البيانات الختامية

البيان الختامى للدورة الخامسة عشر

البيان الختامي
للدورة العادية الخامسة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقد باستانبول
في الفترة: 22-26 جمادى الأولى 1426 الموافق: 29 يونيو – 3 يوليو 2005م
 
  الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد.
  فقد انعقدت بعون الله وتوفيقه الدّورةُ العادية الخامسة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بمدينة استانبول ( تركيا ) في الفترة: 22-26 جمادى الأولى 1426 الموافق: 29 يونيو – 3 يوليو 2005م، برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور العلاّمة يوسف القرضاوي رئيس المجلس وبحضور أغلبية أعضائه وعدد من الضيوف والمراقبين. وقد استغرقت أعمال المجلس ثلاث عشرة جلسة بما فيها الافتتاح والاختتام والجلسة الإدارية.
وقد عقدت الجلسة الافتتاحية في حفل كبير حضره نحو ألف من العلماء والمسئولين الأتراك وعدد من الإخوة والأخوات ذوي الاهتمام بالقضايا الفقهية والفكرية المتعلقة بالمسلمين في بلاد الغرب، كما اشتمل برنامجه على كلمات ترحيب بالمجلس، تقدمتها كلمة رئيس مؤسسة الحكمة الأستاذ جمال الدين كريم، كذلك كلمة للدكتور علي أوزاك عميد كلية الإلهيات الأسبق. وتضمنت أيضاً كلمة تعريفية بالمجلس قدمها فضيلة نائب رئيس المجلس الشيخ المستشار فيصل مولوي، وختمت بكلمة فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس المجلس.
ثم باشر المجلس أعماله بجلسة إدارية، استمع فيها إلى “مقترح بتصور مستقبلي لأداء المجلس” مقدم من الأمين العام المساعد فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالمجيد النجار، وإلى تقرير الأمين العام فضيلة الشيخ حسين حلاوة عن سير عمل المجلس خلال الفترة الماضية، كذلك قدم رؤساء اللجان التابعة للمجلس لجنتي الفتوى في بريطانيا وفرنسا ولجنة البحوث تقارير موجزة عن نشاط اللجان منذ الدورة السابقة.
وكانت أعمال هذه الدورة منصبة على استكمال ما بدأه المجلس منذ دورتين سابقتين من الدراسات والأبحاث حول أحكام الأسرة المسلمة في الغرب.
وبلغت الأبحاث المقدمة في هذه الدورة اثني عشر بحثاً، هي على النحو التالي:
1.          “الكفاءة في النكاح” للمستشار الشيخ فيصل مولوي.
2.          “الحياة الزوجية في الغرب، مشكلات واقعية وحلول عملية” للدكتور صلاح الدين سلطان.
3.          “الحوار الأسري، تحديات تواجه الأسرة” للدكتور طاهر مهدي.
4.          “أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية” للشيخ حسين حلاوة.
5.          “التفريق بين الزوجين بسبب الشقاق” للشيخ سالم الشيخي.
6.          “التفريق القضائي من خلال قنوات مجلس الشريعة الإسلامية” للدكتور صهيب حسن.
7.          “أثر القصد والرضا في الطلاق” للأستاذ الدكتور علي القره داغي.
8.          “الإشهاد على الطلاق” للشيخ يوسف إبرام.
9.          “الخلع وأحكامه الشرعية، وتطبيقاته بالنسبة للمسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية” للمستشار الشيخ فيصل مولوي.
10.     “مسائل في الحضانة” للشيخ سالم الشيخي.
11.     “الحضانة” لسماحة الشيخ عبدالله بن بية.
12.     “الزواج العرفي” للشيخ العربي البشري.
وبعد استعراض هذه الأبحاث ومناقشتها مناقشات مستفيضة، انتهى المجلس منها إلى القرارات والتوصيات التالية:
أولا: القرارات
قرار 1/15
الكفاءة في الزواج
(قرار بإضافة فقرة إلى القرار السابق 1/14)
خامساً: كفاءة الرجل للزواج من امرأة، اختلف الفقهاء في اعتبارها شرطاً للصحة، أو شرطاً للزوم، والراجح من أقوالهم أنها شرط للزوم عقد الزواج، بحيث يحق لكل من الزوجة والولي طلب فسخه إذا تبين بعد العقد عدم توافر أهم خصالها، وهي التدين وحسن الخلق، وهذا ما لم تحمل المرأة، فإن حملت سقط حق الفسخ. وبالنسبة للمسلمين في أوربا فإن المجلس يرجح أن الكفاءة مستحبة مطلوبة يجدر بالطرفين مراعاتها قبل الزواج؛ وذلك لضمان استقرار واستمرار الحياة الزوجية، ولتحقيق أهم المقاصد الشرعية منها، وهو بناء الأسرة المسلمة المتماسكة.
قرار 2/15
القصد والنية في النكاح والطلاق
استعرض المجلس موضوع “دور القصد والنية في النكاح والطلاق ونحوهما” وبعد المداولة والمناقشة للبحوث المقدمة في ذلك قرر ما يلي:
أولاً: أن مناط صحة العقود هو صحة الإرادة والقصد إلى الشيء قصداً لا يشوبه عيب من عيوب الإرادة من الغلط والإكراه والتدليس والغش.
فبناء على ذلك لا يصح طلاق ولا نكاح من المخطئ، والناسي، والمكره، والغضبان الذي وصل إلى مرحلة الإغلاق (أي الذي دفعه الغضب إلى ذلك دون قصد الطلاق).
ثانياً: إن النية (وهي القصد من الشيء) هي مناط الثواب والعقاب، فلا ثواب ولا عقاب إلا مع نية، وأما أثرها على العقود من حيث الصحة والبطلان فمحل خلاف بين الفقهاء، والراجح عدم صحة نكاح التحليل، وطلاق الفار (المريض مرض الموت) الذي يريد بطلاقه قبل موته حرمان زوجته من الإرث.
ثالثاً: هناك موضوعات أخرى ذات علاقة بالموضوع، مثل النكاح مع إضمار نية الطلاق، وعقود الهازل (الزواج والطلاق والرجعة)، أرجئ البت فيها لمزيد من الدراسة والبحث والاطلاع على المشكلات الواقعة والتطبيقات العملية في الغرب.
 
قرار 3/15
حكم الخلع
استعرض المجلس موضوع “الخلع” والأبحاث التي تناولته، وبعد المداولة والنظر قرر ما يلي:
الخلع هو تراضي الزوجين على الفراق بعوض، وقد ثبتت مشروعيته بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة.
وحكمته: إزالة الضرر عن المرأة إذا تعذر عليها المقام مع زوجها لبغضها له أو لعدم قيامه بحقوقها.
ومن أهم أركان الخلع العوض الذي تدفعه الزوجة إلى زوجها مقابل طلاقها، وهو جائز إلا إذا أقدم الزوج على الإضرار بزوجته حتى يضطرها للتنازل عن مهرها أو بعضه، قال الله تعالى: {ولا تَعْضُلوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلاَّ أن يأتينَ بفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19].
وسواء اعتبرنا الخلع طلاقاً أو فسخاً فإن المرأة تبين به بينونة صغرى (ليس لزوجها مراجعتها إلا بعقد ومهر جديدين). فإذا تم الخلع وجب على الزوجة أن تعتد عدتها الشرعية.
والخلع لا يحتاج إلى إذن القاضي أو السلطان، فهو يقع وتجب أحكامه الشرعية في حق الطرفين بمجرد اتفاقهما، لكن يجب تسجيله لدى السلطات الرسمية.
وفي البلاد غير الإسلامية التي لا تعرف الخلع أصلاً، إذا كان الزواج قد تم وفق قوانينها، فمن واجب الزوجين القيام بإجراءات الطلاق الرسمي وفق إجراءاته القانونية. ولا يصح للزوجة بعد انتهاء عدتها الشرعية أن تتزوج زوجاً آخر إلا بعد انتهاء الإجراءات الرسمية للطلاق وفق القانون الذي تم عقد الزواج السابق في ظله.
 
قرار 4/15
الإشهاد على الطلاق
استعرض المجلس موضوع “الإشهاد على الطلاق” والأبحاث التي تناولته، وبعد المداولة والنظر قرر ما يلي:
بما أن الزواج ميثاق غليظ ورباط وثيق فقد قيده الإسلام بشروط وأحكام وآداب للحفاظ عليه ودوام استمراره طلبا للعفة وحفاظا على الأنساب وعمارة الأرض فكل ما يحافظ على رباط الزواج مرغوب وكل ما يفسده مذموم، ونظرا لما يترتب على الطلاق من حقوق وواجبات بين الزوجين ودفعا للإنكار والجحد فقد شرع الإسلام الإشهاد على الطلاق بقوله تعالى: {فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فأمْسِكوهُنَّ بمعرُوفٍ أو فارِقوهُنَّ بمعرُوفٍ وَأشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ منكم وَأقيمُوا الشَّهادَةَ لله} [الطلاق: 2]، وبعدما استعرض المجلس مذاهب العلماء في ذلك، (من قال باستحباب الإشهاد كالجمهور، ومن قال بوجوبه من الفقهاء كابن حزم وبعض المعاصرين)، فقد قرر المجلس اختيار الرأي القائل بوجوب الإشهاد، مع وقوع الطلاق عند عدمه لأنه ليس شرطاً. ويوصي المجلس الأسرة المسلمة في بلاد الغرب بتقوى الله في السر والعلن والاجتهاد في الحفاظ على أسرهم وأولادهم بالتربية والتعليم، وعدم التساهل في أمر الطلاق، كما يوصي المجلس كل المسلمين بضرورة مراعاة الإشهاد على الطلاق لدى السلطات الحكومية الغربية أو لدى السفارات والقنصليات الإسلامية حماية للحقوق.
 
قرار 5/15
أحكام الحضانة
استعرض المجلس موضوع “الحضانة” والأبحاث التي تناولته، وبعد المداولة والنظر قرر ما يلي:
أولاً: الحضانة، هي: حفظ الولد في بيته ذهابه ومجيئه والقيام بمصالحه، أي في طعامه ولباسه وتنظيفه.
ثانياً: حكم الحضانة.
الحضانة فرض عين في حق أحد الوالدين أو أقربائهم ضمن أولويات ذكرها الفقهاء تفصيلاً، فإن لم يوجد من تجب عليه الحضانة أو وجد ولكنه امتنع لأي سبب، فإن الحضانة تصبح فرض عين على المسلمين. وتحقيقاً لهذا الواجب فإن على المراكز الإسلامية القيام به بإعداد المحاضن المناسبة.
ثالثاً: الأصل في أحكام الحضانة رعاية الأصلح للمحضون، وعليه فكل أمر يعود بالفساد على المحضون في دينه وعرضه وبدنه ونفسه وغير ذلك، ينبغي أن يمنع؛ لأنه مخالف لمقاصد الشريعة عامة، ولمقصد أحكام الحضانة خاصة.
رابعاً: الأصل في الحضانة أنها للنساء، فقد فطرن على نوع من الحنان والشفقة لا يوجد في الرجال، وهن أرفق وأهدى وأصبر على القيام بما يعود بالمصلحة على المحضون، وعليه كانت الحضانة للأم ما لم تتزوج، لقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي طالبت بحضانة ولدها: “أنت أحق به ما لم تنكحي”.
خامساً: الحضانة حق مشترك بين الأم والولد، فلها أن تتنازل عن حقها بشرط عدم ضياعه، ولا تجبر عليها إلا إذا ترتب على تركها ضياع مصلحة المحضون.
سادساً: شروط الحضانة:
ذكر الفقهاء – رحمهم الله – شروطاً كثيرة يجب توافرها فيمن تثبت له الحضانة، وكلها تدور على مقصد واحد، وهو توفير البيئة الصالحة لرعاية المحضون. والذي يراه المجلس وجوب اعتماد الشرطين التاليين:
1.    استقامة السلوك.
فلا حضانة في حال الانحراف السلوكي الظاهر المؤثر في رعاية المحضون. أما اختلاف الدين بين الوالدين فليس مؤثراً على القول الصحيح.
2.      القدرة على أداء مهام الحضانة.
فإذا كان اشتغال الحاضن خارج البيت بعمل ونحوه مضيعاً للمحضون، فهذا سبب كاف لإسقاط حق الحضانة عنه.
سابعاً: زواج الأم الحاضنة.
ذهب جمهور العلماء إلى أن زواج الأم الحاضنة يسقط حقها في الحضانة، للحديث السابق ذكره، مع مراعاة القيود الآتية:
1.    قدرة الأب أو من تنتقل له الحضانة بعد الأم على القيام بشئون المحضون.
2.    أن لا يترتب على ذلك نقل المحضون عن بلد أمه؛ لأن في ذلك تفريقاً بينها وبين ولدها.
3.    عدم سكوت الأب عن المطالبة بحقه بإسقاط الحضانة عن الأم المتزوجة لمدة معينة تُظهر رضاه بذلك.
4.    أن يتم الدخول بالأم الحاضنة، ولا يسقط حقها بمجرد عقد الزواج.
ثامناً: رؤية المحضون.
يؤكد المجلس على حرمة منع أحد الوالدين في حال الطلاق أو التفريق من رؤية الأولاد، ويوصي لمنع ذلك بالآتي:
1.      على الأب أو الأم الاتفاق ابتداءً – في إطار الأحكام الشرعية – على تنظيم العلاقة في حال الحضانة إذ هو الضمان الوحيد لكل الحقوق، ولا سيما أن القضاة في المحاكم المدنية يحبذون الاتفاق بين الأبوين على كل ما يعود على المحضون بالمصلحة والحفظ.
2.      إذا كان المحضون صغيراً دون سن التعليم القانونية ولا يستطيع البقاء مع أبيه، أو كان الأب عاجزاً عن القيام بشؤون طعامه وشرابه وتنظيفه، فعلى الحاضن تهيئة الظروف المناسبة لرؤية المحضون.
3.      إذا كان المحضون في سن التعليم فعلى الأب أن يأخذه للتعليم والتأديب بشرط أن يبيت في بيت الحاضنة، وأن يكون ذلك بالاتفاق بينهما.
4.      على الأب أن يراعي آداب الزيارة للمحضون، كعدم حدوث خلوة بين الأبوين المفترقين بعد العدة، وعدم إطالة المكث، واختيار الوقت المناسب منعاً للشُّبه، واستئذان صاحب البيت للدخول، فإن لم يُؤذن له أُخرِج الولد إليه ليستطيع رؤيته.
5.      تكون الرؤية على ما جرت به العادة كيومي عطلة الأسبوع أو أكثر وكل ذلك بحسب الاتفاق بين الأبوين.
6.      التنبيه على حرمة تلقين المحضون قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، والتحذير من منع المحضون من زيارة أرحامه وأقاربه سواء من جهة الأب أو جهة الأم.
7.      التعاون الكامل بين الأبوين على كل ما يحافظ على دين المحضون وأخلاقه في هذه الديار، وذلك كالتردد على المساجد والمراكز الإسلامية وحضور الجمع والجماعات وحلقات تحفيظ القرآن.
تاسعاً: وهناك موضوعات أخرى متصلة بالحضانة أرجئ البت فيها لمزيد من الدراسة والتطبيقات العملية في الغرب.
 
 
قرار 6/15
موضوعات مؤجلة
واستعرض المجلس موضوعات أخرى تتصل بالأسرة، أرجأ اتخاذ القرار فيها لمزيد من الدراسة، هي على النحو التالي:
1 – الزواج بنية الطلاق.
2 – أثر الهزل في الزواج والطلاق والرجعة.
3 – الزواج المدني والزواج خارج المؤسسات المدنية الرسمية.
4 – الأحكام المتعلقة بمدة الحضانة ونفقتها.
5 – التطليق للضرر والضرار.
 
ثانباً: التوصيات
يوصي المجلس بخصوص شئون الأسرة تأكيداً لما أصدره من قرارات وتوصيات في هذه الدورة وسابقاتها بما يلي:
1.      على القائمين على المساجد والمراكز أن يسعوا إلى الحصول على ترخيص لإبرام عقود الزواج وإعطائها الصفة الرسمية التي تحفظ بها حقوق الزوجين.
2.      المرأة التي لا ولي لها كالمسلمات حديثاً يُختار لها ولي يرعى أمر زواجها كإمام مسجد أو مسئول جمعية إسلامية أو من أسلمت على يده أو من تختاره من المسلمين.
3.      على مجالس التحكيم أن لا تتسرع بإيقاع الفرقة بين الزوجين إلا بعد استنفاد الوسع في الإصلاح، فإن لم يمكن ذلك فعليها أن تأخذ تعهد الطرفين بإعطاء الحقوق المترتبة على هذه الفرقة.
4.      على المراكز الإسلامية السعي الحثيث لتحصيل موافقة الجهات الرسمية في أوربا على إعطاء قرارات التحكيم الصادرة عن لجان الإصلاح والتحكيم صفة التنفيذ من الجهات القضائية.
5.      التعاون مع مؤسسات البحث العلمي الاجتماعي في الغرب لمعرفة الواقع الحالي للأسرة الغربية عامة والمسلمة خاصة وتقديم حلول عملية من خلال رصد هذا الواقع.
6.      أن يضطلع أئمة المساجد ومسئولو المراكز بدور أكبر في التربية الإسلامية والتوجيه للأسرة من خلال المحاضرات والدورات التدريبية قبل وبعد الزواج.
7.      أن يسعوا لإنشاء مؤسسات اجتماعية تساعد في الجوانب التالية:
أ.   تأهيل الشباب ذكوراً وإناثاً للحياة الزوجية المستقرة من خلال إقامة دورات لتدريبهم وتربيتهم على أصول وقواعد الإسلام في بناء الأسرة.
ب. التحكيم الشرعي لحل المشكلات اليومية للأسرة المسلمة.
ج. دراسة عادات وموروثات بعض المسلمين التي لا تقرها الشريعة الإسلامية واتخاذ التدابير المناسبة لمعالجتها.
8.      أن يقوم أئمة المساجد ومسئولو المراكز بالرصد العلمي للحالات التي تعرض عليهم وتقديم بحوث عملية من خلال هذه الظواهر اليومية للأسرة المسلمة تجمع بين فقه النص والواقع معا.
 
ثالثاً: الفتاوى
استعرض المجلس جملة من الاستفتاءات الواردة إليه وأجاب عنها بما يلي:
فتوى رقم: 1/15
السؤال: أنا مهندس موفد إلى رومانيا للدراسة، وأنا شاب أعزب عمري 32 سنة، وأنا والحمد لله أقيم الصلاة ومحافظ على ديني قدر استطاعتي. وأجد عنتاً شديداً، فلو أني تزوجت امرأة من بلدي الذي قدمت منه فإن السلطات الرومانية ترفض منح الزوجة تأشيرة للإقامة معي مدة دراستي، والحصول على زوجة مسلمة صالحة في رومانيا أمر في غاية الصعوبة، وقد خطبت امرأة مسلمة هنا ولكن أوضاعي المالية كانت سبب رفض تزويجي، ولا أحتمل البقاء أعزب، والمغريات حولي كبيرة. سؤالي هو: هل يجوز لي الزواج من فتاة رومانية خلال مدة دراستي؛ علماً بأن الفتيات الرومانيات على الأغلب لا يحتفظن ببكارتهن بعد سن الخامسة عشرة، ونيتي استمرار الزواج إذا صلح أمرها والتزمت؟ وهل يمكن أن أتزوج منها بغير إذن وليها، حيث إن أباها يرفض تزويجها من عربي أو مسلم؟
الجواب: أباح الله تعالى الزواج من الكتابية المحصنة بقوله عز وجل: {وَالمحصَناتُ من المؤمِناتِ، والمحصَناتُ من الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ . . } الآية [المائدة: 5}.
والمرأة المحصنة هنا هي العفيفة غير الزانية، كما يقول جمهور المفسرين، والله تعالى نهى عن الزواج بالزانية ولو كانت مسلمة. واتفق الجمهور على أن الزانية المسلمة إن تابت يجوز نكاحها، ويظهر أن الزانية الكتابية كالزانية المسلمة في هذا الحكم، فيجوز الزواج منها إن أقلعت عن الزنا. أما إذا كانت مصرة عليه فلا يجوز الزواج منها. فإن كان الحرج الذي تتعرض له بسبب الإقامة في رومانيا وصعوبة الزواج كما ذكرت، فلا بأس من اختيار فتاة رومانية كتابية، بشرط إقلاعها عن الزنا وأن تستبرئ رحمها بحيضة.
أما الزواج من الفتاة بغير إذن وليها، فهو غير صحيح عند جمهور العلماء إذا كانت مسلمة ووليها مسلم. كذلك جمهور الفقهاء يراعون هذا الشرط في الكتابية عند زواجها من مسلم. وذلك راجع إلى أن موافقة ولي الزوجة كانت عرفاً حتى في غير المجتمعات الإسلامية، وإن كان الحال قد اختلف في المجتمعات المعاصرة لغير المسلمين فصارت أكثر قوانينهم لا تعتبر موافقة الولي شرطاً لصحة النكاح. وعقد الزواج الذي تعقده على رومانية يخضع للقانون الروماني، فإن كانت موافقة وليها ليست شرطاً في ذلك القانون فلا بأس بذلك، وإلا وجب عليك الالتزام به. وفي جميع الأحوال فالنصيحة لك أن تحرص على موافقة أهلها ما أمكن فذلك أولى لدوام الصلة.
 
فتوى رقم: 2/15
السؤال: لدي صديقة إنجليزية مسلمة متزوجة من إنجليزي مسلم بعقد إسلامي لم يسجل في البلدية، ولزوجها المسلم صديق عربي يريد الإقامة في هذه البلاد وليس له حل إلا الزواج من إنجليزية، فعرض زوجها عليها أن تسجل في البلدية بأنها زوجته، وتم العقد المدني وبشهود، فهل هذا الزواج صحيح شرعاً؟ وهل يؤثر على زواجها الأول؟ نرجو الرد لتكرر مثل هذه الحالات من بعض المسلمين في هذه البلاد.
الجواب: عقد الزواج الذي تم في البلدية عقد باطل، ولا يترتب عليه شرعاً شيء من آثار النكاح. وكل ما نتج عنه فهو باطل، وصاحبه عاص آثم، وهنا جميع من شارك في تسهيل أو تتميم هذا العقد وهو يعلم أن هذه المرأة متزوجة مشارك في هذه المعصية، متعد لحدود الله. وفيما ذكر الله عز وجل في المحرم نكاحهن قال: (والمحصَناتُ من النِّساء) [النساء: 24] والمحصنة هنا: المرأة المتزوجة، حرم الله الزواج منها ما دامت متزوجة.
ومن الناس من يظن أن إجراء عقد الزواج في البلدية لا يجعل العقد صحيحاً، فيتساهلون لذلك، ويظنون أن العقد الصحيح هو ما يكون في المسجد أو المركز الإسلامي، وهذا فهم مغلوط فاسد، بل عقد النكاح أينما كان إذا اكتملت أركانه واستوفى شروطه فهو عقد صحيح. وهذا العقد المسئول عنه والذي تم في البلدية لو كان على هذه المرأة وهي غير متزوجة لكان عقداً صحيحاً.
فحيث إن هذا العقد باطل فإن الواجب العمل على إنهائه وإبطاله من الناحية القانونية بأسرع وقت، وعدم الاستمرار على إبقائه، لما يترتب على ذلك من المحذورات الشرعية بسبب صحته من الناحية القانونية، فهو العقد الذي له صيغة الإلزام في نظر القانون.
ولا يجوز التذرع بحاجة شخص إلى الإقامة في هذه البلاد بمثل هذه الذريعة المنكرة التي تستحل بها المحرمات، وتخالف بها الشريعة، وتضيع بسببها الحقوق، وتختلط الأمور. والواجب أن يحذر المسلم من ممارسة مثل هذا العمل الذي يقوم على المخادعة والكذب.
 
فتوى رقم: 3/15
السؤال: أنا تزوجت زواجاً مدنياً بمقابل ولمساعدة شخص مسلم على الإقامة هنا، ولم نتقابل من يومها ولا أعرف عنه شيئاً، ثم تعرفت على شاب مسلم وتزوجنا زواجاً إسلامياً في أحد المراكز، فهل ما قمت به يجوز في الشرع الإسلامي؟
الجواب: لا، لا يجوز ذلك، والزواج الأول وإن كان صحيحاً فصاحبه آثم. أما العقد الذي جرى في المركز فعقد باطل وإن سمي إسلامياً، فليس بإسلامي، ويجب الكف عما استبيح بسبب هذا العقد حتى يتم إنهاء العقد المسجل عند الدولة أولاً بالطلاق الذي يسجل قانوناً أيضاً، ثم يمكن لك وللشخص الذي ترغبين فيه أن تعقدا عقد زواج جديد حيث لا اعتداد بالعقد الذي تم في المركز الإسلامي، لأنك تزوجت شخصاً في الوقت الذي أنت متزوجة فيه من آخر، حتى وإن لم يكن بينك وبين ذلك الشخص الأول غير ورقة الزواج، وقد حرم الله عز وجل ذلك في كتابه حين قال في سياق عد المحرم الزواج منهن: (والمحصنات من النساء) [النساء: 24]، وهن ذوات الأزواج.
والواجب على المراكز والقائمين عليها أن يتقوا الله ولا يقوموا بعقد الزواج إلا بعد التوثق من كون المرأة غير متزوجة في مكاتب البلدية أو في غيرها.
 
 
 
فتوى رقم: 4/15
السؤال: ابنتي عربية تزوجت من شاب عربي كان يدرس في هذه البلاد ثم اختلفت معه وغادر البلاد على نية أن يبعث لها بورقة الطلاق، ولم يبعث لها بشيء، وبعد مدة تقدم لها رجل آخر وذهبت معه للشيخ وأجرت عقداً وعاشت معه، ولم تخبر الشيخ بقصة زواجها الأول، فماذا نفعل؟ نحن في مأزق. أفتونا أريحونا أراحكم الله.
الجواب: عقدها على شخص آخر وهي لم تزل في عصمة زوج يجعل عقدها على الآخر باطلاً، وهي فيما صنعت عاصية آثمة، وكذلك كل من علم بأمرها فأقرها عليه من أهلها وهذا الشخص الثاني الذي عقد عليها، هي حرام عليه، وهو حرام عليها، فقد حرم الله تعالى نكاح المتزوجات في كتابه، فقال: (حرمت عليكم أمهاتكم) حتى قال: (والمحصنات من النساء) أي المتزوجات حرم عليكم الزواج منهن. فيجب عليهما الإقلاع عن أي صلة انبنت على هذا العقد، ولو استمرت علاقة الفراش بينهما بعد هذا البيان فهما زانيان، وعليهما التوبة مما كان، ولا تحل له حتى تفارق زوجها الذي هي معه في عقد زواج لا زال قائماً مستمراً، فتعمل على الحصول على الطلاق منه أو الاختلاع أو ترفع أمرها إلى القضاء لتنهي عقد زواجها منه، ثم إن شاءت نكحت هذا الثاني بعد أن تعتد عدة الطلاق من زوجها الشرعي.
 
فتوى رقم: 5/15
السؤال: أنا شاب مسلم، لدي طفل من مطلقتي المسلمة التي تعيش مع طفلي في نفس المدينة التي أعيش فيها. وكنت أرى طفلي يوماً في الأسبوع، ثم تزوجت مطلقتي وسافرت بطفلي إلى مدينة أخرى وعندها طالبت بحقي في حضانة ابني لأنها تزوجت وابتعدت بالطفل عني وأنا لم أتزوج (وبحسب ما أعلم أن الحضانة تعود للأب في هذه الحالة)، ومطلقتي وزوجها يقولان لا حق لي في أخذه، وعلي أن آتي بفتوى من جهة شرعية مختصة بالفتاوى تؤكد زعمي بحقي بحضانة ابني وحرمة منع ابني عني، وتؤكد لهم عدم جواز هذا الفعل إلا برضا مني وتنازل عن الحضانة. فأرجو منكم جواباً شافياً عن مشكلتي، فلم أر ابني منذ وقت طويل.
الجواب: لا يحل شرعاً أن يُمنع الوالد رؤية ولده لغير سبب، والأصل أن لك الحق في رؤية ابنك وأن تكون قريباً من معرفة أمره والاطلاع عليه والإنفاق عليه. ولا يجوز للأم أن تحجبه عنك دون سبب معتبر شرعاً. هذا لو لم تكن تزوجت، فأما وقد تزوجت فإن حق الحضانة للأم ينتقل عنها، لما ثبت من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنت أحق به ما لم تنكحي” أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه. فهذا الحديث يجعل الحق للأب في الحضانة، ما لم يتفق مع الأم على ما يكون الأصلح لولدهما، وللعلماء في انتقال حق الحضانة مذاهب كلها تراعي مصلحة الولد، وذلك في انتقال الحضانة إلى أقرب أرحامه من النساء، كالجدة أم الأم، والجدة أم الأب، والخالة، لكونها بمنزلة الأم. وذلك من جهة معنى الأمومة، لكن ليس في هذا الترتيب لزوم شرعي، وللأب أن يأخذه ويرعاه.
وليعلم أنه ليس من حق زوج الأم التدخل في شأن ابنك فليس هذا من شأنه.
 
فتوى رقم: 6/15
السؤال: تزوجت رجلاً يكبرني بأكثر من عشرين عامًا، ولم أكن أعتبر فارق السن بيني وبينه حاجزًا يبعدني عنه، أو ينفرني منه، لو أنه أعطاني من وجهه ولسانه وقلبه ما ينسيني هذا الفارق، ولكنه – للأسف – حرمني من هذا كله: من الوجه البشوش، والكلام الحلو، والعاطفة الحية، التي تشعر المرأة بكيانها وأنوثتها، ومكانتها في قلب زوجها.
إنه لا يبخل علي بالنفقة ولا بالكسوة، كما أنه لا يؤذيني. ولكن ليس هذا كل ما تريده المرأة من زوجها. إني لا أرى نفسي بالنسبة إليه إلا مجرد طاهية طعام، أو آلة للاستمتاع عندما يريد الاستمتاع. وهذا ما جعلني أمل وأسأم وأحس بالفراغ، وأضيق بنفسي وبحياتي. وخصوصًا عندما أنظر إلى نظيراتي وزميلاتي ممن يعشن مع أزواج يملأون عليهن الحياة بالحب والأنس والسعادة.
ولقد شكوت إليه مرة من هذه المعاملة، فقال: هل قصرت في حقك في شيء ؟ هل بخلت عليك بنفقة أو كساء؟
وهذا ما أريد أن أسأل عنه ليعرفه الأزواج والزوجات: هل المطالب المادية من الأكل والشرب واللبس والسكن هو كل ما على الزوج للزوجة شرعًا؟ وهل الناحية النفسية لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية الغراء؟ إنني بفطرتي وفي حدود ثقافتي المتواضعة لا أعتقد ذلك. لهذا أرجو أن توضحوا هذه الناحية في الحياة الزوجية، لما لها من أثر بالغ في سعادة الأسرة المسلمة واستقرارها.
الجواب: ما أدركته الأخت صاحبة السؤال بفطرتها السليمة، وثقافتها المتواضعة هو الصواب الذي جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء.
فالشريعة أوجبت على الزوج أن يوفر لامرأته المطالب المادية من النفقة والكسوة والمسكن والعلاج ونحوها، بحسب حاله وحالها، أو كما قال القرآن {بالمعروف}.
 ولكنها لم تغفل أبداً الحاجات النفسية التي لا يكون الإنسان إنساناً إلا بها. بل إن القرآن الكريم يذكر الزواج باعتباره آية من آيات الله في الكون ونعمة من نعمه تعالى على عباده. فيقول: {وَمِن آياتهِ أنْ خلَقَ لكم من أنفُسِكم أزواجاً لتَسْكُنوا إليها وَجَعَلَ بينكم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ) [الروم: 21]. فالآية تجعل أهداف الحياة الزوجية أو مقوماتها هي السكون النفسي والمودة والرحمة بين الزوجين، وهذه كلها مقومات نفسية لا مادية، ولا معنى للحياة الزوجية إذا تجردت من هذه المعاني وأصبحت مجرد أجسام متقاربة، وأرواح متباعدة.
ومن هنا يخطئ كثير من الأزواج – الطيبين في أنفسهم – حين يظنون أن كل ما عليهم لأزواجهم نفقة وكسوة ومبيت، ولا شيء وراء ذلك. ناسين أن المرأة كما تحتاج إلى الطعام والشراب واللباس وغيرها من مطالب الحياة المادية، تحتاج مثلها – بل أكثر منها – إلى الكلمة الطيبة، والبسمة المشرقة، واللمسة الحانية، والقبلة المؤنسة، والمعاملة الودودة، والمداعبة اللطيفة، التي تطيب بها النفس، ويذهب بها الهم، وتسعد بها الحياة.
والمثل الأعلى في حسن عشرة الزوجة هو النبي صلى الله عليه وسلم. فرغم همومه الكبيرة، ومشاغله الجمة، في نشر الدعوة، وإقامة الدين، وتربية الجماعة، وتوطيد دعائم الدولة في الداخل، وحمايتها من الأعداء المتربصين في الخارج . فضلاً عن تعلقه بربه، وحرصه على دوام عبادته بالصيام والقيام والتلاوة والذكر، حتى أنه كان يصلي بالليل حتى تتورم قدماه من طول القيام، ويبكي حتى تبلل دموعه لحيته.
برغم هذا كله، لم يغفل حق زوجاته عليه، ولم ينسه الجانب الرباني فيه، الجانب الإنساني فيهن، من تغذية العواطف والمشاعر التي لا يغني عنها تغذية البطون، وكسوة الأبدان.
قال الإمام ابن القيم في بيان هديه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه: “كانت سيرته مع أزواجه: حسن المعاشرة، وحسن الخلق، وكان يُسَرِّب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها. وكانت إذا هويت شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه. وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرْقًا – وهو العظم الذي عليه لحم – أخذه فوضع فمه موضع فمها. وكان يتكئ في حِجْرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وربما كانت حائضاً. وكان يأمرها وهي حائض فتتزر (تلبس الإزار، لتكون المباشرة من فوق الثياب) ثم يباشرها. وكان يقبلها وهو صائم. وكان من لطفه وحسن خلقه أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة، وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابَقها في السير على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة. وكان يقول: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. وكان إذا صلى العصر دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن. فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة خصها بالليل. وقالت عائشة: كان لا يفضِّل بعضَنا على بعض في مكثه عندهن في القَسْم، وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها”[1].
وإذا تأملنا هذا من هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة نسائه، نجد أنه كان يهتم بهن جميعاً، ويسأل عنهن جميعاً، ويدنو منهن جميعاً. ولكنه كان يخص عائشة بشيء زائد من الاهتمام، ولم يكن ذلك عبثاً ولا محاباة، بل رعاية لبكارتها، وحداثة سنِّها، فقد تزوجها بكراً صغيرة لم تعرف رجلاً غيره عليه السلام. وحاجة مثل هذه الفتاة ومطالبها من الرجل أكبر حتماً من حاجة المرأة الثيب الكبيرة المجربة منه. وليست الحاجة هنا مجرد النفقة أو الكسوة أو حتى الصلة الجنسية. بل حاجة النفس والمشاعر أهم وأعمق من ذلك كله. ولا غرو أن رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ينتبه إلى ذلك الجانب ويعطيه حقه، ولا يغفل عنه، في زحمة أعبائه الضخمة، نحو سياسة الدعوة، وتكوين الأمة، وإقامة الدولة. {لقد كانَ لكم في رَسولِ الله أسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
 
فتوى رقم: 7/15
السؤال: أنا مدرس مقيم في بريطانيا لمدة دراسة، وتعاقدت مع إحدى الجهات التعليمية على أن أشرف على امتحانات دورات علمية في تخصصي وعلى أن يطلبوني وقت حاجتهم إلي، وحصل أن طلبوني يوم الجمعة للإشراف على دورة في وقت الصلاة، ولا حل أمامي إلا ترك صلاة الجمعة؛ علماً أن هذا لا يتكرر دائماً، إنما أحياناً. وللعلم وللأمانة أنا محتاج ولست مضطراً، فأرجو أن تفتوني مأجورين.
الجواب: ما دام ذلك يحصل عارضاً من غير ترتيب، ودون أن يقترن به قصد تفويت الجمعة، وما دام الأصل عندك الاجتهاد في عدم التخلف عن الجمعة؛ فلا حرج عليك في التخلف عن الجمعة لمثل السبب المذكور. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه” أخرجه أصحاب السنن، وقال الترمذي: “حديث حسن”. فحيث لا يوجد هذا الوصف في حالتك واقتضت حاجتك مثل هذا العمل فلا بأس عليك فيه.
 
فتوى رقم: 8/15
السؤال: يوجد لدينا حالياً مبنى من خمسة طوابق يقع فيه المركز الإسلامي إلاّ أنّ هذا المبنى قديم وليس عليه أي طابع من هندسة إسلامية. وقد عزمت إدارة المركز على هدم المبنى وبناء عمارة جديدة بطابع إسلامي متميّز، غير أنّ التكلفة عالية جداً وتقدّر بأربعين مليون كروناً (خمسة ملايين دولار)، واستطعنا إلى الآن وبعد جهد جهيد جمع ربع هذا المبلغ من الجالية، وبما أنّه من الصعب الحصول على هذا المبلغ من أي جهة إسلامية عالمية أردنا أن نستقرضه من البنك بموجب معاهدة مالية مبنية على الربا. وبما أن المجلس أفتى سابقاً بجواز شراء المنازل بطريقة الاستقراض من البنوك التقليدية لعلة الضرورة، فهل يجوز لنا الاستقراض بهذا الطريق بنفس الحجة؟ علماً بأن لدينا المبررات التالية:
1-    المركز من أقدم المراكز في البلد ويقع في موقع متميز قريب من مراكز المواصلات العامة، ووجوده بالطابع الإسلامي بمثابة دعوة إلى الإسلام، وذلك بجلب أنظار الناس إليه.
2-    هناك عدة مساجد أقيمت بعد هذا المركز في أحياء سكنية وأصحابها من المبتدعة وقد استطاعوا أن يبنوا هذه المساجد بأموال ربوية وهي الآن محط أنظار غير المسلمين إذا أرادوا زيارة المسجد بينما لا يوجد عند أصحاب هذه المساجد أي برنامج للدعوة.
3-    إذا لم نبدأ العمل الآن، يسحب منا ترخيص البناء ويصْعُب علينا الحصول على الترخيص مرة أخرى، مع العلم أن تكلفة البناء تزداد يوماً بعد يوم.
الجواب: من المستحسن أن تكون عمارة مركز إسلامي في بلد من بلاد الغرب ذات طابع إسلامي متميز بحيث تستجلب أنظار الناس فيتطلعون إلى معرفة الإسلام وقد يدخل أحدهم في الدين بهذه الطريقة، غير أن هذا الهدف يجب أن يتم بطريقة مشروعة، فإن المساجد أنما تبنى لذكر الله وعبادته، ويجب أن تتسم بيوت الله بالطيب منذ نشأتها؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. ونرى أن الضرورة منتفية في الصورة التي ذكرت في السؤال للأسباب التالية:
1.      مبنى المركز الحالي على قدمه يفي بحاجات الناس، فإنه يسع لإقامة الصلوات وعقد اجتماعات بمناسبات دينية وتدريس الأطفال.
2.       وجود المركز في مثل مدينة أوسلو ضرورة من الضرورات، ولكنها لا تستدعي بذل هذه الأموال الهائلة بحجة منافسته للمساجد الأخرى التي بنيت بأموال ربوية.
3.      أنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهذا كما يتناول الفرد المسلم فإنه يتناول الأمة المسلمة أيضاً؛ إذ هي مطالبة بإقامة شعائر الله في حدود استطاعتها.
وننصح القائمين على المركز المذكور بالبحث عن البدائل المشروعة، مثل تقليص حجم المشروع حتى يكون في حدود استطاعتهم، أو ترميم المبنى الحالي بحيث يصبح ذا طابع إسلامي، أو مواصلة الجهد للحصول على تبرعات من جهات أخرى حتى يكتمل المشروع.
 
ختام أعمال الدورة:
ختم المجلس أعمال دورته الخامسة عشرة بالتأكيد على ما اعتاد أن يوصي به المسلمين المقيمين في بلاد الغرب وذلك بما يلي:
1.     أن يراعوا الحقوق كلها، ويعطوا الصورة الطيبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم.
2.     أن يقوموا بدورهم بالإبداع والابتكار، وتشجيع ذلك على كافة المستويات.
3.     أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة الجيل الجديد – بنين وبنات – تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف.
4.     أن يسعوا جادين لإنشاء شركات ومؤسسات مالية تخلو من المخالفات الشرعية.
5.     أن يعملوا على تشكيل هيئات شرعية تتولى تنظيم أحوالهم الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، مع مراعاة الالتزام بالقوانين السائدة.
6.     أن يبذلوا وسعهم للحصول على اعتراف الدولة التي يقيمون فيها بالإسلام ديناً، وبالمسلمين أقلية دينية على غرار الأقليات الدينية الأخرى في التمتع بحقوقهم كاملة، وفي تنظيم أحوالهم الشخصية كالزواج والطلاق وفقاً لأحكام دينهم.
7.     أن يلتزموا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات عهد الأمان وشروط المواطنة والإقامة في البلاد التي يعيشون فيها.
كما يوصي المجلس المسلمين عامة والمقيمين في بلاد الغرب خاصة بالاعتصام بحبل الله، والأخوّة، والسماحة، والوسطية، والتعاون على البر والتقوى، والتزام الحوار الهادئ والأساليب السليمة في معالجة قضايا الخلاف، بعيداً عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامة وإلى الأقليات المسلمة خاصة، فيتلقفها خصوم الإسلام والجاهلون به للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى:]ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَن[ ]النحل: 125[.
وبعد انتهاء المداولات العلمية للمجلس تقرّر إن شاء الله أن يكون انعقاد الدورة القادمة يوم الاثنين 7-13 جمادى الآخرة 1427 الموافق لـ 3-9 تموز (يوليو) 2006م وأن يكون موضوعها “الفقه السياسي للأقليات المسلمة في أوربا” مع استكمال الموضوعات المؤجلة في شئون الأسرة.
والمجلس في ختام دورته يتقدّم بالشكر الجزيل لكل من أسهم في إنجاح هذه الدورة، وبخاصة الجهات الحكومية في تركيا بما فيها بلدية استانبول، وكذلك مؤسسة الحكمة وشركة كريم لما لقيناه من تسهيلات وجهود مقدرة في تهيئة الظروف المناسبة لعقد هذه الدورة، كما يشكر لهيئة المكتوم الخيرية دعمها المادّي والمعنوي المتواصل الذي تقدّمه للمجلس.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1]  زاد المعاد، جـ1، ص78، 79، ط. السنة المحمدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق