البحوث

الميثاق الإسلامي في “لبنان”

الميثاق الإسلامي في لبنان

 

(كما أقرّه المؤتمر الإسلامي المنعقد في بيروت في 19 شوال 1424 هـ الموافق 14 كانون الأول 2003م)

إنّ الجمعيات والحركات والشخصيات الإسلامية الموقّعة أدناه، من أجل التعريف بالمنطلقات الأساسية التي تحكم عملها الإسلامي، ولتوضيح صورة الإسلام، رسالة الله الأخيرة للناس أجمعين.

وتأكيداً لدورها الإيجابي البنّاء القائم على الحوار والتعاون وإرساء دعائم مجتمع فاضل يحمي الحريات والأخلاق وحقوق الإنسان.

توافقت على هذا الميثاق الذي يحدّد فهمها للإسلام ومنهجها في العمل الإسلامي ومواقفها إزاء القوى والتيارات العقائدية والسياسية، وهي تقدّمه لجميع المواطنين.

القسم الأول: المنطلقات الفكريّة

 

1– الإسلام هو دين الله الموحى به لجميع أنبيائه ورسله:

 وهو رسالة الله الخاتمة للناس أجمعين. تقوم على الإيمان بالله تعالى وتوحيده، والإيمان بجميع رسل الله وأنبيائه، وبمحمّد رسول الله ﷺ واتّباعه، والإيمان بالقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسوله هدىً للعالمين (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه، والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرّق بين أحد من من رسله) سورة البقرة الآية 285.

وهو شريعة تنظّم شؤون الفرد والمجتمع والعلاقات بين الناس، وتهدف إلى بناء المجتمع الإنساني على قواعد الرحمة والعدالة والمساواة، ورعاية الحريات التي منحها الله تعالى للإنسان، في مقابل مسؤوليته عن اختياراته.

2- العيش المشترك:

وهب الله تعالى العقل للإنسان، وأعطاه نعمة الحرّية والقدرة على الاختيار، ولذلك فقد وقع الاختلاف بين الناس منذ وُجدوا (وَلَوْ شاءَ ربُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة، وَلا يَزالونَ مُختلِفينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، ولذلِكَ خَلَقَهُمْ..) سورة هود الآية 118.

إنّ واجب الإنسان في هذه الحياة عبادة الله، ومهمته عمارة الأرض، وقد استخلفه الله تعالى لذلك (هو أنشأكم من الأرض واستعمرَكم فيها) سورة هود الآية 61، أي أمركم بعمارتها.

وهي مهمّة يشترك فيها جميع الناس، مسلمين وغير مسلمين، وهم يعيشون جميعاً على أرض واحدة، فقَدَرُهم هو العيش المشترك رغم كلّ أنواع الاختلاف، للقيام بالمهمّة المنوطة بهم.

وإذا كان لنا من خيار في “لبنان”، فهو أن نضع لهذا العيش المشترك قواعد ثابتة، يرتاح إليها الجميع، أو أن نهمل ذلك فنتعرّض بين وقت وآخر لفتن أهلية أو صراعات داخلية، تستنزف طاقة الجميع، وتزيد من تخلّفنا عن ركب الحضارة الإنسانية.

إنّ قواعد العيش المشترك في رأينا أربعة:

الأولى: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه: وهو بالنسبة لنا كمسلمين مسألة شرعية، تشمل الاختلاف الديني والسياسي، حسب التقسيم المعاصر. لقد أتاح الله تعالى للإنسان حريّة الاختيار بين الإيمان والكفر، ومع ذلك لم يحرم الكافر ممّا أعطاه لمن يؤمن به، لكنّه بيّن له أنّ الإيمان هو العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ودعاه إلى ذلك ورغّبه فيه، (لا إكْرَاهَ في الدِّين،ِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ، فمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغوتِ وَيُؤْمنْ باللَّهِ فَقَدْ استمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثقَى، لا انفصَامَ لَها واللَّهُ سَميعٌ عَليم) سورة البقرة الآية 256.

إنّ هذه الحرّية الواسعة لجميع الناس أن يختاروا ما يريدون، حتّى بالنسبة للإيمان والكفر، تستلزم حتماً الاعتراف بنتائجها، والتعامل معها وفق الضوابط الشرعية. وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا معنى أصلاً للحرّية.

الثانية: الأخلاق: وهي في نظر الإسلام قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا تتأثّر باختلاف الدين، ولا بوسائل الإنتاج، ولا بأيّ اعتبار آخر.

الأخلاق ليست أسلوب تعامل  المسلم فقط مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أو قوميّته أو دينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً.

هكذا كان رسول الله ﷺ يتعامل مع المشركين في مكّة ومع اليهود في المدينة، حتّى كانت أعظم صفة مدحه بها ربّه قوله عزّ وجلّ: (وإنّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم) سورة القلم الآية4.

والعيش المشترك في مجتمع واحد لا يمكن أن يقوم ويثبت ويترسّخ بدون أخلاق، والأخلاق عندنا في هذا الشرق العربي تنبثق من الدين، ومن رسالاته السماوية.

الثالثة: العدالة: وهي أهمّ القيم الإنسانية على الإطلاق، من أجل تحقيقها أرسل الله الرسل بالبيّنات: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالميزَانَ لِيَقومَ النَّاسُ بالقِسْطِ) سورة الحديد الآية 25. الكتاب هو مصدر العدالة.

والميزان هو وسيلة تحقيقها، لأنه يعني التوازن بين الحقوق والواجبات، وهو ما ينبغي أن تسعى إليه السلطات القائمة من خلال قوانينها التفصيلية، أو من خلال أحكامها القضائية.

هاتان القاعدتان (الثانية والثالثة) هما اللتان أشار الله تعالى إليهما في الآية الكريمة: (لا يَنْهاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذينَ لَمْ يُقَاتِلوكُمْ فِي الدّين،ِ وَلَمْ يُخْرِجوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، أَنْ تَبَرّوهُمْ وتُقْسِطوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة الممتحنة الآية 8.

الرابعة: التعاون: لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة. وقد بيّن الله تعالى أنّ التعاون مطلوب حتّى مع المشركين (..وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا، وتَعَاوَنوا علَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوَانِ..) سورة المائدة الآية 2.

لقد صدّ الكافرون المسلمين عن المسجد الحرام، وترتّب على ذلك وجود الكراهية في قلوبهم تجاه هؤلاء الكفّار، لكن هذه الكراهية لا يجوز أن تدفعهم إلى الاعتداء.

وإذا وجدوا مجالاً للتعاون مع هؤلاء المشركين فهو جائز ومطلوب بشرط واحد: أن يكون تعاوناً على البرّ والتقوى وليس على الإثم والعدوان.

وقد شبّه الرسول ﷺ أبناء المجتمع الواحد بركّاب سفينة واحدة، (فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإنّ تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) رواه البخاري.

هذا المجتمع كلّنا فيه شريك ومواطن، وأيّ عمل يقوم به البعض قد يؤثّر على الجميع، لذلك لا بدّ من الحوار والتعاون، لأنّ الفساد يرجع ضرره على الجميع، والإصلاح عندما يقوم يعود خيره على الجميع.

ولعلّ في حِلف الفُضول الذي حضره رسول الله – قبل البعثة – واجتمع فيه زعماء قريش وتعاهدوا على أن ينصروا الضعيف ويغيثوا الملهوف ويساعدوا المحتاج ويُقروا الضيْف وغير ذلك من مكارم الأخلاق.. وهو الحلف الذي قال فيه الرسول ﷺ بعد البعثة: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحبّ أنّ لي به حُمر النعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت) أخرجه ابن هشام في السيرة. هذا الحلف هو دليل قاطع على مشروعيّة التعاون بين المسلمين وغيرهم لتحقيق كلّ أمر مشروع.

3- قضية تطبيق الشريعة:

يتألّف لبنان من تسع عشرة طائفة مُعترفاً بها، ومن البديهي أنّه لا يمكن أن تفرض أيّة طائفة على الآخرين نظرتها ونظامها وتشريعاتها.

وديننا يأبى أن نفرض على الناس ما لا يريدون، والقرآن الكريم ينصّ بوضوح على أنّه (لا إكْراهَ في الدّين)، والدين في نظر الإسلام ليس مجرّد العقيدة والعبادة بل يشمل كلّ أنواع التشريع، للفرد والمجتمع.

لكن هذا التنوع لا يجوز أن يؤدّي إلى انتهاك حرّيتنا بأن نعتقد ما نشاء، وأن نعبّر عن أفكارنا في حدود نظام المجتمع وأمنه، وأن ندعو الناس إلى ما نرى أنه يسعدهم، هذه الحريات هي منحة الله تعالى للإنسان، وهي السِّمَةُ المميزة لهذا العصر، وقد كرّسها ميثاق الأمم المتحدة، وهي تؤكّد حقّنا في أن نبلّغ فكرتنا الإسلامية وأن نعمل من أجل نشرها.

إنّ المادة التاسعة من الدستور اللبناني تنصّ على أنّ (حرية الاعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب)، وإذا كانت الدولة في لبنان مدنيّة، بمعنى أنها لا تلتزم ديناً معيناً، وتختار مؤسساتها من قبل جميع المواطنين، فنحن ننطلق من حرية الاعتقاد التي كفلها الدستور، ومن أنّ لبنان دولة مدنية تحترم الأديان، لندعو إلى تبنّي أحكام الشريعة الإسلامية باعتبار أنها جزء من دينناً من جهة، ولاعتقادنا أنها تحقق أفضل تنظيم للحياة الاجتماعية بين الناس، يؤمّن العدالة للجميع ويحفظ حقوقهم دون تفريق أو تمييز، ونعتمد في دعوتنا على الحوار والإقناع وليس على فرض ذلك بالإكراه على الناس.

من حقّ غير المسلم أن يقبل هذه الدعوة أو يرفضها، لأي سبب يراه، ولقد اختار المسيحيّون في لبنان في إحدى المراحل التاريخية القريبة تطبيق الأحكام الشرعية في الإرث، وظلّوا يطبّقون هذه الأحكام حتّى صدر قانون الإرث لغير المحمديّين عام 1959.

وإذا كنا جميعاً نلتزم أسلوب الحوار وآدابه، وأن يختار الناس القوانين التي تحكمهم من خلال مؤسساتهم التشريعية، فلن تكون هناك مشكلة حين ندعو إلى تطبيق الأحكام الشرعية؟ خاصّة أنّ هذه الأحكام أكثر ملاءمة لطبائعنا الشرقيّة، وأكثر انسجاماً مع مجتمعاتنا العربيّة.

هذا هو الإصلاح الحقيقي للواقع اللبناني وللبشرية في رأينا. لكنّنا لن نسعى إلى ذلك إلاّ بالوسائل السلمية المشروعة التي تحفظ العيش المشترك والسلم الأهلي.

4- الأحوال الشخصيّة:

  • لبنان وطن لجميع أبنائه. وهو يتألّف من جماعات دينيّة مختلفة. هذا هو واقعه، وهكذا يؤكّد دستوره. هذه الجماعات الدينيّة (الطوائف) هي الأكثر تأثيراً وأهميّةً في المجتمع اللبناني. والدستور اللبناني يحترم (جميع الأديان والمذاهب، ويكفل حريّة إقامة الشعائر الدينيّة، ويضمن للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصيّة والمصالح الدينيّة).

إذاً: لكلّ جماعة دينيّة في لبنان مساحتها الخاصّة تمارس فيها (شعائرها الدينيّة وأحوالها الشخصيّة) ضمن ساحة المجتمع العامّة. لكنّ الدستور قضى بتوزيع الرئاسات الثلاث، وكذا مجلس الوزراء ومجلس النوّاب، والوظائف الكبيرة في الدّولة على أساس طائفي، وبذلك توسّعت مساحة الطوائف – خارج نطاق الشعائر الدينيّة والأحوال الشخصيّة – وتداخلت مع المساحة الوطنيّة المشتركة. وبقي مطلب إلغاء الطائفيّة السياسيّة معلّقاً بدون تنفيذ.

  • إنّ الزواج المدني أو القانون الموحّد للأحوال الشخصيّة – ولو كان اختياريّاً – ينقل القضيّة من معالجة مشكلة الطائفيّة السياسيّة التي تطال كلّ لبناني في حقوقه الإنسانيّة والسياسيّة، وهي مشكلة تتمحور حول تجاوز الطوائف لمساحتها الخاصّة ودخولها في المساحة الوطنية المشتركة، إلى محاولة انتزاع مسألة الأحوال الشخصيّة من خصوصيات الطوائف وإلحاقها بالمساحة الوطنيّة المشتركة. هذه مسألة تمسّ الدستور في أهمّ مواده التي قام عليها الكيان اللبناني. وهي تؤدّي إلى فتح صراع جديد بين الوطن والطوائف التي يتألّف منها، وهو صراع لا يمكن أن يكون في مصلحة الوطن، بالنسبة للواقع اللبناني.
  • يرى بعض اللبنانيّين أنّ مثل هذا الصراع انتهى في البلاد الغربيّة إجمالاً إلى انتزاع مسألة الأحوال الشخصيّة من خصوصيّات الطوائف، وإخضاعها للتشريع المدني. ولذلك فهم يصرّون على طرحها، وتأجيج الصراع حولها على أمل الوصول بلبنان إلى مثل هذه النتيجة. لكنّنا نقول: إنّ المجتمع اللبناني مجتمع مختلط، ليس فيه أغلبيّة دينيّة يمكن مراعاة توجّهاتها كما هي الحال في أكثر الدول التي تبنّت الزواج المدني، سواء كانت مسيحية كالدول الأوروبية، أو مسلمة كتونس وتركيا التي تبنّته بدون موافقة شعوبها، فجاءت قوانين الزواج المدني في هذه الدول معبّرة إجمالاً عن الخلفية الدينية للأغلبية. أما في لبنان فمن المحال موضوعيّا إيجاد قانون موحّد للأحوال الشخصيّة يرضى به الناس ويراعي خصوصيات الطوائف. كما أنّ الوجود الإسلامي يشكّل أكبر شرائح المجتمع اللبناني، وهو لا يمكن أن يرضى بانتزاع الأحوال الشخصيّة من خصوصيّاته الإسلامية، لأنها لا تقلّ أهميّة بالمنظور الإسلامي عن مسألة العبادة والشعائر الدينيّة.
  • إنّ دار الفتوى، باعتبارها المرجعية الرسمية للمسلمين، هي الناطق باسمهم والمكلفة بالمحافظة على خصوصياتهم، ومنها أحوالهم الشخصية. لذلك فإننا نؤكّد وجوب دعمها والتكامل معها حتى تتمكّن من تطوير أدائها في متابعة العمل الإسلامي الرسمي المتمثّل بالمحاكم الشرعية والأوقاف الإسلامية، ومن أداء دورها في رعاية العمل الإسلامي الشعبي.

5-  الإسلام والمرأة:

  • يرى الإسلام في كلّ من الرجل والمرأة (جوهر) الإنسانيّة، ووحدة الخلق والنشأة، مع اختلاف الوظيفة المناطة بكلّ منهما، ومع الاختلاف الخَلقي الذي يجعل كلاًّ منهما قادراً على القيام بوظيفته في الحياة.

– ولهذا فهو يقرّر مبدأ المساواة المطلقة بينهما في كلّ ما يتّصل بالكرامة الإنسانيّة، وبالمسؤوليّة العامّة لأنّ (النساء شقائق الرجال).

– أمّا ما يتعلّق باختلاف الوظيفة داخل الأسرة، وداخل المجتمع بين الرجل والمرأة، فإنّ الإسلام يقرّر مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات المتبادلة، وهو حقيقة العدالة لقوله لتعالى: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف) سورة البقرة الآية 228.

  • إنّ رعاية الأسرة هي أولى مهمّات المرأة بلا جدال، ولا يستطيع غيرها أن يقوم مقامها فيها. أمّا فائض الوقت والجهد حين يوجد فإنّ المرأة تستخدمه للقيام بسائر واجباتها الاجتماعية، والواجبات يتحدّد نطاقها باختلاف ظروف المرأة نفسها، واختلاف ظروف المجتمع وحاجاته وتطوّره. وهو يشمل كلّ نشاطات المجتمع الاقتصاديّة والسياسيّة وحتّى العسكريّة عندما يتعرّض الوطن للخطر.

ج-  والإسلام لا يضع الرجال والنساء موضع الحرج، ولا يوجب عليهم التأثّم من مشاركة المرأة في النشاطات الاجتماعية، وإنّما يسبغ عليها آدابه الشرعيّة كما أسبغها على سائر ميادين النشاط الاجتماعي، ويضع لها الضوابط التي تحفظها وتحفظ المجتمع، مثل حجاب المرأة، وتحريم الخلوة، وتحديد شروط الاختلاط، وغير ذلك من الأحكام المتعلّقة بمشاركة المرأة في نشاطات المجتمع. فبعضها آداب تحمي وتصون، وبعضها الآخر سدّ للذرائع أمام المفاسد والمحرّمات.

لكنّها جميعاً شرعت لتنظّم مشاركة المرأة الاجتماعية لا لتمنعها، لذلك لم يكن غريباً أن يمتلىء تاريخنا العربي الإسلامي بنماذج رائعة من النساء اللواتي كان لهنّ دور رائد في المجتمع سواء في المجال العلمي أو السياسي أو الأدبي أو حتى الجهادي.

6- الجهاد في سبيل الله:

هو بذل الجهد في كلّ عمل يرضي الله تعالى، ومنه جهاد النفس الأمّارة بالسوء، وجهاد الدعوة، وجهاد كلمة الحق أمام السلطان الجائر، وجهاد العدو باللسان أو بالسيف أو بأية وسيلة أخرى، أما القتال فقد شرعه الإسلام لأسباب محدّدة، وسمّاه جهاداً في سبيل الله، ليبقى خاضعاً للضوابط الشرعية.

وهو اليوم فريضة قائمة ضدّ أي عدوان على بلادنا العربية والإسلامية، كما يجري في فلسطين والعراق وأفغانستان، ولا يمكن أن يتحوّل ضدّ حكوماتنا أو شركائنا في الوطن، الذين نعيش معهم منذ مئات السنين في ظلّ مواثيق وعهود يجب أن يلتزم بها الجميع. لذلك فنحن لا نوافق على أي تفسير للجهاد يجعله موجهاً ضدّ المجتمع الذي نعيش فيه، أو يَطال إخواننا المواطنين من أبناء الديانات الأخرى، ويؤدي إلى خلخلة السلم الأهلي وتمزيق الوحدة الوطنيّة، ويقدّم خدمة مجّانية للعدوّ الصهيوني.

وهو أصلاً نقض للعهد لا يجوز أن نقع فيه، قال الله تعالى: (الذين ينقُضون عهدَ الله من بعدِ ميثاقِه، ويَقْطَعونَ ما أمرَ اللهُ به أنْ يوصَلَ، ويُفسِدون في الأرضِ، أولئك هُم الخاسِرون) البقرة 27. ونقض العهد يعتبر غدراً، وقد نهى الإسلام عن الغدر، قال رسول الله ﷺ : (لكلّ غادر لواء يوم القيامة يعرف به) رواه الشيخان.

7- النهي عن المنكر:

النهي عن المنكر واجب شرعي، لكنّ استعمال القوة فيه غير مشروع، إلاّ إذا كان المنكر يدخل تحت ولاية من يريد النهي عنه، لأنّه عند ذلك يكون مكلّفاً بإزالة هذا المنكر وليس مجرّد النهي عنه.

أمّا المنكرات العامّة الشائعة في المجتمع، فإنّ الواجب الشرعي إزاءها هو الإنكار باللسان وتقديم النصيحة، خاصة وأنّ محاولة استعمال القوّة لن يؤدي إلى إزالة المنكر وقد يؤدي إلى منكر أكبر. فيبقى الواجب الإنكار باللسان ومحاولة إصلاح نظام المجتمع. هذا هو الفهم الصحيح لقول رسول الله ﷺ: (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه…) رواه مسلم، لذلك نحن نرفض استعمال العنف أثناء النهي عن المنكر بكلّ أشكاله وصوره.

لكننا سنظلّ نرفع صوتنا ضدّ كلّ المنكرات التي تنتشر في لبنان، وخاصة الفساد الأخلاقي الذي تروّج له بعض وسائل الإعلام. وسنبذل جهدنا لتحصين الشباب وحماية المجتمع اللبناني ضدّ هذه الموجات.

8- الإرهاب:

الإرهاب مصطلح حديث وقع حول تعريفه خلاف كبير في كلّ بلاد العالم. لكن القَدْرَ المتّفق عليه هو: (الاعتداء على الأبرياء بالخطف والترويع، وإلحاق الأذى بهم، أو قتلهم لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لهم بها).

بناءً على هذا التعريف نقول: إنّ الإسلام يرفض الإرهاب، وهو لا يقبل إلحاق الأذى بالأفراد أو بالشعوب وحتّى بالحيوان. وحديث المرأة التي دخلت النار في هرّة حبستها معروف ومشهور. والإسلام يأمر بالرفق حتّى مع الأعداء، وينهى عن الاعتداء عليهم بدون سبب، قال تعالى: (وقاتلِوا في سبيل ِاللهِ الذين يقاتلِونَكم، ولا تَعتَدوا) سورة البقرة الآية 190. وحين يبيح القتال فهو يسمّيه جهاداً في سبيل الله، حتّى ينتزع من مبرراته كلّ هدف لا يرضي الله تعالى.

أما حين يُعتدى على الناس، في حقوقهم أو كرامتهم أو دينهم أو أرضهم، ويُستعمل في هذا العدوان كلّ ما يعتبر إرهاباً، فمن حقّهم أن يردّوا العدوان بمثله، والبادئ أظلم، والله تعالى يقول: (فَمَنْ اعتدَى عليكُم فاعتَدوا عليه بمثل ِما اعتدى عليكم) سورة البقرة الآية 194، حتى إذا تمّ ردع العدوان، فإنّ الصبر وعدم المعاملة بالمثل هو الأفضل عند الله لإشاعة جو العفو والتسامح والإصلاح بين الناس. قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لا يحبّ الظالمين) سورة الشورى الآية 40.

وحين يقع القتال يجب على المجاهد المسلم أن يظلّ متمسّكاً بأحكام الإسلام، (فلا يجوز  له قتل الأطفال  أو النساء غير المقاتلات  أو الشيوخ غير المقاتلين، أو الرّهبان في الصوامع، أو العسفاء – أي الخدم والأجراء – أو التجّار).

ولا تزال وصيّة أبي بكر “رضي الله عنه” لأوّل جيش خرج من شبه الجزيرة العربيّة لقتال الرّوم تجمع هذه المعاني وتصرّح في أوضح عبارة (.. لا تُمثّلوا، ولا تَقْتُلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأةً، ولا تعقِروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلاّ لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصّوامع، فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له..) المدونة 2/7 وتاريخ الطبري.

إننا نرفض الإرهاب من أي جهة أتى، خاصة عندما تمارسه السلطات الحاكمة لقمع أي تيار فكري أو سياسي، إسلامي أو غير إسلامي، استجابة لضغوط خارجية.

9- المقاومة:

إنّ حقّ جميع الشعوب في الاستقلال على أرضها، وردّ العدوان عنها، واختيار نظام حكمها، حقّ فطري مقدّس، كرّسته الشرائع الإلهية والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان. ولا يمكن أن توصف مقاومة أي شعب لعدو يحتلّ أرضه بأنها إرهاب. لأنّ الاحتلال هو الإرهاب بعينه، ومقاومته بكلّ الوسائل المتاحة حقّ مشروع.

لذلك فنحن نرفض كلّ قرارات الولايات المتّحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي التي تعتبر مقاومة الشعب الفلسطيني والعراقي والأفغاني إرهابياً، بينما هي تغضّ الطرف عن العدوان الصهيوني المستمرّ منذ أكثر من خمسين عاماً والذي أدى إلى قتل عشرات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ، وإلى تدمير ألوف البيوت وإحراق مساحات كبيرة من الأرض المزروعة، فضلاً عن تشريد خمسة ملايين من الفلسطينيين في أرجاء الأرض.

إننا ندين هذه المواقف التي تشجّع على العدوان والإرهاب، ونحيي كلّ مقاومة يقوم بها أي شعب من الشعوب ضدّ عدو محتلّ، لأنه يمارس حقه الطبيعي، ويستعمل أفضل الوسائل لردّ العدوان.

ونفتخر بالمقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني، ونعتبرها خير تعبير عن أصالة هذه الأمّة وعمق إيمانها. كما ندعو العرب والمسلمين حكومات وشعوباً إلى أن يقدّموا لها كلّ أنواع الدعم. فهي تقاتل دفاعاً عن الأمّة كلّها ضدّ الهجمة الصهيونية – الأمريكية.

لكننا في الوقت نفسه نفرّق بين الحكومات والشعوب. فكما ندين الإدارة الأمريكية التي تمارس العدوان وتدعم الاحتلال في فلسطين، نثمّن جهود القوى الخيّرة في المجتمع الأميركي والأوروبي التي تحترم حقوق الإنسان وتضغط على حكوماتها من أجل وقف عدوانها على المستضعفين.

القسم الثاني: المشاركة الوطنية

1- المواطنة:

المواطنة فعل انتماء إلى الوطن، يرتّب للمواطن حقوقاً ويضع عليه واجبات.

ولا يمكن للمواطن المسلم أن يطالب بحقوقه دون القيام بواجباته، كما أنه من غير المعقول أن يؤدي واجباته ثمّ يتنازل عن حقوقه. إنّ القسم الأكبر من هذه الحقوق يشترك فيها المسلم مع سائر المواطنين، وهو يحتاج إلى التعاون معهم لتحصيلها.

لبنان وطننا، والمحافظة على استقراره وعلى السلم الأهلي فيه، وإشاعة أجواء الحوار والتعاون، وكذلك العمل على تقويم كلّ انحراف وإصلاح كلّ فساد، وتطوير كلّ جوانب الحياة.. يعتبر بالنسبة إلينا واجباً شرعياً، كما هو واجب وطني.

المسلم عنصر إيجابي في أي مجتمع يعيش فيه، يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتعاون مع جميع مواطنيه في حدود البرّ والتقوى، ويحمل لواء الإصلاح في كلّ مجال، ويحارب الفساد والمفسدين (… ولا تعْثَوا في الأرض مفسدين) سورة هود الآية 85.

2- الممارسة السياسية:

الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه لعباده على الأرض، وهو يحكم كلّ جوانب الحياة الإنسانية وينظّم شؤون المجتمع في شتى الميادين، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

لا تعارض في الإسلام بين العبادة والسياسة، بل إنّ العمل السياسي نفسه يعتبر عبادة، إذا كان يسعى لرفع الظلم والدفاع عن المستضعفين ونصرة القضايا المحقّة للمواطنين. وكما أنّ الشريعة الإسلامية نظّمت للمؤمن شؤون عباداته فقد حدّدت له أصولاً وضوابط في الميدان  السياسي أو الاقتصادي أو الخدمة الاجتماعية.

إنّ واجب جميع القوى الخيّرة في المجتمع اللبناني – لا سيما الإسلامية منها – أن تتعاون وتنسق جهودها من أجل خدمة جميع المواطنين ومواجهة كيد الأعداء المتربصين.

3- النظام السياسي في لبنان:

تعتمد الدولة اللبنانية منذ نشوئها النظام الديمقراطي البرلماني الذي يقوم على إتاحة ممارسة التعددية السياسية لجميع المواطنين، ويكرّس حقّهم في اختيار حكّامهم ومحاسبتهم.

ورغم أنّ النظام السياسي الإسلامي يختلف عن الديمقراطية في بعض منطلقاته، وقد أقرّ القرآن الكريم مبدأ الشورى بقوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) سورة الشورى الآية 38 وطبقه المسلمون على تفاوت، لكنهم لم يضعوا له الآلية المناسبة لجعله ملزماً للحاكم، نظراً لطبيعة المجتمعات الإنسانية في تلك العصور، بينما وضع الغربيون للديمقراطية آليات مناسبة وطوروها مع الزمن.

ومن ذلك إقرار التعددية السياسية وحفظ حقّ المعارضة بالتعبير عن رأيها، وتكريس حقّ المواطنين في اختيار حكّامهم ومحاسبتهم عن طريق انتخابات حرّة، إنّ مثل هذه الآليات أسلوب حضاري يتناسب مع طبيعة المجتمع اللبناني، لكنّه يحتاج إلى شفافية في التنفيذ، وإلى إصدار قوانين عادلة وصارمة  تنظّم أوجه النشاط السياسي (قانون الأحزاب) وترعى إجراء انتخابات عامّة نزيهة تتساوى أمامها فرص جميع القوى السياسيّة (قانون الانتخاب).

بالإضافة إلى قوانين تنظّم عمل السلطات الثلاثة، بما يضمن الفصل بينها والتكامل في أدائها، وأن لا يكون توافقها سبباً لتغييب دور المؤسسات الرقابية. وأن لا تكون الديمقراطية جزئية أو استنسابية.

ولا يسعنا هنا إلاّ التذكير بضرورة معالجة المرض العضال الذي ينخر في جسم الحياة السياسية اللبنانية ويفسدها، ألا وهو الطائفية السياسية.

إن النصّ الوارد في الوثيقة الدستورية لجهة تشكيل “الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية” هو مدخل طبيعي لمعالجة تداعيات هذه الإشكالية المستحكمة.

بناءً على ذلك فإننا ندعو إلى مشاركة إيجابية في العمل السياسي في لبنان، تتيح لنا تطوير أدائنا بما يحقّق السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي ويساعد على تحقيق الإنماء المتوازن.

4- الأزمة الاقتصادية:

يعاني لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية أزمة اقتصادية تتفاقم يوماً بعد يوم حتّى رتّبت على البلد مديونيّة كبيرة. ورغم أنّ الدولة نجحت في تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية، إلاّ أنها لم تستطع حتّى الآن تنشيط الحركة الاقتصاديّة بما يؤدي إلى زيادة دخل المواطن وتوفير فرص للعمل، بينما زادت عليه الضرائب والرسوم بنسب كبيرة طالت الفقراء خاصّة.

ورغم أهميّة وضرورة المعالجة الاقتصادية لهذه الأزمة المستفحلة، إلاّ أننا نؤكّد أنّ وقف الهدر الكبير، ومعالجة الفساد المستشري، وإنهاء المحسوبيات في نطاق القطاع العام، وحسم قضايا كبيرة (كالأملاك البحرية، وسوق النفط، والخصخصة الإدارية، وإطلاق اتحاد إقتصادي عربي يساهم فيه لبنان ويكون حماية لأمّتنا من العولمة الاحتكارية المتوحشة، وغيرها) من شأنه أن يساهم في العلاج.

وممّا لا شكّ فيه أنّ مثل هذه المسائل تحتاج إلى تعميق الالتزام الأخلاقي لدى المسؤولين والمواطنين، وتكريس العدالة بين الجميع، واعتبار الكفاءة أساساً وحيداً لتحمّل المسؤوليّات بعيداً عن الولاءات الطائفيّة أو الزعاميّة.

القسم الثالث: الخيار العربي ومواجهة المشروع الصهيوني

1- التزامنا العربي والإسلامي:

لبنان جزء من العالم العربي والإسلامي، يتكامل معه ويتفاعل طيلة القرون الماضية. وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو قد جزأت مشرقنا العربي، فقد كان ذلك استجابة لمقتضيات مصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.

أما نحن فقد حصدنا التمزق والتفرقة وضياع فلسطين واستفراد الدول المستعمرة بأقطارنا واغتصاب ثرواتنا. وإذا كانت معظم الاتجاهات القومية تخلّت عن المطالبة بالوحدة العربية والسعي إليها، فإنّ القوى الإسلامية يجب أن تبقى وفيّة لهذا المطلب،

أولاً: لأنّ الوحدة هي الأصل الشرعي وهي السبيل لإبراز أمّة قوية، قادرة على أداء رسالتها، وصدّ أي عدوان عليها، والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية.

وثانياً: لأنّ عالم اليوم لم يعد يعترف بالأقطار الصغيرة، وإنما يتجه نحو الوحدات السياسية والاقتصادية، ورفع الحواجز الجمركية والسماح بتنقل المواطنين وتعارفهم وتواصلهم.

2- العلاقة بسوريا:

ومن هذا المنطلق تنظر القوى الإسلامية إلى سوريا، باعتبار أنها عمق لبنان الجغرافي والسياسي والاقتصادي والثقافي.

ونرى أنّ واجب ومصلحة كلّ القوى الحيّة في لبنان وسوريا التنسيق والتكامل في كلّ الميادين، ليس لمجرد الاستجابة لما ورد في معاهدة الأخوّة والتعاون، ولكن لادراكنا أنّ قدَرنا التواصل والتكامل، وهذا لا يعني ارتباطاً مؤقتاً أو مصلحياً بالقطر السوري أو بغيره من الأقطار العربية، ولكنه الالتزام المبدئي بوحدة هذه الأمّة، وبما يحقق تماسك الموقفين اللبناني والسوري أمام الهجمة الأمريكية المتحالفة مع المشروع الصهيوني، ولا يلغي تصويب أي خطأ في الممارسة سواء كان في الجانب السوري أو اللبناني.

3- العدوّ الصهيوني:

يشكل المشروع الصهيوني أكبر خطر يهدد أمتنا ووطننا، وقد استطاع منذ أواسط القرن الماضي أن يغتصب فلسطين وأن يشرّد شعبها وأن يقيم دولته بدعم من القوى العالمية وغفلة من العرب والمسلمين.

نحن نعتبر مواجهة هذا الخطر وتداعياته علينا كعرب ومسلمين ولبنانيين واجباً شرعياً ووطنياً. وبما أننا نعيش على تخوم فلسطين، فإن ذلك يلقي على كاهلنا مسؤوليات كبيرة في مواجهة هذا المشروع، ودعم حركات المقاومة الفلسطينية المجاهدة، من أجل المساهمة في تحرير الأرض المغتصبة التي بارك الله فيها، وإعادة شعبها المشرّد إليها، وتصفية المشروع الصهيوني الاستيطاني الحاقد على البشرية جمعاء، إحقاقاً للحق والتزاماً بحماية المقدسات لدينا ولدى كلّ أتباع الرسالات السماوية.

إنّ مواجهة المشروع الصهيوني تفرض على جميع اللبنانيين التعاون من أجل تحرير ما تبقى من أرضنا المحتلّة، وتقديم كلّ أنواع الدعم الممكن للشعب الفلسطيني في جهاده المتواصل لتحرير أرضه، والإصرار على مقاطعة البضائع الأمريكية، والشركات الداعمة للعدو الصهيوني، في محاولة جادة لبناء اقتصادنا الوطني، وإضعاف اقتصاد العدو.

إنّ هذا الواجب الإسلامي والوطني يفرض علينا تحمّل مسؤولياتنا تجاه إخواننا الفلسطينيين الذين شرّدهم الاحتلال وكان قدرهم أن يعيشوا معنا في لبنان.

إنّ التوطين قد يعني في النهاية تنازل الفلسطينيين عن أرضهم ووطنهم، وهو أمر مرفوض عندهم وعندنا، ونحن إذ نؤكّد على حقّ العودة لهم، فإننا نرفض حرمانهم من الحقوق المدنية والإنسانية، وخاصة حقّ التملّك والعمل أسوة بغيرهم من المقيمين على الأراضي اللبنانيّة.

ونستنكر كلّ أنواع التضييق والحصار التي لا تأتلف مع تقاليدنا، ولا مع مقتضيات الأخوّة والجوار والإنسانية.

إنّ الموقعين على هذا الميثاق، يطرحون رؤيتهم الإسلامية للواقع اللبناني على جميع المواطنين لتكون أساساً للحوار والتعاون ويؤكدون عزمهم على الارتقاء بالعمل الإسلامي في لبنان إلى درجة أفضل من التنسيق والتعاون والتكامل في جميع المجالات، وسيطلقون فيما بعد الصيغة المناسبة لتحقيق هذا الهدف إن شاء الله.


(كلمة الافتتاح للأمين العام للجماعة الإسلامية المستشار الشيخ فيصل مولوي)

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد، وعلى آله صحبه أجمعين.

أيها الإخوة الأحباب..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبارك الله هذا الجمع الكريم وهو يلتقي اليوم للنظر والتشاور فيما آلت إليه أوضاع الأمّة، ولاستكشاف المستقبل في ضوء ميثاق إسلامي راشد، يسدد مسار العاملين للإسلام وينسّق فيما بينهم، ويعيد إليهم دورهم في صياغة فجر جديد يضمن وحدة الأمّة وصمودها، ويسمح لها بأداء رسالتها في العالمين.

أيها الإخوة الكرام..

ينعقد هذا المؤتمر عشية توقيع الرئيس بوش على قانون محاسبة سوريا الذي كان الكونغرس قد أقرّه منذ حوالي الشهر، بقصد تركيع سوريا ومنعها من ممارسة دورها المساعد للمقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين.

إنّ هذا القانون يعبّر بوضوح عن مدى شراسة الهجمة الصهيونية – الأمريكية على فلسطين وعلى الأمّة العربية، وعلى العالم الإسلامي، بل على الإسلام نفسه ديناً أنزله الله تعالى رحمة للعالمين.

وقبل هذا نجحت قوى الشرّ في العالم في إقامة دولة صهيونية على أرض فلسطين، وفي تهجير الشعب الفلسطيني داخل أرضه وفي كلّ أرجاء العالم، كما نجحت في تمزيق العالم العربي إلى دويلات، تفصلها حدود مصطنعة أصبحت اليوم مقدّسة في نظر الكثيرين، وتمكّنت من إشغال معظم الأنظمة الحاكمة ببعضها، ومع شعوبها، واستطاعت استنزاف الحركات الإسلامية والوطنية في صراعات جانبية فيما بينها، ومع حكامها، حتى أصبحت أمّتنا تجاه هذه الهجمة الأجنبية المعادية منزوعة السلاح، منهوكة القوى، تفتقد الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتعاني من الصراعات الحادة في بنيانها الاجتماعي، ممّا ساعد العولمة الأمريكية المتوحشة على اختراقنا حتى العظم.

وها هي اليوم تلاحق العلماء والمؤسسات الدينية في نشاطهم ومناهجهم، وتلاحق الجمعيات الخيرية والأغنياء فتحاول التحكّم بزكواتهم – وهي عبادة دينية- وتمنعهم من مساعدة إخوانهم المجاهدين الصامدين في فلسطين والعراق وأفغانستان، بعد أن انتهت من استيعاب أكثر الأنظمة العربية والإسلامية ضمن حركتها السياسية منذ زمن بعيد.

إنّ الأولوية في ساحة العمل الإسلامي يجب أن تعطى لمواجهة هذه الهجمة الشرسة، دفاعاً عن ديننا وأمّتنا في معركة مفروضة علينا، ولا يجوز التلهي في صراعات جانبية أو معارك مفتعلة، يشعل نارها فيما بيننا العدوّ، بقصد تشتيت قوتنا حتى يتمكّن منا.

قد تكون هناك قضايا ومصالح متعارضة بين المجموعات الدينية أو العرقية في بلادنا العربية والإسلامية، وقد تكون هناك خلافات حول أولوية الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية، وحول أنظمة الحكم والدساتير، والحريات السياسية… هذه مسائل هامّة، والأصل فيها الحوار للوصول إلى الحقّ.

لكن الأهمّ منها هو الهجمة الصهيونية- الأمرريكية التي تستهدف ديننا ووجودنا كلّه، وتريد وضع أمّتنا وحكامها وأحزابها وثرواتها في خدمة مطامعها العدوانية.

من واجبنا أن نعي هذه الحقائق، فلا نشتغل بالصراعات الجانبية عن المعركة الكبرى.

إنّ مواجهة العدوان الصهيويني- الأمريكي على أمّتنا يحتاج إلى خطّة شاملة تُجمع فيها كلّ الطاقات حتى نتمكّن من الصمود ثمّ الانتصار إن شاء الله.

  • فهي تحتاج إلى هدنة ثمّ مصالحة ثمّ تعاون بين الشعوب والأنظمة رغم اختلاف درجاتها في الصمود أو الخضوع، ذلك أنّ أي معركة هنا وفي هذه المرحلة التاريخية الخطيرة تستنزف الطرفين، والمنتصر فيها مهزوم، ولا يستفيد منها إلاّ العدو. ومن واجب الإسلاميين بالذات أن ينتبهوا إلى هذا الأمر وأن يتجاوزوا الإشكالات الفقهية أو الفكرية، من أجل تحقيق (فريضة الوقت) وهي مقاومة العدوّ الخارجي.
  • وهي تحتاج إلى استقرار سياسي بين الأنظمة الحاكمة والتيارات السياسية المعارضة، وهو ما لا يمكن ان يتحقّق إلاّ بإتاحة الحريات السياسية للجميع، وتقييد سلطة الأجهزة الأمنية على الناس، مع الحرص على إشاعة أجواء الحوار، والعمل السياسي البنّاء تحت سقف الوحدة الداخلية والتزام القانون.
  • وهي تحتاج إلى إحياء قضية الوحدة بين الأقطار العربية ضمن صيغة أكثر فاعلية من جامعة الدول العربية، تبدأ بتكريس الثوابت الأساسية أننا أمّة واحدة، وبإطلاق صيغة الوحدة الاقتصادية العربية التي تمكننا من تجميع قوتنا، والاستفادة من ثرواتنا في بناء اقتصاد قوي، وتساعدنا في مقاطعة البضائع الأمريكية، ومنتجات الشركات الداعمة للعدو الصهيوني، وصولاً إلى صيغة مرنة للوحدة السياسية تحافظ على خصوصيات المجموعات الدينية والعرقية، وتجمّع طاقات الأمّة كلّها في معركة الصمود والبناء والتطوّر.

(التقرير الإعلامي)

مؤتمر الميثاق الإسلامي

يجمع مائتين وخمسين جمعية وهيئة وشخصية إسلامية لبنانية

اجتمع أكثر من مائتين وخمسين جمعية وهيئة وشخصية إسلامية لبنانية ضمن مؤتمر الميثاق الإسلامي الذي دعت إليه الجماعة الإسلامية في لبنان، وانعقد في فندق كراون بلازا في بيروت صباح اليوم الأحد 14 كانون الأول امتدّ حتى الرابعة والنصف عصراً.

افتتح المؤتمر أمين عام الجماعة المستشار الشيخ فيصل مولوي، وقال: منذ حوالي ثلاثة أشهر برزت فكرة الميثاق الإسلامي في لبنان عند إخوانكم في الجماعة الإسلامية، فوضعوا المشروع الأول، ووزّع على عدد كبير من العلماء والجمعيات والهيئات الإسلامية العاملة.

وقد تلقّت اللجنة المكلّفة بمتابعة الموضوع عشرات الإجابات الخطية التي تضمّنت تعديلات أو إضافات، كما عقدت اجتماعات مع عدد كبير من الفعاليات الإسلامية لمناقشة المشروع والملاحظات عليه، إلى أن تمّت صياغة هذا المشروع المطروح عليكم اليوم، وهي صياغة تلبّي أكثر المقترحات المقدّمة. وأشار مولوي في كلمته إلى أبرز النقاط التي تطرّق إليها الميثاق.

بعد ذلك تمت قراءة “الميثاق الإسلامي” في صيغته المقترحة، ووضعه أمام الحضور للنقاش والتعديل.

ترأس جلسة المناقشة رئيس المحاكم الشرعية السابق الشيخ ناصر الصالح، وكانت أولى المداخلات لمفتي جبل لبنان الدكتور الشيخ محمّد علي الجوزو الذي أشار إلى أن واجب المسلمين في المرحلة الراهنة إصلاح البيت الداخلي، واحترام الرأي الآخر، كما أثنى على دور دار الفتوى في الميثاق كمرجعية للمسلمين.

النائب السابق الدكتور فتحي يكن أكّد على أنّ هذا المؤتمر ليس موجهاً ضدّ أحد، إنما هو ضدّ التمزّق الداخلي وضدّ تشتت كلمة المسلمين، وأنّ هذا المؤتمر يهدف لتوحيد كلمة المسلمين.

أمين عام حركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال سعيد شعبان دعا إلى إعادة صياغة الميثاق ليكون أكثر متانة وتحديداً ودقة، ونبّه الى بعض الملاحظات.

بعدها تتالت المداخلات والمناقشات التي تركزت على الأفكار التالية:

– الدعوة الى قيام لجنة لمتابعة هذا المؤتمر حتى يكون بمثابة مجلس شورى للحركات الإسلامية

– إعطاء شؤون المرأة اهتماماً أكبر

– دعم دار الفتوى

– استكمال التواصل مع بقية الشرائح الإسلامية على الساحة اللبنانية، ومن ثم التوجه إلى بقية الطوائف.

وبعد انتهاء جلسة المناقشة، اجتمعت لجنة الصياغة برئاسة القاضي الشيخ زكريا غندور لدراسة الملاحظات والتصويبات، وخلصت إلى الصيغة النهائية التي جرى عرضها على الهيئة العامة في الجلسة الختامية. ثم جرى توقيعها من المشاركين.

وتضمن مشروع الميثاق ثلاثة محاور:

المحور الأول بعنوان “المنطلقات الفكرية” وفيه العناوين التالية: العيش المشترك، قضية تطبيق الشريعة، الأحوال الشخصية، النهي عن المنكر، الإرهاب، المقاومة، النهي عن المنكر.

ويشمل المحور الثاني “المشاركة الوطنية” العناوين: المواطنة، الممارسة السياسية، النظام السياسي في لبنان، الأزمة الاقتصادية.

وحمل المحور الثالث عنوان: “الخيار العربي ومواجهة المشروع الصهيوني” وفيه: الالتزام العربي والإسلامي، العرقة مع سوريا، العدوّ الصهيوني.

ويختم مشروع الميثاق بالقول: هذه رؤيتنا الإسلاميّة لتحقيق مصالح الوطن والمواطنين، نطرحها أمام الجميع لتوضيح فهمنا للإسلام وللعمل الإسلامي، ولتكون أساساً للحوار في هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا المعاصر، على أمل أن نلتقي دائماً على الخير والبرّ، وما يحقّق خير الوطن والمواطنين.

وعن سبب عدم مشاركة التيار الإسلامي الشيعي في المؤتمر، أجاب الناطق الرسمي باسم المؤتمر إبراهيم المصري: لقد جرى عرض مشروع الميثاق على قيادات العمل الإسلامي في الوسط الشيعي، كسماحة السيد “محمد حسين فضل الله” والإخوة في “حزب الله”، لكننا حرصنا أن تنحصر الدعوة على الوسط السنّي لأن شارعنا السنّي يعيش أزمة بارزة في الخطاب الديني كما يعيش بعض الممارسات الخاطئة باسم الدين”.

وهل سيكون الميثاق ملزماً للأطراف الموقعة عليه؟

أجاب المصري: “الميثاق يهدف إلى تشكيل رؤية واضحة للعمل الإسلامي في “لبنان” تلتقي عليها القوى المشاركة، ولا يهدف ليكون برنامج عمل لهذه القوى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق