البحوث

الشورى في سياق التأصيل والمعاصرة

الشورى في سياق التأصيل والمعاصرة

د. عصام أحمد البشير 

 

 محتويات البحث:

1 – مقدمة : أهمية البحث وأدبياته

 2 – الشورى في سياق تأصيلي:

  • في اللغة والاصطلاح .
  • في القرآن الكريم .
  • في الحديث النبوي الشريف .

 3 – الشورى في سياق تاريخي :

  • في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .
  • في عهد لصحابة رضوان الله عليهم .

 4 – الشورى في سياق المعاصرة:

  • الشورى بين الالزام والاعلام.

–      الشورى وفقه الاختصاص.

  • بين الشورى والديمقراطية.
  • التعددية السياسية .

 5 – خاتمة .

 6 – بعض مراجع البحث .

مقدمة : أهمية الشورى وأدبياتها:

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد:

فإن موضوع الشورى من الموضوعات الحية ذات المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة في الفكر الإنساني عامة، والفكر الإسلامي خاصة، ولا سيما زماننا هذا الذي شهد ضروباً من الاستبداد الفكري، والعنت السياسي، والظلم الاجتماعي.

وهي ضرورة حياتية لا غنى للحياة الإنسانية الكريمة عنها وبدونها تصبح حياة الإنسان الذي كرمه الله عز وجل يوم أن خلقه وسواه، ونفخ فيه من روحه، وأرسل إليه رسله، وانزل عليه الكتب، ووهبه السمع والبصر والفؤاد وجعله وكلفاً مسئولاً… تصبح حياة هذا الإنسان المكرم وقد سُلبَ حقه، وانتهكت حرمته، ولُويت يده إلى حياة العجماوات أقرب، وبها أشبه، من حياة الإنسان أبعد.

ولقد زاد هذه الأهمية إستناراً وألقاً أن نص عليها القرآن الكريم نصاً مباشراً محكماً؛ ومارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم  ممارسة عملية فلم تعد نظرية تحكى بل واقع يعاش ، وحركة تمارس ، وعمل يكتسب.

لقد اعطاها الإسلام بعدها الإيماني العميق وعطرها الروحي الفواح ، وشذاها الديني العبق فما عادت كلمة تقال في الهواء، ولا هتافاً تمتلئ به الحناجر ولا لافتة باهتة تعلق ليس لها في الواقع من حياة ولا حقيقة ولا رصيد لقد أصبحت صبغة الله التي تنصبغ بها الحياة الإنسانية في كل ناحية من نواحيها وفي كل شِعْب من شعايها… ينصبغ بها الفرد كما تنصبغ بها الجماعة، وينصبغ بها المجتمع كما تنصبغ بها الدولة.

لقد أصبحت سمة من السمات المعلومة وصفة من الصفات المعروفة، ولازمة من لوازم الحياة.

ماعادت منحة يتفضل بها الحاكم فإن شاء أعطى وإن شاء منع، بل ماعادت من مطالب السياسة وحدها بل هي من مطالب الدين والعقيدة، والفكر والنظر والاسرة والمجتمع ، والمال والاقتصاد.

إنها هناك في البيت بين المرء وزوجه في حالة الوفاق والشقاق، وفي الأمور كبيرها وصغيرها،وجليلها ودقيقها… في الرضاع والفطام، في التسريح والامساك، وعلى كل حال… إنها هناك في المؤسسات التربوية بين الأساتذة وبين الطلاب فلا تسلط من بشر على بشر … لا تسلط للزوج على زوجه، ولا الأب على ولده ولا الاستاذ على تلميذه، ولا لراعٍ على رعيته.

فالمجتمع المسلم أفراده وفصائله وهيئاته ومؤسساته مجتمع رباني تراعى فيه الحقوق، وتحفظ فيه الذمم، ويُوفى فيه بالعهود.

مجتمع الأحرار الذين يدينون فيه بالعبودية لرب واحد لا ند له، ويوصي بعضهم بعضاً إن الله قد جعلك عبداً لواحد فاحذر أن تكون عبداً لكثير .

لقد جاءت كلمة الشورى بنصها ومشتقاتها في ثلاث أيات من القرآن الكريم في البقرة ( فإن أراد فصالاً عن تراض منهما وتشاور) وفي آل عمران (وشاورهم في الأمر) وفي الشورى( وأمرهم شورى بينهم ) ولا يظن ظانٌ أن الشورى في القرآن الكريم محصورة في هذه الآيات الثلاثة فقد يراوح القرآن بين الكلمات، وقد ينتقل من مفردة إلى مفردة ومن أسلوب إلى أسلوب.

فإن وجدنا كلمة ككلمة الائتمار المذكور في سورة الطلاق سورة النساء الصغرى ( وائتمروا بينكم بمعروف) أو نحسب أنها بعيدة عن الشورى في معنى أو مدلول، كلا إنها هي ذاتها بعينها وصفاتها، ونصها وفصها وظلها وايحاءاتها.

وما من علاقة إنسانية تقوم وفق التصور الإسلامي الصحيح إلا وهي قائمة على التحاور والتشاور والتعارف والتراضي والبر والاحسان قل هذا في العلاقات كلها، والمعاملات جميعاً… قلها في العلاقة بين الوالد والولد ( يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما…) هكذا الوالد والولد كلاهما عبدٌ لله يسلم له الوجه، ويسلس له القياد، لم يقل الوالد إني مأمور فلا مشاورة ولا حوار ولكنه الأدب الرباني الكريم.

وقل هذا في العلاقة بين البائع والمشتري (إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم) وقل هذا في العلاقة بين الحاكم والمحكوم فلا تكبر ولا تسلط ولا تأله (لئن اتخذت الهاً غيري لاجعلنك من المسجونين) .

بل إن أولئك الطواغيت قد يضطرهم الواقع تحت ضغطه ووقعه ووطأته حين تتأزم الأمور إلى الاستجابة لداعي الشورى ففرعون على تجبره وتكبره وفرعنته واستكباره عندما رأى اللآيات المبصرة، والمعجزات النيرة يسأل في حيرة ودهشة كما حكى عنه سبحانه في سورة الأعراف (فماذا تأمرون؟ قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم).

وبلقيس عندما بلغها ما بلغها من سليمان(قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) ولو كان هذا ديدنها في الحكم الذي تربت عليه وربَّت عليه الناس من حولها عليه لما كانت تلك الإجابة التي تدلُّ على ما امتازوا به من قوة الأجسام وخِفة الأحلام حتى صدق فيه قول اللآخر:

لابأس بالقوم من طول ومن قِصَر           جسم البغال وأحلام العصافير

لقد ربى الإسلام معتنيقه على الكرامة منذ نعومة الأظفار [يا أبا عمير ما فعل النغير]

أكنيه حين أنــاديه لأكرمه              ولا ألقبــه والســوأة اللقبُ

حتى إذا ما شبَّ الواحد منهم شبَّ كريماً لا يسفع نفسه، ولا يحقرها ولا يعطي الدنية من نفسه مختاراً ولا يقول كما قال أولئك المتشائيم (نحن أولو قوة وأولو بأس شدي والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين).

إن الحرية قيمة لا يطيقها العبيد!! وشرف لا يستحقه الأخساء، ونور لا يبصره الأذلاء من الناس!.

لقد أقر القرآن المبدأ الشوري، ونص عليه وأشار إليه وأمر به فآمن الرسول الرسول بكلمات ربه وطفق يجريها على الناس خيراً وبركة، وسعادة ونماء، وبراً ووفاء فكان ثمرته ذلك المجتمع الرباني الحر الأبي (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون).أولم يرد هذا الإنتصار في سياق الأئتمار إنها النواة الطيبة في الأرض الطيبة (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا).

فقاتل إذا لم تلق إلا ظلامةً             شب الحرب خير من قبول المظالم

ورحم الله من قال:

متى تجمع القلب الذكي                     وصارماً وأنفاً حميماً تجتنبك المظالم

 

لقد أقر الله عز وجل أمر الشورى قرآناً وأنفذه صلوات الله وسلامه عليه قولاً وعملاً وسلوكاً وأخلاقاً وممارسة وتطبيقاً وتبعه في ذلك الصحابة والغر الميامن وانسلك في سلوكها وانتظم صالحو المؤمنين في كل عصر ومصر.

وهكذا اتسعت دائرة الشورى فكان من الطبيعي أن تتسع دائرة الاهتمام بها، والإحتفال لها والعناية.

تعرض لها كل من تعاطى تفسير القرآن الكريم والاشتغال به على أختلاف درجة الاهتمام ؛ واحتفل بها كل من تعلق بأسباب دراسة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على تفاوت بينهم وتباين.

وأشار إليها كل من كتب في السيرة النبوية من أقدمين ومحدثين ؛ وأفتى في مسائلها الفقهية المتشعبة من بيعة وخلافها فقهاء الأمة وقضاتها وعلماؤها؛ وتناول أهل اللغة وصناع المعاجم والقواميس والمقاييس بالشرح والتفسير، وبيان أصلها واشتقتقها، وصدح بها الشعراء الذين استنشقوا عبيرها منوهين بها ذاكرين لفضلها حتى إذا تقادم العهد بالمسلمين وبعدت الشقة بينهم وبين دينهم وتسلط عليهم ناس من خارجهم ، وآخرين من داخلهم وذاقوا طعم الظلم ومرارة الإضطهاد وقسوة الاستبداد أقبل العقلاء منهم ينقبون عن تاريخ ناذخ وفقه شامخ وفكر منير فكانت اليقظة الإسلامية والوعي الحضاري والعزيمة على إستئناف مشوار العزة والكرامة والمجد والشموخ الذي لا ينمو إلا في أجواء الحرية والعدالة والشورى والقيم النبيلة .

وهكذا ألفينا أهتماماً متزايداً وعناية متراكمة بالشورى وما يتبعها من أنماط وأشكال ومؤسسات وأساليب وبرز هذا الاهتمام وتلكم العناية منذ أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي مقاومة للإستعمار ومناهضة للإستبداد، ومدافعة للباطل فكتب الكواكبي عن طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد وبشرت مدرسة الافغاني ومحمد عبده بالشورى ودعا المصلحون والمجددون إلى الحرلاية وحكم الشورى ووصل حاضر الأمة بماضيها أستشرافاً لمستقبل زاهر وضئ يسكب على الحياة نوراً متألقاً ورونقاً منأنقاً ، ومنظراً بهياً .

وما كان لأعداء الأمة من الملل الأخرى، والمستغربين من بني جلدتنا أن يصبروا على هذا السيل الفكري العارم، والمد الإسلامي الكاسح الذي يريد أن يهدم هيكلاً مهترئاً ليقيم على أنقاضه حضارة نابضة بالحياة، ناطقة بالحق قائمة على معاني الحرية والشورى والعدل والاعتراف بحق الآخرين في التفكير والتعبير والانعتاق من آصار الاستبداد وأغلاله والمتابع للحركة الثقافية والفكرية في بلاد المسلمين منذ عقود الزمان يلاحظ جهداً مكثفاً في أبراز محاسن الشورى ومزاياها ولا سيما وقد لسعت يد البغي والعدوان رجال الثقافة والفكر .

لقد أصبحت الشورى قضية ينبري لها المحامون ، ويتأزر عليها العقلاء وتشدو بها لهوات الشعراء، ولنختم هذه المقدمة عن الشورى وأهميتها وأدبياتها ببعض ماقال أولئك الشعراء ترطيباً للأجواء ، وتنشيطاً للقراء وترويحاً .

كانت بيعة أبي بكر الصديق فلتة وقى الله المسلمين شرها كما قال عمر بن الخطاب وبدرت بوادر لجاجة سرعان ماحسمت ففرح لهم بعضها فقال :

حمداً لمن هو بالثناء حقيق                ذهب اللّجاجُ وبويع الصديق

وعندما ظهرت آيات الانحراف عن طريق الخلفاء الراشدين في العهد الأموي أنكر الشعراء ما وقع عليهم من حيف وظلم قال بعضهم:

معاوِيَ إننا بشر فأسحج            فلسنا بالجبال ولا الحديد
أتطمع بالخلود إذا هلكنا            وليس لنا ولك من خلود

 

قالوا شتم معاوية رضي الله عنه بعضهم فرد الرجل الشتيمة وخرج وهو يقول :

أيشتمني معاوية بن حرب         وسيفي صارمٌ  ومعي لساني؟!

وفي العصر العباسي رفع بعض شعرائه صوته صادحاً صادعاً منوهاً بالشورى داعياً إلى الأخذ بها لأنها لا تزيد المستشير إلا نوراً على نور وقوة إلى قوة:

إذا بلغ الرآي   المشورة     فاستعن         برأي لبيب أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة         فإن   الخوافي   قوة   للقوادم

أما في عصرنا هذا الحديث فنكتفي بثلاثة شعراء كلهم محسن مجيد . أما الأول فقائد النهضة الشعرية الحديثة محمود سامي البارودي وكان صاحب لسان وسنان قال مخاطباً الخديوي :

سُنَّ المشورة وهي أكرم خُطة         يجري عليها كل والِ مرشد

هي سنة الدين التي أوحى بها         رب  العباد  إلى  النبي محمد

فمن أستعان   بها  تأيد   ملكه         ومن أستهان بأمرها لم يرشد

أمران  ما اجتمعا  لقائد   أمةِ            إلا وجنى    بهما  ثمار السُّؤد

جمع يكون الأمر فيما   بينهم          شورى وجندٌ  للعدو بمرصد

وأما الثاني فأمير القوافي أحمد شوقي الذي تبارك شعره بمدحه للرسول صلى الله عليه وسلم وثنائه على شرعته ومنهاجه قال في همزيته المعروفة :

فالدين يسر والخلافة   بيعة           والامر شورى والحقوق قضاء

أما الثالث الذي نختم به هذه المقدمة فهو شاعر النيل حافظ أبراهيم صاحب القصيدة الهائية العمرية التي سار بها الركبان . قال منادياً الخليفة الراشد الفاروق:

يا رافعاً راية الشورى وحارسها       جزاك  الله   خيراً  عن   محبيها

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به        رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها

ولقد صدق والله وفي تجاربنا المعاصرة خير برهان على ما قال .

وبعد :

فهذه مقدمة تفتح باباً لعلها منه نلج، ونافذة منها نطل على الشورى في مساقات ثلاثة:

في مساقها التأصيلي متمثلاً في اللغة والقرآن والحديث وفي مساقها التاريخي متمثلاً في عصر النبوة والخلافة الراشدة ثم في مساقها المعاصر متمثلاً في بعض القضايا المتشابكة كقضية التشابه والاختلاف بينها وبين الديمقراطية وقضية الحريات والتداول السلمي للسلطة وما أشبه ذلك من قضايا وتداعيات.

2 – الشورى في سياق تأصيلي:

 أ – في اللغة والإصطلاح .

ب – في القرآن الكريم .

ج – في الحديث النبوي الشريف.

 أ-الشورى لغة وإصطلاحاً:

ردج اسلافنا الكرام على البداية بتعريف العلم الذي يريدون الحديث فيه، وأول ما نبدأ به أن نتناول الإطار اللغوي للشورى الذي يلتمس في المعاجم كمقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت 395 م) والقاموس المحيط لمجد الدين الفيروزابادي كما يلتمس في بعض التفاسير التي تهتم بالجانب اللغوي ككشاف الزمخشري وأحكام القرطبي .

قال ابن فارس في مادة شور “شور” [ السبن[1] والواو والراء أصلان مطردان الأول منهما إبداء شئ وإظهاره وعرضه والآخر أخذ الشئ فالأول قولهم ( شرت[الدابة] شوراً إذا عرضتها والمكان الذي عرضت فيه الدواب هو المشوار والباب الأخر قولهم شرت العسل[2] قال بعض أهل اللغة :من هذا الباب شورت فلاناً في أمري قال: وهو مشتق من شور العسل فكأن المستشير ياخذ الرأي من غيره ،والبعير المستشير البعير الذي يعرف الحائل من غير الحائل[3] ] .

وقال صاحب القاموس [4]( فصل الشين باب الراء ) شار العسل استخرجه من الوقبة[5] ومنه شار إليه أومأ ويكون بالكف والعين والحاجب وأشار عليه أمره وهي الشورى والمشورة واستشار طلب منه المشورة ].

ولابأس أن نستأنس بمعجم حديث هم المعجم[6] الوسيط لما فيه من زيادة معنى وحسن تمثيل [شاوره في الأمر مشاورة وشواراً طلب رأيه وفي التنزيل العزيز (وشاورهم في الأمر) والشورى التشاور وفي التنزيل العزيز( وأمرهم شورى بينهم) والأمر الذي يتشاور فيه ( والشورة) المخبر والمنظر[وهذا مما يخطيء فيه بعض المعاصرين فما نحن بصدده شورى بألف مقصورة وتلك بتاء مربوطة “المؤلف” ] ويمضي أصحاب المعجم الوسيط في إفادتهم قائلين [والمستشار: العليم الذي يؤخذ رأيه لفي أمر هام علمي أو فني أو سياسي أو قضائي أو نحوه .”ونصوا هاهنا على انها كلمة محدثة “.

والمشورة: مانصح به من رأي وغيره والمشورة المشورة .شار عرضه ليبدي ما فيه من محاسن ويقال شار الدابة أجراها عند البيه ليظهر قوتها وفي حديث طلحة كان يشور نفسه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم :أي يسعى ويخف ليظهر قوته] .

وقبل أن نخرج بخلاصة للمعنى اللغوي لكلمة الشورى نشير إلى أن بعض المفسرين –واللغة مصدر من مصادر التفسير- أشار إلى اشتقتق كلمة شورى فقالوا :إن الشورى مصدر شاورته كالفتيا والبشرى [7]. وسماها ابن تيمية ” اشتواراً”[8]

ومما مضى من سياحة في بعض المعاجم وإشارة إلى بعض كتب التفسير يتبين لنا أن الشورى اجتهاد واستخراج واستنباط وتظاهر وتعاضد وتكاتف على أستعراض أحسن الوجوه ، وأخذ خلاصة الشيء وزبدته ،واظهار للقوة والخفة والنشاط وهذا بعض ما استجلاه العلماء في مجال الاصطلاح .

أما في الاصطلاح فليس هناك من تعريف واحد جامع مانع للشورى وهناك جملة تعريفات تجدها مثبوتة هنا وهناك عند من اهتموا بهذه القضية وقد تطول تلك التعريفات وقد تقصر وقد تتوسط .

قال عدنان النحوي:[الشورى الإيمانية هي التعاون في تبادل الرأي ومداولته، وفي أمر من أمور المؤمنين أفراداً وجماعة وأمة على قواعد تحدد غايات عن الحق أم من هو أقرب إليه طاعة لله وعبادة وبذلك تصبح الشورى نظاماً متكاملاً ،ونهجاً متناسقاً يرتبط بمنهج الله ارتباطاً متيناً ليكون جزءاً منه لا ينفصل …الخ] [9]

وقال محمد أسد [الشورى هي المادة الفعالة في التفكير الإسلامي بصدد مسألة إدارة الدولة وهي تشمل كل صغيرة وكبيرة من دقائق حياتنا السياسية وكل أمر من أمورذا الطابع العام وهي جزء لا يتجزء من أسلوب الحكم ][10]

وقال بعض العلماء :[الشورى هي المفاوضة في الكلام ليظهر الحق، وهي استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض][11].

ومهما يكن من شيء فالشورى سمة من سمات المجتمع المسلم، وهي صفة من صفاته اللازمة وهي مبدأ من المبادئ الإسلامية العامة التي ينبغي أن ينصبغ بها المسلمون أفراداً وجماعات، ومؤسسات واجتماعات ودولاً انتثالاً لأمر الله عز وجل.قال ابن جزي:[المشاورة مأمور بها شرعاً]ج1/122.

وقد ذكر هذا في كتابه التسهيل عند تفسيره لقوله تعالى {وشاورهم في الأمر}من سورة أل عمران . وبهذه الكلمة المحكمة الفاصلة نختم هذا الفصل الذي تناولنا فيه الشورى لغة واصطلاحاً .

ب – الشورى في القرآن الكريم :

ذكرنا في مقدمة هذا البحث أن القرآن الكريم أشار إلى الشورى في مواضع منه. ونريد أن نلقي على هذه الدائرة شعاعاً من نور ، وأن نزيد تلك الإشارة فضل بيان ، وزيادة تفصيل وتكميل .

جاء ذكر الشورى باسمها ومشتقاتها في ثلاث سور ثنتان منها من السبع الطوال وهما البقرة وآل عمران . ومعلوم أن كلا السورتين نزل بالمدينة وضلت البقرة نصاً مفتوحاً على مدى سنين ومنها ما نزل  أول العهد المدني ومنها ما نزل أخره بل منها أخر آية[12] نزلت في قول بعضهم ونزلت “آل عمران” في أجواء أحد وما ابعها من هموم وتكاليف وأما السورة الثالثة فمن المثاني من أل حم[13] وهي سورة الشورى ومعلوم أنها نزلت في مكة.

وفي هذا إشارة ناطقة , ودلالة واضحة على أن الشورى لازمة من لوازم المسلمين في كل أحوالهم وأطوارهم ومراحل حياتهم مستضعفين كانوا أو متمكنين ، في قلة كانوا أو في كثرة ؛ أصحاب دولة وصولة وسلطان يهاب أن متجردين من ذلك كله يخافون أن يتخطفهم الناس .

إن وصف المؤمنين ذو تشاور وهم في حالة استضعاف لدليل قاطع ، وبرهان ساطع على أن أمر الشورى يتجاوز السياسة بمعناها المحدود والدولة بمبناها المرسوم ليشمل كل أمر من أمور المسلمين لا فرق في ذلك بين سياسة واقتصاد واجتماع وما شئت من تقسيمات .

فما من شيء تركه الشارع الكريم عفواً مسكوتاً عنه إلا وهو داخل دخولاً أولياً في دائرة الشورى لا ينازع في ذلك منازع وما أوسعها من دائرة وما أرحبها من مجال وما أفسحها من فرصة وما افيحه من سهل إن كل ما يسميه الفقهاء بالمصالح المرسلة تدخل من أي باب من أبواب الشورى شاءت بلا حرج ولا عنت ولا حساسية .

أما الأيات من السور الثلاثة فهي قوله تعالى :

1 -{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفساً إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له لولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ..}البقرة 233

2 – {فمبا رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ الفلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}آل عمران 159 .

3 – {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون}الشورى 38 .

الآية الأولى: تتحدث عن أمر أسري بين امرء وزوجه في أمر يتعلق بالرضاع والفصال[14] وهو من الأمور الأسرية التي ينص عليها القرآن الكريم لئلا يضيع الولد في الخلاف الناشب بين الرجل وزوجه ولتحفظ الحقوق تحت قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” وانظر كيف أن الشورى تدخل لتنظيم حياة المجتمع في كل شعبة من شعبه.

والآية الثانية: من سورة آل عمران نزلت بعد هزيمة مؤقته في أحد التي نزل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه ورأي بعض الجلة من اصحابه لما رأى رغبة الأكثر في الخروح لملاقاة العدو خارج المدينة.

وكان المتوقع أن يلام أولئك على احاحهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن تنقص قيمة الشورى التي كانت نتيجتها غير موفقة إذ أدت إلي الهزيمة فلربما قيل لو أنهم لم يخرجوا لكانوا إلى النصر أقرب ولكن لم يحدث شيء من ذلك قط فجاءت الآيات تحض على الشورى وتؤكد وجوبها[15] وتدعوا إلى الاستمساك بها وإشاعتها في الناس، وهذا مما يدل على تعظيم شأن الشورى وأنه واجب مفعول ممتثل.

والآية الثالثة: جاءت في إطار صفة المؤمنين الذين يستجيبون لربهم ، ويجتنبون كبائر الأثم والفواحش وينتصرون إذا أصابهم البغي إلى غير ذلك من الصفات الروائع وأنظر كيف أن الله عز وجل فرق بين ألأمر بإقامة الصلاة وبين النفاق لإقحامه لتلك الصفة المتلالئة صفة الشورى تنويهاً بها ورفعاً للوائها وإظهاراً لفضلها فالمجتمع الذي يستبد بعضه ببعض ويتخذ بعضه بعضاً أراباً من دون الله وينقسم فيه الناس إلى سيد يأمر وينهى وعبد يسمع ويطيع هطذا بلا أخذ ورد ولا نقد واعتراض مهما سيم من خطة خسف مجتمع لا يستحق أن ينتسب إلى المجتمه الإسلامي الكريم مجتمع الربانية الذي يكرم فيه الإنسان ولا يهان .

ولا يحسب أحد أن أمر الشورى مقصور على الآيات الكريمات السالفات إنها تتغلغل بروحها وريحانها في ثنايا الكتاب الكريم وتضاعيفه فإذا الظل وافر وإذا الطيب عابق وإذا الربع مأهول[16] … مأهول وإن رحل أهله وظعن ساكنوه وبان الخليط ووقع الطلاق فالإتمار بالمعروف من شأنه أن يرمم العلاقات الإنسانية فإذا هي قائمة وأن يبني جسورها فإذا هي ممتدة{أسكونهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضارهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فاتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف فإن تعاسرتم فسترضع له آخرى} والائتمار بالمعروف يهتز له غصن الحياة أخضر ندياً في حال الافتراق فكيف هو في حال الاجتماع ثم هذا العتاب الذي يشم ولا يلمس {وإن تعاسرتم} فمن شأن الائتمار بمعروف أن يصاحبه تياسر لا تعاسر ولكنها النفس الإنسانية التي تستعصي أحياناً على العلاج الشوري الائتماري الميمون وإذا تنقلت في رياض الكتاب ومروجه فإنك واجد تعابير لا تعزب عن مجالات الشورى وأجوائها فالمحاورة الكريمة والمجادلة بالحسنى والبعد عن الإكراه والإلزام والدعوة إلى النظر وتقليبه والفكر وإعماله والبصر وإرجاعه كل ذلك يمت إلى الشورى بسبب واشح وحبل متين والمتنقل بين الكتاب والسنة كالمتأنق في أصل فارع ، وثمر يانع فإلى هناك … إلى الحديث النبوي الشريف تأصيلاً لمعنى الشورى ، وتكميلاً للفائدة والتماساً للبركة .

ج – الشورى في الحديث الشريف :

رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الترجمة العملية لما في القرآن من قواعد وأسس وأفكار ومضامين ومثل وأخلاق . كيف وكان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه وحكى القرطبي في صدر سورة المؤمنون عن السيدة عائشة أنها تلت الأيات العشر منها وقالت هذه أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يك شيئاً عجيباً أن تنال الشورى حظها من الرسول الكريم قولاً وفعلاً ونظراً وممارسة وكان كما روى عنه صاحبه أبو هريرة رضي الله عنه أكثر الناس مشورة لأصحابه .كان يوقرهم ويسمع لهم ويصدقهم حتى قال بعض السفهاء من المنافقين أمثال نبيل[17] ابن الحارث وعتاب ابن قيس هو أذن{ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين أمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}التوبة 61.

وهكذا تختل موازين العظمة الإنسانية عند ضعاف الاحلام فتصبح صفة المدح عندهم ذماً وصفة الذم مدحاً.

المعروف منكر والمنكر عندهم معروف. أما ما يحترم المؤمنين ،ويعيرهم سمعه فهو المذموم ، وأما من يسفه أحلامهم وينصرف عنهم ويستبد بهم غير عابئ بهم ولا آبه فهو الممدوح ويالها من نظرة سقيمة حمقاء .

لقد ربى رسول الله أصحابه على الشورى- كما سنرى في الفصل القادم ( الشورى في إطارها التايخي ) – وكان معهم في أفراحهم واتراحهم وحربهم وسلمهم لا يتخذ من دونهم وليجة ، وليس بينهم وبينه أبواب ولا حجاب.

وهذه هي الصفة التي أراد أصحابه أن يورثوها في الحكام … وفي رواية الترمذي عن أبي مريم الأزدي أنه دخل على معاوية فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقرة” .

وهناك أحاديث في الإستشارة والاستخارة وما نحو ذلك المنحى أضربنا عنها الذكر صفحاً لما فيها من الضعف ولين وفي الصحيح عنها كفاية ومقنع.

3 – الشورى في إطارها التاريخي:

أ – في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ب – في عهد الصحابة رضوان الله عليهم .

أ – الشورى في العصر النبوي:

سبق أن ذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم النموذج العملي في تطبيق مبدأ الشورى ومثاله وأكثر ما يتجلى تطبيق مبدأ الشورى وممارسته في السير والمغازي والحروب والمعارك إلا أن هذا لا يعني أنها ما كان يعمل بها إلا هناك .

وذلك أن الشورى منهاج حياة ،وشرعة دين ، ونظام حكم ، وصبغة أمة وحسبك أنه صلى الله عليه وسلو كان يستشير حتى فيما يحسبه الناس اليوم من الشؤن الخاصة.

فقد رمى المنافقون أم المؤمنين عائشة بما برأها الله منه فهي الحصان الرزان[18] فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد[19].

ولعل أبرز الأمثلة على تلك الممارسة الشورية الراشدة ما حدث يوم بدر وأحد والاحزاب والحديبية.

أما في بدر فقد استشار قبل بدايتها جموع المهاجرين والانصار قائلاً اشيروا عليّ أيها الناس فوجدهم على قلب رجل واحد إيماناً وتسليماً ،ونصراً ومؤازرة ،ووفاء وولاء وعزيمة ومضاء ولم تكن مشاورته لفريق دون فريق.

وفيها استجابة لرأي الحباب بن المنذر في هدم القُلُب[20] والإبقاء على قليب منه يستقون. واستشار أصحابه وقد انجلت المعركة ماذا يفعلون بالأسرى فمنهم من أشار بالقتل[21] ومنهم من استشار بأخذ الفدية[22] ومنهم من أشار بجمع حطب جزل[23] وإشعال الوادي عليهم ناراً وهكذا ألقت الشورى بظلالها الممدودة بدءاً وختماً .

وفي أحد استجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للجم الغفير من أصحابه ومنهم عمه حمزة سيد الشهداء وعظمهم من الشباب الذين فاتهم شرف بدر… أخذ برأيهم وترك رأيه ورأي جماعة من أصحابه بالرغم من رؤيا الدرع الحصينة والبقر المذبح والسيف المثلوم [24].

خرج وكان الأصوب البقاء ولكنه تقرير المبادئ وإثبات القيم وتركيز المعاني وقد أسفرت الشورى عن قيمتها العالية في تأكيد الله لها في سورة آل عمران عقب الهزيمة .

ويوم الاحزاب يستجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي صاحبه سلمان بحفر الخندق ولم يكن تدبيراً عربياً معهوداً وفيها يشاور الأنصار على أن يدفعوا للعدو شيئاً من الثمار حت ينصرفوا عنهم فيقولوا ليس لهم عندنا إلا السيف فيقول أنتم وذلك وأعرض عما كان قد شرع فيه من محاولات المساومة على الانصراف .

أما في الحديبية فقد يقال أنه خالف رأي جمهور الصحابة للنظر المستعجل ولكنه على التحقيق وحي خارج عن مجال الشورى… ما خلأت القصواء[25] وما هو لها بخلق إني عبد الله ورسوله ولن يضيعني ربي… هلك المسلمون وأمرتهم فلم يمتثلوا . وهنا تظهر حكمة زوجه أم سلمى احلق وانحر ثم انظر كيف يكون فإذا بهم يتواثبون لنحر هديتهم تواثباً ( حبذا أنت أم سلمى لولاك لهلك المسلمون ) إنه الرأي وما هو بوقف على الرجال دون النساء، وقد يوجد في الشباب كما يوجد في الشيوخ[26] ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حريص على تربية الإنسان على أستخراج الرأي واستنباطه بوسائله المعروفة من اجتهاد في الشورى في مواضع الاجتهاد فإذا كان النص فالاجتهاد في فهم مدلولاته ومعانيه ومقاصده .

وهكذا أبرز الرسول صلى الله عليه وسلم الشورى في أبهى صورة وأبهج منظر وأبرز عنوان فأصبحت كأنها العلم المنصوب، واللواء المرفوع في حياة المسلمين الفكرية والسياسية وفيما سواهما .

ب – الشورى في عصر الصحابة :

التحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ولم يعين من يخلفه. وهذا في حد ذاته يدل على أن الأصل في الحكم التشاور والتداول والاختيار لا التعيين والنص المباشر.

اجتمع في سقيفة[27] بني ساعدة جمهور من الانصار ولحق بهم ثلاثة من المهاجرين، وكانت المحاورة الحرة المفتوحة فيمن يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لا تخلو من شدة وحدة أحياناً . طرحت الأراء في حرية وجرأة وشجاعة.

الأمر لنا نحن الانصار[28]… هذا الأمر لا يصلح إلا في هذا الحي من قريش[29]… منا أمير ومنكم أمير[30]… نحن [المهاجرون]الأمراء وأنتم الأنصار الوزراء لا نفتات عليكم … ابسط يدك أبايعك قال عمر بعد أن قال أبوبكر رضيت لكم أحد هذين الرجلين يعني عمر وأبا عبيدة … لا تنازعوا هذا الأمر أهله[31] … وهكذا يمضي التداول الفسيح حتى يُبايع لأبي بكر.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل عد ذلك ضرب من ضروب الترشيح حتى تمت البيعة العامة في المسجد فتولى أبو بكر الخلافة فسار بها على نهج الشورى.

كان عزمه على انفاد بعث أسامة بن زيد رغم معارضة بعضهم لأنها إتمتم لما بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عزمه على قتال المرتدين لما في ترك الزكاة من نقص في الدين {فإن تابوا وأقامزا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}التوبة 11. وكان جمع[32] القرآن باقتراح من عمر ومناقشة أدت إلى اقتناع فإنفاذ.

واسترد أرضاً كان قد أقتطعها للأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن بعد أن تبين أن هذا مما لا يستبد به دون ذوي الرأي من المسلمين وهكذا مضت خلافته الراشدة راقية مشهودة… ولم تتم خلافة راشدة واحدة غلا ببيعة عامة محضورة .

استخلف أبو بكر عمر والاستخلاف إن هو غلا ترشيح ليس له من أثر قانوني دستوري إلا بالرضى الذي تعبر عنه البيعة العامة من قبل المسلمين .

ولا يشترط في البيعة أن تكون إجماعاً ، فتخلف بعضهم – كما روي في بيعة أبي بكر غذ تخاف عنها مثلاً سعد بن عبادة – لا يضر ما دامت الجمهرة الغالبة راضية.

ومن أبرز الأمثلة التي وقع فيها خلاف في الرأي كبير ارض السواد بالعراق إذ ذهب جماعة من بينهم عبد الرحمن بن عوف وبلال بن رباح أنها فيء ينبغي ألا يحبس عن المقاتلين ؛ وكان من رأي عمر “رضي الله عنه” وهو ينتظر إلى مستقبل الأجيال القادمة نظرة عبقرية نافذة – ألا تقسم بل تترك مالاً عاماً مشتركاً بين السابقين واللاحقين ولكنه لم يستبد بهذا الرأي لأن الاستبداد ليس من طبيعة الإسلام ولا المسلمين بل ظل يشاور ويأخذ ويعطي ويناقش ويجادل حتى شرح الله الصدور وهداهم إلى رشدهم ووجدوا ضالتهم المنشودة في آيات سورة الحشر سورة بني النضير التي ذكرت فيمن يليهم الفيء الله ورسوله وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ثم ذكرت المهاجرين والأنصار ثم ذكرت {والذين جاءوا من بعدهم}الحشر 7-11.

 وضرب عمر رضي الله عنه مثلاً رائعاً في التواضع لله ، والوقوف عند كتابه وسنة رسوله وتوطئة الكنف لخلقه وسماع النصيحة غير مستنكف ولا مستكبر “أصابت إمرأة وأخطأ عمر”،”الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم اعوجاج “عمر” بحد سيفه”،”لا خير فيكم إن تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها”،”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” إلى غيرها من الكلمات النواضر التي أقبلت إلينا تشق القرون شقاً والتي لا تخرج إلا من قلب حي قد غمرته المعاني الإسلام الخالدة ،وقيمه الثابتة من حرية وشورى وعدل ومساواة ورحمة ومواساة إلى غير ذلك مما جاء به نبي الرحمة المهداة والنعمة المسداه .

ثم جاء الخليقة الراشد ذو النورين الذي قتلته أوباش من الناس وقام المهاجرون والأنصار للنصر والمؤازرة فأبى أن تقع نقطة دم واحدة بسببه وأثره أن يقدم نفسه شهيداً.

وفي سنيه الست الأولى كانت فتوحات اختلط فيها أهل الشام بأهل العراق ،واختلفوا في القرأءة وزعم كل أن قرأته خير من قراءة صاحبه فأقبل حذيفة بن اليمان فزعاً وقال أدرك الأمة قبل أن تختلف في الكتاب [33]

جمع عثمان ذوي الرأي وأهل الحل والعقد وكان الأمر شورى أفضى إلى أن يكتب القرآن على الحرف القرشي، وأن تعدم سائر الأحرف الستة ولما لام بعض ذوي العقول القاصرة عثمان رضي الله عنه على تلك الخطوة الذكية الزاكية وليدة الشورى المباركة قال علي كرم الله وجهه: [لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا معشر أصحاب محمد ولو كنت مكانه لفعلت في المصحف ما فعل].

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك يردون كل بادرة من بوادر الإستبداد بالرأي قالوا قال عثمان رضي الله عنه لأفعلن هذا الأمر وإن رغمت أنوف فقال بعض الحاضرين [أشهد الله أن أنفي أول راغم].[34]إنه مجتمع السادة الأحرار لا العبيد الأرقاء .

أما أبو الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقد جاءت خلافته عن بيعة كما كانت خلافة سابقيه رضوان الله تعالى عليهم وإن اختلف اسلوب التولية من إمام إلى إمام وإنما المقصد أن الخلافة لا تبرم إلا بعقد التراضي بين الراعي والرعية.

قالوا أراد بعضهم أن يبايعوا سراً … أفراداً… وفي الشارع والطرقات فأبى إلا بيعة جامعة في المسجد ولله درك أبا الحسن.

لقد جاء في وقت شدة وبلاء، وتنازع واختلاف وقد سفك الرعاء دم الخليفة عثمان:

فتصدعت من يوم ذاك عصاهمو   شققاً وأصبح شلوهم مأكول[35]

لقد سار سيدنا علي في المسلمين الصالحين ورفع للشورى مناراً . وأنظر كيف عامل مخالفيه بل مقاتليه الذين حملوا السلاح وشقوا عليه عصى الطاعة… ما قاتلهم حتى قاتلوه ، وما شهر عليهم سلاحاً حتى شهروه هم في وخوه المسلمين الأمنين من أمثال خبيب بن عدي[36] أراد أن يفتح معهم باب حوار فبعث إليهم بابن عمه عبد الله بن عباس فلما بهرهم بالحجج التفت بعضهم إلى بعض وقالوا هذا من القوم الذين قال الله فيهم …………

4 – الشورى في سياق معاصر

 1 – أ – الشورى بين الإلزام والإعلام

     ب – الشورى وفقه الاختصتص .

 2 – بين الشورى والديمقراطية .

 3 – التعددية السياسية . 

أ – الشورى : أمعلمة أم ملزمة..؟

الشورى كما حاولنا أن نبين في تلك الصفحات السالفات أمر لازم، وضرورة حتم وصفة من صفات المجتمع المسلم لا تنفك عنه ولا تبارحه.

فإذا طرح أمر للشورى وأخذ الرأي واتخاذ القرار وتداول فيه الناس وقلبوه طهراً لبطن وقتلوه بحثاً ؛ وهدي فيه أهل الشورى كلهم أو جلهم إلى رشدهم ورفعوا ما توصلوا إليه إلى الخليفة أو الحاكم أو الإمام أو المسئول أو الراعي أو الأمير أو رئيس الجمهورية أياً كانت هذه صفته أو اسمه فهل له أن يخرج على ما اجمعوا عليه أو كادوا أم إنَّ يلتزم به متوكلاً؟

اختلف العلماء والمفسرون وأهل الرأي في الإجابة على السؤال الذي طرحناه آنفاً وهو خلاف قديم والآية التي عليها المدار والتي تمثل محور الخلاف هي قوله تعالى من سورة آل عمران {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} ففهم بعضهم من هذا القول الكريم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر من بعده ملتزمون بالمشاورة أو الاستنارة أو نطييب القلوب كما يعبر بعض المفسرين [37].

وفي هذا الرآي افراغ للشورى من محتواها وتحويلها إلى أمر عبثي لا طائل تحته ولا غاية ترجى من ورائها .

ولا يجوز أن تصل الشورى التي أمر الله سبحانه وتعالى بها ، وانفذها الرسول الكريم واقعاً وقام بها أصحابه من بعده واجباً وقال فيها ابن عطية الأندلسي الأصولي المفسر (والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه)[38]… لا يجوز أن تصل الشورى –هذا شأنها-إلى ذلك الدرك السحيق، والمستوى الشائه الذي يجعل منها ألعوبة في يد الحاكم يستشير ولا يلتزم ويستنصح ولا يتقيد … يجمع أولي الألباب وأهل الذكر وأهل التجربة وأصحاب الحكمة ثم يضرب بقولهم عرض الحائط غير ملتفت لرأي لبيب ناصح :

وإن باب أمرٍ عليك التوى                       فشاور لبيباً ولا تعصه

إن من يفعل ذلك لا يعدو أن يكون مستبداً لا يشاور إلا نفسه شأنه في ذلك شأن الفتاك الذين قال فيهم سعد بن ناشب المازني :

إذا هـمَّ ألقى بين عينيــه عزمة      *      ونكــب عن ذكـر العواقـب جانبـاً

ولم يستشر في رآيه غير نفسه      *      ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا

إن المقصود من الشورى إنضاج الرأي على نار هادئة فيها المداولة الحرة والصدر الفسيح والالتزام الصارم بما تفضي إليه من نتائج .

والقول بأنها معلمة غير ملزمة يفسد أمرها ويخرب ديارها فإذا هي بلاقع وما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يشاور ويعصي ذوي شوراه بل عرف عنه أنه كان يتنازل عن رأيه لرأي الأخرين كما حدث في حادثة تهديم القلب وردمها وكما حدث في الخروج عن المدينة يوم أحد، وكما قال لصاحبيه أبي بكر وعمر لو اجتمعتما ما خالفتكما.

وهذا بالطبع في مجال الشورى لا في مجال الوحي الذي لا شورى فيه فلا يحتج علينا بما حدث يوم الحديبية.

ثم إذا سلمنا أن هذا للرسول الكريم{إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ} فما بال قوم آخرين… يختارهم الناس في ترشيح مفتوح وبيعة حرة وانتخاب مختار ثم لا يجدون منهم إلا تألهاً منكراً واستبداد مقنناً يشاور ويعصي ويلتمس الرآي من أهل الرأي ثم يفعل ما بدا له غير مكترث بإجماع ولا أكثرية بزعم أن الشورى معلمة لا ملزمة إن هذا الرآي الذي يقول بإعلامية الشورى لا بإلزاميتها قول مرجوح يفتح باب شر مستطير يمهد للاستبداد ويعطيه صفة الشرعية ويجعل من الشورى قيمة عقيمة لا ثمرة لها ولا ولد ولو لم يكن إلا من باب سد الذرائع لكان جديراً أن نكبر عليه أربعاً وأن نمسح أيدينا منصرفين .

ب – الشورى وفقه الاختصاص:

إن الشورى أهلها من ذوي الكحمة والحنكة والتجربة والخبرة والعلم والمعرفة فما كل من ولدته أنثى بصالح للشورى ثم إن لكل فن أهله ولكل علم رجاله ولكل مجال خبراءه فعلماء الكيمياء والفيزياء والنبات وما يسمى بالعلوم الكونية لا يصلحون للشورى في مجال المال والاقتصاد وعلماء الشريعة المتخصصون في الكتاب والسنة والفقه بشقيه أصوله وفروعه ليسوا بأهل ففإفتاء في المجالات العسمرية من كر وفر وتكتيك ومناورة {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا غليهم لعلهم يحذرون} التوبة 122 فالإسلام يحترم التخصص وعصرنا هذا عصر التخصص {وما كان المؤمنون لينفروا كافة}.

فللقلم مكانه وللسيف مقامه وللسان وعاؤه والحكم الناجح هو الذي يعرف قدرات الناس وقدراتهم وملكاتهم ويضع كل فرد في الموضع الذي يناسبه.

وإذا التمس رأياً أو مشورة فإنما يلتمسها من بابها وهذا بعض ما يشير إليه القول الحكيم{فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}النحل 43.

مدخل إلى الديمقراطية :

أناخ الاستعمار[39] الغربي في القرن الماض بكلكله على أجزاء واسعة جداً من عالمنا الإسلامي.

وكان لها أثره البعاد عن حياة المسلمين فكراً وسياسة وإجتماعاً واقتصاداً … كانت حضارة غازية غالبة تبلورت تجاهها ثلاثة اتجاهات فمن الناس من رأى ان نتحصن ضدها بالمتاريس.

وأن نغلق في وجهها كل باب ونافذة وأن نعتبر كل ما جاءنا منها شراً محضاً وكفراً صريحاً فالديمقراطية[40] مثلاً كفراً بواحٌ ينبغي أن تفر منه فرارك من الأسد ومنهم من رأى ألا سبيل إلى التقدم والرقي والحضارة إلا باتباع الغربيين حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب دخلناه… فأخذ حضارتهم بحذافيرها بحلوها ومرها وخيرها وشرها[41] اما الاتجاه الثالث فتمثله قافلة الثقافة الإسلامية الكبرى بعلمائها ودعاتها ومؤسساتها الرسمية والشعبية التي تعبر عن وسطية المنهج واعتدال الفكر والنظر.

أما الاتجاه الأول والثاني فمن تطرف بالموضع الذي يزهد فيها وسنضرب عنهما صفحاً غلا في حدود صيغة الردولا سيما على الاتجاه الأول إتجاه الرفض المطلق لكل ما هو غربي أجنبي وافد وذلك لتأثيره في بعض العقول والمواقف العلمية التي قد تفضي أحياناً غلى سفك الدم الحرام ، او انتهاك الحرمات نغير مصوغ .

إنشغل رجالات الفكر الإسلامي المعاصر من ذوي الاتجاهات الفكرية المقتصدة والنظر السياسي المعتدل بقضية من أخطر القضايا الفكرية والسياسية التي تواجه المسلمين اليوم.

وهي قضية من نتاج الفكر الغربي الذي سلك الناس فيه طرائق قددا كما قدمنا في صدر الحديث. تلكم هي قضية الديمقراطية وما تبعها من قضايا ليست هي من صنع الغرب خاصة وإن وجدت صداها ، وحققت قدراً من مداها، وأنجزت شيئاً من أبعادها في الحياة الغربية وذلك كالحريات العامة وحقوق الإنسان والتعددبة السياسية والتداول السلمي للسلطة.

أولاً: بعض المعاصرين تلك القضايا إهتماماً كبيراص وذلك لما لها منشأن في حياة الناس ولنبدأ بشؤال عن الديمقراطية ، ما الديمقراطية ويقابلها بالنجليزي ( Democracy ) كلمة يونانية من مقطعين ( Demos ) وتعني الشعب و ( Cratos ) وتعني السلطة فهي إذن سلطة الشعب.

وصورتها المثالية أن يجتمع الشعب كله ويحكم نفسه ولما كان هذا عسيراً بل مستحيلاً فلا مفر من الإنتخاب والتفويض والتوكيل والتمثيل وهكذانشأ الحكم النيابي.

قد تدفع بعضهم الحماسة للقول الديمقراطية هي الإسلام ، ويقابل هؤلاء في الطرف الآخر من يزعم أن هناك طلاقاً بائناً بينونةكبرى بين الإسلام والديمقراطية فما بين الإسلام والديمقراطية بعد المشرقين وإنما هما كما يقول أهل الهندسة خطان متوازيان لا يلتقيان في أي نقطة من النقاط .

فالإسلام حكم الله والديمقراطية حكم الشعب والأغلبية الميكانيكية التي يمكن أن تحل ما حرم الله ويمكن أن تحرم ما أحل الله ، يمكن أن تمنع الطيبات ويمكن أن تبيح الخبائث.

وهذه حجة يمكن أن ترد على من يقول إن الإسلام الديمقراطية متطابقان تماماً في كل شيء ولم يقل بهذا رجل رشيد يعرف الإسلام ، ويعرفالديمقراطية.

وليس من مسلم عاقل واحد يريد أن يأخذ الديمقراطية بحذافيرها … وقضها وقضيضها … بشرها وخيرها… وفي كل جزئية من جزئياتها أو فرع من فروعها.

وغاية ما هناك أن الديمقراطية بأساليبها وآلياتها وإجرائاتها استطاعت أن تحقق نجاحاً كبيراً باهر في كثير من المجالات ولعل أبرز مجال في ذلك مجال التداول السلمي للسلطة فأيهما خير في مجيزان الخير والحق والعدل والمصلحة أن يتداول الناس السلطة عن طريق الانتخاب والتفاوض والتراضي أن أن يتنازعوا عليها بالقوة والسطوة والجبروت فتزهق الأرواح وتسفك الدماء ويروع الآمنون وتنهب الأموال وتنتهك الحرمات ويهلك الحرث والنسل؟ أيُّ الطريقين أحق أن يتبع الأول بسلمه وأمنه وبعده عن الإحتراب والإقتتال أم الثاني بعجزه وبجره ومصائبه وآفاته.

إننا – المسلمين- مطالبون بالبحث والتنقيب عن الأصلح لنا في ديننا ودنيانا وغن تعارضت مصلحتان أخذنا بأكبرهما وأوفاهما وأعمهما، وإن ووجهنا بشرين ركبنا أخفهما وطأة وأقلهما ضرراً وأيسرهما مركباً والحكمة – بعد – ضالة المؤمن ينشدها أنى وجدها فهو أحق بها لا يهمه من أي وعاء خرجت .

ولو خير المسلم بين خحكم استبدادي قهري يكمم الأفواه ويحصي الأنفس ويكسر الأقلام ويعقل العقول ، وحكم ديمقراطي يشم منه رائحة الحرية ويستنشق فيع عبيرها يقول فيه كلمة وهو آمن ويصدع فيه برأيه وهو مطمئن فأي الحكمين أحق بالتباع عند أولى الألباب؟

إن المسلم ليس بريشة في مهب الريح يقف مشلول الإرادة أمام الخيارات السياسية والفكرية إن عنده من المقاييس الشرعية والمعايير العقلية والملكات الأخلاقية ما يجعله يأخذ ويدع في قوة واقتدار وعزة وصلابة لقد خرج المسلمون الأوائل فاتحين لقلوب العباد والبلاد بعد أن تضلعوا في العلو قرآناً وحديثاً فاستنارت منهم العقول، واسفرت منهم البصائر كيف وقد صيغوا صياغة ربانية إيمانية جعلتهم يأخذون كل حكمة صائبة وكل تجربة نافعة وكل أسلب رشيد وإن لم يكن معهوداً عندهم من قبل[42] وجدوا – وهو من تأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في حفره للخندق وتخاذه خاتماً لكتبه ورسائله – أناساً قد سبقوهم في مضمار الحضارة المادية وترتيب شئون الدنيا كاتخاذ الدواوين والتعامل بالعملة النقدية المعدنية قلم يجدوا بأساً ولا حرجاً في اتخاذ كل أسلوب من شأنه أن ييسر التعامل ولا يعسره.

نعم قد يعدلون وقد عدلوا فهم لا يأخذون أخذ العميان ولكن أخذ البصير المقتدر. فإن كانت على العملة صورة امبرطور مستكبر مثلاً محوها وكتبوا بديلاً عنها الشهادة كاملة أو مجزوءة، وقد تكتب حكمة من الحكم منثورة أو منظومة كما فعل حكام المسلمين الذين جاءوا من بعدمن أمثال يوسف بن تاشفين[43] بالمغرب إن باحث تاريخ المسلمين في عهد القوة والمنعة والإزدهار ليلاحظ أن المسلمين كانوا ينظرون في الشأن العام نظراً واسعاً منفتحاً لا يحمل معه أي أمارة من أمارات انحسار الصبر، وضيق العطن وانسداد الأفق.

لقد انفتح سلفنا الصالح على تجارب الأمم من حولنا غير هيابين ولا وجلين وذلك للحق الذي كانوا يحملونه بين جوانحهم أخذوا عن الروم وأخذوا عن الفرس أخذ العزيز المقتدر الواثق… وينبغي علينا – نحن المسلمين المعاصرين – وقد انخلعنا من رقبة الاستعمار العسكري أن ننخلع من رقبة الاسترقتق الفكري فنقبل على تجارب الإنسانية مكن حولنا نأخذ ما ينفع ونطرح ما يضر نفعل ذلك كله عن فهم ونصدر عن استقلال بلا حرج ولا حساسية كما يعبر الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه قال في كتابه دستور الوحدة الثقافية[44] ( إن الاستبداد كان الغول الذي أكل ديننا ودنيانا فهل يحرم على ناشدي الخير للمسلمين أن يقتبسوا بعض الاجراءات التي فعلتها الأمم الأخرى لما ابتلت بمثل ما ابتلينا به.

إن الوسائل التي نخدم بها عقائدنا وفضائلنا هي جزء من الفكر الإنساني العام لا علاقة له بالغاية المنشودة ) وبهذه الجمل البليغة الحية نختم هذا الكلام العام عن كيفية التعامل مع التجارب الإنسانية لندخل في طرق نقاط تتصل بما فيه من إستجلاء لبعض جوانب الشورى .

2 – بين الشورى والديمقراطية :

هل الشورى والديمقراطية كلمتان مترادفتان ذواتا معنى واحد لا يختلف أن أن بينهما فرقاً ؟ إن المتأمل يلتمس أن هناك فروقاً بين الشورى والديمقراطية من ذلك أن مجالات الشورى محددة وذلك أن الله عز وجل قد قضى في بعض الأمور وحسمها حسماً لا يستطيع الناس كثروا أو قلوا أن يغيروا فيها شيئاً.

فالمسائل التي رود فيها نص قطعي الدلالة قطعي الثبوعت من كتاب أو سنة خارجة عن دائرة الشورى ابتداء فلا يستطيع بشر كائن من كان ان يحل حراماً أو يحرم حراماً .

أما في الديمقراطية فما من شيء إلا وهو خاضع لأراء الناس وتستطيع الأغلبية أن تفعل ما تريد في مجال التشريع تحل وتحرم وتمنع وتبيح فلا كابح لجماح الرأي ولا راد له إذ أن الحاكمية العليا للبشر أما في الإسلام الحاكمية العليا لله عز وجل … للنصوص الشرعية من كتاب أو سنة ، وغذا وقع خلاف أو نزاع بين المسلمين رد غليهما{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} الشورى 10 {فإن تنازعتم في شيء فردوه على الله والرسول أم كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}النساء 59 ثم إن الشورى قاعدة من قواعد الدين الإسلامي منه تستمد وعليه تقوم وليس كذلكم الديمقراطية التي نشأت في أجواء مناهضة للدين منكرة له، متمردة عليه.

ولئن أصبحت الشورى جزءاً لا يتجزأ من المنهاج الإسلامي الذي يحكم الحياة كلها ولا تمثل السياسة فيه إلا قدراً معلوماً ونصيباً مفروضاً فإن الديمقراطية تجد تعبيرها الحقيقي في مجال السياسة وتكاد تقتصر عليه.

إن الناظر في نظريتي الشورى والديمقراطية ليلاحظ مثل تلك الفروق وغيرها من الفروق ولكن هل يعني هذا اا الشورى والديمقراطية بينهما هوّة لا تردم وفتق لا يرتق وفصام لا يلتئم ؟ هل الديمقراطية كفر؟ لا يجوز لنا أن نقترب منها مقتبسين أم أنها تجربة من التجارب التي خاضتها البشرية ، واستطاعت أت تحقق بها مكاسب تجعلها إرثاً إنسانياً عاماً لنا علينا أن نستفيد منه دون حرج .

إن جوهر الديمقراطية – بعيداً عن التفريعات والمصطلحات الأكاديمية – تعني حرية الاختيار للناس فيمن يحكمهم ويسوس أمرهم ، وألا يفرض عليهم حاكم يكرهونه ، أو نظام لا يرغبونه ، وأن يكون لهم حق محاسبة الحاكم إذا أخطأ ، ويحق عزله وتغييره غذا انحرف وألا يساق الناس – رغم أنوفهم- غلى اتجاهات أو مناهج أقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية لا يعرفونها ولا يرضون عنها.

وإن الناظر إلى ما أفضت غليه الديمقراطية من مبدأ سيادة الأمة ورعاية كرامة الإنسان وحقوق المواطنة وكفالة الحريات وما ارتكزت عليه من اجراءات كالاستفتاء والانتخاب والمجالس النيابية واستقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة يجدها كلها من صميم الإسلام, فهو ينكر أن يؤم الناس من يكرهونه في إمامة الصلاة فكيف في شأن الحياة السياسية إن ابرز ما حرره ثلة من فقهائنا المعاصرين مثل محمد عبده ورشيد رضا إلى الشيخ شلتوت في موضوع نظام الحكم أو رؤية الإسلام السياسية يتفق في إطاره العام مع مختلف قيم اليمقراطية.

وقد كتب الاستاذ العقاد ( الديمقراطية في الإسلام) مؤكداً أن فكرة الديمقراطية أنشأها الإسلام لأول مرة في تاريخ العالم . هذا مع إدراكنا لخصائص الإسلام المنفردة.

والمتميزة بالشكول والتكامل ، والتناغم والتناسق ، والتي هي أوسع من أن تحاصر بمصطلح واحد لكل شعبة ورافدة… بيد أن الشورى تمثل قيمة في جوهرها، والديمقراطية بضوابطها أفضل صبغ ألياتها لترجمتها على واقع الحياة المعاصر.

3 – التعددية السياسية :

قضية التعددية السياسية من افرازات الديمقراطية وهي من المسائل التي نختم فيها الجدال ، ويثور حولها لإي أيامنا هذه نقاش كثيف.

والجمهرة الغالبة من الإسلاميين المعاصرين[45] ومفكريهم يرون أن التعدد أمر واقع إذ أن الله عز وجل قد خلق الناس مختلفين.

وهذا الاختلاف الفطري يفضي ضرورة إلى الاختلاف في النظر،والتباين في التقدير والتفاوت في التفكير ولم يحدث في التاريخ الإنستني كله أن انصب الناس كلهم في قوالب فكرية حديدة محكمة لا يستطيعون معها قبضاً ولا بسطاً .

بل إن محاولة صب الناس في قوالب جامدة محددة – ولو بقوة السلطة والسطوة والحديد والنار- محاولة ثبت فشلها عبر التاريخ.

ولقد اثبتت التجارب البشرية أن الحرية من القيم العليا التي يسعى الإنسان لكسبها وقد يكلفه ذلك السعي دمه وماله وعرضه.

وما حدث في الاتحاد السوفيتي والمجر وتشيكوسلوفاكيا ، ورومانيا وغيرها من البلاد خير شاهد على ما نقول وحيثما كانت الحرية كان التعدد والتعدد بضوابطه واسبابه وأساليبه أمر محمود غير مذموم بالإضافة إلى أنه أمر فطري واقع لا محالة .

والتعددية الفكرية السياسية قد تعني تعدد الأحزاب في الإطار الإسلاميالجامع إذ لا يوجد مانع شرعي من وجود أكثر من حزب سياسي داخل الدولة الإسلامية ، إذ المنع الشرعي يحتاج إلى نص ولا نص ، بل هذا التعدد قد يكون ضرورة في هذا العصر ، لأنه صمام أمان من استبداد فرد أو فئة معينة بالحكم وتسلطها على سائر الناس ، وتحكمها في رقاب الآخرين وفقدان أي قوة تستطيع أن تقول لها : لا أو : لم كما دل على ذلك قراءة التاريخ ، واستقراء الواقع وهو ما توجه إليه كثير من المعاصرين حتى قال بعضهم :[في العالم العربي المعاصر ، نلاحظ شبه اجماع الأن على القبول بفكرة التعددية الممثلة في الأحزاب السياسية حتى نذهب إلى أنه ليس بين الفقهاء أو المفكرين الذين يعتد بهم من عارض فكرة أو صيغة التعددية السياسية في المجتمع الإسلامي][46].

ثم ذهب بعد يعدد جملة منهم من عهد الشيخ محمد عبده إلى الشيخ محمد الغزالي . هذا ولقد عرف تاريخنا الإسلامي الطويل الممتد التعدد لأنه عرف الحرية ومارسها وأبى أن يستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا [47]ً .

اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأمور الإجتهادية واختلف من جاء بعدهم ولم يزعم أحد أن الاختلاف ممنوع أو حرام.

اختلف أصحاب المقالات والفرق من خوارج وشيعة ومعتزلة وغيرهم فسمى أبو الحسن كتابه المصنف فيهم ( مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) فما خلع عنهم ربقة إسلام، ولا رماهم بآبدة كفر بل سماهم الإسلامييم والمصلين.

وكان أصحاب تلك الفرق والمقالات أحزاباً  لها أفكارها وأنصارها وأصولها التي تدعو إليها وتبشر بها.

ثم كانت المذاهب الفقهية من بعد بشيوخها وتلاميذها وأصولها ومناهجها اندثر بعضها كمذهب الأوزاعي، وسفيان الثوري، وأبي جعفر الطبري، وبقي بعضها إلى يوم الناس هذا ممثلاً في المذاهب السنية الأربعة والمذهب الجعفري الشيعي والمذهب الزيدي والمذهب الأباضي وبعض المذاهب الأخرى التي نعرض عن ذكرها لشذوذها.

[وإذا كانت الأمة قد قبلت بتعدد المذاهب الفقهية ، ولم تعتبر ذلك تشرذماً في الأمة فلم لا تقبل بتعدد المذاهب السياسية لمصلحة الأمة ولا تعتبره تشققاً للأمة ولا يسما وإن الإطار المنشود لهذه التعددية السياسية يخفف من غلواء هذا التفرق لأنه يشترط الإتفاق على الثوابت والأصول الكلية… وإحياء فقه الإختلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية وتقرير الضوابط التي تمنع التجاوزات][48]

خـــــاتمــــــــة :

لقد طوّفنا في أفاق الشورى ومساربها ، وحسبنا خلال ديارها ومسالكها فإذا هي أخذ وعطاء ، وإذا هي مفاوضة ومحاورة ، وتقليب للرأي وإنضاج للفكرة لا تصلح له إلا أجواء من الحرية وسعة الصدر ، وقبول الآخرين.

وهي قيمة منقيم الدين العليا التي جاء بها الوحي الكريم كتاباً وسنة، وانفذها صلى الله عليه وسلم عملاً وممارسة وتبين من خلال البحث وحناياه أنها تتجاوز دائرة السياسة وتصريف شئونها لتدخل في كل شعبة من شعب الحياة إذ أنها صفة من صفات المجتمع المسلم وسمة من سماته التي ينبغي أن يصطلح بها في أحواله كلها أسرة وجماعة ومجتمعاً ودولة .

بعد ان أصلنا للشورى لغة وقرآناً وحديثاً ذهبنا نلتمس ما كان لها من شأن في حياة المجتمع الرباني الذي أنشأه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان التدريب على الشورى من قبل الرسول الكريم التي أفضت غلى أن يدير الخلفاء الراشدون الحياة من بعده وفق ما تعلموه وتدربوا عليه وتخرجوا فيه فكانوا خير أمة أخرجت للناس أمراً بمعروف ، ونهياً عن منكر وإيماناً بالله .

ولئن بحثنا في تاريخ الأمة منقبين فلا ننسى واقعنا المعاصر وكيف أدى غياب الشورى على ويلات ونكبات وأصبح الإنسان فيها خائفاً وجلاً مرعوباً لا يأمن على دم ولا مال ولا عرض.

وكيف أن الإنسانية وصلت غلى بعض الصيغ المرضية في التعامل السياسي بعد ان جربت حياة الاستبداد الأسود الذي أكل الأخضر واليابس وأصلاها سوط عذاب فكان حديثنا عن الديمقراطية الغربية التي لا تخلف في جوهرها عمّا دعا إليه الإسلام من حرية وكرامة وشورى وائتمار.

ولقد رأينا كيف أن الجمهرة الغالبة من كتاب المسلمين المعاصرين ومفكريهم لا ترى حرجاً من اتخاذ الاجراءات الديمقراطية من انتخاب وإستفتاء ومجالس نيابية ، وتداول للسلطة بطريقة سلمية حضارية راقية ، والإسلام في شرعته ومنهاجه وانفتاحه وممارساته يُطل عل آفاق عصرنا يأخذ ويدع، ويللتفي ويختلف، وينفي ويثبت…الخير رائدة ، والحكمة ضالته لا يهمه من أي وعاء خرجت والحمد لله أولاً وأخراً وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله صحبه ومن تبعه بإحسان غلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .

من مراجع البحث :

  • القرآن الكريم .
  • أبو الحسن أحمد بن فارس (395هـ) – مقاييس اللغة – تحقيق عبد السلام هارون الطبعة الثانية 1969 م.
  • مجد الدين الفيروز ابادي – القاموس المحيط – مطبعة الحلبي .
  • المعجم الوسيط – أحمد حسن الزيات وآخرون – محمع اللغة العربية بالقاهرة – 1972 م
  • الزمخشري – محمود بن عمر الكشاف .
  • ابن تيمية أبو العباس احمد عبد الحليم – الفتاوى الكبرى – مجلد التفسير .
  • ابن جزي الكلبي – كتاب التسهيل لعلوم التنزيل دار الكتاب العربي – بيروت
  • رشيد رضا تفسير المنار .
  • د/ يوسف القرضاوي – من فقه الدولة المسلمة – دار الشروق- الطبعة الأولى 1997 م.
  • عدنان النحوي – ملانح الشورى في الدولة الإسلامية –الطبعة الثانية 1982 .
  • محمد أسد – منهاج الإسلام في الحكم – نقله إلى العربية منصور محمد ماضي – بيروت –1975 م.
  • د/ صلاح الدين الصاوي – التعددية السياسية – دار الإعلام الدولي بالقاهرة – 1992م.
  • د/ محمود الخالدي – نقض النظام الديمقراطي – دار الجيل بيروت – 1984 م.
  • موسوعة العقاد – القرآن والإنسان .
  • محموت شلتوت – من توجيهات الإسلام .

[1]  أبو الحسين أحمد بن فارس/ مقاييس الغة ج 3 الطبعة الثانية 1970 مطبعة الحلبي – تحقيق عبدالسلام هارون .

[2]  في رسالة الغفران يورد المعري قول اللآخر : وقاسمهما بالله جهداً لأنتمو   ألذ من السلوى اذا ما نشورها والسم فى العسل عند بعضهم.

[3]  يعني اللاقح من غير اللاقح

[4]   مجد الدين الفيروزبادي / القاموس المحيط – مطبعة الحلبي .

[5]   الوقبة(بفتح الواو وسكون القاف) خلية العسل. وأصل (شار) شور تحركت الواو وانفتح ما قبلها فصارت ألفاً . وروى ابن الفارس قول عدي بن زيد : وسماع يأذن الشيخ له     وحديث مثل ماذي مشار

[6]   اخراج إبراهيم مصطفى واحمد حسن الزيات وحامد عبدالقادر ومحمد علي النجار( مجمع اللغة العربية بالقاهرة( 1960م)

[7]   الزمخشري / الكشاف 3/ 407 ، والقرطبي / الجامع لأحكام القران 16/36 وفيه استشهاد ببيتين نسبهما المحقق الى بشار بن برد في فضل الشورى .

[8]   كتاب التفسير ج 11 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية / الطبعة الأولى 1398 هـ .

[9]   عدنان علي رضا النحوي / ملامح الشورى في الدعوة الإسلامية / 25 بتصرف وه تعريف طويل كما ترى أعرضنا عن بعضه .

[10]   محمد أسد / منهاج الإسلام في الحكم / 88- 89 بيروت ونقله إلى العربية منصور محمد ماضي.

[11]   نحو شورى فاعلة – الكويت – وزارة الاوقاف – الندوة الثانية / الفكر الحركي الإسلامي وسبل تجديده / 1993 م.

[12]  هي قوله سبحانه {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ..} البقرة 281 – انظر الاتقان للسيوطي .

[13]  أثر عن ابن مسعود قوله :” إذا وقعت في آل حم وقعت في رياض دمثات أتأنق فيهن” .

[14]  الفصال بمعنى الفطام وابعاد الطفل عن ثدي امه ومنه يقال لصغار ولد الناقة فيصل ، قال افرزدق :

كم خالة لك يا جرير وعمة           فدعاء قد حلبت علي عشاري

شــغــارة تقــذُ الفصيــــل         رجلها فطارة لقوادم الأبكار

[15]   الأمر كما يبين أهل الأصول قد يأتي للوجوب ( أقيموا الصلاة ) وقد يأتي للندب والاستحسان (فاكتبوه) وقد يأتي للإباحة( فكلوا منها..) وهو لا ينصرف إلى الوجوب إلا بقرينة .

[16]   يأتي ذكر الصلاة والزكاة في القرآن الكريم مجتمعاً متجاوراً حتى قال أبو العتاهية ( إن الزكاة قرينة الصلاة) وحتى لما قال الراعي النميري( لما منعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا ) قال الشراح الماعون الزكاة والتهليل الصلاة وفرق في الآية بين المتجاورين تعظيماً للوسيط . في هذا انظر الي نحو قول أبي الطيب المتنبي :

لك يا منازل في القلوب منازل        أقفرت أنت وهن منك أواهل

[17]   ابن جزي الكلبي – كتاب التسهيل ج 2 / 78 دار المتاب العربي بيروت الطبعة الثانية 1973 م.

[18]   إشارة غلى قول حساب بن ثابت رضي اللعه عنه

حصان رزان ما تزن بريبة   وتصبح غرثى من لحوم الغوامل

[19]   القصة أشهر من أن يشار إليها وأشارت إليها كتب السير والمغازي وكتب الحديث وكتب السيرة كابن هشام وكتب التفسير كالقرطبي في سورة النور.

[20]   القُلُب ج مفردة قليب وهو البئر أو البركة .

[21]   عمر بن الخطاب.

[22]   أبو بكر الصديق .

[23]   عبد الله بن رواحة .

[24]   أول رسول الله صلى الله عليه وسلم الدرع الحصينة بالمدينة والبقر المذبح بقتل جماعة من أصحابه والسيف المثلوم رجل من ذوي قرباه فكان حمزة .

[25]   القصواء ناقته صلى الله عليه وسلم وخلأت كحرنت وزناً ومعنى .

[26]   إشارة لقول أبي الطيب لمتنبي:

ليت الحوادث باعتني الذي أخذت       مني بحلمي الذي أعطت وتجربتي

فما    الحداثة عن  حلم بمانعة           قد يوجد الحلم في الشبان   والشيب

[27]   كانت مكتناً لتبادل الآراء للأنصار بالمدينة كما دار الندوة للقريشيين بمكة .

[28]   كان هذا رأي سعد بن عبادة الخزرجي وجماعة .

[29]   قالها أبو بكر الصديق .

[30]   قالها الحباب بن المنذر .

[31]   قالها أبو النعمان بن بشير الانصاري .

[32]   قصة جمع القرآن مذكورة في الصحيحين والسنن .

[33]   قصة جمع القرآن في عهد عثمان مذكورة في البخاري وغيره .

[34]   قالوا قائل تلك الكلمة أبو اليقظان سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه .

[35]   قائل هذا الراعي النميري عبيد بن حصين في قصدته اللامية المجمهرة المعروفة:

ما بال دفك بالفراش مذيلا                 أقذى بعينك أم أردت رحيلا

[36]   صحابي كريم وجده الخوارج معلقاً مصحفاً في عنقه فقالوا له إن الذي في عنقك يأمرنا بقتلك فقتلوه وكان من طيشهم أنهم أشد على المسلم المخالف منهم من المشرك المساـمن – أخذوا بظاهر القرآن وتركوا السنن فضلوا .

[37]   ينظر في هذا القرطبي أحكام القرآن 4/ 249 وما بعدها .

[38]   القرطبي أحكام القرآن 4/249 .

[39]   نشير هنا بصفة خاصة غلى انجلترا وفرنسا وهولندا والبرتغال وايطاليا .

[40]   من هؤلاء تقي الدين النبهاني وأتباعه من حزب التحرير وقد كتب د.محمود الخالدي – جامعة اليرموك – متأثراً بهذا الفكر كتابه (نقض النظام الديمقراطي) وهو مذهب غلو وشطط .

[41]   كلمات مشهورة للدكتور طه حسين وله في ذلك الاتجاه كتاب( مستقبل الثقافة في مصر) إذ عد مصر جزءاً من الغرب لا علاقة لها بالشرق .

[42]  نقل ابن القيم مناظرة  بن أبي الوفاء بن عقيل وبعض نعاصريه ممن قال( لا سياسة إلا ما وافق الشرع) فقال أبو الوفاء إن اردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع أي لا يخالف ما نطق به الشرع فصحيح ، وإن أردت الا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة) واستطرد قائلاً L اذا ظهرت امارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان ثم شرع الله ورضاه وأمره) الطرق الحكيمة لابن القيم .

[43]   أشار صاحب المستقصى في أخبار المغرب الأقصى إلى شيء من ذلك .

[44]   دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين 211 .

[45]   انظر د/ صلاح الدين الصاوي في كتابه ( التعددية السياسية في الدولة المسلمة) دار الإعلام الدولي – مدينة نصر – القاهرة الطبعة الأولى 1992 .

[46]   الإسلام والديمقراصية 76 .

[47]   الكلمة الشريفة الحرة التي حفظتها ذاكرة التاريخ للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

[48]   د/ صلاح الصاوي – التعددية السياسية في الدولة المسلمة 96 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق