

و.  ولابد في هذا الإطار من التأكيد بأن الضرورة تستدعي تسجيل عقد النكاح بغية ضمان وحماية حقوق الزوجة بصفة خاصة. ولا يمكن ضمان و حماية حقوق الزوجين ما لم يتم تسجيل العقد المبرم بصفة رسمية.

وسوف لن تترك  الحقوق المذكورة تماما لإنصاف الأشخاص و رحمة الناس  وخصوصا في ظل المجتمعات التي لا تعرف بشرعية النكاح باستثناء الوازع الديني الذي يتحلى به الزوجان . وغني عن الذكر بأن الوازع الديني الذي يتحلى به الفرد  هو ضمان أقوى من أي وجميع العقوبات القانونية.

ومع ذلك فإن التآكل الذي انتاب الحساسيات الدينية في المجتمعات المعاصرة من شأنه أن يلحق الضعف والوهن بالوازع الديني لدى الأفراد.

          وأحيانا تنشب النزاعات غير متوقعة بين الأزواج في أعقاب إبرام عقود النكاح غير رسمية. ويصبح الفراق بينهما أمر لا مفر منه.

وعادة ما يتم الطلاق دون نشوب أية نزاعات لدى موافقة الزوجين ، ولكنها قد تستفحل لدى رفض الزوج . والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو : أليس هناك طريقة أو إمكان يمنح المرأة حق طلب الطلاق إن كانت مكرهة على مواصلة الزواج؟ أضف إلى ذلك بأن المرأة في هذه الحالة لا تستطيع اللجوء إلى القضاء نظرا لعدم اعتراف القوانين النافذة بهذا الزواج المبرم.

ولهذا السبب لابد من التساؤل هل بالإمكان أن تظل المرأة كالمعلقة نتيجة هذا النكاح المبرم أو تظل مكرهة على مواصلة الحياة الزوجية التى تكرهها؟

          لقد كرست هذه الدراسة نفسها على الحلول التي يمكن أن تتمخض عن التحكيم في إطار الفقه الإسلامي فيما يخص القضية الراهنة التي نحن بصددها وسوف لن تتطرق للتفاصيل الخاصة بعقد النكاح العرفى/ الديني والتحكيم.

  1. طرق رفع النكاح:
  • طلاق الرجل زوجته:

إن طلاق الرجل زوجته هو أقصر وأسهل طريق لرفع  النكاح غير رسمي في إطار التقييم الفقهي التقليدي . فبإمكان الزوج الذي بيده عقدة النكاح أن يطلـًق زوجته التي تزوجها بعقد غير رسمي وبهذه الطريقة تنتهي الحياة الزوجية بينهما. وبما أن السلطات الرسمية لا تعترف بالنكاح غير رسمى فسوف يتم تسوية القضايا الحقوقية الناجمة عن عقود النكاح غير رسمية  على غرار القضايا الحقوقية الناجمة عن الاتفاقات غير مسجلة رسميا. ومع ذلك ، يمكن تسوية القضايا الناجمة عن العقود الدينية في إطار الحساسيات الدينية والأخلاقية للزوجين دون إحالتهما على القضاء. ولكن إن ولد مولود من جراء هذا الزواج  فإن لهذا الزواج  أبعاد أخرى لابد من معالجتها لدى القضاء حسب التطبيقات السارية المفعول، ويجب ألا يغيب على أحد بأن القضاء سوف ينظر إلى هذه العلاقة الزوجية على أنها غير مشروعة نظرا لعدم اعتراف القوانين بهذا النكاح .

إن النقطة التي يجدر تأكيدها في هذا الصدد هي أن طلاق الزوج زوجته أي رفع عقد النكاح الذي لم يسجل بصفة رسمية من قبل الزوج هو أقصر وأسهل طريق ممكن حسب المدونات الفقهية  ، هذا علما بأن ليس ثمة ما يستدعي ايقاع الثلاث  كما يفعل البعض. أضف إلى ذلك بأن ايقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلاقا بدعيا  من الزاوية الفقهية[10] . ويكفي للزوج بان يلفظ عبارة ” أنت طالق ” مثلا لوقوع الطلاق حسب التقييم الفقهي التقليدي ، كما أن ليس هناك ضرورة لتلفظ تلك العبارة أو شبيهاتها الصريخة بشكل وجاهي للزوجة. وبهذه الطريقة يقع الطلاق حسب الإطار الفقهي الكلاسكى.

     ولابد من الإشارة أيضا إلى أن إصرار الزوج على الإمساك بعصمة زوجته من أجل الإضرار بها أمر مناف للدين الحنيف كما أكدنا من قبل( أنظر سورة البقرة: 2\231). ويتضح من ذلك بأن طلاق الرجل لدى تعذر استمرار الحياة الزوجية هو الوسيلة المفضلة من الزاوية الفقهية وخصوصا لدى أخذ عقود النكاح غير رسمية بنظر الاعتبار. ومع ذلك ، إن أصر الزوج على الإمساك بعصمة زوجته من اجل الاضرار بها فلابد من إقناعه بشكل أو بآخر بأن نهجه هذا مناف للأخلاق الإسلامية .

  • الطلاق بالرضا المتبادل ( المخالعة / الخلع )

إن الخلع  بشكل بسيط هي موافقة الزوج والزوجة على الطلاق بالرضا المتبادل لدى تعذر استمرار الحياة الزوجية أو بالأحرى لدى طلب الطلاق من قبل الزوجة. ويعرفه الفقهاء بأن الخلع هو فراق الزوج زوجته بِعوض بألفاظ مخصوصة وقد يتم الطلاق بهذا الشكل مقابل  بعض التعويضات التي تسددها المرأة لزوجها أو دون أي بدل يذكر. وإن وقع الطلاق بالرضا نتيجة طلب الزوجة فإن الدين الحنيف لا ينظر بعين الاستحسان لطلب مبلغ من قبل الزوج يفوق المهر الذي سدده لزوجته كما أنه لا ينظر بعين الاستحسان لاستعادة الزوج المهر الذي سدده لزوجته إن وقع الطلاق بناء على رغبته. هذا ولا يجيز المذهب المالكي للرجل استرداد المهر إن وقع الطلاق بناء على رغبته. قال الله  تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (سورة البقرة 229)

وتقع المخالعة  من حيث الشكل نتيجة استخدام بعض العبارات الخاصة ولقد تناول الفقهاء المخالعة بشكل مفصل في الكثير من كتب الفقه التي بحوزتنا، حيث يعد هؤلاء المخالعة  الطلاق البائن.

وبإمكان المرأة التي ترفض استمرار الحياة الزوجية في ظل عقد النكاح غير رسمي والتي لم تشترط ابان عقد النكاح بأن يكون لها الحق في طلب الطلاق ولم تتمكن من إقناع زوجها من أجل التخلي عن عصمتها أن تطلق مقابل إعادة المهر المسدد لها أو مقابل التخلي عن بعض حقوقها. ومع ذلك ليس للمرأة الحق بفسخ عقد الزواج إن رفض الزوج المخالعة . وبما أن الموضوع الذي نحن بصدده هو التفريق بين الزوجين عن طريق التحكيم فإننا سوف نتجنب الدخول في التفاصيل الخاصة بالمخالعة.

  • التحكيـــــــــــــــــــــــــــــــم

          إن أكثر آيات التحكيم وضوحا هي الآية التي نزلت من أجل رفع النزاعات بين الزوج والزوجة[11]. لقد تحدث القرآن الكريم عن  المبادرة والتصدي لمعالجة أي خلاف زوجي وطرح مشروعا للمعالجة. ويتمثل الحل في اختيار حكم من عائلة الزوج وآخر من عائلة الزوجة[12]. ومع ذلك اختلف علماء المسلمين في كيفية اختيار الحكم والصلاحيات المسندة إليه. وسوف نتطرق لقضية التحكيم بإيجاز نظرا لعلاقتها بالموضوع.

  1. معلومات موجزة عن التحكيم:

          افاد علماء المسلمين بأن مؤسسة التحكيم التي تستند على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإجماع هي مؤسسة ضرورية وحيوية من الناحية المعقولة. لقد تناولت الكتب الفقهية موضوع التحكيم  فى باب ” فروع القضاء” وظلت كوسيلة مجدية لحل النزاعات حتى يومنا هذا .

          وتعني كلمة التحكيم تسوية النزاع بين فريقين على يد فرد يكون حكما أو على أيدى هيئة محكمة. وهو” عقد بين طرفين متنازعين يجعلان فيه برضاهما شخصا آخر حكما بينهما لفصل خصومتهما”

         فقد استأثر التحكيم بمكانة حيوية في نظم الحقوق الراهنة فى العالم. وله أنواع في فى نظم الحقوق السارية المفعول.

ومع ذلك ، فإننا سوف نعالج في هذا الإطار موضوع التحكيم الاختياري ، الذي يتفق فيه  الطرفان على فض النزاعات القائمة بينهما من قبل شخص او الأشخاص الذين يتم اختيارهم لهذا الغرض .

إن التحكيم كقاعدة هي وسيلة اختيارية أي أن للطرفين  المعنيين مطلق الحرية في اللجوء إلى التحكيم واختيار المحكمين .

اضف الى ذلك بأن التحكيم هى وسيلة عملية وناجعة و سريعة ليست لها علاقة بالمعاملات الروتينية / البروقراطية  و مع ذلك فان حل النزاعات عن طريق التحكيم هى موقف استثنائى الطبع والاصل حل النزاعات فى المحاكم.

          ومن جهة أخرى ليس من الضروري على الحكام المعينين لفض الاختلافات البحث عن التسويات الممكنة في إطار النظم القانونية فقط. إذ يمكنهم اتخاذ القرارات بالاستناد لمبادئ الإنصاف والترضية بين الأطراف

          وقد يستخدم أسلوب التحكيم الطرق المتبعة في المحاكم، وهذا في الواقع ما يميز التحكيم عن الصلح . أما الشبه القائم بينهما فإنه يتمثل في فض النزاعات دون اللجوء إلى المحاكم الرسمية. ولا يجوز التحكيم في المواضيع التي لا يجوزفيها الصلح .

          كما يعتمد المنطق الفقهي لتعيين الحكام على المبدأ التالي: إن الذين يعينون حكما هم أصحاب العقول السليمة وهم القادرون على تعيين الحكام ولهم ولاية على أنفسهم فصح تحكيمهم و هذا اذا كان المحكم بصفة الحاكم لأنه بمنزلة القاضى فيما بينهما فيشترط أهلية القضاء[13] ولهذا السبب يستأثر الحكام بالصلاحية في المواضيع التي وقع اختيارهم عليها.

وهذا يعني أن الأطراف المتنازعة قد تخلت عن هذه الصلاحية للآخرين بمحض إرادتهم، وهذا التخلي أمر صحيح من الناحية الفقهية.

ولهذا السبب ستكون القرارات المتخذة من قبل الحكام نافذة شريطة أن يكون الحكام المنتخبون من ذوي الأهلية والجدراة .

          ومن هذا المنطلق فإن الدين الحنيف يجيز اللجوء إلى التحكيم في قضايا النكاح وفسخ النكاح .

          ان الفقه الاسلامى يسمح  اللجوء إلى التحكيم في قضايا النكاح والطلاق شريطة تحلي الشخص الذي يلجأ إلى التحكيم بالعقل السليم، ولا يجوز التحكيم  للطفل أو للمجنون.

كما يشترط في الحكم أن يكون من أهل الشهادة ومعروفا لدى المحكمين كما لا يجوز إسناد هذه المهمة الحيوية لغير المسلم بغية فض النزاع القائم بين الأطراف المسلمة .

          يختار الطرفان  الحكم بمحض إرادتهما حسب الفقه السلامى  ولكل واحد من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما لأنه مقلد من جهتهما فلا يحكم الا برضاهما جميعا واذا حكم لزمهما لصدور حكمه عن ولاية عليهما[14] .

  1. الحاجة الى التحكيم إزاء فسخ عقود النكاح غير المعترف بها من قبل القانون:
  • الحاجة الى التحكيم إزاء فسخ عقود النكاح غير المعترف بها من قبل القانون.

قد ينشب بعض النزاعات بين الناس ولكن الأمر الذي لا يعقل هو استمرار تلك النزاعات بلا هوادة.

ولهذا السبب، فإن فض النزاعات يعود بالفائدة على الأطراف المتنازعة وعلى أسرهم. أما قضية التحكيم في هذا الإطار فهي أقدم وأنجع وسيلة تمكن الإنسان من استخدامها فى حل النزاعات. لذا فقد تبنى الدين الحنيف هذه الوسيلة من خلال الآية  الواردة في القرآن الكريم و فى المصادر الأخرى.

          ويمكن للزوجين لدى ظهور النزاع بينهما أن يعينا حكما من أهله وآخر من أهلها حسب التوجيه الوارد في الذكر الحكيم من أجل تسوية النزاع القائم بينهما .

ويعتقد بعض علماء الدين أن اختيار الحكم واجب من الناحية الفقهية  نظرا لوروده في السنة الشريفة أيضا.

     كما يمكن للطرفين الذين تزوجا بعقد نكاح عرفى غير معترف به عند القوانين ، أي بعقد غير رسمي ، أن يلجئا الى الصلح أو الى التحكيم لدى نشوب الخلافات العائلية بينهما.

ولابد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن عقد النكاح غير رسمى هو أمر واقع ومنتشر  بين المسلمين.

وبما أن الفقه الاسلامى يجيز اللجوء الى التحكيم بل تشجعه فلابد من استغلال هذه الوسيلة من أجل فض النزاعات الزوجية ولابد أن يكون الزوجان على علم بشرعية هذه الوسيلة أيضا.

     وبما أن قوانين بعض المجتمعات لا تعترف بعقود النكاح غير رسمية فإنها سوف تنظر للخلافات التي قد تنشب من جراء تلك العقود وكأنها لم تكن، لأن مصدر الخلافات يعتمد على عقد غير رسمي.

ومع ذلك ، لا يمكن تجاهل العقد العرفى/الديني الموقع بين أحد الطرفين نظرا لشرعيته من وجهة نظر هذين الطرفين.

     إن النقطة الحساسة في هذه المعضلة بالذات ناجمة عن حساسية الطرفين الدينية ، فالطرفان المقبلان على الزواج بنكاح عرفى غير معترف به رسميا ملزمين بالنظر إلى كافة الخلافات التي قد تنشب بينهما من زاوية الحساسيات الدينية البحتة.

  • مكانة هذه الممارسة إزاء الوضع الحقوقي الراهن فى البلدان غير اسلامى

قد يقدم الطرفان على الزواج بنكاح عرفى غير رسمي نتيجة إيمانهما ومعتقداتهما الدينية .

ولولا تلك المعتقدات لما جازف هؤلاء بإبرام عقود غير معترف بها رسميا. إن إبرام عقد نكاح عرفى يعني أن الطرفين قد وافقا على العمل بالأحكام الفقهية ذات العلاقة بالموضوع ولو ضمنا.

إن الموافقة الضمنية على الأحكام الفقهية إبان الزواج ثم رفض تلك الأحكام لدى نشوب الخلافات العائلية من جراء ذلك العقد غير رسمي ليس إلا تناقضا منافيا للمعتقدات الدينية.

ولهذا السبب ، فإنه من الطبيعي للطرفين الذين أقدما على إبرام عقد النكاح العرفى غير معترف به رسميا أن يلجئا للتسويات الملائمة للأحكام الفقهية لدى نشوب الخلافات بينهما وذلك نتيجة اعترافهما الضمني بالمبدأ الذي نص عليه القرآن الكريم بصدد تعيين حكم من أهله وآخر من أهلها.

أي أن الطرفين الذين ينظران لمثل هذا العقد على أنه عقد صحيح نتيجة استناده على أحكام فقهية يعترفان ضمنا بأن الضرورة تفرض عليهما اللجوء للأحكام الفقهية لتسوية الخلافات الناشبة بينهما.

          وبما أن القوانين الحقوقية النافذة المفعول فى البلدان غير اسلامى لا تعترف بمثل هذه العقود فإنها سوف لن تتخذ أي قرار كان بشأنها ولا تكترث بمشكلة فسخ العقد الذي لا تعترف به أصلا، كما أنها لا تعير أي اهتمام كان بمسيرة تفريق الزوجين لأنهما غير متزوجين بنظرها. وتعتبر تلك القوانين أمثال هؤلاء كالقرينين الذين يعيشان معا دون أي عقد كان.

ولدى نشوب الخلافات بين الطرفين المرتبطين بعقد غير معترف به فسوف تعالج المحاكم الرسمية تلك الخلافات باعتبارها مشكلة مستقلة ولا تمت بأي صلة كانت للعقد غير رسمي ، أي أنها سوف تنظر إلى القضية على غرار المشاكل الناجمة بين الطرفين الذين يعيشان مع بعضهما البعض دون توفر أي عقد بينهما.

     ويجب ألا يغيب على أحد بأن ليس بإمكان الطرفين الذين أقدما على عقد نكاح عرفى/ديني غير معترف به والذي يعتبر بمثابة غير مشروع بنظر القانون أن تلجئا للمحاكم الرسمية لدى نشوب الخلافات العائلية بينهما وطلب تعيين الحكام وتطبيق قراراتهم رسميا.

ولهذا السبب لا يمكن إلصاق صفة التحكيم الاختياري المعرف في النظم الحقوقية المرعية على مثل هذا التحكيم . لأن القانون يعتبر مثل هذه العقود غير مشروع نظرا لعدم اعترافه بها.

ولهذا السبب لا يمكن إجبار للطرف الذي يرفض الانقياد لقرار، للالتزام بقرار الحكم أو الاعتراض عليه أو الطعن في قراراته لدى المحاكم. لذا فإن التحكيم المقصود في هذا الإطار هو تحكيم مدني بحت.

     ومع ذلك يمكن تقييم هذه المسيرة من زاوية الوضع الحقوقي على أنها مسيرة صلح بين الطرفين المتنازعين ولا يمكن التوصل إلى نتيجة ملموسة إلا من خلال تدخل الأشخاص الذين يمتون بصلة للأطراف المتنازعة.

  1. الأصول المتبعة في التحكيم:
  • عقد التحكيم وتعيين الحكام

لابد من تنظيم عقد التحكيم من حيث الأصول من أجل فض النزاعات عن طريق التحكيم حسب النظم القانونية الراهنة. وهذا يعني أن على الأطراف ذات العلاقة أن يعلنوا بكامل إرادتهم في عقد التحكيم بأنه يودون حل خلافاتهم عن طريق التحكيم .

إن مثل هذا العقد لا يتعرض مــع الفقه الاسلامى ، كما يمكن للمقبلين على الزواج بموجب عقد عرفى/ديني أن يدرجوا مادة في عقد النكاح تؤكد بأن التحكيم هي الوسيلة التي سيتم إتباعها إزاء نشوب الخلافات الزوجية. هذا وتطلق النظم الحقوقية الراهنة على هذه المادة اسم ” شرط التحكيم” .

إن شرط التحكيم في مثل هذه العقود ليس عقدا مستقلا ولهذا السبب يؤول هذا الشرط إلى الزوال لدى زوال أو انقضاء العقد الأساسي الأصلي. ويتضح من ذلك بأن شرط التحكيم المنصوص عنه في عقد النكاح لا يتسم بأية صفة رسمية بل على العكس بصفة مدنية بحتة.

ولدى نشوب الخلاف بين الطرفين المتنازعين الذين أبرما عقد الزواج الذي يتضمن شرط التحكيم فبإمكان أحد الزوجين أن يقترح على الطرف الآخر فض النزاع القائم بينهما عن طريق التحكيم.

ويمكن لهذا الطرف أن يعين حكمه إن رفض الطرف الآخر تعيين حكمه.

وإن أصر هذا الطرف على رفضه فيمكن حينئذ أن يطلب من كبار الطرف الآخر تعيين حكم عادل بالنيابة عنه. ولدى تمادي هذا الطرف بالرفض فيمكن حسب اعتقادنا أن يبادر أصحاب الرزانة والمسؤولية إلى تعيين الحكم ، لأن الآية الكريمة الخاصة بالتحكيم تستهدف كافة المسلمين دون استثناء.

وبما أن النظم القانونية الراهنة غير مؤهلة لتنفيذ الأمر الوارد في الآية الكريمة فإن مسؤولية تنفيذ هذا الأمر الإلهي يقع على عاتق المسلمين.

لقد ذهب بعض العلماء، حسب التقييم الفقهي التقليدي إلى أن تعيين الحكم في الآية الكريمة الخاصة بالخلافات الزوجية يقع على عاتق القضاة والمسؤولين في حين أشار البعض الآخر إلى أن القصد من الخطاب الوارد في الآية الكريمة هو أولياء الأمور ، ولكن لدى أخذ مضمون الآية الكريمة حسب الظروف الراهنة فإن مطلقية الإفادة فيها إنما تستهدف المسلمين بأسرهم، أي المسلمين من ذوي القربى بالطرفين المتنازعين بالدرجة الاولى وبما أن القضاة يتصرفون ويتخذون قراراتهم بالنيابة عن المجتمع فإنهم يسندون بالتالي مهمة تمثيل المجتمع للحكم بالذات.

في حين أن الموضوع الذي نحن بصدده لا يسمح للقضاء بتعيين الحكام للنظر في النزاعات الناشبة بين الزوجين نتيجة عقد زواج غير معترف به. ولهذا السبب لابد وأن نتساءل من سيتخذ القرار الخاص بتعيين الحكم؟ وهل بالإمكان القول بأن الأمر الوارد في القرآن الكريم ليس له مخاطب ؟ ولما كان هذا الأمر أمر غير وارد إطلاقا فإننا نعتقد بأن أسر الأطراف المتنازعة هي المسؤولة عن تولي الوظيفة أو المهمة القرآنية اولا.

 إن عبارة “وإن خفتم” الواردة فى الآية الكريمة التالية: “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا” (النساء:35) تستهدف المسلمين كما تؤكد بأن الخوف في هذا الصدد لا تتناول الأطراف المتنازعة فحسب بل أنها تقلق المجتمع على حد سواء.

من الطبيعي أن يعين الطرفان المتنازعان في الحياة الزوجية الحكم من قبلهما تلقائياً، وليس في هذه الحالة أمر مناف لأحكام الشريعة لأنهما أحالا الصلاحية التي يتحليان بها للحكام بمحض إرادتهما.

ومع ذلك فإنه من المستحسن أن تتم هذه المسيرة من خلال استشارة الأقارب أولاً، وهذا في الواقع ما تشير إليه الآية الكريمة في قولها ” من أهله” و ” من أهلها”.

ومن الطبيعي أيضا أن تبدأ مسيرة التحكيم من خلال تنظيم عقد التحكيم وإسناد هذه المسؤولية للحكم وقبول الحكم لهذا الواجب أو المهمة.

حكم تعيين الحكم:

          لقد ذهب  بعض العلماء ومنهم الإمام الشافعي الى أن تعيين الحكم واجب  بالنظر لظاهر اللفظ القرآني[15] لأن الاصل فى صيغة الامر الوجوب  وعلى هذا يجب تعيين الحكم فى حل النزاعات بين الزوجين .

ويفترض هؤلاء بأن على القضاة أن يسارعوا لتعيين الحكم بمجرد إطلاعهم على النزاع الآخذ بالاستفحال بين الزوجين وذلك قبل انتقال النزاع إلى القضاء[16] في حين يذهب  بعض العلماء الآخرين الى أن تعيين الحكم من قبل القضاة أمر مستحب[17] وذهب  عبد الكريم زيدان الى أن تعيين الحكم في الآية الكريمة قد ورد في صيغة  الأمر وان صيغ الامر تفيد الوجوب ان لم يكن هناك اي قرينة تفيد غيره وفى هذه الآية الكريمة لا توجد قرينة تمنع افادة الوجوب ولهذا السبب فإن تعيين الحكم فى مسئلة الشقاق بين الزوجين واجب [18]  .

          وبما أن الموضوع الذي نحن بصدده لا يمكن إحالته على القضاء فإن هذه السلطة لاتعين الحكم من قبلها،لأن هذه الأنكحة ليست بمعترفة عند القوانين.

وعندما يخفق الطرفان المتنازعان  في تعيين الحكم أو عندما يرفض أحد الطرفين هذه التسوية فإن المسؤولية تقع على عاتق المسلمين في مثل هذه الحالة، لأن الأمر الإلهي يستهدف المجتمع الإسلامي وولاة أمر الطرفين المتنازعين  بالذات.

هل يشترط أن يكون الحكام من أقرباء الزوجين؟

          لقد استخدمت الآية الكريمة عبارة أهله وأهلها لأنهما هما الملمان عن كثب بخلافات الزوجين وهما اللذان يجتهدان لتقريب وجهات نظرهما.

ولهذا السبب فإنهما سوف ينجحان بتسوية النزاع القائم بين الزوجين مقارنة بالجهود التي سيبذلها حكم أجنبي ، أضف إلى ذلك بأن الزوجين قد يتجنبا ذكر بعض الخصوصيات للحكم الأجنبي.

ومع ذلك يفيد العلماء المسلمون بأنه من المستحب طرق باب ذويهما للخروج من المعضلة التي جابهتهما.

          كما يجوز للطرفين المتنازعين إحالة النزاع القائم بينهما على حكم أجنبي عند فقدان الأقرباء أو فقدان من هو مؤهل لتحمل هذه المسؤولية من بين الأقارب أو لدى موافقة الطرفين على إحالة النزاع على حكم أجنبي[19] نظرا لوضوح المهمة التي سيتحمل مسؤوليتها والتي تتمثل في استقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين والعمل على تأليف قلبيهما وفسخ العقد المبرم في آخر المطاف لدى استحالة تأسيس الألفة بينهما.

وكما تم الإشارة إليه آنفا فإنه من المستحسن أن يكون الحكمان من المؤهلين من أقارب الطرفين. أضف إلى ذلك بأن انتخاب الحكمين بهذه الطريقة يحول أيضا دون إلصاق تهمة الجنوح لأحد الطرفين.[20]

هل يجوز تعيين حكم واحد ؟

          على الرغم من أن الآية الكريمة قد ارتأت تعيين حكم من أهله وآخر من أهلها إلا أن تعيين حكم واحد فقط قد قوبل بالجواز[21] شريطة موافقة الزوجين على الاكتفاء بتعيين حكم واحد .

صلاحيات الحكم ووضعه الشرعي:

          لقد اختلف العلماء فيما يخص المخاطب بالذات في الآية الكريمة التي تنص على  تعيين حكم من أهله وآخر من أهلها، حيث أجمع جمهور العلماء على أن المخاطب في هذا الصدد هم ولاة أمور المسلمين والقضاة والمسؤولون عن امورالمسلمين في حين ذهب  البعض الآخر الى أن المخاطب هم أولياء الطرفين المتنازعين[22] .

كما ذهب البعض الآخر إلى أن المخاطب هما الزوجان المتنازعان بالذات. وذكر البعض بأن المخاطب هم المسلمون الصالحون  من ذوي الاستقامة والنزاهة.

وذلك لأن عبارة ” فإن خفتم” تستهدف كافة المسلمين وبالتالي ليس ثمة إمكانية للتمييز بينهم لأن القصد من كلمة ” فابعثوا” التي جاءت بصيغة الأمر هي كافة المسلمين ، أي عليهم أن يبذلوا ما في وسعهم لإصلاح ذات البين.

ويتضح من ذلك بأن على كل مسلم ملم بأمر النزاع أن يسهم في تذليل سوء التفاهم . ومع ذلك لا يمكن إسناد هذه المسؤولية للكافة بل من المستحسن أن ينهض بها من يمثل المسلمين[23].

          وإن كان المخاطب هم القضاة والمسؤولون حسب رأى جمهور العلماء فلا يمكن للزوجين في هذه الحالة رفض الحكم المعين لهما.

أما أتباع المذهب الحنفي فيذهبون  الى أن الحكم هو بحكم الوكيل الذي يسعى لتذليل الخلافات وإصلاح ذات البين وليس لديه صلاحية التفريق بين الزوجين ، أي أن مهمة الحكم تنحصر بإصلاح ذات البين فقط[24] وذهب ابو حنيفة وعطاء وزيد بن اسلم وداود وابو ثور والحسن وقتادة واحمد بن حنبل فى احد الروايتين عنه و الامام الشافع فى اظهر القولين له وعلى هذا لا يفسخ الحكمان النكاح بدون اذن الزوجين [25]

          إن حجة هذا الرأي هي : بما أن الزوجين ذوا أهلية تامة ورشد  فإنه ليس للآخرين أن يتصرفوا فى حق الاستمتاع ولا فى أموال الزوجة إن لم يتمتعوا بالوكالة أو الولاية. في حين أن فسخ عقد النكاح يعني التصرف بحقوق الزوجين دون وكالة الزوجين.

          أما الرأي الثاني فإنه يتمثل في أن الحكمين هما بمثابة القاضي الذي يمكن له فسخ العقد ولو لم يتمتع بوكالة الزوجين وذلك من خلال أخذ بعض أموال الزوجة وتسديدها للزوج أو دون الحكم بتسديد أي شيء لكلا الطرفين.

هذا وينسب هذا الرأي لكل من علي كرم الله وجهه وابن عباس وأبو سلمه بن عبد الرحمن وشعبى و النخعى والامام مالك و اوزاعى و سعيد بن جبير و اسحاق وابن المنذر[26] ولقد رجح  قانون حقوق الاسرة  العثماني هذا الرأي من خلال المادة التالية:

“يعين القاضي حكما من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة لدى نشوب الخلاف بين الزوجين ولجوء احدهما إلى القاضى . ويعين القاضي حكما أجنبيا إن لم يكن ما يمكن تعيينه من ذوي الطرفين أو إن لم يكن مؤهل لهذه المهمة. ويعمل مجلس العائلة المؤسس بهذا الشكل على إصلاح ذات البين بعد الاستماع لأقوال الزوجين والتماساتهما . وإن كان العيب والقصور ناجم عن الزوج يقرر الحكم التفريق بينهما أما إذا كان العيب والقصور في الزوجة فيقرر المخالعة بينهما مقابل إعادة كامل المهر أو جزء منه..

          وإن لم يتمكن الحكام من التوصل إلى اتفاق فيتم تعيين هيئة أخرى من الطرفين مؤهلة او من المحكمين الذين لا يمتون بصلة قرابة للزوجين . ويكون القرار المتخذ من قبلهم حاسما وغير قابل للاعتراض[27] . “

ولقد تم شرح سبب ترجيح المادة المزكورة  بموجبه في القرار بالشكل المنوه عنه أدناه:

لقد تم تبنى اصول جديد فى هذه المادة . وهذا الاصول اصول جديد بسبب عدم تطبيقها فى بلادنا حتى يومنا هذا  وهذا الاصول الجديد ينص على ضرورة تأسيس مجلس عائلي منتخب من قبل عائلتي الزوج والزوجة مأذون للنظر في الخلافات الناشبة بينهما.

 وعلى الرغم من أن الأمر واضح فى  تأسيس هيئة الحكام إلا أنه لم يطبق فى بلادنا لأن صلاحياتها محدودة بإصلاح العلاقات المتبادلة بين الزوجين فقط حسب الرأي الحنفي ولا تتمتع تلك الهيئة بصلاحية التفريق بين الزوجين ما لم تتمتع بوكالة صريخة من قبل الزوجين. في حين أن الأمر لا يقتصر على إصلاح ذات البين وإعادة المياه إلى مجاريها .

وإن كان الأمر كذلك فليس ثمة ضرورة لتعيين الحكام لأن القضاة من البداية هم الذين ينهضون بهذه المهمة لدى لجوء الزوجين للقضاء قبل الحكم عليهما. ولكلا الزوجين الحق بتوكيل هيئة الحكام ، هذا علما بأن المخطئ سوف لن يبادر لمنح الوكالة الضرورية.

ومن جهة أخرى فإن لهيئة الحكم صلاحية اتخاذ القرارات بدون اشتراط الوكالة  حسب المذهب المالكي . وعلى هذا فان مجلس العائلة تجهد  فى إصلاح ذات البين بين الزوجين أولا ولدى اليأس من إصلاح ذات البين و تعذر هذه المسيرة  تقرر الهيئة تفريق الزوجين بغير بدل إن كان الزوج هو المخطئ واستقطاع كامل مهر المرأة أو جزء منه إن كانت هي المخطئة .

ويكون القرار المتخذ في هذا الصدد ملزما فيهما وحاسما ولا يقبل اعتراضهما من بعد لأنه لا يستند لأقوال الشهود بل لأوضاع الزوجين مباشرة.

          وسوف يسهم تبني هذا المذهب في تسوية الكثير من القضايا العائلية الغير لائقة لأنه سوف يحد من ظواهر الظلم الممارسة من قبل الأزواج على زوجاتهم كما سيحد من تصرفاتهم الجائرة.

لآنه كان لا يمكن أن يطبق عليهم أى عقوبة غير تقدير النفقة بسبب صلاحية الطلاق بأيديهم. ولهذا السبب، فقد تم تنظيم المادة 130 بهذا الشكل[28].

          وليس هناك أي اختلاف من جراء تعيين الحكام من قبل الزوجين ومنحهم كافة الصلاحيات التي تتيح لهم –بما فيها- إمكانية التفريق بينهما واقتطاع جزء من مال الزوجة لصالح الطرف الآخر[29].

          ومن هذا المنطلق يستمع المحكمان في محكمة مدنية للمدعي والمدعى عليه ويعملون على تقريب وجهات النظر بينهما و يجهدون بكل جهدهم للاصلاح بينهما قبل كل شئ وقد يعقد المحكمان جلسات للاستماع الى أقوال الشهود ومبررات الطرفين وقد يطلب من المدعي البينة بصدد الخلاف العائلي أو أداء اليمين.

ويعتنى الحكمان او هيئة الحكام بمبادئ العدالة والانصاف ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الفقه الإسلامى لا يعد ملزما فى هذا الموضوع بالقرارات المتخذة بالأكثرية ولا ينفذ القرار المختلف فيه ولا يكون القرار ملزما اذا حكم احدهما بالتفريق والآخر بالعكس او احدهما بالضمان والآخر بالعكس على سبيل المثال.

ولذلك يكون القرار ملزما اذا اتفق الحكمان او هيئة الحكام [30].

  1. وفي الختــــــــــــــــــــــــــــــام:

إن النكاح حسب الأحكام الفقهية هو عقد يتم فيه إعلان بيان  الرجل والمرأة (أو وكيليهما) المؤهلين للزواج و ليس ثمة ما يحول دون زواجهما من الناحية الدينية- بيانهما بقبول الزواج مع بعض و موافقتهما عليه لدى شاهدين مؤهلين على الأقل وذلك بمجرد الإيجاب والقبول.

فاشتراط الشاهدين ليعرف عند الناس بأنهما متزوجان مع بعض .

فبمجرد إبرام عقد النكاح يظهر إلى حيز الوجود الكثير من الحقوق والواجبات الحقوقية مثل النسب والنفقة والتعويضات والميراث.

ولا يمكن ضمان الحقوق الناجمة عن عقد الزواج ما لم يتم تسجيل العقد بصفة رسمية أو إيجاد الوازع الحقوقي فيما يخص المسؤوليات الناجمة عن العقد. ولهذا السبب فإنه من غير المستحسن عقد زواج غير رسمي قبل إبرام العقد الرسمي.

          ولهذا السبب، تأتي الحياة الزوجية في مقدمة المؤسسات التي تستأثر بالاهتمام والجدية لأن الغرض من الزواج ليس لهو ولعب بل تحقيق الأهداف السامية.

وبمجرد التوقيع على عقد الزواج تتحقق العديد من الحقوق بين الزوج وزوجته.

          إن أهم نقطة في عقد الزواج من الناحية الإسلامية هي إعلان الزواج، إذ لا يجوز إخفاء الزواج نظرا لتعارضه مع هدف وميزة النكاح.

ولابد أيضا من تسجيل العقد لدى السلطات الرسمية لأن الزواج هو عقد ذو أبعاد دينية وحقوقية وأخلاقية واجتماعية وليس وسيلة لطمأنة الرغبات الشهوانية فقط. ولهذا السبب لابد من إعلانه والتوقيع على عقده أمام الشهود المتمتعين بالأهلية. ويجب في هذا الإطار الإشارة إلى أن الدين الحنيف لا يجيز إخفاء الزواج كما لا يجيز إجبار أحد الطرفين أو كليهما على الزواج.

          و من البديهى مستدلا من المبدأ القرآني الذى يحث على أن نبعث حكما من اهله وحكما من اهلها عند نشوب النزاع بينهما  أن نطبق نظام التحكيم فى حل النزاعات فى الانكحة غير المعترف بها رسميا.

ويلزم علينا اللجوء إلى التحكيم من أجل إنهاء أو فسخ هذا العقد عند الضرورة او عند الحاجة الملحة.

ولهذا السبب على الأطراف التي تتحلى بالحساسيات الدينية أن يسارعوا لتطبيق هذا المبدأ والتخلي عن كافة الممارسات المناهضة للدين التي تهدف إلى الإضرار بالطرف الآخر.

هذا علما بأن مثل هذه الممارسات قد تمنح الجهات والمجتمعات التي لا تعترف بمثل هذه العقود  الحجة التي تدعم مواقفها من تلك العقود.

          إن الدين الحنيف لا ينظر بعين الارتياح للطلاق هذا رغم ضرورته في بعض الأحوال لأن الغرض من الزواج من الناحية الدينية هو ضمان إستمراريته مدى الحياة ، هذا ولأن الدين لا يبيح النكاح المؤقت على الإطلاق من جهة أخرى.

ولابد من التأكيد في هذا الإطار بأن التحكيم هو خير وسيلة لفسخ العقد والتفريق بين الزوجين الذين يؤمنان بشرعية الأحكام والأخلاق الإسلامية عند الضرورة او الحاجة الملحة.


 

[1] انظر:عبد الوهاب خلاف ، علم اصول الفقه ، المكتبة الاسلامية، استانبول 1984، ص: 95

[2]  صحيح مسلم، النكاح ، 74-75 رقم الحديث: 1424 ؛ سنن الترمذى، النكاح 5

[3]  ابن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت بدون ـاريخ، 8/20 ، سنن النسائ، النكاح 31-32

[4]  عمر نصوحى بيلمن، قاموس الحقوق الاسلامية والاصطلاحات الفقهية ، من منشورات  كلية الحقوق لجامعة استانبول، مطبعة استانبول، استانبول 1950، 2/232

[5]  عمر نصوحى، 2/274

[6] سورة البقرة 2/231

[7]  اسماعيل قيللى اوغلى، الفكر والحرية ، استانبول 1992، ص: 128

[8]  سورة الروم 30/21

[9]  عبد الكريم زيدان، المفصل فى احكام المرأة، مؤسسة الرسالة، بيروت 1992، 8/416-16

[10]  عبد الله بن محمود بن مودود الموصلى ، الاختيار لتعليل المختار، دار المعرفة، بيروت 1975، 3/122

[11]  على حيدر، آخصقالى خواجة أمين أفندى زادة، درر الحكام شرح مجلة الاحكام، مطبعه طباعت، استانبول 1330، 4/805

[12]  سورة النساء 4/34

[13]  انظر: برهان الدين المرغينانى، الهداية شرح بداية المبتدى، المكتبة الاسلامية، 4/482

[14]  المرعينانى، الهداية ، 4/482

[15]  خطيب الشربينى، مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج، مكة المكرمة بدون تاريخ، دار الكتب العربية الكبرى ، 3/252 ، محمد على السابونى، روائع البيان تفسير آيات الاحكام، دمشق 1977، 1/ 471-472  1977, I/.471,472.

[16]   ابن العربى ، احكام القرآن، 1/427

[17]  شربينى، 3/252 ، عبدالكريم زيدان، 8/415-6

[18]  عبدالكريم زيدان، 8/416

[19]  ; ابن العربى، 1/426، ابن قدامة، المغنى، 8/172 , VIII/172;  I/471; مالك بن أنس،, II/ 255 ألماليلى محمد حمدى يازير، حق دينى ٌرآن ديلى، 2/1453

[20]  الصابونى ، 1/471

[21]ابو عبدالله القرطبى، الجامع لاحكام القرآن، بيروت  1965، 5/177  ,ابن العربى، احكام القرآن ، 5/472

[22]  القرطبى، 5/175

[23]  عبدالكريم زيدان، 8/416

[24]  ابن النجيم، البحر الرائق ، 7/27.

[25]  القرطبى، 5/176  ، الشربينى، 3/252

[26]  ابن كثير، 2/260، ; ألماليلى، 2/1353 ، شربينى، 3/252 ، ابن قدامة ، 8/169،  الصابونى،1/472 ،  القرطبى، 5/ 176 ، ابن حزم، المحلى ،مصر 1352، 10/87

[27]  قانون حقوق الاسرة  العثماني مادة 130 “Karı koca arasında çekişme ve anlaşmazlık ortaya çıkar, taraflardan biri hâkime müracaat ederse, hâkim tarafların ailelerinden birer hakem tayin eder. Birisinin veya her ikisinin ailesinden hakem tayin edilecek kimse bulunamaz veya bulunup da hakem olabilecek sıfatları taşımazsa dışardan uygun kimseleri tayin eder. Bu şekilde kurulan aile meclisi tarafların ifade ve savunmalarını inceleyerek aralarını ıslaha çalışır. Mümkün olmadığı takdirde kusur kocada ise aralarını ayırır. Karıda ise mehrin tamamı veya bir kısmı karşılığında muhalaa yapar. Hakemler ittifak edemezlerse hâkim, gerekli sıfatları taşıyan diğer bir hakem heyeti veya tarafların yakını olmayan üçüncü bir hakem heyeti tayin eder. Hakemlerin vereceği hüküm kesindir, itiraz edilemez.”

[28]  قانون حقوق الاسرة  العثماني موجب مادة 130 “Bu tasarıda şimdiye kadar tatbik edilmemesi sebebiyle memleketimiz için pek yeni olan bir yöntem kabul edilmiştir. Bu, karı koca arasında anlaşmazlık ortaya çıkması halinde, hüküm vermek üzere izin verilmiş bir aile meclisi, yani tarafların ailelerinden seçilmiş bir hakem heyeti kurulmasıdır. Böyle bir hakem heyetinin kurulması emredildiği halde ülkemizde uygulanmamasının sebebi, Hanefilere göre hakem heyetinin yalnız arayı düzeltmeye yetkili olması ve taraflarca vekâlet verilmedikçe aralarını ayırmaya yetkili olmamasıdır. Hâlbuki iş yalnız arayı düzeltmekten ibaret değildir. Öyle olsa külfete girip bir heyet kurulmasına gerek yoktur. Çünkü öteden beri her ne zaman karı koca mahkemeye müracaat etse, hâkimler hüküm vermeden önce, onların arasını düzeltme görevini yerine getirmeye çalışmaktadırlar. Karı kocanın hakem heyetine vekâlet vermeleri ise isteğe bağlı bir durumdur. Haksız olan tarafın bu konuda vekâlet vermeyeceği açıktır. Diğer taraftan Maliki mezhebinde, vekâlet şart koşulmaksızın hakem heyetine hüküm verme yetkisi tanınmaktadır. Şöyle ki: Hakemler, tarafların arasını düzeltmenin mümkün olmadığına kanaat getirdikleri takdirde, haksızlık kocada ise karısının karşılıksız olarak ayrılmasına, karıda ise mehrin tamamı veya bir kısmı ile muhalaa yapılmasına karar verirler. Hakemlerin hükmünün karı koca hakkında yerine getirilmesinin gerekli olup, onların sonradan yapacakları itiraz kabul olunmaz. Çünkü bu hüküm şahitliğe dayanılarak verilmiş değildir. Tarafların durumları değerlendirilerek verilmiştir. Bu konuda mezheb-i Malikînin kabulü, ülkemizde aileler içinde mevcut pek çok uygunsuzlukların kaldırılmasına hizmet edeceği, özellikle karılarına zulüm ve haksızlık ettikleri halde boşanma yetkileri kendi ellerinde olması yüzünden haklarında nafaka takdirinden başka bir muamele yürütmek mümkün olmayan kocaların haksız davranışlarına son vereceği düşüncesiyle belirtilen görüş kabul edilmiş ve 130. madde bu esasa göre düzenlenmiştir.

[29]  الماليلى، 2/1353،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق