البحوث

إقناع الأُمّة بتحريم «كتابة القرآن بالحروف اللاتينية»

إقناع الأُمّة بتحريم

« كتابة القرآن بالحروف اللاتينية »

بالكتاب والسُّنّة وأقوال الأئمة

 

بقلم:

الشيخ صالح العَوْد

بحث مقدم

للدورة الثامنة عشرة للمجلس – دبلن

جمادى الثانية – رجب 1429 هـ / يوليو 2008 م


 

كتابة القرآن بالحروف اللاّتينية[1]

[ سورة الزّخرف / آية 3 ] [ سورة الكهف / آية 1 ] [ سورة فصّلت / آية 44 ] [ سورة الكهف / آية 27 ]

 


1) تمهيد :

منذ ظهر الإسلام والنّاس يدخلون فيه أفرادا وأفواجا من جميع الأجناس : عرب .. فرس .. روم .. حبش ، وإن كان هؤلاء قليلي العدد يومئذ بالنّسبة للأكثريّة العربيّة.

وكان رسول الله ﷺ يلي بنفسه من يُسلم من العرب أو غيرهم، فيلقّنه كلمة « التّوحيد »، ويعلّمه « فرائض  الإسلام »، وما نزل عليه من « القرآن »، وأحيانا كان ﷺ يدفعه إلى أحد أصحابه فيفعل معه مثل ما كان يفعله ﷺ:

  • أخرج الطّبرانيّ عن سعد بن جنادة “رضي الله عنه” قال : كنت في أوّل من أتى النّبي ﷺ من أهل الطّائف، فخرجت من أعلى الطّائف من السّراتي غُدوة، فأتيت مِنى عند العصر فتصاعدت في الجبل، ثمّ هبطت فأتيت النّبيّ ﷺ فأسلمت، وعلّمني ) قل هو الله أحد ( و ) إذا زلزلت (، وعلّمني هؤلاء الكلمات : « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر »، وقال : « هنّ الباقيات الصّالحات ».
  • وأخرج ابن جرير عن جرير قال : جاء أعرابي إلى النّبيّ ﷺ فقال: عَلّمني الإسلام، قال: « تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا عبده ورسوله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت، وتحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك ».
  • وأخرج بن سعد عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت “رضي الله عنه” قال : قدم فَروة بن مُسَيك المرادي “رضي الله عنه” وافداً على رسول الله ﷺ مفارقاً لملوك كِنده، ومتابعا للنّبيّ ﷺ فنزل على سعد بن عبادة، وكان يتعلّم القرآن وفرائض الإسلام وشرائعه. ( فذكر الحديث ).
  • وأخرج الطّبراني في الكبير والبزّار عن أبي مالك الأشجعيّ عن أبيه “رضي الله عنه” قال : كان رسول الله ﷺ إذا أسلم الرّجل كان أوّلَ ما يعلّمنا الصّلاة أو قال : علّمه الصّلاة.
  • وأخرج الإمام أحمد عن شهاب بن عبّاد أنّه سمع بعض وَفْد عبد القيس وهو يقول : قدمنا على رسول الله ﷺ فاشتدّ فرحهم بنا، فلمّا انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحّب بنا النّبيّ ﷺ ودعا لنا ثمّ نظر إلينا. قال : ثمّ أقبل على الأنصار فقال : « يا معشر الأنصار! أكْرِموا إخوانكم، فإنّهم أشباهُكم في الإسلام، وأشبه شيء بكم أشعارًا وأبشارًا، أسلَموا طائعين غير مكروهين ولا موتورين » .. فلمّا أن أصبحوا قال ﷺ : « كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم، وضيافتَهم إيّاكم ؟ » قالوا : خير إخوان، ألانوا فرشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّموننا كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا، فأعجبت النّبيّ ﷺ وفرح بها ؛ ثمّ أقبل علينا رجلا رجلا يعرضنا على ما تعلّمنا وعُلِّمنا، فمنّا من تعلّم التّحيّات، وأمّ الكتاب، والسّورة والسّورتين، والسّنّة والسّنّتين. ( فذكر الحديث بطوله ).
  • وأخرج ابن عساكر عن أبي ثعلبة “رضي الله عنه” قال : لقيت ﷺ فقلت : يا رسول الله ادفعني إلى رجل حسن التّعليم، فدفعني إلى أبي عبيدة بن الجرّاح “رضي الله عنه”، ثمّ قال : « دفعتك إلى رجل يُحْسِن تعليمك وأدبك ».
  • وأخرج الطّبرانيّ والحاكم والبيهقيّ عن عبادة بن الصّامت “رضي الله عنه” قال : كان رسول الله ﷺ يُشْغَلُ، فإذا قَدِم الرّجل مهاجراً على رسول الله ﷺ دفعه إلى رجل منّا يعلّمه القرآن، فدفع إليّ رسول الله ﷺ رجلاً، كان معي في البيت : أُعشّيه عَشاء البيت، وكنت أقرئه القرآن. الحديث

فهذه النّصوص على قلّتها – لأنّي لم أستوعب كثيرا منها – ترشدنا إلى:

  • « الرّعاية » بالّذين يدخلون في الإسلام : (ترحيباً)، و(تكريماً)، وهو ما لقيه وفد عبد القيس من حسن استقبال من لدن الرّسول ﷺ وقالوا : فرحّب بنا النّبيّ ﷺ ودعا لنا.

كما أثنوا على كرم الصّحابة لهم وقالوا : « ألانوا فرشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّموننا كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا ».

  • « العناية » بتعليم الّذين أسلموا فرائض الدّين، والقرآن الكريم، على وجه الخصوص ، لأنّه دستور السّلوك ، وحتّى يقرأه المسلم « صحيحا » بلا أخطاء ، « سليما » دون زيادة أو نقصان، « مهذّبا » من كلّ الألحان[2]، عملاً بقوله تعالى:(ورتّل القرآن ترتيلاً) [ المزّمّل آية 4 ].

قال فضيلة الشّيخ خالد العكّ (ت 1420هـ=1999م) « التّرتيل » : هو تبيّن حروف القرآن الكريم عند النّطق به، و « التّجويد » هو تحسين أداء التّلاوة لآياته[3] ؛ وبحديث النّبيّ ﷺ :

« اقرؤوا القرآن بِلُحُون العرب وأصواتها »[4]، ومعناه : تحسين القراءة وتجويدها.

          يقول إمام الدّعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشّعراوي (ت 1419هـ=1998م) : « القرآن أصله:« السّماع »، فلا يجوز أن تقرَأه إلاّ بعد أن تسمَعَه ، لتعرف أنّ هذه تُقرأ 🙁الم) ، والثّانية تقرأ ، ( أَلَمْ ) ، مع أنّ الكتابة واحدة في الاثنين ، ولذلك لا بُدّ أن تستمع إلى فقيه يقرأ القرآن قبل أن تقرأه ، والذي يُتعب النّاس أنّهم لم يجلسوا إلى فقيه ولا استمعوا إلى قارئ ، ثمّ بعد ذلك يُريدون أن يقرأوا القرآن كأيّ كتاب . نقول : لا . . القرآن له تميّز خاص ، إنّه ليس كأيّ كتاب تقرأه ، لأنّه مرّة يأتي باسم الحرف ، ومرّة يأتي بمسمّيات الحرف ، وأنت لا يُمكن أن تعرف هذا إلا إذا استمعتَ لقارئ يقرأ القرآن » .

          ثمّ يقول الإمام الشّعراوي : « وكلمة ) تبارك ( مرّة تكتب بالألف ، ومرّة بغير الألف ؛ ولو أنّ المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلّها على نظام واحد ، ولكنّها جاءت بهذه الطّريقة لتكون « كتابة القرآن » معجزة ، و « ألفاظه » معجزة » . اهـ

2)  منار الإسلام : « العلم والتعليم » ، ورسالته : « الدّعوة إلى الله » :

          كان الجهل وانعدام المعرفة يُخيّم على مجتمع مكّة قبل البعثة ، وهذا المؤرّخ البلاذري يُشخّص حالتها فيقول في كتابه ( فتوح البلدان ) : « دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلّهم يكتبون » .

أمَّا الحالة في المدينة قبل وصول الرّسول ﷺ إليها ، فيقول عنها الإمام الواقديّ : « إنّ الذين كانوا يعرفون الكتابة في المدينة أحد عشر شخصا » .

          وهذا يدلّنا على أنّ نسبة المتعلّمين في مكّة أعلى منها في المدينة ، وهو ما يفسّر لنا ما قام به الرّسول e في غزوة بدر كما جاء في كتاب : (الرَّوض الأُنُف ) : « كان من الأُسارى يوم بدر مَن يكتب ، ولم يكن من الأنصار يومئذ أحد يُحسن الكتابة ، فكان منهم مَن لا مال له ، فيُقبل منه أن يُعلِّم عشرةً من الغِلمان الكتابة ، ويُخَلَّى سبيله، فيومئذ تعلَّم الكتابة : زيد بن ثابت في جماعة من الأنصار » .

          ولمَّا كان الإسلام دين ، « العلم والتَّعليم[5] » ، جاءت أولى آيات القرآن نزولا على الإطلاق ، دعوةً إلى تعلّم القراءة والكتابة بالقلم ، فقال عزّ وجلّ : ) اقرأ باسم ربّك الّذي خلق. خلق الإنسان من علق .( الآيات.

          فمِن ثَمّ غدا رسول الله حريصا على « العلم » ، ناشرا له في الآفاق : بحاله ومقاله ، وبواسطة أصحابه :

  • روى الحافظ ابن عبد البرّ بإسناده إلى عائشة “رضي الله عنها” قالت: قال رسول الله ﷺ : « إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يُقرّبني من الله ، فلا بُورِك لي في طلوع شمس ذلك اليوم » .
  • وروى أيضا بإسناده إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « تعلّموا العلم ، فإنّ تعلّمه لله تعالى خشية ، وطَلبه عبادة ، ومذاكرتَه تسبيح » / الحديث[6] .

          ومن التّرغيب في العلم ، إلى القيام بتعليم الأصحاب :

  • أخرج ابن جرير عن سعد “رضي الله عنه” قال : « كان رسول الله ﷺ يُعلّمنا هذه الكلمات تعلُّمَ المُكَتِّبِ الغلْمانَ الكتابة » .
  • وأخرج أبو نعيم في كتابه ( الحلية ) عن أنس “رضي الله عنه” قال : « أقبل أبو طلحة “رضي الله عنه” يوماً ، فإذا النبيّ ﷺ قائم يُقرئ أصحاب الصُّفَّة ، على بطنه فصيل – أي قطعة – من حجر يقيم به صُلبه من الجوع » .
  • وأخرج الحاكم عن عاصم بن عمر [ بن قتادة ] : « أنّ ناسا من عُضاه والقاره ، أتَوْا النبيّ ﷺ بعد أُحُد، فقالوا : إنّ بأرضنا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يُقرئوننا ، ويُفقّهوننا في الإسلام ، فبعث رسول الله ﷺ معهم ستّة نفر » .
  • وأخرج البخاريّ في صحيحه عن ابن عبّاس “رضي الله عنه” قال : « قدِم وفد عبد القيس على رسول الله ﷺ ، فقال : « مرحبا بالقوم غير خزايا ولا ندامى » ، فقالوا : يا رسول الله ! إنّ بيننا وبينك المشركين من مُضَر ، وإنّا لا نصل إليك إلاّ في الشّهر الحرام ، فحدِّثنا بجميل من الأمر ، إن عملنا به دخلنا الجنّة ، وندعو إليه مَن وراءنا » . الحديث

3)- للقرآن الكريم عند رسول الله  وعند أصحابه رضوان الله عليهم : مزيد عناية فائقة :

ذلك أنّ « القُرآن أفضل من كل شيء »[7] ، فهو الدّستور الخالد للمسلم، والأثر الباقي في القارّات الخمس إلى يوم الناس هذا، فمن عرف القرآن عرف الإسلام، وعمل بما جاء فيه من الأحكام، وتحقّق بتوجيهاته فاجتنب جميع الآثام ؛ ومن هنا ما برِح رسول الله ﷺ يتعلّمه مع جبريل ويتدارسه، ثمّ يعلّمه للآخرين، بل ويدعو إلى تعلّمه : قال تعالى : ) لا تحرّك به لسانك لتعجل به. إنّ علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه  ( [القيامة/آية 16-18]

  • وفي صحيح البخاريّ أنّ رسول الله ﷺ قال : « أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف ».
  • وروى الطّبرانيّ بسند رجاله ثقات عن زيد بن ثابت “رضي الله عنه” أنّه قال : كنت أكتب الوحي عند رسول الله ﷺ وهو يملي عليّ، فإذا فرغتُ قال : « اقرأ »، فأقرأه، فإذا كان فيه سَقْطٌ أقامه، ثمّ أخرج به إلى النّاس.
  • وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ثابت البُناني قال : ذكر أنس بن مالك “رضي الله عنه” سبعين رجلاً من الأنصار، كانوا إذا جنّهم اللّيل آووا إلى معلم لهم بالمدينة يبيتون يَدْرُسون القرآن، فإذا أصبحوا فمن كانت عنده قوّة أصاب من الحطب واستعذب من الماء، ومن كانت عنده سعة أصابوا الشّاة فأصلحوها. الحديث
  • وروى ابن سعد عن ثابت عن أنس قال : جاء ناس إلى النّبيّ ﷺ فقالوا : ابعث معنا رجالا يعَلّمونا القرآن والسّنّة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القرّاء، فيهم خالي حرام، كانوا يقرؤون القرآن ويتدارسون باللّيل ويتعلّمون، وكانوا بالنّهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطّعام لأهل الصّفّة والفقراء. الحديث
  • وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن زيد بن ثابت “رضي الله عنه” قال : أُتِي بي النّبيّ ﷺ مَقْدَمه المدينة، فقالوا يا رسول الله! هذا غلام من بني النّجّار وقد قرأ ممّا أنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأت على رسول الله e فأعجبه ذلك. الحديث
  • وأخرج الحاكم عن عروة قال : كان رسول الله ﷺ استخلف معاذ بن جبل “رضي الله عنه”على أهل مكّة حين خرج إلى حُنين، وأمره رسول الله ﷺ أن يُعلّم النّاس القرآن، وأن يفقّههم في الدّين.
  • وفي مجمع الزّوائد للهيثمي عن يزيد الرّقاشي قال : كان أنس “رضي الله عنه” ممّا يقول لنا إذا حدّثنا : إنّما كانوا – أي الصّحابة – إذا صلّوا الغداة قعدوا حلقا حلقا يقرؤون القرآن، ويتعلّمون الفرائض والسّنن.
  • وأخرج البيهقي عن أبي سعيد الخدري “رضي الله عنه” قال : كنت في عصابة من المهاجرين جالسا معهم، وإنّ بعضهم ليستتر ببعض من العري، وقارئ لنا يقرأ علينا، فكنّا نسمع إلى كتاب الله، فقال رسول الله ﷺ « الحمد لله الّذي جعل من أمّتي من أُمِرت أن أصبر معهم نفسي ».
  • وأخرج الطّبرانيّ عن عبد الله بن مسعود “رضي الله عنه” أنّه كان يقرأ الرّجل الآية ثُمّ يقول : لهي خير ممّا طلعت عليه الشّمس أو ممّا على الأرض من شيء، حتّى يقول ذلك في القرآن كلّه. وفي رواية : كان ابن مسعود إذا أصبح أتاه النّاس في داره فيقول : على مكانكم، ثمّ يمرّ باللّذين يقرئهم القرآن فيقول : أيا فلان بأيّ سورة أتيت؟ فيخبره في أي آية، فيفتح عليه الآية الّتي تليها، ثمّ يقول تعلّمها فإنّها خير لك ممّا بين السّماء والأرض.
  • وأخرج عبد الرّزّاق في مصنّفه عن عمر “رضي الله عنه” قال: لا بدّ للرّجل المسلم من ستّ سور يتعلّمهنّ : سورتين لسورة الصّبح، وسورتين للمغرب، وسورتين لصلاة العشاء.
  • وروى البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفّان “رضي الله عنه” قال: قال رسول الله ﷺ : « خيركم مَن تعلّم القرآن وعلّمه » ، وفي رواية عند الطّبراني بإسناد جيّد : « خيركم مَن قرأ القرآن وأقرأه » .

قال الإمام ابن الجزري في كتابه (النّشر في القراءات العَشر ج1/ص3) : إنّ الإمام أبا عبد الرّحمان السُّلَمي التّابعيّ الجليل ، كان يقول لمّا يروي هذا الحديث عن عثمان عن النبيّ ﷺ : « خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلّمه » : هذا الذي أقعدني مقعدي هذا .

 يُشيرُ إلى كونه جالسا في المسجد الجامع بالكوفة يُعلِّم القرآن ويقرأه ، وبقي على ذلك أكثر مِن أربعين سنة .

  • وروى ابن ماجه بإسناد حسن أنّ النبي ﷺ قال لأبي ذرّ الغِفاري : « يا أبا ذرّ ! لأن تغدو فتَعلَّم آية من كتاب الله خير مِن أن تصلّي مائة ركعة » .
  • وروى البخاري بإسناده إلى ابن مسعود “رضي الله عنه” قال: « والله لقد أخذتُ من في رسول الله ﷺ بضعًا وسبعين سورة » .

          يقول فضيلة الشيخ خالد العكّ في كتابه (تاريخ توثيق نصّ القرآن الكريم ص125) : لمّا خصّ الله تعالى مَن شاء من هذه الأمّة الإسلاميّة بشرف حفظه عن ظهر قلب ، أقام له أئمّة ثقات تجرّدوا لرعايته والعناية به ، وبذلوا كلّ غال في حياتهم مِن أجل إتقان حفظه ، وتحسين تلاوته ، وتجويد ترتيله ، متلقّين ذلك كابرا عن كابر مِن شيوخهم حتّى منتهى سدّة سنده المصهر : سيّدنا محمد رسول الله عليه الصّلاة والسّلام إلى أمين الوحي سيّدنا جبريل عليه السّلام ، حرفا حرفا .. وكلمة كلمة .. وآية آية .. وسورة سورة .. مِن غير أن يُهمِلوا منه حركة .. أو سكونا .. أو يَهِموا في شيء مِن ذلك .. فلَم يدخل فيه ما ليس منه ، ولم يخرج عنه ما هو منه !! ونحن الآن نقرؤه كما كان يقرأه رسول الله ﷺ على أصحابه ، وهم على أشدّ حالة مِن الوعي واليقظة ، فيتلقَّون منه عليه الصّلاة والسّلام كلام الله تعالى مِن فمه الشّريف بعد انفصام الوحي عنه : كلمة كلمة ، وآية آية ، فيحفظونه في صدورهم ، ويكتبونه في مصاحفهم ، ليتعاضد المحفوظ بالمكتوب ، فيتوفّر للقرآن الكريم أكمل عوامل الحفظ والبقاء .

4)- اللغة « العربيّة » هي روح القرآن، وشعار الإسلام، ولسان الفرائض وسائر الشّعائر[8] :

          « اللغة العربيّة : لغة قديمة ، عرفت قبل نزول القرآن بأكثر من ألف عام ، مما أهّلها لأن تكون « لغة » خاتم كتب السّماء ». قال الله تعالى : ) إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون ( يوسف/آية 2. ) كتاب فصّلت آياته قرآنا عربيّا لقوم يعلمون (فصّلت/آية 3. ) وهذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا ( الأحقاف/آية 12.

          « فبديهيّ أن [ يكون ] كتابته في المصحف إنما هي باللغة العربيّة والخطّ العربي » ، لا غيره من سائر حروف اللغات الأخرى ، فالله عزّ وجلّ ارتضى في الأزل جعل هذا القرآن بلسان عربيّ مبين ، ثمّ أنزله تعالى بعلمه وفقا لما قضى وقدّر .

          يقول الإمام محمد بن إدريس الشّافعي (ت 204هـ=819م) في كتابه (الرسالة) : « إنّ اللسان الذي اختاره الله عزّ وجلّ « لسان العرب » فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد ﷺ » .

          إذًا ، فإنّ اللغة العربيّة هي : « اللسان » لقراءة القرآن ، وفهم الدين ، وأداء الفرائض ، وإقامة الشّعائر ، وبالتّالي فهي قناعة رسول الله وأصحابه ، والتّابعون لهم بإحسان ، بل ويجب أن تكون قناعة كلّ مسلم عربيّ أو أعجميّ في كلّ مكان وزمان ، فهاهو الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب رضي الله عنه – كما يروي ابن أبي شيبة عن عمر بن يزيد – أنّه قال : كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري : أمّا بعد ، فتفقّهوا في السُّنَّة ، وتفقّهوا في العربيّة . وفي رواية أخرى له عن عمر أنّه قال : تعلّموا العربيّة فإنّها من دينكم .

          ويقول بهذا الخصوص الإمام الشّافعيّ في كتابه (الرّسالة ص48) : على كلّ مسلم أن يتعلّم مِن لسان العرب ما بلغه جهده ، حتّى يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمد عبده ورسوله ، ويتلو كتاب الله تعالى .

          ويذهب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ت 728هـ=1327م) إلى أبعد مِن ذلك فيقول في كتابه (اقتضاء الصّراط المستقيم ص207) : إنّ اللغة العربيّة مِن الدّين ، ومعرفتها فرض واجب .

          قال الإمام أبو منصور الثّعالبي (ت 430هـ=1038م) في كتابه (فقه اللغة ص21) : « مَن أحب الله تعالى أحب رسوله محمدا ﷺ، ومن أحبّ الرّسول العربيّ أحبّ العرب ، ومن أحب العرب أحب العربيّة ، التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب ، ومن أحبّ العربية عُني بها ، وثابر عليها ، وصرف همّته إليها ، ومَن هداه الله للإسلام ، وشرح صدره للإيمان ، وآتاه حسن سريرة فيه ، اعتقد أن محمدا ﷺ خير الرّسل ، والإسلام خير الملل ، والعرب خير الأمم ، والعربيّة خير اللغات والألسنة ، والإقبال على تفهّمها من الديانة ، إذ هي أداتُ العلم ، ومفتاح التّفقّه في الدين … » .

          وإلى مثل ذلك ذهب أيضا الشّيخ الإمام أبو إسحاق الشّاطبي (ت 790هـ=1388م) في كتابَيه (الإعتصام ، والموافقات).

          يقول الإمام محمد عبده (ت 1323هـ=1905م) : إنّ إصلاح لساننا هو الوسيلة المفردة لإصلاح عقائدنا ، وجهل المسلمين بلسانهم ، هو الذي صدّهم عن فهم ما جاء في كتاب دينهم وأقوال أسلافهم .

          ويقول شيخ الأزهر محمد الخضر حسين (ت 1378هـ=1958م) في كتابه (بلاغة القرآن ص18) : كانت اللغة العربيّة تجرّ رداءها أينما رفعوا رايتهم ، وتنتشر في كل واد وطئته أقدامهم ، فلم يشعروا في دعوتهم إلى الإسلام بحاجة إلى نقل معاني القرآن إلى اللغات الأجنبيّة ، وربّما كان عدم نقلها إلى غير العربيّة ، وهم في تلك العزّة والسّلطان من أسباب إقبال غير العرب على معرفة لسان العرب ، حتّى صارت أوطان أعجميّة إلى النّطق بالعربيّة .

ويقول العلامة محمد أبو زهرة (ت 1394هـ=1974م) أستاذ الدّراسات الإسلاميّة بجامعة القاهرة وعضو بمجمع البحوث الإسلاميّة : إنّ الإسلام لا يمكن فهمه إلاّ باللّغة الفصحى، والقرآن كذلك، ومن هنا كانت محاولة ضرب اللّغة العربيّة الفصحى حتّى لا يفهم القرآن.

ويقول عملاق الفكر الإسلامي الأستاذ الكبير أنور الجندي (ت 1423هـ=2002م) في كتابه ( جوهر الإسلام / ص 27 ) : لقد اعتقد المسلمون على مدى القرون – وهو الحقّ – أنّ لغتهم جزء من حقيقة الإسلام .. فالقرآن لا يُسَمّى قرآنا إلاّ بها، والصّلاة لا تسمّى صلاة إلاّ بها.

ويقول أيضا في كتابه ( اللّغة / ص 31 ) : اللّغة العربيّة هي أساسًا الفكر الإسلامي الّذي كتبه تُرْكٌ وفُرْسٌ وبَرْبَرٌ وعَرَبٌ، فاللّغة بمثابة الوعاء الّتي تتشكّل فيه وتحفظ فيه، وينتقل بواسطة أفكار الأمّة .. من أجل هذا فهِم المسلمون الأوائل أهميّة اللّغة العربيّة على وجهها، وقاموا بنشرها بكل ما أوتوا من قوّة، وفي كلّ مكان حلّ الدّين حلّت معه اللّغة لأنّها مفتاح الدّين ؛ ومن هنا كانت محاولة الاستعمار في حجب اللّغة العربيّة عن البلاد الّتي اتّسع فيها الإسلام حتّى تظلّ عقيدتهم ناقصة، لأنّ كمالها في فهم خصائص اللّغة الّتي هي مصدر الشّريعة وزبدتها.

ويقول الأستاذ الشّيخ منّاع القطّان (ت 1420هـ=1999م) مدير المعهد العالي للقضاء بالرّياض في كتابه  ( مباحث في علوم القرآن/ص 312 ) : لا شكّ أنّ اللّغة العربيّة تحيا بحياة أمّتها وتموت بموتها، فكانت نشأة الدّولة الإسلاميّة على هذا النّحو حياة للغة العرب، فالقرآن وحي الإسلام، والإسلام دين الله المفروض، ولم يتأتّى معرفة أصوله وأسسه إلاّ إذا فُهِمَ القرآن بلغته، فأخذت موجة الفتح الإسلامي تمتدّ إلى الألسنة الأخرى الأعجميّة، فتعرّبُهَا بالإسلام وصار لزاما على كلّ من يدخل في حوزة هذا الدّين الجديد أن يستجيب له في لغة كتابه باطنا وظاهرا وحتّى يستطيع القيام بواجباته، ولم يكن هناك حاجة إلى ترجمة القرآن له ما دام القرآن قد ترجم لسانه، وعرّبه إيمانا وتسليما.

ويقول د. عليّ حسني الخَرْبُوطي في كتابه ( الحضارة الإسلاميّة / ص 32-33 ) : كان الجيل المعاصر للفتوح العربيّة أكثر إقبالا على اللّغة العربيّة، في حين كان الجيل الثّاني أكثر إقبالا على الإسلام .. فهي تتيح لمن يتعلّمها قراءة القرآن الكريم، وتفهّم الأحاديث النّبويّة الشّريفة، فيقف على سموّ الإسلام، ويتحضّر بحضارته.

ويقول د. عبد الله يوسف عليّ[9] – بعد أن أقام بمدينة لندن مدّة طويلة – : إنّ المسلم العالم باللّغة العربيّة أفضل إسلاما من غيره.

ويقول د. مراد هوفمان – (سفير ألمانيا في الرّباط ، بعد ما أسلم) – في كتابه (الإسلام كبديل / ص 42) : قد يرفض المسلم مضمون القرآن، لكنّه لا يستطيع إنكار إعجابه وتأثّره بروعة النّصّ القرآنيّ، وأسر نظمه المُحكم، وبلاغته وفصاحته الآخذة بالألباب، والّتي سحرت وبهرت حتّى مَن لسانه أعجميّ، مثل : غوته، وفريد ريش ريكارت.

ويقول كبير المستشرقين كارل بروكمان (ت 1376هـ=1956م) صاحب كتاب ( تاريخ الأدب العربي، في خمس مجلّدات ) : إنّه بفضل القرآن بلغت العربيّة من الاتّساع مدًا لا تكاد تعرفه أيّ لغة من لغات الدّنيا، والمسلمون جميعا يؤمنون بأنّ العربيّة هي وحدها اللّسان الّذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربيّة منذ زمان طويل : مكانة رفيعة، فاقت جميع لغات الدّنيا الأخرى.

ويقول المستعرب الكبير جاك بيرك (ت 1416هـ=1995م) : إنّ اللّغة العربيّة هي أقوى القوى الّتي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب، بل هي اللّغة العربيّة الكلاسيكيّة الفصحى بالذّات .. وقد كانت هذه الكلاسيكيّة العربيّة عاملا قويّا في بقاء الشّعوب العربيّة.

5)- ماذا ترى : هل نُعَرّب أم نُغَرّب ؟

أُجِيبُ سريعا وأقول : نُعَرّب[10] اللّسان، ولا نُغَرّبُ القُرْآن ..

وانظر إلى ما قاله المستشرق هاميلتون جبّ (ت 1391هـ=1971م) : إنّ حركة التّغريب كانت بعيدة المدى بإنزال الإسلام عن عرشه في الحياة الاجتماعيّة. فاعظم بها من شهادة لأحد كبار الحاقدين على الإسلام .

على أنّ في التّعريب فوائد جمّة، وفي أسلمة المعرفة مكاسب للإسلام، ومنافع للمسلمين، حتّى نصل بذلك إلى تصويب نظرة « الآخَر » إلينا، وتصحيح ما عَلِقَ بذهنه من أباطيل وتُرّهات عن الإسلام.

ومِن ثَمَّ يصبح هذا « الآخَرُ » يقرأ فِعْلا بلغتين وليس بلغة واحدة، ويستمع إلى وقائع ما يجري في العالم بأذنين لا بأذن واحدة، ويرى ما يَحْدُث حوله عن قرب أو بعد بعينين[11] لا بعين واحدة.

وهنا أنقل كلاما للدّاعية الكبير فضيلة الشّيخ محمد الغزالي (ت 1416هـ=1996م) من كتابه ( الدّعوة الإسلاميّة تستقبل قرنها الخامس عشر )[12]، وهو وإن كان طويلا لكنّه نفيس كقائله رحمه الله وغفر له، يقول الشّيخ :

[ المسلمون في هذا العصر يكادون يجهلون أنّ لهم رسالة عالميّة، بل إنّ حياتهم وِفقَ شرائع دينهم وشعائره مَوْضِع ريبة، وقد تكون موضع مساومة ..

إنّ ذلك يوجب علينا الإحساس المضاعف بخطئنا وتخلّفنا، ويحمّلنا عبء المسارعة إلى تعليم الجاهل، ومراجعة المخدوع، وتعريف النّاس بربّهم الواحد الأحد الفرد الصّمد، وربطهم بالدّين الّذي حمل رايته جميع الأنبياء، ثمّ نقّاه وشدَّ دَعائمه، وثبّت أهدافه النّبيّ الخَاتَم محمد بن عبد الله ﷺ.

والأمر الثّاني المتّصل بعالميّة الرّسالة، يرجع إلى اللّغة العربيّة، فلغة الرّسالة الخالدة يجب أن تتبوّأ مكانة رفيعة لدى أصحابها ولدى النّاس أجمعين، فإنّ الله باختياره هذه اللّغة وعاء لوحيه الباقي على الزّمان، قد أعلى قدرها وميّزها على سواها.

والواقع أنّ اللّغة العربيّة مهاد القرآن وسياجه، فإذا تضعضعت وأُقصيت عن أن تكون لغة التّخاطب والأداء، ولغة العلم والحضارة، أوشك القرآن نفسه أن يوضع في المتاحف ..

ولهذه الغاية الخاسرة تعمل فئات غفيرة من المستعمرين وأذنابهم، وما أكثر أولئك الأذناب في الجامعات والمجامع، ودُورِ الإذاعات والصّحف، وغيرها .. إنّ آباءنا عليهم الرّضوان نشروا اللّغة العربيّة بكلّ الوسائل المتاحة لهم، وما تأسّست مدرسة لخدمة الدّين إلاّ انقسمت علومها بين مناهج الشّريعة، ومناهج اللّغة والآداب ..

إنّ هناك لغات لَمْ يُشَرّفها الله بوحي، ولم تَصْحَب حضارة إنسانيّة مشرقة، يخدمها أبناؤها بذكاء نادر، فما دَهَى العرَبَ حتّى تركوا لُغَتهم توشك أن تكون من اللّغات، الميتة أو الثّانويّة في هذه الدّنيا!

إنّنا عجزنا عن جعل اللّغة العربيّة لغة أُولَى بين الألف مليون مسلم الّذين يعتنقون الإسلام، وهذا وحده فشل ذريع نُؤَاخَذ به يوم الحساب ؛ ويرجع هذا الفشل إلى أنّ العرب أنفسهم لا يُجِلّون لغتهم، بل لقد استطاع الإستعمار الثّقافي أن يُكَرِّهَهَا لهم، أو يُحَقّرها لديهم، فأيّ بلاء هذا؟

وبقي عنصر أخير فرّطنا فيه كثير، وهو تعليم اللّغة العربيّة، سواء للمسلمين الأعاجم أو لغير المسلمين! إنّ الجهل باللّغة العربيّة يشيع بين ثمانين أو خمس وثمانين في المائة من المسلمين، وأمّا الجهل بها في أرجاء العالم فشيء مفزع، ولا يمكن عدّها لغة عالميّة مع أنّها الوعاء الفذّ للرّسالة العالميّة الوحيدة، الّتي طرقت أبواب العالم، وشاء القدر الأعلى أن تبقى فيه إلى يومه الأخير ]. انتهى كلام الشيخ الغزالي رحمه الله.

وبالفعل ، هذا ما قام به رسول الله ﷺ حين راسل باسمه الشّريف الملوك والعظماء : يدعوهم إلى الإسلام، ويبيّن لهم الشّرائع والأحكام، وقد كان منهم « عرب » و « عجم »[13]، ومع ذلك لم يكتُب لهم ﷺ آية واحدة بلغاتهم، مع وجود من يترجم له مثل : أُبَيّ، وسَلْمَان، وصُهَيْب، وغيرهم ..[14]

فما هو السّبب يا ترى ؟ في حين أنّهم أعداء له ولدينه، وأنّه قد يُخشى منهم أن لا يهتمّوا بقراءة مكاتيبه؟

والّذي يجيب عن هذا هو الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ=1448م) في كتابه العظيم (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) فيقول : « ليس من سبب سوى أن يسلّطهم على تعليمه ، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ العربيّة، فكأنّه عليه السّلام حملهم على تعلّمها، حتّى يفهموا ما جاءهم من عنده من بيان وقرآن ».

وأنا أقول : إنّ ما قاله الحافظ ابن حجر (قديما)، هو الّذي يصار إليه (حديثا)، فيقال لمن يسأل – وإن بعفويّة وبراءة – : ما هو البديل في حقّ من لا يعرف « اللّغة العربيّة » حتّى يقرأ القرآن؟ وجوابه هو : أنّ تلاوة القرآن الكريم « سنّة » ، وأنّ تعلّم اللّغة العربيّة لقراءة القرآن، وإقامة الفرائض وأداء الشّعائر « فرض » ، كما يُفهَم من كلام كثير من الأئمّة السّابقين.

وليس في تعلّم اللّغة العربيّة – أو أيّة لغة أخرى – أيّ غضاضة، لأنّ عصرنا الّذي نحياه اليوم : هو العصر الذّهبيّ لتعلّم اللّغات ونشرها.

وإذا كنّا نحن العرَبَ – شعوبا وحكومات – قد عجزنا عن أن نقرّب ثقافتنا الغنيّة بالمعارف إلى غير العرب ولو عن طريق ترجمة نفائسها، – وأذكر هنا بالمناسبة أنّ محصول التّرجمة من العربيّة إلى اللّغات الأجنبيّة على مدار السّنة هزيل جدّا إذا ما قورن بما تقوم به دول الغرب ودوائر التّرجمة سواء على المستوى الرّسمي أو حتّى الشّعبي – ، فلنَسلُك على الأقلّ سبيلا أخرى قد تعضُد الأولى، وهي « تعريب اللّسان » بتعليم اللّغة العربيّة، خصوصا لألئك الّذين يعتنقون الإسلام، فإنّ لهم علينا حقّا في تعريبهم وتعليمهم.

          ويقول بهذا الخصوص د. علي الخربوطلي في كتابه (الحضارة الإسلامية ص31) : كان من اليسير على الأجنبيّ الذي يعيش في الأراضي المفتوحة أن يتعلّم اللغة العربيّة ، وتعلّمها لا ينسخ لغته القوميّة المحلّية ، فمن الممكن للفرد أن يتعلّم عدّة لغات في وقت واحد ؛ وتعلّم لغة جديدة لا يغيّر من حياة الإنسان الاجتماعيّة ، أو لونه الحضاري، أو من أفكاره واتجاهاته . أمّا اعتناق دين جديد ، فمعناه : ترك الدين القديم ، فلا تعدّد في الأديان ، والدين ليس عبادات فحسب ، بل هو معاملات ، واتجاهات حضاريّة وفكريّة ، ونُظم سياسيّة واجتماعيّة . اهـ

          وأخيرا أقول : لقد نبَغ من الأمم الأعجميّة التي رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد نبيّا ورسولا ، رجال فطاحل في علوم الدين ، وأبطال بواسل في الفتوحات التي شرّقت وغرّبت ، حتّى بلغت حدود الصّين ، وصلت إلى نهر السين .

          ولولا خشية الإطالة لجرّدتُ أسماء كثيرين في هذه المقالة .

6)- متى ظهرتْ « فكرة » استبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاتينيّة :

          يرى المفكّر العملاق الأستاذ أنور الجندي (ت 1423هـ=2002م) أنّ محاربة اللغة العربيّة تمهيدا لإقصائها ، وإحلال حروفها بحروف أخرى ، بدأ منذ الاحتلال الأوربي لبلدان العالم الإسلامي في القرن الثامن عشر الميلادي ، فيقول في كتابه (اللغة ص22) : حُورِبت اللغة العربيّة منذ وصل الاحتلال الغربي إلى بلاد الإسلام .. أمّا في البلاد العربيّة فقد حُورِبت اللغة العربيّة بحصرها في الجوامع ، والاستعاضة باللغة العاميّة الدّارجة ، وكذلك الدّعوة إلى إلغاء الحرف العربي ، والاستعاضة عنه بالحروف اللاتينيّة ، وجرت حملة واسعة بالادّعاء لعجز اللغة العربيّة عن أداء مهمّتها إزاء المصطلحات الحديثة ، وصعوبة تعلّمها . اهـ

          وهذا الذي يقوله الأستاذ أنور الجندي صحيح : « ففي سنة 1883 دعا اللورد دفرين البريطاني إلى محاربة العربيّة والاهتمام باللهجات العاميّة ، وسار على نفس النّهج وليم وديلكوكس سنة 1892 وكان ديلكوكس هذا يعمل مهندسا للريّ في مصر ، وقد دعا إلى العاميّة وهجْر العربيّة ، وخطا باقتراحه خطوة عمليّة بأن ترجم الإنجيل إلى ما أسماه باللغة المصريّة ، ثمّ القاضي الانجليزي ويلمور الذي عاش في مصر وألّف سنة 1902 كتابا باسم (لغة القاهرة)، واقترح فيه قواعد ، نصَح باتخاذها للعلم والأدب ، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينيّة » .[15]

وممن استحسن هذه النّظريّة ، وتجاوب مع تلك الدّعوة الهدامة : الدكتور عبد العزيز فهمي – زعيم الأحرار الدّستوريين في مصر آنذاك – فقد تقدّم سنة (1361هـ = 1942م) إلى مجمع اللغة العربيّة في القاهرة بمشروع خطير، يدعو فيه إلى « استبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاتينيّة » ، لكن سرعان ما قوبِل ذلك بالسّخط الشّديد، والاستنكار العريض، داخل مصر وخارجها .

ومثله فعل سعيد عقل ، فقد قام هو أيضا يدعو إلى استخدام العاميّة بدل الفصحى ، وكتابتها بالحروف اللاتينيّة ، وكان يقول في صراحة ووقاحة : من أراد لغة القرآن فليذهب إلى أرض القرآن .

          وإذا كانت فكرة « استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينيّة » قد بادت في مصر ، ولم تلق رواجا في دول عربيّة أخرى ، فإنّه قد نبتت لها نابتة في تركيا ، وأندونيسيا ، والصّومال ، والجمهوريات الإسلامية في آسية ، ووجدت صَدًى كبيرا لها هناك .

          وهذا ما يؤكّده الكاتب الصَّحَفي الأستاذ فهمي هويدي في مقال له بعنوان : « الحرف الشّريف » ينتظر منقذا ، فيقول : « … كنتُ في زيارة للمنطقة حديثا ، وأمضيتُ وقتا أطول في جمهوريّة آذربيجان ، وعدتُ غير مصدّق لما رأيتُ وسمعتُ … إنّ لغات جمهوريّات وسط آسيا كانت تُكتب بالحروف العربيّة في الماضي ، فإنّ السّؤال الذي طرح نفسه على الجميع ، هو : هل تكتب اللغات المحليّة بالحروف العربيّة أم اللاتينيّة ؟ رويتُ قصّة الإجابة في مقالة سابقة في هذا المكان ، وكيف أنّ النُّخب الحاكمة في جمهوريات آسيا الوسطى التي تربّت في أحضان الشّيوعيّة لم ترحِّب بالحروف العربيّة ، ناهيك عن موقفها من القرآن والإسلام ذاته . وهذا الموقف التَقَى مع رغبةٍ تركيّة قويّة في استخدام الحروف اللاتينيّة ، كما فعلت هي في ظلّ الكماليّة ، ولأنّها تعتبر أنّ وسط آسيا هو عمق العالَم التّركي، فإنّها بدت شديدة الحرص على أن تقيم جسورا لغويّة مع ذلك العالم ، خصوصا أن شعوب المنطقة تتحدّث التّركيّة بلكنات مختلفة ، باستثناء جمهوريّة طاجكستان التي تتكلّم اللغة الفارسيّة ، وما زالت تكتبها بحروفها العربيّة … النّتيجة أنّ « الحرف العربي » تلقّى ضربة قاضية في تلك الجولة ، حيث كان قرار استخدام الحروف اللاتينيّة بدلا منه بمثابة حكم أبدي بإعدام الحرف العربي ، وطرْده من السّاحة الثّقافيّة » .[16]

          لقد اسْتبدلت تركيا « الحروف العربيّة » بالحروف اللاتينيّة في أواخر العشرينات من القرن الميلادي ، وتحديدا في عام (1347عـ=1928) ، وجعلت الأذان الشّرعي باللغة التّركيّة ، ثمّ وصلت جرأتها إلى استصدار أوامر تُلزِم أئمّة المساجد بقراءة الفاتحة في الصّلاة بالتركيّة أيضاً.

          يقول العلامة عبد الله كنون (ت 1409هـ=1989م) شاهداً عمّا حدث في تركيا : « استنكر ذلك العالم الإسلاميّ بأسره ، وقام في وجه هذا القرار شيخ الإسلام بتركيا الشيخ مصطفى صبري رحمه الله ، فاضطهده الكماليون حتّى اضطُرّ إلى الهجرة من تركيا واستوطن مصر ، وأيّده علماؤها والعلماء في كلّ قطر إسلامي … وكتب الشيخ مصطفى صبري نفسه كتابا في الموضوع ، وكان هذا الموقف « إجماعا » من علماء الإسلام : (عربا وعجما) ، على أنّ القرآن نزل باللغة العربيّة كما قال تعالى : ) بلسان عربيّ مبين ( ويجب أن يبقى كتابا عربيّا إلى الأبد ، وأيّ مساس بعربيّته يُعدّ من الإلحاد في الدّين ، والضّلال المبين » .[17]

ويقول د. حسن باجودة أستاذ الدّراسات القرآنيّة بجامعة أم القرى بمكّة المكرّمة [18] : « فمنذ أكثر من خمسين سنة وتركيّا تتّخذ الحرف اللاّتيني، ولم تستطع حتّى اليوم أن تنقل إليه واحدا في الألف من التّراث التّركي المكتوب بالحرف العربي، وما يزال هذا التّراث مجهولا كلّ الجهل من الجيل الجديد. إنّ المصير الّذي آل إليه الشّعب التّركي من جرّاء استبدال الحروف اللاّتينيّة بالحروف العربيّة، هو الّذي آل إليه كلّ شعب إسلامي استبدل الّذي هو أدنى بالّذي هو خير، وهو الّذي يؤول إليه كلّ من أقدم على هذه المغامرة، وقد قال تعالى  ) فاعتبروا يا أولي الأبصار (؛ وإنّ مأساة استبدال الكتابة اللاّتينيّة بكتابة القرآن الكريم تبدو كبيرة حقّا ، حينما نتبيّن أنّ الشّعب التّركيّ الموهوب كان على رأس قائمة الشّعوب الإسلاميّة المبدعة في كتابة المصحف الشّريف وآي الذّكر الحكيم، والتّراث الإسلامي »[19].

وأعود مرّة أخرى إلى ما كتبه الأستاذ فهمي هويدي لتتبيّن لكل ذي عينين : خطورة استبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاّتينيّة خصوصا في « المصحف الشّريف »، فيقول : « في أوزباكستان الّتي هي تقليديّا معقل المذهب الحنفي، وفي داغستان جمهوريّة المذهب الشّافعي، وفي أذربيجان ذات الأغلبيّة الشّيعيّة الجعفريّة، في هذه الجمهوريّات وغيرها يتواجد المبشّرون بكثافة لافتة للنّظر، طبعوا الإنجيل باللّغات المحليّة، وبعض طبعاته كان لها غلاف مماثل لأغلفة المصحف الشّريف، حتّى يبدو الكتاب مثل المصحف في ظاهره، ومن ثَمّ يتقبّله النّاس، ولأنّ نسبة غير قليلة منهم لم تطّلع على المصحف، فإنّما ما بين دفّتي الكتاب يمكن قبوله بيسر، حتّى صار المسلمون يقرؤون الإنجيل على أنه مصحف، وينسلخون من الإسلام بصورة تدريجيّة بدون أن يشعروا. المدهش في الأمر، أنّ ذلك حَدَثَ وَسَط الصّمت التّام من جانب مختلف المؤسّسات الإسلاميّة »[20] .اهـ

لكنّي أقول : لا زلنا في الوطن العربي أحسن حالا من هذا الهجوم الماكر الخفيّ والتّحدّي الرّهيب، ويستوقفني هنا موقف رائع من الأديب الكبير واللّغوي العظيم : إبراهيم بن ناصيف اليازجي (ت 1324هـ=1906م) وهو من نصارى لبنان، وكان شديد الغَيرة على اللّغة العربيّة، يحامي عنها ويذود بالنّفس والنّفيس ، وإليه تنسب العبارة الشّهيرة : « أَبَتِ العربيَة أن تَتَنَصَّر ».

و [الخلاصة] : أنّ أخطر هجمات الغزو الفكري الحديث ضدّنا، حين يصل الحال إلى كتابة القرآن الكريم بالحرف اللاّتيني عوضا عن الحرف العربي، وتبَنّي هذه الفكرة الغاشمة من أمكر الوسائل الخبيثة والحاقدة نحو أعظم مقدّسات الإسلام.

ورحم الله الأستاذ الدّكتور محمد محمد حسين إذ يقول : « ليس الخطر في الدّعوة إلى العاميّة، ولا الدّعوة في الحروف اللاّتينيّة، إنّ الخطر الحقيقيّ هو في قبول « مبدأ التّطوير » نفسه، لأنّ التّسليم به والأخذ فيه لا ينتهي إلى حدّ معيّن، أو مَدًى معروف يقف عنده المتطوّرون، ولا ريب أنّ التّزحزح عن الحقّ، كالتّفريط في العِرض »[21].

7) تحريم « كتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة » بلا منازع :

بعد هذه الجولة الواسعة في أرجاء هذا الموضوع الخطير بدءا بـالتّمهيد وانتهاء بـظهور « فكرة استبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاّتينيّة »، نَخْلُصُ إلى أنّ هذه « المؤامرة الدّنيئة » على نصّ القرآن المقدّس، إنّما تستهدف « مصحف المسلمين » في أرجاء العالم، لتجرّده من أعظم خصائصه الّتي أنزله الله بها، وتستبدل الرّسم العثمانيّ الخالد، الّذي كتِب به منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا، والمجمع عليه عند جمهرة أئمّة الدّين، بحروف قاصرة غير عربيّة[22].

والآن، تعالوا معي لنرى ما جرى : فحسب استقرائي القاصر فإنّه ظهر أكثر من مصحف مكتوب بالكامل بلغات غير عربيّة في : تركيّا، وإندونيسيا، وإنجلترا، وفرنسا.

  • مصحف بالحروف التّركيّة، طبع في استانبول سنة (1351هـ=1932م)، نشرته مكتبة إبراهيم حلمي.
  • مصحف بالحروف الإندونيسية، أخبر عنه أحد مبعوثي إدارات البحوث العلميّة والإفتاء والدّعوة والإرشاد في الرّياض، ظهر في جاكرتا.
  • مصحف بالحروف الإنجليزيّة، أعلمني بذلك مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي في باريس : د. عبد الحليم خلدون الكِناني (ت 1410هـ=1989م).
  • مصحف بالحروف الفرنسيّة، وهو يباع في سائر المكتبات بالعاصمة باريس.

          يقول الدّكتور معروف الدّواليبي في مقال له[23] ، وهو يتحدّث عن تاريخ نشأة المسيحيّة وما تفرّع عنها من كاثوليكيّة ، فأرثوذكسيّة ، فبروتستانتيّة : « كلّ هذه الأديان الثّلاثة تابعة للأناجيل الأربعة التي قُبلت وحدها من أصل مائة إنجيل في أوّل مؤتمر مسكوني دعا إليه قسطنطين ، ليُتّخذ دينا عامّا للدولة يسمّى الكاثوليكيّة التي تَعني  حرفيّا : الدين العام ، تخلّصا من الفرق المسيحيّة التي كثرت وتعدّدت في زمانه ، حتّى بلغت أناجيلها مائة إنجيل ، وكلّ فئة تدّعي أنّ إنجيلها هو الصّحيح » .

فهذا الذي تحدّث عنه الدّكتور الدّواليبي نخشى أن نصل إليه – لا سمح الله – وإن كان ذلك بعيدا ، لكن لا ندري ماذا يُخفيه لنا أعداؤنا ، ومعهم النّاعقون من بني جلدتنا ، الذين لا يرقبون عواقب الأمور في كلّ محظور .

          وقد صدق المفكّر المسلم الأستاذ وحيد الدين خان حين قال : « حين دُوّن القرآن في عهد أبي بكر “رضي الله عنه” بإشراف الدّولة ، أُحرِقت النّسخ الانفرادية الأخرى بسبب هذه الحكمة ، وهي : أنّه لو دُوّن القرآن بجهود انفراديّة لتفجّر خلاف شديد ما كان ليهدأ قبل يوم القيامة ؛ ولعلّ عمر بن عبد العزيز “رضي الله عنه” أيضاً، وضع مثل هذه الخطّة لجمع الأحاديث النّبويّة وتدوينها ، ولكنّ هذا العمل لم يتحقّق بإشراف الدّولة الإسلاميّة بسبب موته المبكّر »[24] .

فتوحيد دستور المسلمين الخالد إذًا ، نعمة جزيلة ومنّة عظيمة على جميع المسلمين في أنحاء العالم .

          لقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين ، ثمّ كُتب باللغة العربيّة على أيدي مهَرَة من كتبة الوحي الذين اصطفاهم رسول الله ﷺ لهذا العمل الجلل ، ولذا حُفظت كتابته من وقت نزوله إلى اليوم ، ووقع الإجماع على هذا في عهود الصّحابة ، والخلفاء الراشدين ، والتابعين ، وأتباع التابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ومضى الحال على ذلك ، ودخل مَن دخل من الأمم غير العرب في الإسلام ، ولم يُفكّروا يوما في إحالته عن عربيّته : فالمسلمون من غرْب آسيا وشمال إفريقيا استعرَبوا بالإسلام والقرآن ، والهنود والأتراك وأهل فارس والأوربيون (حديثا) ممن دخلوا في دين الله كذلك .

          فلماذا نأتي اليوم بـ « بدعة » جديدة لا أساس لها في الدين لا من قريب ولا من بعيد ؟ وقد سئل الإمام مالك – كما نقله الإمام أبو عمْرو الدّاني عن أشهب – : هل يُكتب المصحف على ما أحدثه النّاس من الهجاء ؟ فقال : لا ، إلاّ على الكِتْبَة الأولى .

          وقال الإمام أحمد بن حنبل : يحرُم مخالفة خطّ مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف ، أو نحو ذلك .

          وذكر الإمام الشُّرُنْبُلالِيّ الحنفي في رسالته المسمّاة (النفحة القدسيّة في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسيّة): «إجماع الأئمّة الأربعة ، واتفاق علماء مذاهبهم ، على أنّ اتباع رسم خط المصحف العثماني واجب في كتابة القرآن الكريم ، وأنّ كتابته بعبارة غير عربيّة : حرام ، وكذا كتابته بغير خطّ عربيّ : ممنوع » .

          وقال الإمام الحافظ ابن الجوزي (ت 597هـ=1200م) : « إنّ كتابة الصّحابة للمصحف الكريم مما يدلّ على عظيم فضلهم في علم الهجاء خاصّة ، وثقوب فهمهم في تحقيق كلّ علم »[25] .

          وقال الإمام البيهقيّ (ت 458هـ=1065م) في كتابه (شُعَب الإيمان) : « مَن كتب مصحفا، ينبغي أن يحافظ على الهجاء الّذي كتبوا به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغيّر ممّا كتبوه شيئا، فإنّهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة، فلا ينبغي أن نظنّ بأنفسنا استدراكا عليهم ».

          وقال القاضي عَيَّاض[26] (ت 544هـ=1149م) : « أجمع المسلمون أنّ القرآن المتلوّ في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، ممّا جمعُهُ الدّفّتان من أوّل  ) الحمد لله ربّ العالمين ( إلى آخر ) قل أعوذ بربّ النّاس ( أنّه كلام الله ووحيه المنزّل على نبيّه محمّد ﷺ، وأنّ جميع ما فيه حقّ، وأنّ من نقّص منه حرفا قاصدا لذلك، أو بدّله بحرف آخر مكانه ، أو زاد فيه حرفا ممّا لم يشتمل عليه المصحف الّذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنّه ليس من القرآن عامدا لكلّ هذا ، أنّه : كافر ».

          وقال الشّيخ عبد العظيم الزّرقاني من علماء الأزهر[27]: « إنّ علماءنا حظروا كتابة القرآن بحروف غير عربيّة، وعلى هذا يجب عند ترجمة القرآن بهذا المعنى إلى أيّة لغة أن تكتب الآيات القرآنيّة إذا كتبت بالحروف العربيّة، كي لا يقع إخلال وتحريف في لفظه ».

          وقال الشّيخ خالد عبد الرحمان العكّ : « ليس في الوجود لغة تستوعب الإعجاز القرآنيّ غير العربيّة .. ولهذا لا يجوز إخراج القرآن عن لغته المعجزة إلى لغات أخرى ثمّ يسمّى قرآنا .. فإذا خرج القرآن عن لغته العربيّة، تأكّد وقوع التّغيّر والتّبديل والتّحريف الّذي يأمل به أعداء الإسلام »[28].

          وأختم هذه النّقول الصّارخة بقول فضيلة الأستاذ الدّكتور يوسف القرضاوي – عميد كليّة الشّريعة والدّراسات الإسلاميّة في قطر (سابقا) – : « بقي المصحف برسمه العثماني إلى يومنا هذا، ولم يقبل أحد من المسلمين أن يغيّر رسمه إلى الرّسم الإملائي المعتاد، وإن كان أيسر على النّاس، مبالغة في الحفاظ على النّصّ القرآني من أيّ تغير قد يحدث في المستقبل خطأ أو عمدا … ومن هنا، ينبغي أن يُفْهَم أنّ الأصل في الفتوى : هو عدم جواز كتابة النّصّ القرآني بغير الحرف العربي »[29].

8) تحريم « الكتابة » يستتبع تحريم « التّلاوة » :

          لأنّ تحريف الكتابة ينجم عنه سوء القراءة، كما ينبّه العلاّمة المقرئ الشّيخ علاء الدّين السّخاوي في (نونيّته) العصماء قائلاً:

لا تحسب  التّجويد مدّا مُفْرِطا              أو  مدّ  ما  لا  مدّ   فيه   لواني

أو أن  تشدّد  بعد  مدّ   همزةً              أو أن تلوك الحرف   كالسّكران

أو  أن  تفوه  بكلمة  متهوّعا               فيفرّ   سامعهـا    من   الغثيان

للحرف ميزان فلا تك طاغيا               فيه  ولا  تـك  مخسر  الميـزان

          قال الإمام الزّركشي : « لا تجوز قراءة القرآن بالعجميّة سواء أحْسن العربيّة أم لا، في الصّلاة وخارجها لقوله تعالى : ) إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا ( وقوله : ) ولو جعلناه قرآنا أعجميّا ( » .

وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيميّه (ت728هـ=1327م) : « أمّا القرآن فلا يقرأه بغير العربيّة، سواء قدر عليها أو لم يقدر عند الجمهور، وهو الصّواب الّذي لا ريب فيه »[30].

وأمّا ما نقل عن الإمام أبي حنيفة النّعمان : من جواز القراءة في الصّلاة بالفارسيّة، فقد صحّ تراجعه عنه، وتبعه في ذلك أصحاب مذهبه ؛ ذكر ذلك الكمال بن الهمام ، وشارح المنار ، وصدر الشّريعة في التّوضيح ، وغيرهم، وكلّهم قالوا : الأصحّ أنّه رجع عن هذا القول.

وبهذا يكون رأي الأحناف متّفقًا مع رأي جمهور العلماء في التّحريم.[31]

9)- قاعدة « سدّ الذّرائع » : تُدَعِّم حكم تحريم كتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة :

انفرد المالكيّة ومعهم الحنابلة باستخراج أصل من أصول الفقه، وهو ما يُعرف بـ « سدّ الذّرائع »، وهي تعني : الوسائل أو الأسباب الّتي يُتَوَصّل بها إلى شيء محظور (أي : ممنوع).

وقد عرّفها الإمام المازري بقوله : « مَنعُ ما يجوز لئلاّ يتطرّق به إلى مالا يجوز ».

وعقد العلاّمة محمد صدّيق حسن خان القِنّوجي (ت1307هـ=1889م) في كتابه (حصول المأمول من علم الأصول/ص358) بابا بعنوان : (سدّ الذّرائع)، ثمّ عرّفها بقوله : « هي المسألة الّتي ظاهرها الإباحة، ويُتوصّل بها إلى الفعل المحظور .. ومن أحسن ما يُستدلّ به على هذا الباب، قوله ﷺ : « ألا وإنّ حمى الله المعاصي، فمن حام حول الحمى يوشك أن يواقعه » وهو حديث صحيح[32]، ويُلحق به قوله ﷺ : « دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك » وهو حديث صحيح أيضا »[33] .اهـ

أمّا دليلها من القرآن الكريم، فهو قوله تعالى في آية سورة البقرة :  ) يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ( آية 104. قال العلاّمة الشّيخ حسنين محمّد مخلوف (ت 1410هـ=1990م) : « هذه الآية أصل في سدّ الذّرائع »[34]. وقال العلاّمة الإمام الشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور (ت 1393هـ=1973م) في خاتمة تفسيره الآية : « وقد دلّت هذه الآية على مشروعيّة أصل من أصول الفقه – وهو من أصول المذهب المالكي – يلقّب بسدّ الذّرائع، وهي الوسائل الّتي يُتوسَّل بها إلى أمر محظور »[35].

وقال الإمام ابن القيّم : « إنّ سدّ الذّرائع رُبعُ التّكليف ».

وإليك أمثلة لتزداد فهما ومعرفة بـ « قاعدة سدّ الذّرائع » :

  • خلوة الرّجل بالمرأة الأجنبيّة، (لا تجوز)، لأنّها قد تفضي إلى الوقوع في المعصية.
  • منع النّبيّ ﷺ الوصيّة للوارث، حتّى لا تُتَّخَذ ذريعةً إلى تفضيل بعض الورثة على بعض، وهذا (لا يجوز).
  • النّهي عن بناء المساجد على القبور، حتّى لا يُفضي ذلك إلى عبادة الموتى من عظماء النّاس.
  • بيع المأكولات الفاسدة، (حرام)، لأنّها قد تؤدّي إلى مرض الآكلين أو موتهم[36].

ومن ذلك ما نحن بصدد الكلام عنه، وهو : منع كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاّتينيّة حتّى لا يُفضَى به إلى التّحريف والتّغيير والتّبديل، فقد يكون كلّما خطرت فكرة للعابثين، وللّذين يريدون أن يكون للمصحف فتنة، بكتابته بالحروف اللاّتينيّة عوضا عن الحروف العربيّة.

ولا بدّ أن أشير هنا إلى أنّ « كتابة القليل والكثير » منه في الحكم سواء ، أعني : « التّحريم ».

والّذين أجازوا القليل [37] مثل الفاتحة فقط، ثمّ قصار السّور، فإنّا نقول لهم : في سَدّ القليل صَدّ عن الكثير، وبغلْق هذا الباب تطمئنّ ضمائر أولوا الألباب، وتستريح أيادي أولئك الأرباب، من الاقتراب إلى حمى هذا الكتاب، لأنّ دَرْءَ المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، هكذا نبّه الفقهاء.

ففي الثّمانينات (أي الميلاديّة)، وجدناهم – أي العابثين – يكتبون الفاتحة، ثمّ خطوا خطوة أخرى فكتبوا قصار السّور، ثمّ واصلوا الكتابة إلى (حزب سبّح)، ثمّ تسابقوا : فمنهم من أخرج (جزء عمّ)، ومنهم من تمادى فأخرج (جزء تبارك)، ثمّ تنافسوا في شناعة العمل ، ليقال : أيهم أحسن عملا، حتّى أخرج كبيرهم مصحفا كاملا باللاّتينيّة.

10)- أدلّة « التّحريم » (قديماً) و(حديثاً) :

كنت أتابع موضوع « كتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة » منذ العام (1405هـ=1985م) باهتمام بالغ، ولوعة مؤرّقة ، كيف وأنا أرى – يومها – الخرْق يزداد على الرّاقع ويتّسع ، ووجدتُ من العلماء من لا يرعى هذا الموضوع اهتمامه ، بل كان يراه هيّنا ، ولكنّه في الحقيقة عند الله عظيم، حتّى أنّ فضيلة الشّيخ فيصل مولوي المستشار بالمحكمة الشّرعيّة السّنيّة العليا في بيروت – لمّا نزل بمدينة باريس للإقامة فيها في منتصف الثّمانينات – عرضتُ عليه الموضوع وحادثته فيه ، ثمّ أبديت له رغبتي وعزمي على الكتابة فيه ، فقال لي بعفويّته المعهودة : « ماذا ستكتب فيه ؟ » ، إذ كان يرى حفظه الله : أنّ هذه النّازلة بسيطة، ولا تستدعي كلّ هذا القلق .

وفعلا، كتبتُ في الموضوع وفرغت منه في (24/06/1405هـ=15/03/1985م)، ثمّ صدر في باريس بعنوان : (كتابة النّصّ القرآني بالحرف اللاّتيني خطر داهم على المصحف العثماني) عام (1407هـ=1987م).

ثمّ قمت بإرسال رسائل مصحوبة بنسخ منه إلى نخبة من أصحاب الفضيلة العلماء، ودوائر العلم والفتوى في المشرق والمغرب، أستطلع رأيهم في الموضوع ذاته (أوّلاً)، ثمّ لأرى انطباعاتهم عن الكتاب المرسل إليهم (ثانيا)، وذلك بمعدّل مائة وعشرين شخصيّة علميّة، لكن كان التّجاوب ضئيلا، والإجابات جدّا قليلة، فعمدتُ إلى وسيلة التّذكير مع الإلحاح على الإجابة، وذكّرتُهم بأهميّة الموضوع وخطورته، وهم أصحاب المسؤوليّة الشّرعيّة : يُسمَع ويُقْرأ لهم، ويُهتدى بآرائهم، فجاءت الحصيلة في المرّة الثّانية أوفى بقليل من الأولى، ولكن يبقى ذلك دون ما كنت آمله.

ولا بدّ لي أن أقول هنا بالمناسبة : إنّ الغرب بعلمائه ودوائره لا يعرف التّجاهل ولا التّناسيَ أو حتّى التّغاضي عن أيّ مكتوب يصلهم مهما كان باعثه ومبعثه، وهم يرون ذلك من أخلاق هذا القرن، وحسن المعاملة والتّواصل بين بني البشر، أمّا نحن العرَبَ فحدّث عن الإغفال وأحيانا الإهمال ولا حرج، فإلى الله المُشتكى [38].

وممّن استجاب لي فأجابني – جزاهم الله خيرا وشكر سعيهم في الدّنيا والآخرة – عِلما أنّ منهم من انتقل إلى رحمة الله : ( سيّد محمّد طنطاوي/عبد الحميد طهماز/صلاح الدّين قايا[39]/عبد الرزّاق الحلبي/عبد الله الأنصاري/يوسف البرقاوي/حسين خطّاب/يوسف القرضاوي/عبد العزيز بن باز/محمد بن أحمد الخزرجي/أسعد المدني[40]/عبد الله بن الصدّيق الغُماري/أبو بكر جابر الجزائري/عبد الله كنّون/أحمد محمّد جمال/محمّد الغزالي/محمّد سعيد رمضان البوطي/أحمد العسّال/سيّد سابق/محمّد عليّ الصّابوني/حبيب الرّحمان الأعظمي/محمّد شفيع الّدييوبندي[41]/محمّد عبد الرّحمان[42]/سعيد عبد العزيز الجندول[43]/بدر المتولّي عبد الباسط/محمّد بن عبد الوهّاب أبياط/عبد الغنيّ الرّاجحي[44]/بُدّاه البُوصيري[45]/زينب الغزالي/إبراهيم بن إسماعيل/لطفي دوغان[46]).

أمّا دوائر الفتوى ومراكز الشّؤون الدّينيّة، فقد كاتبتُها أيضا لاستصدار فتوى منها في الموضوع، فأجابتْ مشكورة، انطلاقا من موقعها الهامّ في بيان الأحكام الشّرعيّة، وهي على التّوالي : (دار الإفتاء في الرّياض/دار الإفتاء في مصر/دار الإفتاء العامّ في الأردنّ/دار الفتوى في لبنان/الهيئة العامّة للفتوى في الكويت/إدارة الإفتاء في استانبول/دار الإفتاء في بنغلاديش/المجمع الفقهي بمكّة المكرّمة/مجلس القرّاء بدمشق[47]/رئاسة الشّؤون الدّينيّة بتركيّا/جمعيّة علماء الهند).

فكلّ هؤلاء ، – سواء من العلماء ، أو دُور الفتوى ، والمجامع الفقهيّة ، والهيئات الدّينيّة في العالم الإسلامي – قالوا جميعا : «بتحريم كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاتينيّة » قولا واحدا بلا استثناء .

وهذا شيء مهمّ ومفيد من حيث بيانُ وجهة علمائنا الصّحيحة والسّديدة في هذا الموضوع الخطير في هذا العصر ، والقول بغير هذا يُعدّ – بلا شكّ – شذوذا وشططا ، خصوصا إذا أضفنا ما ذهب إليه الأجلاّء من أئمّة العلم والفقه قديما ، فهم أيضا يذهبون مذهب « التّحريم » ، ابتداءً من أئمّة الفقه الأربعة المشهورين ، ومن جاء بعدهم على مرّ العصور ، مثل : (الحافظ البيهقي ، والإمام البغوي ، والقاضي أبو بكر بن العربي ، والعلامة نظام الدين النيسابوري ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والفقيه ابن الحاج العبدري ، والإمام الشّاطبي ، والإمام ابن حزم ، والإمام علي النّوري الصّفاقسي[48]) .

ونصوص أقوال السّادة هؤلاء وألئك : القديم منها والحديث ، تجدها مبثوثة في كتبي : (كتابة النّصّ القرآني بالحرف اللاتيني خطر داهم على المصحف العثماني) ، و (تحريم كتابة القرآن الكريم بحروف غير عربيّة) ، و (الامتناع عن كتابة القرآن بالحروف اللاتينيّة أو الأعجميّة بأدلّة الكتاب والسّنّة والإجماع)[49] .

          فهل بعد هذا يا ترى ، مَن يطلب المزيد من الإقناع في هذا الموضوع ؛ بل إنّ مجموع نصوص أقوال أولئك العلماء ومراجع الفتوى تُشكّل « إجماعا » حديثا ، يجب أن لا يُخرَق ، ولا يُخرج عنه ، مهما التمست الأعذار أو كيفما كانت المبررات .

و«الإجماع » ، معناه شرعا : اتّفاق جملة من أهل الحلّ والعقد من أمّة محمد ﷺ في عصر من العصور على أمر من الأمور.

ولا يخفى عليك أنّ الإجماع هو أحد ركائز الاستدلال في الشّريعة الإسلاميّة بعد (الكتاب والسّنّة) .

وأنا هنا ، سأقتصر على إيراد (ستة قرارات) تعتبر نصوصا قاطعة في « تحريم مسألة كتابة نصّ القرآن بالحروف اللاتينيّة أو الأعجميّة » ، صدرت عن جهات لها إخلاصها ، ومرجعيّتها الدينية والعلميّة ، ومصداقيّتها عند المسلمين في العالم ، والمسلم البصير والعاقل يكفيه ذلك ، بل ويُغنيه عن أن يلتمس دليلا آخر .

وهذه الجهات هي :

  • هيئة كبار العلماء في المملكة العربيّة السّعوديّة :

          « بسم الله الرّحمان الرّحيم . قرار رقم 67 وتاريخ 21/10/1399هـ . الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد ، ففي الدّورة الرّابعة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطّائف في المدّة من العاشر من شهر شوّال سنة 1399هـ إلى الحادي والعشرين منه ، اطّلع المجلس على الخطاب الوارد من مبعوث الرّئاسة بسفارة المملكة العربيّة السّعوديّة بجاكرتا إلى مدير إدارة الدّعوة في الخارج برقم 9/1/15/155 وبدون تاريخ المتضمّن أنّه ظهر في أسواق أندونيسيا مصحف مكتوب بالأحرف اللاتينيّة . وسؤاله عمّا ينبغي اتّخاذه حياله والذي أحيل للأمانة العامّة لهيئة كبار العلماء من سماحة الرّئيس العام لإدارات البحوث العلميّة والإفتاء والدّعوة والإرشاد . خطابه رقم 255/1/د  وتاريخ 27/1/99هـ ، واطّلع المجلس على البحث الذي أعدّته اللجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء في حكم كتابة المصحف بالأحرف اللاتينيّة ، بناء على طلب المجلس في الدّورة الإستثنائيّة الثّالثة لمّا عرض الخطاب في تلك الدّورة ؛ وبعد دراسة الموضوع ومناقشته وتداول الرّأي فيه ، قرّر المجلس بالإجماع : تحريم كتابة القرآن بالحروف اللاتينية أو غيرها من حروف اللغات الأخرى ، وذلك للأسباب التّالية :

1/ إنّ القرآن قد نزل بلسان عربيّ مبين حروفه ومعانيه ، قال تعالى :  ) وإنّه لتنزيل ربّ العالمين . نزل به الرّوح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربيّ مبين  ( . والمكتوب بالحروف اللاتينيّة لا يسمّى قرآنا لقوله تعالى : ) وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيّا ( ، وقوله : ) لسان الذي يُلحدون إليه ءاعجمي وهذا لسان عربي مبين ( .

2/  إنّ القرآن كُتب حين نزوله وفي جمع أبي بكر وعثمان “رضي الله عنهما” بالحروف العربيّة ، ووافق على ذلك سائر الصّحابة “رضي الله عنه”، وأجمع عليه التّابعون ومَن بعدهم إلى عصرنا رغم وجود الأعاجم ، وثبت عن النبي ﷺ أنّه قال : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي … » .الحديث ؛ فوجبتْ المحافظة على ذلك ، عملاً بما كان في عهده ﷺ وخلفائه الرّاشدين “رضي الله عنهم” ، وعملا بإجماع الأمّة.

3/ إنّ حروف اللغات من الأمور المصطلح عليها ، فهي قابلة للتغيير مرّات بحروف أخرى ، فيُخشى إذا فتح هذا الباب أن يُفضي إلى التّغيير كلّما اختلف الاصطلاح ، ويُخشى أن تختلف القراءة تبعا لذلك ، ويحصل التّخليط على مرّ الأيّام ، ويجد عدوّ الإسلام مدخلا للطّعن في القرآن للاختلاف والاضطرابات ، كما حصل بالنّسبة للكتب السّابقة ، فوجب أن يُمنع ذلك محافظةً على أصل الإسلام ، وسدّا لذريعة الشّر والفساد .

4/ يُخشى إذا رُخّص في ذلك أو أقرّ أن يصير القرآن أُلعوبة بين أيدي النّاس : فيقترح كلٌّ أن يكتبه بلغته وبما يجدّ من اللغات ، ولا شكّ أنّ ذلك مثار اختلاف وضياع ، فيجب أن يُصان القرآن عن ذلك صيانة للإسلام ، وحفظا لكتاب الله من العبث والاضطرابات .

5/ إنّ كتابة القرآن بغير الحروف العربيّة يُثبِّط المسلمين عن معرفة اللغة العربيّة التي بواسطتها يعبدون ربّهم ويفهمون دينهم ، ويتفقّهون فيه . هذا وبالله التّوفيق ، وصلّى الله على محمد وآله وصحبه وسلّم » .

هيئة كبار العلماء:

رئيس الدّورة : عبد الله بن محمد بن حميد

محمد بن علي الحركان / عبد الرزاق عفيفي / عبد العزيز بن عبد الله بن باز / سليمان بن عبيد / عبد الله خياط / عبد العزيز بن صالح / راشد بن خنين / محمد بن جبير / إبراهيم بن محمد آل الشّيخ / عبد الله بن غديان / صالح بن غصون / عبد المجيد بن حسن / عبد الله بن قعود / عبد الله بن منيع / صالح بن اللحيدان[50] .

 


  • المجمع الفقهي الإسلامي بمكّة المكرّمة :

          الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبيينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

أمّا بعد :

          فإنّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطّلع على خطاب الشيخ هاشم وهبة عبد العال من جدّة ، الذي ذكر فيه موضوع (تغيير رسم المصحف العثماني إلى الرسم الإملائي) ، وبعد مناقشة هذا الموضوع من قِبل المجلس واستعراض قرار هيئة كبار العلماء بالرياض ، رقم (71/وتاريخ 21/10/1399هـ) الصّادر في هذا الشّأن ، وما جاء فيه من ذكر الأسباب المقتضية بقاء كتابة المصحف بالرّسم العثماني ، وهي :

1- ثبت أنّ كتابة المصحف بالرّسم العثماني كانت في عهد عثمان “رضي الله عنه” ، وأنّه أمر كتبة المصحف أن يكتبوه على رسم معيّن ، ووافقه الصّحابة ، وتابعهم التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا هذا ؛ وثبت أن النّبي ﷺ قال : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي » ؛ فالمحافظة على كتابة المصحف بهذا الرّسم هو المتعيّن اقتداء بعثمان وعلي وسائر الصحابة ، وعملا بإجماعهم .

2- إنّ العدول عن الرّسم العثماني إلى الرّسم الإملاي الموجود حاليا بقصد تسهيل القراءة يُفضي إلى تغيير آخر إذا تغيّر الاصطلاح في الكتابة ، لأن الرّسم الإملائيّ نوع من الاصطلاح قابل للتغيير باصطلاح آخر ، وقد يُؤدّي ذلك إلى تحريف القرآن بتبديل بعض الحروف أو زيادتها أو نقصها ، فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين ، ويجد أعداء الإسلام مجالاً للطعن في القرآن الكريم ، وقد جاء الإسلام بسدّ ذرائع الشّرّ ومنع أسباب الفتن .

3- ما يُخشى من أنّه إذا لم يُلتزم الرّسم العثماني في كتابة القرآن ، أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي النّاس كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته اقترح تطبيقَها ، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينيّة أو غيرها ، وفي هذا ما فيه من الخطر ، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح .

وبعد اطلاع مجلس المجمع الفقهي الإسلامي على ذلك كلّه ، قرّر بـ الإجماع : تأييد ما جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ، من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني ، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه ، ليكون حجّة خالدة على عدم تسرّب أيّ تغيير أو تحريف في النّصّ القرآني ، واتباعا لما كان عليه الصّحابة ، وأئمّة السّلف رضوان الله عليهم أجمعين .

أمّا الحاجة إلى تعليم القرآن وتسهيل قراءته على النّاشئة التي اعتادت الرسم الإملائيّ الدّارج ، فإنّها تتحقّق عن طريق تلقين المعلّمين ، إذ لا يستغني تعليم القرآن في جميع الأحوال عن معلّم ، فهو يتولّى تعليم النّاشئين قراءة الكلمات التي يختلف رسمها في الرّسم العثماني عن رسمها في قواعد الإملاء الدّارجة ، ولا سيّما إذا لوحظ أنّ تلك الكلمات عددها قليل ، وتكرار ورودها في القرآن كثير ، ككلمة   ) الصّلواة ( و ) السّموات ( ونحوهما ؛ فمتى تعلّم الناشئ الكلمة بالرسم العثماني سهُل عليه قراءتها كلما تكرر في المصحف ، كما يجري مثل ذلك تماما في رسم كلمة ) هذا ( و ) ذلك ( في قواعد الإملاء الدّارجة أيضا . والله وليّ التّوفيق .

وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأميّ وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا .

رئيس مجلس المجمع الفقهينائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن بازد. عبد الله عمر نصيف

الأعضاء : عبد الله عبد الرّحمان البسام / صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان / محمد بن عبد الله بن السبيل / مصطفى أحمد الزّرقا / محمد محمود الصواف / صالح بن عثيمين / محمد سالم عدود / محمد رشيد قباني / محمد الشاذلي النيفر / أبو بكر جومي / عبد القدوس الهاشم / محمد رشيدي / محمود شيت خطاب / أبو الحسن علي الحسني النّدْوي / حسنين محمد مخلوف / مبروك العوادي / محمد أحمد قمر : مقرّر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي[51] .

 


3– دار الإفتاء المصريّة :

كنت قد بعثتُ في عام (1408هـ) إلى دار الإفتاء المصريّة بالسّؤال التّالي : ما الحكم في « كتابة النّصّ القرآني بالحرف اللاّتيني » تيسيرا لغير العرب، أو المسلمين الجدد، لقراءة القرآن الكريم بلغتهم؟

فجاءتني إجابة المفتي آنذاك : فضيلة الشّيخ الدّكتور محمّد سيّد طنطاوي – وهو الآن شيخ الأزهر –   ونصّها : « نؤيّد ما جاء في قرار مجلس المجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكّة المكرّمة في تاريخه، والّذي قرّر بإجماع أعضاءه ما جاء في قرارا مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربيّة السّعوديّة : من عدم جواز رسم المصحف العثماني، ووجوب بقاء الرّسم العثماني على ما هو عليه، ليكون حجّة خالدة على عدم تسرّب أيّ تغيير أو تحريف في النّصّ القرآني، واتّباعا لما كان عليه الصّحابة وأئمّة السّلف رضوان الله تعالى عليهم »[52].

 


4- مجمع البحوث الإسلاميّة في القاهرة ومعه الأزهر الشّريف :

أ / يقول فضيلة الشّيخ جاد الحقّ عليّ جاد الحقّ شيخ جامع الأزهر آنذاك[53]، جوابا عن سؤال وجّهَتْه إليه مجلّة الدّعوة[54] إذ قال : « سبق أنّ قرّر مجلس البحوث الإسلاميّة في جلسته السّادسة بتاريخ (17/01/1970م)، أنّ القرآن الكريم قد وصل إلى المسلمين عبر العصور مكتوبا بالرّسم العثماني الّذي يحافظون عليه ، منعا لأيّ تحريف يطرأ على لفظ القرآن الكريم. كذلك فإنّ ترتيله متوارث جيلا عن جيل بالنّطق الّذي أثِر عن النّبيّ ﷺ ، وقد وضع علماء المسلمين قواعد صريحة محدّدة في علم تجويده هي الّتي تحكم ترتيل القرآن الكريم، وفي أيّ خروج عليها مخالفة لا يقرّها الإسلام ولا يرضاها المجمع. كذلك اتّفق المجمع في جلسته الرّابعة من الدّورة الثّانية والعشرين في (30/01/1986م) على أنّ القرآن الكريم لا يكتب إلاّ بالخطّ العثماني، وأنّه لا يجوز أن يكتب القرآن بالحروف اللاّتينيّة.

وما نشرته الصّحف الّتي أشار السّؤال إليها عن جامعة الأزهر، فقد كان الموضوع لا يعدو كونه مجرّد اقتراح وافد على الجامعة، وقد جُمِّد في وقته » -اهـ.

ب / جاء في كتاب (مناهل العرفان ج2/ص134) للشيّخ محمّد عبد العظيم الزرقاني : سئلت لجنة الفتوى في الأزهر عن كتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة؟ فأجابت بعد حمد الله والصّلاة والسّلام على رسوله بما نصّه : « لا شكّ أنّ الحروف اللاّتينيّة المعروفة خالية من عدّة حروف توافق العربيّة فلا تؤدّي جميع ما تؤدّيه الحروف العربيّة، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النّظم العربي – كما يفهم من الاستفتاء – لوقع الإخلال والتّحريف في لفظه، ويتبعهما تغيّر المعنى وفساده، وقد قضت نصوص الشّريعة بأن يصان القرآن الكريم من كلّ ما يعرّضه للتّبديل والتّحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أنّ كلّ تصرّف في القرآن يؤدّي إلى تحريف في لفظه أو تغيير في معناه ممنوع منعا باتّا ومحرّم تحريما قاطعا، وقد التزم الصّحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا كتابة القرآن بالحروف العربيّة ». اهـ.

ت / في عام (1355هـ=1936م) تشكّلت لجنة في مصر تتكوّن من أفاضل علماء الأزهر للتّشاور في وضع تفسير عربيّ دقيق، تمهيدا لترجمته بواسطة لجنة فنيّة مختارة، تنفيذا لقرار مجلس الوزراء المصري المنعقد في (16/04/1936م) بناء على ما رفعه إليه فضيلة شيخ الأزهر في ذلك الوقت ؛ وقد وضعتْ هذه اللّجنة ضوابط لعملها، وكثيرا من التّحفّظات، كان من أهمّها :

  • عدم جواز كتابة القرآن الكريم بحروف غير عربيّة، حذرا من التّحريف في لفظه العربي.
  • أن تسمّى التّرجمة ترجمة تفسير القرآن أو تفسير القرآن بلغة (كذا)، ويمتنع أن تسمّى (ترجمة القرآن).
  • يحسُن أن تكون التّرجمة مسبوقة بالتّفسير المُترجم، لأنّ هذا أَنْفَى للرّيب، وفيه تحديد للمترجم بأنّه التّفسير لا لفظ القرآن[55].

 


5– مجلس الإقراء بدمشق :

بسم الله الرحمان الرّحيم. وبعد : فقد اجتمع مجلس الإقراء في دمشق الّذي ينعقد أسبوعيّا في محضر كبار القرّاء ومشيختهم، وعُرض عليهم موضوع الكتاب الّذي هو رسم القرآن العزيز بالحرف اللاّتيني، وتدارسوا ذلك مدارسة علميّة، وحقّقوا في الموضوع من سائر جوانبه، فاتّفقتْ كلمتهم على أنّ عنوان الكتاب (كتابة النّصّ القرآني بالحرف اللاّتيني خطر داهم على المصحف العثماني) المُرسل إليهم لدراسته وإعطاء الرّأي حول هذا الموضوع. كان ترجمة حقيقيّة، وليس فيه إسراف ولا غلُوّ، وقد اطّلع المجلس على الكتاب، ودرسه بدقّة، فقرّر بعد ذلك بالإجماع : أنّ كتابة القرآن العظيم بالأحرف اللاّتينيّة أمر خطير بالغ الخطورة، وهو غير جائز، لأنّ الأحرف العربيّة لا يوجد كثير منها باللاّتينيّة، وهو تحريف للقرآن، وتغيير له عن العربيّة المنزّل بها، وليس هناك مبرّر لكتابته باللاّتينيّة من أجل الّذين دخلوا ويدخلون في الإسلام من غير العرب، فحال هؤلاء كحال الّذين مِن قبلهم من الأمم غير العرب، الّذين لم يفكّروا في يوم من الأيّام أن يكتبوا القرآن بأحرفهم، مع أنّ أكثر المسلمين اليوم في الدّنيا من غير العرب : من أتراك، وعجم، وهند، وباكستان، وأندونيسيا، وإفريقيا، وغيرهم من بلاد المسلمين ؛ فكلّ هذه البلاد الّتي تدين بالإسلام لم تكتب القرآن فيما مضى بغير الحرف العربي، ولو كَتَب القرآنَ كلّ بلغته، وأضافه إلى قطره وبلده لتعدّدت الكتابات، وأدّى ذلك أن يقال في مستقبل الأمر وبعد الاختصار : قرآن هندي، وقرآن تركي، أو غير ذلك، وفيه ما فيه ؛ ولقد رأينا في صفوف الأعاجم من المسلمين اليوم من يقرأ القرآن مرتّلا مجوّدا أحسن من قراءة كثير من العرب، الّذين أنزل القرآن بلغتهم، ويجب أن يكونوا أغير عليهم من غيرهم كما رأينا وشاهدنا في مسابقات القرآن الكريم الدّوليّة، فقد حاز شابّ من أندونيسيا الجائزة الأولى في المسابقة الّتي جرت في سوريا عام (1982م)، وكذلك شاهدنا شباب الأتراك يحفظون القرآن الكريم حفظا متينا مع أنّهم لا يفقهون من معناه شيئا ؛ ولقد حافظ المسلمون الأوّلون على كتابته بالأحرف العربيّة ورسموه بها وذلك في زمن الخليفة الأوّل والثّالث من الخلفاء الرّاشدين، وكان ذك إجماعا منهم على ذلك. وإنّ فكرة كتابته بالأحرف اللاّتينيّة : فكرة هدّامة تجب محاربتها بكلّ الوسائل، اقترحها بعض أعداء الدّين من بعض المستشرقين الهدّامين، الّذين ليس لهم صلة ولا معرفة بالدّين الإسلامي، وتابعهم على ذلك المتمسّكون بأذنابهم ممّن سمّوهم أرباب الفكر، ورفعوهم إلى أعالي المجامع اللّغويّة بغيا أو جهلاً.

على أنّ علماء الأمّة الإسلاميّة وعلماء القراءات لم يجيزوا كتابته إلاّ بالرّسم الّذي رُسم به في زمن الخليفة الثّالث سيّدنا عثمان “رضي الله عنه”، وحافظوا على هذا الرّسم حتّى وصل إلينا بطريق التّواتر :

وإنّما يُسْأل عن الشّيء أهله والخبراء فيه

والآيات القرآنيّة شاهدة بأنّه نزل باللّغة العربيّة، والّذي نعتقده وندين به : أنّه لا تجوز كتابته باللاّتينيّة، ولا بقواعد الإملاء الحديث بالعربيّة، وإنّما على ما كتبه الصّحابة الكرام مع مراعاة الموصول والمفصول، والتّاء المبسوطة والمربوطة، وغير ذلك ممّا نصّ عليه في كتب الرّسم الّتي أقرّها العلماء، وملأت الدّنيا، وعليها عمدة القراءات المتواترة، وأصبحت مرجع الأمّة الإسلاميّة.

شيخ قرّاء الشّام بدمشق : الشّيخ حسين خطّاب

الشّيخ محمّد كريم راجح / الشّيخ محيي الدّين الكردي / الشّيخ محمّد طه سكّر / الشّيخ صادق حبنّكه / خادم القرآن الكريم : الشّيخ عبد الرّزّاق الحلبي / الشّيخ محمّد إحسان السّيّد حسن / الشّيخ محمد الخجا »[56].

 


6- مركز التّربية الإسلاميّة في باريس والنّدوة العالميّة الأولى لمقاومة تحريف القرآن :

انعقدت في عام (1408هـ=1988م) بمدينة باريس « النّدوة العالميّة الأولى لمقاومة تحريف القرآن بكتابته بالحروف اللاّتينيّة أو غيرها من الحروف الأعجميّة » بدعوة من مركز التّربية الإسلاميّة، وقد حضر النّدوة أصحاب الفضيلة العلماء، وأئمّة المساجد، ورؤساء الجمعيّات الدّينيّة، ومدراء المراكز الإسلاميّة في فرنسا وخارجها، ونخصّ بالذّكر الوفود التّالية من :

  • المملكة العربيّة السّعوديّة، حيث مُثّلت :
  • الجامعة الإسلاميّة/ ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشّريف في المدينة المنوّرة، بالشّيخ « عليّ عبد الرحمن الحذيفي » إمام وخطيب المسجد النّبوي الشّريف، وعضو هيئة التّدريس بالجامعة، وعضو الهيئة الإستشاريّة العليا بالمجمع.
  • وزارة الحجّ والأوقاف بالشّيخ « سعيد عبد العزيز الجندول » مستشار وزير الحجّ والأوقاف للشّؤون الإسلاميّة، والمشرف العام على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشّريف.
  • رابطة العالم الإسلامي في مكّة المكرّمة بالشّيخ « عبد الله بن عقيل بن سليمان العقيل » الأمين العام المساعد لشؤون المساجد فيها.
  • الرئاسة العامّة لإدارات البحوث العلميّة والإفتاء والدّعوة والإرشاد في الرّياض بالشّيخ « محمود مجاهد محمد حسن » مندوبها في بلجيكة.
  • الجمهوريّة العربيّة السّوريّة، حيث مُثّلت :
  • وزارة الأوقاف : إدارة جامع بني أمية الكبير، ومجلس مشيخة كبار القرّاء في دمشق بالشّيخ « عبد الرزّاق الحلبي » مفتي السّادة الحنفيّة، وعضو مجلس مشيخة كبار القرّاء.
  • معهد الفتح الإسلامي في دمشق بالشّيخ « عبد الفتّاح البزم » مدير المعهد.
  • المملكة الأردنيّة الهاشميّة، حيث مُثّلت :
  • بالشّيخ « يوسف عبد الرحمن البرقاوي » مفتي مدينة الزّرقاء.
  • الجمهوريّة التّركيّة، حيث مثّل :
  • الوقف لمركز البحوث الإسلاميّة ونشرها في أنقره بالشّيخ « لطفي دوغان » مدير الوقف ورئيس الشّؤون الدّينيّة في أنقره (سابقا).
  • المملكة المتّحدة (بريطانيا)، حيث مثّلت :
  • جمعيّة القرآن في لندن بالشّيخ « شريف أحمد حافظ ».
  • فرنسا، حيث مثّلت :
  • مركز التّربية الإسلاميّة بالشّيخ « صالح العَوْد ».
  • الجامعة العامّة لمسلمي فرنسا بالشّيخ « محمّد أيّوب » رئيسها.
  • اتّحاد المنظّمات الإسلاميّة بالشّيخ « أنيس عبد الرحمن قرقاح » مندوب عن الشّيخ « فيصل مولوي ».
  • المركز الإسلامي في جزيرة رينيون بالشّيخ « أحمد سعيد انقار » رئيس المركز.

وفي ختام النّدوة أعلن الحاضرون بالإجماع التّوصيات التّالية :

أوّلا : أَيَّد المجتمعون في النّدوة ما صدر من فتاوى شرعيّة بتحريم ومنع كتابة القرآن – كلّه أو بعضه – بأحرف غير عربيّة ، واستنكار كتابة القرآن الكريم أو بعضه بأحرف غير عربيّة ، والاتفاق على تحريم ذلك لما فيه من المخاطر الجسيمة ، والموافقة على ما صدر من الهيئات العلميّة والفقهيّة التي تحرِّم وتمنع كتابة القرآن العظيم أو بعضه بحروف غير عربيّة .

ثانياً: التنبيه على العلماء ، والدّعاة ، وأئمّة المساجد ، للوقوف بحزم أمام هذه المحاولات الخطيرة ، لمنع انتشارها والقضاء عليها في مهدها .

ثالثاً: الاهتمام بتعليم القرآن الكريم ونشره بين الصّغار والكبار في المساجد والمدارس .

رابعاً: الاهتمام بنشر اللغة العربيّة وتعليمها لأبناء المسلمين في المساجد والمدارس لا سيّما في بلاد المهجر .

خامساً: مطالبة الهيئات والمؤسّسات العلميّة والفقهيّة العالميّة بالدّفاع عن كتاب الله الكريم ، ضدّ محاولات الأعداء .

سادساً: تحذير المطابع والمكتبات ودور النّشر من طباعة أو نشر أيّ مطبوعات فيها إساءة لكلام الله عزّ وجلّ ، ومقاطعتها عند إصرارها .

الموقّعون:

علي الحذيفي / سعيد الجندول / عبد الله العقيل / محمود مجاهد / عبد الرزاق الحلبي /

لطفي دوغان / صالح العَوْد / محمد أيّوب / أنيس قرقاح

(وختاماً) : فاللهَ اللهَ يا (مسلمون) ، في الغَيْرة على هذا القرآن العظيم ، فقد أصبح في بلاد الغرب كاليتيم ، يعبث به الضّالّون كما يشاؤون، ويُحرّفه عن أصله سفلة النّاس ، وبعض جهلة المسلمين ، على مرآى ومَسْمع منّا ، ولا أحد ينهى أو يغيّر هذا المنكر المشين .

ثمّ أين أنتم يا (علماء الأمّة) ، ويا (حملة الشّريعة) ، لماذا لا تدافعون عن كتاب الله : وثيقة الإسلام الخالدة، حتّى لا يتكدّر صفاؤه ، ولا يذهب رونقه ، ولا تذبو قداسته فيصبح أثرا بعد عين .

فالرّجاء وألف رجاء ، أيّها (العلماء) : لا تُحسّنوا عمل أولائك العابثين ، لأنّ فيه غضب الله ورسوله ، وأصحابه والمؤمنين .

وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم . اللهم إنّا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك من شرورهم .

بسم الله الرحمان الرحيم : ) فَوَيْلٌ للذِين يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِم ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْد اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا ، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُون  ( [57].

روى الإمام أحمد عن ابن عمر “رضي الله عنه” قال : قال رسول الله ﷺ : « وجُعلت الذّلّة والصَّغار على مَن خالف  أمري » .

ذكر العلاّمة الشّيخ رحمة الله الهندي[58] : أنّ أميرا من أمراء الانجليز مرّ على معلّم يحفّظ التّلاميذ القرآن الكريم في بلدة سَهَارَنْفُور ، فسأله عن طالب يحفظ القرآن كلّه ، فأشار له المعلّم إلى عدد منهم ، فاختار الأمير واحدا منهم ليمتحنه وكان عمره ثلاثة عشر عاما ، فلمّا تيقّن من حفظه التّامّ تعجّب الأمير وقال : « أشهد أنّه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب كما ثبت للقرآن ، يُمكن كتابته من صدر صبيّ من الصّبيان مع غاية الصّحّة في الألفاظ وضبط الإعراب »[59] .

والحمد لله أوّلاً وآخراً ؛ وصلى الله على سيّدنا ونبيّنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلّم ،،

 


( المصادر )

  • الإسلام كبديل : مراد هوفمان / ط. بيروت 1413هـ=1993م
  • الإعجاز العددي للقرآن الكريم : عبد الرزّاق نوفل / ط. دار الشّعب بالقاهرة 1975م
  • إعلام البشر بوفاة أعلام القرن الخامس عشر (الهجري) : صالح العَوْد / (مخطوط).
  • الامتناع عن كتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة بأدلّة الكتاب والسّنّة والإجماع : صالح العود / ط. بيروت 1426هـ=2005م
  • تاريخ القرآن الكريم : صالح العود / (مخطوط)
  • تاريخ توثيق نصّ القرآن الكريم : خالد عبد الرحمان العكّ / ط. دمشق (د. ت)
  • التّحرير والتّنوير من التّفسير : محمّد الطّاهر بن عاشور / ط. تونس (د. ت)
  • ترجمات معاني القرآن الكريم : عبد الله عبّاس النّدوي /ط. مكّة 1417هـ (سلسلة دعوة الحقّ عدد 174)
  • تفسير الشّعراوي : محمّد متولي الشّعراوي / ط. أخبار اليوم في القاهرة 1991م
  • حصول المأمول من علم الأصول : محمّد صدّيق خان القِنَّوْجي / ط. القاهرة 2004م
  • الحضارة الإسلاميّة : عليّ الخربوطلي / ط. دار المعارف مصر (سلسلة كتابك رقم 27). (د.ت)
  • حياة الصّحابة : محمّد يوسف الكاندهلوي / ط. 2 دار القلم بدمشق 1403هـ=1983م
  • الدّعوة الإسلاميّة تستقبل القرن الخامس عشر : محمّد الغزالي / ط. بيروت دار المطبوعات العربيّة (د.ت)
  • الرّسالة : محمّد بن إدريس الشّافعي / ط. القاهرة بتحقيق الشيخ أحمد شاكر
  • الرّسول المعلّم وأساليبه في التّعليم : عبد الفتّاح أبو غدّه / ط. الثّانية دار البشائر الإسلاميّة بيروت 1417هـ=1997م.
  • الشّفا بتعريف حقوق المصطفى : القاضي عياض / ط. بيروت 1416هـ=1996م.
  • صفوة البيان لمعاني القرآن : حسنين محمد مخلوف / ط. دار الفكر بيروت (د. ت)
  • طلب العلم فريضة : صالح العود / ط. دار ابن حزم بيروت 1426هـ=2005م
  • فتح الباري شرح صحيح الإمام البخاري : أحمد بن حجر / ط. المطبعة السّلفيّة بالقاهرة (د. ت.)
  • فيض القدير شرح الجامع الصّغير : عبد الرؤوف المناوي / ط. دار المعرفة بيروت 1391هـ=1972م
  • كتابة النّصّ القرآني بالحرف اللاّتيني خطر داهم على المصحف العثماني : صالح العَوْد / ط. دار الكتاب النفيس بحلب 1411هـ=1991م
  • المؤامرة على الفصحى لغة القرآن : أنور الجندي / ط. القاهرة
  • مختار الصّحاح : زين الدين محمّد بن أبي بكر الرّازي / ط. دمشق بيروت 1405هـ=1985م
  • مدارج الوصول إلى معرفة علم الأصول : صالح العود / ط. المغرب 1421هـ=2000م.
  • المناظرة الكبرى : محمّد خليل / ط. الرّياض 1408هـ.
  • نحو تدوين جديد للعلوم الإسلاميّة : وحيد الدّين خان / ط. دار النّفائس بيروت 1398هـ=1978م.
  • النّهاية في غريب الحديث والأثر : مجد الدّين بن الأثير / ط. المكتبة الإسلاميّة بيروت (د. ت)

 

(المجلاّت)

  • الدّعوة (مجلّة سعوديّة)
  • المجلّة (مجلّة أسبوعيّة)
  • المنهل (مجلّة شهريّة)
  • الوعي الإسلامي (مجلّة)

 


( موجز السّيرة الذّاتيّة )

{ صالح العَوْد . من مواليد عام (1374هـ=1954م) .

{ متخرّج من جامعة الأزهر تخصّص شريعة إسلاميّة عام (1401هـ=1981م) .

{ عمل (إماما وخطيبا) في مساجد باريس وضواحيها ، من منتصف السّبعينات إلى التّسعينات (الميلاديّة).

{ علّم (اللغة العربيّة والتّربية الإسلاميّة) في المساجد ومراكز التّعليم لثلاث طبقات من المسلمين : (الآباء) ،          ثمّ  (أبناءهم) ، ثمّ (أبناء أبنائهم) على مدى (ستِّ وعشرين) عاما .

{ حاضَر عن الإسلام ، وكتب بحوثا فقهيّة ودراسات علميّة ، نُشر بعضها في المجلاّت والدّوريّات العربيّة .

{ له ما يزيد على (40 كتابا) مطبوعا ، في موضوعات : (دينيّة ، وعلميّة ، وتربويّة) .

{ يعمل (الآن) – منذ الثّمانينات – في تحرير البرامج : الدّينيّة والعلميّة ، وتقديمها في الإذاعة العربيّة .

 


( خلاصة البحث )

إقناع الأمّة

بتحريم كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاتينية

بالكتاب والسّنّة وأقوال الأئمّة

 

بقلم : الشيخ صَالح العَوْد

فشت في هذه العصر كتابات التّحريف لِـ « نصّ القرآن الكريم » بحروف غير عربيّة، وصدرت في ذلك : (سور وأحزاب وأجزاء)، حتّى وصل الحال إلى ظهور « مصحف » بالكامل مكتوب بالحروف اللاّتينيّة.

وهذا عمل فظيع ، لأنّ فيه تغييرا لوثيقة القرآن الخالدة الّتي أقرّت على ما هي عليه حتّى اليوم ، منذ عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفّان t.

وأيضا إنّ هذا العمل الذي يجب أن يُوصف بالشّنيع لا تقرّه الشّريعة الإسلاميّة المتمثّلة في الكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة.

فالقرآن الكريم نزل باللّغة العربيّة، وقد جاءت آيات كثيرة تصفه بأنّه عربيّ، ومن (السّنّة) الّتي هي المصدر الثّاني للتّشريع، إذ أثبتت أنّه لم يؤثر عن الرّسول ﷺ أن كتب أو أمر أو أقرّ أحدا من الصحابة كتابة القرآن بغير الحرف العربي ؛ أمّا (الإجماع) فإنّه منذ عهد الصّحابة t وإلى يومنا هذا، لم يرَخّص أحد منهم ولا من جاء بعدهم – من علماء السّلف ولا فقهاء الخلف ، في كتابة القرآن بغير الحروف العربيّة، وعلى ذلك درج علماء عصرنا، ومجامع الفقه ودور الإفتاء في العالمين : العربي والإسلامي ، فإنّهم جميعا حرّموا : « تغيير حروفه، وتبديل رسمه، والإخلال بضوابطه وقواعده » ، مهما كانت الأسباب والتمست الأعذار، لأنّ « دَرْءَ المفاسد مقدم على جلب المصالح ».

مهّد الباحث لبحثه هذا بمدخل ، كشف فيه مدى عناية الرّسول الكريم بكلّ من يُسلِم : إذ كان ﷺ يلقّنه كلمة التّوحيد، ويعلّمه فرائض الإسلام، وما نزل عليه من القرآن؛ ثمّ انتقل إلى الحديث عن أهمّ خصائص الإسلام وهو : « العلم والتّعليم » ، وأنّ رسالته الأساسيّة في الحياة هي « الدّعوة إلى الله » … ثمّ أفاض في بيان اهتمام الرّسول ﷺ بتعليم القرآن ، ونشره في الآفاق من خلال بعثات القرّاء من أصحابه الكرام ﷺ ؛ ثمّ بيّن عظمة « اللّغة العربيّة » إذ هي روح القرآن، وشعار الإسلام، ولسان الفرائض، فالواجب على كلّ مسلم ومسلمة أن يتعلّمها حتّى يقرأ بها القرآن، ويؤدّي بها ما افتُرض عليه، فالقرآن لا يسمّى قرءانا إلاّ بها، والصّلاة لا تسمّى صلاة إلاّ بها كذلك . ثمّ عرض إلى قضيّة « التّعريب » وما أدراك ما التّعريب ! ووازن بينها وبين قضيّة « التّغريب » في الألسن والعقول والأفهام ، وقال بالحرف : الأَوْلَى أن نُعَرّب اللّسان، ولا نغرّب القرآن.

ثمّ ضرب على الوتر الحسّاس وهو منشأ فكرة « استبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاّتينيّة » وبيّن أنّها فكرة مضلّلة ، وفدت على الشّعوب العربيّة والإسلاميّة مع دخول الاستعمار ، بقصد محاربة اللّغة العربيّة تمهيدا لإقصائها، وإحلال حروفها بحروف أخرى أجنبيّة ، حتى وصل الخبث إلى التآمر على « القرآن الكريم » : بتغيير حروفه العربيّة التي كتب بها منذ القرون الأولى .

ثمّ خلَص الباحث إلى إعطاء الحكم الشّرعي في مسألة « كتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة » وهو «التّحريم» قولا واحدا ، مورِدا في ذلك عديد الأدلّة النّقلية والعقلية الّتي لا تقبل الجدل، ثمّ أتبعها بوجهة نظر العلماء الراسخين في العلم قديما وحديثا ، والّتي تذهب كلها مذهب « التّحريم » ؛ ثمّ ختمها بعرض (ستّ قرارات) قاصمة، صدرت عن جهات لها مصداقيّتها ومرجعيّتها الدينيّة عند المسلمين ، وهذه الجهات الست هي :

1/ هيئة كبار العلماء في المملكة العربيّة السّعودية.

2/ المجمع الفقهي الإسلامي بمكّة المكرّمة.

3/ دار الإفتاء المصريّة.

4/ مجمع البحوث الإسلاميّة في القاهرة ومعه الأزهر الشّريف.

5/ مجلس الإقراء بدمشق.

6/ النّدوة العالميّة الأولى لمقاومة تحريف القرآن الكريم المنعقدة في باريس.

وفي الختام، رجا الباحث علماء الأمّة الإسلاميّة أن يدافعوا عن القرآن الكريم، بعد أن أصبح في بلاد الغرب كاليتيم، يعبث به الضّالون، ويحرّفه سفلة النّاس، ويغيّر كتابته بعض الجهلة من المسلمين الذين يحسبون أنّهم يحسنون صنعا .

فَاللهَ اللهَ يا (مسلمون) في الغَيْرة على هذا (القرآن الكريم ، والمقدّسات الإسلاميّة ، وشريعة الله الربّانيّة) ، حتّى يقوم النّاس لربّ العالمين.

وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم،،،

 


[1]  وهو ما يُعرف بالفونيتيك (LA TRANSCRIPTION PHONETIQUE) أي : الرسّم الصّوتي للآيات القرآنيّة بالحروف اللاتينية ؛ بمعنى : تُكتب الآية أو السّورة بالحروف الإفرنجيّة وتُنطق باللغة العربيّة .

    وهذا الموضوع الذي أكتُب فيه ليس موضوع « ترجمة تفسير القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبيّة » والتي أجازها العلماء ، وإنّما موضوع هذا المقال هو : استبدال (القرآن الكريم) من الحرف العربي الذي أنزِل به إلى الحرف اللاتيني أو غيره مِن سائر حروف اللغات الأخرى ، وهذا مُجمع على تحريمه، عند الراسخين في العلم ، لأنّ فيه تحريفا بيّنا ، ومساسا بقدسيّته ، ومَن قال بغير هذا الحُكم فهو جاهل وليس بِعالِم .

[2] جمع لَحْنٍ وهو الخطأ ، وضدّه الصّواب .

[3] تاريخ توثيق نصّ القرآن الكريم له .

[4] خرّجه الإمام السّيوطي في كتابه (الجامع الصّغير مِن أحاديث البشير النّذير) ، ثمّ عزاه إلى الإمامين : الطّبراني في الأوسط ، والبيهقي في شُعب الإيمان ، ولم يرمُز إليه بشيء على عادته . وأنا أقول : والعُهدَة عليه رحمه الله .

          قال الإمام زين الدين محمد بن أبي بكر الرّازي في كتابه (مختار الصّحاح) : « (اللَّحْنُ) أيضا واحدُ (الألحان) و (اللحون) ، وقد (لَحَن) في قراءته مِن باب قطع إذا طرَّب بها وغرَّد ، وهو ألحن النّاس : إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء » . وانظر أيضا كتاب (النّهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ) مادّة : (لحَن) .

          قال العلاّمة المحدّث عبد الرّؤوف الْمُناوي في كتابه (فيض القدير في شرح الجامع الصّغير ج2 ص65)  : « عُلِم ممّا تقرّر أنّه لا تلازم بين التّلحين المذموم وتحسين الصّوت المطلوب ، وأنّ التّلحين المذموم والأنغام المنهيّ عنها ، هو إخراج الحروف عمّا يجوز له في الأداء ، كما يُصرِّح به كلام جمهور الأئمّة ، ومنهم : الإمام أحمد ، فإنّه سُئلَ عنه في القرآن فمنعه ، فقيل له : لِم ؟ فقال : ما اسمُك ؟ قال : محمد ، قال : أيُعجِبُك أن يُقال لك : يا   محآمّد ؟ » .اهـ

[5] يقول الأستاذ المفكّر عبد الرّزّاق نوفل (ت 1404هـ=1984م) في كتابه (الإعجاز العددي للقرآن الكريم ج1 ص115) : « تكرّر لفظ العلم ومشتقّاته 782 مرة ، ومرادف العلم : المعرفة وقد تكرّر 29 مرة في القرآن الكريم ، وبذلك يكون العلم ومشتقّاته ، والمعرفة ومشتقّاتها قد تكرّرت في القرآن الكريم 811 مرة ، وهذا نفس ما تكرّر به لفظ الإيمان ومشتقّاته » .

[6] قال الحافظ ابن عبد البرّ في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) – بعد روايته هذا الحديث بطوله – : « هو حديث حسن جدّا ».

[7] حديث أورده الإمام السّيوطيّ في كتاب : الجامع الكبير ، ونسبه لأبي نصر السجزي في (الإبانة) عن عائشة “رضي الله عنها” عن رسول الله ﷺ ؛ ثمّ قال أبو نصر : هذا من أحسن الحديث وأغربه ، وليس في إسناده إلا مقبول ثقة .

[8] بدءا بكلمة التوحيد ، فالصّلاة ، فالأذكار ، فالأذان ، فالحجّ … الخ . قال الإمام السّيوطي : « كان ﷺ يشترط على وفود الأعراب بعد إسلامهم : إقراء القرآن بينهم ، وتعليم أمر الدّين ، وإقامة المؤذّنين » .

[9] ولد في الهند عام (1238هـ=1822م) وعمل عميد الكلية الإسلاميّة بمدينة لاهور . قام بـ « ترجمة تفسير القرآن الكريم » إلى اللغة الانجليزيّة .

[10] كان الدكتور أحمد السكندري – أحد مؤسسي مجمع اللغة العربية – يقول : لا يجوز التعريب إلا إذا تحقق العجز في نقل أسماء ومصطلحات الفنون والصناعات وأنواع النبات والحيوان والجماد . يقول عنه أنور الجندي : كان مؤمنا بمبدء لا يتزعزع أنّ اللغة تكونت من عناصر تمت للأبدية والخلود .

[11] وليس معنى هذا أن يبقى المسلم منغلقا في دائرة لغة واحدة فقط ، لا ، فإنّ الرسول الكريم ﷺ أمر زيد بن ثابت “رضي الله عنه” بتعلم السُّريانية، كما روى ابن أبي داود وابن عساكر عن زيد قال : قال لي رسول الله ﷺ : « إنها تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها كل أحد ، فهل تستطيع أن تتعلّم كتاب العبرانيّة – أو قال السريانية – » فقلت : نعم ، فتعلّمتها في سبع عشرة ليلة . وهذا عبد الله بن الزبير  “رضي الله عنه” كان يعرف لغات غلمانه : أخرج الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن عمر بن قيس قال : كان لابن الزبير “رضي الله عنه” مائة غلام يتكلّم كل غلام منهم بلغة أخرى ، فكان ابن الزبير يكلّم كل واحد منهم بلغته ، فكنتُ إذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت : هذا رجل لم يرد الله طرفة عين ، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت : هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين.

وأيضاً سلمان الفارسي “رضي الله عنه” (داعية أهل فارس) لم يتخلّ عن لغته الأمّ : « الفارسيّة ». أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي البَختري : أنّ جيشاً من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي “رضي الله عنه”، فحاصروا قصراً من قصور فارس، فقالوا : يا أبا عبد الله! أَلا نَنْهَد إليهم – بمعنى : ألا ننهض إليهم إلى القتال -؟ قال : دعوني أدعوهم كما سمِعت رسول الله ﷺ يدعوهم، فقال لهم : أنا رجل منكم فارسيّ، أَتَرون العرب تطيعني، فإن أسلمتم فلكم مثل الّذي لنا، وعليكم مثل الّذي علينا، وإن أبيتم إلاّ دينَكم، تركناكم عليه وأعطيتمونا الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون – قال وَرَطَن إليهم بالفارسيّة وأنتم غير محمودين – وإن أبيتم نابذناكم على سواء.

[12] في الصّفحات التّالية : (174 ثمّ 176 ثمّ 177 ثمّ 195).

[13] أخرج الطّبرانيّ عن المِسور بن مخرمة “رضي الله عنه” قال : بعث رسول الله ﷺ عبد الله بن حُذافة “رضي الله عنه” إلى كسرى، وبعث سَليطَ بن عَمْرو “رضي الله عنه” إلى هَوْذَة بن عليّ صاحب اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرميّ “رضي الله عنه” إلى المُنذر بن ساوى صاحب هَجَر، وبعث عَمرو بن العاص “رضي الله عنه” إلى جَيْفَر وَعَبَّاد بنَي الجُلَنْدى مَلِكي عُمَان، وبعث دحية الكلبي “رضي الله عنه” إلى قيصر، وبعث شجاع بن وهب الأسدي “رضي الله عنه” إلى المنذر بن الحارث بن أبي شِمر الغسّاني، وبعث عمرو بن أميّة الضّمري “رضي الله عنه” إلى النّجاشي ؛ فرجعوا جميعا قبل وفاة رسول الله ﷺ غير العلاء بن الحضرمي فإنّ رسول الله ﷺ توفّي وهو بالبحرين.

وأخرج أحمد والطّبراني عن جابر “رضي الله عنه” قال كتب رسول الله ﷺ قبل أن يموت إلى كسرى وقيصر وإلى كلّ جبّار.

[14] بقول العلاّمة المحدّث فضيلة الشّيخ عبد الفتّاح أبو غدّه (ت 1417هـ=1997م)، في كتابه (الرّسول المعلّم وأساليبه في التّعليم/ص214) : « حفظت كتب السّيرة والحديث والتّاريخ نصوص تلك الكتب الكريمة وألفاظها. وقد جمعت تلك الكتب والرّسائل في مجاميع مستقلّة بعضها مطبوع ومُتَدَاوَل، ومن أجمَعها كتاب : (إعلام السّائلين عن كتب سيّد المرسلين ﷺ /لابن طولون الدّمشقي) ؛ ومن الكتب الجامعة في هذا الموضوع كتاب : (مجموعة الوثائق السّياسيّة للعهد النّبوي والخلافة الرّاشدة/للأستاذ الدّكتور محمّد حميد الله). اهـ

[15] مجلّة الوعي الإسلامي . العدد 258 – جمادى الآخرة 1406هـ، (ص 32) .

[16] مجلّة « المجلّة » الأسبوعيّة عدد (874) بتاريخ (10-16/11/1996) .  ويقول الأستاذ هويدي : والحرف العربيّ في دُول وسط آسيا والقوقاز يُطلقون عليه « الحرف الشّريف » تعبيرا عن ذلك الاعتزاز .

[17] مِن رسالة العلامة الشّيخ عبد الله كنون يرحمه الله إلى كاتب هذا المقال بتاريخ 12 رمضان 1408هـ .

[18] في مقاله (خطر الكتابة بالحرف اللاّتيني على الشّعوب الإسلاميّة) / مجلّة المنهل عدد (495) شوّال 1412هـ=أبريل 1992م.

[19] أقول : آخر من رحل من عباقرة الخطّ العربي من الأتراك هو : حامد الآمدي الّذي وافاه الأجل المحتوم عام (1403هـ=1982م)، فكان قمّة إنتاجه : نسخ « المصحف الشّريف » بخطّه الرائع (مرّتين)، ويعتبر ما كتبه من أرقى وأجمل الخطوط في العالم . (انظر ترجمة حياته في كتابي : أعلام من الحاضر).

[20] المجلّة عدد (874) / ص 29.

[21] أنور الجندي : المؤامرة على الفُصحى (ص 6).

[22] يقول الأستاذ عليّ عبد العظيم في مقال له بعنوان (محاولة دنيئة لكتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة) نشر في مجلّة الإعتصام القاهريّة عدد (104)، جمادى الآخرة 1396هـ=1976م : « [ إنّ في اللّغة العربيّة ] حروفا لا نظير لها في اللاّتينيّة كـ : (ح/ص/ض/ط/ظ/ع/ق)، فهل نلغيها من القرآن الكريم؟! علما أنّ في اللاّتينيّة حروفا متباينة النّطق، فإنّ حرف (C) ينطق سينا حينا وكافا حينا آخر، وحرف (S) ينطق سينا حينا وزايا حينا، وحرفا (CH) ينطقان شينا أو كافا، وحرفا (TH) ينطقان ذالا أو ثاءا … ».

[23] نشرته مجلّة المجتمع في عددها العاشر سنة 1399هـ.

[24] كتابه : نحو تدوين جديد للعلوم الإسلاميّة ، ص 18 .

[25] عبد الحي الكتاني : التراتيب الإداريّة في نظام الحكومة النّبويّة . ط. مصوّرة في بيروت (د. ت.) .

[26] في كتابه (الشّفا /ج2 /ص250) .

[27] في كتابه (مناهل العرفان) .

[28] في كتابه (تاريخ توثيق نصّ القرآن/ص150-146)، مع تقديم وتأخير.

[29] من رسالة فضيلة الشّيخ الدّكتور يوسف القرضاوي إلى كاتب هذا المقال بتاريخ (1/6/1408هـ=20/1/1988م).

[30] في كتابه (اقتضاء الصّراط المستقيم/ص203).

[31] أمّا كتابة المصحف بالفارسيّة عند فقهاء الأحناف فهي ممنوعة أشدّ المنع. وقد سبق إيراد كلام الإمام الشّرنبلاليّ في ذلك، وهو من أئمّتهم.

[32] أي رواه الإمامان البخاريّ ومسلم عن النّعمان بن البشير “رضي الله عنه”.

[33] أي رواه التّرمذيّ والنّسائيّ.

[34] تفسيره : (صفوة البيان لمعاني القرآن) ج1/ص41.

[35] تفسيره : (التّحرير والتّنوير) ج1/ص652.

[36] وللتفصيل في هذا الموضوع ، ارجع إلى المقال المنشور في مجلّة (الدّعوة السّعوديّة) عدد (929) سنة 1404هـ/ص36.

[37] كان ذلك قبل عشرين سنة، وما أراهم اليوم سيجيزون ذلك بعدما وصل الأمر إلى ظهور مصحف كامل باللاّتينيّة.

[38] كان العلاّمة الدّكتور محمّد حميد الله يرحمه الله (ت) يشكو إليّ من كثرة الرّسائل الّتي تصله من أنحاء العالم بمختلف اللّغات، ومع ذلك كان يحرص على الرّدّ عليها جميعا بلا تأخير، وإن بسطر واحد أو سطرين، وقد كان حقّا يتأسّى في ذلك بقول الصّحابيّ عبد الله بن عبّاس “رضي الله عنه”: « إنّي لأرى لجواب الكتاب حقّا كردّ السّلام » رواه الإمام البخاريّ في كتابه (الأدب المفرد).

[39] مفتي استانبول.

[40] رئيس جمعيّة علماء الهند في دلهي.

[41] المفتي الأعظم بباكستان.

[42] مفتي جزر القمر.

[43] مستشار أوّل لوزير الحجّ والأوقاف، والمشرف العامّ على الإدارة العامّة لمراقبة الإنتاج بمجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشّريف بالمدينة المنوّرة.

[44] أستاذ الدّراسات العليا بجامعة الأزهر.

[45] أحد كبار علماء موريتانيا، وخطيب المسجد الكبير في نواكشط.

[46] رئيس الشّؤون الدّينيّة في أنقرة.

[47] الّذي ينعقد أسبوعيّا في محضر كبار القرّاء ومشيختهم بجامع بني أميّة الكبير بدمشق.

[48] صاحب الكتاب الشّهير (غيث النّفع في القراءات السّبع) .

[49] وهذه الكتب الثّلاثة مطبوعة ، والأخير منها صدر هذا العام عن دار ابن حزم في بيروت (1426هـ=2005م) ، والحمد لله .

[50] وتحت كلّ هذه الأسماء تواقيع أصحابها ، ما عدا : عبد العزيز بن صالح وإبراهيم بن محمد آل الشيخ .

[51] وتحت كلّ هذه الأسماء تواقيع أصحابها ، ما عدا : محمد سالم عدود ، ومحمود شيت خطاب ، وأبو الحسن الندوي ، وحسنين مخلوف ، ومبروك العوادي فإنهم لم يحضروا .

[52] كان تاريخ هذه الفتوى التي وقّع عليها فضيلة مفتي مصر الشّيخ د. محمّد سيّد طنطاوي في(23/04/1408هـ=14/12/1987م) والمسجّلة برقم 97/118.

[53] عُيّن فضيلة الشّيخ جاد الحقّ شيخا للأزهر منذ العام (1403هـ=1982م) بالقرار الجمهوري رقم (129) والصّادر في 17/03/1982م، وظلّ شيخا إلى حين وفاته فجأة عام (1417هـ=1996م). انظر ترجمة حياته في كتابي (أعلام من الحاضر).

[54] في عددها (1087) الصّادر بتاريخ 15/08/1407هـ / ص25.

[55] أفادني بذلك مشكورا الأستاذ محمّد أمين البدوي، مدير عام الشّؤون الفنيّة بمكتب شيخ الأزهر في رسالته إليّ بتاريخ (20/11/1407هـ=16/07/1987م).

[56] وتحت كلّ هذه الأسماء تواقيع أصحابها ، ما عدا  : الشّيخ محمّد إحسان السّيّد حسن، والشّيخ محمّد الخجا. وللعلم فإنّ الشيخ حسين خطاب توفي عقب ذلك بأشهر معدودة ، وتحديدا في عام (1408هـ=1988م) ، رحمه الله وأثابه ، وخلفه الشيخ محمد كريم راجح .

[57] سورة البقرة آية 79.

[58] من كبار علماء المناظرة في القرن (13هـ=19م) ، ومما يشهد له بالتّفّوّق في هذا التّخصّص ، مناظرته الكبرى للقسّيس فَنْدَر في موضوعي (النسخ والتّحريف) ، والتي كانت سببا في تأليف كتابه الّذائع الصّيت : (إظهار الحقّ) ، وقد طُبع وترجم إلى عدّة لغات . توفّي الشيخ رحمة الله في مكّة المكرّمة (22 رمضان 1308هـ=1/5/1891م) عن خمس وسبعين سنة ، ودُفن بجوار قبر السّيّدة خديجة أمّ المؤمنين في مقبرة المعلاّة بمكّة .

[59] د. محمد عبد القادر خليل : المناظرة الكبرى ، ص 454، نقلا عن كتاب إظهار الحقّ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق