البحوث

حكم التأمين الصحي وبعض صوره في المجتمع الأمريكي والأوروبي

حكم التأمين الصحي

وبعض صوره في المجتمع الأمريكي والأوروبي

 

“دراسة فقهية مقارنة”

 

بقلم :

 

أ.د. علي محيى الدين القره داغي

 

أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بجامعة قطر

والخبير بمجمع الفقه الإسلامي، بمكة المكرمة، وجدة

وعضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

بحث مقدم

للدورة الثامنة عشرة للمجلس – باريس

جمادى الثانية/ رجب 1429 هـ / يوليو 2008 م

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الهادي الأمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعد…

فإن لكل عصر آلياته ومستلزماته ومستجداته ، ولكن عصرنا الحاضر امتاز بكثير من الأشياء ، من أهمها الصبغة المادية ، وكثرة الحاجيات والمتطلبات للفرد والجماعة ، وتقارب الزمان والمكان حتى غدا كوكبنا كأنه كوكب صغير ، والمجتمعات كأنها قرية صغيرة متأثر بعضها ببعض، ومتفاعل أقصاها بأدناها، ولا يستغني بعضها عن بعض.

وفي ظل هذا العصر المتجدد المتطور تكثر المستجدات ، وتزداد الضروريات ، وتتسع الحاجيات ، وتصبح مساحة المحسنات واسعة لا تحدها حدود ، بل تتحول بعض حاجيات الأمس ضروريات اليوم ، وان ما كان من المحسنات قبل زمن يصبح من الحاجيات في هذا العصر ، وهكذا ، وهذا من قدر الله تعالى الذي لا محيص عنه .

ولأجل هذا كان فقهاؤنا القدامى الذين لم يشهدوا عصرنا قالوا : تتغير الفتاوى الاجتهادية بتغيير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص[1] وان لكل عصر نوازله الخاصة ، وفتاواه المناسبة معه ، حتى ان الإمام أبا يوسف تلميذ أبي حنيفة رحمهما الله حينما خالف شيخه في مسألة الحرابة في داخل مصر قال : (هذا اختلاف عصر وأوان لا اختلاف حجة وبرهان) .

ومن أهم المستجدات في عصرنا الحاضر موضوع التأمين بأنواعه وأشكاله المعاصرة التي لم تكن موجودة في السابق على شكل شركات مساهمة ، أو متعاونة ، وإنما أحدثها عصرنا الحاضر ، وتتطلبه حاجيات الزمن .

ومن المعلوم أن التأمين من حيث المبدأ والفكرة قائم على التعاون وتفتيت المخاطر وتوزيعها على أكبر قدر ممكن ، ولكن الفكر الرأسمالي حوّل هذا التعاون إلى تجارة وإثراء ومعاوضة ، وهنا الاشكالية الكبرى والآفة العظمى ، لذلك جاء البديل الإسلامي متمثلاً في إبقاء مبدأ التعاون على التعاون ـ كما سيتضح ـ حيث يتضمن بحثي ما يأتي :

  • تتبع ما كتب في الموضوع وما اتخذ فيه من قرارات ، واستعراض نقاط الوفاق والاختلاف بالنسبة لبقية المجامع .
  • فساد عقود التأمين التجاري وحرمتها في الأصل
  • الفرق بين التأمين التابع الذي يقدم ملحقاً بعقود البيع والشراء والتأمين الأصلي الذي يطلب ابتداء من شركات مستقلة متخصصة .
  • صور التأمين المعاصرة في ظل اشتداد الحاجة وغياب البديل الإسلامي في الغرب
  • التأمين الصحي
  • التأمين ضد المسؤولية في المساجد والمدارس الإسلامية
  • التأمين ضد الحوادث عند شراء السيارات
  • التأمين الشامل full coverage إذا تعين سبيلاً لامتلاك بعض السيارات
  • تأمين الحاجة إلى الاستشارات القرارية في ظل مسيس الحاجة إلهي بعد أحداث سبتمبر
  • تأمين الحاجة إلى المساعدات طارئة عند التعطل المفاجئ للسيارات AAA

والله أسأل أن يوفقنا لما فيه الخير والسداد والرشاد ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، ويعصمنا من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير  .

                                                         كتبه الفقير إلى ربه:

                                                               علي بن محيي الدين القره داغي

                                                        غرة ربيع الآخر 1426هـ الدوحة


التعريف بالتأمين لغة واصطلاحاً:

التأمين لغة مصدر : أمّن يؤمّن تأميناً ، وأصله من أمن ـ بكسر الميم ـ أمنا ، وأماناً وأمانة ، وأمنة ، أي اطمأن ولم يخف ، فهو آمن ، وأمين ، وأمن البلد ، اطمأن فيه أهله ، وأمنه عليه ، أي وثق به ، قال تعالى : (هل آمنكم عليه إلاّ كما أمنتكم على أخيه من قبل)[2] أي هل وثقت بكم …، وجاء أمُن ـ بضم الميم ـ أمانة ، أي كان أميناً ، وآمن يؤمن إيماناً أي صدقه ، قال تعالى : (وما أنت بمؤمن لنا)[3] أي مصدق ، ويقال : أمّن على دعائه أي قال : آمين[4] ، وعلى الشيء : دفع مالاً منجماً لينال هو أو ورثته قدراً من المال متفقاً عليه ، أو تعويضاً عما فقد ، يقال : أمّن على حياته ، أو على داره ، أو سيارته (مج) إشارة إلى أن هذا المعنى الأخير جديد ، أقره مجمع اللغة العربية[5] .

فالتأمين هو تحقيق الأمن والاطمئنان حيث استعمله القرآن الكريم في هذا المعنى كثيراً ، فقال تعالى : ( وآمنهم من خوف)[6] وقال تعالى : ( …أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)[7] .

واما التأمين في الاصطلاح القانوني والاقتصادي فهو عقد يلتزم أحد طرفيه ـ وهو المؤمن ـ قبل الطرف الآخر ، وهو المستأمن أداء ما يتفق عليه عند تحقق شرط أو حلول أجل في نظير مقابل نقدي معلوم[8] ،  وقد عرفه القانون المدني المصري في المادة 747 بأنه ” عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له ، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال ، او إيراد مرتب أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث ، أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن” وأخذ بهذا التعريف القانون المدني الكويتي في مادته 773 ، والقانون المدني السوري في مادته 713 ، والقانون المدني الليبي في مادته 947 ، والتقنين العراقي في مادته 983 [9].

وهذا التعريف يبرز عناصر التأمين وأركانه ، ويوضح العلاقة بين المؤمن والمؤمن له ، كما أن التعريف يوضح ان العلاقة بينهما علاقة معاوضة ، وأن مبالغ التأمين في مقابل أقساط التأمين ، ولكنه لم يتطرق إلى الأسس الفنية للتأمين مع أنها من مكوناته ، ولذلك رجح الكثيرون تعريف هيمار الذي ينص على أنه : (عملية يحصل بمقتضاها أحد الأطراف ، وهو المؤمن له نظير دفع قسط ، على تعهد لصالحه ، او لصالح الغير ، من الطرف الآخر وهو المؤمن ، تعهد يدفع بمقتضاه هذا الأخير أداء معيناً عند تحقق خطر معين ، وذلك بأن يأخذ على عاتقه مهمة مجموعة المخاطر ، وإجراء المقاصة بينها وفقاً لقوانين الإحصاء)[10] .

وهذا هو التعريف للتأمين الذي يسمى : التأمين التجاري أو التأمين بقسم ثابت ، وسيأتي التعريف بالتأمين التعاوني ، والتأمين الإسلامي عند الحديث عن هذين النوعين ، ونستطيع ذكر تعريف عام للتأمين الذي يمكن تقسيمه إلى هذه الأنواع الثلاثة وهو : الاتفاق بين طرفين أو أكثر على تفتيت مخاطر وتوزيع آثارها على أكثر من واحد سواء كان الاتفاق عن طريق المعاوضة ، أم عن طريق التبرع .

التكييف القانوني للتأمين وخصائصه [11]:

يتصف عقد التأمين بما يأتي :

  1. أنه عقد رضائي يتم بتراضي الطرفين ، ولا يتوقف انعقاده على شكل معين ـ كما سبق ـ .
  2. إنه عقد معاوضة يقوم على أن المستأمن يدفع أقساط التأمين فيتملكه في مقابل مبلغ التأمين ، وان نية التبرع معدومة ، لأن المؤمن ملزم بدفع مبلغ التأمين من خلال العقد عند تحقق الخطر المؤمن منه ، وان المستأمن لا يجد تأميناً بدون دفع الأقساط ، كما أن العلاقة قائمة بين الطرفين على أساس المعاوضة وليست على أساس التبرع ، ولا يضر ذلك كون المستأمن قد يعين مستفيداً يعود إليه مبلغ التأمين على سبيل التبرع ، وذلك لأن حديثنا عن العلاقة بين المؤمن والمستأمن .
  3. وانه عقد ملزم للطرفين بعد تمام الإجراءات المطلوبة ، بحيث لا يحق لأحدهما الانفكاك عما التزم به ، ولكن جرى العرف العملي اليوم أنه يكتب في بعض وثائق التأمين أنه يحق للمؤمن الغاء الوثيقة بعد إخطار الطرف الآخر خلال فترة زمنية محددة ، وهذا يكيف على أن ذلك تم بالاتفاق الأولى على أن لهم هذا الحق .
  4. وأنه عقد زمني يكون الزمن عنصراً أساسياً فيه ، حيث يلتزم المؤمن تحمل الأخطاء المؤمن منها لمدة محددة ابتداءً من تأريخ محدد .
  5. وأنه عقد مدني من حيث الأصل ، ولكنه قد يصبح عملاً تجارياً مثل شركة التأمين التي اتخذت شكل شركة المساهمة ، وتقوم على أساس التأمين التجاري ( أي بالقسط الثابت ، ولذلك تعتبر كل أعمالها تجارية ، أما ما تقوم به شركات التأمين التعاوني فلا يعد عملاً تجارياً ، لأن هذه الشركات ليست شركات مساهمة ولا تستهدف الربح ولكن قانون لتجارة الكويتي نصّ في مادته 5/9 على اعتبار التأمين بأنواعه المختلفة من الأعمال التجارية: وفائدة اعتباره مدنياً أو تجارياً تعود إلى جهة الاختصاص في القضاء والدعاوى والإجراءات .
  6. وانه من عقود الإذعان التي يقتصر القبول فيها على مجرد التسليم بشروط وضعها الموجب ، ولا تقبل المناقشة (م100 مدني مصري ، 80 مدني كويتي) ، ولذلك وضع المشرع قيوداً لحماية الطرف الضعيف المذعن من خلال تشريعات الرقابة ، أو التنظيم القانوني ، او تفسير نصوص العقد حيث يفسر الشك لصالح المستأمن مع انه هو الدائن (م 151/2 مدني مصري ـ 82 مدني كويتي) وتعديل الشروط التعسفية (م149 مدني مصري ، 81 مدني كويتي) وعدم جواز مخالفة نصوص العقد إلاّ أن يكون ذلك لمصلحة المستأمن حيث نصت المادة 753م على أنه : (يقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام النصوص الواردة في هذا الفصل ، إلاّ أن يكون ذلك لمصلحة المؤمن له ، أو لمصلحة المستفيد) وطبقتها محكمة النقض المصرية[12].
  7. إنه عقد احتمالي (غرر) ، حيث لا يعلم العاقدان مقدار الكسب أو الخسارة ، وأن التزامات كلا الطرفين ، أو أحدهما تتوقف في وجودها ، أو في مقدارها على حادثة محتملة من حيث هي ، أو من حيث زمنها ، ولذلك خصص القانون المدني المصري الباب الرابع لعقود الغرر ، وذكر في فصله الأول : المقامرة والرهان ، وفي فصله الثالث: عقد التأمين[13] .
  8. إنه عقد حسن النية : ومع أن مبدأ مراعاة حسن النية من المبادئ العامة التي تسري على العقود حسب المادة 148 مدني مصري والمادة 19 كويتي ، ولكن عقد التأمين يتميز عن العقود الأخرى من حيث إن حسن النية يلعب دوراً في انعقاده ، وتنفيذه أكبر من الدور الذي يقوم به في أي عقد آخر ، ولذلك يعتمد المؤمن في تقرير قبوله على صحة البيانات التي يدلي بها المستأمن حيث يتوجب عليه أن يتحرى جانب حسن النية عند الإدلاء بتلك البيانات ، وهكذا الأمر عند انعقاد العقد ، وتنفيذه[14] .

العناصر الأساسية المكونة لعقد التأمين :

سنتحدث هنا عن العناصر الأساسية المكونة لعقد التأمين ، وهي ثلاثة : الخطر ، والقسط ، ومبلغ التأمين.

أولاً : الخطر:

الخطر لغة : مصدر خطُر ـ بضم الطاء ـ خطراً وخطوراً وخطورةً أي عظم ، وارتفع قدره فهو خطير ، ويقال : خاطر به : جازف ، وأشفاه على خطر ، وخاطر فلاناً راهنه ، وتخاطرا ، أي تراهنا ، والخطر ـ بفتح الطاء ـ الاشراف على الهلاك[15] ، وعلى ضوء ذلك فالخطر من أهم معانيه هو المراهنة والمجازفة ، وجاء معناه الاصطلاحي متفقاً مع هذا المعنى الخير ، وليس بمعنى الخطورة والضرر الذي هو أحد معانيه أيضاً ، وإن كان التأمين لا يخلو من حيث المبدأ عن هذا المعنى .

فالخطر في باب التأمين هو : ( حادثة محتملة لا تتوقف على إرادة أحد الطرفين ، وبالأخص على إرادة المؤمن له)[16] .

شروط الخطر :

  1. أن يكون الخطر غير محقق الوقوع ، وهذا يقتضي أن يكون الحادث غير مؤكد ولا مستحيل .

والمقصود بكون الحادث غير مؤكد أن تكون الواقعة نفسها غير مؤكد الوقوع ، وهذا هو الحال في التأمين من الأضرار ، أو أن تأريخ وقوعها غير مؤكد كما هو الحال في التأمين على الحياة لحال الوفاة ، حيث إن الموت مثلاً حادث أكيد الوقوع ، ولكن وقته غير مؤكد.

والمقصود بكون الحادث غير مستحيل الوقوع أن التأمين إذا كان لشيء مستحيل الوقوع فإن التأمين غير صحيح[17] .

  1. أن يكون الخطر غير متعلق بمحض إرادة أحد طرفي العقد ، ذلك لأن أساس التأمين هو احتمالية الوقوع ، ولأنه إذا تعلق الخطر بمحض إرادة أحد الطرفين انتفى عنصر الاحتمال ، وأصبح تحقق الخطر رهناً بمشيئة هذا الطرف وانعدم بالتالي عنصر من عناصر الخطر فيقع عقد التأمين باطلاً بطلاناً مطلقاً ، لانعدام محله ، وفي ذلك تقول المادة 768/2 من القانون المدني المصري : (أما الخسائر والأضرار التي يحدثها المؤمن له عمداً أو غشاً ، فلا يكون المؤمن مسؤولاً عنها ولو اتفق على غير ذلك) .

ولذلك لا يجوز التأمين من خطأ المستأمن العمدي بشرط أن يحدث ذلك بفعل إرادي ، وأن يصدر الخطأ العمدي من شخص معين بالذات ، حيث يجوز التأمين من أي خطأ آخر للغير ، لا دخل لإرادة المستأمن في وقوعه[18] .

  1. أن يكون الخطر المؤمن منه مشروعاً أي لا يكون حراماً في نظر الشرع ، وأما في نظر القانون بأن لا يكون مخالفاً للنظام العام أو الآداب ، فقد نصت المادة 749 من القانون المصري على أنه : ( يكون محلاً للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم وقوع خطر معين) ولذلك فلا يجوز التأمين من الأخطار المترتبة على الاتجار بالحشيش ونحو ذلك[19] ، ونصت المادة 750م م على مجموعة من الشروط وهي:(يقع باطلاً ما يرد في وثيقة التأمين من الشروط الآتية:

(1) الشرط الذي يقضي بسقوط الحق في التأمين بسبب مخالفة القوانين واللوائح ، إلاّ إذا انطوت هذه المخالفة على جناية أو جنحة عمدية.

(2) الشرط الذي يقضي بسقوط حق المؤمن له بسبب تأخره في إعلان الحادث المؤمن منه إلى السلطات أو في تقديم المستندات إذا تبين من الظروف ان التأخر كان لعذر مقبول.

(3) كل شرط مطبوع لم يبرز بشكل ظاهر وكان متعلقاً بحالة من الأحوال التي تؤدي إلى البطلان أو السقوط.

(4) شرط التحكيم إذا ورد في الوثيقة بين شروطها العامة المطبوعة لا في صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة.

(5) كل شرط تعسفي آخر يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر في وقوع الحادث المؤمن منه) .

أنواع الشروط الباطلة :

فيظهر من هذا النص أنه يتضمن ثلاث مجموعات من الشروط ، وهي : الشروط التي تخالف النظام العام ، والشروط التي تنطوي على تعسف من جانب المؤمن ، وهضم حقوق المؤمن له ، والشروط التي أبطلها المشرع لاعتبارات شكلية مثل ما في فقرتي 3،4 من المادة 750 م م.

والذي يعنينا هنا هو توضيح الشروط التي تتعلق بالاستبعاد القانوني ، والشروط التي تتعلق بسقوط الحق ، وذلك لأن المشرع المصري قد وقع في خلط بين الأمرين ، بشأن ما ذكره في الفقرة 1/750م م حيث إن بطلان هذا الشرط الذي جعله المشرع بسبب سقوط الحق يتعلق باستبعاد الخطر ، وليس بسقوط الحق في التأمين ، لأن المؤمن يستثنى من نطاق التأمين بموجب هذا الشرط الأعمال التي يأتيها المستأمن بالمخالفة للقوانين واللوائح ، وذلك لأن الخطر الذي يتحقق بسبب هذه الأعمال مستبعد أصلاً من الضمان ، وإذا كان حق المستأمن في الضمان في هذه الأحوال مستبعداً فلا يعقل ان يرد عليه السقوط لأن السقوط يفترض وجود الحق في الضمان ، ولذلك تفادى المشرع الكويتي هذا الخلط المشار إليه حيث قضى ببطلانه في المادة 784/1 على اعتبار أنه يتضمن استبعاداً غير محدد لبعض الأعمال من نطاق التأمين[20] .

فالمراد بالشروط الباطلة التي تتعلق بالاستبعاد القانوني هو ان يشترط احد الطرفين شروطاً استبعدها القانون من نطاق الخطر أو التأمين مثل أن ينص القانون كما في ـ قانون التأمين البلجيكي المادة 12 ـ على عدم جواز إبرام عقد تأمين ثان لتغطية نفس الخطر إذا كان العقد الأول يغطي القيمة الكلية للشيء، أو أن يشترط في التأمين في السيارات ضد الغير التعويض عن الأضرار التي تصيب ركابها ، لأن هذا التأمين بحكم القانون لا يشمل إلاّ الأضرار التي تصيب الغير .

فالاستبعاد إما أن يكون اتفاقياً وذلك بأن يتفق الطرفان على استبعاد بعض الأخطار واستثنائها من نطاق التأمين الذي يسمى الاستبعاد الاتفاقي ، أو بحكم القانون ، فالاستبعاد الاتفاقي مقرر أيضاً انطلاقاً من مبدأ سلطات الإرادة والحرية التعاقدية ولكنه مقيد بأن لا يخالف القانون ، حيث يتدخل القانون في مجال تحديد الخطر المؤمن منه ، او استبعاده من الضمان في صور متعددة ، فهو ـ كما سبق ـ قد منع التأمين من الخطر إذا تحقق بسبب معين كالخطأ العمدي ، ومن هنا لا يجوز للطرفين أن يتفقا على إدخاله ، كما أن القانون قد يضع شروطاً معينة لصحة الاتفاق على استبعاد بعض حالات الخطر من التأمين مثل ألا يكون مخالفاً للنظام العام والآداب ، ولنصوص القانون، فإذا نص القانون صراحة على أن المؤمن يضمن الخطر ولو تحقق بأسباب معينة فلا يجوز بعد ذلك الاتفاق على استبعاد الخطر الذي تحقق بهذه الأسباب من نطاق التأمين ، وعلى هذا الأساس يقع باطلاً الشرط العام غير المحدد الذي يقضي باستبعاد حالات الحادث المفاجئ ، أو كل الأخطاء الجنائية غير العمدية ، أو الأخطاء الفنية ، أو المهنية ، أو مخالفات قواعد فن العمل، فمثل هذه الشروط العامة الغامضة لا تسمح بالتحديد الدقيق للحالات المستبعدة[21] لأن القانون اشترط أن يكون شرط الاستبعاد محدداً غير عام ولا غامض .

ومن جانب آخر فإن الاستبعاد إنما يرد إذا كان الشيء داخلاً في العقد لو لم يقم الاتفاق على استثنائه ، كما أن المشرع قصد من اشتراط تحديد شرط الاستبعاد العام غير المحدد ، وعليه استند المشرع المصري في البطلان كما في الفقرة 5/750م م ، وعلى أي حال فإنه إذا لم يستوف الاستبعاد شروطه فإنه لا ينطبق، ويبقى التزام المؤمن بالضمان قائماً ، كذلك يقتصر تطبيق شرط الاستبعاد على الحالات التي حددها هذا الشرط دون سواها ، ويحتج بالاستبعاد على المستأمن والمستفيد والمضرور.

يقول الدكتور أحمد شرف الدين : (إن من نتائج التفرقة بين الاستبعاد ، وسقوط الحق أنه يحتج على المضرور في التأمين من المسؤولية ، بالأول دون الثاني ، وتبرز أهمية هذه النتيجة في التأمين الإجباري ضد حوادث السيارات ، حيث يجوز أن تتضمن الوثيقة قيوداً على استعمال السيارة وقيادتها)[22] .

أنواع الخطر :

  1. يقسم الخطر المؤمن منه باعتبار مدى ثباته وتغيره إلى خطر ثابت ، وخطر متغير ، ومعيار الثبات أو التغير نسبي فليس هناك خطر ثابت مطلقاً لا تتغير احتمالات توقعه أصلاً ، كما أن تغيرات وقتية او عارضة لا تمنع من كون الخطر ثابتاً ثباتاً نسبياً .

فالخطر الثابت هو الخطر الذي يبقى احتمال تحققه ثابتاً خلال مدة التأمين ، أو على الأقل خلال وحدة زمنية معينة ، فالتأمين من الحريق تأمين من خطر ثابت ، إذ الحريق أمر يحتمل وقوعه بدرجة واحدة ، وكذلك التأمين من السرقة ، أو من تلف المزروعات ، أو من دودة القطن أو من الفيضانات ، أو من المسؤولية عن حوادث السيارات .

والخطر المتغير هو الخطر الذي تتغير درجة احتمال تحققه خلال مدة التأمين صعوداً أو نزولاً ، مثل التأمين على الحياة لحالة الوفاة ، لأن خطر الموت يتغير من مقتبل العمر عن آخره ، وهذا الخطر متغير تصاعدياً ، وعلى العكس فالتأمين على الحياة لحالة البقاء فإن الخطر متغير تنازلياً .

وأهمية التمييز بين الخطر الثابت والخطر المتغير تظهر بوجه خاص في مقدار القسط السنوي ، ففي الخطر الثابت فالقسط فيه ثابت في حين انه متغير في الخطر المتغير[23].

  1. ويقسم الخطر باعتبار محله إلى خطر معين ، وخطر غير معين فالخطر المعين هو الخطر الذي يكون محله معيناً وقت التعاقد ، مثل التأمين على الحياة ، والتأمين من الحريق الذي إذا تحقق الخطر فيقع على شيء معين هو المنزل المؤمن عليه .

والخطر غير المعين هو الخطر الذي يكون محله غير معين وقت التعاقد مثل التأمين على السيارات .

وتظهر أهمية هذا التقسيم في تعيين تحديد مسؤولية المؤمن ، ومقدار مبلغ التامين الذي يجب على المؤمن دفعه عند تحقيق الخطر ، ففي الخطر المعين يسهل تعيين مقدار هذا المبلغ ، أما في حالة الخطر غير المعين فيفتقد المؤمن عنصراً من عناصر تحديد مبلغ التامين ، فيكون مرجعه هنا إلى اتفاق الأطراف[24] .

  1. تحديد الخطر : نتحدث فيه عن ثلاث مسائل وهي :

أ ـ كيفية تحديد الخطر ، حيث يتحدد الخطر بتحديد طبيعته ، وتحديد المحل الذي يقع عليه ، فالخطر في التأمين من الحريق يتحدد بطبيعته ، وهي الحريق ، وبتحديد المحل الذي يقع عليه ، وهو المنزل ، او البضائع ، أو أي شيء آخر أمّن عليه من الحريق ، والخطر في التأمين على الحياة يتحدد بتحديد طبيعته وهي الموت ، وبتحديد المحل الذي يقع عليه وهو الشخص المؤمن على حياته .

ب ـ استثناء بعض حالات الخطر ، حيث يجوز للطرفين استثناء بعض حالات الخطر من التأمين بشرط أن تحدد تحديداً دقيقاً وواضحاً ، كما سبق .

ج ـ ان لا تكون شروط تحديد الخطر مخالفة للنظام العام أو لأي نص قانوني حسب المادة 750 م م ـ كما سبق ـ [25].

ثانياً : القسط ، أو مقدار الاشتراك :

فالقسط في التأمين التجاري ، ومقدار الاشتراك في التأمين التعاوني ، والإسلامي ، هو المبلغ الذي يدفعه المستأمن للمؤمن ، أو للجمعية او حساب التامين سواء كان على شكل دفعة واحدة ، أو أقساط محددة في مواعيد محددة كما في التأمين على الحياة .

فقسط التأمين في التامين التجاري هو المقابل المالي الذي يدفعه المستأمن للمؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه .

وهذا القسط يحدد على أساس القيمة الحسابية للخطر كما حددتها قواعد الإحصاء وأن الخطر يعتبر العامل الرئيسي في تحديد قيمة القسط ، إضافة إلى مبلغ التأمين ومدته ، ولذلك نلقي بصيصاً من الأضواء على هذه العوامل :

  1. الخطر حيث يتدخل في تحديد قيمة القسط من ناحيتين وهما :

أ ـ درجة احتمال الخطر التي تعتمد على حساب الاحتمالات ، وقانون الكثرة وجداول الإحصاءات السابقة للحوادث ونفقاتها نسبة مع نسبة المساهمين فيها .

ب ـ درجة جسامة الخطر عن تحققه مع ملاحظة الزمن،والمكان وكل الظروف المحيطة به .

ج ـ مبدأ تناسب القسط مع الخطر نفسه ونوعه .

د ـ بيانات الخطر التي يدلي بها المستأمن .

  1. المبلغ المؤمن به حيث له دور في تحديد القسط ، أو مقدار المشاركة وبالأخص في التأمين على الأشخاص والتأمين على الحياة .
  2. مدة التأمين ، حيث للزمن أيضاً دور في تحديد قسط التأمين ، أو مقدار الاشتراك .

فهذه هي العوامل الأساسية في تحديد القيمة الصافية للقسط أو الاشتراك وهي عوامل ذات طبيعة إحصائية ، ولكنها مع ذلك قد تدخل عوامل اخرى اقتصادية ( الفوائد والتضخم ونحوهما) في تعديل تلك العوامل ، إضافة إلى عوامل الربح الذي يريد المؤمن تحقيقه في التأمين التجاري كما يلاحظ المصروفات والنفقات التي يتكبدها ، وأكثر من ذلك كثرة الحوادث كما في التأمين على السيارات[26].

ثالثاً : مبلغ التأمين أو أداء المؤمن :

وكما ذكرنا فإن المؤمن يلتزم بدفع ما يجب عليه عند وقوع الخطر المؤمن منه،وحل هذا الالتزام هو مبلغ التأمين،وان الالتزام به يكون تارة معلقاً على شرط إذا كان الخطر المؤمن منه غير محقق الوقوع كما في التأمين على السيارة ، والحريق….،وتارة أخرى يكون مضافاً إلى أجل إذا كان الخطر المؤمن منه محقق الوقوع ولمن لا يعرف وقته كما في حال التأمين على الوفاة .

شكل الأداء :

أ ـ قد يكون نقدياً حينما يكون محل الأداء مبلغاً من النقود .

ب ـ وقد يكون الأداء عينياً كما في بعض أنواع التأمين حيث يحتفظ المؤمن لنفسه الحق في الخيار بين الأداء النقدي،أوالأداء العيني،أو إصلاح الشيء وإعادته إلىما كان عليه قبل الحادثة.

ج ـ وقد يكون الأداء على شكل تقديم خدمات شخصية كما في حالة التأمين من المسؤولية حيث يحتفظ المؤمن بحقه في التدخل في الدعوى المرفوعة ضد المستأمن[27].

أهم أنواع التأمين :

نذكر هذه التقسيمات بإيجاز ، ثم نعود إلى أحكامها فيما بعد ، وقد قسم التأمين باعتبارات مختلفة إلى مجموعة من الأقسام ، فهو يقسم باعتبار طبيعة التأمين وأساسه الذي يؤثر في كيفية إدارته إلى تأمين بقسط ثابت (التأمين التجاري) وتأمين بقسط غير ثابت في الغالب وهو التأمين التعاوني (التأمين التبادلي) .

وبالنظر إلى عقد التأمين يمكن تقسيم التأمين من حيث المحل الذي يتعلق به العقد إلة تأمين بحري ، وجوي ، وبري .

وباعتبار غرضه إلى تأمين من الأضرار ، والتأمين على الأشخاص .

التقسيم الأول باعتبار طبيعة التأمين :

يقسم التأمين بهذا الاعتبار إلى ما يلي :

  1. التأمين بقسط ثابت (التأمين التجاري) :

وهو التأمين الذي تقوم به شركة مساهمة يكون غرضها الأساسي تحقيق الربح عن طريق إجراء المقاصة بين المخاطر والأقساط الثابتة الواقعة على عاتق المستأمن في مقابل تحمل ما يتحقق من مخاطر تتحملها الشركة المؤمنة وحدها دون تضامن مع المستأمنين حيث تدفع مبلغ التأمين ، وما يتبقى يكون خاصاً بها[28] .

وعرفه الدكتور عيسى عبده بأنه : (عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له ، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً ، أو أي عوض مالي آخر حالة وقوع الحادث ، أو تحقق الخطر المبين بالعقد في نظير قسط ، أو أي دفعة مالية يؤديها المؤمن له للمؤمن ، ويتحمل المؤمن بمقتضاه تبعة مجموعة من المخاطر بإجراء المقاصة بينهما وفقاً لقوانين الإحصاء)[29] .

وله أنواع سنذكرها فيما بعد بالتفصيل إن شاء الله .

  1. التأمين التعاوني :

هو أن تتعاون مجموعة من الناس بالتبرع بدفع مبلغ إلى صندوق خاص بهم لتعويض خسائر الخطر الذي قد يتعرض لها أحدهم[30]، مثل أن يقوم أهل السوق بإنشاء صندوق تعاوني من أموالهم بحيث يقدم كل منهم حصته منه (قسط التأمين) ويرصد المبلغ في صندوق للطوارئ بحيث يؤدى منه تعويض لأي مشترك منهم عندما يقع الخطر الذي أسس الصندوق لدفعه كخطر السرقة أو الاحتراق [31].

وله أقسام نذكرها في فصله الخاص به بإذن الله .

التقسيم الثاني باعتبار محل العقد :

فالتأمين بهذا الاعتبار يقســم إلى : التأمين البحري ، والتأمين الجوي ،والتأمين البري.

فالتأمين البحري : هو التأمين على السفن والمراكب والبضائع التي تنقل عن طريق البحر ، أو النهر .

والتأمين الجوي : هو التأمين لتغطية أخطار النقل الجوي التي تتعرض لها الطائرة ، أو حمولتها من الأشخاص والبضائع .

والتأمين البري:هو التأمين لتغطية الأخطار التي لا تدخل في نطاق التأمين البحري والجوي[32] .

التقسيم الثالث باعتبار غرض التأمين :

يقسم التأمين باعتبار غرضه من مبلغ التأمين إلى:تأمين من الأضرار،والتأمين على الأشخاص.

  1. فالتأمين من الأضرار هو التأمين الذي يكون غرضه تعويض المستأمن عما يلحق به من ضرر عند تحقق الخطر المؤمن منه ، حيث لا ينظر فيه إلاّ إلى مقدار الضرر الحادث فعلاً ، على عكس التأمين على الأشخاص حيث يدفع مبلغ التأمين المتفق عليه عند تحقق الخطر دون النظر إلى حدوث الضرر أو مقداره [33].

وهذا النوع ينقسم إلى قسمين هما :

أ ـ التأمين على الأشياء حيث يستهدف تعويض المستأمن عن الخسائر المادية التي لحقت ذمته ، مثل التأمين ضد الحريق ، أو السرقة ، أو هلاك المحصولات أو نحوها .

ومن صوره الحديثة تأمين ائتمان أي ضمان الاستثمار ضد خطر التأميم والمصادرة ومنع تحويل العملة ونحوها في المجال التجاري وكتأمين البائع ضد خطر إفلاس ، أو إعسار المشتري في البيع المؤجل،وفي المجال الدولي التأمين على الصادرات لتشجيعها [34].

ب ـ التأمين من المسؤولية .

2.التأمين على الأشخاص .

التقسيم الرابع باعتبار المصلحة فيه :

حيث يقسم إلى تأمين خاص بالفرد ، او المؤسسة ، وإلى تأمين اجتماعي :

والتأمين الخاص يهدف المستأمن منه إلى حماية مصلحته الخاصة ولذلك فهو اختياري من حيث المبدأ ـ إلاّ في بعض حالات ـ يقوم به الفرد احتياطاً لمستقبله ولذلك يتحمل وحده أقساط التأمين .

أما التأمين الاجتماعي فيستهدف إلى حماية مصلحة عامة مثل الطبقة العاملة ، ولذلك تساهم الدولة مع أصحاب الأعمال ، والعمال في حمايتهم من أخطار المهنة ، وتجبرهم الدولة على هذا التأمين ، وتقوم به ، وتتحمل أي زيادة في الأعباء ، كما أن العامل لا ينفرد وحده بدفع أقساط التأمين ، بل يشترك معه في ذلك الدولة وصاحب العمل .

ويتميز التأمين الاجتماعي لصالح العمال والموظفين بأنه الذي تقوم به الدولة ، وتتحمل أي زيادة في الأعباء ، وأنه إجباري لا يخضع لإرادة الأفراد وحدهم ، بل تنظمه الدولة بقواعد آمرة تصدرها تشريعات التأمينات الاجتماعية ، كما أنه لا يخضع للقواعد المنظمة لعقود التأمين الخاص[35]، ولا يستهدف الاسترباح ، ولذلك فهو مشروع كما صدر بذلك قرار من مجمع البحوث الإسلامية حيث جاء في مقررات مؤتمره الثاني : ( ب : نظام المعاشات الحكومي ، وما يشبهها من نظام الضمان الاجتماعي المتبع في بعض الدول ، ونظام التأمينات الاجتماعية المتبع في دول أخرى كل هذا من الأعمال الجائزة) ، لأنها من باب التعاون على البر والتقوى والتكافل الذي أمر به الإسلام في نصوص كثيرة ، كما انه ينسجم مع مقاصد الشريعة[36] .

وللتأمين الاجتماعي أنواع وهي :

  1. نظام التقاعد : وهو أن تجعل الدولة للموظف راتباً عند بلوغه سناً معنية أو بعد قضائه في الوظيفة مدة معينة مقابل اقتطاع جزء من راتبه الشهري .
  2. الضمان الاجتماعي ، وهو أن تجعل الدولة أو من ينوب عنها للموظف تعويضات في حالة الإصابة بالمرض أو العجز أو الشيخوخة مقابل اقتطاع جزء من راتبه الشهري .
  3. التأمين الصحي وهو أن تتكفل الدولة بتقديم العلاج اللازم للموظف المريض مقابل قسط شهري يدفعه[37].

حكم التأمين التجاري:

من المعروف أن عقود التأمين لم تكن موجودة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا في عصر الخلفاء الراشدين ، ولا في عصور المذاهب الفقهية ، وإنما نشأت خلال القرون الأخيرة .

استعراض تأريخ الفتاوى الخاصة بالتأمين :

وقد صدرت حوله مجموعة من الفتاوى والآراء الكثيرة بين الحل المطلق والتحريم المطلق ، أو التفصيل فيه ، كما صدرت بعض الفتاوى التي يظهر منها أنها لا تنطبق على التأمين ، وإنما صور لأصحابها أن التأمين عبارة عقد المضاربة ، فصدرت الفتوى بأن عقد المضاربة مشروع ، كما صدرت بعض الفتاوى التي بينت على أن التامين لبض الحالات ضروري ، فصدرت الفتاوى المؤقتة المرتبطة بهذا الاعتبار ، وهكذا… .

ولذلك أرى من الضروري لاستيضاح هذه الفتاوى والآراء الخاصة بالتأمين مع بيان ظروفها وملابساتها التي أحاطت بهذا قدر الإمكان.

  1. أولى الفتاوى الصادرة :

في اعتقادي أن أولى الفتاوى في هذا الصدد هو الفتوى التي صدرت من العلامة أحمد بن يحيى المرتضى (ت840هـ) حيث جاء في كتابه القيم: البحر الزخار : أن ضمان ما يسرق أو يغرق باطل[38] .

وهذا الجواب ينطبق تماماً على التأمين البحري ، والتأمين ضد الحريق، وقد أشار بعض الباحثين إلى أن هذا الاحتمال لا يعضده أي دليل قوي على أن موضوع التأمين كان معروفاً في هذا العصر بين الفقهاء المسلمين[39] ، ولكن الذي يظهر أن هذا الاحتمال وارد مقبول ولا سيما أن التأمين البحري كان موجوداً ومنتشراً في الغرب قبل عصر العلامة ابن المرتضى ، وأن اليمن تطل على البحر ، وكان لها ميناء بحري يتعامل مع العالم الغربي الذي كان التأمين البحري فيه سائداً ، وبالتالي فلا يستبعد أن يرد السؤال عنه ، فيجيب عنه ـ كما رأينا ـ .

وإذا أثبت هذا فإن أول عالم تطرق إلى أحكام عقود التأمين بصورة مجملة هو العلامة أحمد بن يحيى المرتضى ، ولكن الذي لا غبار عليه هو أن أول فقيه تحدث عنها هو العلامة ابن عابدين[40] (ت1252هـ) في حاشيته “رد المحتار على الدر المختار” حيث قال : (وبما قررنا ـ من عدم جواز اخذ مال الكافر الحربي بعقد فسد ، وجوازه في دار الحرب رضاه ولو بربا ـ يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زمننا ، وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استجأورا مركباً من حربي يدفعون له أجرته ، ويدفعون أيضاً مالاً معلوماً لرجل حربي مقيم في بلاده ، ويسمى ذلك المال سوكرة على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم ، وله وكيل عنه مستأمن في في دار يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان يقبض من التجار مال السوكرة ، وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدى ذلك المستأمن للتجار بدله تماماً) ثم قال : (والذي يظهر لي انه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله ، لأن هذا التزام ما لم يلزم…..) ثم بعد مناقشة جادة لعدة أفكار حول هذا الموضوع قال : (فاغنمه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب)[41] .

وقد ناقش ابن عابدين بعض الشبهات التي أثيرت ، فقال : (فإن قلت أن المودع إذا أخذ أجرة على الوديعة يضمنها إذا هلكت قلت مسئلتنا ليست من هذا القبيل لأن المال ليس في يد صاحب السوكرة بل في يد صاحب المركب وإن كان صاحب السوكرة هو صاحب المركب يكون أجيراً مشتركاً قد أخذ أجرة على الحفظ وعلى الحمل وكل من المودع والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت والغرق ونحو ذلك فإن قلت سيأتي قبيل باب كفالة الرجلين قال لآخر اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلك وأخذ ماله لم يضمن ولو قال إن كان مخوفاً وأخذ مالك فأنا ضامن من ضمن وعلله الشارح هناك بأنه ضمن الغار صفة السلامة للمغرور نصاً أي بخلاف الأولى فإنه لم ينص على الضمان بقوله فأنا ضامن وفي جامع الفصولين الأصل أن المغرور إنما يرجع على الغر لو حصل الغرور في ضمن المعاوضة أو ضمن الغار صفة السلامة للمغرور فصار كقول الطحان لرب البر اجعله في الدلو فجعله فيه فذهب من النقب إلى الماء وكان الطحان عالماً به يضمن إذ غره ضمن العقد وهو يقتضي السلامة ، قلت لا بد في مسئلة التغرير من أن يكون الغار عالماً بالخطر كما يدل عليه مسئلة الطحان المذكورة وأن يكون المغرور غير عالم إذ لا شك أن رب البر لو كان عالماً بنقب الدلو يكون هو المضيع لما له باختياره ولفظ المغرور ينبئ عن ذلك لغة لما في القاموس غره غراً وغروراً فهو مغرور وغرير خدعه وأطمعه بالباطل فاغتر هو ولا يخفى أن صاحب السوكرة لا يقصد تغرير التجار ولا يعلم حصول الغرق هل يكون أم لا وأما الخطر من اللصوص والقطاع فهو معلوم له وللتجار لأنهم لا يعطون مال السوكرة إلاّ عند شدة الخوف طمعاً في أخذ بدل الهالك فلم تكن مسئلتنا من هذا القبيل أيضاً نعم قد يكون للتاجر شريك حربي في بلاد الحرب فيعقد شريكه هذا العقد مع صاحب السوكرة في بلادهم ويأخذ منه بدل الهالك ويرسله إلى التاجر فالظاهر أن هذا يحل للتاجر أخذه لأن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلاد الحرب وقد وصل إليه مالهم برضاهم فلا مانع من أخذه وقد يكون التاجر في بلادهم فيعقد معهم هناك ويقبض البدل في بلادنا أو بالعكس ولا شك أنه في الأولى أن حصل بينهما خصام في بلادنا لا يقضي للتاجر بالبدل وإن لم يحصل خصام ودفع له البدل وكيله المستأمن من هنا يحل له أخذه لأن العقد الذي صدر في بلادهم لا حكم له فيكون قد أخذ مال حربي برضاء وأما في صورة العكس بأن كان العقد في بلادنا والقبض في بلادهم فالظاهر أنه لا يحل له أخذه ولو برضى الحربي لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام فيعتبر حكمه هذا ما ظهر لي في تحرير هذه المسئلة)[42].

وخلاصة ما يدل عليه كلام ابن عابدين أن عقد التأمين بصورته الراهنة باطل ، لكنه إذا وقع في ديار غير الإسلام فإنه يجوز للمسلم أن يأخذ بدل الهالك من الكافر الحربي إذا رضي بناء على رضاه ، وليس على كون العقد صحيحاً [43]، وهذا رأي أبي حنيفة ومحمد في أموال الحربي في دار الحرب [44].

ولا شك أن هذه التفرقة بين بلاد الإسلام وغير الإسلام في أحكام المال غير مسلمة خالف فيها أبو حنيفة ومحمد جماهير الفقهاء من المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وأبي يوسف ، وبعض فقهاء الحنفية…الذين أوجبوا على المسلم الالتزام بأحكام الإسلام حيثما كان[45] .

  1. أسند إلى الشيخ محمد عبده القول بالجواز ، ولكن التحقيق هو أن فتواه حول جواز المضاربة ، وليست حول التأمين ، وهذا نص ما هو مذكور في دار الإفتاء المصرية : (المستر هوررسل مدير شركة ميوتوال ليف الأمريكية استفتى دار الإفتاء بمصر في رجل يريد أن يتعاقد مع جماعة (قومبانية) مثلاً ، على أن يدفع لهم مالاً من ماله الخاص على أقساط معينة ليعملوا فيها بالتجارة ، واشترط عليهم : أنه إذا قام بما ذكر ، وانتهى زمن الاتفاق المعين ، بانتهاء الأقساط المعينة ، وكانوا قد عملوا في ذلك المال ، وكان حياً ، أخذ ما يكون له من المال ، مع ما يخصه من الأرباح ، وإذا مات في أثناء تلك المدة يكون لورثته ، أو لمن له حق الولاية في ماله ، أن يأخذوا المبلغ ، وتعلق مورثهم مع الأرباح فهل مثل هذا التعاقد ـ الذي يكون مفيداً لأربابه ، بما ينتجه لهم من الربح ـ جائز شرعاً ؟ نرجو التكرم بالإفادة .

فأجاب الأستاذ : الإمام محمد عبده ، في شهر صفر سنة 1321هـ / إبريل 1903م بقوله : لو صدر مثل هذا التعاقد بين ذلك الرجل ، وهؤلاء الجماعة ، على الصفة المذكورة كان ذلك جائزاً شرعاً ، ويجوز لذلك الرجل بعد انتهاء الأقساط ، والعمل في المال وحصول الربح ، أن يأخذ ـ لو كان حياً ـ ما يكون له من المال ، مع ما يخصه من الربح وكذا يجوز لمن يوجد من بعد موته ، من ورثته أو من له ولاية التصرف في ماله بعد موته أن يأخذ ما يكون له من المال ، مع ما أنتجه من الربح . والله أعلم) .

وبهذا يتبين أن الإمام محمد عبده سُئل عن صورة مضاربة صحيحة بالاتفاق فأجاب بالصحة والجواز ، ولم يتطرق إلى حكم التأمين لا من قريب أو بعيد ، ولذلك يقول الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري رحمه الله : ( وأيا ما كان ، فإن الأستاذ الإمام ليست له فتوى ، ولا رأي معروف في أي نوع من أنواع التأمين …. )[46] .

  1. وفي 4 ديسمبر 1906م قررت محكمة مصر الشرعية الكبرى أن دعوى المطالبة بمبلغ التأمين على الحياة (دعوى غير صحيحة شرعاً ، لاشتمالها على ما لا تجوز المطالبة به شرعاً) ثم أقرت المحكمة العليا الشرعية في الاستئناف المرقم 51 المقدم في 24 ديسمبر 1906م بصحة القرار الصادر من المحكمة الكبرى ، ورفض الاستئناف ، وأن الاستئناف غير مقبول[47]،وتكرر مثل ذلك في المحكمة العليا الشرعية في28 مارس 1931م.

وقد بنت المحكمتان الرفض على أساس المخاطرة التي لا تجوز شرعاً .

  1. رأي الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية عام 1906م :

حيث ذكر في رسالته (أحكام السوكورتاه) التي طبعت عام 1906م ، ان عقد التأمين فاسد ، وأن سبب فساده يعود إلى الغرر والخطر ، وما فيه معنى القمار .

  1. كان المجلس الأعلى للأوقاف يرفض بصورة مستمرة ومتكررة التأمين على الأعيان الموقوفة بناءً على رأي أعضائه على التوالي من كبار العلماء أمثال الشيخ سليم مطر البشري الفقيه المالكي والمحدث الكبير شيخ الأزهر ، والشيخ حسونة النواوي الفقيه الحنفي شيخ الأزهر ، والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية ، والشيخ بكري عاشور الصرفي الفقيه الحنفي مفتي الديار المصرية ، والشيخ محمد بخاتي الفقيه الحنفي مفتي ديوان الأوقاف ، الذي حينما أراد مقدم المذكرة بالتأمين على الأعيان الموقوفة ضد الحريق رفض عرضها عليه ، وقال : (إن الشركة المؤمنة تقع تحت حكم الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ….) وحينما ألح مقدم هذه المذكرة على الشيخ ليلقي نظرة على المذكرة قال له الشيخ : (قسماً بالله العظيم : إن أنت قدمتها لي ، لأضربن بها عرض الحائط)[48] .

يقول الشيخ محمد فرج السنهوري : ( والمروى عن شيوخنا الأربعة الكبار ـ أي  المذكورين آنفاً ـ هو عدم جواز التأمين على الأعيان من الحريق …. وما أعلنه الشيخ بخاتي (مفتي الديوان وثيقة الصلة بهم) ان رأي الجميع واحد ، وأن عدم جوازه عندهم هو أن في التأمين أكل أموال الناس بالباطل ، لأن أكلها ليس في مقابلة عمل ، والرضا وعدمه لا دخل له في ذلك عندهم ، وأيا ما كان الأمر فإن موقف الشيوخ الكبار في المجلس الأعلى أكبر دليل على أن ما ألصق بالأستاذ الإمام محمد عبده في صدد التأمين ليس إلاّ زوراً وبهتاناً)[49] .

وبعد هؤلاء جاء الشيخ عبدالرحمن محمود قراعة الأديب والفقيه الحنفي مفتي الديار المصرية حيث أفتى في 15 يناير 1925م بان عمل شركات التأمين على الوجه المبين في السؤال غير مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية[50] .

  1. وذكر الأستاذ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي أستاذ العلوم العالية بالقروبين في ذيل كتابه : الفكر السامي : مسألة التأمين الذي عمت به البلوى ، وقال : إن ثلاثة من المفتين أفتوا بتحريم التأمين ، ثم ردّ عليهم ورأى أن التأمين على الأموال جائز ، ولكن التأمين على الأنفس حرام ، لأنه تامين لا تدعو إليه ضرورة ولا حاجة فيكون ممنوعاً على الأصل[51] .

ويفهم من هذا التعليل أن جوازه للتأمين كان لأجل ضرورة ، أو حاجة عمت بها البلوى.

ثم جاء الشيخ عبدالله صيام فنشر في عام 1351هـ ـ 1932م رأيه بالجواز[52] فكان هذا الصوت أول صوت جرئ بمصر يصدر من عالم شرعي بجواز التأمين ، ثم جاء الشيخ عبدالوهاب خلاف فأجازه أيضاً في 1374هـ ـ 1954م [53].

  1. ثم كتب الشيخ أحمد إبراهيم الفقيه ، وأستاذ الفقه بمدرسة القضاء الشرعي ، وكلية الحقوق بالقاهرة : بحثاً موسعاً حول التأمين على الحياة انتهى إلى تحريمه ، ولكن جميع أدلته واستدلالاته تدل على حرمة التأمين مطلقاً[54] .
  2. وفي عام 1961م وجهت صحيفة الأهرام الاقتصادي إلى علماء الشريعة ورجال القانون سؤالاً عن حكم التأمين والأسهم والسندات ، ثم نشرت آراء الشيوخ : أبو زهرة ، ومحمد المدني ، ومحمد يوسف موسى ، وأحمد الشرباصي تحت عنوان (حلال أم حرام) فكان رأي الشيخ محمد المدني : (إن هذه المسألة ينبغي أن لا تترك لفرد يفتي فيها ، بل يجب أن يجمع لها المختصون ، وأهل الفكر من العلماء ورجال الاقتصاد في مختلف النواحي ليدرسوها دراسة عميقة ، ويخرجوا برأي مجمع عليه ، فإن هذا وحده هو الذي يستطيع أن يناهض الإجماع المشهور لدى العلماء بالتحريم… )[55] .

وأما رأي الدكتور محمد يوسف موسى أستاذ الشريعة بكلية الحقوق فهو : جواز التأمين بناء على أنه تعاون ، ورأي الشيخ أحمد الشرباصي هو الحكم عليه بالحرمة إلاّ لحالة الضرورة فيعمل به مؤقتاً مع وجوب العمل على التخلص منه[56] .

وأما رأي الشيخ أبو زهرة فهو القول بالتحريم ، ثم جمع فيما بعد رأيه منسقاً ومرتباً في مذكرته بعد حضوره ندوة دمشق عام 1961م ، حيث  انتهى إلى أن المذاهب الإسلامية القائمة لا يوجد فيها من العقود التي تجيزها ما يتشابه مع عقد التأمين ، أيا ما كان نوعه ، وإلى أن قاعدة (الأصل في العقود والشروط الإباحة لا تكفي لإباحة التأمين لاشتماله على أمور غير جائزة ، وهي الغرر والقمار ، وأنه عقد لا محل له ، وفيه التزام ما لا يلزم ، وليس فيه تبرع واضح ، بل هو في نظر أهله قائم على المعاوضة ولا مساواة فيه ، فأحد طرفيه مغبون لا محالة ، وأنه لا توجد حاجة ولا ضرورة تدعو إلى التأمين مع قيام الأسباب المحرمة …. مع إمكان دفع الحاجة بما ليس محرماً ، وإلى أن الربا في يلازم التأمين على النفس ، ومن وسائل الاستغلال عند الشركات الإقراض بفائدة ، وليس عملها من باب المضاربة[57] .

  1. وفي عام 1961م عقد أسبوع الفقه الثاني[58] بدمشق في الفترة 1ـ6/4/1961 وكان عقد التأمين من بين موضوعاته الأربعة حيث تحدث فيه من علماء الشريعة الشيخ أبو زهرة الذي حرّمه ما دام قائماً على المعاوضة ـ كما سبق ـ والشيخ الصديق محمد الأمين الضرير الذي حرمه أيضاً لأجل الغرر حيث أطال فيه النفس ، والأستاذ مصطفى الزرقا الذي أجازه إذا كان خالياً عن الربا، والشيخ عبدالله القلقيلي مفتي الأردن الذي حرّمه بجميع أنواعه[59] .

وفي عام 1962 كتب الشيخ عيسوي أحمد عيسوي أستاذ الشريعة بحقوق عين شمس بحثاً مفصلاً نشر في يوليه 1962 حول التأمين في الشريعة والقانون وانتهى إلى حرمة التأمين التجاري بكل أنواعه ، وإباحة التامين التعاوني[60] ، وقد ناقش المجيزين للتأمين التجاري مناقشة علمية مفصلة طالت كل أدلتهم وشبهاتهم فردها بأدلة علمية واستدلالات فقهية عميقة .

وفي ربيع الآخر 1385هـ أغطسطس 1965م نشر الدكتور محمد البهي عضو المجمع ووزير الأوقاف وشؤون الأزهر سابقاً ، كتابه (نظام التأمين في هدي أحكام الإسلام وضرورات المجتمع المعاصر) فأجازه ، ولكن عند التعمق فيما كتبه فهو أجز التأمين التعاوني ، وليس التأمين التجاري حيث قال : ( إنه عقد تكافلي جماعي بين المستأمنين ، وعقد المضاربة بين جماعة المستأمنين كطرف ، وبين الشركة أو الحكومة كطرف آخر ، فشركة التأمين ليست إلاّ وكيلة عن طرفي عقد التكافل ، أو مفوضة منهما في تنفيذه بتحصيل الأقساط واستثمار الأموال المحصلة وتسوية التعويضات ، ولها نظير علمها جُعْلٌ تقتطعه تحت يدها من أموال المشتركين ، وغلات هذه الأموال ، فعقد التأمين كأنه قد تضمن عقدين : عقد التكافل ، والمشاركة في دفع الضرر عند الملمات وعقد الوكالة والمضاربة) .

فهذا الوصف الدقيق للتأمين الذي أجازه لا ينطيق على التأمين التعاوني ـ كما سيأتي ـ ولا ينطبق أبداً على التأمين التجاري الذي تصبح فيه الشركة أصيلاً وليست وكيلة ، وأن الأقساط تصبح مملوكة لها بالعقد ، وأنه ليس هناك مجال في التأمين التجاري للحديث عن الاستثمار في أموال المشتركين ، لأنها تصبح مملوكة لها .

  1. وفي المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في المحرم وصفر من عام 1385هـ مايو ويونيو 1965م بحث المؤتمر موضوع التأمين ، وقدم فيه الشيخ علي الخفيف عضو المجمع بحثاً ضافياً أجاز فيه التأمين ، ولكن المؤتمر شكل لجنة خاصة وهي لجنة البحوث الفقهية ، ثم انتهى المؤتمر إلى القرارات الآتية :

1 ـ التأمين الذي تقوم به جمعيات تعاونية ، يشترك فيها جميع المستأمنين ، لتؤدي لأعضائها ما يحتاجون إليه من معونات وخدمات : أمر مشروع ، وهو من التعاون على البر .

2 ـ نظام المعاشات الحكومي ، وما يشبهه من نظام الضمان الاجتماعي ، المتبع في بعض الدول ، ونظام التأمينات الاجتماعية المتبع في دول أخرى ، كل هذا من الأعمال الجائزة .

3 ـ أما أنواع التأمينات التي بها الشركات ـ أيا كان وضعها ـ مثل : التأمين الخاص بمسؤولية المستأمن ، والتامين الخاص بما يقع على المستأمن من غيره ، والتأمين الخاص بالحوادث التي لا مسئول فيها ، والتامين على الحياة وما في حكمه ، فقد قرر المؤتمر الاستمرار في دراستها ، وباسطة لجنة جامعة لعلماء الشريعة ، وخبراء اقتصاديين واجتماعيين ، مع الوقوف ـ قبل إبداء الرأي ـ على آراء علماء المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية ، بالقدر المستطاع .

4 ـ وقد طلب من اللجنة السابقة  أن تستمر في دراسة هذا الموضوع ، على أن تستعين في دراستها له بمن ترى الاستعانة بهم من علماء الشريعة الإسلامية ، ومن الخبراء الذين أشار إليهم المجمع ، وقد استعانت اللجنة بثلاثة من العلماء : أحدهم مالكي ، والآخر شافعي الثالث حنبلي ، كما استجابت لدعوتها نخبة كافية من الاقتصاديين والاجتماعيين ، وتوالت اجتماعات هذه اللجنة ، وفي أكثر من سبعة عشر اجتماعاً ـ درست فيها هذا الموضوع من جميع نواحيه ، واتضحت جميع المفاهيم ، وقام الشرعيون في اللجنة بتطبيق أحكام المذاهب المختلفة ، وما تقتضيه في هذا الموضوع .

  1. وفي المؤتمر الثالث للمجمع ، المنعقد في 13 رجب سنة 1386هـ 27 اكتوبر 1966م قدم التقرير الثاني للجنة مشتملاً على موجز واضح ، لأصل البحث ، وعلى نتيجة الدراسة الاقتصادية والاجتماعية ، وعلى ما تضمنته المذكرات التي وضعها أعضاء اللجنة الشرعيون ، في تطبيق المذاهب المختلفة ، وعلى ما أممكن الوصول إليه بشأن انتشار التأمين في البلاد الرأسمالية والاشتراكية ، وكل ما يتصل بهذا الموضوع .

ثم قرر المؤتمر فيما يتعلق بمختلف أنواع التأمين لدى الشركات ، أن يستثمر المجمع استكمال دراسته للعناصر المالية الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة به وأن يستمر في الوقوف على آراء علماء المسلمين في الأقطار الإسلامية بالقدر المستطاع ، حتى يتهيأ استنباط أحكام لأنواع هذا التأمين[61] .

وقد قامت الأمانة العامة لمجمع البحوث باستفتاء تضمن استطلاع آراء الفقهاء في داخل مصر وخارجها من خلال القنوات الرسمية والشعبية ، إلى عمداء كليات الشريعة وأصول الدين ، وإلى المفتيين ووزارات العدل ونحوها ، وقد وصلت إلى عام 1972  أكثر 85 جواباً ، كان من بينها في مصر خمسة إجابات للأزهريين اتفقوا على تحريم التأمين التجاري ، ومن الأردن وصلت رأي الشيخ عبدالله القلقيلي مفتي الأردن حيث حرمه ـ كما سبق ـ ومن اندونيسيا بروفيسور إبراهيم حسن ، رئيس إدارة العلاقات بوزارة الشؤون الدينية بجاكارتا ، الذي حرمه ، ومن سوريا الشيخ عبد الستار السيد مفتي طرسوس ، والشيخ فخر الدين الحسني مدير الفتوى العامة حيث ذكرا في رسالتهما أن التأمين حرام ، ومن العراق الشيخ نجم الدين الواعظ ، الذي قال : ( ليس للتأمين دليل شرعي يستند إليه في حله) وعلامة العراق الشيخ أمجد الزهاوي حيث ذهب إلى : (أن التأمين محرم بجميع أنواعه ، وتأباه القوانين الشرعية بإطلاق من ناحية تعليق الاستحقاق على الخطر ، وهو ممنوع باتفاق الفقهاء ، ولعدم وجود عوض ثابت) وأشار إلى ما قاله ابن عابدين ، ثم قال : ( وعليه ، فقد أجمع الفقهاء على المنع ، ولا أرى لذلك جوازاً مطلقاً ، وفي فتح مثل هذا الباب خطورة على الشريعة).

ومن لبنان السيد زهدي يكن الذي يفهم من بحثه أنه يجيز التأمين التعاوني، وأما التأمين التجاري فتراعى الضرورة الاجتماعية التي يقرّها العقل ، والسيد رامز ملك أمين الإفتاء في طرابلس لبنان حيث حرم التأمين على الحياة ، وأجاز غيره بناء على الحاجة ، ثم دعا إلى التامين التعاوني .

ومن ليبيا الشيخ عزمي عطية الذي قال : (فالتأمين كله حرام شرعاً ، لأن عقده باطل شرعاً ، ومن الغرب الأستاذ أحمد الخريصي الذي قال في رسالته التي بعث بها إلى مجمع البحوث : ( ان عقد التأمين ينطوي على غرر وجهالة) والشيخ محمد الجواد بن عبدالسلام الصقلي الحسيني عميد كلية الشريعة بجامعة القرويين بفاس ورئيس المجلس العلمي ، حيث ذهب إلى أن (التامين الخاص بجميع أنواعه محرم)[62] .

وأما آراء الأعضاء الشرعيين من لجنة التأمين التي شكلها مجمع البحوث فكالآتي :

أ ـ الشيخ أبو زهرة ، والشيخ محمد علي السايس عضوا المجمع واللجنة ، والشيخ طه الديناري خبير اللجنة الشافعي ، والشيخ محمد عبداللطيف السبكي خبير اللجنة الحنبلي ، والشيخ محمد مبروك خبير اللجنة المالكي ، يرون التأمين التجاري بجميع أنواعه وأن عقوده باطلة أو فاسدة .

ب ـ الشيخ علي الخفيف يرى إباحة التأمين بجميع أنواعه ما دام خالياً من الربا .

ج ـ الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري عضو المجمع واللجنة يرى إباحة التأمين ما عدا التامين على الحياة .

وقد رأينا كذلك أن جماهير الفقهاء والمفتين وأهل العلم الذين أرسلوا رسائلهم وبحوثهم إلى مجمع البحوث كانوا يرون حرمة التأمين التجاري بجميع أنواعه ، وأن بعضهم مع الفريق الثالث ، وأن قلة مع الفريق الثاني[63] .

  1. وفي 24/4/1968م أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف برئاسة الشيخ محمد عبداللطيف السبكي فتواها المفصلة حول حرمة التأمين التجاري بكل أنواعه .
  2. وفي الفترة 23 ـ 28 من ربيع الأول 1392هـ 6ـ11 مايو 1972 عقدت ندوة الجامعة الليبية ، حضرها عدد كبير من الفقهاء والاقتصاديين ، وناقشوا عقود التأمين ، حيث صدرت مناه فتوى بحرمة التأمين على الحياة ، والسماح لعقود التأمين مؤقتاً إلى أن يحل محلها التأمين التعاوني[64] .
  3. وفي 4/4/1397هـ أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قرارها بحل التأمين التعاوني ، وحرمة التأمين التجاري ، وقد أيد هذا القرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى في 10 شعبان 1398هـ ، كما أكد هذا القرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في قراره رقم 9(9/2) في 10ـ 16 ربيع الآخر1406هـ 22ـ 28 ديسمبر 1985م كما سيأتي تفصيل هذه القرارات بإذن الله .

وقد أردنا بهذا الاستعراض التأريخي بيان الجهود التي بذلت من قبل الفقهاء والمجامع إلى أن توصلوا إلى هذا القرار ، وأنه لم يكن قراراً متسرعاً ، بل كان فيه التنقيح والدراسة والمشاورة حتى استغرقت قرابة قرن .

وأما العلماء المعاصرون فقد ثار خلاف كبير بينهم يمكن حصر اتجاهاتهم في ثلاثة آراء :

الرأي الأول : يرى ان عقود التامين جميعها محرمة شرعاً [65].

الرأي الثاني : يرى أنها مباحة شرعاً [66].

الرأي الثالث: التوسط بين هذين الرأيين حيث يحرم بعض أنواع عقود التأمين مثل التأمين التجاري ، ويجيز بعضها مثل التأمين التعاوني [67].

الفروق الأساسية بين التأمين الإسلامي الحالي وبين التأمين التعاوني وبالأخص التعاوني المركب ، هو أن التأمين التعاوني المركب تمثله جمعية تعاونية تمثل حملة الوثائق فليس هناك إلاّ حساب واحد ، وجمعية وذمة واحدة تمثل جميع الذين يعتبرون مساهمين متعاونين ، ولذلك قد تكون الأقساط غير ثابتة ، بحيث إذا لم تكتف الأقساط المدفوعة يطلب منهم الزيادة ، وهذا أيضاً جائز إذا لم يكن هناك لابا ، أو محظور شرعي آخر ، في حين أن التأمين الإسلامي يقوم على أساس وجود شركة مساهمة لها أموالها وحسابها الخاص ، ولكن لها الحق في مزاولة التأمين التعاوني الإسلامي من خلال ما ذكرناه سابقاً ، ويكون بجانب هذا الحساب حساب خاص للتأمين وجميع أنشطة التأمين .

والفرق الثاني أن التأمين الإسلامي ليس ملتزماً بمبدأ التبرع والتعاون فحسب ، بل ملتزم بأحكام الشرع جميعها ، أما التأمين التعاوني الغربي فليس ملتزماً بذلك بأحكام الشرع .

الفروق بين التأمين الإسلامي والتأمين التجاري فجوهرية وكثيرة من أهمها :

  • التأمين الإسلامي : يقوم على التعاون وليس فيه الربا بنوعيه الفضل والنسيئة ، ولا يستغل ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية ، وان الغرر لا يؤثر في عقود التبرعات ، أما التأمين التجاري : فلا يخلو من الربا والغرر والجهالة والمقامرة ، ولذلك قال الفقهاء بحرمته .
  • التأمين الإسلامي : العلاقة بين المؤمن والمستأمنين تقوم على التبرع وذلك عن طريق اسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لمن يصيبه ضرر ، أما التأمين التجاري : فالعلاقة بين الشركة والمستأمنين تقوم على المعاوضة، فالمستأمن يأخذ مبلغ التأمين عند وقوع الخطر مقابل دفع قسط التامين ، والمؤمن يأخذ قسط التأمين مقابل تعهده بدفع مبلغ التأمين عند وقوع الخطر .
  • التأمين الإسلامي : أصل قيمة القسط المدفوع يعود لصاحبه (المستأمن بعد استقطاع حصته من التعويضات والمصروفات وإعادة التأمين) ،وهذا ما يسمى بالفائض ، اما التأمين التجاري : فلا يعود أصل أو أي جزء من قيمة القسط المدفوع بأي حال من الأحوال إلى المستأمن، لأنه دخل في ملكية الشركة .
  • الشركة في التأمين الإسلامي لا تتملك الأقساط ، وإنما هي تكون ملكاً لحساب التأمين المنقل عنها ، أما الشركة في التأمين التجاري فتتملك الأقساط وتدخل في ملكيتها .
  • التأمين الإسلامي : عوائد استثمار أصول الأقساط تعود إلى حساب التأمين بعد استقطاع حصة الشركة كمضارب ، أما التأمين التجاري : فعوائد استثمارات أصول الأقساط لصالح الشركة التجارية فقط دون غيرها .
  • التأمين الإسلامي : الهدف منه تعاون أفراد المجتمع ، اما التأمين التجاري : فتهدف الشركة إلى تحقيق أعلى ربحية لأصحابها .
  • التأمين الإسلامي : أرباح الشركة ناتجة من استثماراتها لأموالها الذاتية وحصتها كمضارب في عوائد الاستثمار أو أجرها باعتبارها وكيلة في الصورة الثانية التي ذكرناها، اما التأمين التجاري : فأرباح الشركة ناتجة من عملياتها ومن استثماراتها ، أو فوائدها الربوية ، ومن بقية الأقساط بعد المصاريف والتعويضات .
  • التأمين الإسلامي : أموال المستأمنين في صندوق خاص بهم أو حساب خاص بهم ، أما التأمين التجاري : فليس هناك حساب خاص بالمستأمن لأن الأقساط كلها تصبح ملكاً للشركة بمجرد العقد والدفع.
  • التأمين الإسلامي : المؤمن والمستأمن في الحقيقة واحد ، ولكنهما مختلفان من حيث الاعتبار ، اما التأمين التجاري : فالشركة هي المؤمنة وهي تختلف عن المستأمنين من حيث الذمة وغيرها .
  • الشركة في التأمين الإسلامي صفتها في التعاقد أنها وكيلة عن حملة الوثائق ، واما الشركة في التأمين التجاري فهي طرف أصيل في التعاقد ، فتعقد عقد التأمين لنفسها ، وباسمها ولصالحها .
  • المستأمن في التامين الإسلامي حريص على عدم وقوع الحوادث لأن آثار عدم وقوعها ، او التقليل منها تعود عليه من حيث استرجاع الفائض وتوزيعه عليه وعلى بقية المستأمنين ، أما المستأمن في التأمين التجاري فلا يهمه ذلك لأنه دفع القسط ، ولن يرجع إليه شيء سواء صدر منه حادث أم لا ، وفي ذلك تعويد على تربية استهلاكية ، بل تربية غير مسؤولة على عكس الأول .

القرارات والفتاوى الصادرة في هذه الفروق :

  القرار الخامس للمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ذكر الفروق الآتية :

(الأول: أن التامين التعاوني من عقود التبرع …فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم ، وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم ، والتعاون على تحمل الضرر .

الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه : ربا الفضل وربا النسيئ ، فليست عقود المساهمين ربوية  ، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية)[68] .

  الفتوى رقم 12/11 لندوة البركة الثانية عشرة للاقتصاد الإسلامي تتلخص في : أن الشركة تمسك حسابين منفصلين أحدهما لاستثمار رأس المال ، والآخر لحسابات أموال التأمين ويكون الفائض التأميني حقاً خالصاً للمشتركين (حملة الوثائق).

وقد أجمعت المجامع الفقهية ، والندوات الاقتصادية ، والفتاوى الصادرة من الهيئات الشرعية لشركات التأمين الإسلامي ، والمصارف الإسلامية على أن التأمين الإسلامي يقوم على عقد التبرع ، والتعاون ، وأن التأمين التجاري يقوم على الاسترباح من عملية التأمين نفسها ، حيث تكون الأقساط كلها ملكاً للشركة[69] .

 فتوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي ذكرت أن المؤمنين هم المستأمنون في التأمين التعاوني في حين أن المؤمن عنصر خارجي في التأمين التجاري ، وأن الشركة في التأمين التجاري تستغل الأقساط فيما يعود بالنفع عليها وحدها في حين أن الأقساط المدفوعة في التأمين التعاوني تستغل لصالح المستأمنين أنفسهم وأن المستأمن يعدّ شريكاً في حساب التأمين ، مما تؤهله للحصول على الأرباح الناتجة من الاستثمارات ، وأما في التأمين التجاري فالصورة مختلفة تماماً ، كما أن استثمارات التأمين الإسلامي تتم وفق الشرع ، أما التأمين التجاري فلا يأبه بالحرام .

 الفتوى رقم 42 للهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار ذكرت أن التأمين التعاوني لا يقصد منه الاسترباح من الفرق بين أقساط التأمين ، وتعويضات الأضرار .

خلاصة الفروق الجوهرية بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني الإسلامي :

يمكن تنظيم هذه الفروق الجوهرية وتلخيصها فيما يأتي :

أولاًً : من حيث التكييف والتنظيم:

ان الشركة في التأمين التجاري طرف أصيل تعقد باسمها ، وتتملك الأقساط بالكامل ، وتتحمل  المسؤولية بالكامل في مواجهة المستأمنين .

أما الشركة في التأمين الإسلامي فهي وكيلة عن حساب التأمين أو عن هيئة المشتركين ، فلا تعقد العقد باسمها أصالة ، ولا تتملك الأقساط كلها ، ولا بعضها ولا تدفع من مالها شيئاً إلاّ على سبيل القرض الحسن المسترد .

ثانياً : من حيث الشكل:

فالشركة في التأمين الإسلامي ليست المؤمنة أبداً ، وإنما المؤمنة هي (حساب التأمين ) ، في حين أنها هي المؤمنة وحدها في التأمين التجاري ، وأن المشتركين المستأمنين هم المؤمنون أيضاً في التأمين الإسلامي ، في حين أنهم طرف مقابل للشركة المؤمنة في التأمين التجاري .

ثالثاً : من حيث العقود:

فالعقود التي تنظم العلاقات في التأمين الإسلامي هي ثلاثة عقود :

  1. عقد الوكالة بين الشركة وحساب التأمين ، (أو هيئة المشتركين) .
  2. عقد المضاربة لاستثمار أموال حساب التأمين (أو المشتركين) .
  3. عقد الهبة بعوض (أو النهد) الذي تنظم العلاقة بين المشتركين المستأمنين .

والتحقيق أن المشتركين في التأمين الإسلامي بمثابة المساهمين المتعاونين في حساب التأمين كله ، ولذلك ندعو إلى مشاركتهم في الإدارة ، أو ترتيب إدارة خاصة بهم تحت إشراف الشركة .

أما في التأمين التجاري فالعقد المنظم هو عقد واحد بين الشركة المؤمنة ، والمستأمنين (المؤمن لهم) يقوم هذا العقد على المعاوضة الحقيقية بين الأقساط ومبالغ التأمين .

رابعاً : من حيث ملكية الأقساط وعوائدها :

تدخل الأقساط مباشرة في ملكية الشركة في التأمين التجاري ، وبالتالي لا مجال للحديث عن ملكية عوائدها ، لأنها تابعة لها ، أما في التأمين الإسلامي فهي لا تتملكها الشركة أبداً ، وإنما تصبح ملكاً لحساب التأمين ، وأن جميع عوائدها تكون لهذا الحساب إلاّ أن الشركة تأخذ نسبتها من الربح عن طريق المضاربة الشرعية .

وأما الاحتياطات أو المخصصات فهي أيضاً مفصولة فإن كانت أخذت من أموال المساهمين فهي ملك لهم ، وإن كانت قد أخذت من أموال حملة الوثائق المشتركين فتبقى لصالحهم ، وفي الأخير تصرف في وجوه الخير ولا تعطى للمساهمين .

خامساً : وجود حسابين منفصلين فصلاً كاملاً في التأمين الإسلامي :

من أهم مميزات التأمين الإسلامي هو وجود حسابين منفصلين فصلاً كاملاً من حيث الإنشاء ، والميزانية والحسابات :

أحدهما هو حساب التأمين الذي هو وعاء لأنشطة التأمين بما فيها الأقساط ، وعوائدها ، وغرمها وغنمها ، والتعويضات والمصاريف.

والثاني : حساب المساهمين ، أو حساب الشركة الذي هو وعاء لأموالها ، وعوائدها ، ونسبتها من أرباح المضاربة لأموال حساب التأمين إن وجدت،والتزاماتها،غرمها وغنمها.

سادساً : من حيث الهدف:

فالهدف في التأمين التجاري هو الاسترباح من التأمين نفسه ، وتحقيق الربح من عمليات التأمين ، بحيث إذا زادت أقساط التأمين عن المصاريف والتعويضات فإن هذه الزيادة تبقى للشركة وتعتبرها ربحاً ، ولذلك كلما زادت في تقدير الأقساط كانت لمصلحتها .

أما  الهدف من التأمين الإسلامي فهو التعاون فيما بين المشتركين ، وليس غرض الشركة تحقيق أي ربح من التأمين نفسه ، لأن الأقساط لا تدخل في ملكيتها أبداً ، ولا تستفيد مما يتبقى منها مهما بلغ ، لأن الأقساط تبقى خاصة بحساب التأمين ، وما تبقى فهو له ، وليس للشركة ، ولذلك لا تبالغ في الأقساط ، لأنها لا تستفيد منها .

سابعاً: مسألة الفائض، والربح التأميني:

إن ما يسمى بالفائض في التأمين الإسلامي ليس له اسم ولا حقيقة في التأمين التجاري ، والفائض هو الفرق المتبقي من الأقساط وعوائدها بعد التعويضات والمصاريف والمخصصات،حيث يصرف كله،أو بعضه على المشتركين (حملة الوثائق) ـ كما سبق ـ.

فما يسمى بالفائض في التأمين الإسلامي الذي ملك لحساب التأمين ويصرف للمشتركين ، يسمى في التأمين التجاري ربحاً تأمينياً  وإيراداً يعتبر ملكاً خاصاً للشركة ، ويدخل ضمن أرباحها.

ثامناً: من حيث تعدد  العاقدين وانتهاء العقد: 

التأمين التجاري يقوم على تعدد حقيقي حيث يتم بين شخصين متساومين يسعى كل واحد إلى تحقيق مصالحه، وأن ذمة كل واحد منهما مختلفة تماماً عن ذمة الآخر ملكية والتزاماً ، هما المؤمن (أي الشركة) والمؤمن له ، وأن العقد ينتهي بالتعاقد ، ولا يبقى منه إلاّ تنفيذه من خلال دفع المستأمن أقساطه إلى المؤمن ، والتزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين في وقته ، ولم يعد للمستأمن أي علاقة بالتزامات المؤمن ، وأقساطه التي دفعها.

أما في التأمين التعاوني الإسلامي ، فالمؤمن والمستأمن في حقيقتهما واحد ، لأن الذي يمثلهما هو حساب التأمين الذي تدخل فيه الأقساط ، وتصرف منه مبالغ التأمين (فمنه وإليه) وهو حساب لهما جميعاً ، وبالتالي فلا تنتهي التزامات المستأمن المشترك بدفع ما عليه من أقساط ، وإنما له نصيب من الباقي ، وإذا حدث أن الأقساط لا تكفي ، فإن حساب التأمين يستقرض فيرده المشتركون في السنة القادمة، وهكذا.

تاسعاً: من حيث مكونات الذمة المالية ، والاستثمار:

في التأمين التجاري تكون للشركة كلها وبجميع أنشطتها وعلى رأسها النشاط التأميني ذمة مالية واحدة تتكون مكوناتها مما يأتي :

  1. رأس المال المدفوع .
  2. عوائد رأس المال وفوائده .
  3. الأرباح التأمينية المتحققة مما تبقى من الأقساط بعد خصم التعويضات ، ونحوها.

وهذه الذمة المالية هي المسؤولة عن كل التزامات الشركة سواء أكانت تخص النشاط التأميني أم غيره من المصاريف والتعويضات.

أما في التأمين التعاوني الإسلامي فهناك ذمتان ماليتان هما :

أ ـ ذمة الشركة التي تتكون مكوناتها مما يأتي :

  1. رأس المال المدفوع .
  2. عوائده المشروعة .
  3. المخصصات والاحتياطات التي أخذت من عوائد أموال المساهمين فقط .
  4. الأجرة التي حصلت عليها الشركة في مقابل إدارتها لحساب التأمين إذا كانت الوكالة بأجر ، وإذا لم تكن بأجر فتحذف هذه الفقرة .
  5. نسبتها من الربح المحقق عن طريق عقد المضاربة بين الشركة ، وحساب التأمين .

وذمة الشركة مسؤولة عن التزاماتها الخاصة بها،والمصاريف الخاصة بها دون التعويضات .

ب ـ الذمة المالية لحساب التأمين التي تتكون مكوناتها مما يأتي :

  1. أقساط التأمين .
  2. عوائدها وأرباحها من الاستثمارات .
  3. الاحتياطات والمخصصات الفنية التي أخذت من حساب التأمين .

 وحساب التأمين هو المسؤول عن مصاريفه الخاصة بجميع أنشطة التأمين،وعن التعويضات،وليست ذمة الشركة مسؤولة عما سبق،بل هي وكيلة عن حساب التأمين،أو هيئة المشتركين .

عاشراً : الالتزام بأحكام الشريعة :

تلتزم الشركة في التأمين الإسلامي في كل أنشطتها بأحكام الشريعة الإسلامية ، ولأجل ذلك تقوم بتعيين هيئة الفتوى والرقابة الشرعية ، في حين أن الشركة في التأمين التجاري لا تلتزم بأحكام الشريعة لا في عقودها ولا في تأميناتها ، ولا في استثماراتها ، وتعاملها مع البنوك .

تلك عشرة كاملة في الفروق الجوهرية لا أشك في أنها تقنع كل من يتدبر فيها بحقيقة هذه الفروق وتأثيرها في الحكم الشرعي صحة وبطلاناً ، جوازاً وحرمة .

حكم التأمين التجاري في غير البلاد الإسلامية:

ومع أن الأحكام الإسلامية عامة لكل زمان ومكان، ولكن الرحمة التي أرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لتحقيقها اقتضت رعاية الظروف والأحوال ، حتى أن الحدود لا تقام في بلاد الحرب مع وجود الإمام والجيش كما ورد بذلك أحاديث وآثار وتطبيقات عملية للخلفاء الراشدين.

ومن هنا فالذي يظهر لي رجحانه هو ما يأتي :

أولاً: عدم التساهل في الفتاوى الخاصة بالتأمين التجاري في بلاد الغرب ختى يندفع المسلمون إلى تطبيق كامل للتأمين الإسلامي .

ثانياً: الأخذ بأيسر الأقوال وبالتدرج مع الأقلية الإسلامية التي تعيش في البلاد غير الإسلامية مع مراعاة مقاصد الشريعة وفقه الموازنات ، وفقه المآلات ، وعدم التوسع في دائرة سد الذرائع .

ثالثاً: حث العلماء للأقليات المسلمة بالخروج من فقه الترخيص إلى فقه التأسيس ، ومن مشكلة الحلال والهلال إلى شركات خاصة بالمنتجات الإسلامية في مختلف المجالات ، ومن فقه التشرذم وبقايا القومية والوطنية والاقليمية إلى الوحدة والتكافل ، والتعاون والتكتل لأجل خير الجميع .

رابعاً: في حالة عدم وجود شركات التكافل ، أو التأمين الإسلامي في البلاد غير الإسلامية فإنه يجوز التعامل مع التأمين التجاري في حالتي الضرورة ، والحاجة ، العامة التي تنزل منزلة الضرورة ، وحتى لا يكون كلامنا عاماً ، فإنني أعتقد أنه يدخل فيهما ما يأتي :

  1. حالة وجود قانون ملزم بأي نوع من انواع التأمين ، صادر من الدولة التي يعيش فيه المسلم ، أو يغادر إليها لأجل الرزق ، أو العلم أو نحو ذلك .
  2. حالة ما إذا توقفت على التأمين التجاري : التجارة الخاصة أو العامة.

ولذلك أفتت ـ حسب علمي ـ جميع هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية داخل العالم الإسلامي بجواز التأمين التجاري في حالة عدم وجود التأمين الإسلامي للاعتمادات الخارجية التي تخص الاستيراد والتصدير من الخارج وإليه .

  1. ويدخل في حالتي الضرورة والحاجة في نظري ما يأتي ، ما صدر من فتاوى في المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ، حيث ينص القرار (7/6) والفتوى (27) على ما يأتي : (ناقش المجلس البحث والأوراق المقدمة إليه في موضوع التأمين وما يجري عليه العمل في أوروبا ، واطلع على ما صدر عن المجامع الفقهية والمؤتمرات العلمية بهذا الشأن ، وانتهى إلى ما يلي :

أولاً: مع مراعاة ما ورد في قرارات بعض المجامع الفقهية من حرمة التأمين التجاري (الذي يقوم على أساس الأقساط الثابتة دون أن يكون للمستأمن الحق في أرباح الشركة أو التحمل لخسائرها) ومشروعية التأمين التعاوني (الذي يقوم على أساس التعاون المنظم بين المستأمنين ، واختصاصهم بالفائض ـ إن وجد ـ مع اقتصار دور الشركة على إدارة محفظة التأمين واستثمار موجوداتها) ، فإن هناك حالات وبيئات تقتضي إيجاد حلول لمعالجة الأوضاع الخاصة ، وتلبية متطلباتها ، ولا سيما حالة المسلمين في أوروبا حيث يسود التأمين التجاري ، وتشتد الحاجة إلى الاستفادة منه لدرء الأخطار التي يكثر تعرضهم لها في حياتهم المعاشية بكل صورها ، وعدم توافر البديل الإسلامي (التأمين التكافلي) وتعسر إيجاده في الوقت الحاضر ، فإن المجلس يفتي بجواز التأمين التجاري في الحالات التالية وما يماثلها :

1ـ حالات الإلزام القانوني ، مثل التأمين ضد الغير على السيارات والآليات والمعدات ، والعمال والموظفين (الضمن الاجتماعي ، أو التقاعد) ، وبعض حالات التأمين الصحي أو الدارسي ونحوها .

2ـ حالات الحاجة إلى التأمين لدفع الحرج والمشقة الشديدة ، حيث يغتفر معها الغرر القائم في نظام التأمين التجاري .

ومن أمثلة ذلك :

1ـ التأمين على المؤسسات الإسلامية : كالمساجد ، والمراكز ، والمدارس ، ونحوها .

2 ـ التأمين على السيارات والآليات والمعدات والمنازل والمؤسسات المهنية والتجارية ، درءا للمخاطر غير المقدور على تغطيتها ، كالحريق والسرقة وتعطل المرافق المختلفة .

3ـ التأمين الصحي تفادياً للتكاليف الباهضة التي قد يتعرض لها المستأمن وأفراد عائلته ، وذلك إما في غياب التغطية الصحية المجانية ، أو بطئها ، او تدني مستواها الفني .

ثانياً: إرجاء موضوع التأمين على الحياة بجميع صوره لدورة قادمة لاستكمال دراسته .

ثالثاً: يوصي المجلس أصحاب المال والفكر بالسعي الحثيث لإقامة المؤسسات المالية الإسلامية كالبنوك الإسلامية ، وشركات التأمين التكافلي الإسلامي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ).

التأمين الأصلي ، والتأمين التبعي:

قد يكون التأمين التجاري هو المقصود بالعقد ، وحينئذٍ تطبق عليه القرارات السابقة والفتاوى الصادرة من المجامع الفقهية ، فلا يجوز الاقدام عليه إلاّ لضرورة ، أو لحاجة تنزل منزلة الضرورة ـ كما سيأتي ـ .

أما إذا كان عقد التأمين التجاري تبعاً لعقد آخر مثل عقد البيع والشراء ، أو الاستصناع ، أو الاعتمادات المستندية أو نحوها ، فإن العقد الأول الأصلي إذا كان مشروعاً سيظل مشروعاً على رأي جماعة من الفقهاء القائلين بأن الشروط إذا لم تؤد إلى غرر مؤثر فإنها تفسد فقط ، ويظل العقد صحيحاً استناداً على حادثة بريرة التي اشترط بائعها شرطاً باطلاً وهو ان الولاء لمن أعتق ، ولذلك ألغى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشرط ، وأبقى العقد صحيحاً وقال : ( ما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب اله ؟ من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له ، وان شَرَطَ مائة شرط…)[70] .

إضافة إلى قاعدة الأصالة والتبعية التي يدل عليها الحديث الصحيح الذي روه البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من باع عبداً وله مال ، فماله للذي باعه إلاّ ان يشترطه المبتاع )[71] .

ولهذه الأسباب كانت هيئات الفتوى والرقابة الشرعية تفتي بجواز التأمين التجاري للاعتمادات المستندية الخارجية في حالة عدم وجود شركات للتأمين التعاوني ، او عدم قدرتها على تحقيق المطلوب .

التأمين الصحي :

التعريف بالتأمين الصحي: يختلف تعريف التأمين فيما إذا كان تأميناً تجارياً أو تعاونياً أو اجتماعياً ، فالتامين التجاري هو عقد معاوضة بين المؤمن له الذي التزم بدفع أقساط التأمين ، والشركة المؤمنة التي تلتزم بدفع مبلغ التامين في حالة وقوع الحاديث ، او تحقق الخطر المعين في العقد[72] .

وأما التأمين التعاوني الإسلامي فهو عبارة عن اتفاق مجموعة من المشتركين (حملة الوثائق) على تحمل آثار الأخطار الناجمة عن الحوادث ، وذلك من خلال التبرع بأقساط التعويض لمن يقع عليه الضرر منهم طبقاً لنظام معين[73] .

والتأمين الصحي هو نوع من التأمين التجاري أو التأمين التعاوني ، أو التعاوني الإسلامي ، فهو التأمين الذي يكون محله صحة الإنسان من حيث العلاج والرعاية .

والتأمين الاجتماعي هو التأمين الذي يستهدف حماية مصلحة عامة مثل الطبقة العاملة سواء عن طريق الدولة نفسها ، أو من خلال تشريعات تلزم أصحاب العمل بالتأمين لصالح حمايتهم من أخطار المهنة أو ضمان نوع من العيش الكريم لهم بعد تقاعدهم أو عجزهم ، أو لأسرهم ، أو الالتزام من قبل الدولة بتأمينهم الصحي[74] .

أنواع التأمين الصحي :

يمكن تقسيم التأمين الصحي إلى نوعين أساسين هما :

1ـ التأمين الإجباري الذي تجبره الدولة

2ـ التأمين الاختياري الذي يختاره الشخص بمحض إرادته مع شركات التأمين التجاري ، أو التعاوني الإسلامي .

حكم التأمين الصحي :

يختلف حكم التأمين الصحي ـ من حيث المبدأ ـ بحسب انتمائه إلى أصل التأمين ، فإن كان يتم حسب التأمين التجاري ، ومن خلال الشركات التجارية فإنه يحكم عليه بالحظر والحرمة بناء على القرارات والفتاوى الصادرة من المجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات الفقهية .

أما إذا كان يتم من خلال التأمين الاجتماعي الذي تلتزم به الدولة فإن هذا مشروع بناءً على القرارات الجماعية ، ومنها قرار مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الثاني 1965م حيث نص على : جواز التأمين الاجتماعي ـ كما سبق ـ وأما إذا كان يتم من خلال التأمين التعاوني الإسلامي (التكافل) فإن هذا مشروع كما ذكرنا القرارات الجماعية في هذا الشأن .

بعض التطبيقات العملية من الصيغ والعقود للتأمين الصحي :

ومع الحكم السابق الذي ذكرناه للتأمين الصحي من حيث أصله ومرجعيته وطريقة تنفيذه ، فإن هناك بعض الصور والتطبيقات تجري بين الأشخاص ، والمستشفيات ، أو بين شركات التأمين والمستشفيات تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي له ، حيث نوقشت بعض هذه الصور في الدورة الثالثة عشرة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في الكويت في   7-12شوال 1422هـ / 22-27ديسمبر 2001م ، وقدمت فيها مجموعة من البحوث ، ولكن بحث فضيلة الشيخ الصديق الضرير ، وبحث المستشار محمد بدر يوسف المنياوي ذكرا الصور الآتية مع بيان حكمها في نظرهما ، وانا أذكرها مع بيان رأييهما ، ثم أعقب بما يظهر لي رجحانه ، وهي :

الحالة الأولى : حالة اتفاق شخص مع مستشفى على أن يتعهد بمعالجته طيلة فترة معينة ، لقاء مبلغ معين ، مع التزام المستشفى بالدواء والعمليات ، وقد اتفق البحثان على منعهما .

وكان أساس ذلك في بحث المستشار المنياوي أن هذا الاتفاق نموذج من التأمين التجاري بخصائصه المعروفة التي أوضح البحث انطباقها على التفصيل الوارد به ، في حين أسند فضيلة الشيخ الصديق سبب المنع إلى ما في الصورة من غرر ناشئ عن الجهل بمقدار الدواء ، ونوعه ، والجهل بالمدة التي يمكثها المريض بالمستشفى ، والجهل بحصول العلاج أو عدم حصوله في المدة المحددة ، وأن ذلك كله ينطوي على ارتكاب للغرر من غير حاجة ، إذ في إمكان الشخص أن ينتظر إلى أن يحتاج إلى العلاج ، ثم يذهب إلى المستشفى ويتعاقد بالطريقة المشروعة .

وأنا أتفق معهما ، لأن هذا داخل فعلاً مضمون في التأمين التجاري المحظور بقرارات المجامع الفقهية.

الحالة الثانية : حالة اتفاق المؤسسات مع المستشفيات للتعهد بعلاج الموظفين أو العمال طوال فترة معينة ، ولقاء مبلغ محدد ، مع الالتزام بالدواء والعمليات ونحوها ، فقد اختلف البحثان في النتيجة.

فرأي فضيلة الشيخ الصديق ان هذا الاتفاق يأخذ حكم إجارة الأجير المشترك بالنسبة للمستشفى ، ويأخذ حكم إجارة منافع الأعيان بالنسبة لاستعمال الأسّرة والحجرات ، ويأخذ حكم البيع بالنسبة لتقديم الدواء .

وانتهى فضيلته إلى منع هذه الصورة ، لأن الغرر يحيط بها ، وهو كثير في عقد البيع الذي ورد فيه النهي خاصة ؛ فالدواء مجهول النوع والمقدار ، ثم هو يدخل المعقود عليه أصالة في عقد الإجارة ، فالعلاج غير معلوم قدره ، وكذلك عدد من سيحتاجون إليه ، وقدر المنفعة بداخلها الجهل ، لعدم العلم ، وعدم تحديد مدتها وقت التعاقد ، فقد يمكث المريض في المستشفى يوماً ، وقد يمكث اكثر ، ولا حاجة تدعو إلى هذا الاتفاق لن العلاج يمكن الوصول إليه بطريق آخر مشروع .

اما بحث المستشار المنياوي فقد قال في هذه الصورة : إن كلمة “مؤسسة” اصطلاح قانوني ، قد يطلق على المؤسسة العامة التي تدير مرفقاً عاماً ، ولا تسعى أساساًَ إلى الربح ، وقد تنصرف إلى المؤسسة الخاصة التي ليس مملوكة للدولة ، وأن هذه المفارقة لها أثرها على الحلّ والحرمة ، كما أن اشتراط تقديم المستفى للدواء ، قد يؤثر في الحكم الشرعي ، ومن ثم فقد قسم البحث هذا النوع إلى ثلاث صور:

الصورة الأولى: حيث تكون المؤسسة عامة أو تابعة للدولة أو تنفذ التزماً مفروضاً عليها من الدولة ، ففي هذه الحالة يكون التأمين الذي يجري على موظفي هذه المؤسسة ـ في حقيقته ـ نظاماً تفرضه المؤسسة بوصفها هيئة من هيئات الدولة او منفذه لأوامرها ، وبالتالي يكون التأمين الصحي هنا من قبيل التأمينات الاجتماعية التي تقدمها الدولة او المؤسسات الخاضعة لها ، وهو باتفاق المجامع الدولية الإسلامية ـ حلال لا شبهة فيه .

وأنا اتفق مع سعادة المستشار في هذا الحكم وسببه .

الصورة الثانية: حيث تكون المؤسسة مؤسسة خاصة غير ملزمة من الدولة بالتأمين الصحي، ويكون المستشفى غير ملزم بتقديم الدواء: ففي هذه الصورة التي انتهت دراسة المستشار إلى أن هذا الاتفاق يدخل تحت ما يسمى “بعقد التأمين الصحي” وفق المصطلحات الدراسات القانونية، فهو ليس بعقد تأمين تجاري، لأن المؤسسة ليس لها مصلحة ذاتية، وإنما تهدف إلى التكافل ، ولأن الترباط بين المؤمن عليهم واضح من ذات العقد ولا يستقى من خارجه ، وهذا الاتفاق ليس كذلك عقداّ تعاوناً خالصاً ، لأنه ليس قائماً على التبرع المحض ، ولأن شخصية المؤمن تختلف عن شخصية المؤمن له ، ثم هو في ذات الوقت ليس ليس عقداً اجتماعياً ، لأن المؤسسة التي أبرمته لا تمثل الدولة ولا تعقده امتثالاً لأوامرها ، وإنما هو عقد تأمين مختلط ، يغلب عليه الهدف الاجتماعي ، ويقترب كثيراً من التبرعات ، ومن ثم فإن الأولى به أن يفوز بالمشروعية ، تغليباً للجانب الاجتماعي فيه ، وتحقيقاً لما يوفره من من خير عميم ، ومن تسوية العاملين في المؤسسات الخاصة بموظفي المؤسسات العامة ، لتحقق مناط هذه التسوية فيهم جميعاً .

على أن بحث المستشار قد اشترط للحكم بالمشروعية في هذه الصورة أن يتحقق الهدف من جماعية العقد ، فيكون المقصود منه مصلحة الجماعة ، ويكون العلاج جارياً وفقاً للمجريات العادية للأمور ، وواقعاً بالقدر الذي لا يتنافر مع المبلغ المدفوع من المؤسسة ، وهذا إنما يكون إذا كان عدد العاملين من الكثرة بحيث تضمن ذلك قوانين الإحصاء وقانون الأعداد الكبيرة ، ويكون من حق أطراف التعاقد تعديل مقدار المبلغ الذي تلتزم به المؤسسة ، وتعديل المزايا التأمينية التي يتمتع بها المستفيدون ، على هدى ما قد يطرأ من ظروف أو يكون قد وقع من خطأ في البيانات التي كانت أساس التأمين ، وهذا كله على نحو ما استقر عليه عرف التعامل ، التزاماً بجماعية العقد .

وأختلف مع الباحث الكريم في هذا الحكم وأرى رجحان الحرمة ، لأن التأمين في هذه الصورة يتم بطريقة التأمين التجاري القائم على المعاوضة شكلاً وموضوعاً ، وعقداً وآثاراً ، ولذلك لا يترتب عليها إرجاع الفائض ، وان العقد نفسه هو عقد معاوضة كما هو الحال في بقية انواع التأمين التجاري ، وكون المقصود منه مصلحة الجماعة ليس وصفاً مؤثراً في الحكم ، ولما ذكره فضيلة الضيخ الصديق من الغرر المحيط بها من كل جانب.

الصورة الثالثة : حيث تكون المؤسسة خاصة ، ويكون المستشفى ملزماً بتقديم الداوء مع العلاج ، وفي هذه الصورة نجد اختلاف الفقهاء في السابق ، فقد ذهب الشافعية والحنابلة في رواية والمالكية في قول إلى جواز اشتراط أن يكون الدواء من الطبيب ، في حين منعه الآخرون ، منهم الظاهرية[75].

والذي يظهر لي رجحانه هو جواز هذا الاشتراط ، لأنه مما جرى به العرف اليوم ، وهو من القضايا التي يلحظ فيها أثر الأعراف والأوضاع الزمنية[76]، وأن هذه الأراء الفقهية كانت نابعة عن الظروف المحيطة بها والأعراف السائدة في عصرهم ، ولأن الغرر الموجود لا يؤدي إلى النزاع .

الحالة الثالثة : هي الحالة المعروضة من تطبيقات التأمين  الصحي التي تتوسط فيها شركة تأمين تجارية او تعاونية في العلاقة بين المستفيدين والجهة المتعهدة بالعلاج ، فقد اتفقت آراء الباحثين على أنه إن كانت الشركة الوسيطة من شركات التأمين التجارية ، فالصورة غير جائزة ، وإن كانت من شركات التأمين التعاونية التي لا تسعى إلى الربح ، فإن الصورة تكون جائزة ، وهذا هو الصحيح .

صور أخرى ذكرتها الأمانة لبحثها ، وهي : التأمين ضد المسؤولية في المساجد والمدارس الإسلامية ، والتأمين ضد الحوادث عند شراء السيارات ، والتأمين الشامل  full coverage إذا تعين سبيلاً لامتلاك بعض السيارات ، وتأمين الحاجة إلى الاستشارات القرارية في ظل مسيس الحاجة إلهي بعد أحداث سبتمبر ، وتأمين الحاجة إلى المساعدات طارئة عند التعطل المفاجئ للسيارات AAA  .

فهذه الصور إن تمت من خلال التأمين التعاوني الإسلامي فهي حلال ، وإلاّ فتطبق عليها القواعد السابقة التي ذكرناها ، بحيث إذا وصلت إلى مرحلة الضرورة أو الحاجة الماسة التي تنزل منزلة الضرورة فهي جائزة جوازاً مؤقتاً بإمكانية تأسيسها من خلال الشركات الإسلامية ، هذا والله أعلم .

 


([1]) إعلام الموقعين ط. الكليات الأزهرية (3/3)

([2]) سورة يوسف / الآية (64)

([3]) سورة يوسف / الآية (17)

([4]) لسان العرب ، والقاموس المحيط ، والمعجم الوسيط ، مادة ” أمن ”

([5]) المعجم الوسيط ، ط.قطر (1/28)

([6]) سورة قريش / الآية 4

([7]) سورة الأنعام / الآية 82

([8]) يراجع : د. عبدالرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ، \. دار النهضة العربية 1964 (7/1084) ود. أحمد شرف الدين : أحكام التأمين في القانون والقضاء ، ط. جامعة الكويت عام 1403هـ ـ 1983 ، ص 18 وما بعدها ، ود.غريب الجمال : التأمين التجاري والبديل الإسلامي ، ط. دار الاعتصام ، ص 62 ، ود. عيسى عبده : التأمين بين الحل والتحريم ، ط. دار الاعتصام ، ص 8 ، ود. محمد الزغبي : عقود التأمين ، رسالة دكتوراه بكلية حقوق القاهرة عام 1402هـ ، ص 164 والأستاذ مصطفى الزرقا : نظام التامين ، ط.مؤسسة الرسالة ص 19 ، وبحثه المنشور في مجلة الاقتصاد الإسلامي ، ضمن بحوث مختارة من بحوث المؤتمر العالمي الدولي للاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبدالعزيز ط.   1400هـ ص 373

([9]) المراجع السابقة 

([10]) د. السنهوري : الوسيط ( 7/1090) ود. أحمد شرف الدين ، ص20

([11]) يراجع في هذه المسألة : المراجع السابقة جميعها ، وبالأخص د. أحمد شرف الدين ص 113 ، ود. الزعبي ص 133

([12]) انظر : مجموعة النقض المدني الستة 16 ص 1347 رقم 211/ نقض مدني مصري في 28/12/1965 بخصوص التأمين ضد الحريق ، حيث قضت ببطلان الشرط الوارد في وثيقة التأمين الذي كان ينص على أن عقد التأمين لا يضمن الخسارة أو الاضرار التي تلحق الأشياء المؤمن عليها بسبب احتراق ذاتي إلاّ بنص صريح في الوثيقة.

([13]) د. الزعبي : المرجع السابق ، والمراجع السابقة .

([14]) د. أحمد شرف الدين ص 118 ، والمراجع السابقة

([15]) يراجع : لسان العرب ، والقاموس المحيط ن والمعجم الوسيط مادة “خطر”

([16]) د. البدراوي : المرجع السابق ص 61   ، ود. الزعبي المرجع السابق ص 39

([17]) د. السنهوري : الوسيط ( 7/1218) ود. أحمد شرف الدين : المرجع السابق ص 171

([18]) المراجع السابقة

([19]) المراجع السابقة

([20]) د. أحمد شرف الدين ص 213 – 214 ود. السنهوري : الوسيط (7/1240)

([21]) د. أحمد شرف الدين ص 208 والمراجع السابقة

([22]) د. أحمد شرف الدين ص 217

([23]) د. السنهوري : الوسيط ( 7/1231) ود. أحمد شرف الدين ص 218

([24]) د. السنهوري : الوسيط ( 7/1223) ود. أحمد شرف الدين ص 22

([25]) د. السنهوري : الوسيط (1/1235 وما بعدها ) والمراجع السابقة

([26]) د. أحمد شرف الدين  ص 225 –231 ود. السنهوري : الوسيط (7/1193)

([27]) د. أحمد شرف الدين ص 232 والمصادر السابقة

([28]) يراجع : د. السنهوري : الوسيط ط. دار النهضة العربية / القاهرة (7/1156) ود. حسام الأهواني : المبادئ العامة للتامين ط. القاهرة 1975 ص 22 ود. أحمد سعيد شرف الدين : ص00028

([29]) د. عيسى عبده : العقود الشرعية ص 131

([30]) د. السنهوري : المرجع السابق (7/1099) وعبدالودود ص 18 ، 19

([31]) د. الزرقا : نظام التأمين ص 19 ود. وهبة الزحيلي : المرجع السابق (4/442)

([32]) د. السنهوري (7/1156) ود. أحمد السعيد شرف الدين ص 32

([33]) د. النسهوري (7/1531)

([34]) د. أحمد شرف الدين : عقود التأمين ، وعقود ضمان الاستثمار ص 8 ـ 10

([35]) د. أحمد شرف الدين : المرجع السابق ص 32 ، 33

([36]) د. محمد بلتاجي : عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي ص 204

([37]) د. محمد بلتاجي : عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي  ص 204

([38]) البحر الزخار ط. مؤسسة الرسالة ببيروت 1366هـ

([39]) الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري : بحثه عن التأمينات ، منشور في : بحوث اقتصادية وتشريعية للمؤتمر السابع لمجمع البحوث الإسلامية عام 1392هـ 

([40]) هو محمد أمين بن عمر بن عبدالعزيز عابدين الدمشقي ، فقيه الديار الشامية ، وإمام الحنفية ، ولد بدمشق في 1198هـ ـ 1784م ، وتوفى بها في 1252هـ ـ 1836م ، وله كتب قيمة ، انظر : الأعلام للزركلي (6/267)

([41]) حاشية ابن عابدين ، ط. دار احياء التراث العربي ببيروت (3/249 –250)

([42]) حاشية ابن عابدين (3/250)

([43]) قال ابن عابدين : (3/250) : (نعم قد يكون للتاجر شريك حربي في بلاد الحرب فيعقد شريكه هذا العقد مع صاحب السوكرة في بلادهم ، ويأخذ منه بدل الهالك ويرسله إلى التاجر فالظاهر ان هذا يحل للتاجر أخذه لأن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلاد الحرب وقد وصل إليه مالهم برضاهم فلا مانع من أخذه )

([44]) بدائع الصنائع ، ط.العلمية (7/131)

([45]) مقدمات ابن مرشد ، ط. بهامش المدونة (3/352) والأم للشافعي ، ط. دار المعرفة بلبنان (4/227) حيث قال : (ولا يحل لهم ـ أي المسلمين ـ في دار الحرب إلاّ ما يحل في دار الإسلام ، ويراجع المغني لابن قدامة (7/71)

([46]) بحثه السابق الإشارة إليه ص 157

([47]) مجلة الأحكام الشرعية س 6 ص 83 ، وما بعدها

([48]) مجلة المحاماة الشرعية ، السنة 3 ص 597 ، نقلاً عن الشيخ محمد فرج السنهوري ، بحثه السابق ص 163

([49]) الشيخ السنهوري : المرجع السابق ص 163 ـ 164

([50]) المرجع السابق نفسه

([51]) المرجع السابق نفسه ص 166

([52]) مقالته حول : شركات التأمين ، وهل في الشريعة ما يجيزها ؟ المنشور في مجلة المحاماة الشرعية ، السنة 3 ص 689 ـ 690 العدد 8 ، عدد محرم 1351هـ مايو 1932م 

([53]) صحيفة لواء الإسلام عدد رجب 1374هـ فبراير 1954م

([54]) انظر : مجلة الشبان المسلمين العدد 3 السنة 13

([55]) جريدة الأهرام المصرية العدد ا لصادر في 15 فبراير 1961

([56]) الشيخ محمد فرج السنهوري : بحثه السابق ص 199

([57]) المرجع السابق

([58]) عقد أسبوع الفقه الأول في باريس عام 1951 ولم يكن من بين موضوعاته الأربعة عقد التأمين

([59])الشيخ محمد فرج السنهوري : المرجع السابق ص 172 ـ 173

([60]) مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، العدد الصادر في يوليه 1962

([61]) انظر : ص 8 من قرارات وتوصيات المؤتمر الثالث

([62]) الشيخ محمد فرج السنهوري ، بحثه السابق ص 180 ـ 196

([63]) المرجع السابق ص 199 ـ 200

([64]) الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري : المرجع السابق 179 ، ود. علي القره داغي : بحثيه السابقين ، ود. الزعبي : المرجع السابق ص 207 وما بعدهما ، والمراجع السابقة

([65]) يذهب إلى هذا الرأي جماعة منهم الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية السابق في رسالته : أحكام السكورتاه ، ط. النيل بمصر 1906 م ويراجع د. الزعبي : المرجع السابق ص 207

([66]) من أصحاب هذا الرأي الأستاذ مصطفى الزرقا : عقد التأمين وموقف الشريعة منه ، ط. دمشق 1962 ص 29 ، والشيخ علي الخفيف : التأمين ، بحث منشور في مجلة الأزهر ، ج8 السنة 37 1966 ص 480 وآخرون ، ولكن هؤلاء يبيحون عقد التأمين الذي ليس ربا ـ كما سنوضحه ـ وقد أسند إلى الشيخ محمد عبده فتوى بحل التأمين ، ولكن التحقيق ان فتواه حول المضاربة الشرعية وليس لها علاقة بالتأمين . انظر : د. الزعبي : المرجع السابق ص 424 ـ 429

([67]) وعلى هذا جماهير المعاصرين  منهم الشيخ أبو زهرة في بحثه حول عقود التأمين ، مقال منشور بمجلة حضارة الإسلام ـ دمشق ع5 نوفمبر 1961 ص 10 ، 22 ، ويراجع د. الزعبي : المرجع السابق ص 207

([68]) القرار  المشار إليها سابقاً ، والمذكور في كتاب قرارات المجمع الفقهي للرابطة ص 37

([69]) القرارات والفتاوى المذكورة آنفاً ، ويراجع : فتاوى التأمين ، جمع وتنسيق د.عبدالستار أبو غدة ، ود.عزالدين خوجه ، ط.دلة البركة ص 99 ـ 108

([70]) صحيح البخاري مع الفتح (5/187 ،324) ومسلم (2/1241)

([71]) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (5/49) ، ومسلم ، البيوع (3/1173)

([72]) وهذا خلاصة ما جاء في المادة 747 من القانون المدني المصري  ، والمادة 773 من القانون المدني الكويتي ، والمادة 713 من القانون المدني السوري والمادة 983 من القانون المدني العراقي  ، والمادة 947 من القانون المدين الليبي ، ويراجع كذلك : د. عبدالرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ، ط.دار النهضة العربية 1964 (7/1084) ود. أحمد شرف الدين : أحكام التأمين في القانون والقضاء ط. جامعة الكويت 1403هـ ـ 1983م ص 18 وما بعدها ، ود.غريب الجمال : التأمين التجاري والبديل الإسلامي ، ط. دار الاعتصام ، ص 62 ، ود. عيسى عبده : التأمين بين الحل والتحريم ، ط. دار الاعتصام ، ص 8 ، ود. محمد الزغبي : عقود التأمين ، رسالة دكتوراه بكلية حقوق القاهرة عام 1402هـ ، ص 164 والأستاذ مصطفى الزرقا : نظام التامين ، ط.مؤسسة الرسالة ص 19 ، وبحثه المنشور في مجلة الاقتصاد الإسلامي ، ضمن بحوث مختارة من بحوث المؤتمر العالمي الدولي للاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبدالعزيز ط.   1400هـ ص 373

([73]) يراجع لمزيد من التفصيل : د. علي القره داغي : التأمين الإسلامي ، دراسة فقهية تأصيلية ، ط. الثانية 2005 ص 27 ، وص 454 وما بعدها

([74]) د. محمد بلتاجي : عقود التأمين ص 204 ، د. علي القره داغي : المرجع السابق ص 31

([75]) يراجع : الذخيرة ط. در الغرب الإسلامي (5/422 ـ423) والمحلى لابن حزم ط. دار الفكر (8/196) والانصاف (7/321) وتحفة المحتاج مع الشيرواني (6/163)

([76]) د. عبدالستار أبو غدة : فقه الطبيب وأدبه ، بحث مطبوع ضمن أبحاث المؤتمر العالمي عن الطب الإسلامي ، ط. الكويت ص 594 والمستشار المنياوي : بحثه السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق