البحوث

علاقات التزاور والصلات الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم في ديار الغرب

علاقات التزاور والصلات الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم

في ديار الغرب

 

 

إعداد :

 

أ.حمزة بن حسين الفعر الشريف

 

عضو مجلس الإفتاء الأوروبي

والمدير العام لبيت الخبرة العالمي للمحاماة والاستشارات المصرفية الإسلامية

جدة – المملكة العربية السعودية

 

الدورة الحادية والعشرون

المنعقدة في دبلن بجمهورية إيرلندا

في الفترة من 26 رجب – 2 شعبان ، عام1432هـ

الموافق: 28 يـونيـو – 4يونيو عام 2011م

 


إن شأن العلاقات الاجتماعية لدى البشر جميعاً من أعظم الشؤون التي يحتاج إليها ، وعلى وجه الخصوص عند من يعيشون في بيئة واحدة ، بقطع النظر عن الأعراف والمذاهب ، والعقائد الموجودة بينهم ؛ ذلك أن العيش في بقعة واحدة أو مجموعة بقاع متجاورة يوجد صلات عديدة بين أهلها بحكم المصالح المشتركة ، والأنظمة السائدة ، والذهنيَّة العامة التي تؤثر عليهم جميعاً من حيث الرؤى ، والتطلعات ، والرغبات ، وغيرها ، وينتج عن هذا التعايش ، والتساكن أن تصبح بعض الأمور السائدة في حكم المسلمات الاجتماعية التي تؤثر في كل أحد ، شعر أو لم يشعر ، لأن الإنسان ابن بيئته كما يقال ، وربما أصبحت هذه الأمور في مقام القوانين المستقرة التي يعدّ الالتزام بها ، وعدم الخروج عليها أمراً لا فكاك عنه .

والمسلمون الذين يعيشون في الغرب ، أصبحوا في مجملهم جزءاً من نسج المجتمعات التي يعيشون فيها لاسيما من طال مقامه هنالك ، أو حصل على الجنسية ، أو كان من أهل البلاد الأصليين .

ويزداد الأمر رسوخاً وعمقاً بالنسبة للأجيال الجديدة التي ولدت في تلك الديار ، وتربَّت على ثقافة أهلها فازداد تأثرها -أكثر من غيرها- بالتقاليد المجتمعيَّة السائدة فيها ، مع ضعف تواتر المعرفة الكافية لدى كثير منهم بالثقافة الإسلامية الصحيحة ، وقلة المحاضن التربوية ، والتوجيهية التي توفر المناخ الصحيح المطلوب للإنسان المسلم .

والناس في أي مجتمع محتاجون للتعامل مع بعضهم ، بحكم العمل أو التجاور ، أو الدراسة ، أو غير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى التأثر والتأثير ، ولا يمكن أن يعيش الإنسان في عزلة عن مكونات المجتمع جميعها ، فهو مدنيّ بطبعه -كما يقول ابن خلدون -،  ولهذافالتواصل حاجة إنسانية ، واجتماعية ، ونفسية أيضاً عند الأسوياء من البشر .

ومع كل ما تقدم فإن هنالك أمورعديدة في هذه المجتمعات الغربية مسلمة مقبولة عند أهلها ، ولكنها تخالف ما يعتقده المسلم ، أو ما يلتزمه من أمور دينه ، كما في بعض المطعومات ، والمشروبات ، والعلاقات الشخصية ، والمعاملات ، والأعراف ، والتقاليد مما قد ينشأ عنه حرج شديد ، وعسر بالنسبة للمسلم المقيم في تلك البلاد ؛ لأنه إمَّا أن يساير كل ما هو موجود فيضيِّع بذلك دينه وقيمه ، وإمَّا أن ينعزل ويتحاشى معاملة غيره فيقع في الحرج ، والضيق ، وهذا سيؤدي إلى ضعف تأثير المسلمين ، وتقلُّص علاقاتهم ،  ونفور الناس منهم ،و ينتج عن ذلك ضياع حقوقهم ، وتسور كثير من طوائف المجتمع الاخرى عليهم.

 لذا فان الأمر يتطلب وجود رؤية علمية شرعية متوازنة تحفظ للمسلمين هويتهم ، وتؤمن لهم وجوداً قوياً مؤثراً ، يصبحون به أعضاء حقيقيين في المجتمعات التي يعيشون فيها .

إن هذا الوجود المؤثر هو ما تقضى به رسالة الهداية التي بعث بها نبينا عليه الصلاة والسلام ، والمسلمون هم حملة هذه الرسالة ، فما لم يكونوا على مستوى أدائها وإبلاغها ، والقيام بحقِّها ، فإنهم سيخيرون ، وستخسر مجتمعاتهم التي يعيشون فيها بتقاعسهم وسيكونون عبئاً ثقيلاً على الحياة تشير إليهم أصابع الاتهام من كل أحد ، فيضمحلَّ أثرهم ، وتذهب ريحهم .

وفي سبيل توضيح ما ينبغي من حدود العلاقات الاجتماعية المتوازنة التي يجب ان تكون بين المسلمين وغيرهم ، لا بدَّ من وضع الضوابط المعينة على تحقيق هذا التوازن استناداً إلى أدلة الشرع وقواعده .

وبادئ ذي بدء فإنه يمكن أن نقرر أن وجود الحرج الذي يشعر به كثير من المسلمين في الغرب في علاقاتهم مع غيرهم ، والصراع المحتدم في نفوسهم بسبب ذلك يرجع إلى أمور أربعة :

أولاً : وجود عدد من الأدلة الشرعية التي تلزم المسلم بعدم اتباع اليهود والنصارى ، وعدم طاعتهم ، أو مسا يرتهم ؛ لأن ذلك موجب لخذلان الله ، واجتلاب سخطه ، ومن ذلك :

1 – قوله تعالى : ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ ([1]) .  

2 – قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([2]) .

3 – قوله تعالى : ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ..﴾الآية([3]) .

4 – وقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾([4]) .  

5 – وقوله : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾([5]) .

6 – وقوله عليه الصلاة والسلام في مقام التحذير ، والتنفير من اتباعهم فيما رواه أبوسعيد الخدري رضي الله عنه ، ورواه غيره أيضاً : «لَتَتَّبِعَنَّ سنن مَنْ كَانَ قَبلَكُم شِبراً بشِبر ، وذِرَاعاً بذِرَاع ، حتى لو دَخَلُوا جُحْر ضَبٍّ تَبِعتُمُوهُم» ، قلنا يارسول الله! اليهود والنصارى؟ قال : «فَمَن؟»([6]) .

ثانياً : الأمر بمخالفتهم في نصوص عديدة أيضاً منها :

1 – ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال : يا معشر الأنصار : حمِّروا وصفِّروا وخالفوا أهل الكتاب ، قال : فقلنا : يارسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون ، فقال عليه الصلاة والسلام : «تسرولوا أو ائتزروا ، وخالفوا أهل الكتاب» ، قال فقلنا : يا رسول الله ، إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون ، قال : «فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب» ، قال فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ، ويوفرون سبالهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «قصوا أسبالكم ، ووفروا عثانينكم ، وخالفوا أهل الكتاب»([7]) .

2 – ما رواه أبو داود وغيره عن أنس رضي الله عنه قال : إن النبي ﷺ اهتم لأمر الصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، قال : فذكروا له القُنْعَ شبَور اليهود فلم يعجبه ، وقال : هو من أمر اليهود ، قال : فذكروا له الناقوس  ، قال : هو من فعل النصارى ، فانصرف عبدالله بن زيد وهو مُهْتَمٌّ لِـهَمِّ رسول الله ﷺ  فأُري الأذان في منامه .

3 – عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم السبت ، ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام ، ويقول : «إنهما عيدا المشركين فأنا أحب أن أخالفهم»([8]) .

قال الإمام ابن حجر في فتح الباري : وأشار صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : «يوما عيد» إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود ، والأحد عيد عند النصارى ، وأيام العيد لا تصام ، فخالفهم بصيامها .

4 – صيام يوم التاسع والعاشر من شهر المحرم لمخالفة اليهود كما ثبت فيما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله ﷺ : «صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا اليهود ، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً»([9]) .

5 – تعجيل الفطر كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ، لأن اليهود يؤخرون»([10]) . وغير ذلك كثير .

ثالثاً : عقيدة الولاء والبراء التي يدين بها المسلم ، وهي تقتضي مخالفة من غير وبدل شرع الله ، وخالف أمره ، فاتباعهم وموافقتهم تخدش هذا الأصل ؛ لأن فيها قبولاً بما هم عليه ، وهو مأمور بعدم موافقتهم ، والحرص على البعد عنهم ، حتى لا يؤدي به عدم ذلك إلى موالاتهم ، وهم ليسوا من اهل ولاية المؤمن ؛ لأن ولايته إنما هي لله ولرسوله وللمؤمنين .

والأصل في الموالاة المحبة ، التي تقود إلى التقارب والاتباع ، كما أن الأصل في المعاداة البغض .

رابعاً : المظاهر العديدة المنافية لأحكام الشرع ، والأقوال والأفعال المصادمة لقواطع الدين ، وهذا أمر لا يحتاج إلى تدليل ، شواهده أكثر من أن تحصر ، وكل من يعيش في هذه المجتمعات ، أو يزورها يدرك ذلك بجلاء ووضوح .

هذه هي أهم الأمور التي تدفع بالمسلمين في هذه المجتمعات إلى ضعف الصلة بغير المسلمين ، والتحرج من الدخول في العلاقات الاجتماعية معهم .

ولا شك في ثبوت الأدلة المتقدمة ، وصحة مضمونها الذي يدل على الاعتزاز بدين الله ، واتباع الهدى الذي جاء به محمد ﷺ  ، وعدم الركون إلى أعداء الله ، واليقين بأن هذا الدين هو الحق الذي لا سواه ، وأن العداوة الحقيقية بين المسلمين وغيرهم -إذا كانت- فإنما هي بسبب رفضهم لهذا الدين وسعيهم لهدمه .

وحين يعمل غير المسلمين على تغيير ديننا أو العدوان على حدوده ، أو اضطها أحد من المسلمين لدينه ونحو ذلك فإنه لا طاعة لهم فيما أرادوا ويجب أن ننبابذهم كما نابذونا ، وأن لا نقبل منهم ما يسعون إليه ، وأن لا نتنازل عن شيء من قيمنا ومعتقداتنا في سبيل مهادنتهم أو إرضائهم ،أو التقرب اليهم.هذا هو مجمل ما يمكن فهمه من هذه الادلة الكريمة.

وقد ورد في سبب نزول قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾([11]) ما يؤيد هذا المعنى ، وبيَّن انه المقصود من هذه الآيات ، فقد ورد انها نزلت في رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس ، وكان شديد الكفر ، كثير الحسد على المسلمين ، ومرَّ على نفر من الأنصار يتحدثون ، فغاظه ذلك حيث اتحد الأوس والخزرج ، واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية ، فقال : مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار ، فأمر شاباً من اليهود كان معه : أن اذهب إليهم وذكرهم بيوم بعاث ، وكان هذا اليوم بين الأوس والخزرج ، اقتتلوا فيه قتالا شديدا، وكان الظفر فيه للأوس ، وما قيل فيه من الأشعار ، ففعل ، فتنازع القوم ، وتصايحوا : السيوف السيوف ، وجمع كل منهم جموعه ، فبلغ ذلك النبي ﷺ ، فخرج إليهم ومعه جمع من المهاجرين والأنصار ، وقال : أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام ، وألَّف بين قلوبكم ، فعرف القوم أنها نزغة شيطان ، وبكوا وتعانقوا ، ثم انصرفوا مع رسول الله ﷺ .

وورد في قوله تعالى : ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ الآية ، أنهم قالوا للنبي ﷺ : يا محمد ، مهما فعلت لإرضائنا فلن نرضى حتى تتبع ملتنا ، قالوا هذا لييأس النبي ﷺ من هدايتهم ، فرد الله عليهم : ﴿إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى﴾ ، فلا سبيل إلى ترك الهداية الحقة -الإسلام- واتباع ما بُني على الأهواء والشهوات من العقائد المنحرفة والنحل الباطلة .

أما ورد من التحذير من موالاة الكافرين فهو متصل بهذا السياق ، إذ أن النهي عن موالاتهم إنما لئلا يؤدي ذلك إلى القبول بدينهم ، ومداهنتم وتقديمهم وتفضيلهم على المؤمنين .

وقوله عليه الصلاة والسلام : «لتتبعن سنن من كان قبلكم..»الحديث ، الذي ورد في مقام التحذير والتنفير ينصرف إلى اتباع سبيل غير المؤمنين ممن كان قبلنا ، والقبول بدينهم الباطل والاشتغال به عن الحق الذي كرَّم الله به هذه الأمة ببعثة رسوله ﷺ ، وإنزال كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، يدل لذلك أن من كان قبلنا ليسوا سواء ، فمنهم المؤمنون المتبعون لشرع الله المستقيمون على صراطه المستقيم ، ومنهم الجاحدون المعاندون المحادون لله ، فأما المؤمنون الصالحون فإنا لم ننهه عن اتباع سبيلهم ، ولا الاهتداء بسننهم كيف وقد أمر الله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام باتباع هديهم ، والاقتداء بهم كما في قوله تعالى بعد أن ذكر عدداً من أهل الصلاح والاستقامة والثبات على الحق : ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾([12]) .

وإذا كان الأمر كذلك ، فإن المنهي عن اتباعهم والقبول بنهجهم إنما هم الذين غيروا دين الله ، واختاروا الضلالة على الهدى ، هؤلاء يجب أن نحذر من ضلالهم ، وأن لا نقبل بأقوالهم في الدين .

وبهذا أيضاً يجاب عما ورد في (ثالثاً) من مصادقة عقيدة الولاء والبراء التي هي أصل من أصول هذا الدين ، فإنها تنزَّل على ما يقتضي مخالفة أحكام الشرع ، وما يعطى للكفار وما يجب للمسلمين من الولاية الخاصة المقتضية للنصرة والمحبَّة القلبية المنبنية على القبول بهداية الله والتزام العمل بأحكامه .

أما ما يخص الأمر الأخير في (رابعاً) فإنه أمر منافٍ للشرع مخالف لسنة الله ، داع إلى إفساد الحياة ، ونقض بنيانها الصحيح .

ولا خلاف على ان المجتمعات الغربية قد انحرفت عن الجادة ،وغرقت فى أتون الشهوات ،والمفاسد الخلقية، والفكرية،وغيرها مما لا يختلف أهل الدين الصحيح،وأهل العقولواهل العقول السليمة ايضا علي قبحه ،وشناعته،ورفضه،الا ان هذا امر عمت به البلوي،

في بقاع الدنيا كلها ، ولم تسلم منه حتى ديار المسلمين والمسلم مطالب بالابتعاد عنه ، واجتنابه في كل مكان يحل فيه ، وقد عمَّ هذا البلاء ، وطمَّ في بقاع الدنيا كلها ، ولم تسلم منه حتى ديار المسلمين ، لكنَّا هنا أمام وجود جديد منظم للمسلمين في هذه الديار يبعدهم عن أن يكونوا عابرين أو غير قارين ، بل هم مواطنون لهم ما لغيرهم من الحقوق وعليهم ما على غيرهم من الواجبات ، فلا بد والحالة هذه من تبصيرهم بأحكام دينهم والعمل على تقوية وجودهم بحيث يصبحون مشاعل هداية في مجتمعاتهم الجديدة هذه يسعون للإصلاح ، ويدلون الناس على الخير ، ويعملون على تقليص دائرة الشر والفساد ، وذلك يقتضي الأخذ بكل الأسباب المباحة المتاحة التي تعينهم على ذلك .

و وبهذا يمكن ان نحرر المسألة المعروضة هنا في شأن علاقة المسلمين بغيرهم  فنقول انها ليست فيما يخص شأن الدين ، إنما هي في شأن المعاملة لمصلحة الدنيا ، وهي وإن كانت مرتبطة بالدين أيضاً إلا أنها لا تمس جوهر الدين ، ولا تؤثر على علاقة المسلم بربه ، ولا بإخوانه المسلمين .

 ماذا يدخل تحت اطار هذه العلاقة ؟

تشمل هذه العلاقة :صلات القربي ، و المصاهرة ، و الجوار ، و زملاء العمل او الدراسة في الافراح وفي الاتراح،كما تشمل اعانة المحتاجين،والمرضي والتعاون في سبيل الاصلاح الاجتماعي ودرء المخاطر عن المجتمعات اوتقليلها ،ونحو ذلك.

حكم اقامة هذه العلاقات:  

هذه العلاقة بهذا التصور داخلة في عمومات أدلة شرعية كثيرة تدل على جوازها ، ومؤيدة بقول النبي ﷺ ، وبفعله ، وبأقوال السلف من هذه الأمة .

 

أولا من الادلة الشرعية:

جاء في حق صلة الوالدين من غير المسلمين  :

١قول الله تبارك و تعالى : ” ووصينا الإنسان بوالديه حسنا حملته آمه وهنا على وهن ، وفصاله في عامين أن اشكر لي و لوالديك إلى المصير ، و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفا و اتبع سبيل من أناب إلى  ثم إلى مرجعكم فأنبأكم بما كنتم تعملون” ([13])

فإن هاتين الآيتين نص في صلة الوالدين الكافرين و احسان صحبتهما في الدنيا بالمعروف  .

٢- و جاء في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما  أنها قالت : قدمت على أمي في عهد قريش ، و هي مشركة حين عاهدوا رسول الله  – صلى الله عليه و سلم –

فقلت ، يا رسول الله : إن أمي قدمت على و هي راغبة ، أفأصلها ؟

قال : ” نعم ، صلى أمك ”   (2)

و جاء في حق صلة الأقارب عموما :

١- قوله تعالى في سورة النساء “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ” ([14])

٢- و قوله جل ذكره في مقام التنديد و الوعيد على قطع الأرحام ” فهل عسيتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمى أبصارهم ” (2)

يدخل في عمومها أولو الأرحام من غير المسلمين ، لأن الأرحام في آية النساء ، جمع معرف بالألف و اللام ، فيدل على العموم في كل من صدق عليه وصف الرحم  ، و في الآية الثانية ( أرحامكم ) جمع مضاف إلى ضمير الجمع و هو يفيد العموم كذلك في كل من صدق عليه وصف الرحم من المؤمنين و غيرهم .

٣- و منه قول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها في تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه و سلم و طمأنته عندما جاءها فزعا مما رآه في غار حراء من نزول الملك عليه و رؤيته له على تلك الهيئة العظيمة

” و الله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم و تحمل الكل و تكسب المعدوم و تقرى الضيف و تعين على نوائب الدهر ” .

و هذا دليل على أن صلة الرحم لا تختص بالمسلم مع المسلم فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن له في ذلك الحين قرابة مؤمنون .

 و  جاء في الوصية بالجار الكافر :

١-  قوله تعالى ” و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا و بذي القربى و اليتامى و المساكين و الجار ذي القربى و الجار الجنب و الصاحب بالجنب و ابن السبيل و ما ملكت أيمانكم ، إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ” (3)

٢- قوله صلى الله عليه و سلم ” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ” ([15])

٣ – و قوله  صلى الله عليه و سلم  ” و الله لا يؤمن ، و الله لا يؤمن  ، و الله لا يؤمن ، قلنا من هو يا رسول الله ” قال من لا يأمن جاره بوائقه ” (2)

٤- و قوله صلى الله عليه و سلم  ” ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه ” (3)

و غير ذلك الكثير .

و الجوار ثلاثة أقسام : جار له حق ، و جار له حقان ، و جار له ثلاثة حقوق ، فالجار الذي له حق ، الجار الكافر ، و الذي له حقان ، الجار المسلم له حق الجوار و حق الإسلام ، و الجار الذي له ثلاثة حقوق الجار المسلم القريب ، له حق الجوار و حق الإسلام و حق القرابة .

و هذه الأدلة كلها تدل على أن الجار غير المسلم مشمول بالرعاية و داخل الوصاية به ، و له حقه الذي لا يجوز التفريط فيه و لا العدوان عليه .

الأمر  بالعدل و الرحمة و حسن الخلق و الإحسان إلى الخلق جميعا :

و  هذا يدخل فيه الأقار ب و الجيران و الأصدقاء قبل غيرهم ،  لعموم الدلالة الثابته بأدلة كثيرة منها :

١-  أن الإسلام دين صلاح و إصلاح ، بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم  هداية للخلق ، و رحمة لهم ، كما قال جل ذكره : ” و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” (4) فليست هذه الرحمة  قاصرة على المسلمين ، بل هي أيضا تشمل الكفار الذين هم من أمة الدعوة البشرية ، للنبي صلى الله عليه و سلم  ، و كثير من نصوص الشرع الآمرة و الناهية ،  و المذكرة موجهة للناس

 

” يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” ([16])، ” يا أيها الناس  إنا خلقناكم من ذكر و أنثى ” (2)،  ” يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج آبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ” (3)

٢- قوله صلى الله عليه و سلم  ” في كل ذات كبد رطبة أجر ” ، و هذا يشمل الكفار أيضا ، بل إنه يتناول البهائم العجماوات ، يدل ذلك سبب ورود هذا الحديث في بينما رجل يمشي بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها ، فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي ، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ) . قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم أجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر ” (4)

٣-و قال عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح : عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ” (5)

٤- و نهى النبي صلى الله عليه و سلم  عن وسم البهائم في وجوهها . (6)

٥-  و نهى عن البول و البراز في الظل أو طريق الناس  (7) و أمر بإعطاء الطريق حقه . (8)

٦- و نهت الشريعة عن الفساد و الإفساد كما جاء في قصة قارون و محاورة قومه له : ” و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين “([17])   و قوله عز و جل : ” و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ” ([18])

٧- عناية الإسلام بشأن الخلق القويم ، الذي هو عماد صلاح الدين  ، المعاملة بين الناس ، و استقامة العلاقة بينهم  ، و هذا له أدلة و شواهد كثيرة منها :

أ- تزكية الحق تبارك و تعالى لنبيه ، و ثنائه على خلقه ، قال عز و جل ذكره : ” و إنك لعل خلق عظيم ” ([19])، و قوله تعالى :” و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” ([20])

ب- ثناؤه عليه الصلاة و السلام على أصحاب الخلق الحسن ، و بيان علو درجاتهم في الجنة ، و من ذلك قوله عليه الصلاة و السلام :” إن من أحبكم إلى و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ” ([21])

ج- و قوله عليه الصلاة و السلام :” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا و ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا و ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ” ([22])

هذه الأدلة و أمثالها لا ينحصر مجالها بين المسلمين ، بل إنها تتسع لتشمل جانب المعاملة مع غير المسلم .

٨- و إن من أعظم الأخلاق التي أمرت  بها الشريعة و عظمت شأنها خلق الإحسان ، قال تعالى : ” وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ” ([23])،

و قال صلى الله عليه و سلم في حديث شداد بن أوس ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء ” . ([24])

و هو يشمل الإحسان إلى الخلق جميعا القريب و البعيد ، الجار و غير الجار ، و الفقراء و المرضى و الدواب، و البهائم و البيئة و ما فيها ، فلا يتعدى أحد عليها و لا يسـرف في تناول المباحات التي منها ، و لفظة  (الإحسان)  هذه تشعر بمعنى جميل محبب يتضمن الجودة و الإتقان ، و الرفق و الحنو في المعاملة مع أصحاب الحاجات ، و مع الناس ، و مع الكائنات جميعا ، و يشمل بوجه خاص حسن اللفظ و مناسبة الخطاب مع من يدعون أو يحاورون ، أو يناصحون ، حتى من غير المسلمين ، قال تعالى :

” وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ” ([25]) و قال تعالى ” و قولوا للناس حسنا ” ([26]) و قال سبحانه أيضا :” و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ” ([27]) و كل الأدلة المتقدمة نص في إحسان القول ، و إحسان العمل ، و إحسان المعاملة أيضا .

و هذا مما يوسع دائرة المراد بهذا اللفظ بحيث يصبح شعارا لحركة المسلم و سعيه في عبادة لربه إذا صلى أو زكى أو صام أو حج ، و في سائر أموره في خاصة نفسه ، أو فيما يتعلق بمن يعامله أو يتصل به ، قال الإمام القرطبي رحمه الله في شرحه لقوله تعالى ” إن الله يأمر بالعدل و الإحسان ” إن الله يحب من خلقه إحسان بعضهم إلى بعض حتى إن الطائر في سجنك و السنور في دارك لا ينبغي أن تقصر في تعهده بإحسانك . ([28])

و ما تقدم من الثناء على خلق الإحسان و الأمر به من أجلى الأدلة على مشروعية مشاركة المسلمين الاجتماعية في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها بالصلات الحسنه ، و الكلمه الطيبه ، ، و أداء الحقوق لأصحابها من الأقارب و الجيران و الأصدقاء و سائر الخلق ، و هو دليل أيضا على أهمية مراعاته و إلزام النفس به حتى يكون صفة لازمة لها ، و قوة داخلية دافعة إلى الإتقان و المهارة في العمل و المعاملة ، تحقيقا لما أمر الله به توصلا إلى المصالح الكثيرة التي تترتب عليه ، و درءا للمفاسد الناجمة عن التقصير و التهاون في مراعاته .

و إن من الإحسان : العدل في معاملة البيع و الشراء ، و الأخذ و العطاء ، و الحب و البغض و سائر الأمور ، لأن الله سبحانه أمر بالعدل مع كل أحد و أوجبه حتى للمخالفين قال تعالى ” و لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقو ى ” ([29])

و سير الصحابة و الأخيار من الأمة عبر حقب التاريخ تؤكد هذا المعنى  و تجليه  ، فقد ذكر البلاذري في فتوح البلدان أن أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه مر عند مقدمه الجابية من أرض دمشق على قوم مجذمين من النصارى ، فأمر أن يعطوا من الصدقة ( الزكاة )  و أن يجرى عليهم القوت . و ذكر الإمام يوسف في كتابه الخراج ، عقد الذمة بين خالد بن الوليد رضي الله عنه و أهل الحيرة و جاء فيه :” و جعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل ، أو أصابته آفة من الآفات ،او كان غنيا فافتقر ، و صار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته ، و عيل من بيت مال المسلمين ، و عياله” ([30])

و هذا يؤكد أن الدولة الإسلامية تبنت حق الرعاية الإجتماعية أو الحبة لبني الإنسان من الداخلين تحت ولايتها دون تمييز بينهم .

و قد يقول قائل : إن هذا في الدولة الإسلامية ، فأين هي في ديار الغرب ؟

و الجواب أن القصد من ذلك بيان عناية الإسلام بهذا الأمر و رحمته بأصحاب الحاجات عموما ، و المسملون هم حملة هذا الدين ، يجب عليهم القيام به ، و تبليغه إلى الناس قولا و عملا .

و نستطيع أن نقول بعد هذا إن التسلح بكل هذه المعاني الكريمة و الأخلاق القويمة ، و المشاركة الإيجابية في الحياة الإجتماعية ؛ كما أنه وفاء بالحقوق التي أوجبها الله تعالى ، و التزام بالسمت الذي لا يسع المسلم غيره ، هو عمل رسالي يسهم في الدعوة إلى الله بالحسنى ، و يعرف الناس بدين الإسلام ، و ما فيه من الأحكام التي فيها صلاح للناس ، و ما فيه من الآداب و المكارم التي تأسر مشاعرهم و تستحوذ على قلوبهم و عقولهم و هو بهذا شهادة على الناس بالتعريف بهذا الدين و سعى في إزالة التصور السيء القاتم عن الإسلام والمسلمين الذي تحرص بعض الجهات المعادية على نشره و ترويجه .

والتاريخ الإسلامي حافل بذكريات عطرة كان سببها  مراعاة الخلق القويم و العدل مع الخلق ، فهذا جيش المسلمين بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي فتح سمرقند المدينة العظيمة بشيء من الغدر- كما قيل – فشكا أهل البلد إلى عمر بن عبدالعزيز أن الجيش غدر بهم و ظلمهم فكتب عمر إلى واليه سليمان بن أبي السرح يقول له أن أهل سمرقند قد شكوا إلى ظلم قتيبة لهم ، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا فأجلس لهم سليمان القاضي جميع بن حاضر الكندي و أحضر المدعي و المدعى عليه و سمع أقوالهم ثم أصدر حكما يستطيع القضاء الإسلامي أن يفخر به على كل قضاء في الدنيا ، حيث حكم ببطلان الفتح لأنه كان غدرا ، و لأنه خالف قواعد الإسلام في الحروب ، و بخروج الجيش من البلد ، و إعطائه مهلة للاستعداد ، ثم إعلان الحرب من جديد ، و نفذ هذا الحكم العجيب ، فلما شرع الجيش بالانسحاب ،  قال أهل البلد بل نرضى بما كان و لا نجدد حربا و كان ذلك سببا في دخولهم الإسلام مختارين([31]) .

و  هذه بلاد كثيرة في أفريقيا و شرق آسيا دخل أهلها طواعية في هذا الدين ، و لم يكلفوا المسلمين حربا و لا قتالا بسبب معاملة تجار المسلمين ، و التزامهم بإسلامهم .

ضوابط في التزاور و الصلات :

١- إن المسلم حيثما حل ، في كل زمان و في كل مكان مطالب بالتزام أحكام دينه ، لا يجوز له التفريط فيها ، و لا التهاون في شأنها حتى في أمور الدنيا و مصالح الحياة ، و الصلات مع الخلق جميعا ، و مع من ذكر من أصحاب العلاقات  الخاصة من الوالدين ، و الأقارب و الجيران و الأصدقاء ، فلا يجوز له بحال من الأحوال أن يسايرهم فيما يمس عقيدته ، أو يخالف ما وجب عليه التزامه من الأحكام ، يزورهم إن زارهم ، و يصلهم و يعينهم إن احتاجوا إلى عونه ، و لكنه يظل محافظا على سمته الإيماني ، و لا يأكل معهم الطعام المحرم من الخنزير و نحوه ، و لا يشرب الشراب المحرم و لا يشاركهم حفلات الرقص و المجون و لا يترك أداء الصلاة مراعاة لهم و نحو ذلك مما يميز المسلم عن غيره .

٢-الهدية أمر مشروع و هي من أعظم الوسائل لتقوية الصلات ، و تأكيدها ، و لكن يجب أن يلتزم فيها البعد عن الأمور التي لا تجوز شرعا كان  يهديهم نسخة من كتب دينهم ، أو يهديهم الصليب و نحوه أو تمثال العذراء او غيره ، مما يعتقد أنه باطل  غير صحيح ، و في الحلال الذي أباحه الله غنية و سعه كالملبوسات ، و المطعومات ، و الأدوات ، و الأواني ، و العطور و غيرها .

٣- أن لا يشاركهم فيما كان شعارا دينيا لهم ، كأن يذهب معهم للكنيسة لمشاركتهم في صلاتهم أو بعض مواسمهم الدينية و نحوها .

٤- عند تهنئتهم أو تعزيتهم يلتزم البعد عن الأمور التي لا تصح من المسلم شرعاو أن يكون ذلك بالعبارات و الأساليب المناسبة التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية و مقرراتها ، فيدعو لهم في الأفراح بالسعادة و التوفيق و نحو ذلك ، و في الأتراح ، بأن يثبت الله قلوبهم ، و يعوضهم خيرا ، و أمثال ذلك لأن هذا يتضمن الدعاء لهم بالهداية و لعل الله أن يكتب لهم .

و لكن لا يقول لهم تلتقون أنتم و موتاكم في الجنة ، و لا ما يدل على تزكية أعمالهم التي يقومون بها مما يعارض دين الإسلام فيكون المسلم بذلك قد جمع بين حق دينه و حق الصلات الدنيوية لهؤلاء .

٥- إن التأكيد على ما ذكر و حرص المسلم على التمسك بقيمه و ثوابته يجعله في مكان الإجلال و الإحترام ، و يدفع الناس إلى احترامه و معاملته بما يناسبه أما حين يذهب هيبته بنفسه ، و يفرط فيما يجب عليه من المعاني الكريمة ، فإنه يستوي مع غيره و لا يستحق أن ينظر إليه ، و لا أن يلتفت نحوه.

إن التواصل  مع الناس في هذه الديار ، بضوابطه يولد أرضية خصبة للحوار ، و القبول لا سيما فيما يتفق مع العقل و المنطق ، و ما تدعو إليه قواعد الحق و العدل في كثير من الأحيان و لا أدل على ذلك من ارتفاع أصوات المنادي بالعدالة ، و الدفاع عن قضايا المسلمين المضطهدين في أماكن كثيرة من هذه البلدان من كثير من أصحاب المناصب المرموقة و المكانة الاجتماعية العالية ، و أقرب مثال لذلك القوافل المناصرة لرفع الحصار عن غزة التي تحظى بدعم كبير و مشاركة واسعة و كذلك المنددين بالظلم و الاضطهاد و الابتزاز الذي يمارس ضد المسلمين في بقاع كثيرة .       

توصيات :

١-  ينبغي أن يحرص المسلمون على هذه الصلات الإجتماعية المنضبطة ، و أن يعتبروها من الأعمال الدعوية التي يؤدون بها حق الله عليهم ، و التي تسهم في تعزيز و جودهم في هذه البلدان أيضا .

٢- عقد ندوات و ملتقيات خاصة يدعى إليها غير المسلمين من المهتمين و المؤثرين للتعريف بالرؤيا الإسلامية لهذ القضايا .

٣- الحرص على التوسع في المحاضن التربوية ، و التثقيفية بالنسبة للمسلمين و على الأخص فئات الشباب التي تتضح لهم الصورة الصحيحة للتواصل مع غيره .

و بالله التوفيق

([1])  سورة البقرة ، آية رقم (120) .

([2])  سورة المائدة ، آية رقم (51) .

([3])  سورة المائدة ، آية رقم (48 ، 49) .

([4])  سورة آل عمران ، آية رقم (100) .

([5])  سورة الأنفال ، آية رقم (73) .

([6])  صحيح البخاري ،  باب قول النبي ﷺ لتتبعن سنن من كان قبلكم  ، برقم(6889) ، 6/2669 .

([7])  مسند الإمام أحمد ، برقم (22337) ، 5/264 .

([8])  مسند الإمام أحمد ، برقم (26793) ، 6/323 .

([9])  مسند الإمام أحمد ، برقم (2154) ، 1/241 .

([10])    سنن أبي داود ، برقم (2353) ، 2/305 .

([11])    سورة آل عمران ، آية رقم (100) .

([12])    سورة الأنعام ، آية رقم (90) .

([13]) سورة لقمان آية (  14-15)

(2) رواه الشيخان

([14])  سورة النساء آية (1)

(2) سورة محمد آية (22)

(3)  سورة النساء آية (36)

([15])   رواه الشيخان

(2)  صحيح البخاري:  كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه .

(3) رواه الحاكم في المستدرك ، و صححه الذهبي في التلخيص، والألباني في صحيح الأدب المفرد .

(4) سورة الأنبياء آية (107) .

(1) سورة البقرة آية (21)

(2)  سورة الحجرات آية (13)

(3)  سورة الأعراف آية (27)

(4)  صحيح البخاري ،  كتاب الشرب والمساقاة ، باب فضل سقي الماء .

(5)  صحيح مسلم ، كتاب السلام ، باب تحريم قتل الهرة .

(6)  سنن أبي داود 3/26 ، مسند أحمد 3/323 (14499) .

(7)  صحيح مسلم ، باب النهي عن التخلي في الطريق و الظلال 1/156

(8) صحيح البخاري 2/870

([17])  سورة القصص آية (77)

(2)  سورة الأعراف آية (56)

(3)  سورة القلم آية (4)

(4) سورة آل عمران آية (159)

(5)  سنن الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في معالي الأخلاق

(6)  سنن أبي داود، كتاب الأدب ، باب في حسن الخلق

(7) سورة البقرة آية ( 195)

(1)  صحيح مسلم ، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة

(2)  سورة الإسراء آية (53)

(3) سورة البقرة آية (83)

(4) سورة العنكبوت آية (46)

(5)  أحكام القرآن ،10/166

(1)  سورة المائدة آية (8)

(2) فتوح البلدان الجزء الأول 155،156

([31])

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق