البحوث

تطبيقات الوكالة والفُضالة والمرابحة العكسية في البنوك الاسلامية

تطبيقات

 الوكالة والفُضالة ، والمرابحة العكسية في البنوك الاسلامية

“دراسة فقهية ومقاصدية”

بقلم:

أ . د . علي محيي الدين القره داغي

أستاذ بكلية الشريعة  بجامعة قطر

والحائز على جائزة الدولة ، والخبير بالمجامع الفقهية

وعضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

ورئيس لعدد من الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية

بحث مقدم

للدورة الثامنة عشرة للمجلس – باريس

جمادى الثانية – رجب 1429 هـ / يوليو 2008م


 

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد…

فإن البنوك الإسلامية تمر اليوم بحالتين أساسيتين :

إحداهما : حالة الازدهار والنماء والتمدد الكميّ من حيث عدد البنوك التي زادت إلى اربعمائة بنك ، والفروع التابعة للبنوك التقليدية التي لا تعدّ ولا تحصى ، إضافة إلى مئات الصناديق والمحافظ الاستثمارية ، ومن حيث زيادة الأموال المستثمرة التي بدأت البنوك الاسلامية بخمسين مليون درهم إماراتي من خلال أول بنك إسلامي في دبي عام 1975م ووصلت الآن إلى أكثر من اربعمائة مليار دولار .

الحالة الثانية : حالة القلق والخوف أو الاتفاق من قبل المخلصين لها بسبب عدم وجود تطور ملحوظ في آلياتها وعقودها ، بل حالة التراجع لدى بعض البنوك الاسلامية أو الفروع التابعة للبنوك التقليدية ، حيث بدأت هذه البنوك بالمرابحات ، وأجيزت المرابحات الدولية ـ مع أنها لا تحقق أية فائدة للأمة ، بل تفيد مجموعة من الوسطاء والبنوك الغربية ، ناهيك عن أنها تتعامل في الأوراق وليس تعاملاً في الأسواق ـ ، باعتبارها ضرورة ، او حاجة ملحة تحتاج إليها البنوك الاسلامية في بدايتها لتحقيق السيولة المطلوبة ، ولا سيما أنها كانت عدداً محدوداً ، وإذ بهذه البنوك أو الفروع بدل أن تتجه نحو الاستثمار الحقيقي والتنمية ترتد نحو الوراء ، فتقر التورق المصرفي المنتظم عن طريق المرابحات الدولية ، فعلى سبيل المثال لدينا في قطر فرع إسلامي لأحد البنوك التقليدية لا يعمل سوى التورق المصرفي المنتظم عن طريق المرابحات الدولية ، فإذا ذهب عميل إليه لبناء مبنى ، أو شراء سيارة ، أو أية بضاعة ، يقول له الموظف المختص : بعد مسألة الائتمان المصرفي والضمانات ، لا حاجة لنا في هذه المعاملات ، ولكن وقع لنا على هذه الأوراق ، وارجع لنا غداً ، أوبعد ساعتين فتجد ما أرَدْتَهُ في حسابك الخاص ، فيوقع العميل ويأتي في الموعد المحدد فيجد في حسابه المبلغ المطلوب وهو أصبح مديناً بالمبلغ وفوائده إضافة إلى مصاريف عملية التورق .

  علماً بأن هذا الفرع لا يحتاج إلاّ إلى عدد قليل جداً من الموظفين ، فليس بحاجة إلى موظفين للمعاينة ، والبيع والشراء ، ولا موظفين لتقييم العقارات أو نحوها ، بل ليس لديه حتى المدقق الشرعي الداخلي ، ولكن له هيئة شرعية أصدرت له فتوى واحدة أغنتهم عن أي فتوى .

  هذه حالة واحدة من المشاكل التي بدأ الناس يتحدثون عنها ، ويعممونها على البنوك الجيدة  فيقولون : لا فرق بين البنوك الاسلامية والبنوك التقليدية إلاّ زيادة الفوائد وبعض الاجراءات الشكلية ، على الرغم من أن معظم البنوك الاسلامية ـ والحمد لله ـ لا زالت ملتزمة ، وهنا علت أصوات المخلصين من العلماء ومن الرعيل الأول من المستثمرين الاسلاميين الذين عايشوا التجربة بكل تفاصيلها خوفاً وإشفاقاً وحلاً وعلاجاً …

  فهذه الحالة الأخيرة السلبية مع الحالة الأولى الايجابية تستدعيان عقد الندوات ، بل المؤتمرات لحل هذه المعضلة .

  ومن هنا تأتي مبادرة الأمانة العامة للهيئة الشرعية الموحدة مشكورة لتكون تطبيقات العقود الشرعية في البنوك الاسلامية أحد موضوعات الندوة التاسعة والعشرين لمجموعة البركة المصرفية لهذا العام 1428هـ ، ليناقش العلماء في الشهر الفضيل في صفاء ونقاء ورحانيات عالية هذه التطبيقات لاقرار ما هو صالح للتطبيق  ومتفق مع مقاصد الشرعية والأهداف العليا التي وضعت للبنوك الاسلامية .

  وكلنا أمل في توفيق الله تعالى لهذه الثلة المباركة من العلماء أن يقوموا بترشيد أعمال البنوك الاسلامية نحو ما يصبو إليه ديننا الحنيف ، ونحو ما يجعلها انموذجاً يحتذى به ، ويقطعون بذلك ألسنة المشككين في جدوى البنوك الاسلامية ، والفرق بينها وبين البنوك الربوية ، ويضعوا حدّاً لاستغلال اسم البنوك الاسلامية من قبل من لا يؤمن بها أساساً .

  وكان من نصيبي من هذا التشريف أن كلفتني الأمانة العامة ببحث ( تطبيقات الوكالة والفضالة والمرابحة العكسية ) ، وقد جاء في خطاب التكليف ما يأتي : ( لا يخفى دور الوكالة في العمل المصرفي الاسلامي ، باعتبارها قسيماً للمضاربة في تلقي المؤسسات المالية الاسلامية للأموال ، وهي أيضاً وراء معظم الخدمات التي تقدمها المصارف ، فضلاً عن أنها تمكن المؤسسات المالية من القيام بإبرام العقود عن المتعاملين أو تكليفهم بذلك عند الحاجة .

ومن الأمور التي يؤمل أن يتناولها البحث في الموضوع :

أ ـ تحديد أجرة لوكالة بمبلغ أو بنسبة من المبلغ الموكل باستثماره أو بتقديم الخدمة بشأن .

ب ـ منج حافز للوكيل ـ بالاضافة إلى أجرته ـ بإعطائه بعض أو كل الربح الزائد عن نسبة معينة .

ج ـ الوكالة بالمرابحة التي يكون فيها المتعامل موكلاً للبنك المشتري بالمرابحة (المرابحة العكسية)

د ـ الوكالة بالاستثمار بالمرابحة بربح لا يقل عن نسبة معينة وما يستحقه الموكل من الربح عن المخالفة .

مع أي تطبيقات أخرى للوكالة مما لم يشتمل عليه المعيار الشرعية للوكالة الصادر عن هيئة المحاسبة AAOIFI ).

  ونحن نقسم هذه الموضوعات إلى ثلاثة أقسام ، نتحدث في القسم الأول عن الوكالة في الفقه الاسلامية والقانون الوضعي وخصائصها بإيجاز شديد ، لننطلق مباشرة إلى تطبيقات الوكالة في بعض البنوك الاسلامية مركزين على النقاط الأربع المذكورة في  خطاب التكليف .

  وأما القسم الثاني فيخصص للفضالة ، وما يجري تطبيقها في البنوك الاسلامية ، ولا سيما في الاعتمادات المستندية الخارجية .

  وبالتالي فيكون القسم الثالث مخصصاً للمرابحة العكسية التي ظهرت جديداً وكيفية تطبيقها في بعض البنوك الاسلامية .

    والله أسأل أن يوفقنا جميعاً فيما نصبو إليه ، وأن يكتب لنا التوفيق في شؤوننا كلها ، والعصمة من الخطأ والخطيئة في عقيدتنا ، والاخلاص في أقوالنا وأفعالنا ، والقبول بفضله ومنّه لبضاعتنا المزجاة ، والعفو عن تقصيرنا ، والمغفرة لزلاتنا ،  إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .

                                                                            كتبه الفقير إلى ربه:

                                                                        علي محيي الدين القره داغي 

                                                                  “الدوحة” رجب الخير 1428هـ


القسم الأول : الوكالة وتطبيقاتها :

 المبحث الأول:

التعريف بالوكالة في الفقه الاسلامي ، والقانون ، وبيان بعض خصائصها بإيجاز شديد

 التعريف بالوكالة :

الوكالة : لغة : ـ بالفتح والكسر ـ له معان كثيرة ، منها الحفظ ، والتفويض[1] .

وقد تكررت مشتقات الوكالة في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ، كثيراً بالمعاني السابقة ، قال الأصفهاني : ( التوكيل أن تعتمد على غيرك ، وتجعله نائباً عنك ، والوكيل فعيل بمعنى الفعول، قال تعالى : ( وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)[2] أي اكتف به أن يتولى أمرك…. وربما فسر الوكيل بالكفيل ، والكفيل أعمّ … )[3].

وفي الاصطلاح الفقهي : عرفت عدة تعريفات ، نختار منها ، أنها : عقد يتم فيه تفويض شخص مالَهُ فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته[4] .

الفرق بينها وبين المصطلحات الغربية :

والوكالة تحتلف عن النيابة عند بعض الفقهاء حيث إنها أعمّ من الوكالة ، ومترادفان لدى البعض[5] .

وتختلف كذلك عن الولاية التي هي نيابة شرعية ، أو إجبارية لتنفيذ القول على الغير شاء أم أبى ، في حين أن الوكالة نيابة اتفاقية[6] .

وكذلك تختلف عن الايصاء الذي هو إنابة في التصرف بعد الموت[7] ، في حين أن الوكالة إنابة خاصة بحالة الحياة .

مشروعية الوكالة :

أجمع الفقهاء على مشروعية الوكالة معتمدين على الكتاب والسنة الصحيحة[8] .

أركان الوكالة :

  للوكالة عند الجمهور ثلاثة أركان، وهي: العاقدان (الموكل والوكيل)، والمعقود عليه (محل الوكالة)، والصيغة ( الايجاب والقبول)، وعند الحنفية أنها الصيغة فقط[9] .

  ومن الجدير بالذكر هنا أن صيغة العقد لا يشترط أن تكون منجزة ، بل تصح بالمعلقة على شرط عند الحنفية ، والحنابلة على الصحيح ، والشافعية في مقابل الأصح[10] والاضافة إلى الزمن المستقبل مثل : (وكلتك على أن تبيع داري في شهر رمضان) ، عند الجمهور : (الحنفية ، والحنابلة مطلقاً ، والشافعية إذا كانت الوكالة منجزة ولكن يعلق التصرف على المستقبل )[11] .

طبيعة عقد الوكالة :

  • ان عقد الوكالة لدى الفقهاء من العقود الرضائية ، ولا يحتاج إلى وضعها في أي شكل ، ولذلك يصح باللفظ والكتابة ونحوهما ، ولا يشترط لصحته الكتابة مطلقاً [12].
  • ان الأصل في عقد الوكالة هو التبرع ، ولذلك إذا اتفقا على الأجر وجب الأجر اتفاقاً ، وأما إذا لم ينص في العقد على الأجر فلا أجر للوكيل عند الجمهور[13] ، ولكن متأخري الحنفية استثنوا منه من كان من أصحاب المهن الذين يعملون بالأجر مثل : السمسار ، حيث يكون له أجر المثل ، فقد نصت المادة (1467) من مجلة الأحكام العدلية على أنه : (إذا اشترطت الأجرة في الوكالة وأوفاها الوكيل استحق الأجرة ، وإن لم يشترط ، ولم يكون الوكيل ممن يخدم بالأجرة كان متبرعاً ، وليس له أن يطالب بالأجرة ) .

وفي حالة وجود الأجرة يجب أن تكون الأجرة معلومة المقدار ، وأن لا تكون جزءاً من الموكل به عند جماعة من الفقهاء منهم الشافعية ، وإلاّ فسدت واستحق الوكيل أجر المثل . وأن يكون العمل الموكل به معلوماً أيضاً [14].

  • ان عقد الوكالة ـ من حيث الأصل والمبدأ ـ من العقود الجائزة[15] (غير الملزمة) ولكن الجنفية والمالكية استثنوا من هذا الأصل : الوكالة المتعلقة بحق الغير فإنها تكون لازمة ، حيث مثل الحنفية بوكيل الخصومة بطلب الخصم فليس للموكل عزله ، وكذلك الوكيل ليس له حق في عزل نفسه إذا تعلق بحق الغير ، كما لو وكله المدعى عليه في خصومة[16] .

  واشترط الشافعية لذلك ، ان تكون الوكالة خالية عن الجعل ( أي الأجرة ) ولم تعقد بلفظ الاجارة ، وإلاّ فتصبح لازمة ، قال النووي : ( متى قلنا الوكالة جائزة ، أردنا : الخالية عن الجعل ، أما إذا شرط فيها جعل معلوم واجتمعت شرائط الاجارة وعقد بلفظ الاجارة فهي لازمة ،وان عقد بلفظ الوكالة أمكن تخريجه على ان الاعتبار بصيغ العقود،أم بمعانيها ؟ )[17] .

  وهذ هو رأي المالكية أيضاً في المشهور ، وقد أوضح ابن شاس آراءهم ، فقال : ( الحكم الثالث للوكالة : الجواز من الجانبين إذا كانت بغير أجرة ، وهذا مقتضى قول القاضي أبي الحسن : إن للوكيل عزل نفسه الآن ، واللزوم في قول بعض المتأخرين من جانب الوكيل بناء على لزوم الهبة وإن لم تقبض ، وإن كانت الوكالة باجرة على سبيل الاجارة فهي لازمة من الطرفين ، ويجب حينئذ أن يكون العمل معلوماً كما في الإجارة .

  وإن كانت على سبيل الجعالة ، فحكى الشيخ أبو الطاهر فيها ثلاثة أقوال : اللزوم من الطرفين ، وعكسه ، وهو الجواز منهما، والتفصيل بأن يكون اللزوم من جهة الجاعل دون المجعول له )[18].

  والذي نرى رجحانه أن الوكالة من حيث هي عقد غير ملزم إلا إذا تعلقت بحق الغير ، أو كانت بأجر وتوافرت فيها شروط عقد الاجارة فيحنئذ تصبح لازمة للطرفين ، ويكون حكمها كحكم الاجارة من حيث شروط الأجرة والعمل ، وكيفية الفسخ وغير ذلك ، لأن العبرة في العقود بالمقاصد المعاني وليست بالألفاظ والمباني .

 صيغة الوكالة الدورية تؤدي إلى اللزوم :

   وقد ذكر الفقهاء صيغة سموها : الوكالة الدورية ، وهي : الوكالة المعلقة على شرط العزل ، حيث يقول الموكل لوكيله : كلما عزلتك فأنت وكيلي ، حيث تتجدد الوكالة بعد العزل مباشرة ، وهي تسمى الوكالة الدورية ، لأنها تدور مع العزل ، حيث كلما عزله عاد وكيلاً .

  وهذه الصيغة جائزة وصحيحة عند الحنفية ، والحنابلة في الصحيح من المذهب ، والوجه الأصح للشافعية[19] .

  ولكن هل بهذه الصيغة تصبح الوكالة ملزمة فعلاً لا محيص للموكل من الرجوع عنها ؟، فاختلف القائلون بها ؟ فذهب الحنفية إلى صحة الشرط مطلقاً ، وبالتالي يكون مآله إلى عدم عزله ما دام لم يقصد بها المبالغة ، وقالوا هذا الشرط صحيح لأنه لم يؤثر في أصل طبيعة العقد من حيث المبدأ ، ولذلك يبقى له الحق في عزله بحضور الوكيل متى شاء ، وأن العزل يتحقق بالصيغة المذكورة ، ولكنها أيضاً يتجدد بها عقد الوكالة برضاه .

  ولذلك اقترح بعض الحنفية والحنابلة في ظل هذه الصيغة أن يقول الموكل للوكيل بحضوره : كلما عدت وكيلاً فقد عزلتك ، أو يقول : عزلتك وكلما وكلتك عزلتك ، حيث قالوا : الصحيح أنه يملك عزله بحضرة الوكيل ما خلا وكيل الطلاق والعتاق ، والوكيل بطلب الخصم لتعلق حق الغير[20] .

  وأما الشافعية في الأصح فقالوا : إذا عزل الموكل الوكيل في حضرته ، أو كان عالماً به يتحقق العزل ، ثم هم فرقوا بين ألفاظ : ” إذا عزلتك فقد وكلتك ” و ” مهما عزلتك ……..” و “إذا عزلتك ……. ” حيث لا تعود الوكالة إلاّ مرة واحدة ، وبين لفظ ” كلما عزلتك …. ” حيث يقتضي العود مرة بعد مرة أبداً لأن ” كلما ” للتكرار [21].

  وذهب جماعة من الفقهاء منهم الشافعية في الصحيح ( مقابل الأصح ) ، والحنابلة[22] في وجه إلى عدم صحة هذه الصيغة ، وقد رجح ابن تيمية هذا الرأي ، وبرهن على ذلك بأن القول بصحتها يؤدي إلى أن تتحول العقود الجائزة لازمة ، وذلك تغيير لقاعدة الشرع ، ومن جانب آخر فإن مقصود المعلق ليس ايقاع الفسخ ، و إنما قصده الامتناع من التوكيل ، وحله قبل وقوعه ، والعقود لا تفسخ قبل انعقادها[23] .

  وفي نظري أن هذا الرأي الأخير هو الذي يظهر لي رجحانه لما ذكر آنفاً ، ولأن هذه الصيغة تحمل في طياتها نوعاً من الدور الباطل ، مع أن المطلوب في صيغ العقود الوضوح ، والتحديد حتى تكون وسيلة للتعبير عن الرضا الباطن ، ولذلك اختلف القائلون بصحتها في سقوط حق العزل ، حيث برر الحنفية ذلك بأن هذه الصيغة قد يراد بها المبالغة ، ولذلك يبقى حق العزل للموكل .

  فهذه الصيغة فيها الدور ، وهي تحتمل أكثر من معنى وليست حادة ، لذلك فالأجدر بها عدم اعتمادها لتكون وسيلة للتعبير .

  ومن جانب آخر أن هذا الشرط الموجود فيها مخالف لمقتضى عقد الوكالة ، لذلك فالقول بعدم صحة هذه الصيغة هو الأولى بالترجيح ، فكيف يغيّر مقتضى العقد بمجرد صيغة مهلهلة كهذه ؟ ، بل إن القوانين الوضعية جعلت عدم إلزامية الوكالة من النظام العام بحيث لا يجوز جعلها ملزمة إلاّ في حالة كونها لصالح الوكيل ، أو الغير[24] .

الوكالة في القانون :

 عرفت المادة ( 699 ) من القانون المدني المصري ، والمادة ( 665 ) من القانون المدني السوري ، والمادة ( 699 ) من القانون المدبي الليبي ، والمادة (716) من القانون المدني القطري ، الوكالة فنصت على أن : ( الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ) ، واما القانون المدني العراقي فقد عرفها في مادته ( 927 ) بأنها : ( عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم ) وهو تعريف قريب من التعريف السابق ، وهكذا بقية التقنينات العربية [25] .

طبيعة عقد الوكالة :

  • ان عقد الوكالة من عقود التراضي من حيث المبدأ ، ولكن إذا كان محل الوكالة تصرفاً شكلياًَ فلا بدّ من توافر شكله القانوني، وهذا ما نصت عليه معظم القوانين المدنية[26] ، ولذلك فالوكالة في البيع والشراء ، والإجارة ، والقرض ، والصلح ، والمقاولة ، والوديعة ، والكفالة ، ونحوها من العقود الرضائية ، واما الوكالة في الهبة بالنسبة للواهب فيجب لانعقادها أن تكون في ورقة رسمية كالهبة نفسها ، والوكالة في الرهن الرسمي بالنسبة للراهن فقط يجب أن تكون في ورقة رسمية كالرهن نفسه ، وكذلك التوكيل في عقد الشركة يجب أن يكون مكتوباً ولو في ورقة عرفية وإلاّ كان باطلاً (م507م م) .
  • ان عقد الوكالة من عقود التبرعات إلاّ إذا اشترط فيه صراحة أو ضمناً ، وهذا ما نصت عليه المادة (729 م.قطري ) وبقية القوانين العربية حيث نصت على أن : ( الوكالة تبرعية ما لم يتفق على غير ذلك ، أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل ) ومن آثار ذلك أيضاً أن الأصل في الوكالة أن تكون بدون أجر ، وإذا كانت بأجر تخضع هذه الأجور لتقدير القاضي ، وهذا ما نصت عليه القوانين المدنية مثل المادة (709م.مصري) والمادة (675م.سوري ) والمداة (709م.ليبي )والمادة (729م.قطري) والمادة (940م.عراقي) .
  • عقد الوكالة من العقود غير الملزمة للطرفين من حيث المبدأ وهذا ما نصت عليه نصوص القوانين المدنية ، وبناء على ذلك فإنه ( يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة ، أو يقيدها ، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك ، فإذا كانت الوكالة بأجر فإن الموكل يكون ملزماً بتعويض الوكيل عن الضرر الذي لحقه من جراء عزله في وقت غير مناسب ، أو بغير عذر مقبول ) المادة : (715 م.مصري ) ، (681 م. سوري) ، (715 م. ليبي) ، ( 810 م. عراقي ) ، ( 735 م. قطري ).

    وقد استثنت المادة نفسها في فقرتها ( 2 ) حالتين فقط ، وهما : الوكالة الصادرة لصالح الوكيل نفسه ، أو لصالح الأجنبي ، حيث لا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة ، أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه[27].

  وقد اعتبرت القوانين المدنية : جواز عزل الموكل للوكيل وبالعكس قاعدة من النظام العام ، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها ، وهذا ما نصت عليه المواد المدنية السابقة[28]، ولكن القانون نفسه استثنى الحالتين السابقتين فقط ، وحتى في حالة وجود الأجر أو الجعل فإن الوكالة تظل غير ملزمة ، وتبقى إرادة الطرفين حرة ، غير أنه في حالة الأجر إذا عزل الموكل الوكيل فإما أن يكون العزل لعذر مقبول ، وفي وقت مناسب وحينئذ لا شيء على الموكل ، ولكن إذا كان بغير عذر مقبول ، أو في وقت غير مناسب كان العزل صحيحاً ولكن الوكيل يرجع بالتعويض على موكله عن الضرر الذي لحقه جراء هذا العزل ، فيقضى له بالأجر كله ، أو بعضه حسب تقدير قاضي الموضوع ، ويقع عبء الاثبات على الوكيل ، لأن الأًصل أن لا يتقاضى تعويضاً عن عزله[29].

  وأما بالنسبة للوكيل فله الحق ـ كما في المادة (716 م.مصري) ،(682 م. سوري) ، (716 م. ليبي) ، ( 947 م. عراقي ) ، ( 736 م. قطري ) ـ في أن يتنحى في أي وقت عن الوكالة ولو وجد اتفاق يخالف ذلك ، ويتم التنازل بإعلانه للموكل ، فإذا كانت الوكالة بأجر ، فإن الوكيل يكون ملزماً بتعويض الموكل عن الضرر الذي لحقه من جزاء التنازل في وقت غير مناسب وبعذر غير مقبول .

  وقد استثنى من ذلك حالة صدور الوكالة لصالح الأجنبي حيث نصت الفقرة الثانية من المادة ( 716 م.م ) ونحوها على أنه : ( لا يجوز للوكيل أن ينزل عن الوكالة متى كانت صادرة لصالح أجنبي إلاّ إذا وجدت أسباب جدية ، على أن يخطر الأجنبي بهذا التنازل ، وأن يهمله وقتاً كافياً ليتخذ ما يلزم لصيانة مصالحه ) [30] .

 عقد الوكالة المدني وعقد الوكالة التجاري :

  من المعلوم أن كون العقد مدنياً ، أو تجارياً تظهر أهميته في اختصاص المحاكم ، والاثبات[31] ، لذلك يكون من الأفضل بيان ذلك ، حيث تكون الوكالة مدنية أو تجارية بالنسبة للموكل بحسب التصرف القانوني الذي يكون محلاً ومعقوداً عليه في الوكالة ، فإذا صدر توكيل في تصرف تجاري كان الموكل تاجراً فوكله في أعمال تجارية ، أو وكله في عمل استثماري ( مثل أعمال المضاربة ) فيكون عقد الوكالة عقداً تجارياً ، وإذا كان في تصرف مدني فيكون مدنياً[32] .

  وبالنسبة للوكيل ، فإذا كان تاجراً وكان الوكالة تدخل في أعمال التجارة ، فإن العقد يعتبر تجارياً ، ويعتبر مدنياً إذا لم يكن تاجراً ولو دخلت الوكالة في أعمال مهنته ، فوكالة السمسار في شراء منزل للسكنى تعتبر وكالة تجارية بالنسبة للسمسار ، ومدنية بالنسبة للموكل ، ووكالة المحامي عن تاجر في قضة تجارية تعتبر وكالة مدنية بالنسبة للمحامي وإن كانت تجارية بالنسبة للموكل[33] .

  وهناك في القانون التجاري الوكالة بالعمولة ، وبعض مصطلحات ذات علاقة نذكرها مع بيان الفروق بقدر الامكان :

الوكيل التجاري : هو الوكيل بالعمولة ، والوكيل الموزع لحسابه الخاص ، والوكيل الموزع لحساب شركة أجنبية ، او لحساب تاجر له مركز رئيسي خارج القطر ، والوكلاء الآخرون الذي يتعاطون أعمالاً مماثلة بما فيهم وكلاء الدعاية والاعلان[34] .

الوسيط التجاري: كل من يتعاطى مهنة القيام بالوساطة لعقد او تسهيل عقد المعاملات التجارية ،وما يتفرع عنه لقاء أجر دون أن يكون أجيراً ، أو نائباً عن أحد الطرفين .

الوكالة التجارية: هي عقد مبرم بين الموكل والوكيل يتم بموجبه قيام الوكيل بإجراء تصرفات ، أو أعمال تجارية باسمه ، ولكن لحساب موكله مقابل عمولة.

الوساطة  التجارية: هي قيام الشخص بالوساطة بين طرفين لعقد العقود ، أو تسهيل عقد المعاملات التجارية وما يتفرع عنها ، لقاء أجر دون أن يتحمل تبعتها [35].

الفروق بين الوكالة المطلقة ، والوكالة بالعمولة في القانون:

   إن الفرق بينهما هو أن الوكيل العادي يفترض أن يتعامل مع الغير ويتعاقد معه باسم الموكل ولحسابه ، أي أن يكون الوكيل يفصح عن ذلك في تعاقداته مع الغير ، ولكن إذا دعت المصلحة إلى إخفاء اسم الموكل يخفي اسمه .

   أما الوكالة بالعمولة أو الوساطة فقد خصصها التقنين التجاري بحالة ما إذا كان الوكيل يتعاقد في الظاهر باسمه ، حيث عرف الوكيل بالعمولة ، أو الوسيط فقال : ( الوسيط هو الذي يأخذ على نفسه أن يعقد باسمه الخاص ، ولكن لحساب مفوضه بيعاً أو شراءً ، أو غيرهما من العمليات التجارية مقابل عمولة أو مؤونة مالية ) .

  ومن جانب آخر فإن الصفة التجارية أيضاً تميز عقد الوكالة بالعمولة  عن الوكالة العادية التي يمكن أن تكون مدنية أو تجارية ، فالوكيل بالعمولة يتسم طابع نشاطه بالطابع التجاري ، وأن طبيعة عقد الوكالة بالعمولة تجارية وليست مدنية ، ولذلك يشترط في الوكيل بالعمولة شروط قد تكون أكثر تشدداً من شروط الوكيل العادي ، منها : أن يكون له أهلية الأداء الكاملة ـ أي الأهلية التجارية ـ ، في حين أنها ليست شرطاً في الوكالة العادية بل تشترط فيه الأهلية المدنية.

كما يترتب عليه آثارا قوى من آثار عقد الوكالة العادية، منها:

  • أنه يكون مسؤولاً عن تنفيذ العقد محل الوكالة في مواجهة الغير ، لأنه وحده يكتسب صفة التعاقد ، وقد ارتضى تحمل مخاطر العقد ، وهذا ما نصت عليه معظم القوانين العربية منها : القانون الأردني رقم 2 لعام 1974م ، في مادته (19) حيث نصت عليه أنه : ( يكون الوكيل التجاري والوسيط التجاري مسؤولاً مسؤولية تامة تجاه التاجر الذي جرى العقد لمصلحته حتى تتم شروطه ) .
  • أنه يمكن شهر افلاسه إذا ما توقف عن دفع دين ناشئ عن العقد محل الوكالة ، لأن هذا العقد تجاري ، فسواء كان التوقف عن الدفع راجعاً إليه ، أو إلى الموكل ، لأن الوكيل بالعمولة حينئذ يعتبر قد توقف عن دفع دين تجاري شخصي يبرر شهر إفلاسه.
  • أنه يترتب على كون عقد الوكالة بالعمولة عقداً تجارياً أن الوكيل يستحق الأجر دائماً ولو لم ينص في العقد على ذلك ، لأن التبرعات غير واردة في نطاق الأعمال التجارية ، وعند التنازع في مقداره يتولى القاضي تحديده[36] .

تمييز عقد الوكالة عن عقود أخرى قريبة منه :

  هناك نوع من التشابه بين عقد الوكالة وعقود أخرى لها بعض الشبه مثل عقود المقاولة ، والعمل ، والايجار ، والبيع ، والشركة ، والوديعة ، لذلك نذكر بإيجاز الفروق بين الوكالة وهذه العقود ، وقبل أن أدخل في التفاصيل، فإن أهم ميزة للوكالة هو أن المحل المعقود عليه في عقد الوكالة هو : التصرف القانوني ، فليس العمل المادي[37]، ولا الأعيان.

أولاً ـ عقد الوكالة ، وعقد المقاولة :

  فهما يتفقان من حيث ورودهما على العمل الذي يؤديه الوكيل أو المقاول لمصلحة الغير ، ولكنهما يختلفان في ان العمل في عقد الوكالة هو تصرف قانوني في حين أنه في عقد المقاولة عمل عادي .

  ومن جانب آخر فإن المقاولة تكون دائماً بأجر ، ولا تخضع الأجرة فيها لتقدير القاضي ، أما الوكالة فالأصل فيها أن لا تكون بأجر ، وإذا كانت بأجر هذا الأجر فإن يخضع لتقدير القاضي بنص المواد (709م.مصري ، 675 م.سوري ، 709م.ليبي ، 940 م. عراقي ، 729م. قطري وغيرها ) .

 والفرق الثالث ، أن عقد المقاولة عقد لازم ، في حين أن عقد الوكالة عقد غير لازم من حيث الأصل والمبدأ[38] .

  والفرق الرابع هو أن الوكيل ينوب عن الموكل إذا كان يعمل باسمه في حين أن المقاول لا يعمل إلاّ باسمه فقط .

 والفرق الخامس أن الوكالة تنتهي بموت الوكيل ، أو الموكل في حين أن عقد المقاولة لا ينتهي بموت أحد طرفيه إلاّ إذا كانت شخصية المقاول محل اعتبار حسب نصوص العقد[39] .

ثانياً ـ عقد الوكالة ، وعقد العمل :

  حيث يشتركان في أن محل العقدين هو العمل ، ولكنهما يختلفان في أن علاقة العامل بصاحب العمل علاقة التابع بالمتبوع ، أما الوكيل فلا يعمل تحت اشراف الموكل ، كما يتميز عقد العمل عن عقد الوكالة بأجر ، وأن الأجر ضروري في عقد العمل وأن تقديره يخضع للاتفاق من حيث المبدأ ، في حين أن الأصل في الوكالة عدم الأجر ، وأنه حتى لو ذكر أجر فإنه يخضع لتقدير القاضي .

  ومن جانب آخر ان العامل ليس نائباً عن رب العمل في حين أن الوكيل نائب عن موكله إن كان يعمل باسمه ، إضافة إلى أن عقد العمل لا ينتهي بوفاة رب العمل في حين أن الوكالة تنتهي بوفاة الموكل ، أو الوكيل ، وأن عقد العمل لازم ، وعقد الوكالة غير لازم كما سبق[40] .

ثالثا ـ عقد الوكالة ، وعقد الايجار :

  حيث الفرق بينهما واضح ، لأن محل الوكالة هو التصرف القانوني ، في حين أن محل الايجار عمل مادي ، إضافة إلى أن عقد الايجار عقد ملزم ، ولا ينفسخ بموت المؤجر أو المستأجر ، وأن الأجرة ركن أساس فيه ، وأنه يخضع للاتفاق على عكس الوكالة[41] .

رابعاً ـ عقد الوكالة ، وعقد البيع :

حيث يختلفان كثيراً فيما ذكرناه ، ولكن قد يقترن عقد الوكالة بالبيع في الحالات الآتية :

أ ـ حالة الاسم المستعار أو المسخر ، حينما يشتري الوكيل باسمه ما وكل فيه ، ثم يبيعه بعقد جديد إلى الموكل ، حيث اقترن عقد الوكالة في هذه الحالة بعقدي بيع ، الأول هو الذي أبرمه المسخر مع المتعاقد الآخر ، والثاني هو الذي أبرمه مع الموكل .

ب ـ حالة السمسار والوكيل بالعمولة ، حيث يشتريان باسميهما ولكن لحساب عميليهما ، ثم ينقله بعقد جديد إلى العميل .

ج ـ حالة الوكالة بالشراء في حق التقرير بالشراء عن الغير[42] .

خامساً ـ عقد الوكالة ، وعقد الشركة :

 فهما يختلفان من حيث إن الشريك يشارك في الربح والخسارة ، على عكس الوكيل ، ومن هنا فإن مجلس الادارة أداة للشركة ، وليس وكيلاً عنها [43].

سادساً ـ عقد الوكالة ، وعقد الوديعة :

  حيث إنهما يختلفان من حيث إن المودع عنده لا يتصرف في الوديعة ، وانه أمانة عنده ، ولكن قد تقترن الوديعة بالوكالة ، كما إذا أودع شخص مالاً عند آخر لحفظه ، ووكله في الوقت ذاته أن يبيعه بعد فترة من الزمن[44] .

القاعدة العامة في الجمع بين عقد الوكالة ، وأي عقد آخر :

  وإذا جمع بين عقد الوكالة وأي عقد آخر ، فيجب تطبيق قواعد كل من الوكالة والعقد الآخر ، ما دام لا يتحقق تعارض بينهما ، مثل أن يعطيه شيئاً وديعة ، ووكله بالتأمين عليه ، حيث اجتمعت الوكالة والوديعة ، دون تعارض بينهما ، فيجب تطبيق القواعد العامة التي تعتبر من النظام العام لكل من العقدين .

  أما إذا وجد تعارض بينهما مثل أن يستخدم شخصاً لمدة معينة وعهد إليه بالقيام بتصرفات قانونية ، فهذا الشخص مستخدم ووكيل في وقت واحد ، فتطبق عليه قواعد الاستخدام ، ولذلك لا يجوز إنهاء عقد عمله باعتباره مستخدماً إلاّ بعد اخطاره في ميعاد معين وفي غير تعسف ( المادة 695م. مصري) ولكنه كوكيل يجوز عزله في أي وقت ( المادة 715 م. مصري ) .

  فهنا تعارض العقدان ، فيقدم ما يقتضيه النظام العام للعقدين ، في مسألة العزل ، فوجدنا أن عدم عزل العامل ( حسب المادة 695 السابقة ) هو : قاعدة النظام العام ، ولم نجد أن جواز عزل الوكيل من النظام ، فقدمت قاعدة النظام العام على غيرها .

  أما إذا كانت مقتضيات العقدين متعارضة ولكن تعارضهما لا يدخل في دائرة قواعد النظام العام فحينئذ وجب تغليب أحد العقدين على الآخر وتطبيق قواعد العقد الغالب[45] .

 الالتباس بين عقد الوكالة والعقود المتشابهة :

وقد يلتبس عقد الوكالة بالعقود المتشابهة ، لذلك نذكر ذلك بشيء من الايجاز :

1 ـ الالتباس بين عقد الوكالة ، وعقد المقاولة :

  وقد تلتبس الوكالة بالعقود التي تبرم مع أصحاب المهن الحرة كالطبيب ، والمهندس المعماري ، وذلك لأن محل هذه العقود عمل مادي يمتاز بأنه عمل فكري ، ولذلك فهذه العقود عقود مقاولة .

  وقد تختلط الأعمال المادية مع التصرفات القانونية في عقد واحد ، ولذلك تكون العبرة بالغالب ، فالعقد مع المحامي يغلب فيه عنصر التوكيل ، في حين أن العقد مع المهندس المعماري عقد مقاولة لأن التصرفات القانونية تعتبر تبعاً للأعمال المادية ، وأن سند يك التفليسة يعتبر وكيلاً ، وكذلك مصفى الشركة ، واما الخبراء والمحكمون فهم مقاولون لا وكلاء ، وأمين النقل مقاول في الأصل لا وكيل[46] .

2ـ الالتباس بين عقد الوكالة ، وعقد العمل :

  وقد يلتبس عقد الوكالة كما في شأن الطرفين (Placers) والممثلين التجاريين (Repr Assistants ) والجوابين ( Voyageurs Decommerce)  ومندوبي التأمين ، فهؤلاء يقومون بأعمال مادية وبتصرفات قانونية مع العملاء لحساب مخدوميهم ، فيعقدون الصفقات ، ويبرمون عقد التأمين، حيث اختلف في هؤلاء الفقه والقضاء الفرنسيان بين اعتبارهم وكلاء، أو عمالاً إلى أن صدر في فرنسا قانون 18 يوليه 1937م، حيث جعلهم مرتبطين بمخدوميهم بموجب عقد عمل ـ لا عقد وكالة ـ إذا توافرت شروط معينة ، وهكذا في مصر إلى أن صدر القانون المدني في 1949م الذي نص في مادته 676 على أنه: (تسري أحكام عقد العمل على العلاقة ما بين أرباب الأعمال، وبين الطوافين، والممثلين التجاريين، والجوابين، ومندوبي التأمين وغيرهم من الوسطاء، ولو كانوا مأجورين بطرق العمالة، أو كانوا يعملون لحساب جملة من أرباب الأعمال، ما دام هؤلاء الأشخاص تابعين لأرباب العمل خاضعين لهم ) .

  وبناء على ذلك يعتبر المدير الفني للشركة مرتبطاً بعقد العمل في حين أن رئيس مجلس الإدارة وكيل عن المجلس[47] .

المبحث الثاني :

دور الوكالة في العمل المصرفي الخدمي (قسيماً للمضاربة) :

  للوكالة دور عظيم في الأعمال المصرفية ، حيث تدخل في جميع الخدمات التي يقدمها البنك للعميل نيابة عنه ، وهي كثيرة نذكر أهمها :

  • تحصيل الأوراق التجارية ( الشيكات ، والكمبيالات ، وسندات الاذن ).
  • الحوالات ( السفتجة ) داخلياً وخارجياً .
  • فتح الاعتمادات المستندية لحساب المصدرين والموردين .
  • وترتيب خطابات الضمان .
  • خدمات بطاقات الائتمان ، وبطاقات الصرف الفوري ، أو الشهري .
  • صرف العملات .
  • القيام بإدارة المحافظ ، والصناديق الاستثمارية ، وإدارة المشروعات .
  • ترتيب دراسات الجدوى والدراسات المالية للعملاء ، وتأسيس الشركات ونحوها لصالح الغير .
  • ترتيب إصدار الصكوك الاسلامية .

10- القيام بالسمسرة بالأسهم والصكوك  ونحوهما ، وتسويق العقارات .

11- خدمة صناديق الامانات ، وتأجير الخزائن الحديدية .

12-  خدمة العقود في مرابحة السيارات والعقارات .

  هذه الخدمات وغيرها تقدمها البنوك الاسلامية على أساس الوكالة بالأجر ( العمولة ) حيث تأخذ في مقابل أي خدمة مبلغاً مقطوعاً أو نسبة من المال .

  إن هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل ، وإلى عقد مؤتمر أو ندوة خاصة بالخدمات القائمة على الوكالة ، ونحن هنا نتحدث عن عدة مسائل مهمة عاجلة ، وهي :

أولاً ـ أن البنوك الاسلامية تسعر خدماتها ، وتفرضها على العملاء دون مساومة ، فهي أشبه ما تكون بالإذعان، ولذلك يثور التساؤل هنا : هل يجوز لها أن تفرض ما شاءت من الأجور والعمولات باعتبار أن العميل في الأخير يرضى بها ، وأنه له الحق في رفضها ، كما له الحق في رفض المعاملة كلها ؟ وحينئذ يتحقق التراضي من الطرفين ؟ ! ! أما أنها لا بدّ أن تلتزم بأجر المثل ، بناء على أن العميل غائب ، وأنه قد لا يكون لديه إلمام بالموضوع … .

  فهذه المسألة جديرة بالمناقشة والبحث ، وقد بحثتها ، وتوصلت إلى أنه : ليس من مقتضيات التجارة المبنية على الرضا والمنافسة إلزام البنك بأجر المثل ، كما أنه ليس من العدل فتح الباب على مصراعيه ، وإنما لا بدّ أن تخضع لميزان العدل القاضي بعدم وجود الغبن على الطرف الآخر ، ولميزان سد الذرائع بالنسبة للعمولات التي تؤخذ على خدمات القروض حيث يجب أن تكون في حدود النفقات الفعلية ، حيث صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الاسلامي الدولي (13/1/3) نص على أنه :

أولاً: يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.

ثانياً: كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً [48] .

فعلى ضوء ذلك أن الخدمات التي تتعلق بالقروض والديون يجب أن تكون في حدود المصروفات الفعلية ، وفيما عدا ذلك يجب أن تكون باجر المثل ، أو بما يزيد عليه في حدود  لا تصل إلى الغبن على الطرف الآخر .

وصدر كذلك قرار من مجمع الفقه الاسلامي الدولي قرار 12(12/2) ينص على : ( أن المصاريف الادارية لاصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل ….. )[49] .

ثانياً ـ  ان الأصل في أجر الوكالة أن يكون مقطوعاً محدداً ، بأن يحدد بمبلغ مثل مائة ريال …. أما أخذ النسبة من المبلغ الموكل فيه فهذا يختلف من تصرف إلى آخر، كما أنه مختلف فيه ـ كما سيأتي ـ .

ونحن هنا نذكر ما صدر فيه قرار من المجامع الفقهية بجواز أخذ النسبة، أو منعه.

1ـ  خطاب الضمان :

  حيث لا يجوز أخذ الأجر عليه بذاته ، ولكن يجوز أخذ أجر المثل على الأعمال الادارية فيه  ، كما أنه لا يجوز ربط الأجر بمبلغ الضمان ومدته ، وإليك نص قرار المجمع (12(12/2):

( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمر الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ، الموافق 22 – 28 كانون الأول ( ديسمبر ) 1985م،

وبعد النظر فيا أُعد في خطاب الضمان من بحوث ودراسات، وبعد المداولات والمناقشات المستفيضة التي تبين منها:

أولاً: أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة.

  وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي: الوكالة ، والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له).

ثانياً: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان. وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً.

 قرر ما  يلي:

أولاً: إن خطاب الضمـان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان – والتي يراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته – سواء أكان بغطاء أم بدونه.

ثانياً: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء.. والله أعلم)[50] .

2- رسوم الاصدار للأسهم :

 حيث أجاز مجمع الفقه الاسلامي الدولي في قراره 63(1/7) أن تكون العملة بنسبة معينة ، حيث نص على : ( أن إضافة نسبة معينة من قيمة السهم لتغطية مصاريف الاصدار ، لا مانع منها شرعاً ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديراً مناسباً )[51].

3- رسم الدخول في المزايدة :

  فيشترط أن لا يزيد عن القيمة الفعلية لكونه ثمناً له ، فنص قرار المجمع (73 (4/8) على أنه : (  5- لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول – قيمة دفتر الشروط – بما لا يزيد عن القيمة الفعلية  لكونه ثمناً له ،،،،  6- يجوز أن يعرض المصرف الإسلامي، أو غيره، مشاريع استثمارية ليحقق لنفسه نسبة أعلى من الربح، سواء أكان المستثمر عاملاً في عقد مضاربة مع المصرف أم لا)[52] .

4- رسم الدخول في أسواق المال :

 حيث أجازه المجمع في قراره (63(1/7) الذي نص على أنه : ( يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة )[53] .

5 – رسوم مقطوعة لبطاقات الائتمان :

جاء في قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، (108(2/2) :

(‌أ- جواز أخذ مصدرها من العميل رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه.

‌ب-    جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشـتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع  التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد.

ثالثا: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسـوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا كما نص على ذلك المجمع في قراريه رقم 13(10/2) و13(1/3) )[54] .

حكم تحديد أجرة الوكالة بنسبة من المبلغ :

  ونحن هنا ندرس مدى مشروعية تحديد أجر بنسبة من المبلغ حيث اختلف فيه الفقهاء في باب الوكالة ، فقد ذهب جماعة من الفقهاء ـ منهم الشافعية ـ إلى عدم صحة تحديد الأجرة بالنسبة للموكل به ، كأن يقول : وكلتك في بيع هذا الثوب على أن جُعْلك ” أجرك ” عُشر ثمنه  ، أو من كل مائة درهم من ثمنه درهم ، وإذا حدث مثل ذلك فإن هذا التحديد غير صحيح ويتحول الأجر إلى أجر المثل عند الشافعية[55] .

 وقد أجاز متأخرو الحنفية أن يكون أجر السمسار نسبة مما يبيعه أو يشتريه[56] .

وبما أن الوكالة إذا كانت بأجر تطبق عليها أحكام الاجارة فإن الفقهاء تحدثوا بالتفصيل عن الأجرة بحصة أو بنسبة من الانتاج على ضوء ما يأتي :

أولاً: تحديد الأجرة بحصة معينة من الانتاج مثل تأجير الجزار لذبح الشاة بجلدها ، والطحان بكيلو واحد من الدقيق ، حيث اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال :

القول الأول : عدم الجواز ، وهو رأي الجمهور ( الحنفية ، والشافعية  والحنابلة على المعتمد)[57] وهم قد استندوا في ذلك على ما رواه الدارقطني ، والبيهقي بسندهما عن أبي سعيد قال : ( نُهي عن عَسْب الفحل وقفيز الطحان )[58] .

  وهو حديث مختلف في نهوضه حجة ، حيث ضعفه بعض العلماء بسبب أن في إسناده هشام بن كليب ، وهو مختلف فيه ، فبعضهم مثل الذهبي قالوا : حديثه منكر ، وبعضهم مثل مغلطاي قال : هو ثقة [59] ، ولكن الشيخ الألباني صحح هذا الحديث وقال : ( إن إسناد الحديث عندي صحيح ، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام هذا….. وقد أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/2/68) وروى عن عبدالله بن أحمد قال : سألت أبي عن هشام بن كليب الذي يروي عنه الثوري ؟ فقال: ثقة ، وأورده ابن حبان في الثقات (2/293) … وقد صحح الحديث الحافظ عبدالحق الاشبيلي ) وذكر أن معظم الروايات وردت بلفظ (  نهى ) بالبناء للمجمهول ، ولكن في رواية الطحاوي موصولاً ، والبيهقي مرسلاً بلفظ:( نهى رسول الله…..)[60].

  كما استندوا كذلك بأن الأجرة في هذه الحالة معينة ، وأنها غير مقدور على تسليمها عند العقد ، كما أنها ليست في الذمة حتى يقال : إن ما في الذمة موجود ، أو في حكم الموجود .

  ومن جانب آخر فإن الأجرة مجهولة ، حيث لا يدرى صفة الخارج من الجلد ، او الدقيق ، أو غيرهما[61].

القول الثاني: الجواز مطلقاً ، وهذا قول بعض الحنابلة منهم ابن عقيل ، وابن القيم والمرداوي ، حيث اعتمدوا في ذلك على ضعف الحديث السابق ، حيث قال ابن عقيل : (وهذا الحديث لا نعرفه ، ولا يثبت عندنا صحته ، وقياس قول أحمد جوازه)[62].

  وهكذا قال ابن القيم بأن الحديث لا يثبت بوجه وأنه لا غرر فيه ، ولا خطر ، ولا قمار ، ولا جهالة ، ولا أكل المال بالباطل بل هو نظير دفع ماله إلى من يتجر فيه بجزء من الربح[63] .

القول الثالث: التفصيل ، وهذا رأي المالكية حيث فرقوا بين ما اذا كانت الجهالة متمكنة من الأجرة فلا تجوز ولا تصح ، مثل جعل الجلد أجرة للسلاخ ، أو الجزار ، لأنه لا يستحقه إلاّ بعد النزع ، وقد يخرج صحيحاً ، أو مقطوعاً ، أو نخالة لطحان ، لأنها مجهولة القدر ، فهي كالجزاف … وجزء ثوب لنساج…)[64] .

  أما إذا كانت الأجرة المقدرة بجزء من الانتاج معلومة ، فالعقد جائز ، وللعامل حصته المقدرة ، وذلك مثل إعطاء القمح لمن يجلعه دقيقاً بمقدار محدد من دقيقه[65] .

  ولا يسع المجال الخوض في مناقشة أدلة كل فريق ، ولكن الذي يظهر لي رجحانه هو قول الجمهور ، لأن الحديث صحيح صححه الألباني وغيره بناء على دراسة حديثية مفصلة ـ كما سبق ـ .

  ومن جانب آخر فلا يجوز قياس هذه الحالة على المضاربة لأن المضاربة في زمرة المشاركات لدى التحقيق في حين أن الاجارة ، أو الوكالة بأجر تختلف عنها .

  ولو سلمنا القياس عليها ، فإن المضاربة لا يجوز فيها تحديد شيء محدد للمضارب ، أو ربّ المال ، وهنا حدد قفيز واحد ـ مثلاً ـ أو جلد شاة للأجير ، وحتى المساقاة لا يجوز فيها تحديد عدد محدد مثل عشرة كيلوات لأحدهما ، فهؤلاء خلطوا بين النسبة الشائعة التي تجوز في المشاركات ، والجزء المحدد الذي لا يجوز فيها ، وكلامنا في الجزء المحدد .

  ومن جانب آخر فإن لكل عقد خصائصه فلا يجوز تركيب عقود المشاركات على عقود البيوع والاجارات والوكالة بأجر .

  أما إذا تم الاتفاق في هذه المسألة على أن تكون الأجرة موصوفة في الذمة فهذا جائز ، وأدخله ابن القيم ضمن الحيل الجائزة[66].

ثانياً:  الأجرة بحصة شائعة من الانتاج ، كنسيج الثياب وخياطتها ، أو جني الثمار وعصرها ، أو وسائل النقل ، أو نحوها ، ففي هذه المسألة حدث خلاف كبير ، والأكثرية على منعها لما في ذلك من الجهالة ، واستئناساً بالحديث السابق الذي صححه البعض ـ يقول ابن رشد:(وعمدة الجمهور أن الإجارة بيع ، فامتنع فيها من الجهل ـ لمكان الغبن ـ ما امتنع في المبيعات)[67].

المبحث الثالث :

دور الوكالة في الاستثمار بديلاً عن المضاربة والمشاركة والمرابحة :

  وقد ظهر مما عرضناه من أحكام الوكالة في الفقه الاسلامي والقانون المدني ، تبين أن الوكالة هي : إنابة وتفويض لآخر للقيام بتصرف معلوم مما جازت فيه الانابة ، وأنها من حيث الأصل عقد قائم على التبرع ، وأن الأجرة استثناء لا تثبت إلاّ بالنص ، وفي القانون أنها لو ذكرت لخضعت لتقدير القاضي وليست للاتفاق وحده .

  ولكن ظهر في الآونة الأخيرة استعمال عقد الوكالة في الاستثمار ، ولا سيما في العلاقات التي تربط بين المؤسسات المالية الاسلامية ، وبين البنوك الربوية أو الشركات التقليدية ، ولا يراد منها الاستمرار ، وإنما يراد بها في الغالب الوصول إلى تحويل المبلغ الممول إلى دين ثابت في الذمة من خلال حق الشراء للنفس ، وهناك صور أخرى لتطبيقات في هذه المؤسسات ، لذلك نذكر أهم هذه الصور الشائعة مع بيان حكمها الفقهي المبني على الشريعة الاسلامية ومقاصدها ـ بإذن الله تعالى :

  • الصورة الأولى : عقود الوكالة مع حق الشراء للنفس .
  • الصورة الثانية : عقد الوكالة المنصوص فيه على الالتزام بالاستثمار عن طريق المرابحة بربح لا يقل عن 7% مثلاُ أو عن لايبور زائداً نُقْطَتَيْن ، وهكذا ، وما الذي يترتب على الاخلال بهذا الشرط .

ونحن هنا ندرس هاتين الصورتين دراسة تحليلة على ضوء قواعد الفقه الاسلامي في الوكالة والعقود المرافقه لها .

الصورة الأولى : عقود الوكالة مع حق الشراء للنفس  :

تتكون عناصر الأولى في الغالب مما يأتي :

  • تنظيم الاتفاقيات بين البنك الموكل ، والبنك الوكيل ، حيث يبن فيه كل الخطوات العملية ، ونسبة الربح ، والمدة المطلوبة ، والضمانات ، وكيفية الرد .
  • ثم يقوم البنك الوكيل بشراء السلع والمعادن الدولية لصالح البنك الموكل نقداً وأنه يخبره بتفاصيل الصفقة التي أرسلها له الوسيط ( البروكر الموجود في بريطانيا مثلاً).

وبما أن كلا الطرفين غير مستعدين لتحمل مخاطر الانتظار فإن موافقة الموكل (المشتري) تتم عبر الهاتف أو البريد الالكتروني ( الايميل ) أو الفاكس مباشرة ، ويرتب لذلك أوراق جاهزة .

  • ثم يقوم الوكيل بشراء المعدن نفسه لنفسه ، بيعاً آجلاً بالمرابحة إما مباشرة دون الحاجة إلى الرجوع إلى الموكل باعتبار أن له حق الشراء للنفس ، أو يرجع من خلال وسائل الاتصالات الحديثة إلى الموكل لقيامه ببيع البضاعة للوكيل بيعاً آجلاً بثمن يتضمن أصل الثمن السابق مع الربح المتفق عليه ( 7 % مثلاً ) مع بيان الزمن وكل التفاصيل المطلوبة .
  • وبما أن البنك الوكيل المشتري لا يريد هذه السلعة يقوم البنك فوراً ببيعها لجهة أخرى في البورصة عن طريق البروكر نفسه ، وقد يحدث كثيراً أن البنك الوكيل يعيد بيعها لنفس البائع الأول .
  • وهذه العقود ( قيام الوكيل بالشراء نقداً للموكل ، ثم شراء الوكيل لنفسه بثمن آجل ، ثم بيع الوكيل لطرف آخر ) لا بدّ أن يتم خلال فترة زمنية قصيرة ، حتى لا يترتب عليها مخاطر الانتظار وتغير الأسعار .

ولمعرفة التسلسل الزمني المطلوب بينها يشترط أن يكتب تأريخ كل عقد حسب الساعة والدقيقة ، إضافة إلى الشهر ، والسنة .

الملاحظات :

أولاً ـ لا ينبغي النظر إلى هذه الصورة على أساس عقد الوكالة فحسب ، وإنما ينبغي النظر إليها باعتبارها منظومة متكاملة مترابطة تستهدف تحقيق هدف واحد ، وهو حصول الوكيل على المبلغ الذي يريده لقاء زيادة في الربح ( وإن شئت سمه الفائدة ) .

  فالعملية بمجموعها لا تتفق مع مقاصد الوكالة ومقتضياتها التي تنحصر في أن ينوب الوكيل عن الموكل في تحقيق تصرف نيابة  عن موكله ، وقد يأخذ على ذلك أجراً ، والأصل أن لا يأخذ ـ كما سبق ـ ثم ينتهي دور الوكيل .

  وهنا يتفق الوكيل والموكل على مجموعة من الاجراءات تتم بعدة عقود ، للوصول إلى التمويل المطلوب .

  ولذلك يأتي الحديث عن مسألة النهي عن صفقتين في صفقة واحدة ، حيث وردت روايات بعدة ألفاظ منها بلفظ : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة ) رواه موقوفاً ومرفوعاً  أحمد وابن حبان والبيهقي وغيرهم[68] والحديث مرفوعاً مع ضعفه له شواهد كثيرة ، ولكنه صحيح موقوفاً على ابن مسعود[69] .

  ومنها بلفظ : ( لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ) رواه مرفوعاً الحاكم وصححه ووافقه الذهبي[70] والترمذي وقال:(حسن صحيح)[71] ورواه ابن حبان وصححه[72] ، وابن خزيمة وصححه[73] ، وقال ابن حزم : ( هذا صحيح وبه نأخذ …)[74] ونقل ابن تيمية ، والحافظ ابن حجر تصحيح الترمذي ، وابن خزيمة والحاكم[75] وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير [76].

  ومنها بلفظ : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ) رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً ، وقال:(حسن صحيح)[77] ، وصححه كذلك الألباني في صحيح الجامع الصغير[78] ورواه أحمد وغيره بسند آخر[79]، والخلاصة أن الحديث صحيح .

  فهذه الأحاديث اختلف في تفسيرها العلماء ، ولكن الراجح هو : أن المقصود بالصفقتين في صفقة واحدة : هو أن تتضمن الاتفاقية تردداً بين النسيئة بمبلغ زائد ، والنقد بمبلغ أقل ، وهذا تفسير راوي الحديث الصحابي الجليل، وكثير من الرواة والعلماء[80] وبالتالي فإن العلة في الحرمة هي الربا ، أو الغرر والجهالة .

  وأن المراد عندهم بالنهي عن بيع وسلف وعن شرطين هو الجمع بين أي عقد أو شرط فيه معاوضة ، وعقد أو شرط فيه سلف ، وبالتالي فإن العلة هي الربا[81] .

  وهذا الأحاديث بمجموعها تسد أبواب الربا ، وتمنع كل الذرائع الموصلة إليه ، وذلك لأنه قد يكون العقد منفرداً ، والشرط الواحد مباحاً لا غبار عليه ، ولكن حينما يدخل عليه عقد آخر تصل منظومته إلى الربا ، مثل عقد العينة ، فهو مكون من عقدين صحيحين بالاجماع إذا كان منفردين وليسا مرتبطين ، ولكن حينما يجمع بينهما يؤدي إلى الربا فيكون محرماً ، كما قال ابن عابس : ( درهم بدرهمين بينهما حريرة ) .

  ومن هنا فالمنظومات العقدية لا ينبغي أن ينظر إليها باعتبار الاحكام الخاصة بكل عقد فحسب ، بل يجب أن ينظر إليها باعتبار مآلاتها وأهدافها ومقاصدها ، ولذلك قد يقبل شرط واحد أو أكثر إذا كانت الشروط في مساقات العقود دون تعارض ، وقد لايقبل شرطان لأنه يترتب عليهما تغير مسار الاتفاق والوصل  إلى الربا بطريق غير مباشر .

  وحتى في القوانين الوضعية ينظر إلى الاتفاقية باعتبار مآلها ، ولذلك جعلت معظم صور الاجارة المنتهية بالتمليك بيعاً بالتقسيط [82].

ثانياً ـ إن مبنى هذه الاتفاقية التي تتضمن مجموعة من العقود على المرابحة في السلع والمعادن الدولية .

  وهذه إشكالية كبيرة في نظر معظم العلماء المعاصرين أمثال الشيخ القرضاوي ، والشيخ صالح الحصين ، والدكتور حسين حامد ، والشيخ تقي العثماني ، والشيخ المختار السلامي ، وغيرهم .

  وذلك أن هذه المعادن الدولية لا يقصد أبداً بهذه المرابحات أن تشتريها هذه البنوك ، أو تأتي بها إلى بلادنا ، وإنما الغرض الوحيد هو الوصول من خلال هذه الصفقات إلى حصول الوكيل على المبلغ النقدي المطلوب .

  وقد قمتُ بعدة جولات للتفتيش على هذه السلع والمعادن ( محل عقد المرابحة الدولية ) فوجدتها على ثلاث حالات :

الحالة الأولى: أن العقود تقوم على مجرد أوراق جاهزة ، وأن صور الشهادات مجرد صور ترسل إلى هنا وهناك ، وأن البروكر العظيم الذي فتح مكتباً صغيراً هو الذي يرتب كل هذه الأوراق ، وأنّه يرسلها إلى كل الجهات العالمية ، وأصبح مليونيراً على حساب بعض البنوك.

الحالة الثانية: أن السلع والمعادن المخصصة لتكون محلاً لهذه المرابحات موجودة في المخازن ، ولكنها بسبب أنها غير صالحة ، أو غير مرغوب فيها تبقى ، ثم يجري عليها عشرات العقود ، فقد رزتُ أحد هذه المخازن في الغرب ، فوجدت أن المحل المعقود عليه للمرابحات الخاصة بنكياً موجود ، وهو كان عبارة عن عدة أطنان من الألمنيوم ، ففرحت كثيراً ..

فسألت مسؤول المخزن: كم من الزمن مضى على هذا المعدن ؟

فأجاب : منذ حوالي عشر سنوات ..

فقلت : وكيف لم يتم بيعه ونقله ؟

فقال : هذا ألمنيوم روسي ، وفيه عيب لا يريده أحد ، فتركناه لأداء هذه المهمة ، حيث نأخذ عمولة على الصفقات الواردة عليه ، وبذلك يدر علينا دخلاً جيداً .

الحالة الثالثة : أن السلع والمعادن طبيعية وموجودة في المخازن ، وتجري عليها الصفقات الخاصة بالمرابحات .

  وهنا يرد تساؤل آخر وهو : أن صفقات المرابحات الدولية من البنوك الاسلامية وغير الاسلامية يومية ومنذ عدة سنوات ، ولم يحدث أن بنكاً استلم جزءاً من هذه السلع والمعادن ، فأين ذهب ؟ لا شك حتى لو حدد محل العقد بالمعادن الموجودة في المخازن ، فإن صاحب هذه المعادن يعلم علم اليقين أنها تباع ثم تشترى ثم تعود إليه ، والخلاصة أن مسألة المرابحة في المعادن الدولية تلفها الشبهات من كل جانب ، وتحيط بها الاشكاليات الشرعية من كل طرف .

  ومع ذلك يرد تساؤل آخر حول الجدوى الاقتصادية للأمة الاسلامية ، فهل هذه المرابحات الدولية تأتي لنا بالسلع والمعادن إلى داخل الأمة الإسلامية ، وحينئذ ساهمت البنوك الاسلامية في التنمية ، وفي رخص الأسعار وتسهيل المواد ؟

  والله لو فعلت ذلك لأمكن غض البصر عن بعض العيوب التي يمكن التسامح فيها لأنها ليست من الثوابت .

  إن الهيئات الشرعية أجازت المرابحات الدولية في البداية لأجل السيولة ومصالح البنوك الإسلامية ، ولكن هذا لا يعني أن نجعله الأصل ، أو أن تبقى إلى الأبد ؟ .

ثالثاً ـ ان هذه المرابحات الدولية يوجد ضمن منظومتها في الغالب بيع العينة المحرم شرعاً ، حيث أنه في النهاية يباع المعدن إلى من اشترى منه ، لأن البنك الوكيل لا يريد الحصول على السلعة ، ولا الموكل، ولا البروكر، أو البنك الأجنبي الذي نظم هذه المنظومة ، ثم ضمن الثمن ، فأين يعود ؟ يعود إلى أصله إن كان المعدن موجوداً .

ولذلك كانت الهيئات الشرعية تشترط هذا الشرط وتشدد فيه ، وكنا نتابع بدقة ، ونجد فعلاً أن المشتري الأخير حسب الورق هو جهة أخرى غير البائع ، ولذلك كنا نشترط أن يكون الشاري الأخير هو أحد المصانع ، أو شركة تعمل في إطار ذلك المعدن ، أو السلعة ، ولكن هذا الشرط كان من الصعب تحقيقه ، ويتعب البنك الاسلامي حتى يحققه .

رابعاً ـ   مسألة شراء الوكيل لنفسه ، مسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين:

القول الأول: عدم الجواز مطلقاً ، وهذا رأي جمهور الفقهاء ( الحنفية والشافعية ، والحنابلة في المذهب ، والمالكية في المعتمد )[83] وبرهنوا على ذلك بأن المصالح متعارضة فإن مصلحة الوكيل حينما يشتري لنفسه يريد أن يشتري الشيء بأقل الأثمان ، ومصلحة الموكل تقتضي أن يباع بأكثر .

  ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأنه إذا حدد الموكل الثمن فإن هذه الاشكالية تزول ، ولذلك قيده المجيزون بقيود تزيلها .

القول الثاني: الجواز بقيود ، وأصحاب هذا القول اختلفوا في نوعية القيود ، فذهب المالكية في قول إلى الجواز  إن لم يحابّ نفسه[84] ، في حين ذهب الحنابلة في رواية إلى جوازه إذا زاد الوكيل على مبلغ ثمنه في النداء ، أو وكل من يبيع ، وكان هو أحد المشترين ، لأنه بذلك يحصل غرض الموكل من الثمن ، فأشبه ما لو باعه لأجنبي جاء في المقنع : ( ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه ، وعنه يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء ، أو وكل من يبيع ، وكان هو أحد المشترين ) وجاء في الشرح الكبير: ( قال القاضي: يحتمل أن يكون اشتراط تولي غيره للنداء واجباً، ويحتمل أن يكون مستحباً، والأول أشبه بظاهر كلامه)[85] .

  ومع أنني أرى رجحان القول الثاني في الوكالة العادلة المفردة وبالتالي فلا إشكال لديّ في هذا التوكيل لو كان في عقد مستقل منفرد، ولكن حينما يكون ذلك ضمن هذه المنظومة ، فإنه يضعفها أيضاً، فالنتائج  ـ كما يقال ـ تتبع أضعف المقدمات وأقل العناصر قوة .

  وقد منع المعيار الشرعي الخاص بعقد الوكالة في بند 6/11/2 : التعاقد مع النفس ، ولذلك يجب أن يحترم على مستوى عقود البنوك الاسلامية اليت وضعت هذه المعايير لها .

خامساً:   لا مانع شرعاً من حيث المبدأ منح حافز للوكيل ـ بالاضافة إلى أجرته ـ بأعطائع بعض ، أو كل الربح الزائد عن نسبة معينة ، وبذلك صدر المعيار الشرعي لعقد الوكالة حيث نص على جواز ذلك في البند 4/2/5  .   

الصورة الثانية: الخاصة بالتوكيل بالاستثمار عن طريق المرابحة بنسبة محددة مرتبطة بلايبور زائداً كذا نقطة  ….

 


وحتى تتضح الصورة أكثر نذكر أحد العقود المطبقة في بعض البنوك الاسلامية بقدر ما نحتاج إليه ، حيث جاء فيه ما يأتي :

 

تمهيد:

حيث إن الطرف الثاني أبدى رغبته في توكيل الطرف الأول نيابة عنه في استثمار أمواله في المجالات المتفق عليها بين الطرفين وفق النظام الأساسي للطرف الأول ، وذلك في حدود المبلغ المتفق عليه في هذا العقد في ضوء المشاورات التي تمت بين الطرفين بشأن أسس وقواعد وضوابط وشروط ما سبق ، فقد اتفق الطرفان على ما يلي :

1 . يعتبر التمهيد السابق جزءا لا يتجزأ من هذا العقد ، متمما ومكملا ومفسرا لبنوده .

2 . وافق الطرف الأول على أن يكون وكيلا عن الطرف الثاني للقيام بعمليات الاستثمار وفق نظامه الأساسي بموجب هذا العقد في حدود مبلغ وقدره ……………… دك ( فقط: ……………………………………… دينار كويتي  لا غير) حيث يدفع الطرف الثاني للطرف الأول المبلغ المستثمر على هيئة دفعة واحدة بتاريخ    1 /  1  / 2007 . ويلتزم الطرف الثاني بإيداع هذا المبلغ المستثمر بالحساب الجاري رقم ………. فرع ……………………….  .

3 . وكل الطرف الثاني الطرف الأول في استثمار المبلغ المبين في البند ( 2 ) من هذا العقد – فيما يراه الطرف الأول مناسبا – وكالة عامة مع حق التعاقد مع النفس بالطرق المشروعة المتفق عليها ، وذلك وفق النظام الأساسي للطرف الأول  .

  1. يلتزم الطرف الأول بعدم استثمار أموال الطرف الثاني موضوع هذا العقد إلاّ في حالة تحقيق ربح للطرف الثاني لا يقل مقداره عما يعادل ( % سنوياً ) تقديراً من أصل رأس المال المستثمر ، ويعتبر الطرف الأول مخلاً ومقصراً إذا استثمر أموال الطرف الثاني بما يقل عن هذه النسبة ، ويلتزم بدفع أصل المبلغ والأرباح المنصوص عليها أعلاه عند نهاية مدة التعاقد في حال إخلاله فيما عدا الأسباب الخارجة عن إرادته .

5 . يستحق الطرف الاول اجرا من الطرف الثاني لقاء قيامه باعمال الوكالة في الاستثمار حسب التفصيل التالي :

       أ . اجر ثابت مقطوع مقداره (    ) سنويا يدفع مقدما عند توقيع أو تجديد العقد    ( انظر الجدول المرفق ) .

    ب . ما زاد عن النسبة (    % ) المشار إليها في بند ( 4 ) أن تحقق ، وذلك بمثابة حافز للطرف الأول للقيام بعمله على أتم وجه .

6 . يلتزم الطرف الأول بتسليم الطرف الثاني المبلغ المستثمر وما نتج عن استثماره من أرباح دفعة واحدة بتاريخ  1 / 1  / 2008 .

 فهذه الصورة ، أو هذه المنظومة من العقود أخطر ما فيها أمران أساسيان :

الأمر الأول : إن هذه المنظومة ليس لها علاقة بعقد الوكالة في الشريعة أو حتى في القانون إلاّ مجرد الاسم .

  فالوكيل لا يقوم بهذه الأعمال إلاّ للحصول على المبلغ المطلوب ، فهو يعمل لصالح نفسه ، وأن الموكل لا يريد إلاّ إرجاع مبلغه وأرباحه ( فوائده ) خلال الزمن المحدد .

  ثم ان جميع أعمال الوكيل أعمال استثمارية ، وفرّ الموكل إلى هذه الصيغة ، أو المنظومة خوفاً من أحد العقود الآتية :

الأول: هو أن الصيغة الشرعية الأصلية هي عقود المشاركات ( المضاربة ، والمشاركة ) ولكن الموكل لا يريدها لوجود المخاطر فيها .

الثاني: أن الصيغة الشرعية البديلة هي الوكالة الحقيقية بالاستثمار وهذا يعني تسليم الأموال إليها ليتاجر بها ، ويكون الغرم على الموكل ، والغنم له ، ويكون للوكيل أجر ثابت ، ولا مانع من أن يعطى  له جزء من الربح تحفيزاً له حيث ليست الاشكالية في منحه الأرباح ، وإنما الاشكالية في طمس معالم الوكالة في الواقع والمآل .

الثالث: أن مآل هذه الصيغة هي القرض المضمون مع فائدة مضمونة ، ولو صيغت المنظومة بهذه الصياغة الظاهرة الواضحة الصريحة لما مشت في البنوك الاسلامية ، واعترضت عليها الهيئات الشرعية .

  لذلك ابتكر الفكر المتأثر بالفكر الربوي هذه الصياغة التي فيها الضمان لرأس المال مع الربح المحدد 9% مثلاً عن طريق تغيير الاسم فقط من القرض بفائدة إلى الوكالة بالاستثمار يكون فيها رأس المال مضموناً مع فوائده .

  ولو كان تغيير الاسم كافياً في الحل والحرمة لكان تغيير اسم الربا إلى اسم الفائدة كافياً ، ولذلك سمعت في الجرائد والصحف وبقية وسائل الاعلام أنه يصدر قانون في إحدى الدول العربية بتغيير اسم القرض بفائدة إلى عقد استثماري ، أو عقد الوكالة بالمرابحة بنسبة كذا بالمائة .

  ولو فتح هذا الباب فقد فتح باب لشر عظيم مستطير ، حيث لا يبقى أي مبرر لتحريم الفوائد البنكية إذا صيغت على شكل الوكالة بالاستثمار عن طريق المرابحة بنسبة محددة ، وإذا ضم إلى هذه المنظومة حق التعاقد مع النفس ـ كما جاء في البند الثالث من العقد المذكور ـ لانتهى كل شيء، إذ يشتري الوكيل البضاعة لنفسه بهذه النسبة، وحينئذ أصبح ديناً في ذمته وضامناً له.

لذلك هنا نتساءل:

هل الحكم الشرعي: ان الله حرم الربا لأجل الاسم والشكل فقط ؟ أم أنه حرمه حسب الحقيقة والواقع ، والمآلات ، وما فيه من ظلم كبير عبر عنه القرآن الكريم (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )[86] .

  نعم لا إنكار لأهمية الصيغ والعقود ما دامت حقيقية ، يتحمل أصحابها المسؤولية عنها ، ولكنها مهما بلغت الصيغ من الأهمية فليس بمقدورها الغاء الحقائق والمقاصد المعتبرة لأي  عقد من العقود ؟

الأمر الثاني : ضمان الوكيل عن رأس المال النسبة المحددة في العقد إذا لم يستطع ترتيب عقد مرابحة بنسبة 9 % مثلاً وهذا ما نص عليه البند الرابع من العقد المذكور ، حيث جاء فيه بالنص : ( ويعتبر الطرف الأول مخلاً بواجبه ، ومقصراً إذا استثمر أموال الطرف الثاني بما يقل عن هذه النسبة ، ويلتزم بدفع أصل المبلغ والأرباح المنصوص عليها أعلاه عند نهاية مدة التعاقد ….. ) .

  هذا النص يجعل الوكيل مسؤولاً عن أصل المبلغ وأرباحه المذكورة في العقد ما دام لم يحقق ذلك ، فلا محيص له من ذلك فهو محاصر بهذا العقد .

  هذا وقد عرضت بعض المسائل المتعلقة بهذا العقد على الهيئة الشرعية لشركة أعيان ، نذكر بعضها لأهميتها ، وذلك على شكل سؤال وردها :

( السؤال رقم 1/2/2000) ونصه : ما شرعية تضمين الوكيل ما فات على الموكل من ربح نتيجة مخالفة الوكيل لشروط العقد ؟

فأجابت : اطلعت الهيئة على بعض النصوص الفقهية لدى بعض المالكية وبعض الحنابلة التي ذهب أصحابها إلى إجازة اشتراط الموكل على الوكيل ضمان الفرق بين السعر الذي شرط الموكل على الوكيل البيع به والسعر الذي باع به الوكيل ، فقد ورد في التاج والاكليل (الجزء7 ـ كتاب الوكالة ـ باب أركان الوكالة وححكمها والنزاع فيها ، ما نصه : ( إن باع بدون ما سمى له قرب السلعة بالخيار بين أن يمضي فعله أو يفسخه ، فإن أمضاه أخذ الثمن وان فسخه فإن كانت السلعة قائمة أخذها ، وإن كانت فائتة طالبه بالقيمة ان لم يسم ثمناً ، فإن سمى فهل له مطالبته بما سمى أوب القيمة ؟ قولان )

 كما ورد في كشاف القناع ( الجزء3ـ باب الوكالة ـ فصل : لا يصح أن يبيع الوكيل نساء ) ما نصه : ( وإن باع هو ـ أي وكيل ، ومضارب بدون ثمن المثل إن لم يقدر له ثمناً ، أو باع بأنقص مما قدره له الموكل أو رب المال صح البيع لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض ” وضمنا ” أي الوكيل والمضارب النقص كله إن كان مما لا يتغابن به عادة ، لأن فيه جمعاً بين حظ المشتري وبعدم الفسخ وحظ البائع فوجب التضمين وأما الوكيل فلا يعتبر حظه لنه مفرط ، فأما ما يتغابن الناس بمثله عادة كالدراهم في العشرة فمعفو عنه لا يضمنه الوكيل ولا المضارب لأنه لا يمكن التحرز منه إذا لم يكن الموكل قد قدر الثمن للوكيل ، ويضمن الوكيل والمضارب الكل ـ أي كل النقص ، ولو كان يتغابن به عادة في المقدور فأن قال : بعه بعشرة وباعه بتسعة ، ضمن الواحد لمخالفته ) انتهى .

  وعليه فالهيئة ترى أن يجعل ضمان المثل أو القيمة هو الأصل ، وإذا رأت الشركة الأخذ بما قرره بعض المالكية والحنابلة من تضمين الوكيل الثمن الذي حدد له الموكل إذا باع الوكيل بأقل منه فلا مانع من ذلك[87] .

سؤال متعلق بالبند السباق :

سألت اللجنة عن تضمين الوكيل مطلقاً كما هو مشهور في العقود المنتشرة في عقود الوكالة؟

فأجابت اللجنة كالآتي :

(لا يجوز تضمين الوكيل مطلقاً ومعلوم أن الوكيل لا يضمن إلاّ في حالة تعديه أو تقصيره إذ أن يده يد أمانة ، لا يد ضمان)[88].

ولي على هذا العقد ، وهذه الفتوى الملاحظات الآتية:

أولاً: أن هذا العقد هو عبارة عن مجموعة من العقود تتشكل منها منظومة عقدية يترتب عليها هدف واحد ـ كما سبق ـ  فإذا كانت العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني فلا يكون هذا العقد وكالة ، بل هي استثمار وتجارة فتطبق عليه قواعد المضاربة إن كانت ممكنة ، وهذا الشرط المذكور في المضاربة يجعلها مضاربة فاسدة ، كما أن يد المضارب يد أمانة .

ثانياً: ضمان الوكيل برأس المال والربح المحدد ، وهذه مسألة كيفتها الهيئة الشرعية على أساس مخالفة الوكيل لما قدره الموكل ، حيث قالت : (وإذا رأت الشركة الأخذ بما قرره بعض المالكية والحنابلة من تضمين الوكيل الثمن الذي حدد له الموكل إذا باع الوكيل بأقل منه فلا مانع من ذلك).

وأقول هنا: إن قياس ما في هذا العقد (الوكالة بالاستثمار) على ما ذكره الحنابلة ليس دقيقاً ، لأنهم تحدثوا عن وكيل سلمه إليه الموكل سلعة (حيواناً، أو غيره) فقال له: لا تبعها إلاّ بمبلغ ألف دينار ـ مثلاً ـ فقام الوكيل عمداً ببيعها بتسعمائة ، فقد ضمن الألف، فهذا وكالة حقيقية، ومع ذلك فجماهير الفقهاء مخالفون للرأي المذكور في فتوى الهيئة.

أما هنا فالموضوع بالعكس حيث سلم البنك الموكل المبلغ المطلوب للوكيل واشترط عليه أن يرابح به ، فهذه حالة غير الحالة الأولى، ومن المعلوم في باب المذاهب انه لازم المذهب ليس بمذهب ، وان قياس مسألة جديدة معاصرة على مسألة أخرى في باب آخر قياس غير صحيح ، بل إن الوجوه المخرجة داخل المذهب نفسه[89] لا تستند إلى صاحب المذهب وإنما إلى المخرج نفسه ، فهذا التخريج للهيئة ، وقول لها ، وليس قولاً لبعض الحنابلة وبعض المالكية ، إذ أنهم لم يصرحوا بحكم هذه المسألة بعينها ، بل ولا بأمر يعمها .

ثالثاً: أن هذه المسألة : ( مخالفة الوكيل في البيع بأقل من الثمن المقدر له ) ، قد اختلف فيها الفقهاء ـ بعد اتفاقهم على عدم جواز أن يبيع الوكيل بأنقص من الثمن المقدر[90] ـ على ثلاثة آراء :

الرأي الأول: أن البيع موقوف على إجازة الموكل ، وهذا رأي الحنفية والمالكية ، حيث قالوا : ان الموكل له الحق في الإجازة والفسخ ، فإن أجازه نفذ في حقه ، وإلاّ لا يلزمه ، وله رد السلعة إن كانت قائمة ، وقيمتها إن فاتت عند المشتري[91] .

  غير أن المالكية أضافوا شيئاً آخر ، وهو ما ذكره ابن شاس فقال : ( ولو قال الوكيل : أنا أتم ما نقصته ، فهل له ذلك ويمضي البيع أم لا ؟  قولان أيضاً :

أحدهما : ان ذلك له ، لأن مقصود الأمر قد حصل له .

والثاني: أنه لا يلتفت إلى قوله ، لأنه متعد في البيع ، فيجب الرد )[92].

الرأي الثاني : أن البيع باطل ، وهذا رأي الشافعية[93] ، والحنابلة في رواية اختارها صاحب الشرح الكبير وغيره[94] ؛ لأن الموكل لم يرض بخروج ملكه ، إلاّ بما أذن له ، والوكيل يستمد ولايته من موافقة الموكل ، فهو نائب له .

الرأي الثالث : صحة البيع مع ضمان الوكيل نقصان الثمن وهذا رأي الحنابلة على المذهب ، ولكنهم احتلفوا في تقدير قيمة النقصان ، وجهان :

أحدهما : يضمن الوكيل ما بين ثمن المثل والثمن الذي باع به السلعة .

والثاني : يضمن ما بين ما يتغابن الناس به ، وما لا يتغابنون به ، لأن ما يتغابن الناس به يصح بيعه ، ولا ضمان عليه[95] .

 جاء في الشرح الكبير : ( فإن باع بأقل من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله ، أو بدون ما قدره له ، فحكمه حكم من لم يؤذن له في البيع ، وعن أحمد أن البيع صحيح ، ويضمن الوكيل النقص .. وفي قدره وجهان :

أحدهما : ما بين ثمن المثل وما باعه به

والثاني: ما بين ما يتغابن الناس به ، و مالا يتغابنون ، لأن  ما يتغابن الناس به يصح بيعه ، ولاضمان عليه ، والأول أقيس ، لأنه بيع غير مأذون فيه أشبه ببيع الأجنبي ، وكل تصرف كان الوكيل فيه مخالفاً لموكله ، فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبي ) ثم بيّن المراد بما يتغابن فيه الناس بانه في حدود واحد من عشرة أي 10 % مسموح به في المعاملات[96] .

 وجاء في الانصاف: (وضمن النقص في قدره وجهان ، أطلقها في المغني ، والشرح ، والفروع ، والفائق ، والكافي،

أحدهما: هو ما بين ما باع به وثمن المثل ، قال الشارح : وهذا أقيس ، واختاره ابن عقيل ، ذكره عنه في القواعد الفقهية ، وقدمه ابن زرين قي شرحه….. )[97] .

إذن فليس في مذهب أحمد حسب الكتب المعتمدة القول بتضمين الوكيل كل ما ذكره الموكل وقدره لبيع سلعته كما هو الحال في العقود الحالية وإنما الراجح في مذهب أحمد إما بالقول ببطلان عقد الوكيل المخالف، أو إيقافه على إجازة موكله، أو تقييمه بثمن المثل ، وهذا هو الأقيس للأًصول والقواعد العامة وللعدالة، وذلك لأن الوكيل نائب عن موكله فإذا خالفه زالت الشرعية عن هذا العقد فيبطل، وإذا صحح فكيف نغرّم الوكيل في عقد صحيح ؟ كما أن الفقهاء يرجعون دائماً عند وجود خلل في العقد وتصحيحه إلى ثمن المثل.

الوجه الثاني: هو العبرة بما يتغابن به الناس، مع انني لم أجد قولاً، أو وجهاً معتبراً داخل المذهب الحنبلي يقول بتضمين الوكيل كل ما قدره له الموكل مطلقاً سواء كانت مخالفته فيما يتغابن، أو ليس فيما يتغابن ـ كما سبق .

ومع الاعتراف بوجود وجه لبعض الحنابلة ، وبعض المالكية من المتأخرين فلا يمكن أن يعارض به أقوال جماهير الفقهاء ، ومقتضى الوكالة .

وكل ما قلنا في الوكالة الحقيقية التي يسلم فيها الموكل بضاعته إلى الوكيل وحدد لها الثمن المطلوب ، ولكنه خالفه فباعه بأقل.

أما العقد المذكور فليس في حقيقته وجوهره وكالة ، وإنما هي مضاربة فاسدة أو قرض بفائدة عن طريق  منظومة تؤدي إلى ذلك ؛ لأن العلاقة هي علاقة استثمار ، وليست علاقة إنابة وقيام الوكيل ببعض أعمال الموكل، أو أن الغرض الأساس هو الحصول على قرض بفائدة مضمونة.

  هذا من جانب ، ومن الجانب التطبيقي لهذا العقد ـ من خلال تجربتي ـ أنه لن يسأل عن الزمن الذي يبدأ فيه الوكيل بإجراء المرابحة ، ولن يسأل كذلك : هل تمت المرابحة أم لا ؟ والمهم أن المبلغ المذكور مع أرباحه ( فوائده ) يدخل في حساب الموكل في الزمن المقدر.

  وقد حدث فعلاً أن إحدى شركات الاستثمار أخذت لهذه الطريقة عدة ملايين من الدولارات وأشغلتها في مصالحها الخاصة معظم الوقت ، ولم يبق إلاّ شهر واحد فلم تجد من يشتري بهذه النسبة العالية ، فسألت هيئتها الشرعية، فقالت: يسعفك البند الخاص بالتعاقد مع النفس ، فتستطيع أن تشتري السلع الدولية لصالح الموكل ، ثم تشتريها من الموكل بما يحقق 7 % السنوية ، فحسبت فكانت نسبة المرابحة كبيرة جداً لأنها جمعت لشهر واحد تكفي للنسبة السنوية المتفق عليها.

وهذه الصورة تتم في كثرة من الأحيان عن طريق المرابحات الدولية التي ذكرنا مشاكلها مع حق التعاقد مع النفس، مع وجود عدة صفقات داخل صفقة واحدة.

البديل الشرعي الصحيح:

  والبديل الشرعي لذلك هو عقود المضاربة والمشاركة ، أو المرابحات الداخلية الحقيقية ، أو أن تتم فعلاً عن طريق شركات التمويل التي عملها الأساس هو المرابحات الداخلية ، فيمكن ترتيب عقد الوكالة بالاستثمار معها ، لأن عملها الأساس هو المرابحات الداخلية ، ولكن دون اشتراط الضمان عليه  ، ومع توافر بقية الشروط المطلوبة .

القسم الثاني: الفضالة وتطبيقاتها:

الفضالة : هو مصطلح قانوني يعبر عنه في الفقه الاسلامي بالفضولي ، وهو من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي ، وذلك بأن يقوم شخص بشراء شيء لشخص آخر ليس له ولاية ولا وكالة ، أو أن يبيع شيئاً ليس له ولاية عليه ….. الخ ، وقد عرفه المعيار الشرعي للوكالة وتصرف الفضولي في البند 8/1  بأنه : هو من يتصرف في شؤون الغير دون أن يكون وكيلاً أو مأذوناً له بحكم الشرع …  .

  وقد اختلف الفقهاء في عقد الفضولي فقال المالكية ، وأحمد في رواية عنه أنه ينعقد موقوفاً على إجازة من اشترى له ، فإن أجازه نفذ ، وإن ردّه بطل ، وقال الشافعي في الجديد ، والحنابلة في الصحيح من المذهب : أن شراءه باطل .

  وأما الحنفية فقد فرقوا بين ما إذا أضاف العقد إلى نفسه ، فقد صح العقد له ، وبين ما إذا أضافه إلى الذي اشتراه له فإن العقد يكون موقوفاً [98].

  وفي رأيي أن مذهب الحنفية هو الراجح ، ولا يسع المجال الخوض في تفاصيل هذا الموضوع .

  وقد رجح المعيار الشرعي المذكور أن عقده موقوف على إجازة صاحب الحق ، نذكر ما جاء فيه لأهميته :

(8. تصرف الفضولي :

8/1    الفضولي هو من يتصرف في شؤون الغير دون أن يكون وكيلاً أو مأذوناً له بحكم الشرع ولو لم يكن التصرف ضرورياً وعاجلاً ، ولو ظهر الفضولي بمظهر المتصرف في مال نفسه .

8/2    عقد الفضولي موقوف على إجازة صاحب الحق فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل ، ولا يملك إجازته بعد أن فسخ العقد بل يمكنه عقده ابتداء ، وللفضولي أو المتعاقد معه أيضاً حق الفسخ قبل الاجازة ، وإذا لم يجز صاحب الحق تصرف الفضولي له يكون التصرف للفضولي إذا لم يفصح عند تصرفه أنه فضولي بأن أضاف العقد لنفسه .

8/3    تطبق أحكام تصرف الفضولي في جميع العقود المالية سواء أكانت من المعاوضات ، مثل البيع والشراء ، والايجار والاستئجار ، أم من التبرعات مثل الهبة كما تجري في الوكالة بالاستثمار .

8/4    إذا أجاز المالك العقد صار نافذاً ، وتطبق عليه أحكام الوكالة ، وينفذ أثر الإجازة بأثر رجعي مستنداً إلى  وقت صدور التصرف  ) .

وبعض البنوك الاسلامية تطبق عقد الفضولي في بعض الحالات ، منها :

 أن يقوم أحد التجار بشراء ما يريده من الخارج ، ثم يجد نفسه غير قادر على تنفيذ التزاماته ، فيأتي إلى البنك ويطلب التمويل، ففي هذه الحالة لا يجوز للبنك أن يأخذ بعقد الفضالة ، إذ العقد صح للعميل نفسه ، فكيف يصح لغيره لعد ذلك .

  • وهناك حالات أخرى يظهر للبنك أن العميل أراد فعلاً أن يشتري الشيء باسم البنك ، وذلك من خلال الفواتير وبوليصة الشحن ، ففي هذه الحالة يمكن للبنك إجراء العملية على أساس عقد الفضولي ، وإجازة العقد ، ثم البيع مرابحة للعميل .
  • وهناك حالات أخرى تتمثل في أن البنك قد فتح للعميل الاعتماد المستندي ، وحدد له سقف المرابحات للاستيراد والتصدير ، ولكن قبل الموافقة على إجراء المرابحة يقوم العميل بشراء البضاعة بنية البنك ، ففي هذه الحالة أيضاً يجوز للبنك إكمال العملية بالاجازة ، ثم البيع مرابحة للعميل .

ولكن في رأيي يجب أن تكون هذه الاجراءات استثنائية محدودة وفي حدود ضيقة جداً تعرض كل حالة وحدها على الهيئة الشرعية أو العضو التنفيذ للهيئة .

القسم الثالث:  المرابحة العكسية (المراجحة)، وتطبيقاتها :

فقد طالعتنا الصحف وبخاصة الصحف الاقتصادية الخليجية ، وفي مانشيتاتها العريضة :

ابتكار منتج جديد اسمه : المراجحة:

وفي بعضها:

تطوير منتج جديد اسمه : المرابحة العكسية:

وكتبت في الخط الثاني:

ودائع مضمونة بنسبة 100 % مع أرباحها المحددة، مجازة من الهيئة الشرعية

وحقاً ودون مبالغة فقد تلهفت لمعرفة هذين المصطلحين اللذين لم أسمع بهما مع تشرفي بمعايشة الفقه الاسلامي والاقتصاد الاسلامي ( وحتى القانون ) منذ أكثر من 45 عاماً ، وقلت في نفسي : أنا أعرف المرابحة ، ولكن لأول مرة أسمع بالمرابحة العكسية ، ولم أسمع أبداً بالمراجحة ، لذلك بدأت فوراً بالبحث عنهما حتى أتعلم فالعلم من المهد إلى اللحد .

وحينما أتي لي بعقودهما فوجدتهما هي : المرابحة بالاسم ، ولكنها غيّر اسمها، وأُلبست هذا الثوب الجديد.

وقد اشتهر عندنا في قطر من خلال بنك الريان اسم (المراجحة) في حين اشتهر اسم (المرابحة العكسية) في الكويت من خلال بنك بوبيان، حتى كتب أحد أعضاء الهيئة الشرعية لبنك بوبيان تبريراً لذلك فقال: (فقد قام بنك بوبيان في الآونة الأخيرة بتطوير منتج جديد ومبتكر ، وهو عبارة  عن استثمار أموال المودعين عن طريق عقد الوكالة في الاستثمار، فعقد الوكالة في الاستثمار من العقود الشائعة والمنتشرة بين المؤسسات المالية المختلفة ، إلاّ أن الجديد في بنك بوبيان هو استخدام هذه الصيغة في استثمار أموال المودعين حيث إن الصيغة المعهودة في استثمار أموال المودعين في البنوك الاسلامية هي صيغة المضاربة طوال السنوات الماضية ، فكون بنك بوبيان يقوم باستخدام صيغة أخرى في استثمار أموال المودعين بالاضافة إلى صيغة المضاربة يعدّ بحدّ ذاته تطويراً وتنويعاً في صيغ الاستثمار ).

ملاحظاتنا على هذه الصيغة المبتكرة ! !

إن هذه الصيغة ليست مبتكرة ، ولا فيها جديد سوى جمع بين عدة عقود ينتج منها منتج يقضي تماماًً على مصداقية  البنوك الاسلامية، وتمييزها عن البنوك الربوية، ويفتح الأبواب لنقد البنوك الاسلامية على مصراعيها، فهو يجمع بين الأشياء التي هي محل انتقاد شديد من الأصدقاء والأعداء فهو يجمع بين التورق المنتظم ـ الذي صدر بتحريمه قرار من المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة ـ ، وبين المرابحات الدولية اليت تلفها الشبهات من كل جانب، وتحيط بها المشاكل من كل طرف، وبين التعاقد مع النفس التي منعها المعيار الشرعي لعقد الوكالة، وبين إلزام الوكيل بالمرباحة بنسبة محددة ، وتضمينه رأس المال النسبة المتفق عليها مسبقاً ، فهو يقضي على آخر حِصْن بقيت فيه عقود المضاربة، وهو: الودائع الاستثمارية.

  وقد حاولت بعض البنوك الاسلامية ، والفروع الاسلامية التابعة للبنوك التقليدية أن تحصل على موافقة مصرف قطر المركزي على منتج المراجحة، أو المرابحة العكسية، فلم يوافق عليه، بل أرسل خطاباً إلى الهيئات الشرعية بتأريخ 30/04/2007م يستفسر عن مدى مشروعيته جاء فيه كلام جميل وهو : ( وما إذا كان يمكن للبنوك الاسلامية تغيير أسلوب قبولها ودائع العملاء ، من أسلوب المضاربة الشرعية القائمة على المشاركة في الأرباح إلى أسلوب المرابحة العكسية القائمة على خلق التزامات ثابتة يضمنها البنك لأجل ، وبعائد محدد).

وحقاً إنه تحول غريب فبدل أن تسير البنوك الاسلامية نحو تحقيق الأهداف الأساسية للاقتصاد الاسلامي، من تحقيق التنمية الشاملة وتطبيق آلياته من المشاركة والدخول إلى عالم الأسواق الحقيقية بدأت بعض البنوك والفروع الاسلامية تريد أن تسير على خطى البنوك الربوية شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، ولكن مع تغيير الأسماء والمصطلحات ، حتى لو دخلت جحر ضبّ لدخلته بعض هذه البنوك[99] ، ولذلك تبحث عن المضاهاة في كل شيء ، حتى قال أحد كبار العلماء المعاصرين أمام هذه الهرولة : يكاد يصدق عليها قول بني اسرائيل لموسى عليه السلام : (اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)[100] .

  والغريب أن هذه التبعية من هذا البعض ليست في الأمور الجيدة ، ليست في الابداع في التنمية وخدمة العملاء ، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول إلى جحر الضبّ الذي هو أكثر الجحور فوضى وعدم تنظيم ، وليست التبعية في الأمور الجيدة وفي الحكمة التي هي ضالة المسلم .

آليات وخطوات المرابحة العكسية :

 يأتي العميل إلى البنك ، ويريد أن يحصل على ضمانات كافية لماله الذي يودعه في البنك الاسلامي، ويعرف بالضبط نسبة عائده، والحقيقة أن المباردة كانت من هذه البنوك صاحبة المنتج الجديد، حيث طلبت من العملاء: من أراد أن يحصل على ضمان ودائعه ، وضمان نسبة أرباحها فعليه أن يتقدم بطلب.

  وأياً ما كان فإن العميل يأتي إلى البنك ، ويتبع الخطوات الآتية في الفقرات الآتية، حسبما ذكره خطاب مصرف قطر المركزي:

  • توكيل من العميل بشراء سلع ” دولية ” نقداً لحساب العميل ، وتوكيل البنك ببيعها لنفسه بأجل محدد ، وعائد محدد بأسلوب المرابحة .
  • تقديم العميل الأموال للبنك ( وهذه الخطوة يمكن أن تتقدم أو تتأخر ) .
  • قيام البنك بشراء السلع نقداً بأموال العميل ، وبيعها لنفسه ” البنك ” من خلال عقد مرابحة محدد الأجل والعائد[101] .
  • قيام البنك بتسييل السلع التي اشتراها من العميل ببيعها ، والحصول على القيمة النقدية الفورية لها .
  • استخدام البنك للأموال التي حصل عليها من البيع الفوري لهذه السلع من مصادر أمواله الأخرى ( أموال المضاربة العامة للبنك ) في تقديم خدمات التمويل والاستثمار في جانب الموجودات .

هذه هي الخطوات العملية التي سجلها مصرف قطر المركزي بدقة ووضوح ، وهي تتضمن ما يأتي :

  • التورق المصرفي المنتظم الذي صدر بتحريمه قرار من المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي .
  • إن قيام البنك بشراء السلع نقداً بأموال العميل وبيعها لنفسه مباشرة ، ممنوع شرعاً ، كما جاء في معيار الوكالة الشرعي:من أنه ليس للوكيل أن ينوب عن طرفي التعاقد…
  • المرابحة في السلع الدولية ” التي ذكرنا مشاكلها في القسم الأول من هذا البحث” .
  • قلب لنظام البنوك الاسلامية ” كما جاء في خطاب مصرف قطر المركزي ” … ؛ وذلك لأن الفارق الجوهري الذي نركز عليه دائماً أمام الناس : أن الودائع الاستثمارية في البنوك الاسلامية تقوم على المضاربة الشرعية التي تحتمل الربح والخسارة ، وأن الربح ليس محدداً ، وإنما حسب النتائج الواردة ، ولذلك كانت البنوك الاسلامية توزع في بعض السنوات 8% وفي بعضهال أقل أو أكثر ، أما هذا المنتج الجديد فقد انتهى فيه كل شيء ، فالعميل اتفق مع البنك على نسبة محدد فلنفرض 5% فليس له الحق في الزيادة مهما ربح البنك ، ولا عليه الخسارة مهما خسر البنك ، أليس هذا هو مثل منتج القرض بفائدة مع فارقين أساسين ، وهما :

الفارق الأول : أن القرض بفائدة ظاهر وواضح ولا يحمل اسم الاسلام ، ولم يلبس جبة ولا عمامة ، وأما المنتج الجديد فقد حمل اسم الاسلام وشعاره وعنوانه .

والفارق الثاني : أن منتج القرض بفائدة لا يحتاج فيه العميل إلى أكثر من إيداع المبلغ في الحساب والتوقيع على عقد القرض بفائدة ، أما هذا المنتج فيحتاج إلى لفة طويلة من العقود ، والعمولات والتوقيع على عدة عقود ، حسبنا الله على هذه الحيلة التي تقضي على البنوك الاسلامية ـ .

هـ ـ إن هذا المنتج فيه إلزام الوكيل بالشراء بالمرابحة بنسبة محددة ، مع تضمينه إن خالف ، وبالتالي فإن ما قلناه فيه في السابق يطبق على هذا المنتج …

والخلاصة :

 

   أن هذا المنتج يتضمن بعض عقود لو انفردت لما قلنا بتحريمها ، ويتضمن عقوداً وتصرفات وشروطاً محظورة ، منها : التورق المصرفي المنتظم ، والشراء للنفس ، ولذلك حينما اجتمعت هذه العقود والاجراءات أصبح المنتج عبارة عن منظومة متكاملة لما وسع  فقيها ينظر إلى مقاصد الشريعة الاسلامية أن يجيزه ، فهو ـ كما قلت ـ أشبه بالقرض بفائدة ، ولا يختلف  عنه إلاّ في الفارقين المذكورين سابقاً .

  ولكن الأخطر من ذلك هو ان هذا المنتج يمّس أهم مفصل من مفاصل النظام البنكي الاسلامي ، وهو مفصل الودائع التي كانت ، ولا زالت في معظم البنوك الاسلامية تقوم على المضاربة الشرعية التي يكون فيها البنك مضارباً لا يتحمل أية مسؤولية عن الخسائر إلاّ في حالات التعدي والتقصير ، أما في ظل المنتج الجديد فقد أصبح مديناً .

 وأن العميل في ظل النظام البنكي الاسلامي في الصحيح هو ربّ المال ، يتحمل مخاطر ماله ، ويشارك في أرباحه إن تحققت حسب الاتفاق ، وفي ذلك تعويد على النظام الاقتصادي الاسلامي القائم على أساس المكلية والمشاركة ، وقاعدة الخراج بالضمان ، والغرم بالغنم ، وأما في ظل هذا المنتج فقد أصبح دائناً له ضمان رأس ماله وفوائده .

  ومن جانب ائتماني فكيف يستطيع بنك إسلامي رأسماله مليار ريال ـ مثلاً ـ أن يتحمل الودائع بعشرين مليار ريال أو أكثر ؟

  وبسبب هذه المخاطر الكبيرة التي تترتب على القرض الربوي المضمون من البنوك التقليدية منع النظام الاقتصادي الرأسمالي البنوك من المتاجرة أو أي عقد فيه المخاطرة منعاً باتاً بالنسبة لأموال الودائع ، فليس للبنك التقليدي الحق فيها إلاّ أن يقرضها بفائدة أعلى كما اقترضها بفائدة أدنى .

  وهذا المنع القائم على التوازن هو الأساس للبنوك التقليدية ، وبدونه سوف تتعرض للمخاطر الجسيمة والافلاس ، كما أن أموال المودعين تكون أيضاً في مهب الرياح العاتية .

  ولذلك أوجه سؤالي إلى هذه البنوك التي تعمل بنظام ( المرابحة العكسية ) ، فلو أخذت كل ودائعها ، أو معظمها على هذا الأساس ، فماذا تفعل ؟ هل تدخل في عقود بهذه الأموال فيها مخاطر الخسارة مع أنه ضامن لها ولفوائدها ؟ وهل تسمح البنوك المركزية بهذه المراجحة وبعدم التوازن ؟

  فالبنوك الاسلامية الملتزمة متوازنة وقائمة على ميزان العدل ، حيث تأخذ الودائع على أساس المضاربة الشرعية التي يتحمل فيها ربّ المال ( المودع ) الخسائر ، ثم تدخل هي أيضاً في عقود البيع والشراء ، والاستصناع ، والمشاركات على نفس الأسس .

  أما أن يمشي بنك إسلامي بميزانين : ميزان البنوك الربوية في ضمان رأس المال وفوائده بالنسبة للودائع ، ثم يمضي على ميزان البنوك الاسلامية بالنسبة لاستثمارها القائم على الربح والخسارة …

   أعتقد جازماً أن هذا يحدث خللاً كبيراً  على المستوى المالي والاقتصادي أيضاً ، بل وإفلاساً ، أو السير على ميزان البنوك الربوية في الاقراض أيضاً .

الخاتمة :

بعد هذا العرض المليئ بالنقد الذاتي أرى أن أختم بحثي هذا بما يأتي :

أولاً: أقولـ والله على ما أقول شهيد ـ إن كل ما قلته كان من باب الحرص الشديد ، والخوف الكبير على مسيرة البنوك الاسلامية التي ولدت بعد مخاض طويل شديد ، دام أكثر من قرن ونصف قرن ، حيث فرضت البنوك الربوية والقوانين الاقتصادية الرأسمالية على معظم العالم الاسلامي الذي احتله الغرب منذ أكثر من قرنين ، وأراد لقوانينه وأنظمته وقيمه الهيمنة الكاملة الدائمة على عالمنا الاسلامي ، ولم يستطع العلماء والمفكرون والمستثمرون المسلمون الوصول إلى فتح أول بنك إسلامي إلاّ بعد جهود وجهاد طويل ، لذلك يكون الحفاظ على سلامة هذه المسيرة بل وتطويرها من المسؤوليات الملقاة على عاتقنا .

ثانياً : إن ما ذكرناه من أخطاء لا تزال في حدود ضيقة ، حيث ولا تزال معظم البنوك الاسلامية ملتزمة على السير على الصراط المستقيم ، وتسعى أول ما تسعى للالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية الغراء .

ثالثا : إن بعض الهيئات الشرعية تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية ، إذ لا نجد منتجاً لأي بنك إسلامي ، أو فرع إسلامي من فروع البنوك التقليدية إلاّ وعليه موافقة هيئته الشرعية سواء كانت بالاجماع، أم بالأغلبية، بل نجد فتوى تعتمد فيها على النقول والأقوال السابقة.

  والاشكالية هي النظرة الأحادية في هذه المنتجات إلى كل عقد نظرة مستقلة ، ولو نظر هؤلاء الاخوة الكرام نظرة شاملة يلاحظ فيها فقه المآلات ، والذرائع ، ومقاصد الشريعة والأهداف العامة للاقتصاد الاسلامي ، والبنوك الاسلامية ، والانسجام مع المبادئ الكلية والقواعد العامة في هذه الشريعة التي تعتمد على أن : ( الأمور بمقاصدها ) لما صدرت مثل هذه الفتاوى .

بل لو نظر هؤلاء إلى  الحملة الاعلامية الجاهزة الموجهة إلى البنوك الاسلامية بسبب هذه الأخطاء لما أقدم هؤلاء على مثل هذه الفتاوى ، ولنا  في ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يقتل هؤلاء المنافقين الذي آذووا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في عرضه ، بل لم يقتل رؤوسهم المدبرة ، رعاية لدرء الحملة الاعلامية الظالمة التي كانت تقول ـ لو حدث هذا ـ : ( إن محمداًً يقتل أصحابه )[102] .

  ولذلك أوجه ندائي الخالص إلى هؤلاء الأعضاء والهيئات الشرعية الذين لا أشك في نياتهم الطيبة ، ومحاولتهم إيجاد المخارج والحلول … ، أقول لهم : كفى ذلك ، حيث قويت البنوك الاسلامية وبلغت مبلغاً عظيماً من حيث العدد والمبالغ المستثمرة لديها حتى بلغت حوالي سبعمائة مليار دولار في هذا العام ، فلنبدأ بتصحيح المسيرة وترشيدها نحو الأحسن والأفضل ، فإن من سنة الله تعالى : أن تحقيق الحضارة والتقدم ، والابتلاء لا يتم إلاّ بالعمل الأحسن ، حتى ولا بالحسن ، فقال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[103] ولذلك أمرنا الله تعالى بالأحسن في كل شيء ، في الفعل ، والاتباع ، وفي القول ، والقدوة ، حتى في الصبر (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)[104] والهجر (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)[105] والجميل من صيغ المبالغة بمعنى ” الأجمل”.

فلنلتزم بقرارات المجامع الفقهية ، والمعايير الشرعية ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ، فرأي الجماعة هو الخير.

 ولنقطع دابر هؤلاء الذين يريدون إفساد البنوك الاسلامية من خلال منتجات مشبوهة.

 وكم يؤلمني ما يحدث اليوم من تنافس بين بعض الهيئات الشرعية في الحيل والمخارج ؟ ، وكم يؤلمني أكثر أن يكون اختيار العضو على أساس إجازة التورق المنتظم ، والمرابحات الدولية ؟ وكم يوجعني أن أسمع من بعض المسؤولين الاداريين الذي عاشوا معظم أعمارهم في البنوك الربوية ، وجاؤوا إلى البنوك الاسلامية طمعاً في زيادة المرتبات ، أو الأرباح[106] ، فهؤلاء يبحثون عن المنتجات التي تعودوا عليها ؟ والله المستعان وحسبنا الله نعم الوكيل.

رابعاً : فليعلم جميع الاخوة المسؤولين عن البنوك والفروع الاسلامية :  أن مصداقية هذه البنوك والفروع الاسلامية وأساسها، ومبناها، يكمن في شيء واحد وهو: الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية، والمرجعية الاسلامية، فإذا سحبت هذه المرجعية اختل ميزان التعامل بها فإن هذه البنوك الاسلامية لا تستطيع منافسة البنوك التقليدية ، وبالتالي تنهار ، أو تنكمش، فهي كالسقف تخر وتسقط إذا انهارت الأسس والأركان .

  ولذلك لا تستبعد فكرة المؤامرة على البنوك الاسلامية من خلال إشاعة هذه المنتجات المشوهة ليثبت أمام العالم عدم شرعيتها وبالتالي انهيار الأسس التي قامت عليها هذه البنوك.

 وفي مؤتمر الكويت حول المخاطر في البنوك الاسلامية قدمت ورقة أثبت فيها أن : أهم المخاطر وأكثرها تأثيراً عليها هو خطر  عدم الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية بصورة صحيحة .

خامساً: إن ما ذكرناه من بعض الانتقادات لبعض البنوك الاسلامية في هذا البحث ليس خافياً على أحد ، وإنما هو على ألسنة الناس ، وفي المجالس ، بل وفي الصحف ، والانتريت ، وقصدنا من ذلك التصحيح والترشيد لهذه المسيرة المباركة للبنوك الاسلامية للقضاء على هذه الأخطاء التي لا زالت في دائرة متواضعة قبل أن تصبح ظاهرة .

قانون جريشام في الفتوى :

  وأكثر ما أخشاه أن يطبق على الفتاوى المالية البنكية قانون جريشام الذي يقضي بأن العملة الرديئة تطرد العملية الجيدة من السوق .

  وبعض الاداريين يسعون لذلك ، ويبحثون عمن يفتي لهم في كل هذه المنتجات مهما كان الثمن .

سادساً: أرى ضرورة عقد مؤتمر يدعى إليه جميع رؤساء الهيئات الشرعية للبنوك ، وبعض اعضائها ، وبخاصة الأعضاء التنفيذيون، يناقش فيه هذه الفتاوى المتناقضة ، وعدم الالتزام بالقرارات الصادرة من المجامع الفقهية والمعايير الشرعية، والغريب أن يحدث ذلك حتى من بعض أعضاء هذه المجامع ، والمعايير الشرعية .

  وقد كانت الندوة التي عقدت في البحرين بعد ورشة العمل الخاصة بهذا الموضوع خطوة جيدة نحو الترشيد والتصحيح ، والتناصح ، فآمل وأرجو أن تستمر للوصول إلى مرجعية نتفق جميعاً على احترامها .

هذا والله الموفق.. وهو الأعلم بالصواب.. وهو الهادي إلى سواء السبيل،،

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

                                                                           كتبه الفقير إلى ربه:

 

                                                                          أ.د. على محيي الدين القره داغي

 


([1]) يراجع : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط ، والمصابح المنير ، مادة ” وكل “

([2])  سورة النساء / الآية81

([3]) المفردات في غريب القرآن ط. دار المعرفة / بيروت ص 532- 533

([4])  وهو تعريف اختاره الشافعية ، مغني المحتاج (2/217) ونهاية المحتاج (5/14) ويراجع : حاشية ابن عابدين (4/400) ومواهب الجليل (5/181) والانصاف (5/353) ، الموسوعة الفقهية الكويتية (45/5) وسلطان الهاشمي : أحكام تصرفات الوكيل في عقود المعاوضات المالية ط. دار البحثو بدبي ص 89

([5]) حاشية الدسوقي (3/377) وقواعد الفقه للبركتي ص 519

([6]) حاشية ابن عابدين (2/296) ويراجع كذلك : القاموس المجيط ، ولسان العرب مادة ” ناب “

([7])  يراجع للجانب اللغوي : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط مادة ” وصى ” وللجانب الفقهي : فتاوى قاضيخان (3/513) ومغني المحتاج (3/73) والموسوعة الفقهية الكويتية (45/6)

([8])  يراجع : فتح الباري شرح صحيح البخاري (6/632) وتبيين الحقائق (4/254) وحاشية الدسوقي (3/339) ونهاية المحتاج (5/15) والمغني لابن قدامة ( 5/201)

([9])  المصار السابقة

([10]) المصادر السابقة

([11]) بدائع الصنائع (6/20) ودرر الحكام (3/535) وروضة الطالبين (4/310) والحاوي للماوردي (8/190) ومطالب أولي النهى (3/428)

([12])  المصادر السابقة نفسها

([13]) يراجع : درر الحكام ، وشرح مجلة الأحكام (3/593)وعقد الجزاهر الثمينة (2/688) وحاشية الدسوقي (3/397) وروضة الطالبين (4/332) والمغني (5/211)

([14])  المصادر السابقة

([15]) المصادر السابقة

([16]) حاشية ابن عابدين (4/416) ودرر الحكام (3/658) ويراجع في المذهب المالكي : الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (3/397) وشرح الخرشي على مختصر خليل (6/69)

([17]) روضة الطالين (4/332)

([18]) عقد الجواهر الثمينة ط. دار الغرب الاسلامي (2/688)

([19]) الفتاوى البزازية بهامش الفتاوى الهندية (5/460) وحاشية ابن عابدين ط. دار احياء التراث العربي (4/416) وكشاف القناع (3/468) والروضة (4/301)

([20])  الفتاوى البزازية بهامش الفتاوى الهندية (5/460) الانصاف (5/386)

([21]) روضة الطالبين (4/301- 302 ) وتحفة المحتاج (5/312) وكشاف القناع (3/468) والانصاف (5/368)

([22])  روضة الطالبين (4/ 301 – 302 ) وتحفة المحتاج (5/312) وكشاف القناع (3/468) والانصاف (5/368)

([23]) الانصاف (5/368)

([24]) يقول الأستاذ السنهوري في الوسيط (7/664) : ( وجواز عزل الموكل للوكيل قاعدة من النظام العام ، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها ….. ) وهكذا الأمر بالنسبة للوكيل ـ كما سيأتي تفصيل ذلك ـ

([25]) السنهوري : الوسيط ط. دار النهضة العربية / القاهرة 1964 (7/ 371 – 373 )

([26]) مثل المادة ( 700 ) من القانون المدني المصري ، والمادة ( 700 ) م. ليبي ، والمادة (666) م. سوري ، والمادة      ( 718) م. قطري

([27]) الدكتور السنهوري : المرجع السابق (7/660) وأنور العمروسي : التعليق على القانون المدني المعدل ، دون ذكر المطبعة ، 1980 (3/315 وما بعدها )

([28]) الدكتور السنهوري : المرجع السابق (7/664) والعمروسي : المصدر السابق (3/315)

([29])  الدكتور السنهوري : المرجع السابق (7/667) والعمروسي : المصدر السابق (3/316)

([30]) الدكتور السنهوري : المرجع السابق (7/668)

([31]) فعقد الوكالة إذا كان مدنياً تكون المحاكم المدنية هي جهة الاختصاص ، وأنه لا يجوز اثباتها إلاّ بالكتابة ، أو بما يقوم مقامها إذا زادت القيمة عن عشرة جنيهات مصرية ، أما إذا كانت تجارية فإن القضاء التجاري هو جهة الاختصاص ، ويجوز الاثبات بالبينة ، أوبالقرائن مهما بلغت قيمة الوكالة …. يراجع : الوسيط ( 7/412)

([32])  الدكتور السنهوري : المرجع السابق (7/ 410 – 411)

([33])  الدكتور السنهوري : المرجع السابق (7/ 410 – 411)

([34])  يراجع : قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين البحريني رقم 44 لعام 1985 ، المادة (2) وقد ورد مثل هذه التعريفات في المادة (2) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين (مؤقت) قانون رقم 20 لعام 1974 ، والمادة (2) من قانون رقم (44) والقانون البحريني رقم (10) لسنة 1992 المادة (1)

([35])  المصدر السابق نفسه

([36]) ويراجع : http://ar.wikipedia.org  صفحة القانون

([37]) المقصود بالتصرف القانوني هو : إنشاء العقود ، أو القيام بالايجاب فقط ، أو القبول ، وهو التصرف الذي يقوم على الارادة ، ويرتب القانون عليه التزاماً

أما العمل المادي فهو يشتمل كل الأعمال العادية التي لم تبن على أساس التعاقد أو الارادة المنفردة ، مثل إطفاء الحريق ، وبناء البيت ، أو المصنع ، أو نحو ذلك ، يراجع لمزيد من التفصيل : الدكتور السنهوري : الوسيط (1/1231) والعمروسي : المرجع السابق (3/316)

([38]) الدكتور السنهوري : الوسيط (7/377) والعمروسي (3/316) والدكتور جمال مرسي بدر : النيابة في التصرفات القانونية ص 105

([39])  العمروسي : المرجع السابق (3/317) والسنهوري : الوسيط (7/377)

([40])  المصدران السابقان

([41]) الدكتور السنهوري : الوسيط (7/383) والعمروسي : المرجع السابق (3/317 )

([42]) المصدران السابقان

([43]) المصدران السابقان

([44]) المصادر السابقة

([45])  الدكترو السنهوري : الوسيط ( 7/376) والعمروسي : المرجع السابق (3/316)

([46]) الدكتور السنهوري : الوسيط ( 7/377)

([47])  المصادر السابقة ، ويراجع : الدكتور محمود كامل : عقد الوكالة وعقد العمل ، بحث منشور في مجلة المحاماة ، العدد 10 ص 1322 وما بعدها

([48]) يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد 2 ج2 / 527 ، والعدد3 ج1/77

([49])  مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد2 ج2 ص 1035

([50]) يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد2 ج2 ص 1035

([51]) يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد6 ج2 ص 1273 ، والعدد7 ج1 ص73

([52])  يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد8 ج2 ص 25

([53])  يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد6 ج2 ص 1273 ، والعدد7 ج1 ص73 ، والعدد9 ج2 ص5

([54])  يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد12 ج3 ص 459

([55])  الحاوي للماوردي ط. دار الكتب العلمية / بيروت 1414هـ

([56]) حاشية ابن عابدين (4/ )

([57])  المبسوط _15/83) ونهاية المحتاج (5/266) ونهاية المحتاج (5/56) وكشاف القناع (3/554) ويراجع : د. أحمد حسن : نظرية الأجور في الفقه الاسلامي ط. دار اقرأ 1422هـ ص 244

([58])  سنن الدارقطني ، كتاب البيوع ، الحديث رقم 2966 ، والسنن الكبرى للبيهقي ، البيوع (5/339) ويراجع : تلخيص الحبير (3/60) ط. القاهرة

([59])  تلخيص الحبير (3/60)

([60])  ارواء الغليل (5/296 – 297 )

([61])  المصادر الفقهية السابقة

([62]) المغني لابن قدمة (5/119)

([63])  إعلام الموقعين (2/250)

([64])  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/5 – 6 )

([65]) مواهب الجليل (5/397)

([66]) اعلام الموقعين (4/17)

([67]) بداية المجتهد (2/289) ويراجع الحاوي الكبير للماوردي (6/529) ويراجع : د. أحمد حسن : المرجع السابق ص 252 وما بعدها

([68])  مسند أحمد (1/398 ، 393 ) وابن حبان الحديث 1111 ، 1112 والسنن الكبرى (1/343) والمصنف الحديث 14633

([69])  مجمع الزوائد (4/84 – 86 ) وارواء الغليل (5/149)

([70]) المستدرك وبهامشه التخليص للذهبي (2/17)

([71]) سنن الترمذي ـ مع تحفة الأحوذي ـ (4/433)

([72]) موراد الضمآن ، الحديث 1108

([73]) الارواء ، الحديث 1305

([74]) المحلى لابن حزم (9/595)

([75]) سبل السلام (3/809)

([76]) صحيح الجامع الصغير ، الحديث 1306

([77]) سنن الترمذي ـ مع تحفة الأحوذي ـ (4/433)

([78])  صحيح الجامع الصغير ، الحديث 6943 ، ولكنه حسنه في الارواء (5/     )

([79]) مسند أحمد (2/71 ، 174 ، 205 )

([80])  يراجع للمزيد من التفصيل : الدكتور علي القره داغي : بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة ، ط. دار البشائر الاسلامية ص 358 – 368 حيث ذكر معظم النقول عن أهل العلم

([81])  المصدر السابق ص 369 وما بعدها

([82]) الدكتور السنهوري : الوسيط (6/ )

([83])  يراجع : حاشية ابن عابدين (4/406) والفتاوى الهندية (3/589) وعقد الجواهر الثمينة (2/681) وحاشية الدسوقي (3/387) وتحفة المحتاج (5/318) والانصاف (5/375) ويراجع : الموسوعة الفقهية الكويتية (45/40)

([84])  الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (3/387)

([85]) المقنع مع الشرح الكبير ، والانصاف بتحقيق الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي ط. هجر (13/484 – 485)

([86]) سورة البقرة / الآية 279

([87]) كتاب فتاوى هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لشركة أعيان ص 135 – 136

([88]) المصدر السابق ص 146

([89])  يراجع : مقدمة ا لمجموع للنووي ، ط. كبار العلماء بالقاهرة (1/67-69)

([90])  يراجع لمزيد من التفصيل : بدائع الصنائع (6/27) والفتاوى الهندية ( 3/588 -590) والكافي لابن عبدالبر (2/786) وعقد الجواهر الثمينة (2/684) والشرح الكبير مع الدسوقي (3/382) والروضة (4/316) وفتح العزيز (11/26) وكشاف القناع (3/475) والاشراف على مذاهب أهل العلم (2/459)

([91]) بدائع الصنائع (6/27) وشرح الخرشي (4/289 – 290 )

([92])  الجواهر الثمينة (2/684)

([93])  مغني المحتاج (2/228) والمهذب (1/355)

([94])  هذه الرواية المنصوصة عن أحمد اختارها صاحب الشرح الكبير ط. هجر (13/495) وصححها القاضي في المجرد وابن عقيل ، وجزم بها في التلخيص وقال : ( إنه الذي تقتضيه أصول المذهب ) وقدمه الشارح ، والمصنف في المغني ، وابن رزين في شرحه وأطلقهما الكافي ، انظر : الانصاف بهامش الشرح الكبير ، ط. هجر (13/494)

([95])  المغني (5/255) والمقنع ، مع الشرح الكبير ، مع الانصاف ، ط. هجر (13/ 495 – 496 ) ويراجع الموسوعة الفقهية الكويتية (45/47)

([96])  الشرح الكبير ط. هجر ( 13/496)

([97])  الانصاف مع الشرح الكبير (13/ 495)

([98]) يراجع : فتح القدير مع شرح العناية ( 5/ 985) وحاشية ابن عابدين (4/503) والبحر الرائق (5/277) وفتح العزيز ( 8/ 121 – 124) والاشباه والنظائر للسيوطي ص 310 والمجموع للنووي (9/261 – 263 ) والمنثور في القواعد (3/347) والمغني لابن قدامة (4/226) ويراجع : الدكتور علي القره داغي : مبدأ الرضا في العقود ، دراسة مقانرة ط. دار البشائر الاسلامية 1985 (1/152- 154)

([99])  إشارة إلى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره بسندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع حتى لو دخلو جحر ضبّ لدخلتموه )

([100]) سورة الأعراف / الآية 138

([101])  وقد ذكرت الهيئة الشرعية لبنك الريان في تقريرها الدقيق : أن هذا البند غير جائز لمخالفته لمعيار الوكالة الذي منع التعاقد مع النفس

([102])

([103]) سورة الملك / الآية 1-2

([104])  سورة يوسف / الآية 18

([105])  سورة المزمل/ الآية 10

([106])  كلامي خاص بفئة محددة ، وقد ناقشت شخصاً ثلاث ساعات في حرمة فوائد البنوك التقليدية ، فلم يقتنع ، ثم بعد فترة فتح بنكاً إسلامياً ، وأصبح رئيساً لمجلس الادارة ، ما الذي يتوقع من مثل هذا الرجل ، ورأيت بعض المدراء عاش في البنوك التقليدية ، ثم جاء إلى البنوك الاسلامية وعمل أكثر من عشر سنوات ، ثم وجد فرصة أحسن في بنك تقليدي فانتقل إليه وعمل فيه عدة سنوات ، ثم الآن وجد فرصة أفضل في بنك إسلامي يديره .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق