البحوث

الحقوق المعنوية للبرامج وأحكام نسخها

الحقوق المعنوية للبرامج وأحكام نسخها

أ. د. عجيل جاسم النشمي

مقدم إلى الدورة السابعة

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

المنعقدة في مدينة دبلن في إيرلندا

في الفترة من 29 شوال- 4 من ذي القعدة1421هــ

الذي يوافقه 24- 29 يناير 2001م

الحقوق المعنوية للبرامج وأحكام نسخها

تمهيد:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} أما بعد:

فإن العالم يعيش اليوم عصر المعلومات، أو ثورة المعلومات “وفي مطلع عام 1960 م بدأ الحديث عن عقد جديد سمي بــ “عقد انفجار المعلومات” أو “تفجير المعلومات” أو”فيضان المعلومات” وهو العقد الذي شهد استخداماً موسعاً للحاسبات لما لها من قدرات هائلة على التخزين والإسترجاع ، ومع بداية عام 1970 م بدأ عقد جديد عرف بعقد المعالجة الآلية للمعلومات، وهو العصر الذي ازدهر فيه علم معالجة المعلومات[1] ولقد اتخذ السعي لإيجاد الحلول المناسبة للتغلب على مشكلة تزايد حجم المعلومات مسارين رئيسيين:

تمثل (أولهما) في تركيز العديد من دراسات (علم المعلومات) على التحسين والتطوير في عملية فهم المعلومات ومكوناتها وكيفية حصرها وتجميعها وتبويبها وتصنيفها وتحليلها بهدف الاستفادة منها بفاعلية عظمى.

(ثانيهما) في ظهور ورواج مستحدثات تقنية متقدمة للتحكم في المعلومات وتجميعها ومعالجتها واختزانها واسترجاعها وتحسين الانتفاع بها، كالحاسبات وتقنيات المصغرات الفلمية والأقراص الليزرية ووسائط الإتصال والإئتمار عن بعد، والتي يشكل تزاوجها واندماجها معا، ما يعرف بتكنولوجيا (تقنية) المعلومات Information Technology  أو Informatic Informatique [2].

والبرامج من أخص وأخطر المعلومات أهمية وهي اليوم تمثل رأس حربة بالغة التأثير من ملكها ملك سلاحا واقتصادا يضاهي قوة السلاح العسكري ، بل يفوقه، ولذا فإن السباق في ميدان البرامج اليوم يفوق سباق التسلح، وغدت السرية فيه تفوق بكثير سرية صناعات الأسلحة.

وأما كونه اقتصادا فإن المعلومات اليوم تعتبر من أضخم رؤوس أموال الدول المتقدمة، بل من ملكها من الشركات فإن ميزانيتها تعدل ميزانيات دول متقدمة.

ومن أجل هذه الأهمية فقد سارعت الدول المتحضرة إلى حماية البرمجيات بتشريعات مفصلة لحماية حقوق المؤلفين والصناع.

ولقد توسع التعامل بالبرمجيات حين دخلت مرحلة التصدير الواسع بحيث شمل جميع الدول دون استثناء، وأعادت أغلب الدول برمجة هياكلها التخطيطية والتنظيمية والإدارية، والمالية وغيرها، على وفق هذه التقنية الجديدة، بل إن الدول اتخذتها مخزنا أمينا لأخص معلوماتها السرية العسكرية، وغير العسكرية.

ومن أسف أن الدول الإسلامية كانت في غيبة أو أنها غيبت عن عالم البرمجيات ونظم المعلومات، ولم تصح إلا وهي تتداول في أسواقها، سلعا تباع وتشترى. وقد احتفظ مصدروها بأسرار صنعها وتقنيتها.

ولسنا هنا بصدد التنديد، والندب على الحال، وبيان أسباب هذا التخلف عن هذه الثورة العالمية، فذاك دونه تسويد الصفحات الباكيات، المؤلمات، ويكفينا هنا التنويه بجماع تلك الأسباب، وهو لاريب سبب الغي والضنك الذي تعيشه الأمة الإسلامية، ألا وهو الإعراض عن ذكر الله وإن ذكر الله شريعته، وآداب وأخلاق الإسلام، وذكر الله سنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى:{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}، ونحن الآن بصدد الكشف عن حكم الشريعة الإسلامية في هذا المستجد، هذه البرمجيات قد وضح التعامل بها أخذا وعطاء ونسخا وتداولا، فاحتاج ذلك إلى بيان أحكامها، وسلكها في أحكام الفقه، فإن من المقرر أنه لا يند عن أصول الشريعة وأحكامها واقعة حال، تعلق بها فعل المكلف، فلابد والحال هذه من إلحاق الحكم الشرع بها، ولا محيص من ترتيب الوصف أو الحكم الشرعي على هذه الأحوال والوقائع إن بالوجوب، أو الندب، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الإباحة، أو ربما كلها مجتمع تبعا للأحوال.

ولما كان موضوع البرامج قد نظمته القوانين الوضعية فيحسن معرفة ذلك إجمالا تمهيدا لبيان حكم الشريعة الإسلامية على وجه التفصيل، وصولا لتحديد ما يجب، وما يجوز، أو يحظر، أو يترك على حكم الإباحة الأصلية، ولذا لزم تقسيم الموضوع إلى فصول:

  • الفصل الأول: تعريف البرنامج وبيان حقيقته.
  • الفصل الثاني: الحق في القانون.
  • الفصل الثالث: الحق في الفقه الإسلامي(والحقوق المعنوية).
  • الفصل الخامس: المال.
  • الفصل السادس: المنفعة.
  • الفصل السابع: الملك.
  • الفصل الثامن: التكييف الشرعي للبرامج وحكم الإعتداء عليه.

 

الفصل الأول

تعريف البرنامج وبيان حقيقته

يمكن تعريف برنامج الحاسب الآلي بأنه تعليمات توجه إلى الحاسب في شكل معين من أجل الوصول إلى نتيجة معينة بواسطة هذا الحاسب، ويعرف الشكل الذي توجه فيه التعلميات إلى الحاسب الآلي بلغة الحاسب[3].

وتنقسم برامج الكمبيوتر من حيث الأداءات التي تقوم بها نوعين: برامج  تشغيليةOperating Systems وبرامج تطبيقية   Application Programs

وظائف أنواع البرامج:

وفي حقيقة الحال فإنه لااختلاف في الطبيعة بين هذين النوعين من البرامج فكل منهما يمر في تأليفه وإعداده بنفس الخطوات ونفس الموقف. ولكن أداء كل منهما يختلف عن الآخر.

فالبرمج التشغيليةOperating Systems تقوم بوظيفة (إجرائية) بالتعبير القانوني. فهي تسيطر على العمليات الأساسية للأداء الآلي داخل الكمبيوتر((Computer hardware  أي أنها عبارة عن مجموعة أوامر تؤدي عن طريق تنظيم النبضات الإلكترونية داخل أجهزة الكمبيوتر، إلى قيام أقسام الكمبيوتر كالشاشة ولوحة المفاتيح والطابعة، بعملها المرسوم لها وفقا للنظام المبنية عليه.

أما البرامج التطبيقية Application Programs  فتقوم بتوجيه أقسام الكمبيوتر ضمن النظام الذي وضع لها وفقا لأوامر البرامج التشغيلية المثبتة بالكمبيوتر نفسه أو في لوحات مستقلة يجري إدخلها معها في نظام الكمبيوتر فهي تجعل النظام الآلي للكمبيوتر يعمل لاستخراج نتائج معينة يرغب مستعمل الكمبيوتر باستخدامها والإستفادة منها في عمله، كاستخراج المعلومات التي يريدها مثل الحاسبات أو القضايا أو الأبحاث أو الأسماء…الخ، أو القيام بطباعة هذه المعلومات على الورق وغيرها من الأداءات التي يمكن أن يقوم بها البرنامج للمستفيد منه. لذلك فإن وظيفتها حسب التعبير القانوني هي وظيفة”موضوعية”[4].

ويمكن أن يعبر عما سبق بأن هناك مايسمى ببرامج المصدر وهي نوعان:

الأول: هو ما يعرف ببرامج الاستغلال وهي مجموعة البرامج المهيمنة على جميع عمليات التخزين والإدخال والإخراج للبيانات على نحو يسمح بقيام الحاسب بوظائفه سواء من حيث التشغيل الداخلي أو من جهة المتعاملين معه.

والنوع الثاني: من برامج المصدر هو ما يعرف ببرامج التطبيق وهي البرامج المحررة بإحدى اللغات مرتفعة المستوى والتي يمكن استغلالها من العملاء جميعا، مثل برامج التطبيق الخاصة بإعداد الأجور والمرتبات وحسابات العملاء المصرفية، مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه إذا لزم الأمر[5].

ويجب فوق ذلك الأخذ في الإعتبار التمييز بين ما يعرف بالبرامج الخاصةLogiciels والبرامج النمطيةProgciels . والأوامر تلك البرامج التي يتم إعدادها بناء على طلب العميل وطبقا لاحتياجاته الخاصة، مما يترتب عليه تمييزها عن سائر البرامج المقاربة لها.

أما الثانية: فهي برامج نمطية يمكن استخدامها بواسطة عدة عملاء دون إدخال ثمة تعديلات عليها. ولذلك إذا شئنا التقريب بين برامج الحاسب الآلي والمعرفة الفنية فإن هذا التقريب لا يستقيم إلا بالنسبة إلى البرامج الخاصة دون البرامج النمطية، ذلك أنه في هذه الحالة وحدها يتحقق نقل للمعرفة إلى

المتلقي. أما في حالة البرامج النمطية فإنه يتقرر للمتلقي مجرد حق في استعمال المعرفة بواسطة الحاسب الآلي دون أن يتحقق أدنى نقل للمعرفة ذاتها إليه[6].

خطوات إعداد البرامج:

ويمكن إيجاز المراحل المتعاقبة للوصول إلى البرنامج في صياغته النهائية بعد أن تتكون في ذهن البرنامج وأهدافه في الخطوات التالية:

  1. إعداد وصف تفصيلي للإشكالية بعد جمع كافة البيانات الخاصة بها.
  2. إعداد الخطوات الحسابية المنطقية الخاصة بحل الإشكالية المعروضة وهي ما يعرف بالخوارزمياتAlgoritmes.
  3. إعداد خطوات التسلسل المنطقي للحل في صورة أشكال رمزية متعارف عليها دوليا.
  4. كتابة البرنامج بناء على هذه الخريطة في صورة برنامج المصدرProgramme Source، أي كتابة البرنامج بإحدى اللغات المتعارف عليها للحاسب الآلي، وذلك بحسب نوع برنامج المصدر المستخدم لمعالجة المعلومات، وتأتي اللغات المتعارف عليها على نوعين رئيسيين:
    • لغات منخفضة المستوى: وتتميز بكفاءتها وسرعتها لأنها تتعامل مباشرة مع الحاسب الآلي بعد خضوعها لعملية تنقية معينة تسمى عملية التجميع، ينفذها برنامج يعرف بالبرنامج المجمع Assemleur. وتختلف هذه اللغات باختلاف نوعية الحاسب الآلي المستخدم، ولذلك فإن من أبرز عيوبها مايترتب عليها من ضرورة تغيير كافة البرامج المستخدمة بتغير نوعية الحاسب الآلي
    • لغات مرتفعة المستوى: وهي لغات صالحة للإستخدام في جميع أنواع الحاسبات الآلية بعد خضوعها لبرنامج معين هو البرنامج المؤلف Compilateur حتى تتحول إلى لغة الحاسب الآلي المستخدم.
  5. تحويل البرنامج المصدر إلى برنامج الهدف Programme object أي إلى اللغة التي يعمل بها الحاسب الآلي، بمعنى تحويل البرنامج بإحدى اللغات منخفضة المستوى- البرنامج المجمع- أو مرتفعة المستوى- البرنامج المؤلف ويطلق على هذه العملية الترجمة، ويكون الحاسب الآلي مبرمجا عادة لهذا الغرض.

 ويتضح مما تقدم أن برامج الحاسب الآلي أنواع ثلاثة: برامج المصدر وبرامج الترجمة وبرامج الهدف[7]

الفصل الثاني
الحق في القانون
المبحث الأول:

 

تعريف الحق: تباينت تعاريف القانونيين للحق، تبعا لمدارسهم التاريخية والموضوعية.

فعرفه بعضهم بأنه: قدرة أو سلطة إرادية، يخولها القانون لشخص معين[8].

وعرفه بعضهم بأنه: “ثبوت قيمة معينة لشخص بمقتضى القانون” فيكون لهذا الشخص أن يمارس سلطات معينة يكفلها له القانون، بغية تحقيق مصلحة جديرة بالرعاية[9].

وعرفه السنهوري – بخصوص المعاملات- بأنه:”مصلحة ذات قيمة مالية، يقرها القانون للفرد”[10]، وعرفه مطلقاً فقال: بأنه” مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون” فلا يدخل إذن لا الحقوق العامة، ولا الحقوق المتعلقة بالأحوال الشخصية، لأنها وإن كانت حقوقا، ليست ذات قيمة مالية. وعلى ذلك فالتعريف يشمل الحقوق الشخصية والعينية[11].

ومراد الذين عرفوا الحق بأنه مصلحة – وهو تعريف بالموضوع – يقتضي أن كل منفعة حق، لأن المصلحة هي المنفعة التي تتوجه إرادة صاحبها إلى تحقيقها بحماية وإقرار القانون، سواء أكانت منفعة مادية أم معنوية.

وعرفه آخرون بأنه: ” استئثار شخص بمزية يقررها القانون له، ويخوله بموجبها أن يتصرف في قيمة معينة باعتبارها مملوكة أو مستحقة له”[12].

المبحث الثاني : أقسام الحق:

يقسم رجال القانون الحقوق إلى عدة أقسام:

-حقوق سياسية و مدنية:

فالحقوق السياسية: هي الحقوق المتقررة للأفراد باعتبار دورهم في النظام السياسي في الدولة. كحق الانتخاب و الترشيح.

والحقوق المدنية: هي المصالح المتقررة للأفراد بصفة مباشرة.

-وهذه الحقوق تنقسم بدورها إلى :حقوق عامة، وحقوق خاصة.

والحقوق العامة: هي المتعلقة بكرامة الإنسان، وسلامة الجسد، وحرمة مسكنه، وحقه في التملك، والتنقل، وغير ذلك.

وأما الحقوق الخاصة: فهي التي تنشأ نتيجة العلاقات والروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع.

-وهذه تنقسم إلى: حقوق الأسرة، وهذه تنظمها قوانين الأحوال الشخصية.

-والحقوق المالية: وهي التي يمكن تقويم محل الحق فيها بالنقود.

وقد قسمت هذه الحقوق إلى :

حقوق عينية، وحقوق شخصية، وحقوق معنوية أو ذهنية.

والحق العيني: هو سلطة لشخص تنصب مباشرة على شئ مادي معين، كحق الملكية، ومن ثم يستطيع صاحبه أن يباشر دون واسطة شخص آخر فهذا الحق ينطوي على عنصرين: صاحب الحق ومحل الحق.

والحق الشخصي أو الالتزام: هو حق يتمثل في رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يقوم أحدهما – وهو المدين – قبل الآخر – وهو الدائن – بأداء مالي معين.

كحق مشتري العقار قبل الذي يلتزم بنقل الملكية، وحق المستأجر قبل المؤجر الذي يلتزم بالتمكين من الانتفاع بالعين المؤجرة[13].

وهذه التفرقة بين الحق العيني والحق الشخصي تفرقة أساسية في القانون المدني.

والحق المعنوي: سلطة لشخص على شئ غير مادي، كالأفكار، والمخترعات، فهي سلطة على شئ معنوي غير مادي يكون ثمرة فكر صاحب الحق أونشاطه.

-وتقسم الحقوق العينية إلى: حقوق عينية أصلية، وحقوق عينية تبعية. فالحقوق العينية الأصلية: هي التي تقوم بذاتها مستقلة، بحيث لاتستند في وجودها إلى حق آخر تتبعه.

وهي تشمل: حق الملكية، والحقوق المتفرعة عن الملكية، وحق الانتفاع، وحق الاستعمال، وحق السكنى، وحق الحكر، وحقوق الارتفاق.

أما الحقوق العينية التبعية فهي : الحقوق التي لا توجد مستقلة، وإنما تكون تابعة لحق شخصي تضمن الوفاء به، وهي تشمل الرهن الرسمي، والرهن الحيازي، وحق الاختصاص، وحقوق الامتياز[14].

الفصل الثالث

الحقوق المعنوية

المبحث الأول: تعريف الحقوق المعنوية وطبيعتها:

الحق المعنوي – كما سبق القول – : حق يرد على شئ غير مادي، سواء أكان نتاجا ذهنيا: كحق المؤلف في المصنفات العلمية أو الأدبية، أم في المخترعات الصناعية. أم كان ثمرة لنشاط يجلب له العملاء، أي أن الحق يرد ههنا على قيمة من القيم، كحق التاجر في الاسم التجاري، والعلامة التجارية، ويترتب على هذا حق احتكار واستغلال هذه الثمرة، أو هذا النشاط، أو النتاج.

ويقول الدكتور السنهوري:” إن أكثر الحقوق المعنوية حقوق ذهنية،  والحقوق الذهنية حق المؤلف، وهو ما اصطلح على تسميته بالملكية الأدبية والفنية، والحقوق المتعلقة بالرسالة، وهي مااصطلح على ما تسميتها بملكية الرسائل، وحق المخترع وهو ما اصطلح على تسميته بالملكية الصناعية.

والحقوق التي ترد على ما يتكون منه المتجر، والتي اصطلح على تسميتها هي وسندات التداول التجارية بالملكية التجارية. ويجمع ما بين هذه الحقوق جميعا أنها حقوق ذهنية[15] .

طبيعة الحقوق المعنوية:

اختلف رجال القانون في تكييف الحقوق المعنوية، وتوزعت أقوالهم في ذلك إلى مذاهب متعددة.

فذهب بعضهم: إلى أن الحق المعنوي لايعتبر نوعا من أنواع الحقوق، بالإضافة إلى الحقين الآخرين، وهما: الحق العيني، والححق الشخصي، بل هو حق داخل ضمن الحقوق العينية، ذلك أن الحق العيني يشمل الشئ ماديا كان أو

معنويا. ثم اختلفوا حول طبيعة هذا الحق المعنوي، هل هو حق ملكية أم لا؟ وأطلق على هذه الحقوق عدة تسميات:

فأطلق عليها اسم” الملكية الأدبية والفنية والصناعية” باعتبار أن حق الشخص على إنتاجه الذهني حق ملكية.

وقد نوقش هذا الرأي من ناحية أن الحقوق المعنوية، يرد الحق فيها على شئ غير مادي، أي لايدخل في عالم الحسيات، ولايدرك إلا بالفكر المجرد، فهو حتما يختلف عن الشئ المادي الذي يدرك بالحس. ومن جانب آخر فإن “المادة تؤتي ثمارها بالاستحوذ عليها، والاستئثار بها، أما الفكر فعلى النقيض من ذلك، يؤتي ثماره بالانتشار لا بالاستئثار.. فطبيعة الملكية تنافي مع طبيعة الفكر من ناحيتين:

الأول: أن الفكر لصيق بالشخصية.

والثانية: أن الفكر حياته في انتشاره، لا في الاستئثار به، ونخلص من ذلك إلى أن حق المؤلف أو المخترع ليس حق ملكية، بل هو حق عيني أصلي، يستقل عن حق الملكية بمقوماته الخاصة، وترجع هذه المقومات إلى أنه يقع على شئ غير مادي[16].

ومن ناحية أخرى: فإن حق الملكية حق مؤبد، في حين أن الحق المعنوي حق مؤقت بطبيعته، وذهب آخرون إلى إطلاق عنوان “الحقوق الذهنية” على هذه الحقوق، تحاشيا للملاحظات التي أبديت لمفارقة حق الملكية عن الملكية المعنوية.

وقد رد هذا بأن”هناك إلى جانب الأشياء المادية التي ترد عليها الملكية العادية أشياء غير مادية للتملك، بحيث يمكن أن يقال عنها: إنها ملكية غير عادية[17].

وذهب آخرون إلى إطلاق عنوان” الحقوق التي ترد على أموال غير مادية”.

وقد رد هذا” بأنه لم يعن ببيان الخصائص الأساسية لهذه الحقوق في المجال المالي، لإظهار الفارق بينها وبين الحقوق العينية والشخصية، إذ أن تلك الحقوق – كما هو الشأن في الأموال المادية- يمكن الانتفاع بها، والتصرف فيها، بمقتضى عقد”[18].

وذهب آخرون إلى إطلاق عبارة” الحقوق المتعلقة بالعملاء” وذلك نظرا إلى موضوع هذه الحقوق، وهو الأشياء التي من إبداع الذهن أو القيمة التجارية، وأن هذين الأمرين تتحدر قيمتها جميعا بحسب ما يجتذب إليها من العملاء.

وقد أخذ على هذا الإطلاق: أنه قد يصدق على الحقوق التي ترد على قيم تجارية، كالاسم التجاري مثلا ، لكنه لا يصدق على حقوق المؤلفين بذات الدرجة، لأنها قد تكون إنتاجا ذهنيا مستقلا، كحق المؤلف الأدبي المتميز عن الحق المالي.

ورجح آخرون أن طبيعة الحق المعنوي أنه”صورة خاصة من الملكية”، باعتبار أن عناصر الملكية موجودة في هذا النوع من الحقوق، ” فلا مفر من التسليم بأننا بصدد حق ملكية، وكل ما هنالك أن الملكية هنا تعتبر صورة خاصة للملكية، حيث أنها ترد على شئ غير مادي. ومقتضى هذا الفارق أن تختص الملكية المعنوية بأحكام تختلف عن أحكام الملكية العادية، ولايقدح في هذا النظر أن يقال : إن الحق المعنوي في أغلب صورة ليس مؤبدا، لأن التأييد ليس خاصية جوهرية لحق الملكية[19]

المبحث الثاني: حقوق الملكية الصناعية:

تعريف حقوق الملكية الصناعية: هي حقوق استئثار صناعي. أي هي حقوق تخول صاحبها أن يستأثر قبل الكافة باستغلال ابتكار جديد، أو استغلال علامة مميزة.

وتهدف حقوق الملكية الصناعية إلى الاتصال لالعملاء عن طريق استئثار المنتج باستغلال ابتكار جديد، أو تمييز منتجاته أو متجره بعلامات مميزة.

وعلى هذا” فتشمل حقوق الملكية الصناعية : براءات الاختراع، والعلامات التجارية المميزة، والرسوم، والنماذج الصناعية”[20].

فحقوق الملكية الصناعية نوعان رئيسان:

حقوق الاختراع والابتكار، وحقوق العلامات التجارية والرسوم.

أولا: حق الاختراع والابتكار: وهو الحق فيما يسمى ” براءة الاختراع، وهي من أقدم أسناد الملكية الصناعية”[21]. وهي جهد ذهني إلى إيجاد شئ أو نظرية لم يكن معروفا. واصطلح على تسمية ذلك حقوق الملكية الفنية والأدبية، وهذه الحقوق تنشأ في البيئة العلمية والأدبية والفنية، وقد يمتد استغلال تلك الحقوق إلى البيئة التجارية.

وحقوق الملكية الصناعية التي تقوم على ابتكارات جديدة قد تتعلق بابتكارات جديدة قد تتعلق بابتكار من حيث موضوع المنتجات. وهي براءة الاختراع، وقد تتعلق بابتكار جديد من حيث  شكل المنتجات، وتلك هي الرسوم والنماذج الصناعية.

وعلى هذا فموضوع الحق في براءة الاختراع، غير موضوع الحق في حق الرسوم والنماذج الصناعية.

فالحق في الأول: ينصب على ابتكار جديد من حيث الموضوع، فيستأثر صاحبه برخصة صناعية جديدة فيحتكر انتاجا صناعيا جديدا.

أما في الثاني: فعنصر الابتكار يرد على الشكل الذي تصب فيه المنتجات، كرقم، أو لون مبتكر في ثوب، أو زخرفة، أو نماذج جديدة لتصميم سيارة، وما إلى ذلك من المظاهر الخارجية.

ثانياً: العلامات التجارية والرسوم: حق الملكية الصناعية والتجارية يتضمن حق المنتج في احتكار استعمال علامة تميز منتجاته، أو تميز متجره أو بلد الإنتاج.

فحق المنتج في احتكار علامة المصنع أو المتجر هو الحق في الاسم التجاري.

أما الرسوم والنماذج الصناعية: فيقصد بها تلك اللمسات الفنية، والرسوم، والألوان، والشكل المنتج، والتي من شأنها أن تستجلب نظر واهتمام العملاء، وحرصهم بعد ذلك على هذا النوع من البضاعة. وهي بهذه الصفة تجمع بين أمرين:

النموذج الصناعي: وهي هذه الرسوم والنماذج أو القوالب الصناعية التي تتميز بها هذه البضاعة.

والموذج الفني: وهي الناحية الجمالية والذوقية التي تحملها وتمثلها هذه الرسوم والأرقام، وما إلى ذلك.

والرسوم والنماذج الصناعية ترتبط بمظهر المنتج الخارجي، ولاعلاقة لها بموضوع المنتج.

ومن هنا يتضح الفرق: بين الابتكار، والرسوم أو النماذج الصناعية. فالابتكار هو اكتشاف منتج جديد على غير سابق مثيل، بينما إخراج هذا المنتج بشكل وطابع وتصميم فني وجمالي: هو النموذج الصناعي.

ولهذا فقد يكون الارتباط بين الابتكار أو الاختراع،  وبين الرسوم والنماذج الصناعية وثيقا، لا يمكن فك الارتباط بينهما. فيكون الحق في الرسوم والنماذج تابعا لحق الاختراع لأنه الأصل.

وقد لايكون بينهما مثل هذا الترابط، فيكون لكل منهما صفته ومايتبعها من حقوق[22].

التكييف القانوني لحقوق الملكية الصناعية:

جرى الفقه القانوني على تقسيم الحقوق المالية – كما سبقت الإشارة – إلى حقوق عينية وحقوق شخصية.

والحق العيني: أرادوا به سلطة مباشرة لشخص معين.

والحق الشخصي: هو رابطة قانونية بين شخصين. أحدهما دائن والآخر مدين، ولقد اتجه الفقه بادئ الأمر إلى إدخال هذه الحقوق في دائرة الحقوق العينية، لما لمسو من تشابه بين حق الملكية، وحق الملكية الصناعية، من حيث أن كلا منهما يعطي صاحبة سلطة احتكار واستغلال الشئ موضوع الحق[23].

لكنهم رأوا فيما بعد ذلك أن هذا التشابه لايكفي في إلحاق الحقوق الصناعية بالحق العيني، ذلك أن الحق العيني سلطة لصاحب الحق على شئ معين بذاته، أما حقوق الملكية الصناعية – كبراءة الاختراع- فيرد على شئ غير مادي له قيمة اقتصادية، أما ملكيته للآلة فهي حق ملكية يرد على شئ مادي.

وهذا فارق جوهري بين طبيعة كل من الحقين، ومتى اختلف الموضوع بين أمرين لم يعد من اللائق الجمع بينهما في طبيعة واحدة.

ومن جانب آخر ذهب فقهاء القانون إلى أن حقوق الملكية الصناعية تختلف عن الحقوق الشخصية: باعتبارها تمثل علاقة أوروابط قانونية بين دائن ومدين، بينهما حقوق الملكية الصناعية تمثل سلطة استئثار باستغلال ابتكار جديد أوعلامة مميزة.

ونظرا لهذا الاختلاف بين حق الملكية الصناعية من حيث طبيعتها، وبين الحقوق العينية والحقوق الشخصية، ناسب إضافة قسم ثالث يمكن أن يدرج تحته

حق الملكية الصناعية، وحق الملكية الأدبية والفنية، واصطلح على تسميته ” حقوق الملكية المعنوية” كما سبقت الإشارة.

ولكن وجد أن هذه التسمية فيها قصور عن التعبير عن طبيعة هذه الحقوق، من حيث أن حق الملكية يتضمن عناصر ثلاثة : هي الاستعمال، والاستغلال، والتصرف. وهذه لاتتوافر جميعها في حقوق الملكية الصناعية.

فالحق في براءة الاختراع لايتضمن عنصر الاستعمال، لأنه غير مادي حتى يمكن استعماله لخاصة نفسه.

ومن ناحية ثانية وجد أن الحق في براءة الاختراع، والحق في الرسوم والنماذج الصناعية، وحقوق الملكية الأدبية والفنية، كلها حقوق مؤقتة.

ومن ناحية ثانية وجد أن الحق في البراءة الاختراع، والحق في الرسوم والنماذج الصناعية، وحقوق الملكية الأدبية والفنية، كلها حقوق مؤقتة.

ولذا رأى بعض القانويين وضع اصطلاح آخر لهذه الحقوق سمي “الحقوق الخاصة بالإنتاج الذهني” باعتبار أن جوهر وموضوع هذه الحقوق هو الابتكار الذهني.

وقد رد هذا الرأي أيضا، لأنه لايطابق الواقع في كل الحالات، فإن الابتكار ليس هو العنصر الجوهري في العلامات المميزة التي تكون محلا للحق في العلامة التجارية، أو الصناعية، أو الاسم التجاري، بل إن جوهر الحق هنا إنما يدور حول مجرد ” العلامة المميزة” للمتجر أو المنتجات.

ورأي آخرون: أن حقوق الملكية الصناعية ما دامت استئثار صاحب الحق باستغلال حقه قبل العملاء والاتصال بهم، فهذا موضوع هذه الحقوق، ولذا أطلقوا على هذه الحقوق ” حقوق الاتصال بالعملاء”.

وقد رد هذا الرأي أيضا، لأنه لايطابق الواقع في كل الحالات، فإن الابتكار ليس هو العنصر الجوهري في العلامات المميزة التي تكون محلا للحق في العلامة التجارية، أو الصناعية، أو الإسم التجاري، بل إن جوهر الحق هنا إنما يدور حول مجرد ” العلامة المميزة” للمتجر او المنتجات.

ورأى آخرون: أن حقوق الملكية الصناعية ما دامت استئثار صاحب الحق باستغلال حقه قبل العملاء والاتصال بهم، فهذا موضوع هذه الحقوق، ولذا أطلقوا على هذه الحقوق” حقوق الاتصال بالعملاء”.

وقد رد هذا الرأي أيضا في تكييف هذه الحقوق بأن ” حقوق الاتصال بالعملاء” هو عنصر من عناصر المتجر، وأن هذا الاصطلاح يقتصر على حقوق الملكية الصناعية دون حقوق الملكية الأدبية والفنية، فهو اصطلاح قاصر[24].

ويري البعض: أن التكييف القانوني الصحيح لهذه الحقوق هي” أنها من قبيل الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية”[25]. وقد أخذ على هذا الاتجاه أنه لم يعن ببيان الخصائص الأساسية لهذه الحقوق في المجال المالي، لإظهار الفارق بينها وبين الحقوق العينية والشخصية.

وعلى هذا فالحقوق المعنوية مهما اختلف في طبيعتها إلا أن عناصرها التي لا خلاف في وجودها في هذه الحقوق ثلاثة، يشير مجموعها إلى أن هذه الحقوق هي حقوق ملكية خاصة، لأنها ترد على شئ غير مادي.

وهذه العناصر الثلاثة هي:

الأول: أنها ترد على شئ معنوي أو غير مادي.

والثاني: أن هذا الشئ يكون ثمرة لعمل صاحب الحق الذهني أو لنشاطه، فهو إما أن يكون نتاجا ذهنيا، أوقيمة من القيم التجارية.

والثالث: أنها تخول صاحبها احتكار استغلال ذلك النتاج، أو هذه القيمة، سواء بالانتفاع أو بالتصرف [26]. 

المبحث الثالث: حق المنفعة:

يعتبر موضوع “المنفعة” موضوعاً وثيق الصلة بموضوع البرامج وما في حكمه، بل هو صلب الموضوع، ذلك أنه إذا ثبت أن البرامج منفعة، فسينطبق عليه أحكام “حق المنفعة”، ومن لزم معرفة المنفعة بتحرير معناها كحق، وبيان أحوالها وأحكامها.

تعريف حق المنفعة: حق المنفعة هو حق استغلال أشياء يملكها شخص آخر، كما يستغلها المالك نفسه، لكن بشرط المحافظة على كيانها، ويعرف أيضا بأنه: الحق العيني في الانتفاع بشئ مملوك للغير، بشرط الاحتفاظ بذات الشئ لرده إلى صاحبه عند نهاية حق الانتفاع، الذي يجب أن ينتهي حتما بموت المنتفع[27].

ويترتب على حق المنفعة أمور:

أولاً: أنه حق عيني، ولذلك عالجه القانون ضمن الحقوق المتفرعة عن حق الملكية، ويترتب على اعتباره حقا عينيا جواز الاحتجاج به على الناس كافة[28].

ثانياً: أنه حق ينتهي بموت المنتفع، فإذا مات المنتفع يرجع حق الانتفاع إلى مالك الرقبة، فإن حدد حق المنفعة بأجل أنتهى حق المنفعة بانتهاء الأجل. فإن مات المنتفع قبل انقضاء الأجل فإن حق المنفعة ينتهي بالرغم من عدم انقضاء الأجل.

ثالثاً: أنه حق يقع على شئ غير قابل  للاستهلاك، لأن الشئ محل الانتفاع يجب رده إلى المالك عند انتهاء حق الانتفاع.

أسباب كسب حق المنفعة:

يكسب حق المنفعة بالعقد، والوصية، والتقادم.

فالعقد يعتبر سبباً لكسب حق المنفعة. ويلزم تجديد مدة حق المنفعة في العقد، فإن لم تجدد عد مقررا مدى حياة المنتفع، وهو ينتهي على كل حال بموت المنتفع، حتى قبل انقضاء المدة له.

والوصية: ويكون مسب حق المنفعة بطريق الوصية، بأن يوصي مالك العين بالرقبة لشخص معين، فيبقى حق الانتفاع للورثة.

وأما التقادم: فيصلح أن يصلح سببا لكسب حق المنفعة، لأنه في حكم الحيازة الواردة على حق المنفعة دون العين، فإذا كانت الحيازة منصبة على العين فإنها تكون في هذه الحالة سببا لكسب ملكية العين بما فيها حق المنفعة[29]

حقوق المنتفع:

تتخلص حقوق المنتفع في الآتي:

  1. حق الاستعمال: ويشمل حينئذ الشئ المنتفع به وتوابعه، كالأرض المنتفع بها مع حقوق الارتفاق.
  2. حق الاستغلال: وهو الحصول على ثمار الشئ وغلته مدة انتفاعه به.
  3. حق التصرف: فللمنتفع أن يتصرف في حقه بمقابل أو بدون مقابل، فله أن ينقل حقه إلى الغير بالبيع أو التنازل، وله أن يؤجر العين محل الانتف

المبحث الرابع: المال والشئ:

المال: هو الحق ذو القيمة المالية سواء أكان عينيا، أم شخصيا، أم حق من حقوق الملكية الأدبية، والفنية، والصناعية.

والشئ هو محل الحق، سواء أكان ماديا، أم غير مادي[30]

فالشئ محل الحق – والحال هذه – متنوع، كالحقوق العينية الأصلية والتبعية، والحقوق الشخصية، وحقوق الملكية الأدبية، والفنية، والصناعية، والتجارية.

وقد قسم القانونيين الأشياء إلى:  أشياء قابلة للتعامل، وأشياء غير قابلة للتعامل.

وهذا القسم الأخير، وإن سمي شيئا إلا أنه لاتترتب عليه حقوق مالية.

ويتنوع الشئ غير القابل للتعامل بطبيعتها، وهي التي لايستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها، فيمكن أن ينتفع بها كل الناس، من غير أن يحول انتفاع بعضهم دون انتفاع بعضهم الآخر، كالهواء وماء البحر.

والثاني: الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون، وذلك إما لأغراض صحية، أو اجتماعية، كالمنع من التعامل بالمحظور من الحشيش والأفيون، وإما لتعلق المنافع المشتركة لجميع الناس ببعض الأشياء، كالمنع من التعامل بالأموال العامة، كالطرق والحدائق[31]

المبحث الخامس: التكييف القانوني للبرامج

الاتجاه السائد في حماية برامج الكمبيوتر

(الحماية بقوانين حق المؤلف)

بعد الجدل الفقهي المناسب حول الحماية المناسبة لبرامج الكمبيوتر استقر الرأي مؤخراً في الدول التي ترعرعت فيها برامج الكبيوتر أو الدول التي تبنت هذه الصناعة لاحقاً على إخضاع برامج الكبيوتر لقوانين حقوق التأليف وحمايتها بنصوصها.

وقد تباينت الدول فقها وقضاء في طريقة معالجة هذا الموضوع. فهناك من رأى عدم الحاجة إلى تعديل نصوص القوانين القائمة حيث أنها في عمومها تشمل برامج الكمبيوتر.

وهناك من رأى حسما لكل غموض، وجوب تعديل القوانين لتتضمن برامج الكمبيوتر صراحة إما بإضافتها إلى مجموعة المصنفات المحمية أو بإقرار فصل خاص بها في تلك القوانين.

  1. برامج المبيوتر كموضوع من موضوعات حق التأليف:

يذهب أصحاب الاتجاه الذي ساد في السنوات القليلة الماضية إلى أن برامج الكمبيوتر هي في حقيقتها”طرق للتعبير” عن الأفكار – فالمبرمج يتناول أفكارا معينة، مبتكرة أو متداولة، ويعبر عنها وفقا لطريقته تعبيرا أصيلا باستخدام التكنولوجيا الحديثة.

فكما في المصنفات الأخرى، فإن برامج الكمبيوتر ليست إلا تعبيرات للتخاطب مع مستعمل الكبيوتر ومن خلال الكمبيوتر. فهو يعد الرنامج كتابة بأحد لغات البرمجة التي تقرأ إنسانيا في صورة أولية ثم يتم تحويله بعدها إلى لغة الآلة (Machine Language) بالصورة المنقوشة

(Object Code) التي تستطيع الآلة (الكمبيوتر) قراءتها ومن ثم إخراجها إلى المستعمل للاستفادة منها، كا سبقت الإشارة.

ولما كان حق المؤلف ينصب على المصنفات الأصلية في الآداب والفنون والعلوم أيا كانت قيمة هذه المصنفات، أو نوعها، أو الغرض من تأليفها، وأيا كانت طريقة التعبير المستعملة فيها. ولما كانت طرق التعبير كا ورد في قوانين حقوق التأليف تشمل الكتابة والرسم والتصوير والحركة أو أي صورة من صور التخاطب المباشر أو غير المباشر بواسطة جهاز أو آلة، لذلك فإن برامج الكبيوتر يمكن أن تدخل مجموعة المصنفات التي تستهدفها هذه القوانين بالحماية.

  1. حماية برامج الكمبيوتر بقانون خاص:

بسب الطبيعة الخاصة ببرامج الكمبيوتر والوظائف التي تؤديها والوسائل التكنولوجية الحديثة التي تحملها وتنفذها، فقد ظهر اتجاه حديث يدافع عن فكرة وجوب إصدار قوانين خاصة ببرامج الكمبيوتر تناسب طبيعتها الخاصة وتوفر لها حماية أكثر انطباطا من قوانين حقوق التأليف العادية.

وهذا الرأي وإن كان لايخرج برامج الكمبيوتر من نطاق المبادئ العامة لحق المؤلف إلا أنه اعتبرها مصنفات من نوع خاص جدا يجعلها قريبة من الاختراع. لذلك فهي، وفقا لهذا الرأي جديرة بقانون خاص.

يذهب الرأي القائل بإسباغ الحماية على برامج الكمبيوتر بقانون خاص إلى أن البرامج وإن صدقت عليها أوصاف المصنفات الخاضعة لحقوق التأليف بإعتبارها تمثل”تعبيرا” عن أفكار مؤلفيها وجهودهم الذهنية المبتكرة، إلا أنها تختلف عن تلك المصنفات في الوظائف التي تؤديها.

وما هو معلروف في مجال حقوق التأليف هوأن المصنفات الأدبية والفنية والعلمية هي وسائل لنقل المعلومات أو عرض لأفكار أو تصورات معينة، أما برامج الكمبيوتر، وخاصة بصورتها المقروءة آليا، فهي بالإضافة إلى أنها وسيلة تقوم بهذه الوظيفة فإنها وبمساعدة الشرائح الإلكترونية أو الشذرات السلكوني

( Semi Conductor Chips) تقوم بتشغيل آلات الكمبيوتر على نحو يؤدي إلى القيام بمهمات خدمية تطبيقية(Utilitarian ( وهذه الخاصية التي تتمتع بها البرامج تبعدها عن هدف قوانين حقوق التأليف.

وهذا الفارق وإن كان بسيطا إلا أنه هام. فالكتاب عبارة عن مجموعة من التعليمات عن كيفية القيام بعمل معين، وبرنامج الكمبيوتر قد يكون أيضا عبارة عن مجموعة من التعليمات عن نفس الموضوع.

ولكن الأول يخاطب الإنسان مباشرة ويهديه إلى كيفية القيام بهذا العمل بنفسه. أما الثاني فيقوم بالعمل بنفسه داخل الكمبيوتر.

فالبرامج تؤثر على الكمبيوتر نفسه وتحدد له الخدمات التي يقوم بها، وهي تتسبب في قيام هذه الآلة بأعمال تختلف في طبيعتها عما تؤديه الكتب أو الوسائل السمعية أو البصرية.

فهي تجعل من الكمبيوتر آلة تقوم بأعمال تطبيقية مختلفة وفقا للبرنامج الموضوع فيها مثلما هو الحال بالنسبة لأية آلهة أخرى تحتوي فكرة اختراعية معينة.

وحيث أن الفكرة وراء قيام هذه الآلات بعملها لاتدخل في باب حقوق التأليف فإن برامج الكمبيوتر تبتعد أيضا عن كونها مجرد موضوعات لحقوق التأليف.

وعلى الرغم من قوة حجج الرأي القائل بوضع قانون خاص لبرامج الكمبيوتر إلا أنه لم يحظ بنصيب واسع من التطبيق. فقد استعاض كثير من المشرعين في الدول المختلفة عن إصدار قانون خاص بإصدار تعديل لقوانين حقوق التأليف وإضافة البرامج ضمن مظلتها. ولكن بعض هذه الدول عمدت إلى مراعاة الطبيعة الخاضة لبرامج الكمبيوتر فأضافت بعض الأحكام الخاصة بها، كتخصيصها بمدة حماية أقصر من المصنفات العادية، أو وضعت لها أحكاما خاصة بالنسخ، أو أضافت نظاما خاصا بتسجيلها[32].

وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة استعراض منهج ما فإن الحماية القانونية على التطبيق لهذا المنهج. أما النهج ذاته فينتمي إلى مجال الأفكار.

وتطبيقا لذلك على برامج الحاسب الآلي لاتمتد الحماية القانونية المقررة لحق المؤلف إلى الخوارزميات التي تمثل أساس البرنامج، فيحق بالتالي لأي شخص أن يستند إليها في صياغة برنامج، أما اقتباس عناصر تتعلق بشكل البرنامج فغير جائز. ما لم يحجب ابتكار الصياغات الجديدة ما تنفرد به الأشكال المقتبسة من البرنامج.

وقد قدمنا أن برنامج الحاسب الآلي هو تعليمات توجه إلى الحاسب الآلي في شكل معين من أجل الوصول إلى  نتيجة معينة بواسطة هذا الحاسب.

فالتعليمات تمثل “الفكرة” في مجال البرامج، أما الشكل الذي تصاغ فيه محل الحماية المقررة، لحق المؤلف.

وبعبارة أخرى تقتصر الحماية القانونية عن تطبيق الخوارزميات لحل الإشكالية المطروحة في البرنامج، أما إعداد خطوات التسلسل المنطقي للحل في صورة الأشكال الرمزية المتعارف عليها فلاتشمله حماية حق المؤلف، فضلاً عن الخوارزميات ذاتها-كما أشرنا-.

فالحماية تشمل الأسس المجردة للبرنامج، مثل المبادئ الرياضية ومناهج البرمجة والقواعد الحسابية المستخدمة في وضع البرنامج. فذلك كله بمثابة قواعد أو منهاج لاتكون موضوعا مباشرا للبرامج.

من كل ماسبق يبين لنا أن الحماية المقررة لحق المؤلف إنما تشمل برنامج الحاسب الآلي بوصفه ناتجا يمنع ترتيبا على ذلك من التقليد. لكن الحماية القانونية لاتشمل تكنولوجيا إنتاج البرنامج، أي أن مجموعة المعطيات المعرفية التي سمحت بوضع البرنامج، بغض النظر عن الصياغة التي أتى عليها.

وكن الأمر لا يعني استبعاد برامج الحاسب الآلي من مفهوم عناصر المعرفة التكنولوجية، فالتوصيف بأنها إنتاج أدبي أوفني إنما هو توصيف اصطناعي بقصد منح هذه البرامج احتكارا باستغلالها.

أضف إلى ذلك إلى أن صياغة برامج الحاسب الآلي على نحو معين فيها مزيد من النهجين: منهج الابتكار فيما يتعلق بالمعطيات التقنية للبرنامج ومنهج الإبداع الذهني فيما يتعلق بصياغة التعليمات الموجهة إلى الحاسب الآلي. وينبني على ذلك أن إنتاج برامج الحاسب الآلي يستند حتما إلى معرفة، هي بطبيعة الحال معرفة تقنية أي معرفة تكنولوجية.

لذلك يبقى برنامج الحاسب الآلي في تقدير بعض القوانيين أقرب إلى اختراع المنتج في مفهوم قانون براءات الاختراع من أي إنتاج ذهني آخر.

أما بالنسبة لمستخدم برنامج الحاسب الآلي تبقى الأهمية الرئيسية بالنسبة لمن يحوزه للنتائج الفنية التي يسمح بتحقيقها، وتتوارى بالتالي أهمية المفاضلة بين صياغات مختلفة للتعليمات الموجهة إلى الحاسب الآلي.

فإذا كان استخدام البرنامج في النشاط المادي للإنتاج يجب اعتبار البرنامج عنصر من عناصر المعرفة التكنولوجية لمن يحوزه.

وباعتبار برامج الحاسب الآلي من المصنفات ىالخاضعة لقانون حماية حق المؤلف، أصبح يتقرر لمنتجي هذه البرامج احتكارا قانونيا يوفر لهم الحماية القانونية لاستغلالهم الاستشاري لتلك البرامج.

ولم يعد منتجو البرامج بالتالي في حاجة إلى حفظها في طي الكتمان ليتحقق لهم استغلالها على نحو استئثاري.[33]

نسخ البرنامج:

يربط القانون بين إعداد نسخ من البرنامج وبين استعماله غير المرخص به. ويتجلى وجه الارتباط بين الظاهرتين من زاويتين.

الأولى: أنه يمكن أن تتعدد استعمالات البرنامج الواحد دون حاجة إلى نسخه. ويكون ذلك بتشغيل عدة حاسبات آلية في مواقع عمل متعددة يتم ربطها بحاسب آلي مركزي يعمل بواسطة البرنامج. لذلك وتحت ضغط منتجي البرامج لم يجز القانون أي استعمال للبرنامج لم يرخص به المنتج.

ويترتب على ذلك أنه على مستعمل البرنامج التعاقد مع المنتج على عدة نسخ من البرنامج بعدد مواقع العمل التي يراد تشغيله فيها،  مما يعد تشجيعا من المشرع لتسويق برامج الحاسب الآلي حماية لمصالح منتجيها.

الثانية: أن مجرد استعمال البرنامج قد يفضي إلى نسخه من خلا تخزينه في ذاكرة الحاسب الآلي. وإذا كان استعمال ذاكرة الحاسب الآلي في نسخ البرنامج يدخل بلا شك في مفهوم الاستعمال غير المرخص به، فقد ثار التساؤل حول مشروعية الاستعمال المرخص به الذي يقتضي تخزين

البرنامج في ذاكرة الحاسب الآلي. لكن يلاحظ أن استعمال برنامج ما يفترض توافر نسخة منه لدى مستعمله، فلو أن الغير هو الذي يستعمل هذه النسخة يعتبر الاستعمال غير مشروع. أما استعمال هذه النسخة من قبل من رخص له الاستعمال فلايتضمن مطلقا طابع اللامشروعية وإن اقتضى الأمر تخزين البرنامج في ذاكرة الحاسب الآلي.

فاستعمال البرنامج بواسطة الحاسب الآلي لا يعد وضعاً غير مشروع، لأن قانون حماية حق المؤلف لايخول أي استئثار باستعمال المصنف، أم إذا تم نسخ البرنامج بمناسبة استعماله عد الأمر تقليداً يستوجب العقاب.

القانون يمنع الغير من نسخ البرامج، بل يمنع مستعمل البرنامج ذاته من نسخه فيما يجاوز إعداد النسخة الاحتياطية، تلك النسخة التي لم ير القضاء لزوما في أن يعدها المستعمل بنفسه اكتفاء بتوافر هذه النسخة لديه بواسطة منتج البرنامج. ويربط القانون بين حظر نسخ البرنامج، وبين استعماله غير المرخص به قبل المنتج.

وهو حظر يتعلق في المقام الرئيسي باعنبارات اقتصادية، يستهدف حماية صناعة وتسويق برامج الحاسب الآلي.

إجازة إعداد نسخة احتياطية للبرنامج:

تحظلى المصنفات بالحماية القانونية المقررة لحق المؤلف ضد التقليد، ويدخل في مفهوم التقليد منع الغير من إجراء نسخ من المصنف دون رضاء المؤلف.

إلا أن بعض القوانين تستثني من ذلك إعداد نسخ من المصنف لاستعمال الشخصي المحض، فيجوز القيام بعدة نسخ من المصنف للاستعمال الشخصي دون أن يحق للمؤلف الاعتراض على إجراء النسخ، إلا أن الاستثناء لايمتد إلى أي استعمال جماعي للنسخ التي تم إجراؤها.

ويرى البعض أنه يستوي في إعداد النسخ المصنف  أن تكون مخصصة للاستعمال الخاص للناسخ أو لاستعماله المهني، بين يقصر البعض الآخر على الاستعمال الخاص وحده.

فإن مبرر هذا الاستثناء في كل من هذين النظامين يتمثل في أن السماح به لا يضر المؤلف في شئ، نظرا ما قيل بحق من أن الفكرة الأساسية هي حرية كل فرد حر في الحصول على نسخ من المصنفات التي يحتاج إليها على أن تكون مقصورة على استخدامه الشخصي فقط وشريطة ألايحصل منها على أي ربح مالي.[34]

مدة الحق المالي:

تتضمن كل التشريعات الصادرة في العالم بشأن حقوق المؤلف نصوصا تتعلق بمدة الحق المالي. وتشترك جميعها في نقطة واحدة تتمثل في أن التشريعات كلها تتميز بين المصنفات البسيطة التي هي من انتاج مؤلف واحد وتنشر حاملة أسمه وهو على قيد الحياة، وبين المصنفات الأخرى، حيث تخص بمعاملة متميزة المصنفات المشتركة، والمصنفات الجامعية، والمجهولة المؤلف، والمنشورة تحت اسم مستعار، وأحيانا المصنفات الفوتغرافية، ومصنفات الفنون التطبيقية، وبرامج الحاسب.

وفيما يتعلق بما نسميه بــ”المصنفات البسيطة” تعترف أغلبية كبيرة من البلدان بحق المبدع في التمتع بالحقوق المالية للمؤلف طيلة حيته ثم بحق خلفائه في التمتع بهذه الحقوق لمدة خمسين سنة بعد وفاته.

وتقتصر دول أخرى فترة الحماية بعد وفاة المؤلف عن ذلك تارة، وتطولها تارة أخرى، فضلاً عن ذلك تتميز بلدان أخرى عن غيرها بنظام أصيل، تختلف بموجبه مدة الحماية تبعا لاختلاف المستفيدين من الحق أو تبعا لاختلاف طبيعة المصنفات.

فيلاحظ أولا أن بعض البلدان لاتحمي أصحاب الحقوق المالية إلا لمدة خمس وعشرين سنة بعد وفاة المؤلف.

وأخيرا ننوه بأنه فيما يخص برامج الحاسب، نصت فرنسا في القانون الصادر في 3 يوليو/ تموز عام 1985، على مدة حماية أقصر من المدة التي تقررها القواعد العامة. فلا تتجاوز خمسا وعشرين سنة، اعتبارا من تاريخ إنتاج

البرنامج، وهذا ما يدل على أن هذه الفئة من المصنفات يجب أن تقاس عللى المصنفات الخاضعة لقانون الملكية الصناعية. وفي مدة الحماية إلى خمسين سنة، اعتبارا من تاريخ نشر المصنف الإبداعي.

وخلافا للقاعدة التي تتبعها أغلبية البلدان -أي مدة خمسين سنة- تقرر بلدان أخرى مدة حماية أطول، تبلغ عند أسبانيا ستين سنة، وسبعين سنة، وثمانين سنة، وتسع وتسعين سنة بعد وفاة المؤلف.

مصير المصنفات المحمية بعد انقضاء مدة الحماية:

سبق أن بينا أن مدة الحماية المقررة في قوانين حق المؤلف المقارنة والاتفاقيات الدولية الخاصة بحق المؤلف تعتني بها هذه القوانين والاتفاقيات الخاصة بحق المؤلف، وأن انقضاء مدة الحماية يعني في معظم هذه القوانين أيلولة المصنفات المحمية إلى مايسمى بالملك العام(Public Domain)، بحيث يستطيع أي شخص أن يستخدمها دون موافقة المؤلف ودون مقابل.. ذلك أن أيلولة المصنف المحمي إلى الملك العام يعني الإمكانية المتاحة لأي مواطن لتحقيق مكسب اقتصادي من جراء استخدام مصنف أدبي أوفني ابتداء من تاريخ انتهاء مدة الحماية التي يمنحها القانون للمؤلف أو لورثته أولخلفه..

فقد ثار التسائل عن مصير المصنفات المحمية بعد انقضاء مدة الحماية، وما إذا كان يؤدي إلى زوال الحق المالي للمؤلف- أي حقه في استغلال مصنفه – فقط مع بقاء الحق الأدبي للمؤلف باعتبار أن هذا الحق دائم وغير مقيد بزمن معين؟

ويتضح من استقراء قوانين حق المؤلف التي حددت مدة لحماية حق المؤلف أن من أهم أسباب أيلولة المصنفات المحمية لما يسمى بالملك العام انقضاء المدة القانونية للحماية التي يترتب عليها أنه يجوز للكافة نشر هذه المصنفات وأداؤها وتمثيلها واستنساخها رغم وجود الحق الأدبي للمؤلف…أساس ذلك انقضاء المدة المرخص الانتفاع بالمصنفات خلالها وأيلولة هذه المصنفات للملك العام، يجعل من الطبيعي الانتفاع بهذه المصنفات المتاحة للجمهور..

إلا أن مبدأ حرية الانتنفاع بالتراث الفكري للمجتمع الذي يتمثل في مصنفات مبدعيه – بعد وفاة هؤلاء المبدعين بمدة معين – يجب ألا يتعارض مع حماية وصون الحقوق الأدبية التي تقوم على احترام شخصية المؤلف وحماية المصنف في حد ذاته، باعتباره إنتاجاً فكرياً بغض النظر عن مؤلفه..

ذلك أن الحقوق الأدبية للمؤلف يجب حمايتها، وأن المؤلف الذي يعلم أن إنتاجه الفكري سوف يكتب له من الخلود ويطمئن إلى أنه لن تمتد إليه يد التبديل والتغيير والعبث، يجعله ذلك الضمان مثابرا على الانتاج والابتكار، ومن هنا فالحق الأدبي هو في الواقع أهم عند المؤلف من الحق المادي، وإن كانت الحقوق المادية يرمي الإنسان من ورائها إلى الثراء، فإن هناك الكثير من الأشخاص الذين يرون أن مايكسبونه من الشهرة وخلود الذكرى مايفوق بكثير المكاسب المادية التي ينالونها من وراء الاستغلال المالي لمصنفاتهم.[35]

الفصل الرابع
الحق في الفقه الإسلامي
المبحث الأول : تعريف الحق:

 

الحق لغة: ذكر اللغويون للحق معاني كثيرة، أخصها: أنه خلاف الباطل، والموجود الثابت، يقال: حققت الأمر أحقه: إذا أوجبته، أوجعلته ثابتا، أو تيقنته[36].

وفي الإصطلاح: عرفه عبد العزيز البخاري بما لايخرج عن المعنى اللغوي فقال:”الموجود من كل وجه، الذي لاريب فيه في وجوده.

ومنه: السحر حق، والعين حق، أي موجود بأثره” ثم قال:”وحق العبد ما مايتعلق به مصلحة خاصة”[37].

وقال الدسوقي:”الحق جنس يتناول المال وغيره”[38]

وعرفه القاضي حسين بقوله:”الحق:اختصاص مظهر فيما يقصد له شرعا”[39].

وعرفه الشيخ علي الخفيف بأنه:”ماثبت لإنسان بمقتضى الشرع من أجل صالحه”[40].

وعرفه الشيخ مصطفى الزرقة بأنه: “اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا”[41]

وهذه التعاريف تلتقي في بيان حقيقة الحق، غاية ما هنالك أن بعضها راعى موضوع الحق، وأنه مصلحة، وبعضها راعى صاحب المصلحة، من حيث اختصاصه، وتصرفه بموضوع الحق.

والذي نراه في تعريفه أنه:”مصلحة شرعية تخول صاحبها الاختصاص أوترتب التكليف”.

والرضى بهذا التعريف لمايتضمنه لموضوع الحق، وهو المصلحة، ومايترتب على ذلك من علاقة أواختصاص لصاحب المصلحة، فردا كان أوسلطة أوولاية على شخص، أوعاى شئ، أوهي تكليف من الله على عبادة، أوفيما بين العباد أنفسهم.

المبحث الثاني: أقسام الحقوق عند الأصوليين والفقهاء:

 

قسّم الأصوليون الحقوق بالنظر إلى مستحقها إلى أقسام:

أولها: حق الله، وهو:”مايتعلق به النفع العام لجميع العالم، فلا يختص به واحد دون واحد” وإضافته إلى الله تعالى لتعظيم خطره، وشمول نفعه، لا للملك والاختصاص، لاستواء العلم فيه، ولاللنفع والضررلتعاليه.

ثانيها: حق العبد:” مايتعلق به مصلحة خاصة” كحرمة مال الغير، ولهذا يباح ماله بإباحة المالك، ولايباح الزنا بإباحة المرأة.

ثالثها: اجتماع الحقين، فقد يجتمع الحقان، وحق الله غالب، وقد يجتمعان وحق العبد هو الغالب[42]

ويرى الإمام القرافي وغيره-وهوالصواب- :أن حق العبد متضمن في حق الله، لأن الحقوق جميعا مرجعها إلى الله تبارك وتعالى:”مامن حق للعبد إلاوفيه حق الله تعالى”.

فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد، ولايوجد حق العبد إلاوفيه حق الله [43]، أي فبينهما عموم وخصوص مطلق ، ثم بين علامة التفريق بين الحقين بقوله:”وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط، فكل ما للعبد اسقاطه فهو الذي نعني به حق العبد”[44].

وقال الشاطبي: “إن كل حكم شرعي ليس بخال عن حق الله تعالى، وهوجهة التعبد، فإن جاء ماظاهره أنه حق للعبد مجردا، فليس كذلك بإطلاق، بل جاء على تغليب حق العبد في الأحكام الدنيوية”[45].

وعلى هذا ينقسم الحق بالنظر إلى التكاليف الشرعية أقساماً:

أولهما: ماكان حق الله تعالى فيه خالصا، كالإيمان.

وثانيهما: ما كان حق العبد فيه خالصا كالديون.

وثالثهما: مااجتمع فيهما الحقان وحق الله غالب كحق القذف.

ورابعهما: مااجتمع فيه الحقان، وحق العبد غالب، كالقصاص[46].

ويقسم الفقهاء الحقوق باعتباره مضمونها: إلى حقوق مالية، وحقوق غير مالية.

فالحقوق المالية: هي المتعلقة بالأموال ومنافعها، وهذه تشمل الحقوق الواردة على الأعيان والمنافع والديون.

والحق قد يكون حقاً مالياً شخصياً، إذا كان حقاً شرعياً لشخص على آخر، كحق المشتري في تسلم المبيع وحق البائع في تسلم الثمن.

وقد يكون الحق ماليا عينيا إذا كان حقا شرعيا لشخص على شئ” فإذا شخص شيئا من آخر، فإن حق المغصوب منه المتعلق بهذا الشئ حق عيني، أما حق المغصوب منه قبل الغاصب في أن يرد الشئ المغصوب فهو حق شخصي”[47].

والحقوق غير المالية: هي التي لاتعلق لها بالمال، كحق ولي المقتول في القصاص والعفو.

وهذا التقسيم مأخوذ من جملة تقسيمات الفقهاء للحقوق.

وقد قسم ابن رجب: الحقوق إلى خمسة أنواع:

أحدهما: حق ملك، كحق السيد في مال المكاتب.

والثاني: حق تملك، كحق الأب في مال ولده.

والثالث: حق انتفاع، كوضع الجار خشبة على جدار جاره، إذا لم يضربه.

والرابع: حق الاختصاص: وهو عبارة عما يختص بالانتفاع به، كمرافق الأسواق المتسعة التي يجوز البيع والشراء فيها، كالدكاكين المباحة ونحوها، فالسابق إليها أحق بها.

والخامس: حق التعلق لاستيفاء الحق، كتعلق حق المرتهن بالرهن، وتعلق الغرماء بالتركة[48].

وقال ابن قدامة:”الحقوق على ضربين:

أحدهما: ما هو حق الآدمي، والثاني: ما هو حق لله تعالى.

فحق الآدمي ينقسم قسمين:

أحدهما: ما هو مال، أو المقصود منه المال.

الثاني: ما ليس بمال، ولا المقصود منه المال، وهو كل ما لايثبت إلابشاهدين، كالقصاص، وحد القذف، والطلاق…

والدرب الثاني: حقوق الله تعالى ،وهي نوعان :

أجدهما : الحدود.

الثّاني : الحقوق المالية،  كدعوى الساعي الزكاة على رب المال، وأن الحول قد تم وكمل النصاب[49]

ويقسم الفقهاء الحقوق إلى :حق مجرد وحق غير مجرد أومتقرر.

فالحق المجرد: ماكان غير متقرر في محله، أي لم يقم بمحل، ولم يتقرر في ذات، كحق الشفعة، فإنه نوع من الولاية أعطيت للشفيع في أن يتملك العقار بعد أن يتملكه المشتري، ومثله حق المرور بالنسبة للطريق..

وغير المجرد: هو ما له تعلق بمحله تعلق استقرار ، بمعنى أن لتعلقه أثرا أو حكما قائماً يزول بالتنازل عنه، وذلك كحق القصاص، فإنه يتعلق برقبة القاتل ودمه، ومع قيامه يكون غير معصوم لولي القصاص، ولكن بالتنازل عنه يصير معصوم الدم[50].

والحقوق المجردة عند الحنفية لايجوز الاعتياض عنها، ولذا قالوا: لايجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة عن الملك، كحق الشفاعة، وقال في البدائع: الحقوق المفردة لاتحتمل التمليك.

ولايجوز الصلح عنها، وأضاف بن عابدين قوله: وكذا لاتضمن بالإتلاف، قال في شرح الزيادات للسرخسي: وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان، وعلل لذلك بأن الإعتياض عن مجرد الحق باطل، إلا إذا فوت حقاً مؤكداً، فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان، وهذا القيد يقرب مذهب الحنفية هنا إلى رأي من قال بجواز الاعتياض دون تفصيل بين الحقوق.

وألحق الزيلعي وبن نجيم بعدم جواز الاعتياض عن حق الشفعة، الاعتياض عن الوظائف في الاوقاف واشتثنى من قاعدة عدم جواز الاعتياض عن الحقوق المجردة حق القصاص، وملك النكاح، وحق الرق، فإنه لايجوز الاعتياض عنها.

وتنازل الحنفية في عدم قبول الاعتياض عن الوظائف، نظرا لاعتبار كثير منهم للعرف الخاص، وهذا منه وعليه أفتوا بجواز النزول عن الوظائف بمال[51].

وهذا يشير إلى أن ماكان عرفاً عاماً، أو عرفاً خاصاً يتضمن منفعة مشروعة، فإنه يجوز الاعتياض عنه بالمال.

ومن جنس مااستثنى حقوق الارتفاق كحق العلو، والشرب، والمسيل كما سيأتي بيانه.

المبحث الثالث: الحق الشخصي والعيني في الفقه الإسلامي:

تقسيم الفقهاء:

لم يقسم الفقهاء المسلمون الحقوق قسمة القانون الروماني والقوانين الغربية إلى حق شخصي، وحق عيني، واستعاظوا عن ذلك بتقسيم آخر. ولذلك لاتظهر التفرقة بين الحق الشخصي والعيني في الفقه الاسلامي.

يقول الدكتور السنهوري:” إن التفرقة بينهما لاتظهربينهما في الفقه الإسلامي ، وإنما يتكلم الفقهاء عن التمييز بين الدين والعين، وهو غير التمييز بين الحق الشخصي والحق العيني، فالدين ليس كل الحق العيني الشخصي، بل هو صورة من صورة، والعين تستغرق الحق العيني، وبعض من الحق الشخصي هو الالتزام بالعين، ومن ثم فالدين أضيق من الحق الشخصي، والعين أوسع من الحق العيني.

ثم قال: ولاحاجة-إطلاقاً- بالقول بأن الفقه الإسلامي يعرف التمييز بين الحق الشخصي والحق العيني، بل يجب –على النقيض من ذلك- إبراز أن التمييز بين الدين والعين والتمييز الذي يعرفه الفقه الإسلامي هو غير التمييز بين الحق الحق الشخصي والحق العيني في الفق الغربي، المشتق من القانون الروماني، فلكل فقه صناعته التي يتميز بها[52].

ويقول الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي:”إن الفقه الإسلامي لايعرف تقشيم الحقوق المالية إلى حقوق عينية، وحقوق شخصية أوإلتزامات، أو هو على الأقل لايعرف هذا التقسيم بالمفهوم والأبعاد التي يتضمنها هذا التقسيم عند المعاصرين من رجال القانون، وغني عن البيان: أنه لايوجد في ذلك أي تقليل من شأن الفقه الإسلامي، أو تفضيل للفقه الغربي عليه، فلكل نظام فنه وأساليب صناعته، وطرق صياغته”[53]

وقال الأستاذ الزرقا: إن الفقهاء المسلمين لم يصوغوا نظرية ممهدة مستقلة للتمييز بين الحق الشخصي والحق العيني، وهذا راجع إلى اختلاف مبنى الترتيب والصياغة بين الفقه الإسلامي، والفقه الأجنبي[54].

ثم قال:” والواقع أن فقهاءنا قد ميزوا بين الحقين في جميع المسائل التي يقتضي هذا التمييز فيها اختلاف الأحكام…”[55].

وقال الشيخ علي الخفيف بعد ذكر تقسيم الحق عند القانونيين:”إن الفقه الإسلامي لايتنكر لهذه القسمة، وإن لميولها عناية أوجبتها الإشارة إليها منه. وإذا كان الفقه الإسلامي لم يشر إلى هذه الأنواع ولم يعرض لهذه القسمة، فإنه عرف هذه الأنواع بأسماء أخرى”[56].

ويقول الشيخ أبوسنة بعد ذكر أقسام الحقوق في القانون: “والشريعة لاتعارض في هذا الإصطلاح، لأنه مجرد تنظيم، مادام يفصل في كل حق بحكم الله، غير أن الأقسام التي ذكرها علماء الشريعة مبنية على اختلاف الخصائص والأحكام الشرعية لكل قسم، وهي وافية بالأغراض القضائية والديانية”[57].

وذكر الشيخ أبوسنة: أن الفقه الإسلامي حين قسم الحقوق إلى حقوق متعلقة بالعين وحقوق ثابتة في الذمة، اعتبرها حقوقا مالية أحيانا وغير مالية أحيانا، أخرى.

فالحق قد يكون ماليا أوغير مالي، كحق الأب في الولاية على أولاده، وحق الأم في حضانه طفلها، فهما حقان غير ماليين، وهما متعلقان بالعين، وحق الله تعالى في وجوب الصلاة على المكلف حق غير مالي، وهوثابت في الذمة[58].

وعلى هذا يمكن القول: إنّ الفقه الإسلامي لم يجد حاجةً إلى تقسيم الحقوق إلى حق شخصي وحق عيني، واستعاض عن هذا التقسيم بتقسيم الحقوق إلى حق متعلق بالعين ، وهو المسمى الحق العيني، وحق المتعلّق بالذّمة وهو المسمي بالدين ، وأنّ كلام الفقهاء في العين والدّين يختلف عن كلام القانونيين في الحق الشخصي والحق العيني.

وأن المراد بالعين بالعين ما هو أوسع من مراد القانون من الحق العيني، “فهي تشمل الحق العيني، وبعضا من الحقوق الشخصية، وهي الإلتزام بالعين، مثل الالتزام بتسليم عين معينة وحفظها، وهذا راجع إلى أن العين محلها كل ذات محددة، سواء كان ذلك لتمليكها أو تمليك منفعتها، أم تسليمها ، أم حفظها.

وأما الدين: فهو كل حق محله مبلغ من النقود أو جملة من الأشياء المثلية، فهو أضيق من مفهوم الحق الشخصي الذي هورابطة بين شخصين، تخول أحدهما مطالبة الآخر بالقيام بعمل، أو الامتناع عن عمل، أوإعطاء شئ، مثليا كان أوغير مثلي، فالدين في الدين الإسلامي صورة من صور الحق الشخصي[59].

المبحث الرابع: الحقوق المعنوية:

لم يكن القانون الوضعي يعرف الحقوق المعنوية-كما سبق البيان- وإنما هي حقوق نتاج التطور الحضاري، لاسيما في مجال الثقافي والصناعي.

وقد رأينا كيف أن القانونيين قد اختلفوا في تحديد طبيعة الحقوق المعنوية، فقد اعتبرها البعض من الحقوق العينية، باعتبار أن الحقوق العينية تشمل ماكان ماديا أومعنويا واختلفوا بعد ذلك في اعتبار هذا الحق من حقوق الملكية، فيسري علية مايسري على حق الملكية؟ أم أن طبيعته تجعله حق ملكية خاص؟

وذهب بعضهم إلى أن الحقوق المعنوية حق عيني أصلي مستقل عن حق الملكية، لما له من مواصفات وطبيعة تختلف عن طبيعة حق الملكية.

والفقه الإسلامي لم يعرف هذا النوع من الحقوق المسماة بـ”الحقوق المعنوية” و”الحقوق الأدبية والصناعية والتجارية”[60] إذا لم يكن له وقائع أحوال تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي في مسائله، أو أصل موضوعه. ولكن الفكر الإسلامي بإصوله وقواعده ومقاصده يستوعب هذا النوع من الحقوق.

وجهة استيعاب الفقه لهذه الحقوق المعنوية راجع إلى نظرة الفقه الإسلامي إلى معنى المال والحق والملك. فقد تبين أنّ المال شمل معظم الحقوق ،وأنّ كل ما يجري فيه الملك فهي أموال باستثناء مالا يقبل التبعيض، فهذه الحقوق المعنوية سواء أكانت حقوق أدبية، أوفنية، أوحقوقا صناعية، أوتجارية، فإنها مال في مفهوم الفقهاء، وبخاصة المالكية الذين يرون أن المال:”كل مايقع عليه الملك، ويستبد به المالك” كما يرون أن الحقوق كلها أموال، إذا الحق”جنس يتناول المال وغيره: كالخيار، والشفعة، والقصاص، والولاء، والولاية…”[61] فيشمل المال حينئذ الأعيان والمنافع والحقوق.

وليس في الفقه الإسلامي مايمنع من اعتبار هذه الحقوق من الحقوق العينية، لأن”الحق العيني في الفقه الإسلامي لايشترط فيه أن يكون محله عينا مادية، بل يجوز أن يكون منفعة أومعنى، إذا المنظور في الحق العيني هو العلاقة المباشرة التي يقرها الشرع بين صاحب الحق ومحله، خلافا لمااستقر عليه الفقه الوضعي: من اشتراط كون محل الحق ماديا، حتى يعتبر عينيا، وبذلك يشمل الحق العيني في الشريعة الحقوق المالية وغير المالية[62]، وجمهور الفقهاء يرون-كماسبق البيان[63]– أن الملك علاقة

اختصاص مقرة من الشارع، تنشأ بين المالك ومحل الملك. ومحل الملك أعم من أن يكون ماديا أوغير مادي، فيصح- والحال هذه- أن نعتبر الحقوق المعنوية مالا، فيكون الحق المعنوي من مشتملات المال، فيصح أن يكون محلا مادامت علاقة الاختصاص قائمة، وهو منتفع به شرعا، إذ الانتفاع من كل شئ حسب طبيعته، والناس يعتبرون فيه القيمة، فقد تكاملت له عناصر الملك.

ومن ناحية أخرى فإن”الاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي ليس معناه احتواء الشئ من قبل المالك، إنما معناه: أن يختص به دون غيره، فلايعترضه في التصرف فيه أحد…

والشريعة أيضا لاتشترط التأبيد لتحقق معنى الملك، بل إن طبيعة ملك المنفعة، مثلا تقتضي أن يكون مؤقتا، كما في ملك منفعة العين المستأجرة.[64]

وعدم اشتراط الشريعة التأبيد لتحقق الملك، يجعل دخول الحقوق المعنوية وقبولها في إطار الشريعة وقواعدها ومقاصدها دخولا طبيعيا لاحرج فيه، بخلاف الحرج الواقع في القانون[65]

الفصل الخامس
المال

 

إن الوقف على معرفة المال وكذا المنفعة من وجهة الفقه الإسلامي يعتبر مدخلا طبيعيا وتمهيدا علميا سليما لترتيب الحكم الشرعي.

فالمال والمنفعة لها مفهوم وحقيقة شرعية، وللفقهاء فيهما دراسات ومباحث استقر فيها واتضح. لذا يرد ههنا مدى انطباق معنى المال والمنفعة على البرامج حتى يمكن إلحاق الحكم والآثار منهما إليه، أولايمكن، وقد عرفنا طبيعة المال والمنفعة في القانون، والمطلوب هنا الوقوف على معناهما في الفقه الإسلامي.

لنتوصل بها إلى معرفة مدى قرب أو بعد، تمهيدا لإلحاق الوصف أوالحكم الشرعي به، وهو مطلوب البحث.

مبحث تعريف المال:

اتفق الفقهاء على أن الأعيان أموال، متى أمكن حيازتها وتملكها والانتفاع بها على وجه ما، كما اتفقوا على أن الحقوق المجردة – وهي التي لاتدرك بالحس، ولاتعلق لها بالمال، كحق الحضانة، والولاية، والوظيفة- ليست مالا، واختلفوا في الحقوق المتعلقة بالمال والمنافع.

المال لغة: “كل ماملكته من جميع الأشياء”[66]. وهذا الإطلاق في اللغة يشمل كل مايتملكه الإنسان، سواء أكان شئ ماديا أم منفعة، وينبغي أن يشمل أيضا الحق وإن كان أمرا معنويا، إلا أنه يملك، سواء أطلق على عين أو منفعة أو مباح.

المال اصطلاحاً: اتفق جمهور الفقهاء على مفهوم المال من حيث الجملة، وإن اختلفت عباراتهم في تعريفه وبيانات حقيقته، فاعتبروا “كل مافيه نفع مالا، ومالا نفع فيه فليس بمال، فلا تجوز المعاوضة به”[67].

وعرفه المالكية- كما قال الشاطبي- بأنه:” مايقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه عن غيره إذا أخذه من وجهه”[68]ولذا اشترط المالكية في المبيع النفع، وعبروا عنه”بالانتفاع”[69] فاعتبروا من شروط المبيع “النفع”.

وعرفه الشافعية- بما نسبه السيوطي للشافعي- في قوله:” لايقع اسم المال إلا على ماله قيمة يباع بها وتلزم متلفه”[70]

وعرفه الحنابلة في معرض كلامهم عن شروط المبيع فقالوا:” هو مافيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة”[71]. وعرفوه أيضا بأنه: “مايباح نفعه مطلقا، أي في كل الأحوال، أويباح اقتناؤه بلاحاجة”[72].

وعلى تعريفهم هذا يخرج مالا نفع فيه أصلا، كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة، كالخمر، وما فيه منفعة مباحة للحاجة، كالكلب، ومافيه منفعة مباحة للضرورة، كالميتة[73].

أما الحنفية فوقع الخلاف في تعريف المال بينهم وبين الجمهور من جهة، وفيما بين المتقدمين منهم والمتأخرين من جهة ثانية، فعرف المتقدمون المال بما يفيد أنه” كل مايمكن حيازته وإحرازه والانتفاع به في العادة”[74].

فمداركون الشئ مالا: إمكان حيازته والانتفاع به في حكم العادة، وإن لم يكن محرزا ومنتفعا به فعلا. وما لا يمكن حيازته: كالعفة، والشجاعة، والذكاء، فلا يعد مالاً.

وكذا مالا ينتفع به في حكم العرف والعادة: كقطرة من ماء، وحبة شعير، وحبة شعير، فإنه لايعد مالا وإن أحرز.

ومراد الحنفية بالانتفاع في العادة: أن الشارع يجيز الانتفاع في حال الاختيار، أما إذا كان الانتفاع بالشئ في حال الاضطرار فلايدخل حينئذ في حكم المنتفع به في العادة.

فالخمر وإن كانت حراما إلا أنها مال، لجواز أن ينتفع بها بوجه ما حال الاختيار، وكذا الخنزير مال متقوم في حق الذميين-على خلاف وتفصيل عند الفقهاء- لكن الميتة والدم المسفوح ليس بمال، لأن الشارع لم يجوز الانتفاع بهما بحال حال الاختيار[75].

ويقول السرخسي:”المال اسم اما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز”[76].

ويقول صاحب الدرر:”والمال مايميل إليه الطبع، ويجري فيه البذل والمنع”. أو “هوموجود يميل إليه الطبع…”[77].

وقال ابن عابدين:” المال عين يمكن إحرازها وإمساكها”[78]. وفي مجمع الأنهر: المال”عين يجري فيه التنافس والابتذال”[79] أي بذل العوض.

وعرفه سعد الدين التفتازاني بأنه:”مايميل إليه الطبع، ويدخر لوقت الحاجة، أو ما خلق لصالح الآدمي، ويجري فيه الشح والضنة”[80].

وقال الشيخ أبو زهرة:” أحسن تعريف في نظري مانقله صاحب البحر عن الحاوي، وهو أن: المال لغير الآدمي خلق لصالح الآدمي، وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الإختيار”[81].

وأما متأخرو الحنفية فقد عرفوا المال فقالوا: “يطلق المال على القيمة، وهي مايدخل تحت تقويم مقوم من الدراهم والدنانير”[82].

فشمل هذا التعريف الأعيان، والمنافع، والحقوق، فمناط المالية عندهم هو القيمة التي تقدر بالنقد، فكل ماله قيمة هو مال، لأن كل مافيه قيمة هو منفعة، والناس لايتعارفون على تقييم ماليس فيه منفعة، إذ لايجري التعامل فيها أصلا.

المالية والتقوم:

وقد بين ابن عابدين معنى المالية والتقوم، فقال: والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم، والتقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعا، فما يباح بلا تمول لايكون مالا، كحبة حنطة، ومايتمول بلا إباحة انتفاع لايكون متقوما كالخمر، وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما، كالدم، ثم قال: وحاصله أن المال أعم من المتقوم، لأن المال مايمكن ادخاره، ولوغير مباح كالخمر، والمتقوم مايمكن ادخاره مع الإباحة، فالخمر مال متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنا، وإنما لم ينعقد أصلا بجعلها مبيعا، لأن الثمن غير مقصود، بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لابالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن. فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع[83]. وعرف سعد الدين التفتازاني التقوم فقال:”المتقوم مايجب إبقاؤه بعينة، أوبمثله، أو بقيمته، ثم قال عن الخمر: والخمر واجب اجتنابها بالنص، لعدم تقومها، لكنها تصلح للثمن، لأنها مال”[84]. وهذا متسق مع تعريفه للمال السابق.

ونقل السيوطي: أن للمتمول ضابطين:

أحدهما: أن كل مايقدر له أثر في النفع فهو متمول، وكل مالايظهر له أثر في الانتفاع فهو لقلته خارج عما يتمول.

الثاني: أن المتمول هو الذي يعرض له قيمة عند غلاء الأسعار، والخارج عن التمول: هو الذي لايعرض فيه ذلك[85].

وفي مجلة الأحكام العدلية”المال المتقوم يستعمل في معنيين:

الأول بمعنى مايباح الانتفاع به.

والثاني بمعنى المال المحرز، فالسمك في البحر غير متقوم، وإذا اصطيد صار متقوما بالإحراز”[86].

ويفهم من كلام الفقهاء في المالية والتقوم: أنها مترابطان ترابطا قد ينفك من جهة بإطلاق. فكل ماهو متقوم فيه مالية، لكن ليس كل مافيه مالية متقوما، وذلك إذا لم يكن المال محترما شرعا، فمالا يحترمه الشارع ويعتبر فلا قيمة له.

المال والبرامج:

وإذا علم هذا فإن البرامج عند التحقيق: هي مال على مفهوم الجمهور ومتأخري الحنفية. فمن حيث اشتراط النفع في المال، فإن البرامج تتضمن نفعا ومصلحة خاصة لمالكه، ومصلحة عامة لأفراد المجتمع. وهو وإن كان حقا معنويا إلا أن فائدته الخاصة المادية، وكذا العامة أيضا.

ومن جانب آخر فإن المالك يمكنه التصرف فيه مادام مالا ونفعا، والحيازة لا يشترط لتحقيقها أن يكون محلها ماديا. والبرامج وإن لم يكن استيفاؤه بذاته لأنه لايدرك بالحس، إلا أن أثره ومنفعته وقيمته يمكن إدراكها، وإنما تستوفي المنافع بملك الأعيان.

ومن حيث اشتراط القيمة، فإن البرامج قد تعارف الناس على أن له قيمة يعتاض عنها بقابلها من نقد، فيمكن تقويمه كما تقوم الأعيان. ولواعتدى عليه أجنبي بالتزييف والتقليد فإنه يعرض نفسه للمساءلة والضمان.

في ذلك- سواء أكانت مالية أم غير مالية ومن جانب آخر إذا اعتبرنا الحقوق أموالا- كما رأينا تصريح المالكية ، فلاتردد في اعتبار الاسم التجاري مالا، لأنه حق مالي متقرر كما سبق البيان، فيجري فيع الملك هو مال ما لم يكن من الحق التي لاتقبل التجزئ، كولاية النكاح، والوظيفة، وحق الحضانة، وحق التطليق[87].

الفصل السادس

المنفعة

المبحث الأول: تعريف المنفعة وأدلة اعتبارها مالا أوعدم اعتبارها:

تعريف المنفعة:

هي في اللغة: اسم ماانتفع به، يقال: نفعه بكذا فانتفع به.[88]

وفي الاصطلاح: كل مايقوم بالأعيان من أعراض، وماينتج عنها من غلة كسكن الدار، وأجرتها، وثمرة البستان، ولبن الدابة[89].

وملك المنفعة قد يكون بملك العين، وقد يكون ملك المنفعة دون العين، كالإجارة، والإعارة، والوصية بالمنفعة، والوقف، وقد يكون الملك للانتفاع، لا للمنفعة- على ماسيأتى بيانه عند الكلام على “الملك”-ولقد انبنى على خلاف الفقهاء في معنى المال وتعريفه: الخلاف في المنفعة، من حيث حقيقتها، وما إذا كانت تندرج تحت مسمى المال، فتملك كما يملك المال، ويجري عليها مايجري عليه من التصرفات.

وإن الوقوف على حقيقة المنفعة والخلاف فيها بين الفقهاء، يخدم موضوع الاسم التجاري، بل هو صلب موضوعه كما سيتبين.

ملك المنفعة وحق الانتفاع:

قد يظن أن ملك المنفعة وحق الانتفاع شئ واحد، وهما مختلفان. فجمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة يفرقون بينهما: قال القرافي: تمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل، فيباشر بنفسه، ويمكن غيره من الانتفاع بعوض الإجارة، وبغير عوض كالعارية.

ومثل لملك الانتفاع: بسكن المدارس، والرباط، والمجالس في الجوامع، والمساجد، والأسواق، ونحو ذلك، فله أن ينتفع بنفسه فقط، ولوحاول أن يؤاجر بيت المرسة أو يسكن غيره، أويعاوض عليه بطريق من طرق المفاوضات امتنع ذلك.

ومثل لملك المنفعة بمن استأجر دارا أو استعارها، فله أن يؤاجرها من غيره، أو يسكنه بغير عوض، ويتصرف في هذه المنفعة تصرف الملاك في أملاكهم، على جري العادة، على الوجه الذي ملكه، فهو تمليك مطلق في زمن خاص حسبما تناوله عقد الإجارة، أو شهدت به العادة في العارية، ثم قال: ويكون تمليك هذه المنفعة كتمليك الرقاب[90]، وبمثل هذه التفرقة، قال العدوي المالكي:

“مالك الانتفاع ينتفع بنفسه، ولايؤجر، ولايعير، ومالك المنفعة له تلك الثلاثة، مع انتفاعه بنفسه”[91].

ويفهم من كلام الفقهاء هذا التفرقة بين المنفعة والانتفاع، من حيث المنشأ والآثار، وخلاصة ماقيل في الفرق بينهما وجهان:

الأول: أن سبب حق الانتفاع أعم من سبب ملك المنفعة، لأنه كما يثبت ببعض العقود: كالإجارة، والإعارة مثلا، كذلك يثبت بالإباحة الأصلية، كالانتفاع من الطرق العامة، والمساجد، ومواقع النسك، ويثبت أيضا بالأذن من مالك خاص، كما لوأباح شخص لآخر أكل طعام مملوك له، أواستعمال بعض مايملك.

أما المنفعة فلاتملك إلا بأسباب خاصة، هي: الإجارة، والإعارة، والوصية

بالمنفعة، والوقف. وعلى ذلك، فكل من يملك المنفعة يسوغ له الانتفاع، ولا عكس، فليس مل من له الانتفاع يملك المنفعة، كما في الإباحة مثلا.

الثاني: أن الانتفاع المحض حق ضعيف بالنسبة لملك المنفعة يملكها ويتصرف فيها تصرف الملاك في الحدود الشرعية، بخلاف حق الانتفاع المجرد، لأنه رخصة لايتجاوز شخص المنتفع[92].

وعلى هذا فإن ملك المنفعة أهم وأقوى من حق الانتفاع، فمن ملك شيئا تصرف فيه لخاصة نفسه، أوتصرف فيه لغيره، بأي صورة من صور التصرف، ومن له حق الانتفاع لايحق له التصرف فيه لغيره.

أما الحنفية فلا تظهر لهم تفرقة بين المنفعة وحق الانتفاع.

أدلة الجمهور في اعتبار المنفعة مالاً:

استدل الجمهور على مذهبهم في اعتبار المنفعة مالا بأدلة:

الأول: أن المنافع على الأعيان، بجامع أن كلا منهما مال، فيجب الضمان كما في الفصب والإتلاف.

وبيان ذلك:”أن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، مماهوعندنا، والمنافع منا أو من غيرنا بهذه الصفة، وإنما تعرف مالية الشئ بالتمول، والناس يعتادون تمول المنفعة بالتجارة فيها، فإن أعظم الناس تجارة الباعة، ورأس مالهم المنفعة، ومنه يتبين أن المنافع في المالية مثل الأعيان”[93]

وقال الملكية:”المنافع متمولة يعاوض عنها”[94] “والقياس أن تجري المنافع والأعيان مجرى واحدا”[95]

ومن جانب آخر: فإن المنفعة تصلح أن تكون صدقا، وهذا دليل اعتبارها مالا، لأن صحة الصدق أن يكون المسمى مالا. ويجوز أخذ العوض عنها في الإشارة، وكذا منافع الحر مال يضمن بالإتلاف، إلا أنه إذا حبس حرا مجرد الحبس لايضمن منافعه، لأنه لم يوجد من الحابس إتلاف منافعة، ولا إثبات يده عليه، بل منافع المحبوس في يده.[96]

ويتبين أيضا مثلية المنافع للأعيان بجامع المالية في كل من العقد الفاسد، لأن الضمان بالعقد الفاسد يتقدر بالمثل شرعا، كما بالإتلاف، وهذا بخلاف رائحة المسك، فإن من اشتم مسك غير لا يضمن شيئا، لأن الرائحة ليست بمنفعة، ولكنها بخار يفوح من العين كدخان الحطب، ولهذا لايملك بعقد الإجارة، حتى لو استأجر مسكا ليشمه لايجوز، ولايضمن بالعقد أيضا، صحيحا كان أوفاسدا.[97]

الثاني: أن المنفعة متقومة:

قال الجمهور: إن المنفعة متقومة، وكل متقوم فهو مضمون بقيمته، بل إن المنفعة تقوم بها الأعيان، “فيستحيل أن لاتكون متقومة بنفسها، ولأنها تملك بالعقد، ويضمن به، صحيحا كان أوفاسدا، وإنما يملك بالعقد ماهو متقوم، فيضمن بالإتلاف وإن لم يكن مالا، كالنفوس والأبضاع”[98].

الثالث: أن الطبع يميل إليها، ويسعى في ابتغائها وطلبها، وتنفق في سبيلها الأموال، ويقدم في سبيلها نفيس الأشياء ورخيصها.

وأن المصلحة في التحقيق تقوم بمنافع الأشياء لابذواتها، فالذوات لاتصير أموالا إلا بمنافعها، فلاتقدم إلا بمقدور مافيها من منفعة، إذ كل شئ لامنفعة فيه لايكون مالا.

الرابع: أن العرف العام في الأسواق والمعاملات المالية يجعل المنافع غرضا ماليا ومتجرا يتجر فيه.

الخامس: أن الشارع اعتبر المنافع أموالا، لأنه أجاز أن تكون مهرا في الزواج، ولا يكون مهرا في الزواج إلا المال، قال تعالى:{وأحل لكم ماوراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين}

السادس: أن العقد قد ورد على المنافع، فتكون مضمونة به حينئذ، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا، وضمانها دليل على أنها تكون مالا بالعقد عليها. ولولم تكن أموالا في ذاتها ما قلبها العقد مالا، لأن العقود لاتقلب حقائق الأشياء، بل تقرر خواصها.[99]

أدلة الحنفية:

وقد استدل الحنفية لمذهبهم بأدلة عديدة، سنذكر أهمها مع مناقشتنا لما يمكن أن يتوجه للدليل من إيراد:

أولاً: أن المنفعة ليست مالاً متقوماً.

قال الحنفية: إن المنفعة ليست بمال متقوم، لذا لاتضمن بالإتلاف، كالخمر والميتة.

وبيان ذلك: أن صفة المالية للشئ إنما تثبت بالتمول، والتمول صيانة الشئ وادخاره لوقت الحاجة، والمنافع لاتبقي وقتين، ولكنها أعراض- كما تخرج من حيز العدم إلى حيز الوجود- تتلاشى، فلايتصور فيها التمول، وعلل لذلك: بأن المتقوم لايسبق الوجود، فإن المعدوم لايوصف بأنه متقوم، إذ المعدوم ليس بشئ، وبعد الوجود التقوم لايسبق الإحراز، والإحراز بعد الوجود لايتحقق فيما لايبقى وقتين، فكيف يكون متقوما؟وعلى هذا قالوا:”الإتلاف لايتصور في المنفعة”[100].

وقال صدر الريعة:” لاتضمن النافع بالمال المتقوم، لأنها غير متقومة، إذ لاتقوم بلا إحراز، ولا إحراز بقاء، ولابقاء للأعراض”[101]

وقد يرد على كلام السرخسي وصدر الشريعة: بأن المنفعة متمولة، ودليل تمولها اعتياد الناس واعتبارهم لها في تجارتهم ومعايشهم.

والمنفعة باقية مابقيت العين، وتجددها مستمر لبقاء العين، وأيضا فإن الإتلاف متصور في المنافع، وقد أقر بذلك الحنفية أنفسهم في قولهم:”إن إتلاف المنافع لا يضمن مالم يكن بعقد أوشبهة عقد”[102]. وعدم ضمانها عندهم لا لعدم تصورها وإنما لإهمالها، وكلامهم في فروع المسألة دليل على اعتبار وجودها.

ثانياً: أن المنفعة لاتماثل العين.

قال السرخسي:”لئن سلمنا أن المنفعة مال متقوم، فهو دون الأعيان في المالية، وضمان العدوان مقدر بالمثل بالنص، ألاترى أن المال لايضمن بالنسبة، والدين لا يضمن يالعين، لأنه فوقه، فكذلك المنفعة لاتضمن بالعين.

ثم فصل دليله فقال: إن المنفعة عرض يقوم بالعين، والعين جوهر يقوم به العرض، ولايخفي على أحد التفاوت بينهما، والمنافع لاتبقى وقتين، والعين لاتضمن بالمنفعة قط، ومن ضرورة كون الشئ مثلا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلا له أيضا، والمنفعة لاتضمن بالمنفعة عند الإتلاف، والمماثلة بين المنفعة والمنفعة أظهر من المماثلة باعتبار الأصل، بل على المرضاة، وكيف ينبني على المماثلة والمقصود بالعقد طلب الربح؟[103]

وقد يرد على السرخسي بأنه لايلزم من كونه المنفعة دون الأعيان وأنها ليست مثلا لها، وأنها عرض من أن لاتكوون مالا ومتقومة، ثم إن محل النزاع ليس في مماثلتها للأعيان أو عدمه، وإنما هو في ماليتها وتقومها.

وأيضا لايسلم السرخسي: أن المنافع دون الأعيان مطلقا، إذ الأعيان تقوم بالمنفعة، وإنما يتوصل بالأعيان إلى المنافع، فالمقصود منافع الأعيان لا ذاتها.

ثالثاً: إن المنفعة قبل كسبها معدومة، والمعدوم ليس مالاً.

قال السرخسي:” إن الإتلاف لايحل المعدوم، وبعد الوجود لايبقى لحله فعل الإتلاف”، فكأنه يرى: أن المنفعة معدومة غير موجودة، فلا يبقى لحله فعل الإتلاف”، فكأنه يرى: أن المنفعة معدومة غير موجودة، فلايمكن أن يوجد السبب، ولذا قال:” وإثبات الحكم بدون تحقيق السبب لايجوز”[104]

ولما كان الحنفية قد اشترطوا لجواز ضمان المنفعة أن تكون بعقد ، وهذا في حد ذاته استشكشال وجيه على رأيهم. قال السرخسي محولاً رفع هذا الإشكال : “بالعقد يثبت للمنفعة حكم الإحراز والتقوم شرعاً، بخلاف القياس،وكان ذلك باعتبار إقامة العين المنتفع به مقام المنفعة ، لأجل الضرورة والاجة ، ولا تتحقق مثل هذه الحاجة في العدوان ، فتبقى الحقيقة معتبرة ، وباعتبارها ينعدم التقوم والإتلاف” [105].

وقد يقال للحنفية: إنكم قلتم بخلاف ذلك في الصّداق واستئجار الولي، فاعتبرتموه ، ولا عدوان فيه.

وقد رد السرخسي هذا بقوله: “في الصّداق واستئجار الولي إنما يظهر حكم الإحراز والتقوم بالعقد للحاجة ،والمل اسم لما هو مخلوف لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التموّل والإحراز “[106].

وقد يقال له : إننا لا نسلم أن المال معتبر بالتموّل والإحراز فحسب,بل هو أعم ليشمل ما يمكن إحرازه كالمنفعة.

المبحث الثّاني: غصب المنفعة:

مذهب الجمهور :

ذهب جمهور الفقهاء : المالكية، والشافعية ،والحنابلة – تبعاً لرأيهم في اعتبار المنفعة مالاً – إلى أن المنافع يوجب الضمان على الغاصب ، سواء استعمل المغضوب ، أو منع استعماله ، أو أتلفه ، أو  أتلف المنفعة ، على تفصيل يظهر من استعراض مذاهبهم :

مذهب المالكية: أن الغاصب يضمن الشيء المغصوب بمجرد الإستيلاء .

قال عبد المسيع الآبي : ” وضمن الغاصب الشيء بمجرد الإستيلاء عليه وحوزه ، ولو تلف بسماوي ، أو جناية غيرة” [107] .

وبناء على هذا الضمان ، فإن منافع المغصوب المستعمل تكون ملكاً للمالك .

قال في الجواهر : ” وللمالك غلة مغصوب مستعمل : من رقيق، ودابة،ودار ، وغيرها، سواء استعمله الغاصب، أو أكراه ، على المشهور .”[108] .

فإن كان المستفيد من المنفعة غير الغاصب ، فإنّ الملك مخير بأخذ قيمة المنفعة من أيهما شاء ، قال في المواهب :” من غصب منفعة دار أو استأجر منه رجل تلك المنفعة فلربها أخذ المنفعة من الغاصب،أو من المستأجر ، علماً كان أو جاهلاً ، كما لوغصب طعاماً وباعه واستهلكه المشتري ، فلربّ الطعام أن يضمن ما يشاء منهما .

لكن عند المالكية : لو قصد الغاصب باستلائه على الشيء استيفاء المنفعة لا تملك الذات ، فتلف الذات المستوفى منها منفعتها ، فلا يضمن المعتدي، وعلى ذلك ” فمن سكن داراً غاصباً للسّكن فانهدمت من غير فعله فلا يضمن إلاّ قيمة السّكن ، إلاّ أن تنهدم من فعله”[109] .

ومذهب الشافغية : ضمان منفة الدّار ، والعبد ،ونحوهما من كلّ منفعة يستأجر عليها بالتّفويت بالإستعمال ، والتفيت عندهم يكون بضياع المنفعة من غير انتفاع ، كإغلاق الدّار في يد عاديّة . لمن كان من أهل الضّمان .

قالوا : إن غصب منفعة تستباح بالإجارة ، لإاقام في يده مدة لمثلها أجر ضمن الأجرة .

أما غصب منفعة البضع فإنها لا تضمن عندهم إلا بتفويت الوطء لا فواته .

فيضمن حينئذ بمهر المثل –على تفصيل في ذلك – وعلة عدم الضمان بالفوات هو انتفاء ثبوت اليد على البضع . ومثل هذا في في الأصح من مذهبهم : منفعة بدن الحر، فإنها لا تضمن إلا بالتفويت ، دون الفوات , تبعاً لقاعدة : أن الحرّ لا يدخل تحت اليد [110] .

وذهب الحنابلة : ضمان الغاصب أجرة المغصوب مدة بقائه بيده ، إذا كانت للشيء المغصوب منفعة تصح إجارتها،ويوجبون حينئذ أجرة المثل مدة مقامه في يده ،سواء استوفى المنافع أو تركها تذهب.

فإن تلف المغصوب ضمنه الغاصب أو من تلف بيده ، المثلي بمثله ، فإن أعوز المثل فقيمة مثله يوم إعوازه [111]   ” وما ليس بمال لا يغصب ، كغصب الحر ، فلا يضمن بالغصب ، وإنما يضمن بالإتلاف . فإن استعمل حرا مكرها لزمه أجر مثله ، وإن حبسه مدة لمثلها أجر ففي وجوب أجرها قولان ، ولو منعه العمل من غير حبسه لم يضمن منافعة ” [112] .

وقال المرداوي : ” وإذا كان للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده ، يعني إذا كانت تصح إجارته ، ثم قال : منافع القبوض بالعقد الفاسد كمنافع المغضوب ، تضمن بالفوات والتفويت ” [113] .

و أما عند الحنفية : فقالوا في ضمان المغصوب : ” ومنافع الغصب غير مضمونة ، استوفاها أو عطلها ، أو استغل ” وعللوا لذلك – بما سبقت الإشارة – بعدم ورود الغصب عليها ، ولأنه مماثلة بينها وبين الأعيان ، وهي لا تبقي زمانين، ولأنها غير متقومة .[114]

والمتأخرون فرقوا بين المعد للإستغلال ، ومال اليتيم ،والوقف، وبين غيرها ، فأوجبوا الضمان فيها دون سواها .

 وفيما يلي تفصيل رأيهم :

قال السرخسي : لو غصب عبدا أو دابة فآجره وأصاب من غلته ،فالغلة للغاصب ، لأن وجوبها بعقده ، ولأن المنفع لا تتقوم إلا بالعقد ، والعاقد هو الغاصب، فإذا هو الذي جعل منافع العبد بعقده مالاً ، فكان بدله له.

وقد يقال هنا : ولم لا يكون لصاحب العبد ؟ فيجاب بأنه كان في ضمان غيره .

قال السرخسي : وفي هذا إشارة على إلى قوله- صلى الله عليه وسلم – ” الخراج بالضمان “[115] .

فحين كان في ضمان الغاصب فهو الذي التزم تسليمه بالعقد دون المالك ، فكان له الأجر دون المالك ، ويؤمر أن يتصدّق بها ، لأنها حصلت له بكسب خبيث [116] .

وينبني على عدم اعتبار المنافع أموالاً عند الحنفية : أنه ليس على الغاصب سكني الدّار وركوب الدّابة أجر. وعللوا لذلك بأن الغاصب كان ضامناً ، ومعنى هذا أن ضمان العين باعتبار صفة المالية والتقوم،والمالية والتقوم في العين باعتبار منافعه ، ولهذا تختلف قيمة العين باختلاف منفعته ، فإذا اعتبرت المنفعة لإيجاب ضمان العين لا يمكن اعتبارها لإيجاب ضمانها مقصودا . وقد قاس الحنفية ههنا المنفعة على الكسب ، ةينطبق على الكسب عندهم حكم حديث ” الخراج بالضّمان” فكذلك المنفعة .

لكن هذا مما لا يقول به أبو حنيفة وأبو يوسف ، ” فإن السّاكن غير ضامن للدار عندهما [117] ” .

ولا يخفى أن صدر الإحتجاج والتعليل الذي ذكره السّرخسي يمكن أن يكون حجة على مسلك الحنفية في المنفعة لا لهم ، ولعلّ ذللك دعى للسرخسي للقول :

” والأصح بناء هذه المسألة على الأصل المتقدّم , ويعني به بقوله : ” إن المنافع زوائد ، تحدث في العين شيئا فشيئا ،وزوائد المغصوب لا يكون مضموناً على الغاصب ، فكذلك المنفعة ” [118] .

وأما اعتبار العل في الخراج هي الضمان –وهو فهم الإمام أبي حنتبفة من الحديث ، لذا قال : ” إن الغاصب لايضمن منافع المغصوب “

فقد ناقش السيوطي هذا اللإحتجاج : ” فقال أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قضى ذلك في ضمان الملك ، وجعل الخراج لمن هو مالكه ، إذا تلف تلف على ملكه – وهو المشتري – والغاصب لايملك المغصوب “[119].

وقال السيوطي أيضاً : ” بأن الخراج هو المنافع ، جعللها لمن عليه الضمان ، ولا خلاف أن الغاصب لا يملك المغصوب ،بل إذا أتلفها فالخلاف في ضمانها عليه ، فلا يتناول موضوع الخلاف”[120] .

وعلل الكاساني لعدم الضمان في غصب العبد أو الدّابة بأنه ” لم يوجد تفويت يد الملك عن المنافع،لأنها أعراض تحدث شيئا فشيئا على حسب حدوث الزمان ، فالمنفعة الحدثة على يد الغاصب لم تكن موجودة في يد المالك،فلم يوجد تفويت يد المالك عنها ، فلم يوجد الغصب “[121] .

ولكن يشكل على رأي الحنفية هذا : ما ينبغي أن يتخرّج على أصلهم ، فيما إذا غصب داراً أو عقاراً فانهدم شيء من البناء ، فإنه لا ضمان عليه ، لأن الغصب لا يتم إلا بالنقل والتحويل، فإن كان مما لا ينقل كالدور والعقار لم يصح غصبه ، ولم يضمن .

استدلالاً: بأن غير المنقول مختص بالمنع دون التصرف ، فصار كحبس الإنسن عن ملكه ، لا يكون موجبا لغصب ماله ، ولأن المسوق لايكون مسروقاً إلا بالنقل عن الحرز ، فكذلك المغصوب . [122]

جاء في الدر وشرحه قوله : ” والغصب إنما يتحقق فيما ينتقل , فلو أخذ عقاراً وهلك في يده بآفة سماوية لم يضمن ” [123].

وقد اختلف رأي أبي حنيفة في ذلك  ، قال السرخسي : لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر . وعند محمد ، وهو قول أبي يوسف .

الأول يضمن ، وهو قول الشّافعي.

أما الشافعي فقد صار على أصله في تحديد الغصب بأنه : إثبات اليد على مال الغير بغير إذن مالكه .وهذا يوجد في العقار كما يوجد في المنقول.

وأما محمد : فقد صار على أصله في حد الغصب : بأنه إزالة حد المالك عن ماله ، والفعل في المال ليس بشرط ، وقد وجد تفويت يد المالك عن العقار، لأن ذلك عبارة عن إخراج المال من أن يكون منتفعاً به في حق المالك ، أو إعجاز المالك عن الإنتفع به في حق المالك ، أو إعجاز المالك عن الأنتفاع به ، وهذا كما يوجد في المنقول يوجد في العقار ، فيتحقق الغصب .

وأما أبو حنيفة،و أبو يوسف ، فسارا على أصلهما : أن الغصب إزالة يد المالك عن ماله بفعل في المال ، ولم يوجد في العقار .

والدليل على أن هذا الشرط  تحقيق الغصب : الاستدلال بضمان الغصب، فإن أخذ الضمان من الغاصب تفويت يده عنه  بفعل في الضمان ، فيستدعي وجود مثله منه في المغصوب ، ليكون اعتداء بالمثل ، وعلى أنهما إن سلما تحقق الغصب في العقار، فالأصل في الغصب أن لا يكون سبباً لوجوب الضمان ، لأن أخذ الضمان من الغاصب إتلاف ماله عليه . [124]

لكن العقار يضمن عندهم – في الأصح – في حالات ثلاث ، في البيع والتّسليم ، والحجور.

قال في الدّار المختار وشرحه :” والأصح أن العقار يضمن بالبيع ةالتسليم، وكذا بالحجور إذا كان العقار وديعة ” [125].

واستثنى الحنفية من قاعدتهم في الغصب ثلاثة أمور ، فقطالوا بوجوب الضمان فيها ويكون بأجر المثل ، وهذا اختيار المتأخرين منهم ، وهذه الثلاثة هي :

أولاً: إذا كان المغصوب وقفاً للسكن ، أو للإستغلال ، أو لغيرهما ، كالمسجد.

ثانياً: إذا كان المغصوب مال يتيم.

   قال في الزازية : ” والفتوى في غصب دور الوقف وعقاره على الضمان ، كما في منافعه ، وكذا اليتيم ، والإمام ظهير الدين أفتى بأجر المثل في الوقف، لا في اليتيم ، ومن المشايخ من قال : إذا كان ضمان النقصان خيرا لليتيم من أجر المثل ، يلزم على الغا صب ، وإلا أجر المثل”[126]

وقال ابن عابدين في شأن اليتيم:” لاتردد في مال اليتيم، لأن منافعه تضمن بالغضب”[127].

ثالثاً: إذا كان البناء معدا للاستغلال بأن بناه صاحبه لذلك، أواشتراه لذلك. ويشترط عندهم علم المستغل بكونه معدا حتى يجب الأجر، وأن لا يكون المستعمل مشهورا بالغصب”.[128]

مبنى الخلاف بين الجمهور والحنفية:

إن مبنى الخلاف في غصب المنفعة يرجع عند التحقيق إلى الخلاف في مفهوم المنفعة. وفي مفهوم الغصب، والثاني هو الذي يعيننا بيانه ههنا.

فالجمهور يرون: أن الغصب هو:” الاستيلاء على حق الغير عدوانا” وكما قال الماوردي: هو منع الإنسان من ملكه، والتصرف فيه بغير استحقاق. فيكمل الغصب بالمنع والتصرف، فإن منع ولم يتصرف كان تعديا، وتعلق به ضمان، لأنه تعد على المالك دون الملك، وإن تصرف ولم يمنع كان تعديا، وتعلق به ضمان، لأنه تعد على المالك دون المالك، فإذا جمع بين المنع والتصرف تم الغصب، ولزم الضمان، سواء نقل المغصوب عن محله أم لا.[129]

وعند الحنفية هو: “أخذ مال متقوم محتوم من يد مالكه، بلا إذنه لاخفية”[130].

فلايتم الغصب عند أبي حنيفة إلابالنقل والتحويل – كماسبقت الإشارة- فإن كان ممالاينتقل كالدور والعقار، لم يصح غصبه، ولم يضمن، وكذا المنفعة ليست مالا متقوما حتى يمكن نقلها.

ويفهم من قيد الحنفية في تعريف الغصب في قولهم:” من يد مالكه بلا إذنه”: “أن إزالة يد المالك معتبرة في الغصب، وتبعا لتعريف الشافعية”إزالة يد العدوان”.

وعلى هذا فإن ثمرة الخلاف تظهر في زوائد المغصوب: كولد المغصوبة، وثمرة البستان، فإنها ليست بمضمونة عند الحنفية، لعدم إزالة اليد، وعند الشافعية مضمونة لإثبات اليد، فالمعتبر في الغصب عند الحنفية إزالة اليد المحققة، وإثبات اليد المبطلة، وعند الشافعية المعتبر إثبات اليد المبطلة.”[131]

وعلى هذا: فإن مفهوم الغصب أعم وأشمل عند الجمهور منه عند الحنفية، ومقتضى تعريف الجمهور شموله”سائر الحقوق والاختصاصات”[132] والمنفعة عند الجمهور مال، لايجوز الاعتداء عليه، فبغصبها يتقرر الضمان.

المبحث الثالث: المال والمنفعة:

الجمهور والحنفية:

يعلم من تعاريف الجمهور السابقة للمال: أنه يشمل الأعيان والمنافع والحقوق.

والمالكية اعتبروا كل مايمكن أن يجري فيه الملك مالا. يستوي في ذلك الأعيان والمنافع والحقوق التي تقبل التجزؤ –كما سبقت الإشارة-.

والشافعية والحنابلة يوافقون المالكية في هذا الشمول، ويوافقونهم-جملة- فيما ينبني عليه من فروع.

وإنما اعتبر الجمهور المنافع أعيانا لأنهم لم يشترطوا في المال أن يكون محازا بذاته، بل يكفي إمكان حيازته، وحيازة المنافع إنما يكون بحيازة أصولها، إذ الأعيان مقصودة لمنافعها.

وأما الحنفية فيعلم من تعاريفهم للمال: أن المنفعة ليست مالا، لأنهم اشترطوا في المال أن يكون موجودا ممكن الادخار، فتخرج المنفعة حينئذ من مسمى المال ، فهي ملك لامال، كما صرح ابن عابدين، نقلا عن صاحب التلويح،  قال: “والتحقيق: أن المنفعة ملك لامال، لأن الملك مامن شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص، والمال ما من شأنه أن يدخر للانتفاع وقت الحاجة”[133]

الفصل السابع

الملك

المبحث الأول: تعريف الملك:

الملك في اللغة: قال ابن سيده: المَلك والمُلك والملك احتواء الشئ، والقدرة على الاستبداد به[134]، والمالكية هي بين المال والإنسان، بالنظر إلى الإنسان، والمملوكية هي العلاقة بينهما، لكن بالنظر إلى المال.

الملك اصطلاحاً: تعددت تعاريف الفقهاء له،[135]، فعرفه ابن السبكي بقوله: هو حكم شرعي، يقدر في عين أومنفعة، يقتضي تمكن من ينسب إليه من انتفاعه، والعوض عنه من حيث هو كذلك[136].

وعرفه القرافي بقوله: هو حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة، يقتضي تمكن من يضاف إليه انتفاعه بالمملوك، والعوض عنه من حيث هو كذلك[137].

وعرفه قاسم بن عبد الله، بن الشاط بقوله: هو تمكن الإنسان شرعا بنفسه أوبنيانه من الانتفاع بالعين أو المنفعة، ومن أخذ العوض، أوتمكنه من الانتفاع خاصة[138].

وعرفه صدر الشريعة بأنه:” اتصال شرعي بين الإنسان وبين شئ يكون مطلقا لتصرفه فيه، وحاجزا عن تصرف الغير”.[139]

وقال الفنري من الحنفية:” الملك عبارة عن المطلق الحاجز”.[140]

وعرفه الكمال بن الهمام بقوله:”هو قدرة يثبتها الشرع ابتداء على التصرف”.[141]

وعرفه أكمل الدين البابرتي بأنه القدرة على التصرف في المحل شرعا”[142]

قال ابن نجيم: وينبغي أن يقال: إلا لمانع، وهذا القيد لازم، لأنه قد يكون الشخص مالكا ولا قدرة له على التصرف، كالمحجور عليه. والمبيع المنقول مملوك للمشتري ولاقدرة له على بيعه قبل قبضه.

وعرفه الحاوي القدسي بأنه: الاختصاص الحاجز، وأنه حكم الاستيلاء، لأنه به يثبت لاغير، إذ المملوك لايملك، كالمكسور لاينكسر، لأن اجتماع الملكية في محل واحد محال، فلا بد أن يكون المحل الذي ثبت الملك فيه خاليا عن الملك، والخالي عن الملك هو المباح، والمثبت للملك في المال المباح الاستيلاء لاغير.[143]

عرفه الزركشي بقوله:” هوالقدرة على التصرفات التي لاتتعلق بها تبعة، ولاغرامة دينار، ولاآخرة.

وقيل هو معنى نقدر في المحل، يعتمد الممكنة من التصرف على وجه ينفي التبعة والغرامة.[144]

وعرفه سعد الدين التفتازاني بقوله:” الملك: مامن شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص”[145].

وعرفه ابن تيمية بأنه:” القدرة الشرعيةعلى التصرف في الرقبة بمنزلة القدرة الحسية”[146]

وقد جمع الأستاذ مصطفى الزرقاء بين هذه التعاريف بتعريف جامع مانع- وهو المختار- بقوله: الملك :هو اختصاص حاجز شرعا، يسوغ لصاحبه التصرف- إلا لمانع[147].

وعرفه الشيخ محمد أبوزهرة:”اختصاص بالأشياء، الحاجز للغير عنها شرعا، الذي تكون القدرة على التصرف في الأشياء ابتداء، إلالمانع يتعلق بأهلية الشخص”[148]

ومن تعاريف الفقهاء السابقة يتضح الفرق بين الملك والمال، فالملك أعم من المال بشموله للمال والمنفعة.[149] حتى على تعريف الحنفية للملك، ولكن لايلزم عندهم من كون المنفعة قسيمة للمال أن تكون مالا. فقالوا:” إن المنفعة ملك لا مال” وذلك راجع إلى كون المنفعة يمكن التصرف فيها بوصف الاختصاص، فساغ أن تكون مملوكة، لكن لما لم يكن ادخارها لحين الحاجة فارقت المال، لأن من شأنه عندهم أن يدخر لانتفاع به وقت الحاجة.

أما الجمهور: فلم يفرقوا هذه التفرقة، بل صرحوا كما في تعريف ابن السبكي والقرافي: بأن الملك يتناول العين والمنفعة. والتعريف المحتار حينئذ يتناول الأعيان والمنافع والديون. فيكون الملك-والحال هذه- ليس أمرا ماديا له وجود في

الخارج بل هو حق يرد على الأعيان والمنافع والديون، أو هو علاقة تنشأ بين المالك والشئ المملوك، فتكون العلاقة المالكية. ويترتب على هذه العلاقة أن يكتسب صاحب الملك حق التصرف، مالم يمنعه مانع من كونه ناقص الأهلية. أوكان المال مشتركا، أومرهونا، أوغير ذلك. فالمنع هنا عن التصرف فحسب، وهذا لاينافي الملكية، لأنه منع عارض.

ويلاحظ عند التدقيق أن اختلاف تعاريف الفقهاء للملك يرجع إلى اختلافهم في جهة النظر إلى الملك باعتبارات مختلفة.

فمنهم من ينظر إلى كون الملك أمرا شرعيا، اعتبره الشارع، ومنع من الاعتداء عليه.

ومنهم من نظر إلى تعريف الملك باعتبار العلاقة والرابطة بين صاحب الملك والشئ، أو المال المملوك.

ولعل أقرب هذه التعاريف إلى بيان حقيقة الملك وعناصره: تعريف الإمام صدر الشريعة لولا طوله، فنختار عليه تعريف الأستاذ مصطفى الزرقاء وهو أن الملك:”اختصاص حاجز شرعا، يسوغ لصاحبه التصرف إلالمانع”[150]

وتوصلا إلى مايساعد على تحديد ملكية الاسم التجاري، ومعرفة طبيعته، نحتاج إلى معرفة علاقة الملك بغيره، فنتناول المفردات التالية: الملك والمنفعة، والملك والاختصاص، والملك والإباحة.

المبحث الثاني: الملك والمنفعة، والاختصاص والإباحة:

  • الملك والمنفعة:

العلاقة بين الملك والمنفعة علاقة من حيث المحل، وقد اصطلح الفقهاء على تقسيم الملكية من حيث المحل: إلى ملكية تامة، وملكية ناقصة.[151]

والملكية التامة: هي ملكية العين والمنفعة، فيتمتع المالك حينئذ بجميع الحقوق، التصرفات التي يمكنه الشارع منها، فيتصلرف في العين والمنفعة.

وفي مرشد الحيران”الملك التام من شأنه أن يتصرف به المالك تصرفا مطلقا فيما يملكه، عينا ومنفعة واستغلالا، فينتفع بالعين المملوكة، وبغلتها، وثمارها، ونتاجها، ويتصرف، في عينها بجميع التصرفات الجائزة.[152]

والملكية الناقصة: هي ملكية المنفعة دون العين. أوالعين دون المنفعة. وعلى هذا فالملكية التامة: نوع واحد هو ملكية العين والمنفعة.

وأماالملكية الناقصة فهي على أنواع : ملكية العين فقط، أوالمنفعة فقط، أو الدين. على البيان التالي:

أما ملك العين والمنفعة: فهذا هو الأصل في الممتلكات على وجه العموم، فيما يملك بسببه، كالبيع والهبة. قال لبن رجب في هذا النوع: هو”عامة الأملاك الواردة على الأعيان المملوكة بالأسباب المقتضية لها”[153].

وأما ملك العين: ويتحقق عند تملك الرقبة دون المنفعة، فتكون الرقبة مملوكة لشخص والعين لآخر. فلايحق حينئذ لمالك العين أن يتصرف في المنفعة أو ينتفع بها، كما لايجوز أن يتسبب في الإضرار بمالك المنفعة بتصرفه في العين تصرفا ضارا. ومثل ابن رجب والسيوطي وغيرهما” بالعبد الموصي بمنفعته أبدا، رقبته ملك للوارث”[154] ، أوبالوصية بالمنافع لواحد وبالرقبة لآخر.[155]

وأما ملك المنفعة: فقال ابن رجب: ملك المنفعة بدون عين له ضربان:” أحدهما ملك مؤبد، ويندرج تحته صور عدة منها:

الوصية بالمنافع، وهذه الصور تشمل جميع أنواعها، إلا منفعة البضعة ففيه خلاف. ومنها: الوقف”.

والضرب الثاني: ملك غير مؤبد، ومن هذا النوع: الإجازة، ومنافع المبيع المستثناة في العقد مدة معلومة.

ومنه: ماهو غي مؤقت، لكنه غير لازم، كالعارية على وجه، وإقطاع الاستغلال.

وأما ملك الانتفاع المجرد: فهو أن يملك الانتفاع دون المنفعة، وله صور: منها: ملك المستعير، فإنه يملك الانتفاع لاالمنفعة، ومنها:.

المنتفع بملك جاره من وضع خشبة وممر في دار، ونحوه….[156]

وقال السيوطي:” كل من ملك المنفعة فله الإجارة والإعارة، ومن ملك الانتفاع فليس له الإجارة قطعا، ولا الإعارة في الأصح”.[157]

وأما ملك الدين: بأن يكون لشخص دين في ذمة آخر بسب ما، “كثمن مبيع على مشتريه، وبدل قرض على مقترض، وقيمة مال متلف على من أتلفه، ونحو ذلك، ولايسمى دينا إلا إذا كان التزاما في الذمة”[158].

وعلى هذا: فالوديعة إذا كانت نقودا مثلا هي من قبيل ملك العين، لأنها أمانة، ولوتصرف بها عد غصبا فيضمن، لأن مبلغ الوديعة أصبح دينا في ذمته.

والجمهور- على رأيهم في مضمون المال- يعتبرون الديون أموالا لعدم اشتراطهم كون المال عينا يمكن إحرازه- كما سبقت الإشارة- والحنفية كما هو أصل مذهبهم في مضمون المال لم يعتبروا الديون أموالا حقيقية، بحيث يتصور قبضها فقالوا:” الدين مال حكما لاحقيقة، ولذا كانت البراءة منه نصح بلا قبول، لعدم المالية الحقيقية”[159]“فهم يعتبرون الدين مالا حكما لاحقيقة لكونه معدوما،ولكنه وصف حكمي يلحق بالأموال باعتبار أنه يصير مالا بالقبض”[160].

لكن الراجح عند جمهورهم – كما هو اتفاق الفقهاء- أن الديون محل للملك، وخالف في ذلك بعض الحنفية، وقالوا: إنها لاتملك، لأنها وصف شرعي. وفي حاشية ابن عابدين” والحق ماذكروا من ملكه”. وكذلك في فتح القدير.[161]

أسباب الملك الناقص:

يثبت ملك المنفعة دون العين بأسباب متعددة:

  • الإجارة فيملك المستأجر منفعة العين خلال مدة الإجارة، وله استيفاء المنفعة المقررة بنفسه، كما أن له أن ينقلها إلى غيره، كأن يملكها لآخر بعوض أو بغير عوض، بشرط أن لا تختلف المنفعة باختلاف المفسدين. فإن اختلفت احتاج إلى إذن المؤجر.
  • الإعارة: مذهب الحنفية-عدا الكرخي- ومذهب المالكية، وهو وجه للحنابلة: أن الإعارة تفيد تمليك المنفعة، لأن المعير سلط المستعير على تحصيل المنافع، وصرفها إلى نفسه على وجه زالت يده عنها، والتسليط على هذا الوجه يكون تمليكا لاإباحة، كما في الإعيان.

وعرفت بأنها: تمليك المنفعة بلاعوض.[162] ومذهب الشافعية، والحنابلة، والكرخي من الحنفية: أنها تفيد إباحة المنفعة، وذلك لجواز العقد من غير أجل، ولوكان تمليك المنفعة لما جاز من غير أجل بالإجارة. وأيضا الإعارة تصح بلفظ الإباحة، وعرفت بأنها: إباحة الانتفاع بملك الغير.[163]

  • الوصية: تملك منافع الأعيان بالوصية، ويجوز للموصي له أن يستوفي المنفعة بنفسه، أويملكها غيره، إذا لم تكن الوصية مقيدة.
  • الوقف: وتملك منافع الأعيان بالوقف لشخص أو مجموعة من الأشخاص، وتستوفي المنفعة بالنفس أوبالغير، حسب شروط الواقف.
  • الملك والاختصاص:

ينبغي التفرقة بين الملك والاختصاص، كما فرق جمهور الفقهاء: المالكية، والشافعية، والحنابلة.

فالاختصاص عند الجمهور: هو حق التصرف الناقص، ويكون للمنافع. فالمالكية حصروا الاختصاص بالمنافع، كإقطاع الإمام أرضا من موات، والسبق إلى المباحات، ومقاعد الأسواق والمساجد، وما إلى ذلك.[164]

وقال الشافعية:”إن الملك يتعلق بالأعيان والمنافع، والاختصاص إنما يكون في المنافع، وقالوا: إن الاختصاص أوسع، ولهذا شواهد.

منها: أنه يثبت فيما لايملك من النجاسات: كالكلب، والزيت النجس، وجلد الميتة ونحوه.

ومنها: من قعد بنحو مسجد أوشارع، فإنه لايزعج عنه”.[165]

وذكر العز بن عبد السلام: أن” الاختصاص بالمنافع على أنواع، وعد منها: الاختصاص بإحياء الموات بالتحجر والإقطاع، والاختصاص بالسبق إلى المباحات، والاختصاص بالسبق إلى مقاعد الأسواق، والمساجد، والرط والمدارس، ومواقع النسك”[166]

وقال الحنابلة:”إن حق الاختصاص هوعبارة عما يختص مستحقه بالانتفاع به، ولايملك أحد مزاحمته فيه، وهو غير قابل للشمول- أي شمول كل صور الانتفاع- والمعاوضات، ويدخل تحت ذلك صور، عدوا منها: الكلب المباح اقتناؤه، كالمعلم لمن يصطاد فيه.

ومنها : الأدهان المتنجسة المنتفع بها بالإيقاد وغيره- على القول بالجواز- فأما نجسه العين كدهن الميتة، فالمنصوص: أنه لايجوز الانتفاع به.

ومنها مرافق الأملاك: كالطرق والأفنية، ومسيل الماء، ونحوها، هل هي مملوكة، أو ثبت فيها حق الاختصاص؟ وفي المسألة وجهان:

أحدهما: ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك.

والثاني: الإقطاع، وهو ضربان: إقطاع إرفاق، كإقطاع مقاعد السوق، ورحاب المساجد، فهذه يجوز للإمام إقطاعها ولايملكها المقطع، وإقطاع موات من الأرض لمن يحييها، ولايملكه بل يصير أحق به [167].

وأما الحنفية فإنهم يعبرون عن (الاختصاص) بـ (الحق) أو (الاستحقاق) لكن مفهومه واحد عندهم، كما هو عند الجمهور، والاختلاف في الفروع. ولامشاحة في الاصطلاح. يقول الكاساني:” لو حجر الأرض لايملكها بالإجماع، لأن الموات يملك بالأحياء، ولكن صار أحق بها من غيره، حتى لم يكن لغيره أن يزعجه. لأنه سبقت يده إليه، وإذا نزل بأرض مباحة أورباط، صار أحق بها، ولم يكن لمن يجئ بعده أن يزعجه عنها.[168]

وعلى هذا فيختلف الملك عن الاختصاص، من حيث الموضوع، ومن حيث ما يترتب عل كل منهما من آثار.

فالملك موضوعه ومحله كل ما أجاز الشارع الانتفاع به، ويترتب عليه حق الملك التام، وحرية التصرف الكاملة.

وأما الاختصاص فموضوعه ومحله المنافع، أو المرافق العامة: كالأسواق، والطرق، والأراضي الموات، التي يقوم الشخص بتحديدها، ووضع العلامات عليها، ومحله أيضا ماحرمه الشارع ابتداء، وأجاز الانتفاع به في ظروف وحدود معينة، كالانتفاع بجلد الميتة، وكلب الصيد والحراسة، على خلاف بين الفقهاء في هذه الفروع.

  • الملك والإباحة:

عرف الجرجاني الإباحة بأنها: الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل، في حدود الإذن.[169]

الفصل الثامن
التكييف الشرعي للبرامج وحكم الاعتداء عليها

 

تبين مما سبق عرضه من أقوال الفقهاء أن الحقوق أموال، وهي من هذا الجانب يجري فيها الملك والاختصاص مادام محلها مالا، أوله تعلق بالمال، وكان قابلا للتجزؤ، فالبرنامج من هذا الوجه مال يجري فيه الاختصاص والملك.

وهو في الوقت ذاته منفعة تعتمد على الجهد الذهني المبتكر، ولذا فإن مجال التنافس فيه كبير في سبيل تقديم الأفضل إبداعاً وابتكاراً.

وفي ذلك تأمين الأصلح لمعايش الناس، وهذه مصلحة معتبرة شرعا، فالبرنامج تتحقق فيه المنفعة ويسري على منافع الأعيان سواء بسواء.

وهو مصلحة، والمصلحة منفعة والمنفعة مال متقوم على رأي جمهور الفقهاء: المالكية والشافعية، والحنابلة، والمتأخري الحنفية، وهي كذلك أموال متقومة على رأي متقدمي الحنفية إذا ولرد العقد عليها تحقيقا لمصلحة الناس، فإذا كان ذلك كذلك فيمكن القول: إن البرنامج يعتبر مالا في الفقه الإسلامي لاريب.

وإذا كان البرنامج منفعاً ومالاً متقوماً صلح أن يكون محلا للملك، لأن الناس تعارفوا على تموله وتقييمه واعتباره، حتى يجري العرف بالاعتياض عنه بمقياس مدى ما فيه من منفعة متحصلة من استخدام مصدره.

قال العز بن عبد السلام:” إن المنافع هي المقصود الأظهر من جميع الأموال”[170]، إذا لايمكن أن تحاز المنافع إلا بطريق حيازة أعيانه، وما دام العرف قد جرى بين الناس بالاعتياض عن البرنامج فهو-والحال هذه- يمثل قيما مادية، لأن الناس لايعتاضون مالا قيمة له، وما له قيمة هو مال، لأنه كما قال الشافعي- وسبقت الإشارة إليه-: “لايقع اسم مال إلا على ماله قيمة يباع بها وتلزم متلفه، وإن قلت، ومالا يطرحه الناس”[171] فما يتموله الناس ولايطرحونه فهذا منهم دليل على ماليته ومنفعته، ولذا رأينا قولهم:”إن ما لا منفعة فيه ليس بمال، فلا يقابل به”[172]، فكل ما فيه منفعة فيه قيمه، وبقدر المنفعة تكون القيمة، أي المالية، فالمنفعة مناط القيمة، سواء في ذلك الأعيان،أو المنافع أو الأمور المعنوية.

ومن جانب آخر فإن الجمهور- كما رأينا- يرى أن الملك علاقة معتبرة شرعا بين المالك والمملوك، وهذه العلاقة علاقة اختصاص، أو هو صفة شرعية يمنحها الشارع من يستحقها. والمال وصف شرعي، كما قال الشاطبي:” المال ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه”[173].

فالمال ههنا وصف شرعي ، أو اعتبار من الشارع بوجود هذه العلاقة ، و ما تستتبعه من حق التصرف ومنع الغير من الإعتداء عليه.

و يترتب على ذلك : أن هذا الإعتبار الشرعي له دور في مالية الشيء ، بل لولاه ما اعتبر الشيء مالا ، فكل ما يعتبره الشارع من هذا الوجه هو مالب ، سواء أكان عينا أم منفعة أم حقا [174].

فمدار المالية على المنفعة عند فقهائنا ، لا على كون الشيء من الأعيان ، قال البهوتي : ” إن المال ما فيه منفعة مباحة “[175].

فقد يكون عينا لا منفعة فيه فليس هو بمال حينئذ ، و قد يكون غير عين تصحبه منفعة ، فيعتبر مالا إذا كانت المنفعة محترمة شرعا ، و متقومة عرفا ، و يمكن إحرازها ، و لا يحتم الفقهاء في تحقيق ملك المنفعة ملك العين ، و إنما يعتبرون إمكان الحيازة كافيا في تحقق الملك .

فإذا جرى الملك في الأعيان أو المنافع اعتبر المحل مالا،”فإن جريان الملك في الأعيان يستلزم ماليتها مادام الانتفاع بها مباح شرعا. وجريان الملك في المنافع يستلزم ماليتها شرعا أيضا-على الراجح في الفقه الإسلامي المقارن- والمعاوضة أسسها الملك”[176] وهي جارية عرفا في البرنامج، كالابتكار الذهني، وقد بين الشيخ علي الخفيف صفة المالية ومناطها فقال:” ومن الفقهاء من صرح بأن المالية ليست إلا صفة للأشياء، بناء على تمول الناس، واتخاذهم إياها مالا ومحلا لتعاملهم، ولذلك لايكون إلا إذا دعتهم حاجتهم إلى ذلك، فمالت إليه طباعهم، وكان في الإمكان التسلط عليه، والاستئثار به، ومنعه من الناس، وليس يلزم لذلك أن يكون مادة مدخرة لوقت الحاجة، بل يكفي أن يكون الحصول عليها ميسورا عند الحاجة إليها غير متعذر،. وذلك متحقق في المنافع، فإذا ما تحقق ذلك فيها، عدت من الأموال، بناء على عرف الناس وتعاملهم”[177]،” فالمنفعة تعتبر أساسا للقيمة والمالية، ولو كانت ترفيهية يسيرة الشأن، كما في تغريد بلبل، أو تصويت ببغاء”[178].

وبناء على ذلك يمكن القول إن البرنامج منفعة ومال من جانب، وهو حق من جانب آخر، ولما كانت الحقوق أموالا يجري فيها الاختصاص والملك مادام محلها مالا، أو له تعلق بالمال، ويقبل التجزؤ فإن البرامج من هذا الوجه أموال ومنافع وحقوق.

التصرف في البرنامج:

لاريب أن البرنامج فيه إبتكار، فصاحبه مالك لهذا الحق، وينفرد دون الكافة بالتصرف فيه، فهو في حكم من سبق إلى شئ لم يسبق إليه غيره فهو له، كقوله صلى الله عليه وسلم:”من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو له”.

ولايخفى أن محل المنفعة على الحقيقة هي الأفكار والإبداع الذهني للمؤلف أوصاحب البرنامج، لكن لما لم يمكن استيفاء هذه المنفعة إلا في مادة ملموسة.

تكون وسيلة للاستفادة من هذه المنفعة كان الكتاب أو البرنامج هو محل العقد. زكان صاحب الحق في النفع المادي هو مؤلف الكتاب أو البرنامج.

لهما حق اختصاص فيه، فمن اشترى كتابا أو برنامجاً ملكه كمادة يستفيد ممافيها من أفكار أوتقنية علمية، لكنه لايملك الأفكار والتصورات الذهنية على وجه الحقيقة فهي لصيقة بمبدعها وعلى المشتري أن يتقيد بقد ما أذن له المالك.

فليس له أن يستنسخ من المؤلف أو البرنامج نسخا لغيره أويتاجر فيها، أويقلد البرنامج، لأن حق المؤلف يسري على كل نفع مادي لها باعتباره مالك حق التأليف والإبداع.

وللمؤلف وصاحب البرنامج أن يأذن للغير أن يطبع أويستنسخ نسخاً تجارية، وله أن يتنازل عن حقه فينقله إلى طابع أوشركة تستنسخ برنامجه وتسوقه تجارياً.

فيأخذ هو حقه المادي ويأخذ الطرف الثاني حقه المادي المتفق عليه، أي اعتداء على هذا المؤلف أو البرامج دون إذن محظور شرعا لأنه لايعدوا أن يكون غصبا أو سرقة.

ومن جانب آخر فإن صاحب البرنامج قد ينفذه في نشاط علمي أو تجاري، فيملك حينئذ إلى جانب حقه المعنوي حقه في المنتج المادي على شكل اسطوانة أوشرائح أوغيرها.

كمن يخرج كتاباً أوعدة كتب-سقط حق أصحابها مادياً- فيخرجها بواسطة البرنامج بطريقة فنية راقية تسهل الاطلاع والاستفادة منها بشكل غير مسبوق إليه.

وقد يبيع مبدع البرنامج برنامجه للغير ليستخدمه في إخراج كتب مثلا، فيملك صاحب البرنامج حقه في برنامجه ومقابله المادي، ويملك منفذ البرنامج ماديا ما أخرجه من كتب على شكل اسطوانة ونحوها، ولايجوز للغير حينئذ أن يشتريها ليستنسخ نسخاً للغير أو يتجر بها إلا بإذن مالكها.

ويشترط في جميع الأحوال ألا تتعرض هذه الكتب المخرجة صناعياً وفنياً على شكل أقراص أو شفيفة أونحوها لشيئ من التحريف أو التزوير أو نسبة مافيها لغير صاحبها، فهذا من محظورات الشرع المتفق عليها، إذ لاتجوز نسبة قول لغير صاحبه حقاً كان أو باطلاً، أو إدعاء قول أو فكرة ليست له.

مدة حماية الحق في البرنامج:

يمكن أن  تكون مدة حماية الحق في البرنامج هي مدة حماية حق المؤلف، فهذا مما هو متروك شرعاً للاجتهاد والعرف، وماانتهت إليه القوانين الوضعية مقبول سواء للمؤلف أو ورثته، وقد رأى بعض الفقهاء أن أقصى مدة لاستغلال الورثة لحق المؤلف على انتاجه الفكري المبتكر ستون عاماً من تاريخ وفاة مورثهم، وذلك قياسا على أقصى مدة للانتفاع عرفها الفقه الإسلامي في الحكر، وهو حق القرار على الأرض الموقوفة للغرس أوالبناء بطريق الإجارة الطويلة باعتبار أن أصل هذا القياس هو كون الإنتاج الفكري نسبي الابتكار لاعتماده على تراث السلف، وهو حق عام للأمة بمثابة الموقوف على جهة بر عامة.. وأن الإنتاج الفكري بعد ذلك يصبح حقا مشتركا للأمة وعنصرا من تراثها على مر العصور[179].

المراجع

 

  1. الإباحة عند الأصوليين والفقهاء للدكتور محمد سلام مدكور –الطبعة الثانية- المطبعة العالمية-1965 م بمصر.
  2. الاختيار لتعليل المختار، للإمام عبد الله الموصلي- الطبعة الثالثة 1395-1975م بمصر.
  3. أحكام المعاملات الشرعية، للشيخ علي الخفيف- الطبعة الثانية 1363-1944م بمصر.
  4. الأشباه والنظائر في قواعد فروق الشافعية، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الطبعة الأخيرة-مطبعة مصطفى الحلبي 1378-1959م بمصر.
  5. الأشباه والنظائر، لابن نجيم.
  6. الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، للإمام شرف الدين المقدسي- المطبعة المصرية بالأزهر.
  7. الأموال ونظرية العقد، للدكتور محمد بن موسى- الطبعة الأولى 1372-1990م.
  8. الإنصاف في الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للعلامة علاء الدين علي بن سليمان المرادي-الطبعة الأولى- مطبعة السنة المحمدية 1376-1956م
  9. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، للإمام زيد الدين نجيم-الطبعة الثانية بمصر.
  10. بدائع الصنائع، للإمام علاء الدين بن مسعود الكاساني- مطبعة الجمالية 1328-1910م بمصر.
  11. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للإمام محمد بن أحمد بن رشد القرطبي- الطبعة الثانية- مطبعة مصطفى الحلبي 1370-هــ-1950م بمصر.
  12. البهجة شرح التحفة، للإمام أبي الحسن بن عبد السلام التسولي- الطبعة الثانية- مطبعة مصطفى الالحلبي 1370هــ-1951م بمصر.
  13. بين الشريعة والقانون الروماني للدكتور صوفي أبو طالب-طبع مكتبة نهضة
  14. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للحافظ المباركفوري-الطبعة الثانية دار الاتحاد العربي للطباعة 1385هــ-1965م بمصر.
  15. تحفة المحتاج بشرح المنهاج، للامام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي، بحاشية الشيخ عبد الحميد الشرواني، والشيخ أحمد بن قاسم العبادي-طبع بولاق مصر.
  16. التشريع الصناعي، للدطتور محمد حسني عباس- دار النهضة العربية 1967م بمصر.
  17. التعريفات للإمام الشريف علي بن محمد الجرجاني-الطبعة الأولى 1403-1983 بيروت.
  18. التلويح على التوضيح، شرح التنقيح، للإمام صدر الشريعة، عبيد الله بن مسعود، والشرح للإمام سعد الدين التفتراني.
  19. جواهر الإكليل شرح مختصر الإمام خليل، للشيخ صالح عبد السميع الآبي- تالطبعة الثانية-مصطفى الحلبي 1366هــ-1947م بمصر.
  20. حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، للعلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين-الطبعة الخامسة- مصطفى الحلبي1386-1966م بمصر.
  21. حاشية العلامة محمد عرفة الدسوقي، على الشرح الكبير للإمام أحمد الدردير- طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.
  22. حاشية العدوي، على شرح عبد الباقي الزرقاني، لمتن خليل- الطبعة الأولى المطبعة الأميرية بولاق 1306 بمصر.
  23. حاشية الإمامين شهاب الدين القيلوبي وعميرة، على منهاج الطالبين للإمام محيي الدين النووي بشرح العلامة جلال الدين المحلي- طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.
  24. حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، للدكتور فتحي الدريني طبع مؤسسة الرسالة- الطبعة الثالثة 1404-1984 بيروت.
  25. حق الملكية للدكتور عبد المنعم فرج الصدة- الطبعة الثالثة- مطبعة مصطفى الحلبي 1976م بمصر.
  26. درر الحكام شرح غرر الأحكام، للعلامة منلا خسرو، وبهامشه حاشية العلامة الشرنبلي.
  27. رد المحتار على الدر المختار للعلامة محمد أمين، المعروف بابن عابدين، طبع الأميرية 1323 بمصر.
  28. شرح فتح القدير للإمام كمال الدين بن المهام على الهداية للمرغناني، المطبعة التجارية بمصر.
  29. شرح المنار وحواشيع من علم الأصول لزمام عبد العزيز بن ملك، على متن المنار للإمام عبد الله حافظ الدين النسفي، وعليه حاشيتان للإمامين عزمي زاده، وابن الحلبي- طبع دار سعادة 1315 استانبول.
  30. شرح منتهى الإرادات للإمام منصور بن يونس البهوتي- نشر عالم الفكر.
  31. الشريعة الإسلامية تاريخها ونظرية الملكية والعقود، للدكتور بدران أبو العينين بدران- نشر مؤسسة شباب الجامعة مصر.
  32. عون المعبود شرح سنن لأبي داوود للحافظ ابن القيم الجوزية- الطبعة الثانية 1388- 1969 المدينة المنورة.
  33. الفتاوى البزازية للإمام محمد بن محمد البزاز بهامش الفتاوى الهندية –الطبعة الثانية الأميرية 1310 بمصر.
  34. فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية- الطبعة الأولى- مطابع الرياض 1383 الرياض.
  35. شرح فتح القدير للإمام كمال الدين بن الهمام، على الهداية للمرغناني- الطبعة التجارية بمصر.
  36. الفروق للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي= مطبعة إحياء الكتب العربية- الطبعة الأولى 13 46 بمصر.
  37. الفقه على المذاهب الأربعة، للشيخ عبد الرحمن الجزيري- الطبعة السادسة بمصر.
  38. الفواكه الدواني للشيخ، أحمد غنيم النفراوي، شرح رسالة أبي محمد القيراوني- الطبعة الثالثة- مصطفى الحلبي 1374-1955 بمصر.
  39. القانون التجاري للدكتور علي حسن يونس.
  40. القانون التجاري للدكتور محمد حسني عباس- دار النهضة العربية 1966م مصر.
  41. قواعد الأحكام للإمام العز بن عبد السلام.
  42. القواعد في الفقه الإسلامي للإمام عبد الرحمن بن رجب الحنبلي- الطبعة الأولى 1392-1973 بمصر.
  43. كشف الأسار عن أصول الييي للامام عبد العزيز البخاري.
  44. لسان العرب لابن منظور.
  45. مبادئ القانون البخارى، للكتور مصطفى كمال طه- الطبعة الأولى- دار المعارف 1962 بمصر.
  46. المبسوط للإمام شمس الدين الرخسي – الطبعة الأولى-مطبعة السعادة بمصر.
  47. مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر- الطبعة الأميرية بمصر.
  48. المجموع شرح المهذب لأبي زكريا النووي- مطبعة الإمام بمصر.
  49. مجلة الأحكام العدلية- الطبعة الخامسة 1388-1968.
  50. محاضرات في الحقوق العينية الأصلية، للدكتور- سعيد عبد الكريم مبارك- دار الطباعة الحديثة 1970 البصرة.
  51. المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي للشيخ مصطفى أحمد
  52. مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان للعلامة محمد قدري باشا- الطبعة الأولى 1338 بمصر.
  53. مصادر الالتزام في قانون التجارة الكويتي مقانا بالفقه الإسلامي والمجلة للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي.
  54. مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري- مطبعة دار المعارف 1967 بمصر.
  55. المصباح المنير للعلامة الرافعي.
  56. مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهى للعلامة مصطفى السيوطي الرحيباني منشورات المكتب الإسلامي – بيروت.
  57. المعاملات الشرعية للشيخ أحمد أبو الفتوح.
  58. المعملات الشرعية للشيخ أحمد إبراهيم – الطبعة الثانية- لجنة التأليف والترجمة 1363- 1944 بمصر.
  59. معنى المحتاج للإمام الخطيب الشربيني على متن منهاج الطالبين للإمام محيي الدين يحيي بن شرف النووي- مطبعة الاستقامة 1374-1955 بمصر
  60. المغني لابن قدامة المقدسي طبع سجل العرب 1389- 1969 وطبع المنار 1347 بمصر.
  61. الملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد السلام داوود العبادي- طبع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الطبعة الأولى 1394-1974 الأردن.
  62. الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة-دار الفكر العربي بمصر.
  63. المنثور في القواعد للإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي-تحقيق د. تيسير فائق- الطبعة الأولى- مطبعة الفليج 1402-1982 الكويت.
  64. الموجود في شرح قانون التجارة الكويتي الدكتور عبد العزيز العكيلي- الطبعة الأولى 1398 – 1978 الكويت.
  65. الموافقات في أصول الأحكام للإمام أبي إسحاق إبراهيم اللخمي الشاطبي- مطبعة المدني- الطبعة الثانية 1395-1975 بمصر.
  66. الموسوعة الفقهية- مطبعة الموسوعة الفقهية- دولة الكويت.
  67. الميراث والوصية للشيخ محمد زكريا البرديسي-طبع الدار القومية للطباعة والنشر 1383-1964 بمصر.
  68. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للإمام محمد بن أبي العباسي الرملي- نشر المكتبة الإسلامية بمصر.
  69. نيل المآرب بشرح دليل الطالب للشيخ عبد القادر بن عمر الشيباني تحقيق الدكتور محمد الأشقر – الطبعة الأولى نشر مكتبة اللاح 1403- 1983 الكويت.
  70. الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية للدكتور صلاح الدين الناهي – الطبعة الأولى- دار الفرقان 1409-1984 الأردن.
  71. الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري- الطبعة الثانية دار النهضة العربية 1964 بمصر.

[1] عقود خدمات المعلومات للدكتور محمد حسام محمود لطفي – القاهرة 1994.

[2]  الجرائم المعلوماتية مجلة الفقه والقانون 75 للأستاذ هشام فريد رستم – كلية شرطة دبي- لسنة السابعة- العدد الثاني 1420-1999.

[3]نطاق احتكار المعرفة التكنولوجية بواسطة السرية د. هاني محمد دويدار 86 دار الجامعة للنشر – الإسكندرية 1996.

[4] مجلة الحقوق- جامعة الكويت أ.د. أحمد السمدان 12 السنة الحادية عشرة – العدد الرابع ربيع الأول 1407 – ديسمبر 1987.

[5] انظر في أطراف العقد تفصيلا: عقود خدمات المعلومات د. محمد حسام محمود لطفي وما بعدها – طبع القاهرة 1994.

[6] نطاق احتكار المعرفة التكنولوجية د. هاني محمد 91.

[7] نطاق احتكار المعرفة د. هاني محمد 88 ومجلة الحقوق د. أحمد السمدان 13 وبهامش مراجع أخرى.

[8] الملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد السلام العبادي 1/103 طبع وزارة الأوقاف عمان الطبعة الأولى 1394هــ = 1994م. الأردن. عن محاضرات في النظرية العامة للشيخ أحمد أبو سنة ونظرية الحق للدكتور جميل الشرقاوي 12-27 وغيرهما.

[9]حق الملكية للدكتور عبد المنعم الصده 4 الطبعة الثالثة مطبعة مصطفى الحلبي 1967 بمصر.

[10] الوسيط للدكتور عبد الرزاق السنهوري 1/103 وانظر اختلافهم في تعاريف الحق في كتاب الحق ومدى سلطان الدولة للدكتور فتحي الدريني 61 والملكية للدكتور عبد السلام العبادي 103

[11]  مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري 1/5 مطبعة دار المعارف 1967 بمصر.

[12]  الملكية للدكتور عبد السلام العبادي 1/105 عن نظرية الحق للدكتور جميل الشرقاوي26

[13] انظر : نقد هذا التعريف في مصادر الالتزام في قانون التجارة الكويتي مقارنا بالفقه الاسلامي وأحكام المجلة للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي ¼ وما بعدها. وانظر تقسيم الحقوق أيضا في الوسيط للسنهوري 8/8

[14]  حق الملكية للدكتور عبد المنعم الصده 4 ومابعدها.

[15]  الوسيط للسنهوري8/276

[16] الوسيط للسنهوري 8/279

[17]  حق الملكية للدكتور عبد المنعم الصده 295

[18]  المرجع السابق

[19]  حق الملكية للدكتور عبد المنعم الصده 297 والوسيط 8/281

[20]  القانون التجاري علي حسن يونس 457

[21]  الوجيز في الملكية الصناعية للدكتور صلاح الدين الناهي 60 الطبعة الأولى دار الفرقان 1403هـــ = 1983م الأردن.

[22]  التشريع الصناعي 136 وما بعدها والوجيز في الملكية والتجارية للدكتور صلاح الدين الناهي 211 بتصرف.

[23]  التشريع الصناعي للدكتور محمد حسني عباس 13 وما بعدها وحق الملكية للدكتور عبد المنعم الصده 294 والوجيز في الملكية الصناعية والتجارية للدكتور صلاح الدين الناهي 17

[24] التشريع الصناعي 17 وما بعدها والملكية للدكتور عبد المنعم الصده 295 بتصرف

[25]  الملكية للدكتورعبد المنعم الصده 296 والتشريع الصناعي 22

[26]  الملكية للدكتور عبد المنعم الصده297

[27]  الوسيط للسنهوري 9/1201

[28]  ورغم أن حق المنفعة كحق الايجار حق في الانتفاع إلا أن بينهما الفروق التالية:

أولا: أن المنتفع له حق عيني يقع مباشرة على الشئ المنتفع به ولا يتوسط بينهما مالك الشئ، ويترتب على ذلك أن المالك ليس ملزما قبل المنتفع بتمكينه من الانتفاع، بل إن كل ما عليه هو ألا يتعرض للمنتفع في مباشرته لحقه. أما حق المستأجر فإنه حق ينصب في ذمة المؤجر، ولهذا يتوجب على الأخير(أي المؤجر) أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة.

ثانيا: لما كان حق المنفعة عينيا لذلك فهو يعتبر حجة على الناس كافة. في حين أن حق المستأجر لا يكون حجة إلا على المؤجر وخلفه العام لأنه حق شخصي.

ثالثا: أن حق المنفعة قد يكون عقاريا أو منقولا بحسب العين التي ينصب عليها هذا الحق. واذا كان عقاريا جاز للمنتفع رهنه تأمينا. في حين أن حق المستأجر لايجوز رهنه رهنا تأمينيا ولوكانتالعين المؤجرة عقارا، لأن هذا الحق شخصي ولايعتبر مالا عقاريا بل مالا منقولا. انظر: محضرات في الحقوق العينية الأصلية للدكتور سعيد عبد الكريم مبارك 270 طبع دار الطباعة الحديثة 1969 – 1970م البصرة.

[29]  المرجع السابق 270-274 وحق الملكية للدكتور عبد المنعم الصده 796 بتصرف.

[30]  الوسطية للسنهوري 8/8

[31]  الملكية للدكتور عبد السلام العبادي 1/ 194 عن الأعمال التحضرية للدكتور عبد الرزاق السنهوري 1/ 460

[32]  مجلة كلية الحقوق جامعة الكويت د. أحمد السمدان 41 بتصرف يسير، وانظر بهامشه مراجع أخرى، وانظر مفهوم حق المؤلف وحدود حمايته جنائيا د. عبد الحق بلقاضي 117 – دار الأمان – الرباط، ونطاق احتكار المعرفة د. هاني دويدار 90و188و194، وبهامشه مراجع أخرى.

[33] المراجع السابقة وهوامشها بتصرفات.

[34]  نظام احتكار المعرفة د. هاني دويدار 228 بتصرف، والمبادئ الأساسية لحق المؤلف والحقوق المجاورة في العالم الأستاذ كلود كولومبيه 64 بتصرف، إصدار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- اليونسكو. وحق المؤلف د. نواف كنعان 158 بتصرف، الطبعة الأولى 1407-1987.

[35]  المبادئ الأساسية لحق المؤلف والحقوق المجاورة في العالم الستاذ كلود كولومبيه 86. وحق المؤلف د. نواف كنعان 334، الطبعة الأولى 1407-1987.

[36]  لسان العرب لابن منظور والمصباح المنير مادة: حق.

[37]  كشف الأسرار عن أصول البزدوي للإمام عبد العزيز البخاري 4/134 طبعة 1394 هــ=1974م بمصر- والبحر الرائق شرح كنز الدقائق للإمام زين الدين بن نجيم 6/148 الطبعة الثانية بمصر.

[38]  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/457

[39]  الملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد السلام العبادي 96 عن كتاب طريقة الخلاف بين الشافعية والحنفية للقاضي أب علي الحسين بن محمد المروزي مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 1523 وقال الدكتور عبد السلام عن هذا التعريف: أن له وزنه وقيمته العلمية من عدة نواح:

الأولى:أنه عرف الحق بأنه اختصاص، وهو تعريف يبرز ماهية الحق بشكل يميزه عن غيره،

الثانية: أن تعريف الحق بأنه اختصاص يتفق مع آخر ما وصل إليه البحث القانوني.

الثالثة: أن ةصف هذا الاختصاص بأنه”مظهر..” يبين أن طبيعة هذا الاختصاص تقوم على وجود آثار وثمار يختص بها صاحب الحق دون غيره في الأشياء التي شرع الحق فيها وهي قد تكون مادية أومعنوية.

الرابعة: أنه تعريف أحد فقهاء القرن الخامس الهجري ممايدل على أن فقهاء الشريعة القدامى عرفوا الحق تعريفا صحيحا.

[40] أحكام المعاملات الشرعية للشيخ علي الخفيف 28 الطبعة الثانية 1363هـــ=1944م. بمصر

[41] المدخل في نظرية الالتزام العامة للشيخ مصطفى الزرقة 2/11 الطبعة الثالثة مطبعة الجامعة 1377هــ=1958م دمشق.

[42]  شرح المنار وحواشيه من علم الأصول للإمام عبد العزيز بن ملك على متن المنار للإمام عبد الله حافظ الدين النسفي وعليه حاشيتا الإمامين عزمي زاده وبن الحلبي 886 طبع دار السعادة 1315 استنبول والبحر الرائق شرح كنز الدقائق للإمام زين الدين بن نجيم 148/6 الطبعة الثانية وكشف الأسرار للبزدوي 134/4.

وحقوق الله تعالى ثمانية أنواع: عبادات خالصة كالإيمان وفروعه، وعقوبات كاملة كالحدود وعقوبات قاصرة مثل حرمان الميراث، وحقو ق دائرة بين العبادة والعقوبة كالكفارات، وعبادة فيها معنى المؤنة كصدقة الفطر، ومؤنة فيها معنى العبادة كالعشر، ومؤنة فيها معنى العقوبة كالخراج، وحق قائم بنفسه كخمس الغنائم والمعادن. انظر : المرجع ذاته.

[43]  الفروق للإمام شهاب الدين القرافي 141/1 مطبعة دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى 1346هــ بمصر.

[44]  المرجع السابق.

[45]  الموافقات في أصول الأحكام للإمام أب اسحاق إبراهيم اللخمي الشاطبي 2/333 مطبعة المدني بمصر.

[46]  المنار وشروحه 886 والفروق 1/140 و141 مع مراعاة أن الفقهاء مختلفون في تغليب أي الحقين في بعض الفروع. كما في حد القذف.

[47]  الشريعة الإسلامية تاريخها ونظرية الملكية والعقود للدكتور بدران أبو العينين بدران 301 نشر مؤسسة شباب الجامعة بمصر.

[48]  القواعد في الفقه الإسلامي، للإمام عبد الرحمن بن رجب الحنبلي 1200 القاعدة الخامسة والثمانون بتصرف الطبعة الأولى 1392هــ=1973 بمصر.

[49]  المغني 213/10 و214.

[50]  أحكام المعاملات للشيخ علي الخفيف29 بتصرف.

وقد قسم الشيخ مصطفى الزرقا الحقوق العينية في الفقه الإسلامي وما أسماه بالحقوق شبه العينيه بناء على التمييز بين الحق العيني والشخصي – كما ستأتي الإشارة إليه- إلى أنواع حق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاع، وحق الارتهان، وحق الاحتباس وحق الرقبة وحقوق القرار على الأوقاف.

انظر: مصادر الالتزام 2/38 ومابعدها.

[51]  حاشية رد المحتار على الدر المختار، وشرح تنوير الابصار، للعلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين518/4 ،519، بتصرف- الطبعة الثانية مصطفى الحلبي 1386هـــ = 1966 م بمصر.

[52]  مصادر الحق للسنهوري1/18-19 وبعد عبارته تلك قال:” وفي هذا دليل واضح على أن الفقه الإسلامي لاتربطه بالقانون الروماني صلة”.

[53]  مصادر الالتزام، للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي 1/18

[54]  المدخل إلى نظرية الإلتزام للشيخ مصطفى الزرقاء 2/34و35

[55]  المدخل إلى نظرية الإلتزام للشيخ مصطفى الزرقاء 2/34و35

[56] الملكية في الشريعة الإسلامية 1/13-14

[57]  الملكية للكتور عبد السلام العبادي 117 عن النظريات العامة، للشيخ أحمد أبوسنة77

[58]  الملكية للكتور عبد السلام العبادي 117 عن النظريات العامة، للشيخ أحمد أبوسنة77

[59]  بين الشريعة والقانون الروماني د. صوفي أبو طالب163  وما بعدها. طبع مكتبة مكتبة نهضة مصر.

[60]  يرجح الشيخ مصطفى الزرقاء تسميتها”حقوق الابتكار” لأن اسم”الحقوق الأدبية” ضيق لايتلاءم مع كثير من أفراد هذا النوع، كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية، والأدوات الصناعية المبتكرة، وعناوين المحال التجارية، مما لاصلة له بالأدب، والنتاج الفكري، أما اسم”حق الابتكار” فيشمل الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه، والصحفي في امتياز صحيفته، والفنان في أثره الفني في أثره الفني من الفنون الجميلة، كمايشمل الحقوق الصناعية والتجارية ممايسمونه اليوم”الملكية الصناعية” كحق مخترع الآلة، ومبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة، ومبتكر العنوان التجاري الذي أحرز الشهرة. انظر: المدخل إلى نظرية الإلتزام 2/26

وقد يقال في هذا الرأي: بأنه أخص من الدعوى فإن عبارة حق الإبتكار توحي بتخصيص هذه الحقوق فيما هو ابتكار وابداع فحسب، في حين أن الحق ههنا قد يترتب ولاابتكار فيه يذكر. سواء أكان في الأدبيات، أو الأسماء التجارية، أوالعلامات التجارية، أوالصناعية.

[61]  الموافقات 2/17

[62]  حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 4/457

[63]  حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن للدكتور فتحي الدريني 79

[64]  الملكية للدكتور عبد السلام العبادي 198

[65]  يقول الدكتور السنهوري مبينا منافاة الحقوق المعنوية لحقوق الملكية من حيث طبيعة كل، في معرض كلامه عن حق المؤلف باعتباره حقا معنويا: ” تتنافى طبيعة الملكية مع طبيعة الفكر من ناحيتين:

(الناحية الأولى) أن الفكر لصيق بالشخصية بل هو جزء منها، ومن ثم فقد وجب تقييد نتاج الفكر بهذا الاعتبار الأساسي، فيوجد إلى جانب الحق المالي للمؤلف الحق الأدبي. وهذا الحق من شأنه أن يمكن المؤلف. حتى بعد أن يبيع حقه المالي للناشر، أن يعيد النظر في فكره. وقد يبدو له أن يسترد من التداول ماسبق نشره، بل وله أن يتلفه بعد أن يعوض الناشر، وبذلك يستطيع أن يرجع بإرادته وحده في ماسبق له إجراءه من التصرف. أما من يتصرف في شئ مادي تصرفا باتا، فليس له بإرادته وحد أن يرجع هذا التصرف ولو في مقابل تعويض.

(والناحية الثانية)  أن الفكر حياته في انتشاره لافي الإستئثار به، وإذا كان صاحب الفكر هو الذي ابتع نتاج فكره، فالإنسانية شريكة له من وجهين. وجه تقتضي به المصلحة العامة، إذ لاتتقدم الإنسانية إلا بفضل انتشار الفكر. ووجه آخر يرجع إلى أن صاحب الفكر مدين على نحو ما للإنسانية، ففكره ليس إلا حلقة في سلسلة، تسبقها حلقات وتتلوها حلقات. فهو إذا كان قد أعان من لحقه، فقد استعان بمن سبقه. ومقتضى ذلك ألا يكون حق المؤلف أو المخترع حقا مؤبدا كما هو شأن الملكية المادية. وإذا كانت الملكية المادية لاتستعصي على التأبيد بل هي تقتضيه، فإن الحق في نتاج الفكر لايجوز أن يكون مؤبدا بل لابد فيه من التوقيت.

من أجل ذلك يجب أن ننفي عن حق المؤلف أو المخترع صفة الملكية، فالملكية حق استئثار مؤبد في حين أن حق المؤلف أو المخترح حق استغلال مؤقت.

ثم يبدي رأيه في طبيعة هذه الحقوق فيقول:

ويخلص من ذلك: أن حق المؤلف أو المخترع ليس حق ملكية، بل هو حق عيني أصلي يستقل عن حق الملكية بمعلوماته الخاصة، وترجع هذه المقومات إلى أنه يقع على شئ غير مادي.

أنظر: الوسيط 8279و281.

[66]  لسان العرب مادة:”مول”.

[67]  حاشيتا الإمامين شهاب الدين القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين للإمام محيي الدين النووي بشرح العلامة جلال الدين المحلي 1/ 157 طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.

[68]  الموافقات للإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي 2/17 الطبعة الثانية 1395هــ=1975م.

[69]  حاشية العلامة محمد عرفة الدسوقي على الشرح الكبير للإمام أحمد الدردير 3/10 طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.

[70]  الأشباه والنظائر في قواعد فروع فقه الشافعية للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي 237 الطبعة الأخيرة مطبعة الحلبي 1378- 1959 بمصر.

[71]  الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، للإمام شرف الدين المقدسي 2/52 المطبعة المصرية بالأزهر.

[72]  شرح منتهى الإرادات منصور بن يونس البهوتي 2/142 نشر عالم الفكر، بيروت.

[73]  المرجعان السابقان

[74] أحكام المعاملات للشيخ علي الخفيف 26، الأموال ونظرية العقد للدكتور محمد موسى الطبعة الأولى 1372-1952.

[75] وعند الفقهاء خلاف في جواز الانتفاع ببعض أعضاء الميتة، كالعظم والصوف قالوا في الجواز: لإمكان تطهرها. وذهب آخرون إلى أن الميتة نجسة لايطهر شئ منها.

[76]  المبسوط للإمام شمس الدين السرخسي 11/79 الطبعة الأولى مطبعة السعادة بمصر.

[77]  حاشية ابن عابدين 5/50 و51.

[78]  حاشية ابن عابدين 5/52

[79]  مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 2/3 الطبعة الأميرية بمصر.

[80]  التلويح على التوضيح، شرح التنقيح، لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود، والشرح لسعد الدين التفتازاني 2/230.

[81]  الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة 52 دار الفكر العربي بمصر.

[82]  حاشية ابن عابدين 1/11

[83]  حاشية ابن عابدين /501

[84]  التلويح على التوضيح 2/230

[85]  الأشباه والنظائر للسيوطي 326

ويقسم الفقهاء المال إلى أقسام عدة أهمها:

أولا: ينقسم بحسب الضمان وعدمه إلى: مال متقوم، ومال غير متقوم.

فالمتقوم: مايباح الانتفاع به في حال السعة والاختيار، وهو الذي له قيمة في مظر الشارع، ويشترط فيه أن يكون قد حيز بالفعل، كالدور والنقود المملوكة.

وغير المتقوم: مالايباح الانتفاع به في حالة الاختيار، ولميحز بالفعل، أوحيز ولكن حرم الشارع الانتفاع به. وهو بهذا يشمل مثل المعادن والسمك قبل حيازته كما يشمل ماحيز فعلا  وحرم الانتفاع به في حالة السعة والاختيار، كالخمر بالنسبة للمسلم، فإنه لايجوز الانتفاع به إلا في حال الضرورة.

أما بالنسبة لغير المسلم فإنه يعتبر مالا متقوما عند الحنفية خلافا للجمهور.

ويترتب على هذا التقيم أمور أهمها:

  • أن المال يضمن متلفه عند تعديه عليه. وغير المتقوم لاضمان على متلفه، وذا لو أتلف المسلم خمرا لمسلم لم يضمن شيئا، لأنه غير متقوم في حق المسلم. ولوأنه أتلفه لذمي ضمن له قيمته عند الحنفية، لأنه مال متقوم في حقه.
  • المال المتقوم يصلح أن يكون محلا لمعاوضة مالية كالبيع، والهبة وما إلى ذلك من التصرفات وغير المتقوم لايصلح أن يكون مبيعا، وإذا بيع كان العقد باطلا، كما لايصح أن يكون ثمنا، وإذا جعل ثمنا كان لعقد فاسدا عند الحنفيه، وعلى ذلك لايصح أن يكون ثمنا، وإذا جعل ثمنا كان لعقد فاسد عند الحنفية، وعلى ذلك لايصح بيع الخمر من المسلم، ويصح من ذمي لمثله، ولايصح بيع الأموال المباحة ولاهبتها ولاالوصية بها لعدم تقويمها.

ثانيا: ينقسم المال باعتبار الثابت وعدمه إلى عقار ومنقول:

فالعقار: هو كل مالا يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر، وهوخاص بالأرض عند الحنفية سواء كانت الأرض مبنية أومجردة عن البناء.

وقال الإمام مالك: العقار هو مالا يمكن نقله بدون أن تتغير صورته، فيدخل فيه عنده البناء والأشجار، وكل ماوضع في الأرض على سبيل القرار كالآلات الرافعة المثبتة.

والمنقول: هومايمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر سواء تغيرت صورته بالنقل أولا، وسواء انتقل بنفسه أوبواسطة غيره، فيدخل فيه البناء والأشجار لإمكان نقلهما بعد تغيير صورتهما. وقال مالك: إن المنقول هو يمكن نقله بدون أن تتغير صورته.

ثالثا: ينقسم المال من حيث التماثل وعدمه إلى مثلي وقيمي، وهوتقسيم للمنقول.

فالمثلي: هو مالا تتفاوت آحاده تفاوتا يعتد به، وله نظير في المحال التجارية.ويشمل الأنواع التالية: المكيلات، كالبر، والموزونات المتحدة في النوع، والعدديات التي تتقارب آحادها كالبيض والجوز.

والقيمي: هوماتفاوت آحاده تفاوتا يعتد به، أولا تتفاوت، ولكن لانظير له في المحال التجارية ويشمل الأنواع الستة الآتية:هي الحيوانات، ولوكانت متحدة الجنس، والبناء، والأشجار، وعروض التجارة المختلفة الجنس، والعدديات المتفاوتة تفاوتا يعتد به كالبطيخ، والمثليات التي لانظير لها في المحال التجارية بأن انقطعت من الأسواق وتعذر الحصول عليها.

يرجع تفصيل ذلك في: أحكام المعاملات للشيخ علي الخفيف 32 والمعاملات الشرعية للشيخ أحمد إبراهيم 4 ومابعدها. الطبعة الثانية-لجنة التأليف والترجمة1363-1944 بمصر، والمعاملات في الشريعة الإسلامية للشيخ أحمد أبو الفتوح 1/27 والشريعة الإسلامية بدران أبوالعينين 287 نشر مؤسسة شباب الجامعة بمصر.

[86]  مجلة الأحكام العدلية مادة 127 الطبعة الخامسة 1388=1986.

[87]  حاشية الدسوقي 4/407

[88]  لسان العرب لابن منظور مادة: نفع

[89]  الميراث والوصية للشيخ محمد زكريا البرديسي 117 طبع الدار القومية للطباعة والنشر: 1383- 1964 بمصر.

[90]  الفروق للإمام شهاب الين القرفي1/232، الطبعة الأولى دار إحياء الكتب العربية 1346 بمصر، والأشباه والنظائر لابن نجيم 143.

[91]  حاشية العدوى على الخرشي 7/79 وللفرق بينهما في حاشية 3/18، 92

[92]  الموسوعة الفقهية 6/299 مصطلح”انتفاع” مطبعة الموسوعة الفقهية 1405هــ-1985 دولة الكويت.

[93]  نهاية المحتاج 5/169 والمبسوط 11/78، والبائع 7/146 وقد استدل السرخسي لمذهب الشافعية وهو مذهب الجمهور بأدلة وتفصيل لم نعثر على مثله في كتب الشافعية.

[94]  حاشية الدسوقي 3/442

[95]  بداية المجتهد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي2/322 الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبي 1370-1950 بمصر.

[96]  نهاية المحتاج 5/169 والمبسوط 11/78 والبدائع 7/146

[97]  المبسوط 11/79 وقد رد السرخسي على هذا بتفصيل في الموضوع المذكور فليراجع

[98]  المبسوط 11/78

[99]  الأدلة من الثالث حتى السادس مختصرة من الملكية ونظرية العقد للسيخ محمد أبوزهرة57

[100]  المبسوط 11/79 والبدائع 7/146

[101]  التنقيح وشروحه 2/98

[102]  المبسوط 11/79 والبدائع 7/146

[103]  المبسوط 11/8

[104]  المبسوط 11/78

[105]  المرجع السّابق.

[106]  المرجع السّابق.

[107]   جواهر الإكليل رشح مختصر خليل ، للإمام صالح عبد السّميع الآبي 2/148، البعة الثّانية مطبعة مصطفى الحلبي 1366-1947 بمصر.

[108]  المرجع السا بق ومواهب الجليل 5/274

وقد ذهب ابن القاسم إلي التّفريق بين بين منافع الدور والأرضين ، وبين منافع الحيوان . مع اتفاق الما لكية جميعاً على عدم ضمان المنافع غير المستوفاه . أنظر : مواهب الجليل 5/285.

[109]جواهر الإكليل

[110] نهاية المحتاج 5/169 والمجموع شرح المهذّب  للإمام أبي زكريا النووي 14/59 بتصرف يسير – مطبعة الإمام بمصر.

[111]نيل المآرب 1/446

[112]المغني 5/448

[113] الإنصاف في الرجح من الخلاف 6/201

[114] الإختيار لتعليل المختار للعلامة عبد الله بن محمود الموصلي 2/3 الطبعة الثالثة 1395-1975 بمصر

[115] الخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة . والحديث أخرجه أبو داود أنظر : عون العبود شرح سنن أبي داود ، للحافظ ابن القيم الجوزية  9/415 باب رقم 38 الطبعة الثانية 1388-1969 المدينة المنورة  .

وأخرجه الترمذي ، وابن خزيمة ، وابن الجارود ،وابن حبان ، والحاكم، وابن القطان ، وضعفه البخاري وأبو داود. انظر : تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ، للحافظ محمد المباركفوري 4/507 الطبعة الثانية ، دار الإتحادالعربي للطباعة 1385-1965 بمصر ، وانظر أيضاً : النسائي كتاب البيوع رقم 53 وابن ماجه كتاب التجارات رقم 43 ومسند أحمد 6/49،208،237

[116] المبسوط : 11/77

[117]  المبسوط : 11/78

[118]  المرجع السابق

[119]  الأشباه والنظائر   : 136

[120]  الأشباه والنظائر : 136

[121]  البدائع 7/145

[122]  المجموع : 14/64

[123]  الدر المختار شرح تنوير الأبصار ، على حاشية ابن عابدين 5/118

[124]    أنظر تفصيله في البدائع 7/146,147

[125]   الدار المختار وشرحه 5/119

[126]   الفتاوى البزازية للإمام محمد بن البزاز بهامش كتاب الفتاوى الهندية 5/403

الطبعة الثانية الأميرية 1310 بمصر و حاشية ابن عابدين 6/206

[127]  حاشية ابن عابدين 5/118

[128]  المرجع السابق 5/118، 131، 132 بتصرف.

[129]  نهاية المحتاج 5/142 وحاشية الدسوقي 3/442.

   وجواهر الإكليل 2/148 ومواهب الجليل 5/247. والمعنى 5/374.

[130]  درر الحكام في شرح غرر الأحكام، للإمام محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسروا 2/262 طبع نور عثمانية 1970 استنبول.

[131]  درر الحكام 2/262

[132]  نهاية المحتاج 5/142.

[133] حاشية ابن عابدين /51،205

[134]  لسان العرب مادة: ملك.

[135]  المبسوط 13/122و4/116، الأشباه والنظائر لابن البكي 141، التلويح والتوضيح 2/94 و98

[136]  الأشباه والنظائر للسيوطي 316

[137]  الغروق 3/208 وقد اعترض على هذا التعريف ابن نجيم، فليراجع في الموضوع المذكور.

[138]  المرجع السابق 3/209

[139]  شرح الوقاية في مسائل الهداية 2/196

[140] حاشية الفنري على التلويح شرح التوضيح 1/210

[141]  فتح القدير 5/74

[142]  هامش فتح القدير 5/73

[143]  الأشباه والنظائر لابن نجيم 346

[144]  المنثور في القواعد للإمام بدر الدين محمد بن بهار الزركشي 3/223، تحقيق د. تيسير فائق / الطبعة الأولى مطبعة الفليج 1402- 1982 الكويت.

[145]  التلويح 2/98، وحاشية ابن عابدين 4/502، الطبعة الثانية/ مطبعة مصطفى الحلبي.

[146]  مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 29/178 الطبعة الأولى 1383، مطابع الرياض. وقد فرق القرافي بين الملك والتصرف فقال: إن الملك عام يترتب على أسباب مختلفة: البيع، والهبة، والصدقة، والإرث، وغير ذلك فهو غيرها، ولايمكن أن يقال: هوالتصرف لأن المحجور عليه يملك ولايتصرف، فهو حينئذ غير التصرف. فالتصرف والملك كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه، وأخص من وجه، وأخص من وجه فقد يوجد التصرف بدون الملك. كالوصي، والوكيل، والحاكم، وغيرهم يتصرفون ولاملك لهم. ويوجد الملك بدون التصرف. كالصبيان والمجانين، وغيرهم،  يملكون ولايتصرفون. ويجتمع الملك والتصرف في حق البالغين الراشدين النافذي الكلمة الكاملي الأوصاف، وهذا هو حقيقة الأعم من وجه، والأخص من وجه، أن يجتمعا في صورة وينفرد كل واحد منهما بنفسه في صورة، كالحيوان والأبيض. انظر الفروق 3/208.

[147]  المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى الزرقاء 1/257

[148]  الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة 61

[149]  حاشية قيلوبي وعميرة 3/247

[150]  والملك في القانون كما عرفه السنهوري: إن حق ملكية الشئ هو حق الاستئثار باستعماله وباستغلاله وبالتصرف فيه على وجه دائم، وكل ذلك في حدود القانون. الوسيط8/493

[151]  حاشية قليوبي وعميرة 3/247

[152]  مرشد الحيران مادة:11

[153]  القواعد لابن رجب: القاعدة السادسة والثمانون، والأشباه والنظائر للسيوطي 326

[154]  الأشباه والنظائر للسيوطي 326.

[155]  القواعد لابن رجب 209 ومرشد الحيران مادة 18

[156]  القواعد لابن رجب 209 والأشباه والنظائر للسيوطي 326

[157]  الأشباه والنظائر للسيوطي326

[158]  المخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى الزرقا 1/275

[159]  فتح القدير 5/250

[160]  الملكية في الشريعة الإسلامية – للدكتور عبد السلام العبادي 1/186.

[161]  حاشية ابن عابدين 4/299 وفتح القدير 5/3 أفاد ذلك الكتور عبد السلام في كتابه الملكية 1/186

[162]  الموسوعة الفقهية مصطلح “إعارة” 5/188 مطبعة الموسوعة الفقهية 1405-1984 الكويت.

وانظر: مجمع الأنهر 3/452 والأشباه والنظائر لابن نجيم 353، وحاشية الدسوقس والشرح الكبير 3/433، والفروق للقرافي 1/193، والمغني 5/227.

[163]  الموسوعة الفقهية 5/188، وانظر حاشية قيلوبي وعميرة 3/17، وكشاف القناع 2/334، والاختيار 3/55

[164]  حاشية الدسوقي 4/68

[165]  قواعد الزركشي 3/234، وحاشية قليوبي وعميرة 3/160، ونهاية المحتاج 5/145، وراجع كلام الشافعية في بيع الاختصاص في حاشية قليوبي وعميرة 3/92 و3/180، وعدم جريان الهبة فيه 3/110.

[166]  قواعد الأحكام 2/86

[167]  القواعد لابن رجب 204 بتصرف يسير، والمغني 6/166، وشرح منتهى الإرادات 2/327.

[168]  البدائع 6/195، كما استخدم الكاساني لفظ”الاختصاص” في الاستدلال على اعتبار الكلب مالا، فقال:”والدليل على أنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعا” والدليل على أنه مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق أن الانتفاع به بجهة الحراسة والإصطياد مطلق شرعا… لأن شرعه يقع سببا ووسيلة للاختصاص القاطع للمنازعة” البدائع 6/3006، طبع مطبعة الإمام.

[169]  التعريفات 2 بتصرف للإمام الشريف علي بن محمد الجرجاني- الطبعة الأولى 1403- 1983 بيروت.

[170]  قواعد الأحكام 2/17.

[171]  الأشباه والنظائر للسيوطي 327.

[172]  حاشية قليوبي وعميرة 1/157.

[173] الموافقات 2/17.

[174]  الحقوق أموال عند المالكية ، أنظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/457 .

[175]  الإقناع 2/ 59 .

[176]  حق الابتكار للدكتور فتحي الدريني 30.

[177]  الملكية1/13.

[178]  حق الابتكار للدكتور فتحي الدريني 33.

[179]  محمد برهان الدين السبنهلي، وجهة نظر حول الحكم الشرعي لحق التصنيف والتأليف ، عن كتاب المؤلف د. نواف كنعان 26.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق