الفتاوى

معاملات مالية متنوعة

رقم الفتوي: 2852

تاريخ النشر: 6 يوليو,2017

شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في أوروبا

السؤال

حكم شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في أوروبا

الإجابة

حكم شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في أوروبا
قرار 7 (2/4)

شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في أوروبا

نظر المجلس في القضية التي عمت بها البلوى في أوروبا وفي بلاد الغرب كلها، وهي قضية المنازل التي تُشْتَرى بقرض ربوي بواسطة البنوك التقليدية.

وقد قدمت إلى المجلس عدة بحوث في الموضوع ما بين مؤيد ومعارض، قرئت على المجلس، ثم ناقشها جميع الأعضاء مناقشة مستفيضة، انتهى بعدها المجلس بأغلبية أعضائه إلى ما يلي:

  1. يؤكد المجلس على ما أجمعت عليه الأمة من حرمة الربا، وأنه من السبع الموبقات، ومن الكبائر التي تُؤْذِن بحرب من الله ورسوله، ويؤكد ما قررته المجامع الفقهية الإسلامية من أن فوائد البنوك من الربا الحرام.
  2. ويناشد المجلس مسلمي أوروبا أن يجتهدوا في إيجاد البدائل الشرعية، التي لا حرمة فيها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، مثل (بيع المرابحة) الذي تستخدمه البنوك الإسلامية، ومثل تأسيس شركات إسلامية تنشئ مثل هذه البنوك بشروط ميسرة مقدورة لجمهور المسلمين، وغير ذلك.
  3. كما يدعو المؤسسات الإسلامية في أوروبا إلى أن تفاوض البنوك الأوروبية التقليدية، لتحويل هذه المعاملة إلى صيغة مقبولة شرعًا، مثل (بيع التقسيط) الذي يزاد فيه الثمن مقابل الزيادة في الأجل، فإن هذا سيجلب لها عددًا كبيرًا من المسلمين يتعامل معها على أساس هذه الطريقة، وهو ما يجري به العمل في بعض الأقطار الأوروبية، وقد رأينا عددًا من البنوك الغربية الكبرى تفتح فروعًا لها في البلاد الإسلامية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، كما في البحرين وغيرها.
  4. وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ميسرًا في الوقت الحاضر، فإن المجلس في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارات الشرعية، لا يرى بأسًا من اللجوء إلى هذه الوسيلة، وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه المسلم لسكناه هو وأسرته، بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكّنه من شرائه بغير هذه الوسيلة.

والمرتكز الأساس للمجلس في فتواه هو البناء على قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات): وهي قاعدة متفق عليها، مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع، منها قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرمات الأطعمة: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145]، ومما قرره الفقهاء هنا: أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة.

والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج وإن كان يستطيع أن يعيش، بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن كما في قوله تعالى في سورة الحج: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وفي سورة المائدة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6].

والمسكن الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه وفي سعته وفي مرافقه.

وحيث يعتمد المجلس قاعدة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فإنه لا يُغْفِل القاعدة الأخرى الضابطة لها، وهي أن: ما أبيح للضرورة يُقَدَّر بقَدْرِها، فلا يُتَجاوَز بها قدر الحاجة.

والمسكن بلا شك ضرورة للفرد وللأسرة المسلمة، وقد امتن الله بذلك على عباده حين قال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم السكن الواسع عنصرًا من عناصر السعادة الأربعة(1).

والمسكن المستأجر لا يلبي كل حاجة المسلم، ولا يشعره بالأمان، فهو على ما فيه من كُلْفة الإجارة فإنه عرضة للإخراج من هذا المسكن في أي ظرف، كما لو كَثُرَ عياله أو كثر ضيوفه، وأشد من ذلك إذا كبرت سنه أو قلَّ دخله أو انقطع وهو لا يجد ملجأ يصير إليه.

وهناك إلى جانب هذه الحاجة الفردية لكل مسلم، الحاجة العامة للمسلمين الذين يعيشون أقلية في أوروبا، والتي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية حتى يرتفع مستواهم في المجتمع، ويكونوا أهلًا للانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس، ويغدوا صورة مشرقة للإسلام أمام غير المسلمين، كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم؛ ليقوموا بمقتضيات المواطنة الصالحة تجاه دينهم ومجتمعهم ويساهموا في بناء المجتمع العام، وذلك يقتضي أن لا يظل المسلم يَكُدُّ ويَنْصَب طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لتعلّم دينه وخدمة مجتمعه.

ويُقَوِّي القول بالجواز على الصفة المذكورة، أن المسلم عند اللجوء إلى هذا العقد فإنه لا يأكل الربا وإنما يُؤْخَذ منه، والأصل في التحريم مُنْصَبٌّ على (أكل الربا) كما نطقت به آيات القرآن، وهو محرم لذاته لا يجوز بحال، لكن تحريم الإيكال الذي وردت به السنة إنما هو لسد الذريعة إلى أكل الربا، كما حُرِّمت الكتابة له والشهادة عليه، وهذا من باب تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد. ومن القواعد المشهورة هنا: أن ما حُرِّم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حُرِّم لسد الذريعة يباح للحاجة، وأن محرمات الوسائل تبيحها المصلحة الراجحة.

وقد نص على ذلك الفقهاء، فأجازوا الاستقراض بالربا للحاجة إذا سُدَّت في وجهه أبواب الحلال.

————————————————————-

1- (( صح من حديث سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء”. أخرجه ابن حِبَّان في “صحيحه” (رقم: 4032) وإسناده صحيح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق