البحوث

عضل الولي في بلاد الغرب  صوره وأحكامه

عضل الولي في بلاد الغرب  صوره وأحكامه

ومواقف أئمة المساجد والمراكز الإسلامية والقاضي منه

 

 

بقلم:

الخمار البقالي

 

بحث مقدم إلى الدورة الثانية عشرة

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بتاريخ

20 -24 جمادى الأولى 1425 هـ الموافق: 07-11 يوليو 2004م

 


مقدمة:

إن موضوع الولاية في الزواج من القضايا التي أثارت جدلاً بين فقهاء التشريع الإسلامي منذ بزوغ الفقه الإسلامي، تبعاً للنصوص الواردة في مجالها، من حيث الثبوت أولاً، ثم من حيث الدلالة ثانياً، حيث اعتبر أغلب الفقهاء الولاية ركناً من أركان عقد النكاح، بينما اكتفى البعض باعتباره شرطاً فقط.

ومما زاد هذا الموضوع جدلا واختلافا تأثر أفراد المجتمعات الإسلامية  بثقافات وتشريعات نظم غير إسلامية، عندما فُتِح العالم الإسلامي على غيره من الثقافات والتشريعات، وخصوصاً لما استعمرت أرضه، ثم انبهرت عقول بعض أبنائه بما عند الغير، فانبرت تقلده وتنقل منه دون غربلة ولا تمحيص، واتسع هذا النقل والتقليد حتى شمل مجال تشريع نظام الأسرة.

ثم تطور على مستوى الشك والارتياب في صلاحية ذاك التشريع للحكم والتطبيق، خصوصا لما هاجرت مجموعات لا يستهان بها من المسلمين من بلدانهم الأصلية إلى مجتمعات غير إسلامية، فوجدوا أنفسهم في مجتمعات لا تؤمن بنفس المبادئ، ولا تخضع لنفس التقنينات التي يخضع لها المسلمون.

مما أتاح فرصةً لهجوم الغير على هذا التشريع من جهة، وتَفَلَّتَ بعض أبناء المسلمين من الاحتكام إلى التشريع الإسلامي، جهلا به أو رفضا له من جهة ثانية.

وأمام هذا الواقع ـ حياة المسليمن في المجتمعات غير الإسلايمة ـ الذي لا يمكن رفضه ولا الانفلات منه، إضافة إلى ضعف الوازع الديني لدىبعض الشرائح الإسلامية، ولجوء بعض المسلمين إلى الاحتكام إلى قوانين غير إسلامية.

ظانين أنها أعدل من التشريع الإسلامي، أو جهلا بتلك التشريعات بالأحرى.

يلزمنا كفقهاء باحثين، وخطباء موجهين، وأئمة يقتدى بهم ويسمع لفتاواهم ونصائحهم، مدارسة هذا الموضوع، انطلاقا من الأسس الشرعية التي انبنى عليها، ومراعاة للواقع المعيش الذي احتوى هذه الشريحة من أبناء المسلمين.

أملاً في ربط المسلمين بدينهم، وإسعادهم بشرع ربهم، وحفاظا على الحقوق المتبادلة بينهم من الضياع، وحرصاً عليهم من التفلت من قوالب الشرع الإسلامي التي قد تفضي لا قدر الله إلى الانسلاخ من الدين كلياً.

تلبية لهذه الاحتياجات تاتي هذه المساهمة بهذا الموضوع في مدارسة محور “الولاية في الزواج، وتطبيقاتها لدى المسلمين المقيمين في غير المجتمعات الإسلامية” التي اضطلع بدراستها ” المجلس الأوروبي للإفتاء” الذي ما فتئ يعالج هموم وقضايا المسلمين في هذه الديار التي قضت مضاجع الكثير منهم.

وقد اخترت جانباً من محور الولاية في الزواج في الشرع الإسلامي، ألا وهو جانب العضل فيها، كيف نفهمه، وما مجالاته، وكيف تعامل الفقه الإسلامي معه، وما العلاج إن وقع ذلك التعسف، وما النتائج المفضية إليه، وكيفية تجاوز سلبياتها، والاستفادة من فوائده إن كانت فيه فوائد.

وقد قسمت بحثي إلى:

مقدمة وأربعة فصول، تناولت في الفصل الأول، مفهوم الولاية وأسبابها وأنواعها ومراتبها وما للولي وما عليه، ثم انتقلت في الفصل الثاني إلى تعريف معنى الإجبار والعضل والفرق بينهما، ومجال الإجبار، ومن له حق ممارسته، وعلى من يمارَس، وسنده الشرعي، والقائل به من المذاهب الفقهية، ثم توقفت عند مفهوم العضل وحكمه ، ومتى يكون الولي عاضلاً.

أما الفصل الثالث فخصصته للحديث عن صور العضل الواقعة بين المسلمين في بلاد الغرب ونتائجها، كما تعرضت لعلاج ظاهرة العضل، ودور الأئمة ورؤساء المراكز الإسلامية في ذلك في الفصل الرابع.

راجياً من الله الصواب في القول والسداد في العمل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


الفصل الأول:

الولاية في الزواج وفيه مبحثان

 

         المبحث الأول: الولاية في الزواج مفهومها، أسبابها، أنواعها، ومراتبها، ، وفيه أربعة مطالب.

             المطلب الأول: مفهوم الولاية.

             المطلب الثاني: أسباب الولاية

             المطلب الثالث: أنواع الولاية .

             المطلب الرابع: مراتب الولاية .

             مسألة في حكم تزويج المرأة من لدن وليـين.

         المبحث الثاني  ما للولي وما عليه، ومذاهب الفقهاء من الولاية وفيه أربعة مطالب.

             المطلب الأول: شروط الولي.

             المطلب الثاني: حقوق الولي وواجباته.

             المطلب الثالث: مذاهب الفقهاء من الولاية، وهل هي شرط في صحة النكاح.

             المطلب الرابع: حكم عقد المرأة نكاحها دون تدخل وليها.

المبحث الأول: الولاية في الزواج ؛ مفهومها،  أسبابها، أنواعها، ومراتبها، وفيه أربعة  مطالب:

المطلب الأول:مفهوم الولاية:

تاتي الولاية في الاصطلاح اللغوي بمعان أهمها: تدبير الأمر وإصلاحه، وامتلاكه والتعلق به حبا ونصرة، كما تاتي بمعنى المصاهرة والقرابة. والولي: كل من ولي أمرا أو قام به، وولي اليتيم: هو الذي يلي أمره ويقوم بكفايته[1].

أما في الاصطلاح الشرعي، فقد عرفها عبد القاهر الجرجاني بقوله: ( تنفيذ القول على الغير، شاء الغير أم أبى[2]). كما عرفها أحد المعاصرين “الدكتور عبد الكريم زيدان”بأنها: (قدرة الشخص شرعا على إنشاء التصرف الصحيح النافذ على نفسه أو ماله أو على نفس الغير أو ماله[3]).

وهذا تعريف عام للولاية في الاصطلاح الشرعي، وهي ضربان؛ ولاية قاصرة، وولاية متعدية. فالولاية القاصرة هي: قدرة الشخص شرعا على إنشاء التصرف الصحيح النافذ على نفسه. والولاية المتعدية هي قدرة الشخص شرعا على إنشاء التصرف الصحيح النافذ لغيره.

والولاية المتعدية أيضا قسمان: ولاية على المال، وولاية على النفس[4]. والولاية على الزواج هي من باب الولاية على النفس.

والولاية على النفس تشمل مجموعة من التصرفات المتعلقة بشخص المولى عليه وهي بهذا المعنى: ( سلطة يملكها الولي على المولى عليه؛ تخوله الحق في: تزويجه، وتأديبه، وتعليمه، وتطبيبه، والعناية به في كل ما تحتاجه نفسه مادام تحت الولاية شاء المولى عليه ذلك أم أبى، وذلك توفيرا لمصلحة المولى عليه نفسه[5]). فيدخل فيها الولاية الخاصة بالزواج.

ولعل هذا ما عناه الزيلعي في تبيين الحقائق لما قال: (الأولياء جمع ولي، وهو من الولاية “أي الولاية المتعدية على النفس” وهي تنفيذ الحكم على الغير شاء أم أبى[6]).

ومن تعريف الولاية يؤخذ تعريف الولي في مسألة الزواج. حيث عرفها الفقيه المالكي ابن عرفة فقال: (الولي من له على المرأة ملك أو أبوة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطنة أو ذو إسلام[7]).

المطلب الثاني: أسباب الولاية:

أشارت بعض كتب الفقه إلى أسباب الولاية مثل ما ورد في تعريف ابن عرفة، وهي: (إما ملك، أو أبوة، أو تعصيب، أو إيصاء، أو كفالة، أو سَلطنة، أو ذو إسلام). إلا ان هذه الأسباب منها ما زال قائما وموجودا بين الناس في زماننا ، ومنها ما اندثر ولم يعد له وجود. وبالتالي فلا يحتاج إلى التوقف عنده أو الاهتمام به.وذلك مثل سبب “الملك” فهو غير موجود في عصرنا لانتفاء ملك الرقيق.

وأما سبب الأبوة فواضح.

وأما سبب التعصيب فقداشترط أكثر الفقهاء أن تكون القرابة بين المرأة ووليها قرابة عصوبة، وذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن مطلق القرابة يكفي، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

وأما سبب الإيصاء فناشئ عمن أسند إليه الإيصاءَ أبٌ أو وصي. وقد اختلف الفقهاء في قوة سبب الوصاية، أي: هل يكون الوصي وليا في التزويج أم لا ؟.

وهذا ملخص ما ذهبت إليه المذاهب الفقهية كما ذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان الدمشقي العثماني في كتابه رحمة الأمة في اختلاف الأئمة قال: (وتصح الوصية بالنكاح عند مالك. ويكون الولي أولى بذلك. وقال أبو حنيفة: بأن القاضي يزوج. وقال الإمام الشافعي: لا ولاية لوصي مع ولي، لأن عارها لا يلحقه. قال القاضي عبد الوهاب: هذا الإطلاق في التعطيل فاسد، فإن الحاكم إذا زوج المرأة لا يلحقه ما قاله[8]).

بقي من أسباب الولاية “ولاية الكفالة، وولاية السلطنة، وولاية عامة المسلمين، سأتناولها في مطلب انواع الولاية ومراتبها إن شاء الله.

المطلب الثالث: أنواع الولاية:

 حصر الفقهاء أنواع ولاية التزويج في ثلاثة أنواع:

1– ولاية الإجبار، وتعني أن الولي ينفرد برأيه في تزويج من تحت ولايته دون أن يكون للمولى عليه حق الرفض والاعتراض.

  2 – ولاية الندب والاستحباب وتعني أن المرأة يستحب لها أن تأذن لوليها بأن يزوجها أي يباشر عقد تزويجها بإذنها وموافقتها.

3 – ولاية الشركة، وتعني أن لا بد من اشتراك الولي وموليته في الرضا بالزواج. فلا ينفرد الولي ولا يستبد بتزويج موليته كما في رواية الإجبار، بل لابد من رضا موليته وإذنها في الزواج، ولا تنفرد هي بالعقد، بل الولي هو الذي ينشئ بعبارته عقد الزواج عليها.

وسيأتي بيان هذه الأنواع في مفهوم الاجبار، ومن يمارسه، وعلى من يمارس.

المطلب الرابع: مراتب الولاية:

أما مراتب الولاية فالمقصود منها ترتيب الأولياء وتقدم بعضهم على بعض في استحقاق الولاية عند تعددهم بحيث يعرف من هو الأول في استحقاق الولاية والتقدم على غيره. وقد اختلفت مذاهب الأئمة في هذه المسألة وهذا ملخص ما ورد فيها.

أولا مذهب المالكية: قال الشيخ خليل في المختصر: (وقدم ابن، فابنه، فأب، فأخ فابنه، فجد، فعم، فابنه، وقدم الشقيق على الأصح والمختارِ، فمولى، ثم هل الأسفل، وبه فسرت أو لا وصحح، فكافل، وهل إن كفل عشراً “أي عشر سنين” أو أربعاً “أي أربع سنين” أو ما يشفق”أي أن الكفالة لا حد لزمانها، إلا ما يوجب الحنان والشفقة” تردد، وظاهرها” أي ظاهر المدونة” شرط الدناءة، “أي أن الدناءة شرط في قبول ولاية الكفالة” فحاكم، فولاية عامة مسلم، وصح بها “أي بالولاية العامة” في دنيئة مع خاص لم يجبر “أي مع الولي الخاص غير المجبر” ،كشريفة دخل وطال “أي إن دخل بها وطال صحت الولاية العامة مع وجود الولي الخاص”[9]).

ثانيا مذهب الشافعية: قال النووي في منهج الطالبين: (وأحق الأولياء أب، ثم جد، ثم أبوه”يعني جد الآب” ثم أخ لأبوين أو لأب، ثم ابنه، وإن سفل، ثم عم، ثم ابنه، وإن سفل، ثم سائر العصبة كالإرث.

ويقدم أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر، ولا يزوج ابن ببنوة، فإن كان ابن ابن عم أو معتقا أو قاضيا زوج به، فإن لم يوجد نسيب زوج المعتق ثم عصبته كالإرث. إلى أن قال: فإن فقد المعتق وعصبته زوج السلطان، وكذلك يزوج إذا عضل القريب[10]).

ثالثاً: مذهب الحنفية: قال الكاساني في بدائع الصنائع مبينا مراتب الأولياء: (فصل، وأما شرط التقدم فشيئان: أحدهما العصوبة عند أبي حنيفة، فتقدم العصبة على ذوي الرحم سواء كانت العصبة أقرب أو أبعد، وعندهما هي شرط ثبوت أصل الولاية على ما مر.

والثاني: قرب القرابة، يتقدم الأقرب على الأبعد، سواء كان في العصبات أو في غيرها على أصل أبي حنيفة. وعلى أصلهما هذا شرط التقدم لكن في العصبات خاصة بناء على أن العصبات شرط ثبوت أصل الولاية عندهما.

وعندهم هي شرط التقدم على غيرهم من القرابات فمادام ثمة عصبة فالولاية لهم يتقدم الأقرب منهم على الأبعد، وعند عدم العصبات تثبت الولاية لذوي الرحم الأقرب منهم يتقدم على الأبعد. وإنما اعتبر الأقرب فالأقرب في الولاية لأن هذه ولاية نظر.

وتصرف الأقرب أنظر في حق المولى عليه لأنه أشفق فكان هو أولى من الأبعد إلى أن قال: وإذا عرف هذا فنقول: إذا اجتمع الأب والجد في الصغير والصغيرة والمجنون الكبير والمجنونة الكبيرة، فالأب أولى من الجد (أب الأب) لوجود العصوبة والقرب.

والجد (أب الأب) وإن علا أولى من الأخ لأب وأم، والأخ أولى من العم وهكذا، وعند أبي يوسف ومحمد الجد والأب سواء كما في الميراث. فإن الأخ لا يرث مع الجد عنده فكان بمنـزلة الأجنبي، وعندهما يشتركان في الميراث فكانا كالأخوين.

وإن اجتمع الأب والابن في المجنونة فالابن أولى عند أبي يوسف، وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي قول أبي حنيفة مع قول أبي يوسف.

وروى المعلى عن أبي يوسف أنه قال: أيهما زوج جاز، وإن اجتمعا قلت للأب زوج.

وقال محمد الأب أولى به، وبعد توجيبه القولين قال:وأما من غير العصبات فكل من يرث مزوج عند أبي حنيفة، ومن لا فلا، وبيان من يرث منهم ومن لا يرث يعرف في كتاب الفرائض[11]).

 وبعد مرتبة القرابة تأتي مرتبة الولاء[12]، وبعدها ولاية الإمامة. فالإمام يزوج إن لم يكن هناك ولي أصلا، أو حصل من الولي عضل فتنتقل الولاية إليه لدفع الضرر. وليس للوصي ولاية الإنكاح.

رابعاً: مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة في متن المقنع: (وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ُثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها لأمها وأبيها، والأخ للأب مثله، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب،ثم الولي المسلم ثم أقرب عصبته به ثم السلطان.

ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا. وإذا كان الأقرب من عصبتها طفلا أو كافرا أو عبدا، زوجها الأبعد من عصبتها.

قال في الشرح: فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها[13]).

هذه مراتب الولاية عند الفقهاء اتفاقاً واختلافاً، وفي بعض الحالات لا تراعى هذه المراتب بل تنتقل الولاية من الأقرب إلى الأبعد، وذلك إما بسبب فقد بعض شروط الولاية في الولي الأقرب، وإما بسبب غيبة الولي الأقرب بحيث يكون في مكان لا يمكن الاتصال به أو مراجعته واستطلاع رأيه إما لتعذر السفر إليه، أو لعدم إمكان السفر إليه أصلاً لأي سبب كان، أو لاختفائه وعدم معرفة مكانه ويخشى من انتظاره حصول ضرر للمرأة، فإن الولاية حينئذ تنتقل إلى الولي الأبعد.

وإما بسبب عضل الولي الأقرب موليته أي منعها من التزويج. وسيأتي الكلام في العضل مفصلا إن شاء الله تعالى.

هذا والمقصود من ذكر الولاية باختصار هو مجرد الإشارة إلى أن ولاية الزواج عند من يشترطها ليست ولاية سائبة كما يعتقده ويطبقه الكثير من أئمة المراكز والمساجد حيث يعقدون بحضور أي ولي، بغض النظر عن مرتبته وقربه أو بعده، بل بغض النظر عن أهليته أو عدم أهليته.

والحقيقة أنهم بين أمرين: إما أن يأخذوا بمذهب مَن لا يشترط حضور الولي في عقد النكاح، ولهم في ذلك سعة.

وإما أن يأخذوا بمذهب من يشترط حضور الولي وإذنه في عقد النكاح، وعليه فينبغي وضع كل إنسان في مرتبته إما وجوباً أو ندباً.

مسألة في حكم تزويج المرأة من لدن وليـين:

اختلفت المذاهب الفقهية في من له حق امتلاك عصمة امرأة عقد عليها وليان لها، دون علم أحدهما بعقد الآخر، لمن تكون، هل للزوج الأول أم الثاني؟.

فذهب المالكية إلى أنه إذا زوج المرأة وليان كل واحد لا يعلم بتزويج الآخر كان العقد للأول، إلا أن يدخل بها فالثاني يكون أحق بها[14].

بينما ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الأول أحق بها على كل حال دخل بها الثاني أو لم يدخل، قال االشيرازي في المهذب: (وإن علم السابق وتعين فالنكاح هو الأول والثاني باطل[15]).

وقال الكاساني في البدائع: (وإن علم السابق منهما من اللاحق جاز الأول ولم يجز الآخر[16])، واحتج أصحابهما بحديث سمرة بن جندب “رضي الله عنه” أن النبي “ﷺ” قال: (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما، ومن باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما[17]). انتهى ملخصا من كتاب “تهذيب السالك في نصرة مذهب مالك[18]

المبحث الثاني  ما للولي وما عليه ومذاهب الفقهاء من الولاية وفيه ثلاثة مطالب.

المطلب الأول: شروط الولي:

يشترط في الولي الذي يتولى عقد الزواج شروط لابد من توافرها، وإلا سقط حقه في الولاية وانتقلت إلى من بعده في الدرجة كأنه لم يكن، وتختلف هذه الشروط كثرة وقوة من مذهب إلى مذهب.

فهي عند المالكية ستة شروط:

1 _ الذكورة فلا يصح العقد من أنثى، سواء كانت اما أو بنتا أو أختا. فإن كانت الأنثى وصية، فإنها توكل ذكرا يتولى عنها العقد للمتزوجة ولو كان وكيل الوصية أجنبيا منها ومن الموكل عليها. ويتم العقد مع حضور الولية. هذا إذا كان الأمر يتعلق بتزويج الأنثى، أما في حالة تزويج الذكر فإن الأنثى الوصية عليه تلي تزويجه، والفرق هو: أن الولي المعتبر في صحة النكاح إنما هو الولي من قبل المرأة.

2 _ البلوغ فلا يصح العقد من صبي لعدم أهليته.

3 – العقل فلا يصح من مجنون ومعتوه وسكران.

4 – الإسلام وهذا الشرط في خصوص المسلمة فلا يصح أن يتولى عقد نكاحها كافر ولو كان أباها. وأما الكافرة الكابية يتزوجها مسلم فإنه يجوز لأبيها الكافر أن يعقد لها عليه لقوله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض[19]). ولا يكون المسلم وليا لكافرة فإن عقد لابنته الكافرة لكافر فلا نتعرض لفسخه وقد ظلم المسلم نفسه، وأما لو عقد لكتابية على مسلم فإنه يفسخ أبداً.

5 – خلو الولي من الإحرام بحج أو عمرة.

6 – عدم الإكراه فلا يصح العقد من مكره إلا أن الاكراه لا يختص بولي عقد النكاح بل هو عام في جميع العقود الشرعية.

ولا يشترط في الولي العدالة إذ فسقه لا يخرجه عن الولاية. ولا يشترط فيه الرشد فيصح عقد السفيه لمجبرته وغيرها بإذنها، ووجه صحة عقده أن السفيه غير محجور عليه في ذلك وأن الولاية عليه إنما هي في ماله[20].

وعند الشافعية: تفهم شروط الولاية من موانع ولاية النكاح التي أشار إليها النووي في منهج الطالبين بقوله: (فصل لا ولاية لرقيق، وصبي، ومجنون، ومختل النظر بهرم أو خبل، وكذا محجور عليه بسفه على المذهب.

ومتى كان بالأقرب بعض هذه الصفات فالولاية للأبعد، والإغماء إن كان لا يدوم غالبا انتظر إفاقته، وإن كان يدوم أياما انتظر، وقيل الولاية للأبعد، ولا يقدح العمى في الأصح، ولا ولاية لفاسق على المذهب، ويلي الكافر كافرة، وإحرام أحد العاقدين أو الزوجة يمنع صحة النكاح[21]).

فشروط الولي عند الشافعية سبعة وهي: الحرية، البلوغ، العقل، الرشد، العدالة، الإسلام، الخلو من الإحرام.

أما عند الحنابلة: فلا تتجاوز الستة، وهي التي نص عليها ابن قدامة المقدسي لما قال: (وتعتبر لثبوت الولاية لمن سمينا ستة شروط: العقل، والحرية، والإسلام، والذكورية، والبلوغ، والعدالة على اختلاف نذكره.

فأما العقل فلا خلاف في اعتباره، وبعد توجيه ذلك قال:

الشرط الثاني الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم.

الشرط الثالث: الإسلام ولا يثبت لكافر ولاية على مسلمة وهو قول عامة أهل العلم أيضا.

الشرط الرابع: الذكورية شرط للولاية في قول الجميع.

الشرط الخامس: البلوغ شرط في ظاهر المذهب.

الشرط السادس: العدالة، وفي كونها شرطا روايتان، إحداهما هي شرط، والروايـة الأخرى

ليست بشرط، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي[22].

بينما نوع الحنفية: شروط ولاية النكاح إلى نوعين، هما: شرط ثبوت أصل الولاية، وشرط تقدم الولاية. وهذا ما نص عليه الكاساني في بدائع الصنائع لما قال: (وأما شرط ثبوت هذه الولاية فنوعان في الأصل. نوع هو شرط ثبوت أصل الولاية، ونوع هو شرط التقدم[23]).

ثم انبرى الكاساني يقسم أنواع شروط ثبوت أصل الولاية فقال: ( أما شروط ثبوت أصل الولاية فأنواع بعضها يرجع إلى الولي، وبعضها يرجع إلى المولى عليه، وبعضها يرجع إلى نفس التصرف.

أما الذي يرجع إلى الولي فأنواع: منها عقل الولي، ومنها بلوغه، ومنها أن يكون ممن يرث، فيخرج عليه مسائل فنقول: لا ولاية للمملوك على أحد، ولا ولاية للمرتد على أحد؛ لا على مسلم ولا على كافر ولا على مرتد مثله، ولا ولاية للكافر على المسلم.

وأما إسلام الولي _ أي ولي الكافر _ فليس بشرط لثبوت الولاية في الجملة. فيلي الكافرعلى الكافر. قال الله عز وجل: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض[24]).

وكذا العدالة ليست بشرط لثبوت الولاية عند أصحابنا. وللفاسق أن يزوج ابنه وابنته الصغيرين. وعند الشافعي شرط وليس للفاسق ولاية التزويج.

وأما كون الولي من العصبات فهل هو شرط ثبوت الولاية أم لا، فنقول وبالله التوفيق: جملة الكلام فيه أنه لا خلاف في أن للأب والجد ولاية الإنكاح، ولا خلاف بين أصحابنا في أن لغير الأب والجد من العصبات ولاية الإنكاح والأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات في الميراث، واختلفوا في غير العصبات، قال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز إنكاحه حتى لم يتوارثا بذلك النكاح، ويقف على إجازة العصبة.

وعن أبي حنيفة روايتان، وهذا يرجع إلى ما ذكرنا أن عصوبة الولي هل هي شرط لثبوت الولاية مع اتفاقهم على أنها شرط التقديم فعندهما هي شرط ثبوت أصل الولاية وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة فإنه قد روي عنه أنه قال: لا يزوج الصغيرة إلا العصبة.

وروى أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة أنها ليست بشرط لثبوت أصل الولاية وإنما هي شرط التقدم على قرابة الرحم حتى إنه إذا كان هناك عصبة لا تثبت لغير العصبة ولاية الإنكاح وإن لم تكن ثمة عصبة فلغير العصبة من القرابات من الرجال والنساء نحو الأم والأخت والخالة ولاية التزويج الأقرب فالأقرب إذا كان المزوج ممن يرث المزوج وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة[25].

وأما الذي يرجع إلى نفس التصرف فهو أن يكون التصرف نافعا في حق المولى عليه لا ضارا في حقه[26].

وبالنظر إلى شروط الولاية عند مختلف المذاهب نجد أنهم قد اتفقوا على بعض الشروط، وانفردت بعض المذاهب بشروطد غيرها.

فاتفقوا على شرط الإسلام والبلوغ والذكورة واختلفوا فيما عدا ذلك.

ومنها ندرك أنه ليس كل قريب للمرأة يصلح للولاية بل من توفرت فيه مجموع الشروط المعتبرة، وأهمها أن يكون تصرف الولي نافعاً للمرأة لا ضاراً بها، فتصرفات الولي منوطة بشرط المصلحة للمولي عليه لأنها لمصلحته وجبت وليس لمصلحة الولي فهي نعمة للمولى عليه مسئولية للولي. فإذا تصرف الولي على غير وفق مصلحة المولى عليه كان متعدياً.

ووجوه المصلحة وشروطها تختلف باختلاف نوع التصرف فيختلف الحكم وفقاً لذلك كما يختلف باختلاف درجة الولي قرباً وبعداً.

ففي الزواج مثلاً لا يجوز للولي أن يزوج الفتاة الصغيرة من غير الكفء، فإذا زوجها من غير الكفء لم يكن زواجها صحيحاً، هذا إذا لم يكن الولي أباً أو جداً، فإذا كان هو الأب أو الجد كان زواجه صحيحاً، وذلك لأنَّ غلبة شفقة الأب يغلب على الظن معها قيام مصلحة غالبة في هذا الزواج، وكذلك الزواج بغبن فاحش بأن يزوج الفتاة بأقل من مهر مثلها والفتى بأكثر من مهر مثله، فإذا كان الولي الأب أو الجد جاز النكاح ولزم لغلبة الشفقة وهي مظنة توافر المصلحة وإن كان غيرهما لم يصح[27].

وحتى في مسألة الولي الذي هو أب أو جد يشترط أن لا يتعسف الولي في استعمال الحق المخول له فيعامل ابنته كسلعة مربحة أو وسيلة يحقق بها مصالحه أو يكسب بها رضا بعض أقاربه دون اعتبار لرضاها ولا اهتمام بما يحقق سعادتها، بل ربما ارتكب ما يدوس كرامتها وينغص عليها حياتها وراحتها فما أشقاه من ولي وما أتعس من كان في ولاية هذا النوع من الناس.

فهل يجيز الإسلام ولاية أمثال هؤلاء؟..

أول ما يمكن الاعتماد عليه في رفض ولاية هذا النوع من المستغلِّين لمن في ولايتهم ولو كانوا فلذات أكبادهم ما أخرجه البيهقي موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا نكاح إلا بولي أو سلطان، فإن أنكحها سفيه أو مسخوط عليه فلا نكاح له[28].

كما أخرجه الدارقطني وابن حجر والبيهقي في رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل[29].

فالولي المسخوط عليه الذي يحرص على مصلحته ولا يعير اهتماما لمصلحة موليته يحسن أن ينـزع منه حق الولاية ولو كان أبا، وتسند إلى غيره من الأولياء حسب ترتيبهم، فإن فُقدوا أو كانوا من نفس المنـزلة فإلى قاضي المسلمين كما نص الفقهاء على ذلك[30].

وبهذا ينتفي زعم من زعم أو يزعم أن الولاية تسلط مطلق وأنها ضد مصلحة المولي عليه إلى غير ذلك مما يقال في هذا المجال، وقد رأينا الشروط القاسية التي اشترطها الفقهاء في الولي مما يضمن سلامة تصرفه بما يحصل المنفعة للمولي عليه ويقيه المساوئ والمفاسد.

المطلب الثاني حقوق الولي وواجباته:

حقوق الولي مقررة لمصلحته ومصلحة المولى عليه، فمن حقوق الولي التي يستمدها من ولايته في التزويج، حقه في اختيار الزوج الكفء لمن هي تحت ولايته، وقد لوحظ في ذلك مصلحة الولي والمولى عليه.

أما بالنسبة للمولى عليه كالصغيرة مثلا فلتحصيل الرجل الكفء، لأن الظفر بالزوج الكفء لا يكون ميسوراً دائماً، والزوج الكفء ضروري لتحقيق مقاصد النكاح.

إذ بالكفء تصلح الحياة الزوجية غالباً، لأنه يعرف متطلباتها وحقوقها وواجباتها مما يؤدي إلى دوامها واستمرارها، وتحصيل الكفء يكون عن طريق الولي لصغر المولى عليها، وكذلك بالنسبة للبالغة عند من يقول إذن الولي لابد منه لنكاحها، فإن الولي أقدر منها على معرفة الكفء وتمييز الصفات اللازمة في الرجل المناسب لها.

هذا بالنسبة للمولى عليه، وأما ملاحظة مصلحة الولي نفسه في تقرير هذه الحقوق له فتظهر في أن الزواج في الحقيقة لا يقتصر على ارتباط الزوجين، بل يتعداهما إلى ذويهما وعائلتهما وأقاربهما عموما، فمن مصلحة الولي وهو قريب المرأة عادة أن يكون الزوج مرضيا وكفؤا. وهذا يحمله على الجهد الصادق لمعرفة الزوج الكفء لموليته.

وبناء على ما تقدم فمن حق الولي أن يختار الكفء لمن تحت ولايته وأن يرفض نكاح المرأة البالغة العاقلة إن زوجت نفسها من غير كفء عند من يقول بصحة نكاحها نفسها لأن مثل هذا النكاح يمس مصلحة الولي واعتباره كما يمس مصلحة من هي تحت ولايته.

أما واجبات الولي فهي كحقوقه مقررة لمصلحته ومصلحة المولى عليه، لأن من هذه الواجبات تحصيل الزوج الصالح لموليته. وفي تحقيق هذا الغرض مصلحة مؤكدة لها وله أيضا.

ويمكن إجمال واجبات الولي بأن يزوج موليته بالمرضي دينا وخلقا وبالمرضي خلقة، وأن يسرع في تزويجها إذا بلغت وأن يمتنع من عضلها إذا رغبت في الزواج وكان الزوج مرضيا[31].

المطلب الثالث: مذاهب الفقهاء من الولاية و هل هي شرط في صحة النكاح  أم ركن فيه؟

ذهب جمهور الفقهاء و المحدثين إلى اشتراط الولي في صحة عقد النكاح، و ذهب بعضهم إلى عدم اشتراطه، كما ذهب بعضهم إلى اعتباره ركنا من أركان النكاح.

قال ابن رشد في بداية المجتهد: (اختلف العلماء هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أم ليست بشرط؛ فذهب مالك إلى أنه لا يكون النكاح إلا بولي وأنها شرط في الصحة في رواية أشهب عنه. وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وزفر والشعبي والزهري: إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤا جاز. وفرق داود بين البكر والثيب فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب. ويتخرج على رواية ابن القاسم عن مالك في المسالة قول رابع: أن اشتراطها سنة لا فرض. وذلك أنه روي عنه أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولي وأنه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلا من الناس على إنكاحها، وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها ليعقد عليها، فكأنه عنده من شروط التمام لا من شروط الصحة، بخلاف عبارة البغداديين من أصحاب مالك، أعني أنهم يقولون إنها من شروط الصحة لا من شروط التمام[32]).

وقال ابن قدامة في “المغني” في  مسألة: ولا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين: ( في هذه المسألة أربعة فصول:

الفصل الأول: أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها. فإن فعلت، لم يصح النكاح. روي هذا عن عمر، وعلي ، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهم . وإليه ذهب سعيد بن المسيب، والحسن، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وابن المبارك، وعبيد الله العنبري، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد.

وروي عن ابن سيرين، والقاسم بن محمد، والحسن بن صالح، وأبي يوسف: لا يجوز لها  ذلك بغير إذن الولي، فإن فعلت كان موقوفا على إجازته. وقال أبو حنيفة: لها أن تزوج نفسها وغيرها، وتوكل في النكاح.

و بعد أن ذكر أدلة الكل و ناقشها قال: فصل فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم، أو كان المتولي لعقده حاكما، لم يجز نقضه وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة.

و قال النووي في “شرح مسلم” في باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت:

واختلف العلماء في اشتراط الولي في صحة النكاح، فقال مالك والشافعي: يشترط ولا يصح نكاح الا بولي، وقال أبو حنيفة: لا يشترط في الثيب ولا في البكر البالغة بل لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها، وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها ولا يجوز بغير إذنه، وقال داود: يشترط الولي في تزويج البكر دون الثيب[33].

هذه باختصار أقوال العلماء في هذه المسألة فما هو سبب الخلاف؟ و ما هي أدلة كل قول؟

قال ابن رشد في “بداية المجتهد”: (وسبب اختلافهم أنه لم تأت آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلا عن أن يكون في ذلك نص، بل الآيات والسنن التي جرت العادة بالاحتجاج بها عند من يشترطها هي كلها محتملة. وكذلك الآيات والسنن التي يحتج بها من يشترط إسقاطها هي أيضا محتملة في ذلك والأحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها مختلف في صحتها إلا حديث ابن عباس وإن كان المسقط لها ليس عليه دليل – أي لا يحتاج إلى دليل- لأن الأصل براءة الذمة، ونحن نورد مشهور ما احتج به الفريقان ونبين وجه الاحتمال في ذلك:

فمن أظهر ما يحتج به من الكتاب من اشترط الولاية قوله تعالى: ”فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن” قالوا: وهذا خطاب للأولياء ولو لم يكن لهم حق في الولاية لما نهوا عن العضل، وقوله تعالى: “ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا” قالوا وهذا خطاب للأولياء أيضا.

ومن أشهر ما احتج به هؤلاء من الأحاديث ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة  رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات، وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له[34]).

وأما ما احتج به من لم يشترط الولاية فمن الكتاب: قوله تعالى “فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف” قالوا وهذا دليل على جواز تصرفها في العقد على نفسها. قالوا وقد أضاف إليهن في غير ما آية من الكتاب الفعل فقال:”أن ينكحن أزواجهن” وقال “حتى تنكح زوجا غيره” ومن السنة حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتفق على صحته وهو قوله عليه الصلاة والسلام (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها) وبهذا الحديث احتج داود في الفرق عنده بين الثيب والبكر في هذا المعنى فهذا مشهور ما احتج به الفريقان من السماع.

ثم ناقش ابن رشد أدلة الفريقين و بين وجه الاحتمال فيها و خلص في النهاية إلى أنه يجب أن يعتقد أحد أمرين:

 * إما أنه ليست الولاية شرطا في صحة النكاح وإنما للأولياء الحسبة في ذلك.

    * وأما إن كان شرطاً فليس من صحتها تمييز صفات الولي وأصنافهم ومراتبهم، ولذلك يضعف قول من يبطل عقد الولي الأبعد مع وجود الأقرب[35]) أﮫ.

و قال النووي في “شرح مسلم”: واحتج مالك والشافعي بالحديث المشهور (لا نكاح إلا بولي) وهذا يقتضى نفي الصحة.

واحتج داود بأن الحديث المذكور في مسلم صريح في الفرق بين البكر والثيب، وأن الثيب أحق بنفسها والبكر تستأذن، وأجاب أصحابنا عنه بأنها أحق أي شريكة في الحق بمعنى أنها لا تجبر وهي أيضا أحق في تعيين الزوج، واحتج أبو حنيفة بالقياس على البيع وغيره فإنها تستقل فيه بلا ولي.

وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط  الولى على الأمة والصغيرة ، وخص عمومها بهذا القياس، وتخصيص العموم بالقياس جائز عند الكثير من أهل الأصول، واحتج أبو ثور بالحديث المشهور: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل”، ولأن الولي إنما يراد ليختار كفؤا لدفع العار وذلك يحصل بإذنه.

قال العلماء: ناقض داود مذهبه في شرط الولي في البكر دون الثيب لأنه إحداث قول في مسألة مختلف فيها ولم يسبق إليه، ومذهبه أنه لا يجوز إحداث مثل هذا والله أعلم[36].

 وقد استوفى أدلة المالكية “وهي أيضا أدلة الجمهور على اشتراط الولي في صحة النكاح” الحبيب بن طاهر في كتابه: ” الفقه المالكي و أدلته”[37] حيث قال: ( ودليل ركنية الولي وتوقف العقد عليه:

 أ- قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا[38]) ووجه الاستدلال أن الخطاب موجه

للأولياء و لو لم يكن لهم في العقد حق لما خاطبهم بذلك. و هذا يدل على أن المرأة ليس لها أن تنكح نفسها.

ب- قوله تعالى: (فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف[39]). و العضل المنع. وسبب نـزول هذه الآية ما روى معقل بن يسار رضي الله عنه قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك و فرشتك و أكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا و الله لا تعود إليك أبدا. و كان رجلا لا بأس به و كانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنـزل الله الآية: فلا تعضلوهن. فقلت الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجها إياه[40].

ووجه الاستدلال أن الخطاب موجه للأولياء. وقد نهتهم الآية عن الامتناع من إنكاح ولاياتهم. وهذا يدل على أن العقد يتوقف على الولي و إلا لم تحتج أخت معقل إلى أخيها، و لا توقفت في الرجوع إلى زوجها على موافقة أخيها، وهي تريد زوجها وهو يريدها. فتبين أن العضل إنما يصح ممن إليه عقد النكاح. ولو كان للمرأة أن تعقد على نفسها لم يكن امتناع وليها عضلا لها ولما نهي عنه وهو نص في المسألة[41].

ج- قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ[42]). ووجه الاستدلال أن شعيبا عليه السلام تولى العقد لابنته على موسى دونها لأنه وليها وهذا استدلال بشرع من قبلنا[43].

د ـ قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ[44]) ووجه الاستدلال أن الخطاب في الآية للأولياء أيضا. وسيأتي زيادة بيان لمعناها في دلالتها على جبر الأب لابنته[45].

ﮫ ـ حديث عائشة المتقدم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل … ” الحديث، ووجه الاستدلال أن الحديث عام في كل امرأة بكرا كانت أو ثيبا لأن لفظ “أي” في “أيما” شرطية تفيد العموم، ودالة على تأكيده. كما أن بطلان العقد بدون ولي مؤكد بتكرار لفظ “باطل” و بذلك يكون الحديث قد أثبت للولي حق العقد على وليته من حيث منعه عنها[46].

و- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: “لا نكاح إلا بولي”[47] ، وقد استدل به التلمساني في مفتاح الوصول[48].

ز- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: “الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها و إذنها صماتها”[49]، ووجه الاستدلال من قوله صلى الله عليه و سلم “الأيم أحق بنفسها من وليها” أن لفظ “أحق” من أبنية المبالغة، وذلك يشعرأن للولي حقا ما مع المرأة.

والمراد بحقها هو إرادتها في تعيين الأزواج لا في تولي العقد، وأما الحق الذي هو للولي فهو تولي العقد. وليس ما يمكن أن يكون من حقه في أمر نكاح الثيب إلا تولي العقد[50]. وأما قوله: “و البكر تستأذن في نفسها” فسيأتي معناه.

ح ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تزوج المرأة المرأة و لا تزوج المرأة نفسها. فإن الزانية هي التي تزوج نفسها[51])، و الحديث نص في الباب.

ط- حديث زواج النبي صلى الله عليه و سلم بأم سلمة. وفيه قول أم سلمة لابنها: يا عمر، قم فزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم فزوجه[52] .

ي ـ عن سعيد بن المسيب أنه قال، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان[53]، ومعنى ذلك أنها لا تنكح نفسها ولا ينكحها من الناس من ليس بولي لها[54].

ك ـ أنه لم يثبت قط أن امرأة من السلف و لا من الخلف باشرت نكاحها[55].

ل ـ أن وجه دخول الولي في عقد نكاح وليته، هو لنفي الضرر و المعرة عن نفسه و عنها بوضع نفسها في غير كفء[56] .

و هذه الأدلة التي ذكرها هذا الفقيه و ذكر بعضها غيره يؤخذ منها أرجحية مذهب الجمهور، والذي هو أن المرأة لا تزوج نفسها.

والعلة في منعها كما قال في المغني: صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة و المروءة و الله أعلم.

ونظرا لأهمية الولي في النكاح، وحفاظا على أعراض المسلمين من التهتك، يميل الدارسون المعاصرون إلى ركنيته، أو على الأقل اشتراطه في عقد النكاح حتى لا تقع النساء والفتيات عديمات التجربة في فخاخ العابثين المتلاعبين بأعراض الناس، وهذا ما اختاره الدكتور سالم بن عبد الغني الرافعي في كتابه “أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في دار الغرب[57]“قال: (والحقيقة أن جوهر الخلاف في هذه المسألة هو هل يجوز للمرأة أن تزوج نفسها من رجل بغير إذن و ليها و لا موافقته؟ والجواب عندي أن الشريعة تأبى ذلك أشد الإباء، لأن المرأة سريعة الاغترار و قوية العاطفة و قد يجرها ذلك إلى الانخداع و الوقوع في حبائل الماكرين و أهل السوء والدغل[58]).

    ثم تابع التدليل بالواقع على اهمية ركنية الولي في عقد النكاح فقال: (ومغبة ذلك لا ترجع عليها وحدها وإنما يرجع على أسرتها وأوليائها ولذلك احتاطت الشريعة للمرأة وتواردت النصوص بمنعها عن النكاح بغير إذن وليها، وذلك من أجل مصلحتها ومنفعتها. وقد أدرك أبو حنيفة –رحمه الله- هذه المسألة و هو وإن أفتى للمرأة أن تنكح بغير إذن وليها إلا أنه اشترط أن يكون الرجل الذي تختاره كفؤا و جعل لوليها حق الفسخ إن لم يكن الزوج كفؤا. ولكن هذ الطريق الذي اختاره الإمام لا يخلو من مصاعب لأن الفسخ لا يقع قبل أن يحكم به القاضي وقد يكون الزوج دخل بها ووقع الضرر[59]).

وأختم هذه المسألة و هي مسألة مذاهب الفقهاء من الولاية بقرار المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث و هو قرار رقم ¾ فتوى 12 من المجموعة الثانية من قرارات و فتاوى المجلس الأوربي للإفتاء و البحوث[60] ، و أرى و الله أعلم أنه القول الفصل في هذه المسألة:

المطلب الرابع: حكم قيام المرأة بعقد نكاحها دون تدخل وليها:

قرار المجلس: يعتبر عقد الزواج من أهم العقود لما يترتب عليه من قيام أسرة جديدة في المجتمع و إنجاب الأولاد و حقوق وواجبات تتعلق بكل من الزوجين.

ولما كان كل واحد من الزوجين طرفا في العقد، ناط الشارع إبرامه بهما و جعله متوقفا على إرادتهما و رضاهما، فلم يجعل للأب و لا لغيره على المرأة ولاية إجبار و لا إكراه في تزويجها ممن لا تريد، بل جعل لها الحق التام في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية “فتاة صغيرة السن” أتت النبي ﷺ فذكرت أن أباها زوَّجها و هي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم[61]، وجاءت النصوص النبوية الأخرى تؤكد للمرأة ذلك الحق فقال عليه الصلاة و السلام: “لا تنكح البكر حتى تستأذن و لا الأيم حتى تستأمر”[62] وقال: “البكر يستأذنها أبوها”[63] .

وبهذا جعل الإسلام عقد الزواج قائما على المودة و الرحمة، و الألفة و المحبة، قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[64])، و من المحال ـ عادة ـ تحقيق تلك المقاصد الكريمة بزواج قائم على الإكراه و الإجبار.

لكن لما كانت المرأة ـ رغم إرادتها المستقلة التي جعلها الإسلام لها- عرضة لأطماع الطامعين، واستغلال المستغلين فقد شرع من الأحكام ما يحفظ حقوقها و يدفع استغلال المستغلين عنها فجعل لموافقة وليها على عقد زواجها اعتباراً هاماً يتناسب مع أهمية هذا العقد لما يعكسه من أثر طيب يخيم على الأسرة الجديدة ويبقى على وشائج القربى بين الفتاة وأوليائها، بخلاف ما لو تم بدون رضاهم فإنه يترتب عليه الشقاق و الخلاف فينجم عنه عكس المقصود منه.

ومع أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن رضا ولي المرأة هو الأولى و الأفضل، غير أنهم اختلفوا في جعله شرطا من شروط صحة العقد:

 فذهب جمهور الفقهاء إلى أن رضا ولي المرأة شرط من شروط صحة العقد لا يصح بدونه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل”[65] وقوله أيضا أيضا: “لا نكاح إلا بولي”[66].

    وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك مستدلين بأدلة كثيرة، منها ما رواه مسلم والأربعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الأيم أحق بنفسها، والبكر تستأذن في نفسها و إذنها صماتها[67]“، وحملوا أحاديث اشتراط الولي على من كانت دون البلوغ، وقالوا : لو زوجت البالغة العاقلة نفسها كان زواجها صحيحا إن استوفى العقد شروطه الأخرى، ويجوز لوليها أن يتظلم إلى القاضي فيطلب فسخ العقد إذا كان هذا الزواج من غير كفء، وعلى القاضي إجابة طلبه إن تحقق من ذلك.

   وإن المجلس يوصي النساء بعدم تجاوز أولياء أمورهن لحرصهم على مصلحتهن و رغبتهم في الأزواج الصالحين لهن وحمايتهن من تلاعب بعض الخطاب بهن.

      كما يوصي الآباء بتيسير زواج بناتهن و التشاور معهن فيمن يرغب في الزواج منهن دون تعسف في استعمال الحق وليتذكروا قول النبي ﷺ “إذا جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فساد كبير [68]

     وليعلموا أن عضلهن من الظلم المنهي عنه و الظلم محرم في الإسلام، كما يوصي المجلس المراكز الإسلامية مراعاة ما تقدم، لأنه أسلم و أحكم إلا إذا لم يوجد للمرأة ولي فيكون المركز الإسلامي وليها في البلاد التي ليس فيها قضاء إسلامي ومع هذا يرى المجلس أن البالغة العاقلة لو زوجت نفسها ممن يرضى دينه و خلقه فزواجها صحيح.

القرار 3/4

الفصل الثاني: مفهوم الإجبار والعضل  والعلاقة بينهما،وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الإجبار: مفهومه، مجالاته، ومن يمارسه وعلى من يمارس؟وفيه أربعة مطالب:

            المطلب الأول: مفهوم الإجبار، والإكراه ، لغة وشرعاً، والفرق بينهما.

            المطلب الثاني: مجالات الإكراه.

            المطلب الثاني: من له حق الإجبار في مختلف المذاهب الفقهية؟

            المطلب الثالث: على من يمارس الإجبار، وما هي علته؟

            المطلب الرابع: سند القائلين بالإجبار والقول الذي ينبغي المصير إليه والعمل به.

المبحث الثاني:مفهوم العضل ، وفيه مطلبان:

       المطلب الأول: العضل لغة وشرعا.

       المطلب الثاني: متى يكون الولي عاضلا، واختلاف العلماء في ذلك.

 


المبحث الأول: الإجبار؛ مفهومه،مجالاته،من يمارسه وعلى من يمارس،وفيه أربعة مطالب:

          المطلب الأول : مفهوم الإجبار والإكراه والفرق بينهما.

     الإجبار لغة واصطلاحاً: ورد في لسان العرب مادة جبر: أجبرت فلانا على كذا فهو مجبر وهو كلام عامة العرب.أي أكرهته عليه، وتميم تقول جبرته على الأمر أجبرته  جبرا وجبورا. قال الأزهري وهي لغة معروفة. وورد في المصباح: وأجبرته على كذا بالألف:حملته عليه قهرا وغلية فهو مجبر[69].

 والمعنى الغوي للإجبار هو: المراد شرعا عند من قال به من الفقهاء[70].

ومن المصطلحات المرادفة للإجبار الإكراه، وحتى تتكامل المعاني وتتناسق الدلالات، علينا ان نقف عند معاني ودلالات الإكراه.

فالإكراه لغة: مشتق من الجذر اللغوي “كره” وتدور مواد هذا الجذر على معاني الكره المنافي للمحبة والرضا كما تدور على معاني المشقة والإجبار والقبح والشدة والقهر[71].

 أما الإكراه اصطلاحاً: فللفقهاء في بيان حقيقته تعريفات كثيرة، إلا أنها مع كثرتها لا تختلف اختلافاً كثيراً.

     عرفه من الحنفية الإمام السرخسي في المبسوط بأنه: (اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه أو يفسد به اختياره من غير أن تنعدم به الأهلية في حق المكره أو يسقط عنه الخطاب[72]).

كما عرفه من الحنفية أيضا علاء الدين البخاري بأنه: (حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه ويصير الغير خائفا فائت الرضا بالمباشرة[73]). وعرفه الحطَّاب من المالكية بأنه: (ما يفعل بالمرء مما يضره ويؤلمه[74]) .

وبعد توضيح معنى الإجبار والإكراه يحسن الإشارة إلى الفرق بينهما.

الفرق بين الإكراه والإجبار:

لقد فرق الفقهاء بين الإكراه على الأمر الممنوع شرعا كالكفر والقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وما إلى ذلك. وبين الإكراه على الأمر المأمور به شرعا كإكراه المرتد على الإيمان من جديد وإكراه المسلم المتهاون على أداء الصلاة وإلزام أداء الزكاة في حق من وجبت عليه وامتنع من أدائها.

وإنكاح الفتيات والفتيان الصغار وحتى الفتاة البالغة عند بعض الفقهاء على الزواج ممن هو كفء لها. فسموا النوع الأول إكراها، والثاني إجبارا. وموضوعنا يندرج ضمن النوع الثاني المسمى بولاية الإجبار أو ولاية الحتم والإيجاب. أو ولاية الاستبداد.

وهي مصطلحات رغم إفادتها معنى الالزام والقهر لكنها أخف في وقعها من مصطلح الإكراه الممجوج حتى في السمع. كما أنها تحتضن معنى السعي في مصلحة المجبر[75].

             المطلب الثاني: مجالات الإكراه:

تتلخص مجالات الإكراه في: مجال الاعتقادات- مجال العبادات- مجال الأحوال الشخصية من نكاح وطلاق ورجعة وظهار، ومجال المعاملات والتصرفات المالية. مجال الالتزامات والإقرار وانعقاد الأيمان.

وغير ذلك من المجالات،  والذي يعنينا في هذا الموضوع هو: الإكراه في مجال الأحوال الشخصية وبالأخص في موضوع النكاح الذي يوقعه أحد الأولياء سواء من لهم حق الإجبار أو من لا يتمتعون بهذا الحق.

وبناء على التفريق بين الإجبار والإكراه قسم الفقهاء الولاية إلى قسمين:

القسم الأول: ولاية اختيار وهي التي لا يستبد الولي  فيها بإنشاء العقد بدون إذن المولى عليه ورضاه. بل لابد من مرعاة إذنه واختياره فالولي يشارك المولى عليه في الاختيار وينفرد عنه بتولي صيغة العقد دونه ومن هنا سميت ولاية مشاركة واختيار.

القسم الثاني: ولاية إجبار، وهي التي يستبد فيها الولي بإنشاء عقد الزواج على المولى عليه ولو دون إذنه ورضاه. فمن من الأولياء له حق الإجبار؟ وعلى من يمارس؟ وما هي علة الإجبار عند القائلين به من الفقهاء؟ هذا ما سنبينه في المطالب التالية.

المطلب الثاني: من له حق الإجبار في مختلف المذاهب الفقهية؟

اتفقت كل المذاهب الفقهية على أن الأب يملك هذا الحق ثم اختلفت فيمن يشاركه في هذا الامتياز. وهذه مذاهب الفقهاء في الموضوع.

أولاً: المذهب المالكي، ذهب فقهاء المذهب المالكي إلى أن الولي المجبر هو الأب ووصيه دون سائر الأولياء. جاء في الشرح الكبير للدردير ممزوجاً بالمتن: (وجبر وصي وإن نـزل كوصي الوصي أمره أب به، أي بالجبر ولو ضمنا، كزوِّجها قبل البلوغ وبعده، أو لم يأمره به ولكن عين له الزوج، ولكن لا جبر للوصي إلا إذا بذل الزوج مهر المثل ولم يكن فاسقاً فليس هو كالأب من كل وجه. وإذا لم يأمره الأب بالإجبار ولا عين له الزوجَ بأن قال له أنت وصيي على بناتي أو بنتي فلانة أو زوجها ممن أحببت فخلاف والراجع الجبر[76]).

ثانيا: المذهب الشافعي أنزل فقهاء المذهب الشافعي الجد منـزلة الأب عند عدمه. جاء في منهج الطالبين للنووي ممزوجا بشرح جلال الدين المحلي. (وللأب تزويج البكر صغيرة وكبيرة بغير إذنها لكمال شفقته ويستحب استئذانها أي الكبيرة تطييبا لخاطرها، وليس له تزويج ثيب إلا بإذنها فإن كانت صغيرة لم تزوج حتى تبلغ لأن الصغيرة لا إذن لها والجد كالأب عند عدمه في جميع ما ذكر[77]).

ثالثاً: المذهب الحنبلي، جاء في كتاب الروض المربع شرح زاد المستقنع: (الشرط الثاني رضاهما فلا يصح إن أكره أحدهما بغير حق كالبيع إلا البالغ المجنون فيزوجه أبوه أو وصيه في النكاح وإلا المجنونة أو الصغير والبكر ولو مكلفة إلا الثيب إذا تم لها تسع سنين. فإن الأب ووصيه في النكاح يزوجانهم بغير إذنهم كثيب دون تسع لعدم اعتبار إذنهم….. ولا يزوج باقي الأولياء كالجد والأخ والعم صغيرة دون تسع بحال بكرا كانت أو ثيبا. ولا يزوج غير الأب ووصيه في النكاح صغيرا إلا الحاكم لحاجة، ولا يزوج غبر الأب ووصيه فيه كبيرة عاقلة بكرا أو ثيبا ولا بنت تسع سنين كذلك إلا بإذنهما[78]).

يستفاد من هذا أن الوصي عند الحنابلة كالأب وهو يوافق في ذلك مذهب المالكية، وفي مذهب أحمد رواية أخرى أن الوصي ليس كالأب في النكاح. جاء في المغنى وشرحه: (مسألة: قال: وليس هذا لغير الأب يعني ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة جدا كان أو غيره)[79].

رابعاً: المذهب الحنفي: قسم الحنفية الولاية بالنسبة للمولى عليه إلى نوعين: ولاية حتم وإيجاب ، وولاية ندب واستحباب . أو ولاية استبداد ، وولاية شركة.

وهذه الولاية بنوعيها ثابتة لكل الأولياء حسب درجاتهم في التقدم. إلا أن للأب  والجد اعتبارا خاصا حيث لا خيار للصغير والصغيرة في فسخ النكاح المعقود من طرف الأب والجد بعد البلوغ. قال ابن نجيم في البحر الرائق  شرح كنـز الدقائق عقب قول المصنف ولهما خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد ما نصه: (بخلاف إذا زوجهما الأب والجد فإنه لا خيار لهما بعد بلوغهما لأنهما (الأب والجد) كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم العقد بمباشرتهما كما إذا باشراه برضاهما بعد البلوغ[80]).

وإذا عرفنا مذاهب الفقهاء فيمن له حق الإجبار، فعلى من يمارس؟

المطلب الثالث: على من يمارس الإجبار وما هي علته؟ وما هو سنده عند القائلين به؟ وما هو القول الذي ينبغي المصير إليه والعمل به؟

إن أقوال العلماء في هذا الموضوع تتلخص في أن أهل العلم اتفقوا على أن تزويج الثيب البالغة العاقلة لا يجوز دون إذنها، فإن زوجها وليها دون إذنها ورضاها فالنكاح مردود.

وأما البكر البالغ العاقل إذا زوجها وليها قبل الاستئذان فاختلف أهل العلم فيه على قولين:

أحدهما أن للأب إجبار ابنته البكر البالغ على النكاح وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد.

والقول الثاني: لا يجبرها، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وإليه ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري.

كما اختلفوا أيضاً في إجبار الثيب الصغيرة.

 أما بالنسبة للبكر الصغيرة فقد نقل سعدي أبو جيب الإجماع على جواز تزويج الأب ابنته الصغيرة البكر فقال: (أجمع المسلمون على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها، ولا يستأمرها، وقد أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أنه يجوز له أي الأب تزويجها مع كراهيتها وامتناعها إذا كان الزوج كفؤاً[81]).

وحيث أن قوانين الأحوال الشخصية في أغلب الدول الإسلامية تمنع زواج الصغيرة فلا حاجة لمزيد كلام في هذه المسألة.

وأما بالنسبة للثيب البالغ، والبكر البالغ  والثيب الصغيرة فقال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: (وأما النساء اللاتي يعتبر رضاهن في النكاح فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ لقوله عليه الصلاة والسلام: “الثيب تعرب عن نفسها” إلا ما حكي عن الحسن البصري، واختلفوا في البكر البالغ وفي الثيب الغير البالغ ما لم يكن ظهر منها الفساد. فأما البكر البالغ فقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى : للأب فقط أن يجبرها على النكاح. وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأبو ثور وجماعة لابد من اعتبار رضاها. ووافقهم مالك في البكر المعنسة على أحد القولين عنه).

وسبب اختلافهم معارضة دليل الخطاب في هذا للعموم. وذلك أن ما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله:” لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها” وقوله: “تستأمر اليتيمة في نفسها” خرجه أبو داود. والمفهوم منه بدليل الخطاب أن ذات الأب بخلاف اليتيمة. وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس المشهور:”والبكر تستأمر” يوجب بعمومه استئمار كل بكر.

والعموم أقوى من دليل الخطاب. وهو نص في موضع الخلاف مع أنه خرج مسلم في حديث ابن عباس زيادة وهو أنه قال عليه الصلاة والسلام:” والبكر يستأذنها أبوها”.

وأما الثيب الغير البالغ، فإن مالكاً وأبا حنيفة قالا: يجبرها الأب على النكاح. وقال الشافعي: لا يجبرها. وقال المتأخرون: إن في المذهب ( أي المذهب المالكي) ثلاثة أقوال : قول إن الأب يجبرها ما لم تبلغ بعد الطلاق، وهو قول أشهب. وقول إنه يجبرها وإن بلغت، وهو قول سحنون. وقول إنه لا يجبرها وإن لم تبلغ ، وهو قول أبي تمام. والذي حكيناه عن مالك هو الذي حكاه أهل مسائل الخلاف كابن القصار وغيره عنه.

وسبب اختلافهم معارضة دليل الخطاب للعموم، وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام: “تُسْتَأْمَرُ اليَتيمة في نفسها ولا تُنكحُ اليَتيمةُ إلاَّ بإذنها” يفهم منه أن ذات الأب لا تستأمر إلا ما أجمع عليه الجمهور من استئمار الثيب البالغ، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام “الثيب أحق بنفسها من وليها،  يتناول البالغ وغير البالغ، وكذلك قوله ﷺ: “لا تُنْكحُ الأيمُ حتَّى تُستَأْمرُ ولا تُنكحُ حتى تُستَأذَن” يدل بعمومه على ما قاله الشافعي.

ولاختلافهم في هاتين المسألتين سبب آخر، وهو استنباط القياس من موضع الإجماع، وذلك أنهم لما أجمعوا على أن الأب يجبر البكر غير البالغ، وأنه لا يجبر الثيب البالغ إلا خلافاً شاذاً فيهما جميعاً كما قلنا اختلفوا في موجب الإجبار هل هو البكارة أو الصغر؟ فمن قال الصغر قال: لا تجبر البكر البالغ، ومن قال البكارة قال: تجبر البكر البالغ ولا تجبر الثيب الصغيرة؛ ومن قال كل  واحد منهما يوجب الإجبار إذا انفرد قال: تجبر البكر البالغ والثيب الغير البالغ، والتعليل الأول تعليل أبي حنيفة، والثاني تعليل الشافعي، والثالث تعليل مالك، والأصول أكثر شهادة لتعليل أبي حنيفة، واختلفوا في الثيوبة التي ترفع الإجبار وتوجب النطق بالرضا أو الرد، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها الثيوبة التي تكون بنكاح صحيح أو شبهة نكاح أو ملك، وأنها لا تكون بزنى ولا بغصب، وقال الشافعي: كل ثيوبة ترفع الإجبار.

وسبب اختلافهم هل يتعلق الحكم بقوله عليه الصلاة والسلام: (الثيب أحق بنفسها من وليها) بالثيوبة الشرعية أم بالثيوبة اللغوية؟ واتفقوا على أن الأب يجبر ابنه الصغير على النكاح، وكذلك ابنته الصغيرة البكر، ولا يستأمرها لما ثبت ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بنت ست أو سبع وبنى بها بنت تسع بإنكاح أبي بكر أبيها رضي الله عنه)، إلا ما روي من الخلاف عن ابن شبرمة، اهـ منه بلفظه[82].

وهو كلام كافٍ في بيان ما اتفق عليه الفقهاء وما اختلفوا فيه فيمن يمارس عليه الإجبار وما هي علته.

وقد جرت عادة الفقهاء أنهم عندما يتناولون هذا الموضوع موضوع الإجبار يتسع مجالهم ليشمل الذكور والإناث الصغار والكبار والثيبات والأبكار والمجانين الخ.

لكن الذي يهمنا نحن في الواقع الذي نعيش فيه هو قضية إجبار الأولياء بناتهم على الزواج بمن لا يرضين، حيث لا تزال التقاليد عند الكثير من الأولياء تكاد تسلب الفتاة حريتها في اختيار الزوج، والأغلب أن يَفرض من يريده الأب أو ترضاه الأم، ولا يقبل من الفتاة اعتراضها على إرادة أبيها وأمها.

وكثيراً ما فشل هذا الزواج وجر وراءه مآسي كثيرة رأينا منها مئات الحالات حيث يرغم الأهل الفتاة بطريقة أو بأخرى على أن تتزوج بابن عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها من أجل الحصول على حق الإقامة في البلد الأوربي الذي تعيش فيه الفتاة وهي لا تريد ذلك ولا ترضاه، فيفشل هذا الزواج  في أوله أحياناً قبل الدخول، وأحياناً بعده مباشرة أو بشهور أو سنوات.

المهم هو أن نجاح مثل هذا الزواج قليل، هذا إن حصل وإلا ففي كثير من الحالات يحصل أن تترك البنت بيت أهلها وتهرب إلى حيث لا يعلمون.

وإذا كانت أقوال العلماء في هذه الموضوع معلومة سواء فيما اتفقوا عليه أو فيما اختلفوا فيه فما هو القول الذي ينبغي المصير إليه؟ هذا ما نبينه في الصفحات التالية: قال في فتاوى النساء لابن  تيمية: وهذا القول ( أي القول بعدم الإجبار ) هو الصواب ثم قال: والناس متفاوتون في في مناط الإجبار هل هو البكارة أو الصغر أو مجموعهما أو كل منهما على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره.

والصحيح أن مناط الإجبار هو الصغر، وأن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح فإنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تنكح المرأة حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر) فقيل له: إن البكر تستحي؟ فقال: (إذنها صمتها) وفي لفظ في الصحيح: (البكر يستأذنها أبوها) فلهذا نهى صلى الله عليه وسلم : (لا تنكح حتى تستأذن) وهذا يتناول الأب وغيره.

وقد صرح بذلك في الرواية الأخرى الصحيحة وأن الأب نفسه يستأذنها وأيضا فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت رشيدة إلا بإذنها، وبضعها أعظم من مالها. فكيف يجوز أن يتصرف في بضعها مع كراهتها ورشدها؟.

وأيضا فإن الصغر سبب الحجر بالنص والإجماع، وأما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام، فإن الشارع لم يجعل البكارة سببا للحجر في موضع من المواضع المجمع عليها، فتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع[83].

وقال البخاري في صحيحه: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما. قال الحافظ ابن حجر في شرحه  فتح الباري: (في هذه الترجمة أربع صور: تزويج الأب البكر وتزويج الأب الثيب وتزويج غير الأب البكر وتزويج غير الأب الثيب، وإذا اعتبرت الكبر والصغر زادت الصور. فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها اتفاقا إلا من شذ كما تقدم.

والبكر الصغير يزوجها أبوها اتفاقا إلا من شذ كما تقدم. والثيب الغير البالغ اختلف فيها، فقال مالك وأبو حنيفة: يزوجها كما يزوج البكر. وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد: لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره، والعلة عندهم أن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر، والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء، واختلف في استئمارها،  والحديث الدال على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت  وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم. إلى أن قال الحافظ: ثم إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المتزوجة بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، لكن تُستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها.

قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن ابن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي ﷺ قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر. ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت).

وبسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يارسول الله : إن البكر تستحيي، قال رضاها صمتها. قال الحافظ : وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما، لأنها تستحي منهما أكثر من غيرهما. والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الأبكار بالنسبة لجميع الأولياء واختلفوا في الأب يزوج البالغ بغير إذنها فقال الأوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور: يشترط استئذانها فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح: وقال الآخرون : يجوز للأب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استئذان وهو قول : ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق.

    قال البخاري: باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود.قال الحافظ: هكذا أطلق فشمل البكر والثيب. لكن حديث الباب مصرح فيه بالثيوبة فكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه.

قال البخاري بسنده : عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.وذكر الحافظ أن لقصة خنساء طريقا أخرى أخرجها الدارقطني والطبراني من طريق هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ولم يذكر فيه بكراً ولا ثيباً[84].

وقال الحافظ بن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد في ذكر أقضيته وأحكامه صلى الله عليه وسلم في النكاح وتوابعه: (فصل، حكمه ﷺ في الثيب والبكر يزوجهما أبوهما، ثبت عنه في الصحيحين أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيباً فأتت رسول الله ﷺ فرد نكاحها.

وفي السنن من حديث ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي ﷺ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي ﷺ، وهذه غير خنساء. فهما قضيتان قضى في إحداهما بتخيير الثيب وقضى في الأخرى بتخيير البكر.

وثبت عنه في الصحيح أنه قال: لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يارسول الله وكيف إذنها؟ قال أن تسكت.

وفي صحيح مسلم: البكر تستأذن في نفسها وإذنها صمتها. وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه.

وهو القول الذي ندين الله به ولا نعتقد سواه وهو الموافق لحكم  رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته.

أما موافقته لحكمه فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة. إلى أن قال: وأما موافقة هذا القول لأمره فإنه قال والبكر تستأذن وهذا أمر مؤكد لأنه ورد بصيغة الخبر الدال على تحقيق المخبر وثبوته ولزومه والأصل في أوامره أن تكون للوجوب ما لم يقم إجماع على خلافه وأما موافقته لنهيه فلقوله لا تنكح البكر حتى تستأذن فأمر ونهى وحكم بالتخيير وهذا إثبات للحكم بأبلغ الطرق وأما موافقته لقواعد شرعه فإن البكر البالغة العاقلة الرشيدة لا يتصرف أبوها  في أقل شيء من ملكها إلا برضاها ولا يجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها، فكيف يجوز أن يرقها ويخرج بضعها منها بغير رضاها إلى من يريده وهي من أكره الناس فيه وهو من أبغض شيء إليها فينكحها إياه قهرا بغير رضاها إلى من يريده ويجعلها أسيرة عنده كما قال النبي ﷺ: فإنهن عوان عندكم أي أسرى، ومعلوم أن إخراح مالها كله بغير رضاها أسهل عليها من تزويجها بمن لا تختاره بغير رضاها ولقد أبطل من قال إنها إذا عينت كفؤا تحبه وعين أبوها كفؤا فالعبرة بتعيينه ولو كان بغيضاً لها قبيح الخلقة.

وأما موافقته لمصالح الأمة فلا يخفى مصلحة الثيب في تزويجها بمن تختاره وترضاه وحصول مقاصد النكاح لها بذلك، وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه فلو لم  تأت السنة الصريحة بهذا القول لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة لا تقتضي غيره وبالله التوفيق.

وقد ناقش ابن القيم رحمه الله مَن فرق بين الثيب والبكر وأبطل مستندهم، ثم ذكر أقوال الفقهاء في مناط الإجبار فقال : (وقد اختلف الفقهاء في مناط الإجبار على ستة أقوال.

أحدها أنه يجبر بالبكارة وهو قول الشافعي ومالك وأحمد في رواية،

الثاني أنه يجبر بالصغر وهو قول أبي حنيفة وأحمد في الرواية الثانية،

الثالث أنه يجبر بهما معا وهو الرواية الثالثة عن أحمد.

الرابع أنه يجبر بأيهما وجد ، وهو الرواية الرابعة عنه، الخامس أنه يجبر بالإيلاد فتجبر الثيب البالغ.  حكاه القاضي إسماعيل عن الحسن البصري قال وهو خلاف الإجماع ، قال وله وجه حسن من الفقه فيا ليت  شعري ما هذا الوجه الأسود المظلم، السادس أنه يجبر من يكون في عياله. ولا يخفى عليك الراجح من هذه المذاهب[85].

وفي شرح السنة للبغوي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله ﷺ قال: الايم أحق بنفسها من وليها و البكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها، هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه من رواية أبي هريرة، وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال ﷺ:  البكر تستأذن قلت إن البكر تستحي قال : إذنها صماتها. هذا حديث صحيح.

قال الإمام: اتفق أهل العلم على أن تزويج الثيب البالغة  العاقلة لا يجوز دون إذنها، فإن زوجها وليها دون إذنها فالنكاح مردود، فأما البكر البالغة العاقلة إذا زوجها وليها قبل الاستئذان فاختلف أهل العلم فيه فذهب قوم إلى أن النكاح مردود لقوله ﷺ: والبكر تستأذن، وإليه ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وأصحاب الرأي.

وذهب جماعة إلى أنه إن زوجها أبوها أو جدها من غير استئذان فجائز. يروى ذلك عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار وسالم بن عبد الله. وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا معنى قوله: والبكر تستأذن هو على استطابة النفس.

ونقل محققه شعيب الأرناؤوط عن ابن التركماني في الجوهر النقي قال : (قوله ﷺ : لا تنكح البكر حتى تستأذن . دليل على أن البكر البالغة لا يجبرها أبوها ولا غيره[86]).

قال شارح العمدة أي عمدة الأحكام: وهو مذهب أبي حنيفة وتمسكه بالحديث قوي؛ لأنه أقرب إلى العموم في لفظ البكر. وربما يزاد على ذلك بأن يقال: الاستئذان إنما يكون في حق من له إذن ولا إذن للصغيرة فلا تكون داخلة تحت الإرادة.

ويختص الحديث بالبالغات فيكون أقرب إلى التناول أو التاويل. إلى آخر ما ذكره في تأييد هذا القول[87] .

وقال العلامة صديق بن حسن القنوجي البخاري : “عند قول المصنف وتخطب الكبيرة إلى نفسها” (والمعتبر حصول الرضا منها. لحديث ابن عباس وغيره: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وعائشة نحوه.

وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عباس : أن جارية بكرا أتت الرسول ﷺ فذكرت  أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم .قال الحافظ: ورجال إسناده ثقات، وروى نحوه من حديث جابر أخرجه النسائي، وأخرج ابن ماجة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت فتاة إلى رسول الله ﷺ فقالت: إن أبي زوجني أبن أخيه ليرفع بي خسيسته قال: فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي لكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء. ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه أحمد والنسائي من حديث ابن  بريدة عن عائشة. قال في الحجة البالغة: أقول لا يجوز أيضا أن يحكم الأولياء فقط لأنهم لا يعرفون ما تعرف المرأة من نفسها. ولأن حارالعقد وقاره راجعان إليها. والاستئمار طلب أن تأذن ولاتمنع. وأدناه السكوت. وإنما المراد استئذان البكر البالغة دون الصغيرة[88].

 


الخلاصة

 

بناء على ما سبق إيراده وسرده من أقوال العلماء في هذا الموضوع  نستخلص أنه: يجب على الآباء أو الأولياء استئمار البنت في أمر الزواج فإن وافقت عليه صح العقد وإلا فلا.

خصوصاً وأننا نعيش في مجتمع يعطيها كامل الحرية في ذلك بل في أبعد من ذلك، فلم لا نعطيها نحن الحرية في قبول الزوج أو رفضه؟.

ومستندنا في ذلك واضح وقوي، أضف إلى ذلك أن قوانين الأسرة في كثير من البلدان لا تقبل عقد الزواج قبل بلوغ البنت سن 18 . وبنت 18 سنة بنت بالغة عاقلة تدرك في الغالب ما يضرها وما ينفعها.

ليس معنى هذا رفض الولاية من أصلها وإنما المراد تخفيف صلاحية ولاية الإجبار التي لا يسندها دليل قوي من جهة ، ولما فيها من اختلاف واسع من جهة ثانية، ولما لها من نتائج غير مرضية كما بينا من جهة أخرى، غير أنه لا بد من مراعاة الكفاءة، يعني كفاءة الزوج الذي ترضاه البنت زوجاً لها، وهذا من حيث المبدأ ضروري لضمان سعادتهما وتفاهمهما لأن النكاح يعقد للعمر ويشتمل على أغراض ومقاصد كالازدواج  والصحبة والألفة وتأسيس القرابات ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء.

لكن ما هي الكفاءة المعتبرة؟..

مفهوم الكفاءة، والمعتبر منها أساساً.

مما تعنيه الكفاءة : المماثلة في الشرف والنسب والمكانة، ومن أهم عناصر الشرف في الإنسان؛  شرف الدين، والحرفة، و… لذا اتفق علماء المذاهب الفقهية على اعتبار الكفاءة في الدين على رأس الشروط المعتمدة في التماثل والكفاءة بين الزوجين، فإذا اختارت البنت رجلا فاسقا وأرادت التزوج منه فإن للأب أن يمنعها من ذلك أو يعترض لدى القاضي بعدم الكفاءة فإن تحقق القاضي عدم الكفاءة فسخ العقد وإلا أجراه.

والإسلام إذ يقيم الوزن الأرجح للكفاءة في الدين لا يحول دون ابتغاء ما دونها من كفاآت أخرى مادية كانت أو معنوية بشرط أن تتوفر الكفاءة في الدين أولا، أما إذ فقدت الكفاءة في الدين فلن تعوضها أي كفاءة أخرى،  في حين أن في الدين عوضا عن كل شيء.

ولقد فهم السلف الصالح أن المعول في الكفاءة المنشودة، هو الدين أساسا، فضنوا بفتياتهم على الأمراء المستهترين وآثروا عليهم الفقراء المتقين ثقة منهم أن العاقبة للتقوى.

إذا ، فقد اتفق الفقهاء على اعتبار الكفاءة في الدين واختلفوا في النسب وفي اليسار،”الغنى”   وفي السن وفي الصحة من العيوب. والكلام في هذا يطول وليس هو موضوع بحثنا.

 ومحصلة الكلام في الكفاءة أنها على ثلاثة أوجه:

*ما هو حق لله تعالى، وهو الإسلام، فهو متعين إجماعاً.

* وما هو حق للمرأة خاصة كعيوب البدن من جنون وعمى وغيرهما فلها الرضا بها ولا مقال للأولياء.

* وما هو حق لها ولهم  من فسق أو نقص في النسب قالقول قول من أبى منهم[89].

المبحث الثاني: مفهوم العضل وفيه  تمهيد ومطلبان:

تمهيد: إذا أجيز لبعض الأولياء نوع من الإكراه”الإجبار” لمن في ولايتهم، مع الاختلاف القائم في ذلك بين فقهاء المذاهب، فإن البعض من الأولياء قد يتعسف ويتجاوز ما هو متاح لهم شرعا، فيجورون في حق من تحت ولايتهم، بدافع المصالح الخاصة، أو العاطفة وقلما تكون، أو غير ذلك. فما معنى العضل، ومتى يعتبر الولي عاضلا، وما حكم الشرع في ذلك التصرف؟.

المطلب الأول: مفهوم العضل لغة واصطلاحا.

أولا: العضل لغة: العضل في اللغة المنع. قال في لسان العرب: وعضل المرأة عن الزوج حبسها. وعضل الرجل أيمه يعضُلها ويعضِلها عضلا وعضَّلها منعها الزوج ظلما. قال الله تعالى: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن[90]).

ثانيا: العضل اصطلاحا: العضل في الاصطلاح الشرعي، هو امتناع الولي من تزويج موليته من الكفء حيث يجب عليه هذا التزويج[91].

قال القاضي أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن. قوله تعالى: (فلا تعضلوهن). (العضل يتصرف على وجوه مرجعها إلى المنع وهو  المراد ها هنا. فنهى الله تعالى أولياء المرأة عن منعها من نكاح من ترضاه[92]).

وقال البغوي  في شرح السنة : والعضل هو منع الولي وليته من النكاح. وأصل العضل هو التضييق والمنع وأصله من عضلت الناقة إذا نشب ولدها ولم يسهل مخرجه[93].

المطلب الثاني: متى يعتبر الولي عاضلاً:

قد يتصرف الولي تصرفا يظن أنه في صالح من في ولايته، دون استشارة المولى عليه، فيؤدي إلى إهمال رغبة المولى عليه، أو إلحاق حرج وضيق به، دون قصد الولي الإساءة إليه.

وهذا ما حصل لمعقل بن يسار رضي الله عنه لما رفض تزويج أخته من رجل كان قد تزوجها ثم طلقها. وهذا هو مفهوم العضل كما حكاه ابن قدامة المقدسي في كتابه “المغني” قال: (ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفء لها  إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه.

قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتـها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنـزل الله تعالى هذه الآية:(فلا تعضلوهن). فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه[94]) رواه البخاري، واستنادا إلى هذا الحديث نص ابن قدامة على لزوم تزويج تلك المرأة ممن ترغب فيه، ولو لحقها بعض الإجحاف في بعض حقوقها قال: (وما دامت المرأة راغبة في ذلك الزوج فعلى الولي تزويجها سواء بمهر مثلها أو دونه، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: (لهم “أي الولياء” منعها من التزويج بدون مهر مثلها؛ لأنَّ عليهم في ذلك عاراً وفيه ضرر على نسائها لنقص مهر مثلهن. ولنا أن المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها وأجرة دارها ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط فبعضه أولى ….. إلى أن قال فإن رغبت في كفء بعينه. وأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها بهذا. لأنها لو تزوجت من غير كفئها كان له فسخ النكاح فلأن تمتنع منه ابتداء أولى[95]).

ومنع الولي من عضل موليته هو ما ذهب إليه المالكية أيضا. قال ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات: في نكاح الأكفاء وذكر العضل وفي التي ترضى بدونها في الحال والمال، نقلا عن الواضحة ما نصه: (نهى الله سبحانه وتعالى الأولياء عن العضل. وروى أن الآية نـزلت في معقل بن يسار. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم حض الآباء على نكاح بناتهم[96]).

وقال ابن رشد في بداية المجتهد: (الموضع الرابع في عضل الأولياء: واتفقوا على أنه ليس للولي أن يعضل وليته إذا دعت إلى كفء وبصداق مثلها؛ وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها ما عدا الأب فإنه اختلف فيه المذهب[97]).

وبعد اتفاق فقهاء المذاهب على منع العضل اختلفوا في الكفاءة المعتبرة التي لا يجوز للولي عضل موليته إن توفرت، وهل صداق المثل، والدمامة والحسن منها أم لا؟.

فعند المالكية، يحسن بالولي ألا يزوج ابنته من الرجل الدميم ولا من الرجل المسن كما نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لا يزوج الرجل وليته للقبيح الذميم ولا للرجل الكبير). لكنها إن رضيت بمن دونها في الحسب وهو ديِّنٌ فلها ذلك.

وهو ما نقله ابن أبي زبد القرواني من كتاب ابن الموازفقال : (قال مالك في المرأة تريد البيت ترضى برجل دونها في الحسب وهو كفء في الدين ويرده الأب والولي فرفعت ذلك إلى السلطان فليزوجها.

قال ابن القاسم فإن كان كفئا في الدين وليس بكفء في المال فلا بأس به إذا لم يأت من ذلك الضرر إلى أن قال؛ ومن كتاب ابن المواز قال مالك: لايعترض على الأب في رد الخطاب عن ابنته البكر حتى يتبين أنه أراد الضرر بها وتطلب هي ذلك. وأما غيره من الأولياء فلينظر السلطان في منعهم إياها فإن تبين صوابه عذره وإن رأى الغبطة والحظ زوجها برضاها وإن كره وليها[98]).

أما الشافعية فقد قال النووي في منهاج الطالبين ممزوجا بشرح جلال الدين المحلي: (وإنما يحصل العضل إذا دعت بالغة عاقلة إلى كفء وامتنع الولي من تزويجه وإن كان امتناعه لنقص المهر. لأن المهر يتمحض حقا لها بخلاف ما إذا دعت إلى غير كفء فلا يكون امتناعه عضلا لأن له حقا في الكفاءة. ولابد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوج بأن يمتنع الولي من التزويج بين يديه بعد أمره به والمرأة والخاطب حاضران؛ أو تقام البينة عليه لتعزز أو توار بخلاف ما إذا حضر فإنه إن زوج فقد حصل الغرض وإلا فعاضل فلا معنى للبينة عند حضوره[99]).

يظهر من بعض هذه النقول أن الفقهاء اختلفوا في بعض جزئيات العضل. وملخص مذاهب الفقهاء فيه مايلي:

قال الحنابلة: عضل الولي منع موليته أن تتزوج بكفء إذا طلبت ذلك ورغب كل منهما في صاحبه بما صح مهرا ولو كان بدون مهر مثلها.

وقال الشافعية: يحصل عضل الولي إذا دعت بالغة عاقلة رشيدة كانت أو سفيهة إلى التزوج بكفء. وامتنع الولي غير المجبر من تزويجها منه. لأن الواجب عليه تزويجها من كفء.

وعند الحنفية: العضل امتناع الولي عن تزويج الصغيرة من الزوج الكفء بمهر المثل أو أكثر؛ فهذا الامتناع منه عضل لموليته. أما البالغة فلها الحق عندهم في العقد على نفسها دون الحاجة للولي فلا يتصور فيها إجبار ولا عضل.

وعند المالكية: في عضل الولي تفصيل، فقد قالوا: على الولي ولو كان أبا غير مجبر وجوبا الإجابة لتزويج المرأة بكفء رضيت هي به أو دعت لكفء ودعا وليها لكفء غيره. فإذا امتنع من تزويجها به أمره الحاكم بأن يبين وجه امتناعه فإن لم يبد وجها صحيحا مقبولا وكَّلَ الحاكم من يعقد عليها إذا أصر على امتناعه؛ ولو كان الوكيل أجنبيا منها. ولا تنتقل ولاية تزويجها للولي الأبعد لأن الولي الممتنع يصير بامتناعه عاضلا برده أول كفء رضيت به أو دعت إليه.

أما إذا كان الولي مجبرا كالأب ووصيه فلا يصير عاضلا لموليته المجبرة برده للخاطب الكفء وإن تكرر رده حتى يتحقق عضله وإضراره ولو برده الكفء مرة واحدة. وذلك لما جبل عليه الأب من الحنان والشفقة على ابنته ولجهلها هي بمصالحها فربما علم الأب من حالها أو من حال الخاطب ما لا يوافق مصلحتها ولا يحقق سعادتها وراحتها من زواجها منه فلا يصير عاضلا برده الخاطب الكفء حتى يتحقق عضله[100].

وفي المدونة الكبرى: قلت أرأيت البكر إذا خطبت إلى أبيها فامتنع الأب من إنكاحها أول ما خطبت إليه وقالت الجارية وهي بالغة زوجني فأنا أحب الرجال ورفعت أمرها إلى السلطان أيكون رد الأب الخاطب الأول إعضالا لها؛ وترى للسلطان أن يزوجها إذا أبى الأب؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى إن عرف عضل الأب إياها وضرورته إياها لذلك؛ ولم يكن منعه ذلك نظرا لها رأيت للسلطان إن قامت الجارية بذلك وطلبت نكاحه أن يزوجها السلطان إذا علم أن الأب إنما هو مضار في رده وليس بناظر لها؛ لأن النبي ﷺ قال: (لاضرر ولاضرار) وإن لم يعرف فيه ضررا لم يهجم السلطان على ابنته في إنكاحها حتى يتبين له الضرر.

قلت: أرأيت البكر إذا رد الأب عنها خاطبا واحدا أو خاطبين وقالت الجارية في أول من خطبها للأب زوجني فإني أريد الرجال وأبى الأب.

أيكون الأب في أول خاطب رد عنها معضلا لها؟  قال: أرى أنه ليس يكره الآباء على إنكاح بناتهم الأبكار إلا أن يكون مضارا أو معضلاً لها؛ فإن عرف ذلك منه وأرادت الجارية النكاح فإن السلطان يقول له إما أن تزوج وإما زوجتها عليك. قلت: وليس في هذا عندك حد في قول مالك في رد الأب عنها الخاطب الواحد أو الاثنين؟ قال: لانعرف من قول مالك في هذا حدا إلا أن تعرف ضرورته وإعضاله[101].

ونخلص مما سبق إلى القول بأن العضل منهي عنه لما روى معقل بن يسار رضي الله عنه قال: زوجتُ أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتـها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنـزل الله تعالى هذه الآية: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)[102].

فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه، الحديث أخرجه البخاري في تفسير سورة البقرة باب (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)…. وفي النكاح باب من قال لا نكاح إلا بولي. وفي الطلاق باب وبعولتهن أحق بردهن في العدة.

وبهذا حرم على الأولياء أن يمنعوا الفتاة من الزواج ممن ترغب فيه إذا كان كفئاً؛ فإذا منعوها انتقلت الولاية من الولي الذي منعها إما إلى ولي أبعد منه على قول. وإما إلى القاضي على قول آخر.

جاء في النوازل الكبرى للمهدي الوزاني: وسئل أبو عبد الله السرقسطي عمن حلف ألا يزوج ابنته البكر هل تنتقل ولايتها للقاضي أو لأقرب أوليائها بعد الأب ويجب استئمارها فأجاب: إن لم يحنث الأب نفسه وامتنع من تزويج ابنته ممن هو كفء لها ووافق على كفاءته ورضيه لابنته وثبت ذلك عند القاضي. ورفعت البنت أمرها إليه فاختلف في من يلي العقد عليها قيل القاضي. وقيل أقرب أوليائها إليها نسبا؛ ولا بد من استئذانها وإذنها بالقول؛ وإن قدم القاضي وليا عقد نكاحها كان صوابا إن شاء الله[103].

وسئل ابن هلال فأجاب: إذا أثبت الخاطب ببينة عادلة أنه كفء للمخطوبة أمر وليها بإنكاحها فإن أبى وعجز عن الدفع في شهود الكفاءة زوجها الشرع منه برضاها.

والكفاءة المعتبرة عند ابن القاسم رحمه الله هي في الحال والمال وهو الذي به الحكم واختلف في الحال ماهو فقيل الجسم أي نفي العيوب عن الجسم بأن يكون سالماً منها. ولا يشترط المساواة في المال بل المقاربة وقيامه بالحقوق والصيانة والله أعلم[104].

يستفاد من أقوال الفقهاء وفتاواهم أنه لا يجوز لولي ولا وصي أن يحرم المرأة من الزواج بكفء أو يعضلها عنه ما دامت أهلا للزواج.

ومن منعها بدون مبرر شرعي مباشر أو بوسائل المكر والاحتيال من أجل انتقام أو تحكم قسري أو لغرض شخصي فإنما يحرم الأفراد والمجتمع من أهداف النكاح الكبرى ويعمل على إشاعة الفاحشة بين المسلمين؛ وهذا ظلم للشخص وظلم للمجتمع. والظلم يجب رفعه ممن يقدر عليه. وذلك القاضي إن كان وإلا فجماعة المسلمين والله أعلم.

وزيادة على ما سبق فإن أمر رسول الله ﷺ بالإسراع في تزويج من لا زوج له ينافي العضل.

وقد وردت أحاديث تنص على تسهيل أمر الزواج اتقاء للفتن التي يمكن أن تحصل إذا عسر الأولياء ظروف النكاح واشترطوا شروطا معجزة على الراغبين فيه.

منها قول الرسول ﷺ فيما أخرجه الإمام الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض). وواضح أن هذا الحديث يأمر بتزويج المرضي دينا وخلقا وأن عدم تزويجه يؤدي إلى الفتنة والفساد.

ودفع ذلك يتأتى بالإسراع بالتزويج وعدم التباطؤ والتأخر فيه حذرا من الوقوع في النهي الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قال له: (يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا آنت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا)[105].

قال المباركفوري: والمعنى أن ثلاثا من المهمات لا تؤخر وهي: الصلاة إذا آنت أي إذا حان وقتها. وصلاة الجنازة إذا حضرت، والأيم وهي من لا زوج لها إذا جاءها الخاطب الكفء أو وجد لها الولي الكفء؛ ولا مفهوم لمجئ الخاطب أو إيجاده من طرف الولي بل إن وجدته هي واختارته فيجب على الولي أن يزوجها ولا يعضلها؛ وهو ما تنص عليه رواية الإمام أحمد لهذا الحديث وهي: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ( ثلاثة يا علي لا تؤخرهن الصلاة إذا آنت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفؤا)[106].

فالإسراع بتزويج الأيامى مطلوب شرعا وإخلال الأولياء بهذا الأمر يحملهم نصيبا من الإثم الذي قد يقع فيه أولئك الأيامى.

والواقع أن تأخير الزواج وتكرار العضل من بعض الأولياء كثيرا ما يوقع في مفاسد خطيرة على الفرد والمجتمع منها:

* احتمال انغماس الأيامى في براثن الرذيلة والفساد . خصوصا الذين يعيشون في هذا المجتمع.

*احتمال فوات فرص الزواج من الأكفاء أو فواتها كليا بسقوط الفتيات في العنوسة التي غالبا ما تكون لها عواقب وخيمة على نفسهن وعلاقتهن بالمجتمع.

*بغض وليها وأسرتها المحيطة بها التي تسببت في عنوستها بكثرة رد خطابها؛  بل ربما تحقد على المجتمع كله. فتسعى في تدميره بدل المساهمة في بنائه[107].

الفصل الثالث:
صور العضل الواقعة في بلاد الغرب ونتائجها

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: صور العضل الممارسة عند المسلمين في الغرب. وفيه ستة مطالب.

  المطلب الأول : عدم إشراك الفتاة في اختيار الزوج المناسب

  المطلب الثاني: عدم إشراك الأم في اختيار زوج ابنتها.

  المطلب الثالث: منع أو تأخير زواج الفتاة طمعا في مالها.

  المطلب الرابع : رغبة الولي تزويج موليته من أحد أقربائه أو من أهل قبيلته.

  المطلب الخامس: فضاضة الولي وغلظ طبعه المؤدي إلى نفور الخطاب.

  المطلب السادس: رغبة الولي في إتمام ابنته دراستها.

المبحث الثاني: نتائج العضل الممارس على البنات في الغرب

المطلب الأول: عدم إشراك الفتاة في اختيار الزوج المناسب.

المطلب الثاني: تزوج بعض الفتيات رغم أنف اوليائهن.

المطلب الثالث: هروب بعض الفتيات إلى ما يعرف بدور الرعاية الاجتماعية.

المطلب الرابع: احتمال فوات فرص الزواج من الأكفاء أو فواتها كليا.

المطلب الخامس: وقوع بعضهن في شباك غير المسلمين.

المطلب السادس: ارتماء بعض الفتيات في براثن الدعارة والفساد.

 


 

المبحث الأول: صور العضل الممارسة عند المسلمين في الغرب، وفيه ستة مطالب:

تمهيد : قد تحدث مظاهر للعضل من طرف الأولياء المقيمين في غير المجتمعات اإسلامية، إضافة إلى المظاهر الذي تحدث لمن يقيم في المجتمعات الإسلامية فتتعدد الصور وتكثر الكوارث، ومن صور العضل الموجودة بين المسلمين المقيمين في هذه الديار.

المطلب الأول: عدم إشراك الفتاة في اختيار الزوج المناسب. 

       مما يؤسف له أنه مما شاع في كثير من المجتمعات اعتبار الولي صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، ولا قيمة لرغبة الفتاة ولا وزن لإرادتها، فهي إما أن تخضع أو تمنع!!

وهذا لا يتوافق مع عدالة التشريع الإسلامي المبني على أساس تحمل المكلف تبعات ما يفعل وما يقول وما يمارس لا يلزم أحدا نتائج ما لم يرتكب وتبعات ما لم يوافق عليه؛ أو وافق عليه تحت إكراه حسي أو معنوي؛ وليس معنى هذا إلغاء مبدأ الولاية في النكاح الذي تقدم الكلام فيه مفصلا؛ ولكن معناه أن الولي يجب عليه أن يحرص على مصلحة موليته،  يحرص أن يضعها في يد من هو كفء لها بقدر ما يحرص على تحقيق بعض مصالحه. فإذا تقدم إليها الرجل المناسب الذي رضيها ورضيته زوجا لها فلا ينبغي للولي أن يمنعها بحجة أنه سيزوجها لابن أخيه أو ابن أخته أو أحد أفراد أسرته الذين ما زالوا في البلد الأصلي من أجل أن يأتي بهم إلى أوربا مثلاً. والفتاة لا تريد واحدا من هؤلاء فيقال لها إما أن تقبلي أو تبقيْ بلا زواج طول عمرك.

وأحيانا يحصل نـزاع بين أب الفتاة وأمها حيث يكون أبوها وعد بها بعض أقربائه وأمها وعدت بعض أقربائها.فتحسم البنت هذا النـزاع فلا تقبل هذا ولا ذاك، تحسم النـزاع حسما مؤلما فتهرب منهما معا وتلوذ بأحد بيوت الرعاية الاجتماعية، أو إلى حيث لا يعلمون، أو إلى بيوت الدعارة.

المطلب الثاني : عدم إشراك أم الفتاة في اختيار زوج ابنتها.

مما لاشك فيه أن اهتمام الأم بابنتها وعطفها عليها قد يتجاوز اهتمام الأب وعطفه أحيانا، ومن هنا راعى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإحساس وهذا التعلق فرغب الآباء في استشارة الأمهات عند الإقدام على تزويج البنات حيث قال فيما أخرجه بعض أهل السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( آمروا النساء في بناتهن ).كما أخرجه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما مع ذكر سبب الحديث قال: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه خطب إلى نسيب له ابنته. قال: فكان هوى أم المرأة في ابن عمر وكان هوى أبيها في يتيم له. قال: فزوجها الأب يتيمه ذلك فجاءت “يعني الأم” إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذالك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( آمروا النساء في بناتهن[108]).

وتعلق هذه الصورة التي هي عدم إشراك أم الفتاة في اختيار الزوج لابنتها بالعضل هي من جهة أن الأم قد تختار لابنتها زوجا ترضاه الأم والبنت، ويختار الأب غيره، فيقول الأب إما أن توافقاني على ما اخترت أو تبقى البنت بلا زواج، يحدث هذا كثيرا وخصوصا إذا كانت الأم مطلقة، حدث مثل هذا الأمر في الماضي فكيف به الآن.

جاء في المدونة: ولقد سألت مالكا امرأة ولها ابنة في حجرها وقد طلق الأمِّ زوجها عن ابنة له منها فأراد الأب أن يزوجها من ابن أخ له فأبت، فأتت الأم إلى مالك فقالت له إن لي ابنة وهي موسرة مرغوب فيها وقد أصدقت صداقا كثيرا فأراد أبوها أن يزوجها من ابن أخ له معدما لا شيء له أفترى أن أتكلم، قال نعم إني لأرى لك في ذلك متكلماً، قال ابن القاسم فأرى أن إنكاح الأب إياها جائز عليها إلا أن يأتي من ذالك ضرر فيمنع من ذلك[109].

المطلب الثالث: تأخير الولي زواج موليته طمعا في مالها.

مما يقع كثيراً في هذه البلاد أن تكون للرجل بنت تتقاضى تعويضات مهمة أو تعمل عملاً ذا مردود جيد، وكل ذلك أو معظمه يقع في يد أبيها ، فيتباطأ في تزويجها لينتفع بدخلها!!

وقد يتقدم إلى خطبتها الكثير من الناس وهو يردهم الواحد بعد الآخر، ولقد عرفت من رد أكثر من عشرين خاطبا. وكان السبب البارز هو هذا الطمع في مال البنت، مع العلم أن البنت ما دامت رشيدة تملك الحرية التامة في التصرف بأموالها دون وصاية عليها من أحد.

وأبواب المعاملات في كتب الفقه تفيض ببيان حقوق التصرف المتنوعة في المملوك لكل من الرجال والنساء، وما دام الأمر كذالك وهو كذلك فلا يجوز للأب أن يرد الرجل المناسب الذي يتقدم لخطبة ابنته حرصا على مال ليس ملكا له، وليس هو محتاجا إليه للنفقة على نفسه بل حبا في الثراء أو في التنعم وما شابه ذلك.

وأمثال هذا الولي لا تصح ولايتهم. فقد أفتى السجلماسي حسب ما نقل عنه الوزاني في النوازل الكبرى بعدم صحة ولاية من يأخذ متاع ابنته ولو تظاهرت بالرضا في أخذ مالها أو تصدقت عليه قال: (وإذا علم من والدها أخذ متاعها لنفسه لم يصح له الولاية عليها شرعاً).

قال الإمام ابن هلال: (صدقة الثيب المولى عليها على أبيها الذي كانت في ولايته مردودة باطلة لا تجوز، ولا ينفذ له منها شيء. وبيس الولي والناظر أبوها المذكور إذ الولي يحفظ مال من في ولايته ويمنعه من إتلافه) [110].

المطلب الرابع: رغبة الولي تزويج موليته من أحد أقربائه أو من أهل قبيلته.

 ومن صور العضل رغبة الولي تزويج موليته من أحد أقربائه أو من أهل قبيلته، وهذه الصورة شائعة بين أبناء الجالية المغربية والتركية المقيمة في هولندا وبلجيكا وألمانيا، وربما يوجد في غيرهما من البلدان. حيث كثيرا ما يُرفَضُ الرجل ولو بلغ في الصلاح ما بلغ، لأنه ليس من الجهة الفلانية ، أوليس من القبيلة الفلانية.وإذا حصل هذا بين أبناء الشعب الواحد فما بالك لو تقدم مسلم من دولة مسلمة أخرى غير دولة البنت فهنا يزداد الأمر تعقيدا، وكأن الناس لم يقرأوا قول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم[111])ولا حاجة بي إلى ضرب الأمثلة فهي أكثر من أن تحصى.

المطلب الخامس: فضاضة الولي وغلظ طبعه المؤدي إلى نفور الخطاب.

ومن صور العضل الذي يؤذي الفتاة غلظ طبع الولي وفضاضة خلقه الذي قد يؤدي أحيانا إلى نفور الخطاب منه، بحيث لا يجرؤ أحد على التقدم إليه خاطباً ابنته بسبب فضاضته وسوء طبعه.

قال في حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع للبهوتي عند قول المتن ممزوجاً بالشرح فإن عضل الولي الأقرب بأن منعها كفؤا رضيته. قال الشيخ: (ومن صور العضل إذا امتنع الخطاب لشدة الولي)[112].

وكم حدث أنني ذهبت مع بعض الشباب إلى بعض الآباء لخطبة بناتهم فكانت المقابلة صعبة وشديدة حتى لكأنك ذهبت إليه محارباً.

فإذا سمع الناس مثل هذا نفروا عن صاحب هذا الطبع ، وأحيانا يكون للرجل عدة بنات ويشاء الله أن يتزوج بعضهن فيعامل الأب زوج ابنته بأسوإ المعاملات حتى يشيع ذلك ويعرف بين الناس فيؤدي ذلك إلى نفور الناس من طلب المصاهرة معه.

المطلب السادس: رغبة الولي في إتمام ابنته دراستها.

ومن المعلوم أن الدراسة مراحل ابتدائية وثانوية وجامعية وقد تطول فترة الدراسة بسبب عدم النجاح في كل سنة دراسية وترغب الفتاة في الاقتران بزوجٍ أولاً ثم محاولة متابعة دراستها.

وهذا في هذه الديار ممكن إذا كانت الرغبة صادقة فيتدخل الأب ويصر على منع البنت من الزواج ما لم تتم دراستها ولو بلغت من العمر ما بلغت، وهذا بلا شك تجنٍّ على الفتاة لأنها قد لا توفق لإتمام دراستها، وقد تنتهي من الدراسة ولا توفق في الحصول على الزوج المناسب.

هذه بعض الصور مما هو شائع بين المسلمين المقيمين في هذه الديار ولا شك أن هذه الممارسات من طرف بعض الأولياء تؤدي إلى نتائج سيئة فما هي النتائج المترتبة على العضل.

المبحث الثاني نتائج العضل الممارس على البنات في الغرب.

تمهيد: إن تأخير الزواج وتكرار العضل من بعض الأولياء يترتب عليه نتائج خطيرة على الفرد وعلى المجتمع، منها:

المطلب الأول: نفور الفتيات من الحضن الأسري.

كثيرا ما لا ينتبه الأولياء لرغبة بناتهم في الزواج، فيندفعون بحب في نظرهم، أو بتطلع لتحقيق غاية لم يستطيعوا تحقيقها في حياتهم، فيرغبون في الوصول إليها عن طريق أبنائهم، بل ربما لم يتوفر الزوج المناسب لوليتهم. فيتعسفون عن شعور ووعي، وغالبا دون شعور ولا وعي منهم، فيؤخرون سن زواج من في ولايتهم، أو يعضلونهن، مما يؤدي إلى نفور الفتاة من الحضن الأسري، وبغضها لوليها وأسرتها المحيطة بها التي تسببت إما في عنوستها بكثرة رد خطابها ، أو في حرمانها من الاقتران الشرعي بمن أحبته واطمأنت إلى سلوكه معتقدة أنه الزوج المناسب لها حسا ومعنى.

المطلب الثاني: تزوج بعض الفتيات رغم أنف اوليائهن.

ومما يؤدي إليه عضل الأولياء تمرد بعض الفتيات عليهم، والارتباط بمن ترغب في الزواج منه، رغم رفض الأولياء لذالك الزواج، وذلك إما عن طريق عقد الزواج العرفي في بعض المساجد عقداً قد لا يكون مستوفياً أركان الزواج وشروطه، وحتى إن استوفاها ما عدا الولي الذي هو عاضل، أو بتولية بعض المسلمين، فهو عقد لا يضمن الكثير من الحقوق المشتركة بين الزوجين سواء في الحياة أو في الممات.

وإما عن طريق العقد المدني في البلدية والاكتفاء بذلك أو الذهاب بعده إلى بعض أئمة المراكز والمساجد لإجراء مراسيم العقد الشرعي للاطمئنان، أو إلى القنصلية لتصحيح هذا العقد، ومهما كانت هذه النتيجة مقبولة شرعا أو مرفوضة، فإن السيء فيها هو تفكك الأسرة وانقسامها بين قابل ورافض، ومؤيد ومعارض، ونظر ناقص من بعض الأهل إلى ابنتهم هذه بأنها زانية وأن أولادها من هذا العقد غير شرعيين، وحتى البنت نفسها ربما ستعيش في المستقبل حياة نفسية معقدة لإحساسها بالنقص حيث أن أهلها لم يحضروا عقد زواجها، وهذا الإحساس عبرت لنا عنه الكثيرات من البنات بعد فوات الوقت.

المطلب الثالث: هروب بعض الفتيات إلى ما يعرف بدور الرعاية الاجتماعية.

 إن من المآسي الكبيرة التي لا تطيقها أية أسرة مسلمة ـ وقد تكون الأسرة أو بعض أفرادها سببا فيها ـ هروب الفتاة من بيت أهلها إلى ما يعرف بدور الرعاية الاجتماعية المنتشرة  في كل مدينة؛ بعضها معروف وبعضها مجهول العنوان، وإذا حصل هذا وقد حصل بالفعل لعشرات إن لم نقل للمئات من البنات المسلمات، فإن خط الرجعة يكون صعبا للغاية حيث تتصور البنت أنها إن عادت إلى أهلها مرة أخرى فمصيرها القتل أو الإهانة الدائمة على الأقل، ومهما حاول المساعدون الاجتماعيون التدخل في مثل هذه الحالة وطمأنة الفتاة إلى ندم أهلها وأن عودتها إليهم ستفتح عهدا جديدا من التعامل، وأنهم سيلبون لها رغبتها فإن نسبة نجاح هذه المحاولات وقبول الفتاة الرجوع إلى دار أهلها، لا تكاد تذكر إذا قيست بغيرها.

المطلب الرابع: احتمال فوات فرص الزواج من الأكفاء أو فواتها كليا.

ومما ينتج عن هذا العضل والتعسف، فوات فرص الزواج من الأكفاء، أو فواتها كليا بسقوط الفتيات في العنوسة التي غالبا ما تكون لها عواقب وخيمة عليهن وعلى علاقتهن بالمجتمع، ومن هذه العواقب اللجوء إلى الشعوذة اعتقادا منهن أن هذه الفتاة مسحورة بسحر صرف الخطاب عنها أو سحر منعها من الزواج طول حياتها.

المطلب الخامس: وقوع بعضهن في شباك غير المسلمين.

وتحت ضغط هذا التعسف، إضافة إلى تأجج الرغبة في الزواج تتطلع الفتاة إلى كل زوج

تقدم إليها، دون التفكير في الكفء منهم وغير الكفء، بل تصل إلى الاستعداد للارتباط بأي زوج سواء كان مسلما أم لا، فتتزوج البنت المسلمة من غير السلم زواجا مدنيا، وقد يبقى على عقيدته ودينه، وقد تؤثر عليه أحيانا فيعلن إسلامه إما حقيقة وإما صورة فقط إرضاءً لها، ثم لا يهمه بعد ذلك من أركان الإسلام ومبادئه أي شيء .

وقد عرض علي من هذه الحالات العشرات في المدينة الواحدة منها ما صحح وقوم والحمد لله، ومنها ما لم  نستطع تقويمه وتصحيحه.

المطلب السادس: ارتماء بعض الفتيات في براثن الدعارة والفساد.

   والنتيجة الأسوأ من كل ما سبق، ارتماء البعض من الفتيات في جريمة الدعارة وبراثن الرذيلة والفساد. وهناك إحصائيات خطيرة، ومعطيات مخجلة عن عدد الفتيات المسلمات اللائي وقعن في هذا المنـزلق.

   هذه النتائج الخطيرة وهذه العواقب السيئة لا تخفى على أحد وهي متفاوتة بين بلد وبلد، والمتفق عليه هو أنه لا يوجد مسلم يقبل بها أو ببعضها أو غيرها مما شابهها. وإذا كان هذا أمراً متفقا عليه ومسلماً من قبل كل مسلم فما هو العلاج لهذه الظاهرة ظاهرة العضل؟  هذا ما نشير إليه باختصار في الفصل الرابع من هذا البحث.

الفصل الرابع:
علاج ظاهرة العضل ودور أئمة المساجد ومسؤولي المراكز الإسلامية في ذلك

 

وفيه مبحثان:

المبحث الأول علاج ظاهرة العضل الواقعة في حياة المسلمين في الغرب، وفيه:

المطلب الأول: ضرورة معرفة الأحكام الشرعية

المطلب الثاني: الاطلاع على قوانين البلد.

المطلب الثالث: الحرص على تجاوز العادات والأعراف.

المبحث الثاني: دور أئمة المساجد والمراكز في علاج هذه الظاهرة:

المطلب الأول: توعية المسلمين بفوائد الالتزام بأحكام الشرع الإسلامي.

المطلب الثاني: تيسير وتسهيل إجراءات الالتزام بالشرع.

المطلب الثالث: ما مدى الصلاحية المتاحة لأئمة المساجد والمراكز في تولي العقد للفتاة في حالة عضلها من طرف الولي؟.

المطلب الرابع والأخير: ألا يمكن أن يقوم إمام المسجد أو المركز مقام القاضي.

 


المبحث الأول: الفصل بين الأحكام الشرعية والعادات والأعراف:

تمهيد: إن علاج ظاهرة عضل الأولياء، وبالتالي هروب الفتيات أو تمردهن أو الوقوع في براثن الفساد وما إلى ذلك يتجلى في اتخاذ التدابير التالية.

المطلب الأول: ضرورة معرفة الأحكام الشرعية.

لقد اختلط في أذهان الناس ومعارفهم الكثير من الأعراف والتقاليد بالأحكام الشرعية، حتى بات الاحتكام إلى العرف هو السائد الغالب، بينما أحكام الشرع واقعة بين الجهل بها، أو رفضها أحيانا إذا لم نستطع القدرة على مواجهة ضغط الأعراف والتمسك بالشرع. وهذا ما يحصل للناس في مجموعة من العلاقات ، ومنها أحكام الزواج، وهو حاصل في جانب الأولياء كما في جانب المولى عليهم.

لذا فإن معرفة الأحكام الشرعية ضرورية للأولياء ومن في ولايتهم، إذ بهذه المعرفة يدرك كل طرف ماله وما عليه فلا يطالب بما ليس له وقد يتنازل عن بعض حقوقه بعد معرفتها، وهذا ما صنعته الفتاة التي زوجها أبوها دون استئمارها فجاءت تشكو ذلك إلى الرسول ﷺ عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( جاءت فتاة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبي زوجني ابن أخيه يرفع بي خسيسته فجعل الأمر إليها. قالت: فإني قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء[113]).

وفي رواية للدارقطني ( ليرفع بي خسيسته ولم يستأمرني فهل لي في نفسي أمر ؟ قال نعم. قالت ما كنت لأرد على أبي شيئا صنعه ولكني أحببت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء[114]).

المطلب الثاني: الاطلاع على قوانين البلد.

إن الإطلاع على قوانين بلد الإقامة وما تتيحه هذه القوانين من حقوق وحماية للفتاة، يُمكِّن صاحبه من التصرف العقلي السليم حيث إن قوانين بلد الإقامة منها ما هو متفق مع أحكام الشريعة، ومنها مالا يتعارض مع الشريعة، ومنها ما يمكن تكييفه تكييفا شرعيا، ومنها مالا يتفق مع الشريعة بحال.

فإذا عرف الإنسان المقبول وغير المقبول ساعدته هذه المعرفة على التأني وأخذ الأمور بالحكمة فلا يخسر ابنته ولا يخسر دينه.

ذلك أنه توجد قوانين تحمي الأبناء من آبائهم، وقد تعاقب الآباء إن تصرفوا تصرفا يخالف رغبة أبنائهم، بل ولو كانت تلك الرغبات أهواء محضة وضارة لهم في بعض الأحيان، انطلاقا من مبادئ الحرية السائدة في المجتمعات الغربية.

لذا يحسن بالمسلمين معرفة هذه القوانين، والحرص على تربية أبنائهم على المبادئ الدينية التي هي خير للإنسان، وإن خالفت أهواءه ونوازعه وشهواته، والاهتمام بهذا الأمر ضعيف في أغلب البيئات الإسلامية، نظرا لجهل الآباء أنفسهم بالشرع الإسلامي.

المطلب الثالث: الحرص على تجاوز العادات والأعراف.

إن الكثير من الممارسات السائدة بين الناس في مراسيم الخطبة والزواج وحفلات الزفاف تقاليد وأعراف موروثة خلفا عن سلف، لا تجد لها سنداً من الشرع، بل قد تخالف الشرع كلياً، سواء كانت هذه العادات لها علاقة بالخطبة أو بالصداق الذي جرت عادة بعض الناس أن يغالوا فيه مغالاة تنفر الشباب من الإقبال على خطبة هذه الفتاة. أو بحفل الزواج الذي أصبح من أوله إلى آخره إلا عند القليل من الناس لا يتفق مع آداب الشرع في قليل ولا كثير.

ومن العادات التي يجب الحرص على تجاوزها أن يكون للأب بنتان أو عدة بنات فيرفض أن يزوج أي بنت إلا بعد أن تتزوج البنت الأكبر منها.

فإذا لم تتزوج الكبرى فلا طمع لمن يصغرها في الزواج، وهكذا حتى يحرم جميعهن من الزواج، وتقع المسؤولية الكبيرة في هذا الأمر على عاتق أئمة المساجد والمراكز والمصلحين الاجتماعيين. وهذا هو المبحث الثاني.

المبحث الثاني: دور أئمة المساجد والمراكز في علاج هذه الظاهرة

يتمثل دور الأئمة والمصلحين في المطالب التالية:

المطلب الأول: توعية المسلمين بفوائد الالتزام بأحكام الشرع الإسلامي:

إن توعية المسلمين ذكورا وإناثا، آباء وأبناء، بفوائد الالتزام بمباديء الشريعة الإسلامية عموماً، وفي بناء الأسرة والبيت المسلم خصوصا، له دور فعال في التخفيف من هذه الظواهر التي غالبا ما ترتكب لجهل الناس بتلك المبادئ وفوائدها. ويكون ذلك بإقامة حلقات أو دورات تعليمية تخصص لهذا الجانب الذي إن صلح صلح المجتمع المسلم وإن فسد فسد .

والملاحظ وخصوصاً في البلد الذي أقيم فيه أن هذا الجانب يكاد يكون مهملا عند الأئمة سواء في الخطب أو في الدروس، أما الدورات فلا تكاد تذكر.

وهذا بلا شك يتطلب منا أن ننبه إخواننا إلى الاعتناء بموضوع الأسرة وضرر إهماله أو التقصير فيه كما يوجب علينا أن نعد نموذجا ميسرا يتناول أهم القضايا الأسرية للمسلمين في هذا الديار.

صحيح أن الكتابات في هذا كثيرة ولكنها لكثرتها لايعرف الإنسان ما يأخذ منها وما يدع ، وما يقدم وما يؤخر، ولعل بعض المشايخ الأفاضل في هذا المجلس يتفضل بإعداد ذلك أو يمدنا بما عنده إن كان معدا.

المطلب الثاني: تيسير وتسهيل إجراءات الالتزام بالشرع:

 قد يرغب أغلب المسلمين في الالتزام بأحكام الشرع، لكنه لا يجد اليد المساعدة على ذلك، نظرا لجهله، ولعدم وجود جهة تتولى تبسيط تلك الإجراآت. ففي عقود الزواج مثلا، يحسن تبسيط مساطرها، وتسهيل إجراءاتها، بشكل لاتضيع معه الحقوق، وذلك بأن يتشدد الإنسان في المتفق عليه من الأركان والشروط ويتساهل إذا اقتضى الأمر التساهل في المختلف فيه، ويتحرر ما أمكنه ذلك من ثقل العادات والتقاليد والأعراف، إرضاء لربه من جهة وتسهيلا عليه من جهة ثانية.

المطلب الثالث: ما مدى الصلاحية المتاحة لأئمة المساجد والمراكز في تولي العقد للفتاة في حالة عضلها من طرف الولي؟:

قد قدمنا أنه إذا ثبت عضل  الأب لابنته ومنعها من الزواج بكفء خطبها أو اختارته بنفسها، فإن الولاية تسحب من الأب وتنتقل إلى القاضي أو إلى أقرب أوليائها إليها نسبا، وهذا في بلاد المسلمين أمر واضح وميسور ولا كلام لنا فيه، والكلام إنما هو بالنسبة للمسلمين المقيمين في غير بلاد الإسلام، فما العمل وما هو الحل لهذه المعضلة الكثيرة الوقوع ؟.

الواقع أن تصرفات الأئمة تختلف: فمنهم من هو متساهل إلى أبعد الحدود، بحيث مهما جاءته فتاة وشاب يرغبان في الزواج وتدعي الفتاة أن أباها لا يقبل أن يزوجها من هذا الشاب وهي راغبة فيه يعقد لهما، ولا يكلف نفسه الاتصال بهذا الأب ولو لمجرد سؤاله عن حقيقة الأمر، ومنهم من يرفض التدخل في هذا الأمر بأي وجه من الوجوه ، ومنهم من يتصرف تصرفا سليما في نظري، وهذا ما يقوم به كثير من الإخوة الأئمة الذين نتعاون معهم، وهذا التصرف هو كالتالي:

نتصل بولي الفتاة ونحاوره ونبين له أن من الخير له أن يوافق على زواج ابنته وخصوصا في مثل هذا المجتمع، فإن اقتنع فذاك، وإن لم يقتنع وأصر على المنع، فإن كانت الفتاة من بلد إسلامي له سفارة وقنصلية في بلد الإقامة ويوجد في السفارة قاض وفي القنصلية عدول موثقون، ننصح الفتاة برفع أمرها إلى القاضي، وهو بدوره يقوم بدعوة وليها ليعرف منه سبب العضل، فإن لم يجد سببا وجيها أعطى الإذن بالزواج، والمهم أن القاضي لا يترك الأمر حتى يجد له حلا مناسبا. وإن كانت الفتاة من بلد إسلامي ليس لديه سفارة ولا قنصلية، أو لديه ولكنها لا تهتم بهذا الأمر، فإننا نركز وبإلحاح على إقناع الولي الأقرب، فإن لم يرض فمن بعده، فإن لم يوجد ننصح الفتاة بعقد الزواج أولا عند البلدية عقدا مدنيا، ثم تأتي إلى المسجد وتولي أمرها أحد المسلمين فيعقد لها العقد الشرعي، وعلى ذكر العقد المدني نحن في كل الأحوال لا نجري العقد في المسجد إلا بعد العقد المدني، حرصا منا على ضمان حقوق الطرفين.

المطلب الرابع والأخير: ألا يمكن أن يقوم إمام المسجد أو المركز مقام القاضي:

 في حالة العضل ولا حاجة إلى كل ما سبق ذكره؟ أظن أن الجواب واضح ، وهو أن الإمام ليس بيده حل ولا عقد، وليس مخولا بالنظر في الخصومات، والحكم في المنازعات، فكيف يقوم مقام القاضي؟.

ومن الأمثلة التي تبين ذلك أن بعض النساء عقدن زواجهن بتولية بعض الأئمة، وبعد الزواج حصل الشقاق بين الزوجين فجاءت المرأة تطلب الحل فقال: أنا لست قاضياً، اذهبي إلى القاضي، فكيف يقوم مقام القاضي في العقد ولا يقوم مقامه في الحل !؟

    نعم، يمكن أن ينصح، ويقرب وجهات النظر، ويفتي بما يناسب لحل المعضلة القائمة، لكن يوجد حل انسب من هذا في نظري، وياليت المسلمين يتنبهون له ، وهو تأسيس مجامع وتنظيمات “مجالس تحكيمية” تتولى هذا الأمر بالاتفاق مع سلطات البلد، حتى تكتسب قوتها من قانون البلد، فتتدخل هذه المجالس لحل هذه النزاعات وفق الشرع الإسلامي، ويتولى القضاء المدني تنفيذ تلك الأحكام على الرافض لها. وقد عالج هذا المجلس الموقر موضوع الاحتكام وما له من فوائد في إلزام الناس بشرع الله، في دورة سابقة، كما تدارسه مجمع الفقه الإسلامي بجدة في بعض ملتقياته السابقة، وهو أمر مسموح به شرعا، فلمَ لا يكون حلا لهذه المعضلات ريثما يتهيأ حل نهائي لمعضلات الملايين من المسلمين المقيمين في غير المجتمعات المسلمة.

 


الخاتمة

وبعد هذه الإطلالة الموجزة في الحقيقة على أحكام ولاية الزواج، وما يتعلق بذلك من العضل وصوره ومظاهره، وخطورة تجاوز أحكام الشرع من قبل عموم الناس، فإني أرجو أن يكون هذا البحث نافعاً، وأن يسد ثغرة في بابه، خاصة في معالجة أوضاع الجالية المسلمة في البلاد غير الإسلامية.

كما أني أتوجه بالشكر إلى الأساتذة الفضلاء في هذا المجلس الموقر، راجياً منهم إبداء ملاحظاتهم حول هذا البحث، فإنه جهد بشري، وكل جهد بشري معرض للنقص أو النقد، والله سبحانه هو المقصود، وليس لنا إلى غير الله حاجة ولا مطلب .. والحمد لله رب العالمين …

 


[1]  ـ انظر : لسان العرب،  والمعجم الوسيط  مادة “ولي” والكليات لأبي البقاء ص 940.

[2] ـ انظر: التعريفات للجرجاني ص 329.

[3] ـ انظر: المفصل في أحكام الأسرة والبيت عبد الكريم زيدان 6/339مؤسسة الرسالة.

[4] ـ نفس المصدر والجزء والصفحة.

[5] ـ انظر: الأحوال الشخصية للدكتور أحمد الحجي الكردي. ص72 الطبعة السابعة منشورات جامعة دمشق

[6] ـ انظر: أنيس الفقهاء للشيخ قاسم القونوي. ص 148 دار الوفاء للنشر والتوزيع السعودية جدة.

[7] ـ انظر:  شرح حدود ابن عرفة للرصاع. ص 218 طبع وزارة الأقاف المغربية  1412 – 1992

[8] ـ من كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمان الدمشقي العثماني. ص 212، طبعة دار الكتب العلمية

[9]  ـ انظر : متخصر الشيخ خليل 1/110.

[10]  ـ انظر : منهاج الطالبين 1/96

[11] ـ انظر: بدائع الصانع للكاساني. المجلد الثاني ص 209 فما بعدها

[12]  ـ وهذه المرتبة من الولاية لم يعد لها وجود فلا حاجة إلى التوقف عندها .

[13] ـ انظر:  المغني والشرح الكبير. المجلد السابع ص 346 فما بعدها. دار الفكر.

[14]  ـ انظر : التاج والإكليل ، شرح مختصر خليل لأبي عبد الله محمد بن يوسف العبدري 5/211.

[15]  ـ انظر : المهذب للشيرازي 2/39 .

[16]  ـ انظر : بدائع الصنائع للكاساني 2/252.

[17] ـ أخرجه الترمذي في سننه 2/288 عن سمرة بن جندب وحسنه. وبنحوه أخرجه أبو داوود في سننه 2/230، والبغوي في شرح السنة 9/ 56 ، وقال هذا حديث حسن.

[18]  ـ رسالة دكتوراة تحقيق الدكتور أحمد البوشيخي، والكتاب  هو : “تهذيب السالك في نصرة مذهب مالك” لأبي الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي 4/30

[19] ـ سورة الأنفال. الآية 73

[20] ـ انتهى ملخصا من الفقه المالكي وأدلته للحبيب بن طاهر3/226 و 227 مؤسسة المعارف بيروت لبنان.

[21]  ـ انظر: منهاج الطالبين للنووي 1/96.

[22] ـ انتهى ملخصا من كتاب المغني المجلد السابع صفحات 355 و356 و 357.

[23] ـ انظر : بدائع الصنائع 2/239 .

[24] ـ  سورة الأنفال، الآية 73.

[25] ـ انتهى باختصار شديد من بدائع الصنائع. المجلد الثاني، الصفحات 239 و 240.

[26] ـ  انظر: بدائع الصنائع. المجلد الثاني، صفحة 245.

[27] ـ انظر: الأحوال الشخصية. لأحمد الحجي الكردي. صفحة 78

[28] ـ انظر: السنن الكبرى للبيهقي 7 /124 رقم 134

[29] ـ انظر سنن الدارقطني  3 / 212 والسنن الكبرى للبيهقي 7/124 وتلخيص الجير 3/126 رقم 1512

[30] ـ انتهى من كتاب فقه الأسرة المسلمة في المهاجر للدكتور محمد الكدي العمراني . المجلد الأول ، صفحة 314.

[31] ـ انتهى باختصار من كتاب: المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية. للدكتور عبد الكريم زيدان 6 /352 و 353.

[32]  ـ انظر: كتاب الهداية في تخريج أحاديث البداية. لأبي الفيض أحمد بن الصديق الغماري 6/ 370-371

[33]  ـ انظر : المغني لابن قدامة المقدسي 5/ 222 درار الحديث.

[34]  ـ أخرجه أبو داود 2/229 والترمذي وقال:”حديث حسن”3/407 وابن ماجة 1/605 والإمام احمد 6/47 .

[35]  ـ انظر: الهداية في تخريج احاديث البداية 6/271ـ385.

[36]  ـ انظر : شرح النووي على مسلم 5/222

[37] ـ انظرالجزء الثالث من الكتاب، ص 207-209

[38] ـ سورة  البقرة آية  221

[39] ـ سورة البقرة آية 232

[40]  ـ أخرجه البخاري في النكاح، باب من قال: لا نكاح إلا بولي.

6 ـ انظر: الإشراف 2/89 و المنتقى 3/268 و المقدمات 1/472 وبداية المجتهد 2/11 و تقييد التهذيب 2/71 والعارضة 5/13

[42]  ـ سورة  القصص: 27

[43]  ـ انظر: أحكام ابن العربي 3/1476

[44]  ـ سورة النور: 32.

[45]  ـ المقدمات 1/47 و الذخيرة 4/201

[46]  ـ انظر:  الإشراف 2/61 و 77 و 89 ، الذخيرة 4/203

[47]  ـ أخرجه أبو داود في النكاح، باب الولي، و الترمذي في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، و ابن ماجة في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.

[48]  ـ انظر: مفتاح الوصول ص 23.

[49]  ـ انظر: أخرجه مالك في النكاح، باب استئذان البكر و الأيم في أنفسهما، و مسلم في النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح

[50]  ـ انظر: المعلم 2/142 و المقدمات 1/472 و إحكام الفصول ص 747 و الذخيرة 4/216

[51]  ـ أخرجه ابن ماجة في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.

[52]  ـ أخرجه النسائي في النكاح، باب إنكاح إلابن أمه

[53]  ـ سبق تخريجه

[54]  ـ انظر: المتقى 3/267

[55]  ـ انظر: القبس 2/289

[56]  ـ انظر: المعلم 2/145 و الإشراف 2/90 و الذخيرة 4/201

[57]  ـ دراسة أنجزها على الواقع الألماني نال بها درجة الدكتوراة من جامعة  سنة

[58]  ـ انظر أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في دار الغرب : ص 249

[59]  ـ نفس المصدر ص: 249 و250.

[60]  ـ انظر: قرارات وفتاوى المجلس الوروبي فلإفتاء المجموعة الثانية  ص 121-124

[61]  ـ حديث صحيح: أخرجه أحمد (رقم: 2469)  و أبو داود (رقم: 2096) و النسائي في “السنن الكبرى (رقم: 5387) و ابن ماجة (رقم: 1875) من حديث عبد الله بن عباس و صححه ابن القطان و ابن حزم وقواه  الخطيب البغدادي و ابن القيم و ابن حجر.

[62]  ـ  متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 3843، 6567، 6569) وسملم (رقم: 1419) من حديث أبي هريرة. و الأيم: الثيب، وهي التي سبق زواجها.

[63]  ـ أخرجه مسلم في “صحيحه” (رقم:1421/68)، البيهقي في “السنن الكبرى” (7/115) من حديث ابن عباس، و هذا في أحد ألفاظ حديثه.

[64] ـ  سورة الروم آية 21.

[65]  ـ أخرجه أحمد (6/47، 66، 165) و أبو داود (رقم: 2083) و الترمذي (رقم: 1102) و ابن ماجة (رقم: 1879) من حديث عائشة و حسنه الترمذي و صححه ابن حبان (رقم: 4074) و الحاكم (2/168)

[66]  ـ أخرجه أحمد (19518، 19710، 19746) و أبو داود (رقم: 2085) و الترمذي (رقم:1101) و ابن ماجة (رقم: 1881) من حديث أبي موسى الأشعري. و صححه علي بن المديني شيخ البخاري، و قواه البخاري و الترمذي و الحاكم و البيهقي و غيرهم.

[67] ـ أخرجه مالك في “الموطأ” (رقم:1493) و أحمد (رقم: 1888 ومواضع أخرى) ومسلم (رقم:1421) و أبو داود (2098) و الترمذي (رقم: 1108) و النسائي (6/84-85) و ابن ماجة (رقم: 1870) من حديث ابن عباس.

[68]  ـ أخرجه  البخاري في “الكنى” (ص:26) و الترمذي (رقم:1085) و آخرون من حديث أبي حاتم المزني. و حسنه الترمذي. و عامة الرواة يذكره بلفظ (و فساد عريض) بدل (كبير) إلا ما ورد في بعض شواهد الحديث.

[69]  ـ انظر: لسان العرب مادة جبر، وا لمصباح المنير مادة جبر.

[70] ـ. نقلا عن فقه الأسرة المسلمة في المهاجر الدكتور محمد العمراني المجلد الأول ص 325 .

[71]  ـ انظر: المصباح المنير مادة “كره” ص : 203 .والمعجم الوسيط ص: 785.

[72]  ـ انظر : المبسوط للسرخسي 24/38

[73] ـ انظر: الإكراه وأثره في التصرفات للدكتور عيسى زكي عيسى محمد شقره ص 40_41

[74]  ـ نفس المصدر والصفحة.

[75]  – نقلاً عن فقه الأسرة المسلمة في المهاجر، للدكتور محمد الكدي العمراني، ج1 ص 326.

[76]  ـ انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، ج2 ص 223-224، دار الفكر.

[77]  ـ انظر:منهاج الطالبين للإمام النووي بشرح جلال الدين المحلي، وحاشية قليوبي وعميرة، ج3 ص 222-223.

[78]  ـ انظر: الروض المربع شرح زاد المستنقع 3/70ـ71.

[79]  ـ انظر : المغني والشرح الكبير 7/382

[80] ـ نقلا عن فقه الأسرة للدكتور العمراني، 1/382.

[81] ـ انظر: فقه الأسرة للدكتور العمراني نقلا عن موسوعة الإجماع لسعدي أبو جيب 2/1068،1069

[82] ـ انظر الهداية في تخريج أحاديث البداية لأحمد بن الصديق الغماري المجلد 6- ص 362 ـ 367.

[83] ـ انظر:  فتاوى النساء لابن تميمة دراسة وتحقيق وتعليق إبراهيم محمد الجمل ص 21

[84] ـ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب النكاح باب 41- وباب 42  ج التاسع ص 232 فما بعدها عن الطبعة التي حقق  أصلها عبد العزيز بن باز ورقم كتابها وأبوابها وأحاديثها محمد فؤاد عبد الباقي دار الحديث القاهرة

[85] ـ انظر زاد المعاد المجلد الثاني ج الرابع ص 2-3 الطبعة الثانية 2 و 13 ه 72و 1م دار الفكر

[86]  ـ انظر : الجوهر النقي 7 / 114.

[87] ـ  انظر: شرح السنة للبغوي ج التاسع حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه شعيب الأرناؤوط. المكتب الإسلامي.

[88] انظر: الروضة الندية شرح الدرر البهية ج 2 ص 5 دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان.

[89] ـ انظر: النوازل الكبرى للمهدي الوزاني   3 / 237.

[90] ـ  سورة البقرة آية  232، وانظر لسان العرب مادة”عضل”.

[91] ـ انظر: المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم عبد الكريم زيدان 62 ص360

[92]  ـ انظر: أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي 1/201. طبعة دار الفكر.

[93] ـ انظر: شرح السنة للبغوي 7/45.

[94]  ـ أخرجه الترمذي في السنن 5/216 والبيهقي في السنن الكبرى 7/130

[95] ـ انظر : المغني والشرح الكبير 7/” 368-369″  دار الفكر

[96]  ـ انظر : النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني 4/388.

[97] ـ  انظر : بداية المجتهد 6/ “391-392”

[98]  ـ انظر : النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني 4/388

[99] ـ انظر: حاشية فليوبي وعميرة 3/225.

 2 ـ نقلا عن المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم لعبد الكريم زيدان بتصرف

[100]  ـ نقلا عن المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم لعبد الكريم زيدان بتصرف

[101] ـ انظر : المدونة الكبرى للإمام مالك رواية سحنون عن ابن القاسم ج 2 ص 145 دار الفكر.

[102] ـ سورة البقرة آية .232

[103] ـ انظر: النوازل الكبرى 3 /242

[104] ـ انظر: المصدر السابق 3/250.

[105]  (أخرجه الترمذي 1/320 رقم 171 ) (وأبو داود 1/632 رقم 1967) ( والحاكم 2/176 رقم2686).

[106] ـ أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/205رقم828

[107] ـ كتاب فقه الأسرة المسلمة في المهاجر للدكتور العمراني ج الأول ص349-350

[108]  ـ انظر: مسند الإمام أحمد  2/34  رقم 4905.

[109] ـ انظر : المدونة الكبرى 2/140 دار الفكر

[110] ـ انظر: النوازل الكبرى للمهدي الوزاني ج3 ص512

[111]  ـ سورة الحجرات آية 12.

[112] حاشية الروض المربع ج3 ص73-74 الناشر مكتبة الرياض الحديثة

[113]  (أخرجه الإمام أحمد 6/136 رقم25087) (وابن ماجه 1/602 رقم1874) (والنسائي في السنن الكبرى 3/ 284رقم5390) (والدارقطني 3/232 رقم45)

[114] ـ أخرجه الدرقطاني في سننه 3/233 رقم47

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق