البيانات الختاميةمميز

البيان الختامي للدورة الثانية والثلاثين

البيان الختامي للدورة الثانية والثلاثين

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

المنعقدة بتقنية التواصل الشبكي

في الفترة من: 10 إلى 12 جمادى الأولى 1443هــ

الموافق:14-16 ديسمبر 2021م

والمخصصة للإجابة على الأسئلة الموجهة للمجلس

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وآله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فقد انعقدت بتيسير الله وتوفيقه الدورة الثانية والثلاثون للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، عبر تقنية التواصل الشبكي، وذلك في الفترة من: 10 إلى 12 جمادى الأولى 1443هـ الموافق لـ: 14-16 ديسمبر 2021م برئاسة سماحة الشيخ الدكتور/صهيب حسن عبد الغفار رئيس المجلس، وبحضور أغلبية أعضائه، وأعضاء الدائرة البحثية، وقد افُتتحت أعمال الدورة بالقرآن الكريم، تلى ذلك كلمة ترحيبيّة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور/ حسين حلاوة الأمين العام للمجلس، تحدث فيها عن أهمية الدورة والظروف التي عقدت فيها في ظل الموجة الجديدة من جائحة كورونا والتي فرضت إعادة بعض القيود المتعلقة بالتجمعات والسفر وغيره، ما دفع الأمانة العامة للمجلس لعقد الدورة مجدداً بتقنية التواصل الشبكي، وتخصيصها للفتاوى، وتأجيل تقديم  البحوث ومناقشتها إلى الدورة القريبة القادمة والتي ستكون بلقاء مباشر كالمعتاد إن شاء الله تعالى.

ثم أشار فضيلته أهمية الاجتهاد الجماعي في النظر للمستجدات ودراستها، ومركزية المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في حياة المسلمين في الغرب كمرجعية إفتائية جماعية محلَّ ثقتهم وتقديرهم.

كما رحب فضيلته بأعضاء الدائرة البحثية الذين يشاركون لأول مرة في أعمال المجلس ونوَّه إلى أهمية دور الباحثين من الشباب الأوروبي المسلم في الارتقاء برسالة المجلس ترجمة وتنزيلا وتفعيلاً.

ثمّ ألقى فضيلة الشيخ/ صهيب حسن رئيس المجلس كلمةً جدّد فيها الترحيب بالأعضاء، مشيراً إلى أن استمرار جائحة كورونا وموجاتها المختلفة بين صعود وهبوط، ترتب عليه إجراءات مختلفة بين تخفيف وتضييق بحسب تطورات الحالة وتأثير ذلك على الشعوب بما فيها الجوانب الدينية والإيمانية، مجدداً الدعوة بالعودة إلى الله سبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء، ونبَّه فضيلته إلى كثرة الأسئلة التي تعرض على المجلس في المجالات المختلفة، العبادات، والأسرة، والعمل والمكاسب وغير ذلك، مجدداً التذكير بمسؤولية العلماء وأهل الفتوى، من الجد والاجتهاد وملازمة الحق، ومجانبة التقليد أو الهوى، لأن الهدف هو الوصول إلى مرضاة الله تعالى، مع التأكيد على ضرورة التيسير على الناس حيث يمكن التيسير ورفع الحرج.

واختتم كلمته بالترحم على من قضى نحبه من إخواننا العلماء والاستغفار لهم، والدعاء لمن حضر بالاستقامة والثبات على الهداية وحسن الخاتمة.

ثم تتابعت جلسات المجلس والمناقشات المستفيضة لأجوبة الأعضاء على الاستفتاءات والأسئلة الواردة وكانت الفتاوى على النحو التالي:

الفتاوى

فتوى 1/32

حكم الانحراف عن القبلة مع معرفة عين جهتها

السؤال: عندنا مصلى بالجامعة ونصلي في اتجاه مستقيم للمبنى، ولكن بانحراف عن القبلة، وقد أثير هذا الأمر عدة مرات، وفي آخرها قرر الأخ المسؤول عن الطلبة المسلمين بالجامعة الاستمرار في الصلاة بشكل مستقيم بحجة استغلال المساحة، وأن الانحراف واقع في الحدود المسموح بها، وذلك بناءً على فتوى من أحد طلبة العلم.

لكن كثيراً من المصلين غير مطمئنين لصحة الصلاة مع هذا الانحراف عن القبلة والذي قُدر بعد الحساب الدقيق بمقدار 35 درجة تقريبًا.

والفتوى المطلوبة تتمثل في الإجابة عن الأسئلة التالية:

  • ما حكم صلاتنا في الاتجاه الحالي.
  • ما الواجب علينا في الصلوات الماضية، لو أن إجابة السؤال الأول: غير جائزة؟ علمًا بأننا لم تكن لدينا بيانات محددة عن الاتجاه واعتمدنا على الفتوى بالجواز.
  • ما الواجب علينا لو وقع انقسام داخل المسجد بخصوص القبلة؟ وما هي نصيحتكم

 للقائمين على المراكز الإسلامية والمساجد ولعموم المسلمين في هذا الصدد؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: بيان مسألتكم هذه فيما يلي:

أولًا: من المقرر عند عامة أهل العلم أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بالتوجه إلى البيت الحرام، قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.[البقرة:150]، حيث فرض على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته ليتوجه إليها، وأن يجتهد في ضبط توجهه إليها بأي وسيلة ممكنة، عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها، أو خبر الثقات من أهل المكان الذين لهم معرفة بجهة هذه القبلة، فالتحري في الاستقبال لا بد منه للمصلي، حتى إن الإمام أحمد بن حنبل كما نُقل عنه في حديث: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة))، مع ما هو معروف من الخلاف في ثبوته قال: “يتحرى الوسط” (المغني، لابن قدامة: 1/457). فرأى التحري بين الجهتين بالتوسط، وأن الحديث السابق لا يفهم منه عدم التحري ومجرد الاكتفاء بما بين الجهتين.

نعم، هناك خلاف بين أهل العلم: هل يجب على المكلف أن يستقبل جهة الكعبة أو يستقبل عينها؟

وهو خلاف معروف في كتب الفقه بين الجمهور من جهة والشافعية من جهة أخرى، قال بالأول الجمهور، وقال بالثاني الشافعية، وكلام الجمهور محمول على حالة تعذر معرفة عين الكعبة، وأما إذا لم يتعذر كما هو حالكم، فإن الجميع لا يختلف في وجوب قصد عين الكعبة وتحريها، قال البهوتي الحنبلي: “ويعفى عن انحرافٍ يسيرٍ يمنةً أو يسرةً للخبر. وذلك لأن عينها بالاجتهاد متعذِّرة فسقطت وأقيمت الجهة مقامها للضرورة” (شرح منتهى الإرادات، للبهوتي: 1/346).

ويدل على هذا ما رواه البخاري ومسلم – رحمهما الله – في صحيحيهما من حديث ابنِ عبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أنه قال: لَمَّا دخَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم البيتَ، دعا في نواحيه كلِّها، ولم يُصلِّ حتى خرَجَ منه، فلمَّا خرَج ركَعَ ركعتينِ في قُبُلِ الكَعبةِ، وقال: ((هذه القِبلةُ)).

وعليه فإنه إذا عُلم عين الكعبة تحديدًا، أو ما يدل على عينها، فحينئذ يجب على المصلي أن يتجه إلى العين، ولا يجوز له أن يكتفي بالجهة من غير ضرورة.

وهذا ما قرره بعض المحققين من أهل العلم، قال الصنعاني – رحمه الله – في “سبل السلام” (1/260) بعد أن ذكر حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: ((بين المشرق والمغرب قبلة))، قال: “والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة لا العين في حق من تعذرت عليه العين، وقد ذهب إليه جماعة من العلماء لهذا الحديث، ووجه الاستدلال به على ذلك أن المراد أن بين الجهتين قبلة لغير المعاين ومن في حكمه”.

ومعناه أن المعاين للكعبة ومن في حكمه كمن علم بيقين اليوم جهة عين الكعبة عبر الآلات الحديثة الدقيقة، فهذا لا يجوز له الانحراف عما تيقنه؛ لأنه في حكم المعاين للقبلة.

وقد صدر بهذا فتوى للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث برقم (3/1).

وعليه، فإذا علمتم اتجاه الكعبة تحديدًا ويقيناً من خلال العلماء المتخصصين فأنتم في حكم المعاين لها، أما إذا كنتم في دائرة الاجتهاد فالخلاف المعقول يسعكم، فلا تنازعوا، بل الجأوا إلى المتخصصين كما أمر الله به ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.[النحل:43].

ولا يظهر أن العلماء يختلفون فيما ذكر، حيث وسعوا في استقبال الجهة عند تعذر إصابة العين، كما تقدم.

والانحراف عن جهة القبلة المعلومة بقصد استيعاب عدد أكبر من المصلين، ليس ضرورة ولا حاجة تجيز ذلك، بل يمكن أن يتم ذلك من خلال التوجه بالبدن عند الحاجة.

وأما السؤال عن حكم صلاتكم في الفترة السابقة، لو وقعت لغير القبلة؟

فالذي عليه جمهور الفقهاء صحة ما تقدم من صلواتكم؛ حملًا على عدم معرفتكم القبلة تحديدًا، ووجود اجتهادات في المسألة، وقد قال ابن عبد البر – رحمه الله -: “وأما من تيامن أو تياسر قليلًا مجتهدًا فلا إعادة عليه في وقت ولا غيره” (الكافي، لابن عبد البر: 1/199).

وسؤالكم عما إذا كان قصد القبلة المتيقنة قد يتسبب في حدوث انقسام بين الإخوة في المسجد. فالذي ننصحكم به هو التعامل مع الأمر بحكمة ومسؤولية وإعلام جمهور المسجد بهذه الفتوى بعد الاتفاق مع المسؤولين عن المسجد على الأخذ بها، ونحن نثق ونأمل ممن وكل إليه أمر مركز من المراكز الإسلامية في أوروبا أنه يغلب رأي الشرع وجمع الكلمة وضبط العباد وتصحيحها؛ حتى لا يتحمل مسؤولية الخطأ المستدام في الاتجاه للقبلة عن المصلين خاصة وهو يقوم بعمله احتساباً لله عزوجل.

وننصح القائمين على أمر المساجد في أوروبا أن يردوا أمر الفتوى والأحكام الشرعية إلى مؤسسات الاجتهاد الجماعي الأوروبية، وأن يلتزموا بقراراتها، وأن يبذلوا جهدهم لتجنيب المسلمين الفرقة والتنازع والاختلاف؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾. [آل عمران:105].

كما ننصح عموم المسلمين في أوروبا بالالتزام بقرارات مؤسسات الإفتاء والاجتهاد الجماعي الأوروبي واختيارات أئمة مساجدهم وعدم الاختلاف عليها حتى وإن كانت مرجوحة؛ طالما كان لها أصل من الشَّرع أو المذاهب الفقهية فإن الخلاف شرٌّ كما قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والله أعلم

فتوى 2/32

القراءة في الصلاة بغير العربية

السؤال: أعددت علَماً يوضع في المساجد من أجل الدعوة وتقريب الناس إلى الإسلام، مكتوب عليه: “لا إله إلا الله محمد رسول الله، عيسى رسول الله، موسى رسول الله” وقد أعددته بعدة لغات، ويمكن أن يترجم إلى لغات كثيرة مثل الهندية، والصينية، وغيرهما. فما الحكم فيما فعلته؟ وهل يجوز للمسلم الجديد القراءة بلغته في الصلاة حتى يتعلم اللغة العربية، وذلك لأجل تقريب الناس إلى الإسلام فلا ينفروا منه، لأن كثيراً منهم ينفر عن الإسلام إذا رأى أنه يجب عليه أن يصلي باللغة العربية وحدها؟

الجواب: لا بأس بوضع الأعلام في المساجد بالصفة التي وردت في السؤال بقصد الدعوة إلى الله وتقريب الناس إلى الإسلام، وحبذا لو زاد بعد محمد رسول الله، “وخاتم النبيين” حتى لا يبقى هناك لبس عند ذكر موسى وعيسى عليهما السلام مع النبي في فقرة واحدة.

وأما القراءة بغير العربية في الصلاة فجماهير الفقهاء على منع ذلك، لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾. [الشعراء:192-195]. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. [يوسف:2]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. [الزخرف:3]. وعليه فالتعبد بالقرآن إنما يكون بلفظه ومعناه معاً فلا تجوز الصلاة بغير العربية مع القدرة عليها، أما العاجز عن اللغة العربية فيمكنه أن يذكر الله تعالى بدلاً عن قراءة القرآن فقد ورد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني شيئا يجزئني مِن القرآن فإني لا أقرأ، فقال: ((قل سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)). رواه احمد وأبو داود والنسائي، وابن حبان، والدار قطني، والحاكم. ولو ذكر الله بغير العربية إذا لم يحفظ ذكراً بها فلا حرج، لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.[التغابن:16]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)). وعليه أن يسعى في تعلم ما تصح به صلاته من اللغة العربية وعلى رأس ذلك سورة الفاتحة.

فتوى 3/32

زكاة أموال التقاعد

السؤال: بالنسبة للزكاة.. بعد التقاعد سيستلم المبلغ على شكل راتب شهري وليس مبلغاً مقطوعاً فهل هناك حرج أو أي زكاة مفروضة في هذه الحالة، علماً بأن هذا المال مدخر على مدار سنين من العمل؟

الجواب: هذا المال وهو الراتب التقاعدي إذا تم تسلٌّمه مرة واحدة أو شهرياً فإنه يضم الى أموال المزكي، ويزكيه عند حوله في موعد زكاته بعد توافر شروط الزكاة؛ لأن هذا المال يعامل معاملة المال المستفاد. والمال المستفاد يضم إلى حول المزكي ويزكيه مع أمواله الزكوية على الراجح.

فتوى 4/32

دفع الزكاة لصالح أجهزة التنفس

في فترة انتشار وباء كورونا وقد أصيبت بعض البلاد بهذا الوباء مما جعل بعض الدول الإسلامية عاجزة عن توفير أجهزة التنفس في المستشفيات فقامت بعض الجمعيات الخيرية في أوروبا بجمع زكاة المال لشراء هذه الأجهزة وإرسالها إلى تلك البلاد وقامت بتوزيعها على المستشفيات. فهل يصح أن تدفع الزكاة لمثل هذا الأمر وهو في خارج القطر.

الجواب: الأولى أن تجمع الأموال لشراء هذه الأجهزة وتزويدها للمستشفيات من الصدقات. ويجوز أن تجمع من أموال الزكوات إذا كان أغلب المستفيدين من الفقراء أو غيرهم من مستحقي الزكاة. وينبغي أن تؤخذ رسوم من غير مستحقي الزكاة ما أمكن ذلك، وتكون حصيلتها لمستحقي الزكاة وشراء الأجهزة.

فتوى 5/32

عقد الزواج بتقنيات التواصل الشبكي المرئية

السؤال: ما حكم عقد الزواج بتقنيات التواصل الشبكي المرئية (الفيديو كونفرانس)؟

الجواب: الزواج في الإسلام حاجة وعبادة حث عليها ورغَّب فيها، يستكمل الإنسان بها نصف دينه كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه الله على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني)) رواه الطبراني في “الأوسط” ، والحاكم في “مستدركه” ،  وبالزواج تتراصّ اللبنات لتكون المجتمع الإنساني، وقد وضعت الشريعة أحكاما للزواج لا بد من توافرها حتى يكون صحيحاً – ليس المجال لذكرها يرجع إليها في كتب الفقه -.

ولما كانت جائحة كورونا Covid 19)) من النوازل التي أحاطت بالناس حتى ألزمتهم بيوتهم طوعاً وكرهاً؛ استجابةً للقرارات الصحية الوقائية؛ حفاظاً على النفس وهي مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، ولما كانت الشريعة مبناها على التيسير قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.[البقرة:185]، ويقول سبحانه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾.[النساء:28]، ورفع الحرج: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.[الحج:78]، ومن القواعد الفقهية المقررة “المشقة تجلب التيسير”، وقولهم “الضرر مدفوع شرعاً”، وقولهم: “إذا ضاق الأمر اتسع”، ولما كان حضور الزوجين والولي والشهود واجتماع الناس فيه من المشقة والضرر؛ فإننا نرى جواز عقد الزواج عبر الفيديو كونفرانس – وهي وسيلة معاصرة للتواصل، يستطيع الناس أن يرى بعضهم بعضاً إذا دعت الضرورة، وتحقق العاقد من توافر الأركان والشروط الشرعية ولم تكن قوانين البلد تمنع ذلك، مع ضرورة توثيق العقد مدنياً لحفظ الحقوق.

 

فتوى 6/32

تطليق الزوجة لزوجها.

السؤال: السلام عليكم. زوجة تطلب الطلاق بشكل دائم على جميع المشاكل صغيرة كانت أم كبيرة. وفي إحدى المشاكل قالت لزوجها طلقني، قال لها عصمتك بيدك فقالت له (أنت طالق) ولم تقل طلقت نفسي منك. مع العلم أن المرأة كانت في طهر لم يمسها فيه. فهل وقع الطلاق؟

الجواب: جعل الطلاق بيد الرجل كما جعل للمرأة حق الخلع، إذا كانت طالبة للمفارقة بسبب يدعو لذلك، وأما قول الزوج لزوجته: “الأمر بيدك”، فهو من باب التوكيل كمن وكّل شخصا أن يطلق زوجته، أو وكّلها هي باللفظ المذكور، وهناك آثار وردت عن ابن عباس وابن مسعود وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من التابعين في إجازة هذا التوكيل، وقد جمعها ابن أبي شيبة في مصنفه نورد بعضها كالآتي:

(18379) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إني فعلت أمر امرأتي بيدها فطلقت نفسها ثلاثا، فقال عمر لعبد الله: ما تقول: أراها واحدة وهو أملك بها، فقال عمر: وأنا أرى ذلك.

رقم: 18381/ حدثنا ابن علية عن أيوب عن غيلان بن جرير عن أبي الهلال العتركي إنه وفد إلى عثمان فقال: قلت: رجل جعل امرأته بيدها، قال: فأمرها بيدها.

رقم 18393/ حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر في الرجل يجعل أمر امرأته بيدها قال: القضاء ما قضت فإن تناكرا حلِّفا.

وأما أن المرأة المذكورة في السؤال لم تطلق نفسها، بل طلقت زوجها فقد أخطأت في تصرفها فلا يقع الطلاق ويوضحه الأثر التالي عن ابن عباس رقم 18393 حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن ابن عباس في رجل قال لامرأته: أمرك بيدك فقالت: أنت طالق ثلاثا، فقال ابن عباس: خطأ الله نَوْءها، لو قالت: أنا طالق ثلاثا لكان كما قالت.

قال المحشِّي في تفسير هذا القول: “النوء هنا المطر فهو دعاء عليها ألا تمطر، ذلك أنها قالت له: أنت طالق، ولم تقل: أنا طالق”. قال في النهاية: (5122 -123)

المعنى: لو طلقت نفسها لوقع الطلاق فحيث طلقت زوجها لم يقع، فكانت كمن يخطئه النوء فلا يمطر”. (المصنف لابن أبي شيبة 9: 580 -582). بناء عليه: لا يقع الطلاق.

فتوى 7/32

الانفصال وطلب الخلع

السؤال: هل يجوز للمرأة المنفصلة عن زوجها -بغير طلاق- أن تطلب الخلع ثم الزواج من شخص آخر. وهل يجب إشهار هذا الزواج؟ علما أن مدة الانفصال دامت أكثر من 18 شهر؟

الجواب: أما طلب المرأة الخلع فهو حق من حقوقها، كما أنه جاز للرجل أن يطلق المرأة إذا قامت أسباب ذلك، ولكن عليها ألا تعزم على ذلك إذا لم يكن هناك سبب وجيه لإنهاء الصلة الزوجية لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات)) رواه الطبراني في الكبير وأحمد في المسند، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة)) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة، هذا ما كان ديانة.

أما من ناحية مراعاة الحفاظ على الأسرة وآصرة الزوجية فعليها أن تلجأ إلى التحكيم إذا كان هناك شقاق بين الزوجين قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾. [النساء:35]. وأما إذا خافت تعذر استمرارية الزواج من أجل الضرر أو الاهمال أو الانفصال بينهما لآماد طويلة بسبب النشوز من قبل الزوج فلا بأس أن تطلب الخلع من الزوج مقابل ردِّ المهر الذي قبضته، أو ما يتفقان عليه، فيكون الخلع بتراضي الزوجين، وأما إذا تعذر ذلك من أجل تعنت الزوج فعليها أن تلجأ إلى القاضي طلبا للفسخ أو الخلع، فإذا تم الفسخ جاز لها بعد انقضاء عدتها أن تنكح شخصا آخر بشروط الزواج المعروفة، مع مراعاة قوانين البلد الذي يعيش فيه من تسجيل الطلاق رسميا. وجديرٌ بالإشارة أنَّه لا أثر للثمانية عشر شهراً مدة الانفصال المذكورة قبل صدور الطلاق أو الخلع في حساب العدة.

فتوى 8/32

حكم أخذ المرأة نصف مال الزوج عند الطلاق

السؤال: ما حكم أخذ المرأة نصف مال الزوج عند الطلاق؟

الجواب: إنّ حقوق الزوجة المالية في الإسلام مضمونة بنصوص الشرع الحنيف قبل الطلاق وبعده، فإذا وقع الطلاق والفراق فقد ترتب على الرجل المطلق الحقوق المالية الآتية:

أولًا: النفقة والسكن أثناء العدة إن كان الطلاق رجعيًّا باتفاق الفقهاء، وذلك لأنها في حكم الزوجة، وإن كان الطلاق بائنًا فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فمنهم من أوجب لها كلّ الحقوق المالية كالرجعية والحامل، ومنهم من لم يوجب لها شيئًا، وتوسّط بعضهم فأوجب لها السكنى فقط، وتفصيل ذلك في مظّانه من كتب الفقه.

ثانياً: المتعة وهي ما يعطيه الزوج لمطلقته ليجبر بذلك الألم الذي حصل لها بسبب الطلاق، وتقديرها بحسب حال الزوج المطلق وقدرته، وقد اختلف الفقهاء هل هي واجبة أم مستحبة، وتقدير ذلك يعود للجهات القضائية الشرعية المعنية.

ثالثاً: مؤخّر الصداق إن وجد وكان باقيًا في ذمّة الزوج.

رابعاً: نفقة الحضانة وتوفير السكن للمحضون وفق تقدير الجهة القضائية الشرعيّة المعنية بذلك. هذه هي الحقوق الماليّة التي تحلّ للمرأة بعد طلاقها هنيئة مريئة، وأمّا ما زاد على ذلك مما هو مذكور في السؤال من قسمة مال الزوج بعد الطلاق فإنّه لا يجوز لها أخذه إلّا بطيب نفس من الزوج، فإن أخذته المطلقة دون رضا المطلق فهو سُحتٌ وحرام، ويدل على ذلك الآتي:

أولاً: ما عُلم من الدين بالضرورة من النهي عن أكل أموال الناس بالباطل دون طيب نفس منهم بدليل قوله الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾.[النساء:29]، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: ((كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ)) ، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد: ((لا يَحِلُّ مالُ امرِيءٍ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنهُ))، وهذه الأدلة عامة ويدخل فيها الأزواج والزوجات، فلا يحل مال أحدهما للآخر إلّا بطيب نفس منه.

ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبوداود : ((لا تُنفِقُ امرأةٌ مِن بَيتِ زَوجِها إلَّا بإذنِ زَوجِها)). قيل: يا رَسولَ اللهِ، ولا الطَّعامَ؟ قال: ((ذلك أفضَلُ أموالِنا))، والمقصود ما كان من خالص مال زوجها فلا يحلُّ لها أن تنفق منه إلا بإذنه، أما أن تنفق من حرِّ مالها فذلك حقها فيه ولا حاجة لإذن زوجها.

ومما نؤكّده هنا أنّ حكم المحكمة بالقسمة دون رضا المطلق لا يجعل ما تأخذه المرأة حلالًا لها، كما لا يجعل مالها حقاً له أيضاً إذا كان دون رضاها، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: ((إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)).

هذا كله إذا لم تكن الزوجة قد شاركت زوجها بمالها أو جهدها في إدارة أيّ نشاط تجاري كأن تعمل معه في مصنع أو متجر أو مزرعة أو نحو ذلك، أو دخلت معه شريكةً في ملكية عقار ونحوه، وطريقة وصولها إلى حقها المتعلق بشراكتها لزوجها ليس هو القسمة المطلقة لمال الزوج، وإنما طريقه التحكيم الشرعي عند الاختلاف مع زوجها في تقدير هذا الحقوق، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدّة قرار رقم (144): “إذا أسهمت الزوجة فعليًّا من مالها أو كسب عملها في تملك مسكن أو عقار أو مشروع تجاري فإن لها الحق في الاشتراك في ملكية ذلك المسكن أو المشروع بنسبة المال الذي أسهمت به”، فاذا لم يتيسر ذلك لعدم قبول المطلق لقرار التحكيم الشرعي وكان لا يردعه إلا سلطان القضاء المدني، فيجوز لها عندئذٍ التحاكمُ الى القضاء المدني لاستخلاص حقها ولا إثم عليها ولا حرج، لأنّ تركها لهذا التقاضي يؤدّي إلى ذهاب حقوقها، و هو ضرر لا يأتي الشارع بمثله، فلا ضرر ولا ضرار. ويكون استخلاص الحق المقرر لها من نصف مال الزوج الذي يحكم به القضاء المدني فتأخذ مقدار حقها وتُرجع ما تبقى من المال إليه، فإن أخذت فوق حقها فهو سُحتٌ وحرام ولا يطيب لها أبدا، ولها أن تحسم مصاريف التقاضي أمام المحكمة المدنية لأنها حصلت بسبب تعسف الزوج، وعدم دفعه ما أوجبه عليه الشرع ابتداءً.

 وختاماً فإننا نوصي كل زوجين بتوثيق الحقوق والعقود والهبات بينهما عند موثِّق قانوني؛ مما يساهم في قطع موارد النزاع والالتباس ويسهم في حفظ حقوق الجميع.
 

فتوى 9/32

الوصية بما يخالف الشرع

السؤال: هل تقبل وصية المسلم فيما يخص عقاره في حال تعارضها مع علم الفرائض؟

الجواب: إذا كانت الوصية معارضة للنصوص الواردة في الكتاب والسنة فيجب على الورثة تصحيح هذه الوصية إما تبرعاً من تلقاء أنفسهم أو بطريق قانوني؛ حتى يزول التعارض؛ وذلك لإزالة الإثم عن الموصي نفسه لقول تعالى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. [البقرة:182]، والتصحيح يقتضي إعطاء كل وارث نصيبه الشرعي بدون زيادة أو نقص وتحرير الوصية لغير الوارث بالثلث فقط. ومن الجائز أن يعطى الوارث من التركة أكثر مما يستحق حسب وصية الموصي إذا رضِيَ بقيَّة الورثة بإدخال النقص في حصصهم وإعطاء الزائد لمن أوصى له بأكثر من حقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)) رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، والدار قطني من حديث ابن عباس وزاد في آخره: ((إلا أن يشاء الورثة)). وإسناده حسن.

فتوى 10/32

هل يدخل تعويض الحوادث ضمن التركة؟

السؤال: توفي رجل مسلم بسبب حادث حريق أثناء عمله بشركة في إحدى الدول الأوروبية. اعترفت المحكمة بمسؤولية الشركة عن الحادث فدفعت شركة التأمين تعويضا عن الأضرار المادية لكل من كان يعولهم الفقيد إلا أن ورثته رفعوا قضية إلى المحكمة مطالبين بالتعويض عن الضرر النفسي الذي لحقهم. حكمت المحكمة بحق التعويض عن الأضرار النفسية لزوجة الفقيد وابنته الوحيدة القاصرة فقط، ولم تعترف لإخوته ولا لوالديه بهذا الحق.

حصلت أرملة الفقيد على 168.000 فيما حصلت ابنته الصغيرة على 200.000 يورو.

السؤال: هل في هذه المبالغ حق لباقي الورثة وعلى هذا يعاد توزيعها على ما تقتضيه قواعد الإرث، أم أنها خاصة بمن حكمت لهم بها المحكمة أي الزوجة والبنت؟

الجواب: يتبين من دراسة آيات المواريث وأحاديثها، ومن مقاصدها ومآلاتها، ومن الأدلة المرتبطة بالتعويض عن الأضرار المادية أو المعنوية أن ميزان الميراث يختلف عن ميزان التعويض، حيث إن ميزان الميراث يقوم على أن جميع ما يتركه الميت المورِّث، وما يتعلق به من الدية ونحوها، وكل التعويضات المتعلقة بالميت المورِّث نفسه قبل موته فهذا من التركة.

أما ميزان التعويض فهو شخصي يلاحظ فيه مقدار الضرر والألم المادي، والمعنوي؛ ولذلك يختلف هذا الألم أو الضرر من شخص لآخر؛ لذلك فالذي يظهر أن ما صدر من المحكمة من تخصيص مبلغ محدد للبنت القاصرة 200.000 يورو فهو لها، وكذلك ما خصص لأرملة الفقيد 168.000 يورو فهو لها أيضا، ولا يدخل ذلك في الإرث، وعليه فلا يشاركهما بقية الورثة، ويؤكد هذا الفارق بين الميزانين أو الحكمين أن حكم المحكمة قد ميَّز بين أمرين، فخصصت المبلغين للبنت، والأرملة مع أن الدعوى رفعت باسم جميع الورثة، وهذا يدل على أن المحكمة أخذت بنظر الاعتبار الآلام النفسية والأضرار المعنوية التي حصلت للبنت والأرملة، ولم تتحقق في نظر المحكمة لغيرهما.

وبإيجاز شديد، فإن التعويض أمر طارئ وعارض بعد الموت، وليس قبل الموت، وليس له علاقة بالدية مباشرة.

وقد يقال: إن سبب هذا التعويض موت المورّث؟

ولكنه يمكن الإجابة عنه، بأن السبب المباشر للحكم بالتعويض هو الآلام النفسية والضرر المعنوي الذي ألمّ بالمضرور، فسبب الحكم المباشر هو ما حدث للمتضرر الذي حكمت المحكمة بأنه فعلا قد تضرر وهو هنا (البنت والأرملة)؛ وعليه فلا يمكن تعدية هذا الحكم لغير من صدر بشأنه القرار.

ومن جانب آخر فإن ما قررته المحكمة لم تقرره لصالح الميت حتى يُلحق به ويدخل في التركة، بل قررته لصالح شخص آخر له ذمته المستقلة لذلك يكون خاصا به.

فتوى 11/32

البيع عبر المزاد

السؤال: هناك معاملة جديدة تنتشر بين الأثرياء من المسلمين وغيرهم عند شراء البيوت من المزاد عبر المحكمة، حيث يقوم أحدهم بالاشتراك في المزاد وحين يأتي موعد المزاد يساوم بقية المشاركين بدفع مبالغ مالية مقابل الانسحاب من المزاد لصالحه بحيث لا يرتفع سعر البيت المعروض في المزاد، وقد أصبح البعض يتاجر في العقارات من خلال هذه الطريقة التي يشتري فيها العقار بثمن أقل من ثمنه الحقيقي بكثير بسبب كونه معروضاً في المزاد وأيضاً بسبب إخراج بقية المشاركين بالطريقة المذكورة فما الحكم في هذه المعاملة؟

الجواب: أولاً: الأصل جواز بيع المزايدة وجواز الدخول فيه لعموم قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾.[البقرة:275]، ولثبوته في السنة، قال ابن حجر في الفتح: وورد في البيع فيمن يزيد حديث أنس: “أنه – صلى الله عليه وسلم – باع حِلْساً وقَدَحَاً وقال: ((من يشتري هذا الحلس والقدح؟))، فقال رجل: أخذتها بدرهم، فقال: ((من يزيد على درهم؟))، فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه”، أخرجه أحمد وأصحاب السنن. بشرط أن تكون السلعة حلالاً وأن يكون قصد المشترك الشراءَ لا مجرد المزايدة في السعر؛ لأن ذلك من النجش الذي نهى عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تَحاسَدوا، ولا تَناجَشوا)) رواه مسلم.

كما لا يجوز أن يكون قصده من الدخول في المزاد مجرد الاستفادة من المال المعروض من قبل أحد المزايدين بعد الانسحاب من المزاد لصالحه، فإنه من كسب المال بغير وجه حق.

ثانياً: في هذا النوع من المزاد الذي تنظمه المحكمة بعد الحجز على أموال المالك لإفلاس ونحوه حيث تبيع ممتلكاته لتسدَّ ديونه على الدائنين فإنها تعرض المحجوز عادة بأقل من قيمته السوقية خاصة في الجولة الثانية أو الثالثة من المزاد حيث ينزل السعر عن القيمة الحقيقية كثيراً.

وكما لا يجوز الدخول في المزاد بغرض رفع قيمة السلعة لما يُلحقه ذلك بالمشترين من ضرر، فإنه لا يجوز لمشتركٍ في المزاد أن يساوم بقية المشاركين على التنازل عن حقهم في الشراء حتى تستقر السلعة عليه مقابل مبلغٍ من المال يدفعه إليهم؛ لما في ذلك من الإضرار بالبائع أو المالك الذي هو في أمسِّ الحاجة إلى أن يبيع بيته أو سلعته بسعر المثل أو ما يقاربه، وهو أيضاً يضر بحقوق الدائنين الذين قد لا يستوفون كامل حقوقهم بسبب عدم كفاية ممتلكاته لذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي.

وعليه لا يجوز قطع الطريق أمام المزايدة بالوصف المذكور فإن فيه من بخس الناس ما لا يخفى، ولا يجوز أخذ المال الممنوح بهدف الانسحاب في هذه الحالة .

فتوى 12/32

البيع بالتقسيط مع زيادة في الثمن يدفعها البائع للبنك لا المشتري

السؤال: متاجر كثيرة تبيع لزبائنها على أن يسددوا المبلغ على أربعة أقساط. فتعرض ذلك على الزبون فإن قبل تسلم له استمارة يقوم بملئها مع أخذ صورة من أوراقه الثبوتية وصورة من وثيقة راتبه ورقم حسابه فيحول التاجر ذلك الملف إلى البنك فيقوم البنك بدفع المبلغ إلى التاجر مع خصم بنسبة 2 % مثلاً. ويستلم البنك الأقساط أربعة كاملة دون زيادة على العقد الذي وقعه مع التاجر صاحب البضاعة. وهذه المعاملة يتعامل بها كثير من التجار بما فيهم المسلمين، وهي من قبيل: “ضع وتعجل”. فالتاجر يتنازل للبنك عن نسبة معينة ويسترجع بقية ثمن بضاعته. فما حكم ذلك شرعاً؟

الجواب: هذه العملية تتم وفق اتفاقية بين تاجر وبنك، بأن يتم البيع على أربعة أقساط حسب الآلية المذكورة في السؤال فيقوم البنك بدفع المبلغ كاملاً مع خصم 2% إلى التاجر، وهذه العملية تتضمن خصم 2% من الدين من غير الدائن حيث ليس دائنا، ولا بائعا، وبالتالي فلا تدخل في “ضع وتعجّل” الذي أباحته المجامع الفقهية، والذي هو تنازل من الدائن من جزء من دينه لصالح المدين، فالعلاقة ثنائية.

أما في موضوعنا هذا فالخصم داخل فيما يقرب من خصم سندات الدين أو الشيكات المؤجلة، بل هو داخل في الربا العكسي، أو في بيع الدين بالدين مؤجلاً ويتفقان؛ لذلك لا يجوز.

وذلك أن البنك في هذه العملية يعطي مبلغ 98.000 يورو للتاجر في مقابل 100.000 يورو على زيد الذي اشترى السلعة أو البضاعة بهذا المبلغ فهذا هو عين الربا النسيء المحرم شرعا. والبديل الشرعي هو ما يأتي:

  • أن يبيع التاجر السلعة للزبون بالمبلغ المتفق عليه حالًّا أو مقسطاً بمبلغ بعقد ثابت ولا مانع من أن يأخذ الزيادة بشرط إدخالها في الثمن المحدد المتفق عليه، وإذا ذكرت نسبة ربحه فيكون البيع مرابحة.
  • أن يقوم البنك بشراء السلعة أو البضاعة ثم يقسِّطها بالثمن المتفق عليه. 

فتوى 13/32

شراء السيارات بالتقسيط

السؤال: ما حكم شراء السيارات من معارض السيارات التي تتعامل مع شركات تمويل فيكون مثلا ثمن السيارة 13000 يورو فيُدفع فيها ثمن 16000 يورو وذلك مقابل تقسيط الثمن على خمس سنوات يُدفع لشركة التمويل لا لمعرض السيارات شهريا قسط ثابت مثلا 400 يورو فما حكم ذلك وجزاكم الله خيراً.

الجواب: بما أن هناك وسيطاً في الصفقة وهو شركة التمويل التي تدفع المال نيابة عنك لشركة السيارات ثم تسترده منك بالفائدة فإن هذا من القرض الذي جر منفعة، وكل قرض جر منفعة فهو ربا. والربا كما هو معلوم مما شدَّد الشرع الحنيف في تحريمه، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾.[البقرة:275]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾.[البقرة:278-279].

قال ابن عبد البر: و”كل زيادة في سلف، أو منفعة ينتفع بها المسلف، فهو ربا ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط”.  الكافي: (2/359) .

فلا يجوز اللجوء إلى هذه المعاملة لا في شراء السيارات ولا غيرها من السلع إلا إذا كنت محتاجاً للسيارة بحيث يلحقك في حياتك وأسرتك العنت والمشقة بدونها، ولا تجد أي طريقة لشراء سيارة تفي بحاجتك سواء من مدخراتك أو عن طريق القرض الحسن فحينئذ فقط يجوز لك اللجوء إلى هذه المعاملة.

أما إذا كان عقد البيع بينك وبين شركة السيارات مباشرة دون وساطة شركة تمويل، فلا حرج حينئذٍ من الزيادة في الثمن مقابل الأجل؛ لأن هذا عقد بيع صحيح لا ربا فيه على الراجح.

 فتوى 14/32

العمل في توصيل بضائع قد تشتمل على محرم

السؤال: أنا اعمل في توصيل الباكيتات بإحدى الشركات، في بعض الأوقات يكون بداخل الباكيت خمر أو ألعاب جنسية، هل هذا العمل حرام علي؟

الجواب: أصل وظيفتك وهي إيصال السلع إلى عملاء الشركة مشروع، مالم يكن كل عمل الشركة أو أغلبه في عين محرمة كالخمر ونحوه، أما في حال كان المحرم نادراً أو تابعاً بأن كان المحرم ضمن مجموعة من السلع الجائزة، أو في حال احتمالية استعمال بعض السلع من قبل بعض المستهلكين في الحرام فإن ذلك لا يعود على أصل الوظيفة بالتحريم، إذ النادر لا حكم له، كما أنك لست مسؤولاً عن سوء استعمال المشتري للسلعة غير المحرمة في ذاتها.

فتوى 15/32

حكم استخراج الجنسية للطفل

السؤال: وُلِد لي ابن في أحد البلدان الأوروبية وقد يكون مؤهلاً للحصول على الجنسية بالميلاد، ولكن لم أتقدم بطلب الجنسية بعد، قرأت أن التجنس بجنسية دول غير مسلمة حرام ولا يجوز إلا للضرورة القصوى. علماً بأنه إذا كان مولوداً فالجنسية هنا بالميلاد ولا تستوجب أي حلف يمين أو غيره.

فهل يحق لي كوالد أن أفصل في أمر الجنسية لولدي بالإيجاب أو بالسلب؟ أم أترك الأمر له يقرر فيه حين يكبر؟

أعيش في صراع داخلي بسبب هذا الموضوع وأخاف إذا كان استخراج الجنسية محرماً أن أتحمل هذا الوِزر وما يترتب عليه، أرجو الإجابة إذا أمكن وجزاكم الله كل خير.

الجواب: الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يوجد أي مانع شرعي من استخراج وثيقة الجنسية سواءً لك أو لابنك، بل هي حق من حقوق المواطنة، وانتماء الإنسان إلى الوطن الذي ولد فيه أو قضى فيه فترة من عمره، وحبه، وتمني الخير له أمر فطري، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة، وقف على الْحَزْوَرَةِ فقال: ((والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)). رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة. قال ذلك رغم ما كانت عليه مكة من الشرك وما لقيه من أهلها من أذى في نفسه وأهله وصحبه، لكنها كانت وطنه ومسقط رأسه، وثبت أيضاً أنه دعا حين دخل المدينة -وطنه الجديد- مهاجراً ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ))  (متفق عليه).

ووثيقة الجنسية ليست سوى تأكيدٌ لهذا الانتماء، كما أنها تمنح صاحبها حقوقاً أكثر، والانتماء لبلدٍ ما لا يعني بالضرورة الانتماء لدين أغلبية سكانه، فلم يكن انتماء النصارى الذين عاشوا في البلاد الإسلامية منذ فجر الإسلام انتماءً إلى الإسلام إذ ظلُّوا محافظين على خصوصيتهم الدينية، كما لا يعني انتماء المسلم لبلد أوروبي انتماء لدين أغلبية سكانه، فضلاً عن أن قوانين البلاد الأوروبية تضمن لكل مواطنيها حرية العقيدة والتدين وممارسة الشعائر، فهُم في هذا الحق سواء، على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم.

وعليه فالأولى استخراج هذه الوثيقة، وحسم حالة التردُّد والشعور بالغربة وعدم الاستقرار لما لذلك من آثار نفسية سلبية عليك وعلى أهلك وأبنائك. وينبغي العمل من منطلق الشعور بالمواطنة بأداء الواجبات وممارسة الحقوق التي يكفلها الدستور والقانون.

وأما بالنسبة للقسم فهو جائز لأنه يتعلق بأمر جائز وهو الولاء للبلاد والتزام قوانينها، وهو ولاء يعود للفطرة كما أسلفنا ولا يتعارض مع الولاء للدين والعقيدة.

فتوى 16/32

حكم ممارسة المرأة للرياضة في الأماكن العامة

السؤال: ما حكم ممارسة النساء للرياضة من حيث العموم؟ وماذا عن ممارستها في الأماكن العامة؟

الجواب: يجوز للمرأة أن تمارس الرياضة، بل يحسن بها لما للرياضة من فوائد صحية وعقلية ونفسية، ويمكن أن تقوم بذلك في منزلها، ويفضل تجنب الأماكن العامة ما أمكن فإن احتاجت لممارستها في أماكن عامة، فإنه يلزم أن تكون تلك الأماكن آمنة، لا يعترضها فيها ما لا يجوز شرعًا، مع لزوم الستر فلا تلبس الضيق الذي يشف أو يصف العورة، ولزوم الحشمة، ورعاية أن يبقى ذلك في إطار ما لا تقصر معه بواجبٍ كحقوق الأسرة التي تلزمها.

 

فتوى 17/32

حكم سباحة المرأة بالبوركيني (الملابس المخصصة لسباحة النساء)

السؤال: ما حكم سباحة المرأة بالبوركيني مع وجود عامل السلامة والطوارئ، وهو رجل ترى الجهة القائمة على المسبح وجوده لضرورة الأمن؟

الجواب: يجب على المرأة المسلمة لتحقيق رغبتها بالسباحة أن تبحث عن مسبح مخصص للنساء، ويكون من يقوم بالإشراف عليه من النساء، فإن تعذر عليها وجود ذلك، فإنه يجب عليها أن تراعي ما يلزمها من التستر فيما تلبسه للسباحة وتتحاشى ما استطاعت مواضع الرجال.

وبخصوص ارتداء ما يُعرف بـ(البوركيني) للسباحة في مثل هذه المسابح، فإنه ينبغي ملاحظة أنه يتفاوت سعة وضيقًا وكثافة وشفافة، فعلى من تلبسه أن تجتهد باختيار ما هو الأكمل في تحقيق مقصود الستر.

أما أن يكون المسبح خاصًّا بالنساء، ولكن يعمل في المكان رجل ترى الجهة المسؤولة أن وجوده لا بد منه لحفظ الأمن، فإذا لم يكن هناك خيار آخر كمسبح خاص بالنساء بما فيه الأمن، فمع التزام المسلمة للستر الواجب فذلك لا يمنعها من أخذ حقها في السباحة في هذا المكان؛ رفعًا للحرج وتلبية للحاجة.

فتوى 18/32

حكم أخذ لقاحات كورونا

السؤال: الكثير من المسلمين يسألوني هل لقاح كورونا حلال لأنهم يسمعون من بعض المسلمين الموجودين على شبكات التواصل الاجتماعي بأن اللقاح حرام، فأحتاج إلى تأصيل شرعي للموضوع؟

الجواب: ليس هناك في اللقاحات الطبية التي تُعطى عن طريق الحقن ما يبرر الحكم عليها بالحرمة، وحتى لو دخل في حقنة اللقاح مادة محرمة مثل الكحول أو الخنزير أو خلايا ميتة فإنها تستحيل (أي تتغير كيميائيًا) إلى مواد أخرى، وهي على أي حال لا تؤكل ولا تُشرب وهو المحرّم في حقها.

والمعيار للحكم الشرعي على اللقاح هو إذن معيار المصالح والمفاسد، بمعنى: هل تغلب مصالح اللقاح في الحماية الطبية أم تغلب مفاسد اللقاح في آثاره الجانبية؟ وما وصل له البحث العلمي في الإجابة على هذا السؤال إلى اليوم هو أن المصالح في حفظ حياة الناس وتقليل خطر مضاعفات الفيروس كورونا التي قد تؤدي إلى الوفاة، أكبر من مفاسد الآثار الجانبية للقاح التي ظهرت إلى الآن في حالات نادرة.

فتوى 19/32

إخصاء الحيوانات المنزلية

السؤال: دار نقاش بيني وبين أصدقائي حول موضوع إخصاء الحيوان. كثيرٌ منا له حيوان في المنزل مثل القطط أو الأرانب أو ما يشبه ذلك. ومن المعروف في بعض البلدان الأوروبية أن يتم إخصاء الحيوان في أول سنة بعد الولادة من أجل عدم تكاثر الحيوان وتقليل وحشيته. السؤال الآن هل يجوز لنا كمسلمين إخصاء مثل هذه الحيوانات؟

الجواب: الأصل في إخصاء هذا النوع من الحيوانات عدم الجواز لأن الله تعالى خلق هذه الحيوانات للتكاثر والتوالد وهي أمم أمثالنا، قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾.[الأنعام:38]، وقد نص بعض أهل العلم من المالكية والشافعية وغيرهم على منع ذلك؛ لما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((نهى رسول الله عن إخصاء الخيل والبهائم))، كما لا يجوز استئصال رحم الإناث لهذا النوع من الحيوانات للغرض نفسه إلا إن كان في ذلك جلب لمصلحة أو دفع مفسدة، على أن تتم هذه العملية من قبل مختصين حتى لا يتأذى الحيوان ولا يعذَّب. ويوصي المجلس المسلمين بأن من كانت له حاجة أو مصلحة في تربية هذه الحيوانات فعليه أن يقوم بواجبه نحوها في إطعامها وإيوائها وعلاجها وكل ما تحتاج إليه.

فتوى 20/32

حضور اجتماعات على مائدة تدار فيها الخمر

السؤال: أنا اعمل بشركة في نيوزيلاندا وكنوع من جعل بيئة العمل محببة للموظفين تقوم الشركة كل جمعة بالسماح بشرب الكحوليات في فترة بعد الظهر، المشكلة أن في بعض الأحيان يتم عمل اجتماعات في هذا الوقت ويأتي مديري وبعض الموظفين للاجتماع ومعهم زجاجات الكحوليات، فهل يقع عليّ الإثم على أني مجالس لشارب الخمر؟ علماً يمكنني الخروج من المكتب مبكراً خاصة وأني أتغيب فترة الظهيرة لصلاة الجمعة.

الجواب: شرب الخمر من المحرمات الكبيرة التي لا خلاف فيها بين أهل العلم لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾.[المائدة:9-91]، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَلَعَنَ شَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا)). رواه أحمد ، وأبو داود وغيرهما. وقد ورد في حضور مجلسها نهي صريح؛ حيث روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر)) رواه أحمد. ولما يمكن أن يحمله ذلك من التطبع على الخمر ومجالسها. وأما إذا رأى أن عدم حضوره يُلحق به ضرراً في عمله، وكانت هناك حاجة لذلك، فلا بأس أن يحضر وينكر ذلك بقلبه وهو أضعف الإيمان كما في الحديث الصحيح.

فتوى 21/32

حكم استعمال الشعر المستعار المستخرج من إنسان أو حيوان

السؤال: هل يجوز استعمال الشَّعر المستعار المستخرج من إنسان أو حيوان؟

الجواب: خلق الله الإنسان على أكمل خلقة وأحسنها، وخلقه في أحسن صورة، وأعدل قامة، وأحسن هيئة، وما يظهر من تشوُّهاتٍ أو نقائصَ عند الإنسان مخالفة لهذه الخِلقة السوية فإنها من الأمراض والابتلاءات التي تعترض الإنسان في هذه الحياة وتقويمها وتصحيحها يكون ضمن ضوابط الشرع وأخلاقياته قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾.[الانفطار:6-8]، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾.[التين:4].

فالشَّعر مما جمَّل الله به الإنسان رجلاً كان أو امرأة، أما ما يسمى بالشعر المستعار وما كان على شاكلته فإن كان وصلاً بالشعر الأصلي فهو محرم شرعا وهو الوصل الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولعن فاعله فقال: ((لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ)) رواه مسلم، وقد حرم ذلك فقهاء المالكية، وحرمه الشافعية إن كان من شعر الآدمي أو شعر حيوان نجِس.

فإن اعتراه شيء عولج بالطرق المشروعة، وقد توصل العلم الحديث إلى عمليات زرع الشعر من الشخص نفسه، فمن احتاج إلى ذلك من الرجال والنساء لجأ إلى هذه الوسيلة المشروعة. وأما من فقدت شعرها بسبب العلاج أو بسبب آخر وتعذر عليها عملية زرع شعرها وتجد في ذلك حرجا فيما آل إليه حالها جاز لها أن تستعمل (الباروكة) لأن المنهي عنه هو الوصل وليس لبس الشعر، وقد جوز بعض الفقهاء لبس الشعر الطبيعي بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، لأن التحريم عندهم مبنى على الغِش والتدليس، ومبنيٌّ أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب، وهو ما يُفهم من السبب الذي لُعنتْ به الواصلة والمستوصِلة فقد ورد في صحيح مسلم أن امرأة قالت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن لي ابنة عُرَيِّسًا ـ تصغير عروس ـ أصابتها حصبة فتمزَّق شعرُها، أفأصِلُه؟ فقال: “لعنَ الله الواصلة والمُستوصِلة”.

فتوى 22/32

حكم طلب التمويل من مؤسسات القمار والمشاركة في بعض أعمالها

السؤال: في بريطانيا منظمة تُعنى بتوزيع الأموال على المنظمات الخيرية، وهذه الأموال مصدرها ما يسمى اليانصيب الوطني (القمار). هل يجوز للمنظمات الإسلامية تقديم طلبات للحصول على التمويل منها، وماذا لو قاموا بتخصيص صندوق لدعم منظمات إسلامية يختارونها دون طلب من هذه المنظمات؟ وهل يجوز لشخصيات إسلامية الالتحاق بالمجلس الاستشاري لهذه المنظمة؟

الجواب: لا مانع من التقديم على طلبات للحصول على أموال من مثل هذه الجهات، كما لا مانع من قبول تبرع تلك الجهات من طرفها ابتداءً دون طلب؛ لأن الأموال يؤثر في حكم تملكها طريق اكتسابها، فحيث إنكم تكتسبونها عن طريق التبرع فهو طريق مشروع لانتقال الملكية.

وقد جاء في الصحيحين أن بَرِيرَة مولاة لعائشة أم المؤمنين أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم لحمًا، فقيل له: صدقة تُصُدِّق به عليها، فقال: ((هي لها صدقة، ولنا هدية))، والشاهد منه: أن الصدقة تحرم على النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته، ولكن الهدية مباحة لهم، فتغيّر الحكم من المنع إلى الإباحة لتغير طريق الكسب.

لكن يشترط للتقديم على تلك المنحة وقبولها ألا يكون مشروطًا من قبل المؤسسة المذكورة أن يتم الترويج لها، أو أن تستعمل هذه التبرعات فيما يخالف الشرع أو يضر بالمصلحة العامة.

وأما الالتحاق بالهيئات الاستشارية في مثل هذه المنظمات فإننا لا نرى جوازه؛ لأن عمل هذه المنظمات قائم على ما هو معلوم التحريم شرعًا، وهو الميسر، والدخول في مجالسها الاستشارية دعم حقيقي وعمل مباشر لإعانتها على ما لا يجوز في الإسلام، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. [المائدة:2].

فتوى 23/32

العمل في برمجة الألعاب الإلكترونية

السؤال: بفضل الله أكملت دراستي في مجال البرمجيات وعرض على عمل ممتاز في إحدى الشركات للألعاب الالكترونية. وسأكون في فريق البرمجة للعبة جديدة عن الحرب العالمية الثانية. وسؤالي: هل يجوز العمل في هذا المجال مع العلم أن الألعاب لهو وضياع للوقت، وأن في اللعبة الإنسان يقتل ويمارس الحرب؟ وهل يجوز للمسلم أن يلعب مثل هذه الألعاب؟

الجواب: إن حكم الألعاب في الإسلام يختلف باختلاف ماهيتها وأهدافها، والمقاصد المطلوبة منها، فإن كانت اللعبة بشيء مشروع ولم تكن موادها من المحرمات ولم يُجر عليها قمار، ورهان فهي مشروعة من حيث المبدأ سواء كانت اللعبة إلكترونية، أو غيرها، بل الأصل فيها الإباحة، وترِدْ عليها الأحكام التكليفية الخمسة، فالألعاب التي تقوِّي المهارات العلمية والفنية والفكرية والتقنية مستحبة، بل قد ترقى حسب أهمية الموضوع إلى رتبة فروض الكفايات.

وتكون اللعبة محرمة: إذا كانت بأدوات محرمة، أو قائمة على القمار أو الرهان والمسابقات غير المشروعة أو أنها تتضمن شعارات مخالفة لثوابت الإسلام، أو تحرض على العدوان وإثارة الشهوات والشرور، أو التمييز العنصري أو تشتمل على كل ما يضر بالإنسان أو البيئة أو المجتمع، كما أن من الضوابط الأساسية لمشروعية الألعاب ألا تترتب عليها إضاعة الصلوات وبقية الحقوق.

ومع ذلك فنحن ننبه على أمرين:

الأول: إن على المسلم أن ينشغل بالأهم فالمهم في دينه وحياته ودنياه؛ لأنه محاسب ومسؤول عن كل ما يقوله أو يفعله، فقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه)) رواه الترمذي وقال حسن صحيح  والدارمي.

الأمر الثاني: إن الإدمان على الألعاب حتى ولو كانت مباحة سيؤدي بلا شك إلى إضاعة الواجب عليه نحو ربه، أو نحو نفسه، أو نحو أسرته، أو أمته، وعندئذ سيتحول إلى ما سماه علماء الأصول: المحرم لغيره أو تحريم الوسائل، لذلك ينبغي الاحتراز منه.

وأما العمل في هذه المؤسسات فهو تابع لحكم اللعبة فإن كانت مباحة فيكون العمل مباحا وإلا فلا. مع التنبه إلى أن المبرمج سيكون إثمه أعظم إذا كانت اللعبة مضرة لتعدي ضرره، وفي المقابل قد يستفيد في البرمجة -في حال كانت غير ضارة- من تطوير قدراته وخبراته ما لا يستفيده اللاعب فيكون الحكم في حقه أيسر.

ويوصي المجلس المسلمين جميعا بأن تكون عنايتهم القصوى بما يحقق المنافع لهم في دنياهم وأخراهم، وأن يوجهوا أولادهم إلى العلوم النافعة والأعمال الصالحة، وأن يربوهم على الجدية والإتقان والإبداع، وما ينفع البلاد والعباد.

 

فتوى 24/32

العمل في محل ملابس رياضية

السؤال: أنا طالب أدرس في الجامعة إدارة في مجال الرياضة وتحديدًا في مجال كرة القدم وأعمل بجانب دراستي في محل ملابس رياضية تابع لنادي كرة قدم محترف، المحل يقع عند مقر النادي وفيه ما يزيد عن 250 منتج مختلف، ولكن فإن من بين تلك المنتجات مشروبَان كحوليان (والإقبال من قبل الزبائن قليل على هذين المنتجَين)، فهل يجوز لي الاستمرار في هذا العمل؟ مع العلم أن زملائي في العمل يحترمونني ويحترمون ديانتي ولا أفوّت أي فرض صلاة خلال العمل وهذا العمل يمنحني فرصة لبناء بعض العلاقات مع الموظفين في النادي وهو ما قد يسمح لي في العمل لدى هذا النادي بشكل دائم في المستقبل (والمقصود هنا العمل في مجال إداري آخر وليس في محل المشجعين الخاص بالنادي). فهل يجوز لي الاستمرار في هذا العمل حالياً؟

الجواب: لا يجوز تناول شيء محرم ولا بيعه وشراؤه، ولا يجوز التعاون بصفة عامة على شيء أو عمل يعتبر عدوانا، وبما أن الوعيد الوارد في الخمر يشمل عدة أشخاص؛ لما روي عن ابن عباس قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتاني جِبْرِيلُ عليه السلامُ فقال: ((يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ لعَنَ الخمرَ، وعاصِرَها، ومعتصِرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومبتاعَها، وساقيَها، ومستقاها)). أخرجه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجة بطرقهم.

فلذلك يجب على المسلم الاحتراز عن العمل في مكان تباع فيه الخمور؛ فإذا أمكنك أن تبحث عن عمل آخر لا يشوبه الحرام فهو الأفضل، وأما إذا تعذر ذلك، فعليك أن تستمر في هذا العمل إلى أن تجد عمل آخر خال من الريبة، ومع ذلك ننصحك أن تتجنب حمل أواني الخمور بنفسك ما استطعت، فإذا صار لك إسهام في بيع المنتوجات الكحولية، فعليك أن تطهر دخلك بإنفاق نسبة منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

فتوى 25/32

حكم الاستفادة من مواد علمية مسروقة

السؤال: أنا مهندس كيميائي وأريد أن أضع موقعا يضم تقديرات حسابية متعلقة بالهندسة الكيمياوية، ولدينا المادة التي نستفيد منها لوضع هذه الحسابات وهي مواد مسروقة سواء كانت كتبا أو سوفت وير أو مفاتيح (CODES) أو معايير، وبالاستفادة منها سوف أضع حاسبة على الخط، ثم انشرها على الموقع التابع لي حتى أكتسب من وراء ذلك، فهل هذا جائز؟

الجواب: إذا كانت المواد مأخوذة من الكتب أو المصادر التي نصّت صراحة على أنها “حقوق محفوظة”، فلا يجوز الأخذ منها إلا بإذن من المؤلف أو الناشر، وإذا لم تفعل ذلك فأنت معتد على حقوق صاحب هذه المادة، وآثم شرعاً، ومرتكب جناية قانونية. وهذا ما أكَّده قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم:43 (5/5). وعليك أن تتحرى الحلال في مكسبك، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

فتوى 26/32

العمل لبعض الشركات بإعداد تقييمات غير صحيحة بهدف الترويج

 

السؤال: بدأت أشتغل بعمل صفته كالآتي:

أكتب تقارير بدرجة خمسة نجوم لعدد من الشركات على أحد المواقع المهتمة بخدمات السياحة وهي تقارير غير صحيحة، وذلك لأرغِّب الناس في الشراء من هذه الشركات على أساس هذه التقارير، ورأيت أن هذا العمل غير صحيح فلذلك كففت عنه مؤخرا لأنه يشتمل على الخداع والتضليل، ويخالف معايير الموقع نفسه، ويستلزم مني أن أستعمل عدة مواقع مبهمة لهذا الغرض، فهل من الممكن تصحيح الوضع مع التعديلات التالية:

لا أكتب التقارير بدرجة خمسة نجوم إلا للشركات التي تعمل قانونياً وتقدم خدمات جيدة ومرضية للزبائن مع العلم أن الموقع لا يزال لديه بعض هذه التقارير المشبوهة منشورة.

وأنا اضطررت لهذا العمل لأن والدي تقاعد مؤخراً وأنا لا أزال في الثامنة عشرة من عمري وليس لي مورد آخر لأعول عائلتي وقد اكتسبت 3000 آلاف دولار في عدة أشهر.

الجواب: السائل نفسه أقر بأن هذا العمل قائم على الكذب والتضليل، والمقصود منه إغراء الناس على أن يشتروا من هذه الشركات، وهذا من شهادة الزور وهي من أكبر الكبائر؛ فلذلك أحسن الرجل عندما ترك هذا العمل. وعليه أن يتحرى الصدق في كتابة التقارير سواء ربح من عمله هذا أم لم يربح، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾. [الطلاق:2-3]، وعليه أن يستغفر الله تعالى كثيرا فإن الله وعد الخير الكثير لمن لازم الاستغفار حيث يقول الله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾. [هود:3]. كما أن عليه أن يجتهد ما استطاع في إصلاح ما سبق وأعدَّه من تقارير غير صحيحة تبرئة لذمته، وحتى لا يضلل آخرين بها. وكل عمل في هذا المجال يشتمل على تزييف للحقيقة ومنح أوصاف لا تنطبق على الواقع زيادة أو نقصاً مما قد يضر بالعميل أو الشركة فهو مما لا يجوز شرعاً.

فتوى 27/32

العمل كمستشار لشركة قد يتضمن تقديرات ربوية

السؤال: وجدت وظيفة في شركة استشارات انترنت، وعملي خاص بإدارة مشاريع تقنية (IT) وموجه إلى الزبائن في أمور اقتصادية مثل البنوك، وخاصة فيما يتعلق بطرق التجارة الحديثة في تبادل عملات أجنبية (فوريكس) ولا بد من تقديرات ربوية في بعض المعاملات المالية عند تبادل العملات، عملي الأساسي هو إدارة المشاريع الخاصة ب (IT) وأرغب أن أتحول إلى ذلك القسم في الاستشارات التي لا صلة لها بالبنوك إطلاقا، وقد عُرض عليّ عمل في شركة غير مالية، ولكن ليس في مجال اختصاصي، والعقد لستة أشهر فقط، ولا أضمن النجاح في هذا العمل أيضا، وقد لا يُجدَّد لي بعد نهاية الفترة، فهل يمكنني الاستمرار في عملي أم يجب علي الانتقال إلى الوظيفة الجديدة والتي هي بعقد مؤقت وفي غير تخصصي؟

الجواب: لا شك أن المطلوب من المسلم إذا عمل عملاً أن يتقنه، وعملك في الوظيفة الأولى من اختصاصك حيث تضمن نسبة أعلى من الإتقان، أما التقديرات الربوية التي تفرض عليك أحيانا في بعض المعاملات التجارية الخاصة بفوريكس فهي ليست بمثابة دخولك في عقد ربوي مع طرف آخر، وإنما هي من باب الاستشارة والإرشاد، فهذه الوظيفة أولى لك مآلا من العرض الجديد المؤقت مع السعي الحثيث في البحث عن وظيفة أخرى مماثلة خالية تماماً من أية ريبة، حتى يطمئن قلبك وتتطهر معيشتك وتحصل على رضى ربك.

فتوى 28/32

إجراء اختبار للسباحة بملابس السباحة

امرأة تدرس للتخرج أستاذة رياضة ويجب عليها أن تجري امتحانا في السباحة مع إلزامها بأن تسبح في لباس مكشوف أمام لجنة الامتحان فإن رفضت لن تمنح شهادة التخرج وتضيع عليها سنوات الدراسة. فهل يصح لها إجراء هذا الاختبار؟

الجواب: من المقرر شرعًا أنّه لا يجوز للمرأة أن تكشف عورتها لمن لا يحل له النظر إليها، ومن المعروف بين الناس اليوم أنّ الملابس المخصصة للسباحة لا تستر إلا السّوأتين وبشكل يصف ويشف أحيانًا مع سترها للصدر أو بعضه مع كشف هذه الملابس لبقيّة الجسد، وهذه العورة المكشوفة بملابس السباحة مما وقع الإجماع على حرمة كشفها إلّا لزوج أو عند غيره لضرورة تتعلق بحفظ الدين أو البدن، والمفسدة المترتبة على عدم إجراء الاختبار النهائي للسباحة وعدم الحصول على شهادة التخرج المذكورة غاية ما يترتب عليه هو عدم الحصول على عمل أو وظيفة وهي مفسدة تتعلق بحفظ المال والمعاش لا تعادل مفسدة كشف العورة المترتبة على ملابس السباحة، وقد اتفقت كلمة العلماء على أنّ المفسدة الضروريّة أو الحاجيّة المتعلقة بحفظ النسل والعرض مُقدّمة في دفعها على المفسدة الضروريّة أو الحاجيّة المتعلقة بحفظ المال على قاعدة دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما.

وعليه فلا يجوز لك الكشف عن عورتك أمام لجنة التحكيم في مقابل الحصول على شهادة التخرج المذكورة ، ونوصيك بالصبر والاحتساب، والبحث عن فرصة عمل أخرى خالية من المحاذير الشرعيّة، وسوف يجعل الله لك مخرجًا وفرجًا ويرزقك من حيث لا تحتسبين. كما نوصيك ببذل كل السبل القانونية من أجل حصولك على الحق في إجراء الاختبار بالشكل الذي لا يترتب عليه حرج شرعي وكشف للعورة المحرمة كالسباحة بما يعرف اليوم بملابس السباحة المحتشمة. كما نتوجه لكل السلطات المختصة باحترام الخصوصية الدينية للمسلمين والمساهمة في إعانة المسلمين على الجمع بين الالتزام بأحكام دينهم والعمل بمقتضيات العيش المشترك بين كافة مكونات المجتمعات الدينية في أوروبا.

التوصيات 

يدعو المجلس عموم المسلمين في الغرب إلى :

  • التزام شرع ربهم في ما أمر ونهى وأحل وحرّم في عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم ومآكلهم ومشاربهم وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية وحسن التعامل مع غيرهم.
  • التعايش والاندماج في المجتمع الذي يقيمون فيه اندماجاً سمته محافظة دون انغلاق، وانفتاح دون ذوبان، اندماجا يسعى فيه المجتمع لمستقبل مشترك يحقق مصالح الجميع وتحترم فيه كل الأديان والثقافات.
  • التراحم والتعاون مع المجتمع وإظهار روح الإيثار والتضامن، وتجسيد أخلاق الإسلام وقيمه في أوقات الأزمات والشدائد.
  • تحسين صورة الإسلام والمسلمين عن طريق الالتزام بقيم الإسلام ومبادئه العظيمة وإقامة البرامج التي تعرف بالإسلام وقيمه الحضارية.
  • أن يجتنبوا العنف بكل صوره ومظاهره، وأن يكون أسلوبهم الرفق والرحمة والحكمة في التعامل الأُسّرِي، ومع الناس جميعًا كما يأمرهم الإسلام، وأن ينكروا على كل من حادَ عن هذا الطريق الإسلامي السوي.
  • السعى الجاد لإنشاء شركات ومؤسسات مالية تفي باحتياجاتهم في جميع أمورهم الحياتية.
  • إقامة المنشئات الاجتماعية من صالات ونوادي رياضية، وحمامات للسباحة، ومراكز للاحتفالات الرسمية كالأعياد والزواج والميلاد وغير ذلك، وفق قوانين البلاد التي يعيشون فيها.
  • توثيق جميع الحقوق المادية والعقود والهبات بشكل قانوني، لحسم مادة النزاع والشقاق فيما بينهم.
  • وحدة الأسرة المسلمة وتماسك أفرادها، والتغافل والتغافر والتسامح والتواصل الدائم، وتفقّد أحوال بعضهم البعض وصلة أرحامهم هو طريق النجاة في مواجهة التحديات الحياتية في الدنيا ومن عقاب الله في الآخرة.
  • الاستمرار في أداء واجبهم في تقديم الدعم المطلوب، من تبرعاتهم وصدقاتهم وزكواتهم، لصالح المؤسسات الإسلاميّة من مساجد ومدارس ومراكز إسلامية حتى تستمر في أداء واجباتها، والعمل على كفاية حاجات العاملين فيها خصوصًا الأئمة والمدرّسون؛ لما لهم من دور كبير في مجال التوجيه والتعليم، ووفاءً لما قدّموه ويقدّمونه للمسلمين من خدمات جليلة.

ختام الدورة:
والمجلس في ختام دورته يتقدّم بخالص الشكر للأمانة العامة للمجلس وجميع من قام من الإخوة الكرام على العمل لإنجاح هذه الدورة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق