البحوث

تلخيص دراسة نصوص الأحاديث النبوية في تحديد مواقيت الصلاة

تلخيص

دراسة نصوص الأحاديث النبوية في تحديد مواقيت الصلاة

إعداد

عبدالله بن يوسف الجديع

 

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وأشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وَحدَه لا شَريكَ له وليُّ الصَّالحين، وأشهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورَسولُه النَّبيُّ الصَّادقُ الأمينُ، صلَّى الله عليهِ وعلى آلهِ وصَحبهِ أجمَعين، أمَّا بعد . .

فَقد قُمتُ –  بحمَد الله – حسبَ ما كُلِّفتُ به من قِبَلِ المجلسِ الموقَّر بإعدادِ دراسَةٍ مفصَّلةٍ للرِّواياتِ الحديثيَّة والآثارِ المرويَّةِ، في تَحديدِ مَواقيتِ الصَّلواتِ الخَمْسِ، فنَتَجَ منها مادَّةٌ كَبيرَةٌ قد تَصل إلى نحو من 300 صَفحةٍ أو تَزيد، وبَقِيَ لديَّ فيها بعْضُ الإضافاتِ والتَّعليقاتِ والتَّرتيب، وضاقَ الوَقْتُ دونَ إنجازِها لهذهِ اللِّقاءِ لتوزَّعَ عليكُم، وإنَّما استَخلَصْتُ منها هذهِ الخلاصَةَ التي أحسَبُها الغايَة من تلكَ الدِّراسَةِ لِما يتَّصل بأعمالِ المجلسِ وَبَحْثِهِ لموضوعِ تَحديدِ علاماتِ المواقيتِ.

مَعَ الإفادَةِ خاصَّةً بتَحقيقٍ مُفرَدٍ من تلكَ الدِّراسَةِ للحديثِ الواردِ في التَّقديرِ في أيَّامِ مُكْثِ الدَّجَّالِ في النَّاسِ، والحديثُ مِثالٌ أيضاً لنَمَطِ الجَمْعِ والتَّحقيقِ لسائرِ نُصُوصِ الموضوعِ.

  • رِواياتُ أحاديثِ المواقيت:
  • الأحاديثُ في إمامَةِ جِبريلَ:

رَواها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّحابَةِ: أبو مَسْعودٍ الأنصاريُّ، وعَبدالله بن عَبَّاس، وَجابرُ بن عَبدالله الأنْصاريُّ، وأبو هُرَيْرَةَ، وأبو سَعيدٍ الخُدْريُّ، وعَمْرُو بن حَزْمٍ.

الأحاديثُ في الأداءِ الفعليِّ للصَّلواتِ من قِبَلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لبَيانِ جَميعِ المواقيتِ:

عَنْ أبي مَسْعودٍ الأنصاريِّ، وأبي بَرْزَةَ الأسْلميِّ، وَجابرِ بن عَبْدالله، وَبُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ الأسْلَميِّ، وأبي موسَى الأشْعَريِّ، وأنَسِ بن مالكٍ.

وفي بَيانِ بَعْضِ أفرادِ المواقيت:

في الظُّهْر: عَن جابرِ بن سَمُرَة، وَعَبْدالله بنِ مَسْعودٍ، وعَبْدالله بن عُمَرَ.

وفي العَصْر: عَنْ عائِشةَ أمِّ المؤمنينَ، وأنَسِ بن مالكٍ، وَرافِعِ بنِ خَديجٍ، وعليِّ بن شَيْبانَ، وأبي أرْوَى الدَّوسيِّ، وأبي سَعيدٍ الخُدْريِّ، وأبي هُرَيْرَة.

وفي المغرب: عَن رافعِ بنِ خَديجٍ، وأنَسِ بن مالكٍ، وَزيْدِ بن خالدٍ الجُهَنيِّ، وجابرِ بن عَبْدالله، وأبي طَريفٍ الهُذَليِّ، وَرَجُلٍ مِنْ أسْلَم، وسَلَمَة بن الأكْوَعِ، وأبي أيُّوبَ الأنْصاريِّ، وَعُقْبَةَ بن عامرٍ الجُهنيِّ، والسَّائبِ بن يَزيدَ، وَالعبَّاسِ بن عَبْدالمطَّلبِ، وأبي بَصْرَة الغِفاريِّ، وَزَيْدِ بن ثابتٍ.

وفي العِشاء: عَن عائشَة، وَزَيْدِ بن خالدٍ الجُهَنيِّ، وأنَسِ بن مالكٍ، وعَبْدالله بنِ عُمَر، وأبي سَعيدٍ الخُدْريِّ، وأبي هُرَيْرَة، والنُّعمانِ بن بَشيرٍ.

وفي الفَجْر: عَن أنَسِ بن مالكٍ، وَجابرِ بن عَبْدالله، وعُرْوَةَ بنِ مُضرِّس، وعَبْدالله بن عبَّاسٍ، وَعائشَة، وأنَسِ بن مالكٍ، وَعَبْدالله بنِ عُمَر، وعليِّ بن أبي طالبٍ، وحُذَيفَةَ بن اليَمانِ، وَرافِعِ بن خَديجٍ، وأبي هُرَيْرَةَ، وآخَرينَ.

الأحاديثُ القوليَّة في المواقيتِ: من حديثِ عَبْدالله بنِ عَمْرو بن العاصِ، وأبي هُرَيْرةَ.

  • ألفاظِ النصوص الثَّابتة في المواقيت:

تنبيه: بحسَبِ ما تقدَّمَ يُلاحَظُ استِعمالُ الرُّموزِ التَّالية:

(ج): لألفاظِ عَلاماتِ المواقيتِ الواردَةِ في أحاديثِ صلاةِ جبريل عليه السلامُ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(ن): لألفاظِ عَلاماتِ المواقيتِ في الأحاديثِ الواصِفَةِ لأداءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم للصَّلواتِ.

(ن ق): لألفاظِ عَلاماتِ المواقيتِ مِنَ البَيانِ اللَّفظيِّ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

أوَّلُ الظُّهر:

ج: زالَت الشَّمس وكانَ الفَيءُ قَدْرَ الشِّراك.

ن: زاغَت (في روايَة: مالَت. وفي رِوايَة: دَلَكَت) الشَّمْسُ. وفي روايَة: حين تَدحَضُ (في لَفظ: تَزول) الشَّمْسُ. وفي حديثٍ: حينَ زالت الشَّمْسُ وَالقائِلُ يَقولُ: قَدِ انْتَصَفَ النَّهارُ.

ن ق: إذا زالَت الشَّمْسُ عن بَطْنِ السَّماءِ.

آخِرُ الظُّهر:

ج: حين كانَ ظِلُّ الشَّيءِ مِثْلَه، وفي حَديث: لوَقْتِ العَصْرِ.

ن ق: وقتٌ إلى أن يَحْضُرَ العَصْرُ. وفي لَفظ: وكانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كطولِهِ، ما لم تَحضُر العَصْرُ. وفي حَديث: قَريباً من وَقْتِ العَصْرِ بالأمْسِ. وفي حَديثٍ: وآخرَ وَقْتِها حينَ يَدْخُلُ وَقْتُ العَصْرِ.

أوَّلُ العَصْر:

ج: حينَ كانَ ظِلُّ الشَّيءِ مِثْلَه.

ن: وَالعَصْرَ بَيْنَ صَلاتَيْكُم هاتَيْنِ.

تفسيرُه ما وَرَد في روايَةٍ أخرَى للحديثِ، وهُوَ عن أنَس: (وَيُصَلِّي العَصْرَ بَيْنَ صَلاتَيْكُم الأولى وَالعَصْر) وكانَ أنَسٌ يَعيبُ على النَّاسِ تأخيرَهم العَصْرَ.

ن: الشَّمسُ مُرتَفَعةٌ بَيضاءُ نقيَّةٌ لم تَدخُلها صُفرَة، يَسير الإنسانُ بعدَها (في حَديث: سَيْرَ العَنَق) إلى ذي الحُليفَة فيَصِلُ قبل الغُروب. وفي حَديثٍ: وأحَدُنا يَذْهَبُ إلى أقصَى المدينَةِ ثمَّ يَرْجِعُ والشَّمْسُ حَيَّةٌ، وفي حَديث: إلى العَوالي والشَّمسُ مُرتَفِعَةٌ [وهِيَ نحوُ أربَعة أميالٍ من المسجد على ما جاءَ في بعْضِ الأحاديث]. (وفي رِوايَةٍ ضَعيفَة: يأتي أحدُهم ذا الحُليفَة يَمْشي، فيأتيها ولم تَغِبِ الشَّمْسُ، وهِيَ على فَرسَخَيْن.

ن: في روايَةٍ صالحَةٍ من حديثِ جابرٍ: حِينَ كانَ الفَيْءُ قَدْرَ الشِّراكِ وَظِلِّ الرَّجُلِ. وفي رِواية: حينَ ظَنَنَّا أنَّ ظِلَّ الرَّجُلِ أطوَلُ مِنْهُ.

ن ق: إنَّ أوَّلَ وَقْتِ صَلاةِ العَصْرِ حينَ يَدْخُلُ وَقْتُها.

آخِرُ العَصْر:

ج: حينَ كانَ ظِلُّ الشَّيءٍ مِثْلَيْهِ.

ن ق: ما لم تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ويَسْقُطْ قَرْنُها الأوَّلُ. وفي حديث: وَإنَّ آخِرَ وَقْتِها حينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ.

ن: والشَّمْسُ آخِرَ وَقْتِها. وفي حَديثٍ: وَالشَّمْسُ بَيْضاءُ [وفي لفظ: حَيَّةٌ]، أخَّرَها فَوْقَ الَّذي كانَ. وفي رِوايَة: وَالشَّمْسُ بَيْضاءُ نَقِيَّةٌ لم تُخالِطْها صُفْرَةٌ). وفي حَديثٍ: انصرَفَ منها وَالقائلُ يَقولُ: قَدِ احمَرَّت الشَّمْسُ. وفي روايَة: وصلَّى العَصْرَ وَقَدِ اصْفرَّت الشَّمْسُ أو قالَ: أمْسَى.

وفي آخرِ العَصْر أيْضاً حَديثُ: “مَنْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أن تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ العَصْرَ” متَّفق عليه.

أوَّلُ المغرب:

ج: حين وَجَبت (غابَت) الشَّمس وحَلَّ فِطْرُ الصَّائم.

ن: سُقوط الشَّمس، وفي حَديثٍ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ. وفي حَديثٍ: وَقَعَت. وفي حَديثٍ: غابَت. وفي رِوايَةٍ: تَغرُبُ. وفي حَديثٍ: وَقَعَ (وفي لَفْظٍ: غابَ) حاجِبُ الشَّمْسِ. وفي حَديثٍ: وَتَوارَت بالحِجابِ. وفي أحاديث: ينصَرفونَ منها وهُم يُبصِرونَ مَواقِعَ نَبْلِهم.

ن ق: ذكَر صلاةَ العَصْرِ، وقالَ: “وَلا صَلاةَ بَعْدَها حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ، وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ”.

آخِرُ المغرب:

ج: لوَقتِها بالأمْسِ لم يُؤخِّرها.

ن: قَبل غَيْبوبَةِ الشَّفَق (أو: قبلَ [وفي حديث: قُبَيل] أن يَغِيبَ الشَّفَقُ). وفي حديثٍ: كادَ يَغيبُ بَياضُ النَّهارِ، وَهُوَ أوَّلُ الشَّفَقِ فيما يُرَى.

ن ق: وَقْتٌ إلى أن يَسْقُطَ (في رواية: يَغيبَ) الشَّفَقُ، في رواية: ما لم يَسْقُط ثَورُ الشَّفَق. وفي حديثٍ: وَإنَّ آخِرَ وَقْتِها حينَ يَغيبُ الأفُقُ.

[ضُبِطَت هذهِ اللَّفظَةُ في بَعْضِ المصادر في طَبعاتِ بعض الكُتُب غَيرِ المحرَّرة: نور، فالأشْبَهُ أن يَكونَ تَصحيفاً، وفي بَعْضها: فَوْر. وبالثَّاء المثلَّثة في أكثَرِ الأصولِ المحرَّرة].

ووَقعَ في رِوايَةٍ: (ووقتُ المغربِ إلى أن تذهبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ) وهذا نَصٌّ على أنَّ الشَّفَقَ الحُمْرَة.

قال ابنُ خُزيمة: “فلو صَحَّت هذه اللَّفظةُ في هذا الخبر لكانَ في هذا الخبر بَيانُ أنَّ الشَّفَقَ الحُمْرَةُ، إلاَّ أنَّ هذه اللَّفظةَ تَفَرَّدَ بها محمَّد بن يَزيدَ إن كانت حُفِظَت عنهُ، وإنَّما قالَ أصْحابُ شعبةَ في هذا الخبر: (ثَوْرُ الشَّفَق) مكانَ ما قال محمَّدُ بن يزيد: حُمْرَة الشَّفَقِ”.

أوَّلُ العِشاء:

ج: حين غابَ الشَّفَق. وفي رِوايَة: حينَ ذَهَبَ شَفَقُ اللَّيلِ.

ن ق: وَإنَّ أوَّلَ وَقْتِ العِشاءِ الآخِرَةِ حينَ يَغيبُ الأفُقُ.

ن: حينَ غابَ الشَّفَقُ. وفي حَديثٍ: حينَ غَيْبَوبَةِ الشَّفَقِ. وفي حَديثٍ: حينَ يَسْوَدُّ الأفُق. وفي حَديثِ: حينَ ذَهَبَ بَياضُ النَّهارِ وَهُوَ الشَّفَقُ.

آخِرُ العِشاء:

ج: حينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ الأوَّل. وفي رِوايَة: حينَ ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْل.

ن: لا يُبالي بتَأخيرِ العِشاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وفي بعضِ الرِّواية: إلى شَطْرِ اللَّيْلِ. وفي رِواياتٍ دونَ تردُّدٍ: إلى نِصْفِ اللَّيل. وفي حديثٍ: صَلاَّها بعدَما ذهبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ. وفي حَديثٍ: قَريبٍ من شَطْرِ اللَّيْلِ.

ن ق: وَقْتٌ إلى نصفِ اللَّيْلِ. وفي روايَة: نِصْف اللَّيل الأوْسَط. وفي حَديثٍ: وَإنَّ آخِرَ وَقْتِها حينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ. وفي حديثِ عائشةَ في تأخير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مرَّة لصلاةِ العِشاء قالت: ذَهَبَ عامَّةُ اللَّيْلِ.

أوَّلُ الفَجْر:

ج: حينَ طَلعَ. وَفي رِوايَة: بَرَق. وفي رِوايَة: سَطَعَ. وفي رِوايَة: انْشَقَّ. وفي روايَةٍ ليِّنَةٍ: أضاءَ) الفَجرُ وَحرُمَ الطَّعامُ والشَّرابُ على الصَّائم.

ن: بغَلَس. وفي رواية: حين انشقَّ الفَجْرُ والنَّاسُ لا يَكادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُم بَعْضاً.

ن ق: من طُلوعِ الفَجْر. وفي حَديثٍ: وَإنَّ أوَّلَ وَقْتِ الفَجْرِ حينَ يَطْلُعُ الفَجْرُ.

وفي روايَةٍ ضَعيفَةٍ جدًّا: يُصلِّي الفَجْرَ حينَ يَغْشى النُّورُ السَّماءَ.

آخِرُ الفَجْر:

ج: حينَ أسْفَرَتِ الأرْضُ. وفي رِوايَة: أسْفَرَ قَليلاً. وفي حديث: نَوَّرَ بدل أسْفَر، وفي روايَة: والنُّجومُ بادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ. لكن في رِوايَةٍ أخرَى: أسْفَرَ جدًّا، وفُسِّرَت في رِوايَةٍ ثابِتَةٍ: حتَّى لا أرَى في السَّماءِ نَجْماً. وفي رِوايَتينِ ثابِتَتينِ أيضاً: حِينَ كادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ.

ن: يَنْفَتِلُ مِن صَلاةِ الغَداةِ حينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَليسَهُ. وفي حَديثٍ: انْصَرَفَ منها وَالقائِلُ يَقولُ: قَد طَلَعَتِ الشَّمْسُ أو كادَت. وفي حَديثٍ: إلى أن يَنْفَسِحَ البَصَرُ.

ن ق: وقتٌ إلى أن يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمسِ الأوَّلُ. وفي لفظ: ما لم تَطْلُعِ الشَّمسُ. وفي حَديثٍ: وَإنَّ آخِرَ وَقْتِها حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ.

وفي آخرِ الفَجْرِ أيْضاً حَديثُ: “مَنْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أن تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَد أدْرَكَ الصُّبْحَ” مُتَّفق عليه.

  • مُحصَّل جَمْع الرِّوايات:

هذهِ خُلاصَةُ ما وَرَدَت بهِ ألْفاظُ الرِّواياتِ الثَّابِتَةِ في مَواقيتِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ ابتداءً وانْتِهاءً، ويُلاحَظُ مِنْها الحَسْمُ في الأوْقاتِ التَّالِيَة:

1 – ابتِداء زَوالِ الشّمْسِ إلى جِهَةِ الغُروبِ بَعْدِ استِوائها في مُنتَصَفِ النَّهارِ: ابتِداءُ وَقْتِ الظُّهْر.

2 – غُروب الشَّمْسِ بغيابِ قُرْصِها عَن سَطْحِ الأرْضِ: انتِهاءُ وَقْتِ العَصْرِ، وابتِداءُ وَقْتِ المغرِبِ.

3 – طُلوع الشَّمْسِ، وظاهِرُ الرِّواياتِ بُزوغُ جَميعِ قُرْصِها فَوْقَ سَطْحِ الأفُقِ: انتِهاءُ وَقْتِ الصُّبِحِ.

كَما يُلاحَظُ منها عَدَمُ الحَسْمِ بعَلامَةٍ قَطعيَّةٍ بخُصوصِ الأوقاتِ التَّاليَة:

1 – الفَصْلِ بينَ نِهايَةِ الظُّهْرِ وبِدايَةِ العَصْر.

فألفاظُ الأحاديثِ تُداخِلُ بينَ الصَّلاتينِ، ولعلَّ ذلكَ من سِرِّ شَرعيَّةِ الجَمْعِ بينَهما للحاجاتِ، كَما أنَّ إليه يَعودُ قَوْلُ مَن قالَ من أهلِ العلمِ: إذا طَهُرَت الحائِضُ في وقت العَصْرِ صلَّتِ الظُّهْرَ أيضاً.

2 – الفَصْلِ بينَ نِهايَةِ وَقْتِ المغربِ وبِدايَةِ وَقْتِ العِشاءِ، حيثُ رَبَطَتِ النُّصوصُ ذلكَ بغيابِ الشَّفَقِ، ولم تَحْسِم المرادَ بالشَّفَقِ: هل هُوَ الحُمْرَةُ أم البَياضُ.

والَّذي ثَبَتَ لي من خِلالِ التتبُّعِ الحَصْريِّ للنُّصوصِ من السُّنَّةِ والأثَرِ ما يلي:

أ – عَدَمُ ثًبوتِ نَصٍّ من السُّنَّةِ يُفسِّرُ الشَّفَقَ بالحُمْرة، إنَّما رُوِيَ فيهِ خَبرانِ:

أحدُهما خالفَ رَجُلٌ من أصْحابِ شُعبَةَ بن الحجَّاجِ فرَوى عنْهُ في حديثِ عَبدالله بنِ عَمْرٍو في المواقيتِ: (وقتُ المغربِ إلى أن تذهبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ)، وعامَّةُ أصْحابِ شُعْبَةَ الحُفَّاظِ يَقولونَ عنْهُ: (ثَّوْرُ الشَّفَقِ) رَوى ذلكَ وبيَّنه أبو بَكْر بنُ خُزَيْمَة، والمعنى: ثوَرانُهُ وانتِشارُهُ.

وثانيهما: ما رُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله علي وسلم قال: (الشَّفقُ الحُمْرَة)، ولا يثْبُتُ عنْهُ، إنَّما الصَّحيحُ أنَّه مَوْقوفٌ، جَزَمَ بهِ البيهقيُّ.

ثُمَّ الآثارُ في ذلكَ عن بَعْضِ السَّلَفِ كابنِ عُمَرَ، مُعارَضَةٌ بالقَوْلِ الآخَرِ لآخَرينَ منهم، كابنِ عَبَّاسٍ وأنَسٍ وأبي هُرَيْرةَ، أنَّ الشَّفق: البَياض، على أنَّ الأثَرَ لا يَكونُ حُجَّةً في نَفسِهِ تأصيلاً، وجائزٌ أن يَكونَ اللَّفظُ يُطْلَقُ عليهِ بالاشتِراكِ، فيُبْحَثُ عن مُرجِّحٍ.

ب –  تَفسيرُ الشَّفَقِ بالبَياض، تؤيِّدُهُ بَعْضُ ألفاظِ الأحاديثِ الثَّابتَةِ، حيثُ ثَبَتَ من حَديثِ أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ في صَلاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: (ويُصَلِّي العِشاءَ حينَ يَسْوَدُّ الأفقُ) أخرَجَه أبو داوُدَ وابنُ خُزَيْمَة. ومن حَديثٍ جابرِ بن عبدالله عنْدَ ابنِ خُزَيْمَةَ والطَّبرانيِّ في “المعجم الأوسَط” وهُوَ صَحيحٌ: (ثمَّ أذَّنَ للعِشاءَ حينَ ذَهَبَ بَياضُ النَّهارِ وَهُوَ الشَّفَقُ).

ويُلاحَظُ: أنَّ اشتِباهَ الفَصْلِ بينَ نَهايَةِ المغربِ وبدايَةِ العِشاءِ داخَلَ وَقْتَهما عنْدَ الجَمْعِ بَيْنَهُما.

3 – آخِرُ وَقْتِ العِشاءِ، لم تتَجاوَزْ بهِ النُّصوصُ الصَّريحَةُ مُنْتَصفَ اللَّيل، لكن في قولِ عائِشَة: (حتَّى ذَهَبَ عامَّةُ اللَّيْلِ) ما كانَ مُستنداً لبَعْضِ العُلماءِ في استِمرارِ وَقْتِها إلى طُلوعِ الفَجْر.

واعتَضَدَ ذلكَ بقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لما نامُوا عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ حتَّى طَلَعَت الشَّمْسُ: “أمَا إنَّهُ لَيْسَ في النَّوْمِ تَفْريطٌ، إنَّما التَّفْريطُ على مَن لَم يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأخْرَى” أخرَجه مُسلمٌ.

كَما أنَّ فيهِ بَعْضَ الآثارِ عَنِ السَّلَف، فقد صَحَّ عَنْ عُبَيْدِ بنِ جُرَيْجٍ (وهُوَ من ثِقاتِ تابعي المدينَة)، أنَّهُ قالَ لأبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عنهُ: ما إفراطُ صَلاةِ العِشاءِ؟ قالَ: طُلوعُ الفَجْرِ([1]).

وَرُوِيَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ هذا الرَّأيُ بإسنادٍ ضَعيفٍ([2]).

ولكَ أن تَقول: هذا مُعارَضٌ بقَوْلِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ فيما كَتَبَ بهِ إلى أبي موسَى في شأنِ الصَّلواتِ الخَمْس: (وَصَلِّ العِشاءَ إذا غابَ الشَّفَقُ، إلى حِينِ شِئْتَ، فَكانَ يُقالُ: إلى نِصْفِ اللَّيْلِ دَرَكٌ، وَما بَعْدَ ذلكَ إفراطُ)([3]).

4 – تَفسيرُ الفَجْرِ الموجِبِ على الصَّائمِ الإمْساكَ، والمعلِمِ بدُخولِ وَقْتِ الصَّلاة.

وَالعَلاقَةُ بينَ الأمرَيْنِ مُتلازِمَةٌ بدَلالَةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ.

فَقالَ تَعالى: {وَكُلوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ، ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].

وعَن عائشَة، رَضِيَ الله عنها: أنَّ بلالاً كانَ يُؤذِّنُ بليلٍ، فقالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤذِّنَ ابنُ أمِّ مَكتومٍ، فإنَّه لا يؤذِّنُ حتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ”. مُتَّفقٌ عليهِ.

نَعم، ميَّزَت النُّصوصُ بيْنَ الفَجْرَيْن: الكاذِبِ، والصِّادِقِ، وجاءَت فيهِ أخْبارٌ ثابِتَةٌ:

فَقَد أشارَ إلى ذلكَ حَديثُ ابنِ مَسْعودٍ في “الصَّحيحَين” في ذِكْرِ أذانِ بلالِ الَّذي كانَ يَكونُ باللَّيلِ، إلى وَصْفِ الفَجْر الّّذي يوجِبُ الإمساكَ أنَّه المعتَرِضُ وليسَ المستَطيلَ.

يؤيِّدُهُ حَديثُ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “لا يَغُرَّنَّكُم مِن سَحُورِكُمْ أذانُ بِلالٍ، وَلا بَياضُ الأفُقِ المسْتَطيلِ هَكَذا، حتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذا” أخرَجَه مُسلمٌ، وفي لَفظٍ له: “وَلا هَذا البَياضُ حتَّى يَسْتَطيرَ”، وفي لَفظٍ آخرَ له: “وَلا هَذا البَياضُ حتَّى يَبْدُوَ الفَجْرُ، أو قالَ: حتَّى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ”، وفي رِوايَةٍ صَحيحَةٍ لأحمَدَ: “وَلا الفَجْرُ المستَطيلُ، وَلكنِ الفَجْرُ المسْتَطيرُ في الأفُقِ”، وفي لَفظٍ آخَرَ له صَحيحٍ أيْضاً: “وَلا بَياضٌ يَتَراءَى بأعْلَى السَّحَرِ”([4]).

وعَنْ طَلْقِ بنِ عليٍّ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَلا يَهِيدَنَّكُم السَّاطِعُ المصْعَدُ، فكُلُوا وَاشْرَبُوا حتَّى يَعْتَرِضَ لكُمُ الأحمَرُ”. أخرَجَه أحمَدُ وأبو داوُدَ والتِّرمذيُّ وحَسَّنَه.

وإنَّما الاشِتِباهُ وَالإشْكالُ في قَدْرِ انْكِشافِ ذلكَ النُّورِ الفاصِلِ وظُهورِهِ: هَل ابتِداؤُه أم انتِشارُه؟ ولمن من النَّاظرينَ؟ هل للفلكيِّ الماهِر؟ وأيْضاً، فهَل بالعَيْنِ المجرَّدِةِ أم بالمجاهِر؟

أضَعُ بَينَ أيديكُم هذهِ الجُمْلَة من النُّصوصِ الثَّابِتَةِ الواجِبِ أخْذُها بالاعتِبارِ:

1 – تقدَّم منْ ألفاظِها في المواقيت في أوَّل وَقْتِ الفَجْرِ: في حَديثِ جِبريلَ: حينَ طَلعَ. وَفي رِوايَة: بَرَق. وفي رِوايَة: سَطَعَ. وفي رِوايَة: انْشَقَّ.

2 – وَعَنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ، رَضِيَ الله عنهُ، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ}، عَمَدْتُ إلى عِقالٍ أسْوَدَ وَإلى عِقالٍ أبْيَضَ، فَجَعَلْتُهُما تَحْتَ وِسادَتِي، فجَعَلْتُ أنْظُرُ في اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبِينُ لي، فَغَدَوْتُ عَلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ لهُ ذلكَ، فَقالَ: “إنَّما ذلكَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَياضُ النَّهارِ” مُتَّفقٌ عليه.

3 – وعَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قالَ: أنْزِلَتْ: {وَكُلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ} [البقرة: 187]، وَلم يَنْزِلْ: {مِنَ الفَجْرِ}، فَكانَ رِجالٌ إذا أرادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أحَدُهُم في رِجْلِهِ الخَيْطَ الأبْيَضَ وَالخَيْطَ الأسْوَدَ، وَلم يَزَلْ يَأكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُما، فأنْزَلَ الله بَعْدُ: {مِنَ الفَجْرِ}، فَعَلِمُوا أنَّهُ إنَّما يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. مُتَّفقٌ عليه.

4 – وعَن زِرِّ بن حُبَيْشٍ، قالَ: قُلْتُ لحُذَيْفَةَ: أيُّ ساعَةٍ تَسَحَّرْتُم مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: هُوَ النَّهارُ إلاَّ أنَّ الشَّمْسَ لم تَطْلُعْ. حديثٌ صَحيحٌ، أخرَجَه أحمَدُ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَة.

وفي رِوايَةٍ لأحمَد، عَن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، قالَ: تَسَحَّرْتُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إلى المسْجِدِ، فمَرَرْتُ بِمَنْزِلِ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فأمَرَ بِلقْحَةٍ فَحُلِبَتْ، وَبِقِدْرٍ فَسُخِّنَتْ، ثُمَّ قالَ: ادْنُ، فًَكُلْ، فَقُلْتُ: إنِّي أريدُ الصَّوْمَ، فَقالَ: وَأنا أريدُ الصَّوْمَ، فأكَلْنا وَشَرِبْنا، ثمَّ أتَيْنا المسْجِدَ، فَأقيمَتِ الصَّلاةُ، ثمَّ قالَ حُذَيْفَةُ: هَكَذا فَعَلَ بِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ: أبَعْدَ الصُّبْحِ؟ قالَ: نَعَمْ، هُوَ الصُّبْحُ غَيْرَ أن لَم تَطْلُعِ الشَّمْسُ([5]).

5 – وَمِنَ الأثَرِ:

  • عَنِ السَّائبِ بن يَزيدَ، قالَ: أمَرَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أبيَّ بنَ كَعْبٍ وتَميماً الدَّاريَّ أن يَقوما للنَّاسِ بإحدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، قالَ: وَكانَ القارئُ يَقرأ بالمئينَ، حتَّى كُنَّا نَعتَمِدُ على العِصيِّ من طُولِ القِيامِ، وَما كُنَّا نَنْصَرِفُ إلاَّ في فُروعِ الفَجْرِ([6]).
  • وعَن أبي الضُّحى مُسْلمِ بن صُبيحٍ، قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ يَسْألُهُ عَنِ السُّحورِ، فَقالَ له رَجُلٌ من جُلَسائهِ: كُل حتَّى لا تَشُكَّ، فَقالَ لهُ ابنُ عبَّاسٍ: إنَّ هذا لا يَقولُ شَيئاً، كُل ما شَكَكْتَ حتَّى لا تَشُكَّ([7]).

حديث تقدير الأوقات في وقت خروج الدجال:

عَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعانَ الكِلابيِّ، قالَ:

ذَكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ (فذكَرَ حديثاً طَويلاً) وفيهِ:

قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما لُبْثُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: ((أرْبَعونَ يَوْماً، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسائِرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكُمْ))، قُلْنا: يا رَسُولَ الله، فَذلكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أتَكْفِينا فيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قالَ: ((لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)).

أخرَجَهُ أحمَدُ (29/172-175 رقم: 17629) ومُسلمٌ (رقم: 2137) وأبو داوُدَ (رقم: 4321) وَالتِّرمذيُّ (رقم: 2240) وَابنُ ماجَة (رقم: 4075) وَالطَّبرانيُّ في ((مُسندالشَّاميِّين)) (رقم: 614) وابنُ مَنْدَه في ((الإيمان)) (رقم: 1027) وَالحاكمُ في ((المستَدرَك)) (4/492-493 رقم: 8508) وابنُ عَساكر في ((تاريخ دِمشق)) (2/218، 220) من طَريقِ يَحيى بنِ جابرٍ الطَّائيِّ([8])، عَنْ عَبْدِالرَّحمنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أبيهِ جُبَيْرٍ بنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ، به.

قالَ التِّرمذيُّ: ((حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ))، وقالَ الحاكمُ: ((صَحيحٌ على شَرطِ الشَّيخينِ، ولم يُخرِجاه))، كَذا قال، وهُو عندَ مُسلمٍ.

وفي لَفظِ أحمَدَ وأبي داوُدَ والطَّبرانيِّ: أتَكفينا فيهِ صَلاةُ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ؟

ورَوى هذا الحديثَ عَبْدُالله بنُ صالحٍ كاتِبُ اللَّيْثِ، فقالَ: حدَّثني مُعاوِيَةُ بنُ صالحٍ، عن عَبدالرَّحمنِ بنِ جُبيرِ بنِ نُفيرٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. أخرَجَه أبو نُعيمٍ في ((مَعرفة الصَّحابَة)) (رقم: 6436).

فهذهِ مُخالَفَةٌ في الإسنادِ، ووافَقَه في اللَّفْظِ، وعَبدُالله هذا صَدوقُ في الأصْلِ، لكنَّه ليسَ بالقويِّ في الحديثِ لكَثرَةِ خطَئهِ.

وَرَوى يَحْيى بنُ أبي عَمْرٍو السَّيْبانيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبْدِالله الحَضْرَميِّ، عَنْ أبي أمامَةَ الباهِليِّ، قالَ:

خَطَبَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ، فَكانَ أكْثَرَ خُطْبَتِهِ ما يُحَدِّثُنا عَنِ الدَّجَّالِ ويُحذِّرُناهُ، فَكانَ من قَوْلِهِ (فساقَ حَديثاً طَويلاً) وفيه: ((وَإنَّ أيَّامَهُ أرْبَعونَ يَوْماً، فَيَوْماً كالسَّنَةِ، وَيَوْماً دُونَ ذلكَ، وَيَوْماً كالشَّهْرِ، وَيَوْماً دُونَ ذلكَ، وَيَوْماً كالجُمُعَةِ،،اتَ يَوْمٍ، فَكانَ من قَوْلِهِ  (218)  رقم: 614) رِو بن عَبدالله، عَنْ أبي أمامَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحوَه، وَيَوْماً دونَ ذلكَ، وَيَوْماً كالأيَّامِ، وَسائِرُ أيَّامهِ كالشَّرَرَةِ في الجَريدَةِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ ببابِ المدينَةِ فَلا يَبْلُغُ بابَها الآخَرَ حتَّى تَغيبَ الشَّمْسُ))، قالوا: يا رَسولَ الله، وَكَيْفَ نُصَلِّي في تلكَ الأيَّامِ القِصارِ؟ قالَ: ((تُقَدِّرونَ فيها كَما تُقَدِّرونَ في هذهِ الأيَّامِ الطِّوالِ، ثمَّ تُصَلُّونَ)).

أخرَجهُ نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ في ((الفتِن)) (رقم: 1554) وأبو داوُدَ (رقم: 4322) ولم يَسُق مَتنَه، وابنُ أبي عاصمٍ في ((السَّنَّة)) (رقم: 391) و((الآحادِ والمثاني)) (رقم: 1249) والرُّويانيُّ في ((مُسنده)) (رقم: 1239) والطَّبرانيُّ في ((مسند الشَّاميِّين)) (رقم: 861، 862) و((المعجم الكبير)) (رقم: 7645) وتمَّامٌ الرَّازيُّ في ((الفوائد)) (رقم: 267) وابنُ عساكر في ((تاريخه)) (2/223) من طَريقِ ضَمْرَةَ بنِ رَبيعَةَ، عَنِ السَّيبانيِّ، به.

والطَّبرانيُّ في ((الشَّاميِّينَ)) أيضاً و((المعجَم الكبير)) (رقم: 7644) من طَريقِ عَطاءِ الخُراسانيِّ، عَنِ السَّيبانيِّ، به كضَمْرَةَ.

وابنُ ماجَة (رقم: 4077) من طَريقِ إسماعيلَ بنِ رافعٍ أبي رافعٍ، عَنْ أبي زُرْعَةَ السَّيبانيِّ يحيى بنِ أبي عَمْرٍو، عَنْ أبي أمامَةَ، به، ولفظُه: (وَإنَّ أيَّامَهُ أرْبَعونَ سَنةً، السَّنَةُ كنِصْفِ السَّنَةِ، وَالسَّنَةُ كالشَّهْرِ، والشَّهْرُ كالجُمُعَةِ، وَآخِرُ أيَّامِهِ كالشَّرَرَةِ) والباقي نحوُ لفظِ ضَمْرَة.

جاءَ هذا الإسنادُ عنْدَ ابنِ ماجَة مُختلاًّ على ما نبَّهَ عليهِ الحافظُ المزِّيُّ في (تُحفة الأشراف) (4/175) حيثُ قالَ: (وهُوَ وَهْمٌ فاحِشٌ).

قلتُ: والتَّخليطُ فيهِ يَبدو أنَّه من قِبَلِ إسماعيلَ بن رافعٍ، فإنَّه منْكَرُ الحديثِ، وهُو علَّةٌ لإسنادِ ابنِ ماجَة.

والحديثُ من الوَجْهِ المجوَّدِ فيهِ عَمْرو بن عَبْدالله الحَضْرَميُّ، وفيهِ جَهالَةٌ، تفرَّدَ بالرِّوايَةِ عنْهُ السَّيبانيُّ، وقد أتى في هذا الحديثِ بِما يُعارِضُ في شأنِ الصَّلَواتِ ما جاءَ في حديثِ النَّوَّاسِ بن سَمعانَ، حينُ قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه: (وَسائِرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكُمْ)، والرَّاوي المجهولُ أو الضَّعيفُ منْكَرُ الحديثِ إذا تفرَّدَ أو خالَفَ.

وفي تَفصيلِ أيَّامِ الدَّجَّال هذهِ أيْضاً حَديثُ أسماءَ بنِ يزيدَ بنِ السَّكَنِ، قالَت: سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ:

(يُعَمِّرُ الدَّجَّالُ أرْبَعينَ سَنَةً، السَّنَةُ كالشَّهْرِ، والشَّهْرُ كالجُمُعَة، والجُمُعَةُ كاليَوْمِ، واليَوْمُ كاحتِراقِ السَّعْفَة).

أخرَجَه نُعيمٌ في (الفتن) رقم: 1556) والطَّبرانيُّ في (الكبير) (24/169 رقم: 430) من طَريقِ يحيى بنِ سُلَيمٍ الطَّائفيِّ، عَنْ عَبدالله بنِ عُثمانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَن أسماءَ، به.

قلتُ: وإسنادُهُ ضَعيفٌ، يحيى بنُ سَليمٍ ضَعيفٌ.

(آخره)


 

([1])     أخرَجه الطَّحاويُّ في “شرح مَعاني الآثار” (1/159) بإسنادٍ صَحيحِ.

([2])     أخرَجه عبدُ الرَّزَّاق في “المصنَّف” (1/584) وابنُ المنذِر في “الأوسط” (1/345) وفيهِ ليثُ بنُ أبي سُليمٍ، وهُوَ ضَعيف.

([3])     أخرَجه عَبدُ الرَّزَّاق في “المصنَّف” (1/535) بإسنادٍ صَحيحِ.

([4])     وفي مَعنى ذلكَ أيضاً من حديثِ ثَوبانَ وأبي موسى الأشْعَريِّ.

([5])     مِمَّا يُستأنَسُ بهِ شاهِداً لهذا مِمَّا يدلُّ على اعتِناءِ حُذَيْفَةَ بحِفظِ هذا الحُكْمِ: ما أخرَجه ابنُ أبي شَيبَة في “مُصنَّفه” (3/11) بإسنادٍ صَحيحٍ إلى التَّابعيِّ الفَقيهِ عامرٍ الشَّعبيِّ، قالَ: كانَ حَذَيْفَةُ يُعجِّلُ بَعْضَ سُحورِهِ ليُدْرِكَ الصَّلاةَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فبلغَ ذلكَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكانَ يُرْسِلُ إليهِ فيأكُلُ مَعَهُ حتَّى يَخرُجا إلى الصَّلاةِ جَميعاً.

([6])     أخرَجه مالكٌ في “الموطَّأ” (رقم: 302) وإسنادُهُ صَحيحٌ.

قالَ أبو السَّعاداتِ ابنُ الأثير: “فَرْعُ كُلِّ شَيءٍ أعلاهُ. ومنهُ حديثُ قِيامِ رَمَضانَ: فَما كُنَّا نَنْصِرِفُ إلاَّ في فُروعِ الفَجْر”.

([7])     أخرَجه ابنُ أبي شَيبة (3/25) وإسنادُهُ صَحيحٌ.

([8])       سَقَط (يحيى بن جابر) من إسنادِ ابنِ ماجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق