البحوث

مآل الشريعة في أوروبا عموماً.. وفي بريطانيا خصوصاً

 

مآل الشريعة في أوروبا عموماً.. وفي بريطانيا خصوصاً

 

تقديم:

الدكتور/ صهيب حسن عبد الغفار

 

سكرتير مجلس الشريعة الإسلامية (بريطانيا)

يونيو 2012


مآل الشريعة في “أوروبا” عموماً وفي “بريطانيا” خاصة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين.. وبعد/

فقد كثر الحديث عن الشريعة في أوروبا عامة وفي بريطانيا خاصة وتناولتها جميع وسائل الإعلام على حذر حيناً، وبالتهديد والملام أحيانا حتى انقلبت إلى قابوس أقَضّ مضاجع كثير من المتخوفين علمانين كانوا أو متمذهبين، سياسيين كانوا أو عاميين، وقد هالهم عدد المسلمين المتزايد بين أظهُرهم.

وقد ذكرت إحصائيات عام 2011م أنهم يبلغون إلى 56.4 مليونا في أوروبا بأجمعها مع كثافتهم في بلغاريا (13.4%) وفرنسا (7.5%) وهولندا (5.5%) (1)

قالوا إنهم لجأوا إلى دُول أوروبية فراراً من هول الشريعة، ولم يوفقوا في هذا القول، فإنه غير خاف على أحد أن معظم القادمين إلى أوروبا إنما جاؤوا لأجل تحسين أوضاع المعيشة أو التعليم أو لأجل عدم الاستقرار في بلادهم.

وقالوا إن الإسلام حلّ غريبا على ديارهم ولم يوفّقوا في هذا الإدّعاء أيضا، فإن أراضي البلقان عرفت الإسلام منذ قرون، وهي جزء أصيل من أوروبا لا ينكره إلا جاحدٌ أو مكابر، كما أن أوروبا الغربية بجيوشها الصليبية عند نهاية الألفية الأولى طرقت نفسها أبواب أراضي المسلمين فلما قفلت كانت أعرَفَ بالإسلام وأهله من دينهم الذين لم يعرفوا منه إلا طقوسا وتقاليدَ لا تسمن ولا تغني من جوع.

جاءت موجة من مهاجري الأتراك إلى ألمانيا عقب الحربين العالميين لما كانت بين تركيا وألمانيا من صلات الحلف والمناصرة ومن مستعمرات بريطانيا الكبرى وفرنسا وهولندا إلى هذه البلاد سدا لحاجتها إلى عُمّال بعد الحرب العالمية الثانية خاصة.

إنهم دخلوا هذه البلاد- وهى تنادى بشعارات الحرية والعدالة والمساواة – بتراثهم وتقاليدهم وشعاراتهم مثل دخول المسيحية إلى أوروبا الغربية في الألفية الأولى من التقويم المسيحي بكنائسها وشعاراتها، وازدانت أجواء أوروبا بمنارات المساجد فزادتها بهاءً ورونقاً.

وجاء الإسلام بالذبح الحلال فأكّد ما دعت إليه اليهود قبل المسلمين بقرون، ولم تكن أزياء النساء المسلمات غريبة عليهم فهى-في بريطانيا على سبيل المثال- أقرب إلى الثقافة السائدة في عهد فكتوريا، ولم يكن إمتناعهم من شرب الخمر شيئا ملفتا للنظر، فإن الإنجليز وغيرهم من شعوب أوروبا عرفوا جمعيات تدعو إلى اجتنابه منذ عهود.

وهكذا يقال عن الرّبا الذي أحلّته الأجيال المعاصرة على رغم تحريمه لديهم منذ أوائل عهود المسيحية.

وكان طبيعياً لدى المسلمين-ولهم في ذلك سَلَفٌ من تاريخ اليهود- أن يعمّروا المساجد تحقيقا للنداء الرباني ويبنوا المدارس حفاظا على النشء الجديد، وينشئوا مجالس الشريعة ضبطاً للشئون العائلية بل امتدّ نشاطهم إلى الجناح الإقتصادي الذي رحّب بهم، ففتح لهم طريقا إلى بنوك تتعامل بالشريعة.

وغير خافٍ على دارس الشريعة إنها تضم في طيّاتها جميع جوانب الحياة من عبادات ومعاملات، وفيها ما تخص الأحوال الشخصية، ومنها ما تتعلق بالجوانب الإقتصادية وجنايات، وبالإضافة إلى أحكام تتعلق بالسّلم والأخرى بالحرب، ومنها ما يخص البلد ومن فيه من السكّان وما يخص الأجانب وبلادهم.

غير أن المسلمين كأقلّية يطالبون بالأحكام التي يقدرون على القيام بها، ولا يطالبون بما لا يتحقق إلا بأيدي الحكومات والسلطات الرسمية.

وهذا ما حَدَا المسلمين إلى البروز في النواحي التي أشرنا إليها ولا أحد منهم طالب الحكومات بتتطبيق الحدود التي هي من حق السلطان أو خليفة الإسلام.

ولكن السياية المعادية للإسلام أبَت إلا أن يُرسل موجات من الرّعب والخوف في نفوس الأهالي بتصوير الإسلام كأنه غزا أوروبا وبيده السيف البتّار.

أرادوا أن يستفزوا مشاعر المسلمين بكلام بذيءٍ رذيل عن الإسلام وتعاليمه ونبيه المصطفى الأمين إستهزاء وسخرية، فنالوا منهم إذا ثاروا أو قابلوهم بالرد والإنكار، وزاد الطين بلة الأحداث العالمية بدءا من سقوط بُرجَي نيويورك عام 2001م وحوادث الشغب والإرهاب في بريطانيا عام2005م، فجاءت مصطلحات التطرف والإرهاب لتكون علامة بارزة على المسلمين خاصة، وصار الكلام عن الجهاد مبغوضا مثل الكلام عن السامية ثم توجهت السهام إلى كلمة “الشريعة” حتى كاد مصيرها مصير الجهاد أيضا.

وأردنا أن نتناول في بحثنا هذا مرافعة أوروبا ضد الشريعة، فنذكر فيه أولاً الكلام الذي أثير في أوروبا بصفة عامة، وهى تتناول جوانب من الشريعة ونُردفه بالنقاط التي أثيرت في عدة دول غرب أوروبا واحدة بعد الأخرى حتى تكتمل هذه المرافعة في آخر البحث ليكون مسك الكلام، وبالله التوفيق.


مرافعة أوروبا ضد الشريعة:

نورد فيما يلي النقاط الأساسية التي أثيرت ضد الشريعة في أوروبا، ومعظمها نقاط سلبية في نظرنا غير أننا حاولنا إدراج تلك الآراء التي تميل إلى شيء من العدل فتعترف ببعض جوانب الشريعة التي تصلح للمجتمعات الأروبية والتي لا تتنافى –في نظرهم- مع الأسس والمبادئ التي يؤمن بها الأوروبيون:

  • ذكر الكاتبان، ريني ديود، و “جون برائرلي” أن الشريعة تحكّم السلوك الشخصي لدى المسلم حتى لا يقع في حضيض الذنوب فلذلك قلما يكترث القانون الإسلامي باللوائح المدنية ومخالفاتها وبما أن القانون الإسلامي يؤخذ عادة من الفقه، صار هناك مجال واسع لتعبيرات مختلفة للشريعة (2)

ومن الغريب أن الدول المسلمة تجمع في قوانينها الفقه الإسلامي مع التقاليد الوطنية، وأنظمة القانون الحديث، ولننظر مثلاً إلى قانون “غانا” التي تعترف بالمحاكم القائمة على التقاليد الوطنية في مجالات الزواج والطلاق بينما تردّ قضايا المواريث إلى ما يساير الفقه الإسلامي بينما تجري المحاكم في باكستان قضايا النكاح والطلاق حسب المذهب الحنفي ولكن تردّ قضايا الإرث إلى القانون التقليدي الباكستاني.(3)

وتطبيق الشريعة –حتى في مجال الأحوال الشخصية- إذا يشكل معضلة في دول السوق الأوروبية المشتركة.

  • بينما نرى القانون الفرنسي مكتوبا ومدوّنا بحيث هو في متناول يد أي شخص، ليست الشريعة بهذه المثابة، هى تعتمد على القرآن والسنة أساسا ثم على تعبيرات الفقهاء وأحكام القضاة على مرّ العصور في كثير من الأمور التي لا يتناولها المصدران الأساسيان بالشمول، كما أنها تختلف باختلاف الدّيار، فإذا أراد القاضي الأوروبي النظر –مثلا- في قضية إرث بين زوج باكستاني وزوجة مصرية كان عليه أن يتعمق في الأحكام الفقهية أولاً ثم يطّلع على القانون المدني المتّبع في البلدين المذكورين وهذا طبعا شيء غير عملي تقريباً.
  • هناك نداءات من قبل المنظمات الإسلامية لتطبيق قانون الأحوال الشخصية الإسلامي بالنسبة للمسلمين، ولم يكن التفريق في القانون بناءً على الدّين شيئا مقبولا لدى المقنّنين البريطانيين غير أنهم رأوه من وجهة أخرى وهى أن الشريعة تتنافى مع حقوق الإنسان.

وقد اعترف بعضهم أن الشريعة أصلاً لا تتحدّث عن حقوق الإنسان إعطاءً أوحرماناً، بل إنما تهتم بالواجبات الخلقية لدى المرء المسلم أكثر من اهتمامها بالحرية الشخصية (4)

وكثيرا ما يتمثلون بقوانين الزنا في باكستان، فإنها لا تفرق بين الزنا (مع الرضا) وبين الاغتصاب، فلذلك راحت عدد من النسوة المغتصبات ضحية هذا القانون حيث حكم عليهن بحد القذف لأنهن ما وجدن لديهن شهودا أربعة لمرتكبي الفاحشة معهن. (5)

وقالت الكاتبة “أين ميئر” في كتابها “الإسلام والحقوق الإنسانية” أنه يوجد لدى الباحثين المسلمين إختلاف كبير إزاء الحقوق بدءًا من قول بعضهم أن لائحة حقوق الإنسان الدولية تتوافق مع الإسلام تماما إلى قول الآخرين بأنها تتنافى مع تعاليم الإسلام كلياً. (6)

وبهذا نستطيع أن نجزم أن الشريعة تتعارض مع حقوق المرأة وغير المسلمين.

  • امتداداً لما جاء في الفقرة السابقة نرى أن الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية يمنع صراحة حرية إبداء الرأي والدين وما في الضمير بموجب مادة رقم عشرة وإحدى عشر.

وهذه الحرية أكثر بكثير مما جاء في الميثاق الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان في مادة رقم 12 (أ) حيث تقول:

“كل إنسان له الحق في إبداء رأيه ومعتقداته ما دام يبقى في إطار القانون” (7)

وأشارت الكاتبة “أين ميئر” أن النص المترجم إلى العربية استبدلت كلمة “القانون” بكلمة “الشريعة”، وهذا مما يدَعُ المجال لتحديد هذه الحرية، فلا يحق لأحد –على مستوى أدنى- يقوم بمحاولة تغيير لمذهب مسلم من المسلمين أو ينتقد شخصية الرسول بكلام لاذع” ثم جاءت الكاتبة بأمثلة من القانون الباكستاني بخصوص إهانة شخصية الرسول مما أدى إلى إلقاء القبض على عدد من المسيحيين في باكستان، وفي إيقاع الحظر على جريدة فرنسية (L’ EXPRESS INTERNATIONAL) لتدخل السوق الجزائري لمدة أسبوع لأجل مقالها الرئيسي بعنوان (صدمة المسيح/محمد). (8)

ولا ترى السيدة معصم الفاروقي (الفلسطينية الأصل) أستاذة القانون والتاريخ الإسلامي في جامعة جورج تاون بواشنطن أي منافاة بين الشريعة والقانون الأوروبي وتستصغر الأمور المتعلقة بامتناع الرجال من مصافحة النساء أو بالعكس أو أكل لحم الخنـزير، وقالت: “عندنا أُصُلٌ مماثلة وكل الآباء يريدون من أولادهم أن يتربوا في جو صحي متزن، لا يكذبون ولا يسرقون، وقد يكون هناك اختلاف في بعض التقاليد الإسلامية فحسب”.

ولما سئلت عن ختان البنات لدى المسلمين، أجابت أن هذه المسألة بهذه الضآلة بحيث لا تشكّل أي مشكلة في العالم الإسلامي ويمكن معالجتها حيث أن الشريعة لا تشجّعها، فلذلك أعود فأقول أنه لا منافاة هنالك بين الشريعة وحقوق الإنسان. (9)

  • الشريعة تهدّد التّراث اليهودي المسيحي السائد في أوروبا، وخلفيتها أن المسلمين الذين هاجروا إلى هذه البلاد من تركيا والجزائر وشبه القارة الهندية الباكستانية كانوا قلة في البداية وما كان يؤبه لهم، ولكن عددهم أصبح في ازدياد بعد مرور جيلَين أو ثلاث حتى صارت الشريعة المعمول بها في داخل المنازل سابقا مثار تحدٍ لأقدار المجتمع الأوروبي، وصارت قضايا تعدد الزوجات وضرب النساء حديث الناس في المحافل، ولوحظ أن هناك مناطق خاصة بالمسلمين في فرنسا (التي تحتضن أربعة عشر مليون مسلم) لا يمكن توزيع نسخ الأناجيل فيها وقد يؤدي ذلك إلى العنف إذا تجاسر أحد على هذا العمل، ويقدر أن تصبح هولندا أول دولة في أوروبا الغربية بأكثرية مسلمة إلى عام 2015م تتلوها فرنسا.
  • الشريعة تنافي أصول الديموقراطية، جاء ذلك في حكم أصدرته المحكمة الأوروبية للحقوق الإنسانية عام 2003م في قضية حزب الرفاه وتركيا.

ورد في بند 72 من هذا الحكم كما يلي:

“من الصعب أن يدّعي أحد احترامه للديموقراطية والحقوق الإنسانية بينما هو في نفس الوقت يؤيد دولة تقوم على أساس من الشريعة، وهذا يتنافى صراحة مع الأقدار التي يدعو إليها الميثاق الأوروبي للحقوق الإنسانية، وخاصة بما يخص القانون الجنائي والإجراءات الجنائية (لدى الشريعة) وتعاملها مع مكانة المرأة والطريق التي بموجبها تدخل (الشريعة) في جميع مجالات الحياة الخاصة والعامة تمشيا مع تعاليم الدين”. (10)

ومن الجدير بالذكر أن إقليم “أونتاريو” في كندا، عندمت واجهت هذه المشكلة وهى مصادمة بين الحرية الدينية والحقوق الإنسانية، اضطرت إلى إلغاء جميع المحاكم الدينية. (11)

  • موضوع الإسلام في أوروبا ينقلب إلى موضوع سياسي لأسباب اجتماعية لا القانونية وهى تنحصر في النقاط الثلاثة التالية:

أولاً: إن المسلمين –بتمسكهم بالقانون الإسلامي- جلبوا لأنفسهم شعورا لدى المواطنين البيض كأنهم فئة أخرى أو كأنهم غيرهم وليسوا مواطنين بريطانيين.

جاء ذلك في تقرير أعدت السيدة ألزابث بول عام 2002م عن المسلمين في بريطانيا، وقد لعب الإعلام دورا هاما في تصوير المسلمين بهذه الصورة بحيث أنهم يهددون الأقدار البريطانية لما يوجد لديهم من فروق واضحة في ثقافتهم وتقاليدهم.

وبموجب هذا التقرير، أن المسلمين يريدون لأنفسهم إطاراً قانونيا منفصلا مما يجعلهم مجتمعا أجنبيا، ولا يساعد على احتوائهم كمواطني هذه البلاد حسبما جاء على لسان السيد “ديود بلنكِت” وزير الداخلية البريطاني السابق.

وفي فرنسا نرى السيد سركوزي يفرق بين الإسلام الجيد وغير الجيد بناء على الفرق بين المسلم الفرنسي والمسلم الأجنبي، وهو بذلك يقصد الإشادة بالمسلم إذا ترك جميع تراثه وتقاليده وذاب في المجتمع الفرنسي تماما أو بتعبير آخر استوعب معاني المساواة والإنسانية والحرية كما وردت في الميثاق الأوروبي.

ثانياً: الدعائم المذهبية للقانون الإسلامي تبدو كأنها تهدد مسيرة العلمانية السريعة الانتشار في أجواء أوروبا.

وحسب تقرير مركز بيو (PEW) كانت فرنسا أكبر الدول الأوروبية علمانية تأتي بعدها بريطانيا وأسبانيا ومن ثم ألمانيا حيث بدأ يتقلص عدد الكاثوليك والبرتستانت، وعلى العكس من ذلك أبدى المسلمون تمسكهم بدينهم (من ناحية إقامة الصلاة وصوم رمضان) بأكثرية ساحقة.

وإذا كانت نسبة الإنجليز الذين رأوا أهمية الدين في حياتهم لا تعدو 13% حسب التقرير المذكور لعام 2008م، وصلت نسبة إجابة مماثلة لدى المسلمين المنحدرين من باكستان في بريطانيا إلى 98% ولدى الأتراك في ألمانيا إلى 94%، وإزاء هذا تقول الكاتبة “لنجاكمبو”:

“علمانية الدولة لا تمنح أسبابا ثقافية أو قانونية للأنشطة الإسلامية، إن علمانية الدولة –بالنسبة للإسلام- تعني أن الدين سيُدفَع به تدريجيا إلى خارج النظام السياسي، وصارت العلمانية بذلك أقوى عامل لتحول بين المسلمين وبين دخولهم في الحياة السياسية، والإسلام بذلك أصبح يهدد علمانية الدولة لأنه يتيح أعمالاً منبعثة من دواعي مذهبية.(12)

وفي كلمات للسيدة “وارثي” إحدى الوزيرات في الحكومة الديموقراطية الحالية نفيٌ للإزدواجية في القانون حيث قالت: “نحن نعترف بالممارسات الدينية تحت ظل القانون ولكنني أعتقد بوضوح تام بأننا كلنا خاضعون لقانون واحد، مدنيا كان أو جنائيا، ونحن مؤاخذون بالتساوي أمام القانون، مهما بلغت بنا الخلافات داخل صفوفنا” (13)

ثالثاً: وقد يكون هذه نقطة هامة وهى أن وجود الشريعة داخل نظام قانوني قد يضاعف من خطورة الراديكالية والإرهاب مهددا بذلك أمن المجتمع بأسره.

وحسب تقرير بيو (PEW) لعام 2005م إن شعور المسلمين بهويّة مستقلة، وعدم مسايرتهم للأقدار المحلية، هى مظنة خلق التطرف والإرهاب. (14)

ولما كانت إحصائيات (PEW) اتخذت قبل أحداث عام 2005م (انفجار قنابل في عدة أمكنة في لندن)، ترجّح أن المجتمع البريطاني كان قد بدأ يشعر بعدم الثقة في المسلمين وليس من أجل حوادث الإرهاب ضرورة.

وحسب استنتاجات “لنجاكومبو” ساعدت الأقدار الثورية في تعاليم الإسلام إلى إحداث قُوى ثورية، كالتي تمثلت في الثورة الإيرانية على الصعيد العالمي، ومجموعات الإخوان وغيرهم داخل صفوف مسلمي أوروبا، إلا أن عددا كبيرا من المسلمين ليست لهم صلة بهذه المجموعات وإنما يتخوّفون التطرف تماما مثل ما يتخوفه المجتمع البريطاني، وجهودهم لا تزال متمَركِزة بالمساجد وما يتصل بها من أنشطة تعليمية واجتماعية. (15)

وزاد من مخاوف الألمان ما جاء على لسان السيد “آغست هيجون” نائب وزير الداخلية الألماني أن هناك سبعمائة مواطن ألماني لهم صلة بالحركات التطرفية الإسلامية، وفي فرنسا قادة لليمين السياسي استغلوا إمكانية ريديكالية المهاجرين المسلمين لإثارة الكراهية ضد الإسلام.

وحسب تقرير أعدّته مدرسة “كاردف للإعلام والصحافة والدراسات الثقافية” (في بريطانيا) ما يُنشر في الإعلام عن المسلمين ثلثاه يصورهم كتهديد أو مشكلة للبلاد. (16)

وكذلك في مقالات وأحاديث نشرت على أخبار بي بي سي (على الخطّ) كثر الكلام من قبل المعلّقين والمستمعين أنه ليس هناك أي مكان لازدواجية القانون في بريطانيا لأنها ليست باكستان ولا العراق. (17)

وهذا كله يدل على دور الإعلام لنشر “إسلاموفوبيا” في قلوب الناس وهو دورٌ لا يُستهان به.

  • من الملاحظ أن هناك عدّة جوانب من الشريعة تقبلتها المجتمعات الأوروبية منها الجانب الاقتصادي المتمثل في إقامة بنوك تعمل حسب تعاليم الشريعة وعددها في ازدياد والإقبال عليها في نموّ وازدهار، وحسب قول مدير (بنك كيت هاؤس) ستصل السوق المتعاملة بالشريعة إلى مبلغ ألف بليون في العقد الأول من هذا القرن مع ضعف عدد البنوك الإسلامية في خمس سنوات.

إن البنك الإسلامي البريطاني كان أول بنك يسجّل نفسه لدى سلطة الخدمات المالية (FSA) عام 2004م. (18)

ثم بدأت تتوسع دائرة الخدمات المصرفية لدى هذه البنوك لتشمل بطاقة قرطبة الرئيسية الذهبية التي تخلو عن الربا لأنها مدفوعة مسبقاً، ويتلوه التأمين الإسلامي للسيارات، وصارت بذلك بريطانيا أقوى مناصر للاقتصاد الإسلامي في أوروبا، ومنذ عام 2008م بدأت تعرض مكافأة التقاعد (Pension) لمن لم يحصل على مثله من الشركة وهى الآن في سبيل إيجاد كِفالة (Bond) حسب الشريعة. (19)

ولم يخطئ الصوابَ عندما صرّحت “الأمانة” التابعة لبنك (HSBC) أحد أكبر البنوك في بريطانيا، بأن الحكومة تريد أن تجعل من لندن بؤرة البنوك الإسلامية في أوروبا. (20)

وقد شعرت فرنسا بأهمية هذا الأمر فصرّح وزير المالية الفرنسي بإحداث تغييرات بحيث تشمل احتواء البنوك الإسلامية في باريس. (21)

وفي يناير 2009م استحدثت مدرسة “ستراسبرغ للإدارة” شهادة في الإقتصاد الإسلامي وصارت بذلك ثاني دولة لتقدّم مثل هذا البرنامج. (22)

أما ألمانيا، وهى أقوى دولة اقتصادية في مجال “يورو” كما أنها ثاني دولة في أوروبا لتَحتضِن أكبر عدد من المسلمين، فستكون مركزا مُهمّا آخر للمصارف الإسلامية حيث أن البنك الألماني في دُبي بدأ يعرض خمسة أنواع من التمويل الإسلامي، وهى تفكر في الإتيان بها إلى بلادها. (23)

  • ومع كل هذا الإقبال على التمويل الإسلامي، لا تزال الشعوب الأوروبية تنظر إلى المحاكم الإسلامية بحذر وارتياب بل قد تقوم بموقف عدائي ضدها.

وفي بريطانيا أنشئ مجلس الشريعة الإسلامية عام 1982م وهو يهتمّ بالفصل في الأمور العائلية خاصة حتى تناول –منذ نشأته- إلى الآن أكثر من سبعة آلاف قضية، وبذلك ساعد المجتمع المسلم على التمسك بأهداب الشريعة في أمور تخص الأحوال الشخصية، وجاء نداء رئيس أساقفة كنتربري “السيد راون وليم” مثيراً لقضية الشريعة عندما قال لا بأس باحتواء بعض جوانب الشريعة في القانون البريطاني، وما إن نطق بهذه الكلمات إلا وبدأت سهام النقد والتجريح توجه إليه بكل قوة وإيلام، وقد أيد رئيس القضاة في بريطانيا فيما بعد كلام رئيس الأساقفة أيضا في خطاب له بالمركز الإسلامي بشرق لندن.

وعندما أنشئ محكمة القضاء (Tribunal) للتحكيم الإسلامي في عام 2008م وبدأ يفصل في الأمور المالية اتجهت إليه الأنظار مدحاً ونقداً وما إن أراد أن يُحدّث الشعب الإسكتلندي بتجربته، رفضته الحكومة الإسكتلندية بناء على عدم وجود إمكانية لأي نظام مزدوج، غير أن كبير أساقفة تلك البلاد ” إيان غيلووي” مدحه بقوله: “الذي عُرض علينا لا يبدو كأنه نظام قضائي متقابل ليحلّ محلّ نظامنا القضائي، بل إنما هو نوع استراحة خلال مجتمع معين لحلّ النّـزاعات. (24)

وحسبما أدلى به “جيك إسترا” أحد الوزراء في حكومة حزب العمّال السّابقة من تصريحات، إن أحكام المحاكم الدينية مسيحية كانت أو يهودية، مقبولة قانونيا ما دامت لا تُناقض القانون الجنائي البريطاني”. (25)

ومع انتشار المصارف الإسلامية والمحاكم الشرعية، معظم المسلمين في بريطانيا لا يريدون إحداث تغييرات جذرية مثل تطبيق الشريعة بحذافيرها أو إنشاء خلافة إسلامية أوروبية.

  • من الممكن الإستفادة بأصل “الاجتهاد” لتكون الشريعة أكثر قبولا في المجتمعات الأوروبية، وهذا عمل يقوم به –إلى حد كبير- المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، فهو محلّ الرّد على تساؤلات المسلمين وإصدار فتاوى لهم حتى يتمكنوا من إعمال الشريعة داخل نطاق أوروبي، وله عدة قرارات بخصوص قضايا هامّة مثل حكم زواج المسلمة الحديثة بالإسلام بغير المسلم وعرض الكحول داخل مَتجرٍ مسلم، وإلى أي مدى يمكن أن تعتمد الزوجات المسلمات على أزواجهن في أوروبا إلى غير ذلك من قضايا أخرى تخصّ الحياة العائلية والإجتماعية. (26)

وختاماً نقول إن انتشار المصارف الإسلامية والهيئات الشرعية ومجالس التحكيم في أوروبا قد تستهوي المجتمعات الأوروبية أيضاً وخاصة في المجال الاقتصادي نظراً إلى أزمات اقتصادية واجهتها أوروبا في العقد الماضي من جرّاء مخلّفات المعاملات القائمة على الربا الفاحش وبيوع مجهولة وبيوع مستقبلية غير أن مخاوفها ازدادت أيضا لأجل حوادث إرهابية نُسبت إلى المسلمين، وزاد الطّين بلةً موجة “إسلاموفوبيا” التي أبحرتـها وسائل الإعلام، وكذلك السياسيون الذين يجعلون من الإسلام مناوِئاً سياسيا يريد أن يقضى على تقاليدهم وتراثهم وأنظمتهم القضائية، وهم بذلك حاولوا هدم كثير من الأعمال البنّاءة التي قام بها المسلمون في ديار أوروبا، فالحاجة ماسّة إلى توعية إيجابية شاملة توضح ما يطلبه المسلمون حقيقةً وتطرح ما ينسب إليهم تمويها وإضلالاً.

وسوف تعرِف إذا انكشف الغبارُ                 أفـرسٌ تحت رِجلك أم حـمارُ

2– بريـطانيـا:

ذكرنا آنفاً عددا من الجوانب التي هى أصبحت مثار حديث ونقاش بخصوص الشريعة في بريطانيا، وكذلك أشرنا إلى مجالس الشريعة وأخرى للتحكيم خاصة، ولنأتِ الآن إلى نواحٍ لم نتطرق إليها من قبل:-

  • من الملاحظ أن الإسلام في ازدياد وانتشار بينما سارت الكنيسة إلى تقلص وانحسار، ووصل الأمر ليَمسّ المصطلحات التي كانت خاصة بالمسيحية حتى أن إذاعة “بي بي سي” الشهيرة استبدلت مصطلحات D (بعد المسيح) و B.C (قبل ميلاد المسيح) بمصطلحين آخرين وهماC.E (الدور العام) و B.C.E (قبل الدور العام) المسيحيتين.

وقد أوردنا كلمات كبير أساقفة كنتربري التي دعت إلى ضرورة اقتباس بعض جوانب الشريعة بالقانون الإنجليزي غير أنه أتمـّـه بقول صريح عن الحدود: “وليس هنالك أي مكان للعقوبات القاسية ولا للتمييز ضد النساء”.

وما استطاع نذير علي، قسٌّ مسيحي من أصل باكستاني لجأ إلى بريطانيا في ظروف غامضة، أن يهضم أقوال كبير الأساقفة في هذه اللفتة الكريمة التي أبداها فقال: “إن القانون الإنجليزي له جذور في التراث اليهودي المسيحي، وأن مُعتقدنا في الحرية الإنسانية ينبع من تلك التقاليد، وسوف يكون مستحيلا لاقتباس من تراثٍ آخر مثل الشريعة في صلب هذا القانون بدون المساس بالترابط الذي يوجد فيه.” (27)

  • ورد في مقال كتبه “ايمرسن ورمات” الصحافي الهولندي أن الشريعة تسمح للرجل أن يعدّد الزواج إلى أربعة بدون إذن من الزوجة الأولى، ولايزال عدد الشباب المسلم الراغب في التعدد يتزايد يوماً فيوماً، أشارت بذلك إذاعة بي بي سي الآسوية بعد الرجوع إلى مجلس الشريعة الإسلامية، وذكرت أنّ هذه الزِّواجات غير معترف بهن لدى القانون البريطاني ولكنها شرعية لدى المجتمعات الإسلامية”

وقالت الصحيفة الإنجليزية “منيات مارين” في جريدة “تايمز” الأسبوعية بتاريخ 2/2/2008م: “الذي لا يقبل القانون، ليس له صلة بهذه البلاد”

واستطرد كاتب المقال على كلامها، فقال: “هى صادقة في قولها، إذا كان المسلمون يريدون تطبيق قانون الشريعة للأزمان الوسطى في مجتمعاتنا العلمانية التي يكرهونها أيّما كُره، فلِمَ لا يرجعون إلى بلاد الشرق الأوسط وإلى باكستان؟ لِمَ لم تهاجر جميع المنقّبات والمُبرقعات إلى السعودية وإيران وأفغانستان” (28)

وقالت الكاتبة “منيات ميرين” يمكن أن يقال شيء كثير ضد الشريعة التي يريدها 40% من مسلمي بريطانيا حسب بعض الإحصائيات ولكنها شيء قابل للنقاش، هى في حاجة إلى كثير من إصلاحات، ولكنها لا تصلح أبدا لبريطانيا”.

انتقدت الكاتبة رئيس الأساقفة واتّهمته بأنه أراد أن يقوض نظامنا القضائي والأقدار التي يقوم عليها”.

وقالت: “إنها خيانة في حق أولئك الذين جاهدوا وضحوا بحياتهم طوال القرون الماضية لأجل الحرية والمساواة ظل القانون، ولأجل مواقفهم البطولية ضد الجور والسخف”.(29)

  • قالوا إن مجموعة من الشباب المسلم الذين اختاروا لأنفسهم اسم “المسلمون ضد الصليبية” عزموا على تحويل عدة مناطق في بريطانيا إلى مناطق إسلامية تحت حكم الشريعة ويقدّرون عددها باثنتي عشرة منطقة منها مدينة برمنجهام وليدز ولوربول.

وحسب تقرير جريدة (The Cutting Edge News) إنهم يسمّون منطقة “تاورهِـملِت” بشرق لندن (وهى عامرة بالمسلمين البنغاليين) الجمهورية الإسلامية لتاور همليت.(30)

  • وصرّحت مجموعة نساء كُرديات / إيرانيات لحقوق النسوة بأن المحاكم الشرعية في بريطانيا تهضم حقوق النسوة، فلذلك بدأت هى تعمل بمساندة من بعض البرلمانيين، في إقرار قانون جديد يمكن بموجبه مساءلة جميع المحاكم الشرعية تجاه قانون الحقوق الإنسانية وقانون التمييز الجنسي، وقالت هذه المجموعة أن مشكلة المحاكم الشرعية هى أنها امتدت أياديها إلى كثير من القضايا مثل الطلاق والزواج القسري والعنف الأسري بالإضافة إلى نزاعات خاصة بالديون والمال والميراث، وقالت إن النساء والأولاد قد يُجبرون من قبل أزواجهن ليتماثلوا أمام هذه المحاكم ضد مصلحتهم، فإن الشريعة مثلا تحكم في قضايا حضانة الأولاد بدون اعتبار لمصلحتهم أو مصلحة أمهاتهم، وفي قضايا الميراث التي تحكم للبنات نصف ما يُعطى للذكور، وفي باب الشهادة حيث تعتبر شهادتها على النصف من شهادة الرجل. (31)

إن هذه المحاكم أو المجالس قد تفرض على الأزواج التوقيع على اتفاقيات تحد من حقوقهم التي تعترف بها المحاكم المدنية كما أن هذه المحاكم ليس فيها ضابط لتعيين القضاة أو مراقبة أحكامهم.

  • أقرّ البرلمان البريطاني بقانون الزواج القسري عام 2011م وبموجبه قد يسجن الشخص لعامين إذا ثبت أنه أجبر آخر على الزواج، ويحق للشخص المتضرّر أو أحد لأصدقاء أو الشّرطة أن يطالب بتنفيذ حكم حمايته من الزواج القسري.

وقال “ديود ملي بيند” وزير الخارجية في مقال له نشر بالجريدة بأن وحدة الزواج القسري في بريطانيا تناول في عام واحد أكثر من ألف وخمسمائة قضية”

وعلم من نفس الوحدة أن 65% بالقضايا التي وردت إليها إنما كانت من أشخاص ذي صلة عرقية بباكستان.

  • استحدث المعهد الإسلامي الذي أنشأه الدكتور كليم صديقي قبل ردحة من الزمان نموذجا لعقد النكاح بحيث جعل فيه تعديلات جذرية، فيها بعض المخالفات للشريعة مثل جواز الشاهدين بدون اشتراط جنس أو دين، وعدم ضرورة رضا الولي للمرأة، وقد قوبل بالنقد من الجهات الإسلامية الأخرى، وخاصة من قبل مجلس الشريعة الإسلامية.
  • هناك نقاط أثيرت في اجتماع حول الطاولة المستديرة يوم 6/2/2012م حضره عدد من الشخصيات البارزة من الجكومة والعاملين في المجتمع المسلم، وهى كالتالي:
  • تسجيل المساجد بكثرة لعقد الأنكحة الإسلامية بالإضافة إلى الزواج المدني حتى لا يبقى النكاح بدون تسجيل رسمي، وهناك إحصائيات أعدتها جامعة “كاردف” أن 5% من الرجال لا يسجّلون الزواج رسميا حتى يتفادوا مسئولياتهم تجاه زوجاتهم.
  • ضرورة شمول القانون ضد تعدد الأزواج للأنكحة الإسلامية
  • ضرورة شمول القانون الخاص بالطلاق للأنكحة الإسلامية
  • إذا كانت الأنكحة المعقودة في بلاد إسلامية كباكستان معترف بها في بريطانيا، لِم لا يعترف بمثلها إذا عقد في بريطانيا؟
  • الطلاق المدني يجب أن يقبل كطلاق ينهي النكاح فليست هناك حاجة لطلاق صادر من مجلس الشريعة.
  • ما هو الفرق بين الطلاق الإسلامي والطلاق اليهودي لأن الأخير في حاجة إلى موافقة من الزوج دائما، فهل هناك طريقة يسهّل على المرأة المسلمة حصول الطلاق الإسلامي بدون أن تكون متضررة من أجل معاناة من قبل الأزواج.
  • مكان الزواج كنيسة أو مسجدا أو مكتبا رسميا هو الذي يسجل رسميا ليكون محلا لإيقاع الزواج، وقد يكون من المستحسن تسجيل شخصيّ للشخص الذي يجري مراسيم الزواج حسب ما هو المعمول في أسكتلندا.
  • هناك حاجة لإرشاد الأئمة حتى لا يتدخلوا في قضايا العنف الأسري لأنها من خصوصيات القضاء.

هذه النقاط هى مؤشر هام للإتجاه الذي يتجه إليه المقنّنون في بريطانيا.

  • هناك عدة مواضيع أثيرت في مقال مسهب كتبه “دوغلس مرّي” وهى بمثابة تضليل للرأى العام لأنها تجانب الصواب في معظمها: (32)
  • استشهد بقول “روجرسكروتن” الذي وصف القانون الإنجليزي بأنه بقى متماسكا، قريبا من الحياة الإنسانية ومرتبطا بالحقائق الخاصة بالصراعات الإنسانية، ثم أعقبه بقوله: “وليس هناك شيء يناقض تماما التحديدات الموجودة في الشريعة مثله”
  • وجود تعبيرات مختلفة للشريعة تجعلها غير صالحة للتطبيق
  • ترى المحكمة الأوروبية للحقوق الإنسانية أن الشريعة مصادمة للحقوق الإنسانية تماما.
  • هناك آيات تلو الآيات في القرآن وكلها تدعو إلى التمييز ضد النساء، ومن المعروف أن الأناجيل لها مثل هذا الإتجاه ضدهن، ولكن اليهود والمسيحيين لم يعودوا حرَفيين وإنما يتعاملون بكتبهم بصفة إرشادية فقط.
  • تعاليم الإسلام تفرض على المرأة لباسا معينا ولا تجعل لها حقوقا مثل الرجال في الميراث والشهادة وإيقاع الطلاق وتعدد الأزواج.
  • الميثاق العالمي للحقوق الإنسانية الصادر عام 1948م يمنح كل شخص حرية الخطاب والمعتقد بالإضافة إلى حرية الفكر وإبداء ما في الضمير وحرية المذاهب، وليس هناك شيء مثل هذا في المذاهب السنية أو الشيعية.
  • مارس رسول الإسلام قتلا لمخالفيه وأوقع حد الردة على من خرج عن دين الإسلام وجعل لرعاياه من غير المسلمين رُتبة دنيا بإقرارهم كأهل ذمة وفرض الجزية عليهم.
  • رسول الإسلام دعا إلى الجهاد وجعله واجبا دينيا مهما حتى أن قتال غير المسلمين أصبح شيئا مقبولا لدى المسلمين.
  • الحدود التي تفرضها الشريعة هى قاسية وبربرية، منها ما تتناول الجَلد ومنها ما تتناول الرّجم أو القصاص بالسيف.
  • الإقتصاد الإسلامي هو شيء مستحدث، إنما هو من مبتكرات المودودي، والهدف منه هو الدخول في العصر الجديد بدون أي مصالحة مع الغرب وليبقى المسلمون على أدنى اتصال مع غيرهم.
  • الإقتصاد الإسلامي يقوم على آية واحدة عن حرمة الربا، وكذلك كان الأمر عند اليهود والنصارى غير أنهم استطاعوا أن يخرجوا من ضيق الحَرفية بينما اضطر المسلمون إلى احتيال لتفادي الرّبا ولكن تعاملوا بها بأسماء أخرى، وإن تعامل الرسول بالربا في زمنه كان ردا على الظلم الذي مارسه المرابون وهو ليس بالصفة التي يعرف بها في العصر الحاضر.
  • ويبدو غريبا أن يأتي مثل السيد “غوردن براؤن”، رئيس وزراء بريطانيا السابق ليشجّع فتح البنوك الإسلامية في هذه البلاد، ويمد يد التعاون إلى مجلس المسلمين البريطاني (MCB) لمساندته في هذه الجهود التي ازدهرت من أجلها تجارة الاقتصاد الإسلامي فزادت أرباحها عاما بعد عام بدءا من 150 بلائين دولار في بداية التسعينات إلى سبعمائة بليون دولار في عام 2007م، وبدأت لندن تعرض الآن سوقا ثانوية في إصدار الصكوك بمالية خمسة بلايين دولار، وهذا ما يشجع معهد مارك فيلد للدراسات العليا في “ليستر” وجامعة “ريدنج” إلى بدء دراسات اقتصادية تمنح الطالب شهادة عند إكمالها.
  • الزكاة هى مصدر هام للتمويل في الإسلام، ولكن صار لمجالس وأشخاص مثل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والشيخ محمد يوسف القرضاوي حقَّ الإرشاد لمن تصرف هذه الزكوات وما هى التجارات التي تصلح ممارستها للبنوك الإسلامية وما لا تصلح، ومن أى بلاد تستورد البضائع والتي لا تستورد منها، فكان الناس صاروا ذمة في أعناق هؤلاء العلماء القدامى –في أفكارهم ونظرياتهم- وتلك المجالس التي تعيش في الماضي.
  • يرى بعض الباحثين، منهم تيمور كُران، أستاذ في جامعة كاليفورنيا سابقا أن نظام الزكاة لم ينجح في أى بلد، وقد فشل في ماليزيا تماما، وإنما جاء مساندا لإداراتها المذهبية، وقال أنه لا يوجد هناك نظام بنكي إسلامي، كما أنه ليس هناك طريق إسلامي خاص لصناعة باخرة، وأنه شجع العسكرية الإسلامية في العالم الإسلامي.
  • تناول الحديث عن مجالس الشريعة ومحاكم التحكيم بالنقد والجرح وضرورة إخضاعها لنظام القضاء البريطاني العام، وردّ كلمات نابذة لبعض الناس كقوله: “إعطاء السلطة للملاّ هو خطوة إلى التراجع”.

ويرى أن العدد الكبير من النساء اللاتي يقرَعن أبواب مجالس الشريعة لسن متبـرّعات بل إنما هن ألجئنَ إلى ذلك لعدم بديل آخر.

  • جاء باللائمة على بعض المتطرفين كأنجم شودري (من حزب التحرير) وعلى بعض المعتدلين كصهيب حسن (سكرتير مجلس الشريعة الإسلامية) في قول الأول منهما عن ضرورة إيجاد الخلافة الإسلامية وعدم ضرورة تسجيل الأنكحة رسميا، وقول الآخر منهما في عرض النظام الجنائي الإسلامي على الغرب لحل قضايا العنف والسرقة والقتل.
3- بـريطانيــا: ( الحوار بخصوص التّقنين بأمور تخصّ الشريعة):

كثر الحديث في الإعلام البريطاني عن الشريعة والمحاكم الشرعية ومجالس الشريعة حتى وصل الأمر إلى أن قامت إحدى أعضاء دار الخواص، وتسمى اللوردة “كوكس” بتقديم مسوّدة قانون للقراءة المبدئية يقتضي المساس بأمور تمس الشريعة، وخلاصته كالآتي:

مقترحات مسوّدة القانون ما يلي :
(أ)

  • جريمة جنائية جديدة من قبيل”ادعاء مزور للولاية القانونية” بالنسبة لأي شخص الذي يفصل في المسائل التي ينبغي أن تقررها المحاكم الجنائية أو المحاكم العائلية، فالحد الأقصى للعقوبة له خمس سنوات في السجن.
  • تنص صراحة في التشريع أن قانون التمييز الجنسي يتم تطبيقه مباشرة لإجراءات التحكيم. وقد تكون الأحكام التمييزية ملغاة بموجب مسوّدة القانون.
  • تُناشد الهيئات العامة إعلام المرأة أن لها حقوقا قانونية أقل، إذا كان زواجها غير معترف بها من قبل القانون الإنجليزي.
  • تنص صراحة في القانون أن محاكم التحكيم قد لا يجوز لها أن تتعامل مع قضايا تخضع لقانون الأسرة (مثل الطلاق المعترف بها قانونا أو حضانة الأطفال)، أو للقانون الجنائي (مثل العنف المنـزلي).
  • تجعل أسهل على المحكمة المدنية طرحَ أمر الموافقة إذا تم التوصل إلى أية اتفاقية تحكيم تحت الإكراه.
  • تنص صراحة على وجه التشريع بأن ضحية للعنف المنزلي هو شاهد على جريمة ، وبالتالي يجب أن تكون محمية صراحة من ترهيب الشهود.

(ب) وأرادت بذلك تحقيق المطالب التالية:

“المساواة في ظل القانون هي قيمة أساسية في العدالة البريطانية. ومسوّدتي القانونية  تسعى إلى الاحتفاظ على هذا المعيار. كما تسعى المسوّدة إلى إيقاف النظم القانونية الموازية ، أو “شبه القانونية” ، التي بدأت تترسخ في بلدنا. وقضايا القانون الجنائي وقانون الأسرة هي مسائل خاصة بمحاكمنا الإنكليزية وحدها.

“من خلال هذه المقترحات أريد أن أوضح تماما قانونيا أن التمييز ضد المرأة لا يكون مسموحا داخل التحكيم. ويساورني القلق البالغ عن معاملة النساء المسلمات من قبل المحاكم الشرعية. يجب علينا أن نفعل كل ما بوسعنا للتأكد من خلوها من أي ترهيب أو إكراه أو إجحاف. وتقول العديد من النساء : “لقد جئنا إلى هذا البلد هربا من هذه الممارسات ولكن اكتشفنا أن الوضع أسوأ ههنا”.(33)

(ج) وأشاعت الجهات التي تؤيد هذا القانون هذه النواحي الآتية التي –في زعمها- تخص الشريعة الإسلامية وهي غير مقبولة لديها.

بموجب الشريعة الإسلامية :

  • شهادة المرأة في المحكمة هى على النصف من شهادة الرجل
  • يجوز للرجل أن يطلق زوجته من جانب واحد، وغاية ما يحتاج هو فقط التلفظ بكلمة “الطلاق” ثلاث مرات وحده للقيام بذلك. وعلى العكس من ذلك ، تواجه المرأة شروطاً أكثر صرامة ، بما في ذلك إذن من زوجها ، ودفع المال ، وتقديم طلب إلى محكمة الشريعة الإسلامية. وعلاوة على ذلك ، يحق للرجل المطلق أن يتزوج من جديد، في حين أن المرأة لا يحق لها ذلك.
  • وبالنسبة للقانون فيما يتعلق بالميراث يحق للرجال والفتيان الحصول على ضِعف ما تحصل النساء والفتيات ؛
  • وفي حالات الاغتصاب ، يطلب أربعة شهود من الذكور من قبل المحكمة الشرعية لإثبات شكوى المرأة ؛
  • شهادة النسوة غير مقبولة في قضية اغتصاب في المحكمة الشرعية ؛
  • وبعد الطلاق ، فيما يتعلق بحق حضانة الأطفال فهو يتحول تلقائيا إلى الرجل فور أن يبلغ الأطفال سن السّابعة من عمرهم، والأم لا يوجد لديها حقوق الوصول إليهم، وجميع فقهاء القانون وموظفي المحاكم والقضاة يجب أن يكونوا مسلمين ؛ ولا يسمح لغير المسلمين للمشاركة فيها بأي طريقة أو شكل من الأشكال ، ولا يمكن لأي مرأة أن تصبح قاضية.

وتم عرضه المبدئي في 7/6/2011، وبقي أن يُعرض للقراءة الثانية القابلة للنقاش والمداولة في شهر مارس القادم، وبما أنه كثر الحديث حوله إما لصالحه أو لمعارضته، فلذلك إبتعثت اللوردة إحدى مستشاريها من السيدات المثقفات المحاميات إلى عدة جهات دينية من يهود ومسلمين وهنادك لمعرفة ما لديهم من آراء وأفكار، فجاءت السيدة (س.ر) إلى مكتب مجلس الشريعة في شهر ديسمبر2011، وأجرت هذا الحوار مع كاتب هذه السطور بصفته سكرتيرا لمجلس الشريعة وأحد قضاته في القضايا العائلية، وبما أن هذا الحوار يتسم بالجدية والصراحة، وهو مُفعم بأمور كانت خفية عليها وساعد في إزالة كثير من الشبهات لديها، رأينا إدراجه موجزا وحيث أنه لم يكن مسجلا، فلذلك أتينا منه ما علق بالذاكرة وتركنا منه ما شرِد وغاب.

قد رمزنا لها بحرف “س” (السيدة) ولكاتب هذه السطور بحرف “ص” (صهيب)، فصار سؤالا وجوابا وإن كان هو إلى النقاش أقرب، والله المستعان.

س: هل اطلعت على مسودة القانون الذي قدمته السيدة “كوكس” بدار الخواص بخصوص الشريعة؟

ص: نعم، اطلعت عليه كما ورد في الصحف والجرائد.

س: ما هو انطباعك عن هذا القانون المقترح؟

ص: يبدو لي أن السيدة “كوكس” غير مطلعة على العمل الجاد المفيد الذي نقوم به من خلال قنوات مجلس الشريعة، ولو اطلعت عليه لعرفت أننا نقوم بخدمة جبارة للمجتمع المسلم وخاصة للنساء المسلمات.

س: ما هو العمل الذي تقومون به بمجلس الشريعة؟

ص: أنشئ المجلس عام 1982م لإرشاد المجتمع المسلم في أمور دينية عموما، فهو مجلس فتوى والرد على تساؤلات الناس، ونستلم حوالى ستين أو سبعين سؤالا أسبوعيا بالبريد الإلكتروني ويقوم بالرد عليها أحد أعضاء المجلس من الفقهاء وطلبة العلم، ويأتينا قضايا عائلية كثيرة منها ما يحتاج إلى إصلاح ذات البَين والصلح بين الطرفين، ومنها ما يحتاج إلى فصل مؤدّ إلى حل عقدة الزواج، والذي يعبر عنه بالطلاق أو الخلع مع العلم بأننا نحاول الصلح بين الزوجين بادئ ذي بدء عملا بقوله تعالى (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما)) (النساء:35)

فالمجلس مجلس صلح مبدئيا فإذا صعب على الطرفين لجأنا إلى ما ينهي النكاح، وهو عندنا على أربعة أنواع:

  • الطلاق: وهو أصلا بِيد الرجل فإذا نطق به مبدئيا فهو الطلاق
  • الخلع: هذا إذا وافق الزوج على طلب المرأة وطلقها مقابل أخذه للمهر أو الصداق، فيعتبر هذا الطلاق خُلعا
  • الفسخ: إذا انعدم الصلح بين الزوجين وأبى الرجل أن يطلق ولو بقيت معلقة، ورأى المجلس أن المرأة متضررة في هذا الزواج قام المجلس بفسخ هذا النكاح وذلك بقرار من ثلاثة قضاة على الأقل
  • طلاق التفويض: وهو معمول به في الأنكحة في باكستان وبنغلاديش خاصة حيث أن شهادة النكاح الرسمية تضم عدة مواد، منها مادة رقم 18 وهي: هل فوّض الزوج حق الطلاق إلى زوجته؟ وإذا كان كذلك فبأي شروط؟ فإذا كان الجواب في الإثبات أجزنا للمرأة أن تطلق نفسها من قبل زوجها أمام شاهدين ويُضبط ذلك كتابيا لدى المجلس أيضا.

وعلى كل حال، مثل هذا الطلاق نادر جدا لأن قليلا من الأزواج من يرضى بتفويض حق الطلاق إلى زوجته يوم عُقد النكاح

س: أنت ذكرت أنواعا من الطلاق ولم تذكر “التفريق”

ص: كلمة التفريق يشمل الفسخ الذي يقوم به القضاة في مجلس الشريعة إذا تعذر الطلاق من قبل الزوج ولم يرض بالخلع، وهو يشمل “اللعان” أيضا كما ورد في سورة النور حيث أن القاضي يفرق بين المتلاعنين في الأخير.

س: أليس الزواج ينتهي بمجرد نطق الرجل بالطلاق ثلاثاً؟

ص: هذا مفهوم خاطئ للطلاق لدى أكثر المجتمعات المسلمة حيث يرون أنه يجب على الزوج إذا أراد الطلاق أن ينطق به ثلاث مرات، ليس الأمر هكذا بل عليه أن ينطق بكلمة الطلاق مرة واحدة، كما هو الظاهر من أول سورة الطلاق حتى يكون الطلاق رجعيا، وهكذا يعامل الطلاق ثانيا فهو رجعي كذلك، ومن فائدة هذا الطلاق أن الرجل يمكن أن يراجعها خلال العدة أو يتزوجها بمهر جديد بعد انقضاء العدة إذا تراضيا على الزواج، وإذا وقع الطلاق ثالثا لم يحق له الرجوع ولا تزوجها مرة أخرى إلا إذا نكحت زوجا غيره ثم طلقت منه أو تأيّمت.

ولذلك نقول أن إجراءات الطلاق في الشريعة غير التي تمارسها المحاكم المدنية فلذلك عمل مجالس الشريعة خاص بالإجراءات المذكورة مثل النكاح الإسلامي الذي ينعقد بشروطه الخاصة به، فهو ليس كعقد الزواج الذي تعقده مكاتب التسجيل المدنية، فنحن إذاً لا نتدخل في شئون القضاء الإنجليزي لا في عقد الزواج ولا في حل عقدة الزواج مدنيا بل إنما نطلب من طالب الطلاق أو الخلع أن يتقدم بنفس الطلب إلى المحاكم المدنية –مادام زواجهما- مسجلا لدى الجهات الرسمية، لأننا لا نريد أن يكون الزوجان مطلقين شرعا ولا يكونان كذلك مدنيا

س: ألا تعترفون بالطلاق المدني إذا حصل عليه الزوجان من أي محكمة رسمية؟

ص: بلى! ولكن ينقص هذا الطلاق أمر لا تهتم به المحاكم المدنية وهو ما يتعلق بالصداق، فإذا جاء الطرفان أو واحد منهما إلينا للحصول على الطلاق شرعا، رأينا من كان مُدّعيا في أمر الطلاق المدني، فإذا كان هو الزوج طلبنا منه أن يدفع المهر كاملا أو متناصفا (حسب الحال) إلى زوجته، وإذا كانت هي المُدّعية طلبنا منها إعادة المهر إلى الزوج، وهكذا نقوم بإكمال عملية الطلاق ليستوعب متطلبات الشريعة أيضا.

س: أليس من الإجحاف في حق المرأة ألا يكون حق الطلاق بيدها حتى تضطر إلى الدخول في إجراءات طويلة يتطلبها الخلع بينما يحق للرجل أن يطلق المرأة بدون الدخول في الإجراءات المذكورة؟

ص: صحيح! أن حق الطلاق بيد الرجل مبدئيا ولكن يحق للمرأة أن تطلب الطلاق من الرجل مقابل ردها للمهر إليه، وهذا ما يسمى خلعا، وفيه حكمة بالغة، فإن المرأة تحصل على حق حضانة الأولاد حالما يقع الطلاق فإذا أعطيت حق إيقاع الطلاق أيضا ما بقي عندها وازع يردعها عن الطلاق فهي تطلق الرجل وتحتفظ بالأولاد كذلك فلا تخسر شيئا.

فلذلك جاء التوازن في الشريعة، أعطى الرجل حق الطلاق، فإن عليه أن يفكر جديا قبل أن يطلق امرأته، ماذا يكون مصير الأولاد؟ سوف يُحرم من حضانتهم وربما لا يراهم إلا خِلسة أو أياما معلومات في كل شهر، فهذا وازع قوي يردعه عن التطليق بدون سبب وجيه.

أما من ناحية إجراءات الخلع حيث يأخذ مدة أطول، فنقول إن الإجراءات في المحاكم المدنية تأخذ زمنا طويلا سواء كان الطلب من الرجل أو المرأة.

س: أسفاً! أقاطعك هنا وأقول، لا تأخذ هذه الإجراءات وقتا طويلا في المحاكم، إنما هي ستة أسابيع أو أكثر بقليل.

ص: صحيح! هذا إذا كان الطرفان متفقين على الطلاق، أما إذا لم يرض الطرف الآخر فيأخذ زمنا أطول، وأعود فأقول إن إجراءاتنا لا تبدأ بالنظر في وجوب إحداث الفرقة مبدئيا بل في إمكانية إيقاع الصلح بين الطرفين خاصة إذا وجد الأولاد، وهذا يستدعي دائما وقتا طويلا.

س: هل تحكمون في قضايا جنائية أو في قضايا كفالة الأولاد وحضانتهم؟

ص: أما القضايا الجنائية فإنما هي من اختصاص الدولة ونحن كأقلية مسلمة نهتم بجانب الأحوال الشخصية فقط وهى تشمل الأنكحة والفسوخ والإرث والوصايا، أما قضية حضانة الأولاد بعد أن يفترق الزوجان من جراء الطلاق أو الخلع أو الفسخ فنحن نحيل أمر الحضانة إلى المحاكم لأننا لا نملك القوة التنفيذية أو الإلزامية إلا إذا رضى الطرفان بحكم الشريعة، وهو منح الخيار للولد الذكر عند بلوغه السابعة ليختار البقاء مع أمه أو أبيه، وأما بالنسبة للبنت فتبقى مع أمها إلى حين البلوغ ثم تلحق بأبيها لأنه وليها وهو المسئول عن أمر زواجها.

س: لاحظت أنكم تطالبون المرأة برسوم أكثر مما يطالب به الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته؟

ص: إنما هو مقابل الوقت الذي تستهلكه كل قضية، وهذا شيء معقول.

س: هل تتعاملون بقضايا العنف الأسري فإنه لا يدخل في اختصاصكم؟

ص: نتعامل بقضايا العُنف الأسري كأحد أسباب قوية يحق للمرأة أن تطلب الطلاق من أجله.

وأفيدك بأننا واجهنا العنف – في بعض القضايا- من قبل المرأة أيضا حيث كان الرجل هو الضحية أحيانا.

س: لا أرى هكذا، إنما العنف عادة من الرجل

ص: العنف الأسري ليس هو السبب وحده لطلب الطلاق بل قد تكون هناك أسباب أخرى، وهى تدخل في نطاق المحرّمات في الإسلام ولا تهتم بها المحاكم عادة مثل شرب الخمر أو اللعب بالقمار أو اتخاذ خدان أو خدانات أو التهاون في الفرائض، وهى كلها أسباب قوية إذا وجدت استدعت الفرقة بين الزوجين.

س: إذا كان هناك أمر صادر من قبل المحكمة يمنع بموجبه الرجل من الإقتراب من المرأة فكيف إذاً تدعون الزوجين لحضور اجتماع موحد يجمع الطرفين؟

ص: إنما ندعو طرفا واحدا والآخر يكون على الهاتف وهكذا يتم السؤال والجواب بين الطرفين فلا داعىَ لإستدعاء الطرف الثاني إلى المكتب.

س: تلقينا شكاوى من عدة النساء أن القضية قد تأخذ عندكم سنوات، وهاكم قضية السيدة “ف” بالذات قهي معلقة لديكم منذ عام 2008؟

{استخرجنا ملف المرأة ولاحظنا أنها رفضت أن تسمح للزوج رؤية الأولاد فلذلك أوقفنا قضيتها وقلت لها أنها تسألها الآن بالهاتف فإذا رضيت بذلك تعهدت لدينا خطيا بأنها تسمح للرجل أن يرى الأولاد فاتصلت السيدة المذكورة بصاحبة القضية على الهاتف فأبدت رضاها بذلك أخيرا فأعطيناها ورقة التعهد حتى توصلها إلى صاحبة القضية فإذا وقّعت على التعهد قمنا بفسخ النكاح حسب قرارنا السابق الذي أجاز الفسخ بشرط أن توقع على التعهد}

س: اطلعت على موقعكم الإلكتروني فوجدت هناك جوابا مطولا على سؤال يخص حقوق الرجل على المرأة ومنها أن عليها أن يستجيب لطلبه إذا رغب في الجماع، فكيف تجيزون هذا على رغم إباء المرأة، وهذا يعتبر اغتصابا من الزوج، وقد زرت باكستان غير مرة بدعوة من جمعية النسوة اللاتي يطالبن بحقوق المرأة فقيل لي أنه لا يوجد هناك شيء يسمى اغتصابا من قبل الزوج!

ص: إن من آداب الجماع حسب تعليمات الشريعة الغراء أن يكون كل واحد من الزوجين يتهيأ لهذه الوظيفة فلا هو يفرض نفسه عليها، ولا هى تفرض نفسها عليه، ولكن ماذا لو حصل هذا على غير رِضى من المرأة؟ هل هو عمل يُعاقب عليه؟ نقول: ما هو الأحسن في حق المرأة، إذا هى أبت تحقيق رغبته الجنسية، فأراد أن يشبع رغبته بإمرأة أخرى؟ هل ترضى الزوجة بذالك أم تفضل أن تمكنه من نفسها؟ أليست المرأة تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وحاجتها، فإذا أخذت بدون إذنه أدت إلى مشاحة بينهما، ولكن هل تعد سارقة فيقام عليها الحد؟ لا! ما تصل الأمر إلى هذا الحد.

[وجاءت سيدة أخرى أثناء هذا الحوار وقد طلبناها لتأتى وتوقع على ورقة الطلاق بموجب حق التفويض الذي حصلت عليه بناء على مادة رقم 18 في شهادة النكاح الصادرة من باكستان، وطلبنا شخصين من موظفى المجلس ليكونا شاهدين على هذا الطلاق]

س: أنتم طلبتم الإشهاد على الطلاق عندما وقعت المرأة على الطلاق فهل تعاملون الرجل بمثله إذا طلق؟

ص: نعم! لابد أن ينطق بالطلاق ويوقع على ورقة الطلاق بحضور الشاهدين.

س: أشكركم على إتاحة الفرصة لي لأطلع على أعمال المجلس وأعرف أشياء خفيت علىّ وقد سبق أن مضيت نهارا مع مجلس شرعي في برمنجهام، أما مجلس التحكيم الذي هو في الشمال فقد استعصوا علىّ فلم يسمحوا لي بحضور أعمالهم.

ص: أرجو أن تنقلي إلى السيدة “كوكس” جميع ما سمعت منا بصدق وأمانة، وهل ترين أن السيدة “كوكس” قد تعدّل بعض ما جاء في مسودة قانونها بعد الاطلاع على هذا الحوار؟

س: لا أرى ذلك! ولا أرى داعيا إلى التشويش فإن مجلسكم لا تتعامل بالقضايا الجنائية ولا تتعامل بكفالة الأولاد فلذلك لا يدخل في نطاق ما تدعو إليه من ضوابط وقيود.

وقد زارت السّيدة “كوكس” مع أحد زملائها مكتب مجلس الشريعة بنفسها في بداية شهر مايو 2012م، وحضرت جِلسة قضائية تولاها الشيخ أبو سعيد رئيس المجلس مع امرأة طالبة للخلع من زوجها، ثم شرح لها الشيخ إجراءات مجلس الشريعة في مثل هذه القضايا كما قمت بتوضيح عن أعمال المجلس بالإيجاز.

ثم جلست معنا أكثر من ساعة دار النقاش خلالها عن أمور قد وردت في الحوار الذي أوردناه سابقا، وكانت تهتم بشدة بغياب عنصر المساواة بين الرجال وبين النساء في إجراءات الطلاق، وفي مسألة شهادة المرأتين في غياب شاهد واحد من الرجال، فأوضحنا لها بمثل ما جاء في الحوار السابق مع إبراز نقطة هامة، وهى أن الرسوم التي تُطالب بها المرأة الطالبة للخلع إنما هى مقابل الزمن المستهلك في إتمام قضيتها، ولكن الإدارة كثيرا ما تخفّف عنهن بطرح خفض الرسوم أو طرحها كلها إذا كانت مُعسرة علما بأن هذه الرسوم لا تقارن بالتكلفة الباهظة التي يكلف بها المتقاضون –من الرجال والنساء على السواء- لدى المحاكم المدنية، وقد تجد المرأة مساعدة من قبل الحكومة في تسديد هذه التكلفة وقد لا تجد إطلاقا إذا كانت مُوسرة.

وقالت السيدة “كوكس” إن المجلس يجب ألاّ يتناول قضايا العنف الأسري لأنها من اختصاص المحاكم، وأخبرناها أننا لا نفصل في هذه القضايا إطلاقا وإنما نعتبرها كأحد الأسباب التي تخوّل للمرأة حق الانفصال عن زوجها، وقد ذكرت لها –بخصوص شهادة المرأة-  ما جاء في بحثي عن هذا الموضوع، وكانت مطلعة عليه من طريق موقع المجلس إلا أنها لم تكن مقتنعة.

وقد انصرفت وأرجو أن يكون لها انطباع جيد عن أعمال المجلس وهى عازمة على زيارة عدد من المجالس الأخرى في غير مدينة “لندن” أيضاً.

 


 (4)- ألمانيـــا وفرنــسا:

نبدأ الحديث عن ألمانيا بكلمة إطراء من قبل “جوشين هارتلوف” وزير الداخلية لإحدى ولايات ألمانيا، وهى رائن ليند بيلي تي نيت “Rhineland Palatinate”:-

  • قال في حديث صحفي له مع جريدة BZ (برلين) أن الشريعة في إطارها الجديد تكون مقبولة لدى ألمانيا، وأن المعايير الخلقية الإسلامية يمكن فهمها مقارنةً بالقانون المدني، وقد قصد بذلك –كما صرّحه هو بنفسه- الأمور العائلية المتعلقة بالطلاق والنفقة وبعض الاتفاقيات المالية التي يريد المسلم فيها تجنّب دفع الرّبا.

وقد قُوبل كلامه بالنّقد والرّد من قبل وزير العدل في ولاية Hesse  حيث قال أن المحاكم الألمانية هى المسئولة عن القانون ولا نحتاج إلى محاكم إسلامية إطلاقاً.

وكان النقد من قبل “ستيفن ميور” أحد البرلمانيين لاذعاً جدّا الذي نادى باستقالة وزير الداخلية المذكور ووصف الشريعة بأنها بربرية وغير إنسانية في جميع أشكالها.

والظاهر أن هؤلاء الناقدين ينظرون إلى الشريعة في نطاق الحدود والعقوبات فقط.

وكان هناك صوت مؤيّدٌ للسيد هارتلوف، جاء من قبل “ميكائيل فريزر” أحد البرلمانيين أيضا حيث قال إنه لا يمانع من أن يلتمس المهاجرون إلى هذه البلاد حكماً حسب نظامهم القانوني الذي كانوا يتعاملون بها لأن هذا العمل سوف يساعد هدفَ اندماجهم محلياً.(34)

  • أسفَر كتاب “جوشيم وينغنـر” خبير قانوني ألماني بعنوان “قضاة بدون قانون، القضاء المتوازي يهدّد دولتَـنا الدّستورية” عن انتشار القضاء الشرعي في كثير من مدن ألمانيا بحيث تقف الدولة مكتوفة الأيدي أمامها.

قال “وينغـنر” أن هذا النظام المتوازي يقوم به الأئمة المحكّمون يفصلون في قضايا جنائية بدون تدخل من المحاميين أو المدّعين في ألمانيا.

ويتفادى بذلك المجرمون من عقوبات السجن الطويلة بينما يحصل المشتكي إما على تعويضات مالية ضخمة أو وضع الديون العالقة بذمّتهم حسب تعاليم الشريعة، وما عليهم بدورهم إلا أن لا يأتوا بالشهادة في المحاكم المدنية –إذا وصل الأمر إليها- بحيث يُدين الخصم.

وكثير من المسلمين بلجوءهم إلى ما يُعرف “بقضاة الأمن” يرضون بالتحكيم باتفاقية خارج المحكمة.

وقال في حديث صحفي له أن المحاكم الألمانية –لأجل نزاهتها- تساهم في هذه المشكلة، فقد وجد –بعد دراسة ستة عشر قضية- أن 90% من هذه القضايا دخلها التحكيم الإسلامي، ولما رفع الأمر إلى المحاكم المدنية اضطر القضاة إلى تبرئة المتعاملين بها لنقص البينة، وهذا يعطينا صورة غير جيدة لمحاكمنا.(35)

  • نذكر فيما يلي أمثلة من هذه القضايا:

1-قضت محكمة اجتماعية فيدرالية في “Kessel” لصالح زوجة ثانية لتشارك معاش التقاعد لزوجها المتوفى مع الزوجة الأولى التي أرادت الاحتفاظ بها خالصة لنفسها.

2-حكمت محكمة استئناف في “Koblenz”  لصالح زوجة ثانية لعراقي بالبقاء في ألمانيا حيث أنها كانت تعيش معها من خمس سنوات وردّها إلى العراق لم يكن جيدا.

3-حكم قاض في “Cologne”  على شخص إيراني بوجوب ردّ المهر وستمائة قطعة نقود ذهبية إلى زوجته حسب قانون الشريعة المطبق في إيران، وبمثله قضت محكمة في Dusseldorf على تركي ليـردّ ثلاثين ألف يورو إلى زوجة ابنه.

4-في مارس 2008م القاضية “كرستا دانرومتر” قضَت بعدم إصدار طلاق لزوجة ألمانية تزوجت شخصا مغربيّا كان يقوم بضربها، واستشهدت القاضية بآية رقم 34 من سورة النساء، وقالت أنه كان من المفروض أن تعرف المرأة أى نوع من الزواج قد قبلته، لأن القرآن صريح في إعطاء حق الضّرب للزوج إذا كانت المرأة نشزة.

5-في فبرياير 2011م قضت محكمة العمّال الفيدرالية في حق رجل مسلم رفض أن يمسّ قوارير الخمر ويضعها في دواليب المَتجر في مكان عمله بمدينة “Kiel” لأن هذا العمل ينافي دينه ومعتقده، وقد فُصل من العمل من أجل ذلك.

6-كانت هناك قضيّة إجرام في برليـن وتناولت شخصا يُدعى “Fuat” أحد المقامرين الكبار مع خصمه الفلسطيني يُدعى “مصطفى” الذي ادّعى عليه مائة وخمسين ألف يورو، ثم قام هُو و إخوانه الثلاثة بضربه ضربا مبرّحاً حتى أُودع المستشفى، وقد توقّع المدعي البرليـني أن يجد مصطفى، الرجل المعروف بالعنف والضرب، جزاء عادلا في هذه القضية غير أن آماله خابت عندما نكص المضروب عن شهادته، فقضت المحكمة ببراءة المتّهَم، والذي حصل أن المتخاصمَين قد سبقا أن رضى بالتحكيم الإسلامي، واتفقا أن يتنازل المتهم بجزء من المال المطالب به مقابل نكوص الخصم من الشهادة ضده.

7-المحاكم الألمانية قد تسترشد في قضايا عائلية وقضايا الميراث بالشريعة الإسلامية إذا كانت الخصوم من المسلمين، حتى إن رعايا الأردن المتوطنة في ألمانيا تعترف بزواجهم القائم على التّعدد، وقد تحصل الزوجة الثانية –التي وقع عقدها مع مواطن ألماني- على خدمات الرعاية في ألمانيا. (36)

نعود إلى تصريحات أخرى أدلى بها ويغـنر لجريدة “Der Spiegel” قال فيها أن نظام قانون الشريعة شيء أجنبي وغير قابل للفهم عند قضاة ألمانيا، وأن الحَكم المسلم لا تهمّه البينة ولا يهمّه من هو المخطئ عندما يصدر حكمه خلافا للقضاء الألماني، وأن الحكم قد يوصل إليه بطريق العنف أو التهديد لأنه يخضع لإملاءات الفريق الأقوى.

وجاء كتاب “ويغـنر” عندما كان النقاش محتدما في ألمانيا عام 2010م إزاء صدور كتاب بعنوان “ألمانيا تقضي على نفسها” وصار من أكثر الكتب انتشارا لأنه تجاسر في فتح موضوع هجرة المسلمين إلى البلاد، وألّفه “تهيلوسارازن” عضو يمارس في حزب اجتماعي وديموقراطي، وقد عبّـر عن شعور الأكثرية الساحقة بأن بلادهم تشهد –من أجل قدوم الملايين من المهاجرين المسلمين- تغييرات اجتماعية جذرية لتغير صورة ألمانيا تماما.

وحاول الرئيس الألماني التخفيف من حدة الموضوع بقوله أن الإسلام صار له محلٌ في ألمانيا لأن أربعة ملايين من المسلمين جعلوها وطناً لهم.

غير أن استفتاءات قامت بها بعض الصحف السيّارة أيّدت مخاوف “سارازن” ورأت أن كثيرا من المسلمين قد أغلقوا على أنفسهم، أنهم لا يتكلمون الألمانية ولا يشاركون الأوروبّيين في تصوراتهم الغربية العالمية، وحسب تقرير مؤسسة “فريدرخ إيبرت” المتصلة باليسار المركزي للحزب الإجتماعي الديموقراطي (SDP)، أن الألمان يعتقدون أن بلادهم اجتاحها المهاجرون المسلمون.

وحسب استفتاء آخر، 34% من الألمان الغربيين و26% من الألمان الشرقيين يحملون تصورا إيجابيا للإسلام.

والذين يعتقدون أن الإسلام دين متسامح تقِلّ نسبتهم عن 5% من الألمان، كما أن 30% منهم لا يرون بأسا إذا أقيمت المساجد في بلادهم.

وجاءت أقوالهم متضاربة في إقرار الإسلام كدين آمن وبخصوص التمسك بالإسلام ولو بقوّة، وهناك قليل من يرى أن الإسلام يناسب العالم الغربي كما أن عددا كبيرا منهم يرى أن المسلمين يجب أن يتكيّفوا بثقافتهم وأقدارهم حسب تقاليد الغرب.

وتتغير آراء السياسيين مع تغيّـرات الجوّ السياسي، فإن رئيسة الوزراء السيدة “إنجيلا ماركيل” بعد أن كانت حذِرة إزاء كتابات “سارازن” جاءت مؤخرا بتصريحات تفيد بأن جذور ألمانيا هى في الثقافة اليهودية المسيحية، وأن على المسلمين –وقد صاروا جزءا من هذه البلاد- أن يجعلوا الأقدار الإسلامية تبعاً للدستور، لأن المطلوب هنا هو الدّستور لا الشريعة. (37)

وفي الأخير نشير بأسف إلى الحوادث الدّامية التي راحت ضحيّتها السيدة الفاضلة المصرية وذلك لأجل حجابها فقط، والشباب الذين اعتقلوا لأنهم احتجوا ضد الصحافة البذيئة التي مسّت بكرامة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما تناولت شخصيتها الكريمة بسخرية واستهزاء ((فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون)).

فـرنســا:

بدأت القضية في فرنسا بموضوع الحجاب والنقاب والذي أدى الحكومة الفرنسية إلى فرض الحظر على النقاب في دور التعليم أولا ثم توسع حتى تشتمل الأمكنة العامة، وقد لجأ المناوئون للحجاب إلى التقوّل على الإسلام ما لا يرتضيه المسلمون، فقالوا أن الحجاب فرض على المرأة إظهارا لهَيمنة الرجال على النساء، وجاءت صرخات من النسوة المسلمات كالسيدة “بوذردنيا وسعيدة قضاء” عندما قُلن إن كثيرا من النساء المسلمات يفضّلن الحجاب حتى يتجنّـبن لفت النظر من قِبل الرجال في المكان العام.

وكما أسلفنا عند الكلام على ألمانيا، حتى النظام القضائي الفرنسي بدأ يراعي الشريعة في بعض أحكامها.

ففي أبريل 2008م قضت محكمة في “Lille” بالطلاق لأن المرأة كذبت عند الزواج بخصوص بكارتها، إن هذا الحكم وإن رُدّ في محكمة استئناف في “Douai”، دلّ على حرص القضاة على معرفة التقاليد الإسلامية التي تقتضي نزاهة المرأة عند الزواج.

وفي قضية الإمام عبد القادر بوذيان الذي حُكم عليه بالطّرد من البلاد لأجل بيانه حول جواز ضرب المرأة الناشزة، تدخّل الإستئناف رداً لحكم الطرد وسماحا له بالبقاء. (38)

أما الانتقادات في الإعلام فحدّث عنه ولا حرج، ونورد هنا بعض النماذج:

1-الصحافي “روبرت ريديكار” يقول: نحن لدينا حرية نظرياً في توجيه النقد للإسلام ولكن عملياً ليس كذلك، لأن الرجل انتقد الإسلام ورسول الإسلام وكتاب “القرآن” عام 2006م فانهالت عليه تهديدات بالقتل حتى اضطر إلى مغادرة منـزله مع أهله وأولاده.

2-  حوكم “ميكائيل هوليبـق” عام 2002م لأجل انتقاده للإسلام.

3-مقال “دياناويست” بعنوان “عندما لا يرخّص للكلام” ذكرت فيها أن قانون الشريعة في باريس لطمةٌ على القضاء الغربي.

4-رجل فرنسي يحاكم لأجل حرقه للقرآن، ثم حكم ببراءته في أكتوبر 2011م.

وقال محاميه: في مجتمع علماني جمهوري محاكمة عميلي غير قابل للفهم، لأن موضوع انتهاك المقدّسات لا يُوجد في فرنسا.(39)

هذا غيضٌ من فيضٍ، والإعلام مليءٌ الآن بموضوع النقاب والله المستعان.

 


(5) هولـندا:

أشرنا سابقاً إلى حديث أدلت به السيدة معصم الفاروقي، أستاذة التاريخ الإسلامي والقانون في جامعة “جورج تاؤن” واشنطن، ونورد بعض كلامها الآخر:

قالت: من الممكن تنفيذ الشريعة في هولندا في وقت قصير بدون أي مشكلة، وأن مخاوف الأوروبيين بخصوص الشريعة لا أساس لها.

وفي ندوة حضرتـها قال وزير العدل السابق السيد “بيت هائن دوتر” بأنه من الممكن تنفيذ الشريعة في هولندا إذا كان الثّلثان من الأهالي يريدونها، وقال المسلمون لهم الحق، كالكاثوليك والبروتستانت في ممارسة دينهم حتى ولو شمل بعض التقاليد المخالفة مثل امتناع الأئمة من مصافحة النساء.

وما إن قال هذه الكلام حتى أحدث ضجّة في البلاد، واستطردت فاروقي ببيان فُروقات في الثقافتين الهولندية والإسلامية، وقالت إن الثقافة الهولندية لا تبالي إذا امتنع الرجال من مصافحة النساء والعكس أو امتنعوا من أكل الخنـزير.

المهمّ، كما قالت، هو ظنّ البعض أن الشريعة تنافي حقوق الإنسان وليس الأمر كذلك، وعارضها الحضور بمسألة ختان البنات واضطهاد حقوق النسوة وقضية العقوبات والحدود في الإسلام.

وتكلم النّقّاد حول خطورة القضاء الإسلامي في الغرف الخلفية للمساجد على أيدي الأئمة وحول الحقوق المهضومة للمرأة، فلا يحق لها تطليق الرجل ولكنه يطلقها ويراجعها إذا شاء، وليس للمرأة نصيب في رعاية الأولاد إلا الحضانة فقط.

وتكلموا عن نصيبها في الميراث وشهادتها في المحاكم على النصف ما هو للرجال.

أما نفوذ الشريعة في القضاء الهولندي فله شيء من النصيب أيضا، فمثلا ذهبت امرأة هولندية إلى إيران بعد زواجها مع إيراني، وحصلت بذلك على الجنسية الإيرانية، وعندما ساءت العلاقة بينهما عادت المرأة إلى هولندا، وتقدمت بطلب الطلاق وبما أن الشخصين كانا إيرانيّي الجنسية راعت المحكمة القانون الإيراني عند فصل القضية فلم يدَعوا للمرأة أي نصيب في ممتلكات الرجل لأن الشريعة تمانع من ذلك.

وهذا إنما كان قبل سقوط الشاه عام 1979م.

وفي 676 قضية راعت المحاكم القانون الصومالي البدائي للرعايا الصوماليين، ففي عام 2009م استندت المحكمة على القانون الصومالي بقبول دعوى الرجل أنه ليس أباً لطفل ولدته زوجته السابقة.

وكان للسياسي الهولندي من حزب العمّال “جيرون جيبيل بوم” صرخات بخصوص خطورة تعدد الزوجات لدى الشباب المسلم الذي يفضل عقد الأنكحة بدل الذهاب إلى مكاتب التسجيل الرسمية وإن كانت هذه الزّيجات غير قانونية في هولندا.

وفي عام 2008م اغتصبت امرأة من أصل تركي من قبل ابن أخيها ونصحها الإمام بهاء الدين بوداك أن تستر عليه ولا تشهد عليه وإلا صارت فضيحة لها في الناس وصارت حياتها في خطر أيضا، وهذه ليست حادثة بمفردها ولكنها عامة بين الأتراك والمغاربة والباكستانيين والعراقيين، وصار من الصعب على النساء المغتصبات إبلاغ القضية إلى الشرطة لأنها قد تؤدي إلى نتائج وخيمة من جرّاء ما يُسمى “شرف العائلة” والقتل للحفاظ على الشرف. (40)

ولنشير أخيراً إلى عدد من الحوادث التي لها صلة بالإسلام والمسلمين:

  • قتل “بم فارتشون” عام 2002م لأجل انتقاده للإسلام.
  • قتل “نيووان جوج” عام 2003م لنفس السبب.
  • حوكم “جيرات ولدر” عام 2010م لأجل خطابه الذي يشجّع على الكره.
  • حوكم “جريجوريس نيك شات” عام 2008م لأجل رسومه التي سخر فيها بالإسلام ورسول الإسلام إلا أن المحكمة برّأته.
  • اضطرت “أيان خرسي” الصومالية إلى الهروب إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2006م وهى التي سخرت بالقرآن وبتعاليم الإسلام فحُرمت الأمن والأمان حيثما حلّت أو ارتحلت.(41)

 


(6) إيـطاليـا ودُول أخرى:

ورد في أخبار “الخليج” أن بوذياً إيطالياً ساكناً في دُبىّ فضّل أن يتعامل “بالموركيج الإسلامي” لأنه رأى أن أي معاملة قائمة على أساس من الدين تكون أكثر حفظاً و أماناً.

وهاهو النقد الذي وُجّه إليه من قبل الناقدين في الإعلام: “إن المروّجين للمعاملات المصرفية على أساس من الشريعة إنما يقومون بأعمال تبشيرية أصلا، وعلى أصحّ تقدير يُقال أنهم يريدون إدخال الشريعة في الاقتصاد العالمي، وعلى أسوأ تقدير أنهم يريدون من الشريعة أن تزحف زحفاً في المجتمع بأكمله.

ومن المشاكل التي ارتبطت بالمعاملات المذكورة هى أنه ليست هناك أدلّة كافية على أن “الموركيج الإسلامي” هو أكثر حفاظا وأمنا من الموركيج العادي، ثم أن قولهم أن هذه المعاملة بالذات هو خالٍ من الربا ليس صحيحا لأن الجماعة يطالبون بتكلفة عالية تجعلها أغلى من الموركيج الرّبوي.(42)

وتكلموا عن “أوريانافلاسي” التي كانت لاذعةً في نقدها للإسلام حتى هُدّدت بقطع رقبتها ولكن الموت عاجلها قبل أن تقدم للمرافعة.

ونأتي إلى موضوع زواج المسلمة بغير المسلم:

تقول السيدة سُعاد سباعي، وهى مغربية الأصل، أن البرلمان الإيطالي بتعديله للقانون بحيث لا داعىَ هنالك للرجل الغير مسلم –إذا أراد أن يتزوّج مسلمة، أن ينطق بالشهادة بل يجوز له أن يتزوج المرأة المسلمة بدون عائق، جاء بـبشرى عظيمة للنساء المسلمات، وقالت متبجّحةٌ: “اليوم هو يومٌ تاريخيٌ، المنع الصادر من القرآن انتهى”

وهذه المرأة كلّها انتقاد لتعاليم الإسلام، تقول: “لماذا جاز للرجل المسلم أن يتزوج غير مسلمة، لأنه هو السيد في العائلة ويجب أن يتربى الأولاد حسب دين الأب، بينما لا تتمتع المرأة المسلمة بأي حقوق، ثم ذكرت موضوع شهادة المرأة. (43)

وبخصوص منع النقاب طالب اليمين المتطرف من الحزب الشمالي إحياء قانون صدر عام 1975م، والذي يفرض غرامة على المرأة إذا سترت وجهها في بعض مناطق الشمال.

وهناك محاولات لمثل هذا المنع في كل من دنمارك والنمسا وهولندا وسويسرا. (44)

بلجيــكا:

ورد في الأخبار أن مجموعة مسلمة تُدعى “الشريعة لِبلجيكا” أقامت محكمة إسلامية لأجل النظر في القضايا العائلية ومحاولة التحكيم بين الزوجين، بالإضافة إلى النظر في قضايا الطلاق وحضانة الأولاد ونفقتهم وكذلك في مسائل الميراث.

وقد سبق أن صدر قانون المنع من الزواج القسري والذي قد يؤدي المجرم إلى سجن عامين أو فرض غرامة قدرها ألفان وخمسمائة يورو.

وقيل أن محكمة “آنثورب” الإسلامية تريد التوسع في أعمالها حتى تشمل القضايا الجنائية أيضا.(45)

وعلى مدى عدّة شهور كان أعضاء البرلمان الأوروبي يسألون السلطات في “بروكسل” وجهة نظرهم حول محاكم الشريعة في الدول الأوروبية، ومثل هذا السؤال رفعه مجموعة من أعضاء حزب الشعب الأوروبي (EPP) بخصوص المحكمة في “أنثورب” إلى المفوضيّة الأوروبية لأن وجود مثل هذه المحكمة في نظرهم يهدّد مكانة دولة بلجيكا والحقوق الأساسية التي جاءت في ميثاق الاتحاد الأوروبي، وجاء في هذا السؤال التنصيص على أن الشريعة لا تضمن في حال من الأحوال الحقوق المتساوية للرجل والمرأة، كما أنها تهضم حقوق المرأة بالسّماح لتعدد الزوجات عند رجل واحد، وبالزواج المرتّب، وبالإجرام باسم الشّرف.

وجاء ردّ المفوضية بأن الحالة المذكورة لا تخصّ قوانين الاتحاد الأوروبي، ولا لها تدخّل في مؤسسات التابعة للإتحاد، وقد وجّهت المفوضية إنذاراً شديد اللّهجة ضد وَسمِ المجتمعات الدينية أو العرقية.(46)

دنـمارك:

جاء في مقال (قانون الشريعة في أوروبا) أن مجموعة مسلمة تُدعى (الدّعوة إلى الإسلام) قامت بحملة واسعة لتحويل بعض مناطق “كوبن هيغن” وعدة مدن أخرى إلى مناطق تحكمها الشريعة، وقالوا أن مناطق آهلة بأكثرية مسلمة مثل “Tingbjerg” و “Norrebro” سوف تخضع للقانون الإسلامي بدءًا من وجود دوريات على مدار أربع وعشرين ساعة لمراقبة دقيقة للخمّارات والمراقص ومحلات المقامرة. (47)

وهناك أخبار تفيد أن هناك محاولات لإقامة المحاكم الإسلامية –ولو على صعيد سطحي- في كل من النرويج والسويد. (48)

السّويــد:

وعلى الحزب القومي البريطاني (BNP) رفع حزب الديموقراطيين السويد (SD) المعروف باتجاهاتها ضد السامية والموالية للنازية لواء معاداة الإسلام بمناداة إلى منع بناء المساجد وتداول اللباس الإسلامي.

وقد ظهرت الرسوم المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المواقع الإلكترونية التابعة للحزب، وقامت الحكومة بمسحها عام 2006م إلا أنها عادت من جديد. (49)

فـنلنـدا:

قُدّم السياسي “Gussi Halla-ahu” إلى المحكمة وأُدين بارتكاب (انتهاك المقدسات) لأجل قوله البذيء في الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أنه جرح مشاعر مجموعة عِرقية في البلاد.

النّـمسا:

عوقبت “إيلزابث سبادش وولف” عام 2011م بالغرامة لأجل قولها البذيء في الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قالت إنه كان يعاشر القُصّر من البنات، وقالت” “إن الشريعة نظام إستبدادي يجب أن يُرمى به إلى مكان مولدها عبر بحر الروم.” (50)

هنـغاريـة:

عدد المسلمين حسب الإحصائيات الرسمية لا يصل إلى 1% من سكان البلاد،  وكانت مدينة إيغار (Eger) تعتبر كأنها على الحد الفاصل بين أوروبا المسيحية والإمبراطورية العثمانية المسلمة (سابقا)، أما الآن فهى تبرز مرة أخرى لتكون همزة وصل بين الإسلام وأوروبا المسيحية، هى تدعو الأتراك إلى العودة من جديد ولكن مع دفاتر شيكاتهم لدعم الاقتصاد الهنغاري.

وبرز ذالك الموضوع في مؤتمر انعقد في “ايغار” في محاولة لفتح أول بنك إسلامي يعمل طبق الشريعة ويسمى “Magyar Iszlam Bank”.

وقال السيد “Istvan Kaknics-Ujhelyi” مدير مؤسسة الغرناطة ومستشار لمحافظ مدينة “إيغار” الشمالية أن أول بنك إسلامي في هنغاريا في طريقه إلى هذه البلاد، ويعمل جاهدا لهذا السيد علي حسن Hosszu Ferec  الذي يتدرّب على نظام البنوك الإسلامية في ماليزيا.

وقد حضر المؤتمر ممثلون عن بنك التنمية الإسلامي وبنك فيصل الإسلامي في مصر.

ويرى المدير أن مثل هذه الجهود ستساعد على حلّ الأزمات الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد حاليا إثر الأزمة الاقتصادية العالمية. (51)

خاتـمة البحـث

قد ورد في ثنايا هذه البحث معظم الانتقادات التي وجهت إلى الشريعة وعدم مناسبتها للنظم والقوانين الغربية، وإنما جاءت عن جهل تام بالشريعة وما يقصد بها نظريا وما يقصد بها عمليا في وضع دون وضع وفي بلاد يحكمها المسلمون وأخرى يحكمها الآخرون.

فلذلك هناك حاجة ماسة لإبراز المعاني السامية التي توجد في الشريعة الغراء والتي ليلها كنهارها لا يضيع عنها إلا هالك.

ونقول بإيجاز أن المداد بالشريعة أصالة هو تطبيق ما أنزل الله، كما ورد في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:-

 ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) المائدة: (44)

((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) المائدة: (45)

((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) المائدة: (47)

((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ..)) المائدة: (48)

((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ..)) المائدة (49)

((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)) الأعراف: (3)

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)) لقمان: (21)

ولا ريب أن ما أنزل الله هو الوحيان، الجلي والخفي، وهما القرآن والسنة.

هذا هو أصل الشريعة وأساسها وعمودها، وهو الذي لا يتبدّل ولا يتغير، وهو صالح لكل زمان ومكان، لأنه ورد من خالق البشر الذي يعلم ما يصلحهم ويناسبهم، وما يفسدهم ويطغيهم، فأحلّ لهم ما كان طيبا وحرّم عليهم ما كان خبيثا نجسا، سواء كانت هذه النجاسة حسّية أو معنوية.

وأما اجتهادات العلماء وعُصارة آراء الفقهاء فهى وإن كانت مقتبسة من هذين النورين، إلا أنهما خاضعة للتبديل والتغيير حسب تغير الزمان والمكان ما عدا ما اجتمعت عليه الأمة، لقوله صلى الله عليه وسلم “لا تجتمع أمتي على ضلالة” (52)

ولذلك يوجد فيها شبه لما ارتآه المقننون من الشرق والغرب على مرّ الدهور، وهذا مما يجعل الهوّة بين الشريعة والقانون الوضعي تقِل وتضعُف.

فإذا كانت هناك مفارقات بين الشريعة والقانون، وجد هنالك تماثل بينهما أيضا.

ولنتـحدّث عن المفـارقات الأساسيّـة أولاً:

1-الشّريعة تستمدّ من القرآن والسنة أصلاً، وهى بذلك تقِرّ بحاكميّة الله عزّ وجلّ في هذا الكون، فإذا جاء أمر الله بطل هنالك قول فلان وعلاّن، بينما وُصف القانون، وخاصة القانون الإنجليزي بأنّه وُضع من قبل المجتمع ولصالح المجتمع، ومعايـيـر الصّلاح هى خاضعةٌ لديهم للعُرف لا لدينٍ من الأديان.

2-قالوا أن القانون علماني في جوهره بينما عُرفت الشّريعة أنها كلّها دينية رُوحية.

ولكن ليس الأمركذلك كما اعترف به القانونيّ الإنجليزي “جَان مَكديسي” حيث قال إن القانون يقوم على مبدأ العلمانيّة غير أن فيها جوانب دينيّة أيضا فمثلاً بموجب قانون التّـرتيب لعام 1701م (Act of Settlement) لا يجوز لكاثوليكي أن يَعتلى منصب السّلطان كما لا يجوز له ولا لوليّ عهده أن يتزوّج كاثوليكية.

وقد أقرّ القانون الإنجليزي بأن انتهاك المقدّسات المسيحية تُعتبر جرماً قابلاً للعقاب، وقد بَقى ساري المفعول إلى عام 2008م عندما ألغى نهائيا. (53)

أمّا الشريعة فهى في أساسها دينية، غير أن فيها جوانب علمانيّة أيضا لأنها تُطالب بإقامة العدل بدون تفريق بين جنس وآخر، وبين مؤمن وفاسق، وقد اشترطت العدالة حتّى في الشّهود.

3-وبناءً على المطلب السّابق فرّقت الدُول العلمانيّة بين الدّين والدّولة، وليس كذلك بالنّسبة لشريعة الإسلام، فإنه مطالبٌ بها في محاريب المساجد كما هى مطلوبةٌ في كراسيّ الحكم ودواوين الدولة.

4-قالوا إن الشريعة تُنافي الدّيموقراطية، وصحّ ذلك إذا لُوحظ مصدر كليهما، فالشريعة تُقتبس من مصدر إلهي، بينما تقوم الأخرى على قوائم المجتمع، ولكنهم أخطأوا عندما تغافلوا عنصر الشورى والأخذ بالأكثرية (عند غياب نص شرعي في الحكم)، والمساواة أمام القانون، بل نظام الشريعة السياسي يجعل الأمير خاضعا للقانون بينما يمنح القانون الوضعي امتيازات لرئيس الدولة، فيصبح بذلك فوق القانون، وللشريعة إذاً اليد العليا.

5-ذكروا أن الأقدار الثورية في الإسلام تشجّع على العنف والإرهاب، كانت الشريعة هى المطلب الأساسي لدى كل من قام بعليات العنف والإرهاب في العصر الحاضر.

قالوا هذا الكلام ونسوا تماما أو تناسوا فئات متحاربة في كل من إيرلندا وأسبانيا وفي فلسطين المحتلّة، وأفكارها نابعة عن المسيحية واليهودية بجميع خلافاتها وأشكالها.

6-وتعلّلوا بما جاء في الميثاق الإنساني العالميّ من حرّية الفكر والضّمير والدّين، وتبجّحوا بأن الشريعة تقف على ضدّها، وياليتَهم درسوا ما في القرآن من قوله جلاّ وعلا ((لا إكراه في الدّين)) وما امتاز به الحكم الإسلامي حيثما وُجد في شرق الأرض أو غربـها، من معاملة حسنة لأتباع الديانات الأخرى التي كانت تعيش في ظلّه، على أساس من الحرّية والعدل، وما حكاية اليهود تحت الأمارة الإسلامية في أسبانيا إلى سقوطها عام 1492م ببعيدٍ.

7-ولا يخفى أن الإسلام سبق المقننين الغربيّـين بقرون في إقرار الكلّيات الخمس وهى حفظ الدّين وحفظ العقل وحفظ النّسل وحفظ المال وحفظ الحياة مع زيادة السّادسة وهى حفظ العرض.

وقد تختلف – في الشريعة والقانون- الطرق التي يتوصل بها إلى تحقيق هذه الكلّيات الخمس، فإن الشريعة سلكت مسلك الردع وذلك بإيقاع عقوبات صارمة لمن أخلّ بها فاستطاعت بها تطهير المجتمعات من الرّذائل بينما لجأ القانون إلى حماية المجرم بتغريـمه أو بإيداعه السّجن فازدادت بها الطين بلةً.

8-قالوا إن الشريعة أولا غير مدونة ثم إنها تخضع لتعبيرات مختلفة فأى شريعة يطالب بها المسلمون.

ولم يوفّقوا في هذا القول، فإذا كان القانون الفرنسي وُجد مدوّنا لم يكن القانون الإنجليزي بهذه المثابة، إنما هى تقاليد أو أقضية القضاة أو قوانين سنّها البرلمان.

والشريعة بين هذا وذاك، فمصادرها الأصلية محفوظة صامدة صمود الجبال الرّاسيات، تتلوها اجتهادات الفقهاء وأقضية القضاة وهى كذلك مكتوبة ومدونة.

أما اختلاف التعبير فليس هو في الشريعة بأشدّ مضمونا وأَعسر فهماً من مثله لدى المقننين الغربيين نجدهم يتناطحون بينهم –إذا جاءت معضلة- في دُور القضاء، كل حسب فهمه وإدراكه لنص من نصوص القانون.

9-وتعلّلوا في عدم الأخذ من أحكام الشريعة بما تخصّ الأحوال الشخصية بقولهم أن البلد الواحد لا يسع لأكثر من قانون، ولو درسوا ما كان معمولا لدى الدولة العثمانية –ولم يمرّ على سقوطها قرن- من تشريع مزدوج بالنسبة للطوائف غير المسلمة في أصقاعها المتباعدة، وياليتَهم نظروا إلى سنّة متماثلة يعمل بها حاليا في فلسطين المحتلة.

وغير خافٍ على أحد ما يوجد في كثير من ولايات أمريكا وهى تابعة لحكم فيدرالي، من إختلاف في بعض الأحكام التي توجد في ولاية وتنعدم في الأخرى، ولا تخلُوا إسكتلندا وإنجلترا من هذه الخلافات وإن كانتا تتبع حكما واحدا نابعاً من دهاليز الحكم في لندن.

10-وتحدّثـوا عن حقوق المرأة فأوغلوا فيها وجنَوا على الشّريعة الغرّاء في هذا الباب، وكلامهم يتناول عدّة جوانب، من إعطاء الرّجل حقّ القوامة والتعديد في الزواج، والزواج بالكتابية وحقه في الولاية وعدم التساوي بينهما وبين الرجل في الشهادة والإرث، وهذه كلها مواضع يستحقّ العناية والبحث، وقد أجاد البحث فيها السابقون واللاحقون من العلماء والباحثين حتىّ لم يدَعوا فيها مجالا للشكّ والإرتياب، والمهمّ نقل هذه المباحث إلى اللغات الأجنبية حتى لا يبقى لديهم عذرٌ.

هذه جوانب أساسية تطرّق إليها الناقدون، فذكرناها باختصار وكل واحدٍ منها يحتاج إلى بحث مستقلّ.

ولا نرى هناك داعية لذكر جزئيات من أحكام الشريعة ولها مثيلاتٌ في القانون الوضعي في مثل حضانة الأولاد ونفقة المطلّقات وحقّ العفو عن الجاني من قبل الوليّ أو السلطان وأحكام الوصيّة والإرث والأوقاف إلى غير ذلك من الفرعيّات التي تناولتـها كتب الفقه لدى المسلمين ودواوين القانون عند الغربيّين.

فإذا كان الهدف هو المعرفة والوصول إلى الحقيقة والإعتراف بالفضل والإشادة بجهد الآخر لخَرج الباحث إلى نتيجة واحدة وهى أن الشريعة في طيّاتـها تكفِل السّعادة للبشر أكثر مما احتواها القانون الوضعي، وهذا هو الحقّ الذي لا حقّ سواه.

وأخيراً اللّهم أرِنا الحقّ حقّاً وارزُقنا اتّباعَه وأرِنا الباطل باطلاً وارزُقنا اجتنابَه..

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين،،


 

ملحق: عدد المسلمين في أوروبا حسب الدول
ر.م اسم الدولة عدد المسلمين النسبة المئوية
1ألبانيا2,601,00082.1%
2أندورا1,0001.1%
3النمسا475,0005.7%
4روسيا البيضاء19,0000.2%
5البوسنا والهرسك1,564,00041.6%
6بلغاريا1,002,00013.4%
7كرواتيا56,0001.3%
8التشيك4,0000.1%
9الدنمارك226,0004.1%
10إستونيا2,0000.1%
11بلجيكا628,7516%
12فنلاندا42,0000.8%
13فرنسا4,704,0007.5%
14جورجيا442,00010.5%
15ألمانيا4,119,0005%
16جبرالتر1,0004%
17اليونان527,0004.7%
18هنغاريا25,0000.3%
19أيسلندا43,0000.9%
20إيطاليا1,583,0002.6%
21كوسوفو2,104,00091.7%
22لتفيا2,0000.1%
23لنخشتاين2,0004.8%
24ليتوانيا3,0000.1%
25لكسمبورج11,0002.3%
26مالطا1,0000.3%
27ملديفيا15,0000.4%
28موناكو1,0000.5%
29مونتينيغرو116,00018.5%
30هولندا914,0005.5%
31النرويج144,0003%
32بولاندا20,0000.1%
33برتغال65,0000.6%
34مقدونيا713,00034.9%
35رومانيا73,0000.3%
36روسيا16,379,00011.7%
37سان مارينو1,0000.1%
38سربيا280,0003.7%
39سلوفاكيا4,0000.1%
40سلوفينيا49,0002.4%
41إسبانيا1,021,0002.3%
42السويد451,0004.9%
43السويسرا433,0005.7%
44أوكرانيا393,0000.9%
45بريطانيا2,869,0004.6%
46الفاتيكان1,0000.1

Source: www.guardian.co.uk/news/muslim-population-country2011/ PEW Forum on Religion & Public Life.


 

قائمة المراجع والمصادر:

  • http://islamic population.com/Europe/Europe_islam.html
  • Lauren Fulton, Europe’s Shari’a Debate
  • Ibid
  • Ibid
  • Ibid
  • Ibid
  • Charter of Fundamental Rights of the European Union, “Official Journal of the European Communities” 18 December 2000
  • French magazine banned; some say it offends Islam “International Herald Tribune” 3 November 2008. Available at http:www.iht.com/articles/ap/2008/11/03/Africa/AF-Islam-Media.php.
  • Michelle Malkin, Sharia in the Netherlands
  • Sharia Law in Britain, A Threat to One Law for All and Equal Rights by One Law for All
  • http://www.secularism.org.uk/uploads/shariainontario.pdf
  • Linjakumpu, Aini, Political Islam in the Global World. United Kingdom: Ithaca Press, 2008.
  • Round Table with Ministers, 6th February 2012, 12.00-13.00 pm, 2 Marsham Street
  • “Muslims in Europe: Economic Worries Top Concerns about Religions and Cultural Identity” Pew Center for Reserach, 6 July 2006. Available at: http://pewglobal.org/reports/display.php
  • Mayer, Anne Elizabeth, Islam and Human Rights, Colorado: Westview Press, 1999.
  • Comment by Kevin Hoad, “Should Aspects of Shari’a Law be used in the UK? BBC News Online, July 2008. Available at http://newsforums.bbc.co.uk/nol/thread.jspa? ForumID =5061 & edition =2&ttl=20081214214356
  • Ibid
  • 18- “Muslims to be offered Shari’a –compliant pensions by government” The Telegraph 21 November 2008. Available at: http://www.euro-islam.info/2008/11/21/muslims -to-be-offered -shari’a compliant-pensions-by-government/.
  • Ibid
  • Ibid
  • Global financial crisis broadens appeal of Islamic finance in France, International Herald Tribune, 24 Decmber 2008, Available at http://www.euro-islam.info/2008/12/24/global-financial -crisis-broadens-appeal-of-islamic-finance-in-france.
  • Ibid
  • Ibid
  • Ibid
  • “English law reigns supreme over shari’a, says Straw” The Telegraph 30 Oct, 2008. Available at: http://www.telegraph.co.uk/newstopics/lawreports/joshuarozenberg/3286766/English-law -reigns-supreme-over-shari’a-says-Straw.html
  • “First Collection of Fatwas” European Council for Fatwa and Research, Anas Osama Altakriti (trs) Dublin, Ireland.
  • Timesonline (London), February 8, 2008 (Archbishop of Canterbury argues for Islamic Law in Britain). Also the quotes from Dr.Michael Nazir Ali, the Bishop of Rochester, as well as the “Full text of Archbishop’s Lecture- Civil and Religious Law in England: a religious perspective.
  • Emerson Vermaat: emersonvermaat.com
  • Minette Marrin, Archbishop, you’ve commited treason, The Sunday Times, February 10, 2008, p.16
  • Booklet A New Inquisition: religion persecution in Britain today by Civitas/Shariah in Great Britian? Feature by Spiegel online.
  • http://en.wikipedia.org/wiki/Sharia
  • Douglas Murray, Sharia a threat to Britian’s future as tolerant society.
  • Christian Concern (http://www.christianconcern.com)
  • Berlin tabloid BZ
  • Jocham Wagner, Richter ohne Gesetz. Islamischen Paralleljustiz gefahrdet unseren Rechtsstaat (Berlin: Econ Verlag, 2011)
  • Der Spiegel (Germany), August 29, 2001, p. 57-59 (Allahs Richter); Spiegelonline, September 1, 2011 (Islamic Justice in Europe: Its often a dictate of power), Quotes from Joachim Wagner and Abu Adam.
  • Spiegelonline, October 9, 2010 (Deutsche Gerichte wenden Scharia an).
  • http://www.gulfnews.com/business/money/10326318.html
  • Robert Redeker: “What should be free world do while facing Islamist intimidation?”
  • Emerson Vermaat: emersonvermaat.com
  • Hoeiboei, updated with a translation from the auther Andrea Morigi.
  • http://www.gulfnews.com/business/money/10326318.html
  • Andrea Morigi, Rome, Italy free from Sharia, who gets married with a Muslim dosen’t have to convert.
  • Ibid
  • Emerson Vermaat: Islamic (Sharia) Law in Germany, Holland and Britian.
  • Der Spiegel (Germany), August 29, 2001, p. 57-59 (Allahs Richter); Spiegelonline, September 1, 2011 (Islamic Justice in Europe: Its often a dictate of power), Quotes from Joachim Wagner and Abu Adam.
  • Hoeiboei, updated with a translation from the auther Andrea Morigi.
  • Ibid
  • Sharia law in Europe
  • Ibid
  • Emmy Adul Alim, Islam in Hungary
  • من رواية أبي نضرة الغفاري، أخرجه أحمد والطبراني
  • Naim-u-Rahman: Sharia a Devine Law, (M.A Thesis)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق