البحوث

الأسرى المسلمون في أوروبا الغربية خلال القرون الوسطى المتأخرة

الأسرى المسلمون في أوروبا الغربية

خلال القرون الوسطى المتأخرة

 

بروفيسور

بيتر شورد فان كوننجسفيلد[1]

 

ينقسم التاريخ ما قبل الحديث للإسلام في أوروبا الغربية إلى قسمين رئيسيين:

– أولاً: كانت هناك مناطق، منذ بداية القرن الثامن وحتى نهاية القرن الخامس عشر، تحت حكم السلاطين المسلمين حيث كان الإسلام يشكل دين الأغلبية على مر العصور. فإلى جانب الأندلس، كانت هناك أيضا العديد من جزر البحر المتوسط والثغور الإسلامية الصغيرة في كل من جنوب فرنسا وإيطاليا.[2]

– ثانياً: هناك تاريخ للإسلام في غرب أوروبا باعتباره دين الأقلية، إذ بدأ هذا التاريخ في حوالي مستهل القرن التاسع، حين قرر الحكام المسيحيون، خاصة في شبه الجزيرة الأيبيرية، عدم الاستمرار في قتل أسري الحرب المسلمين واستخدامهم كعبيد بدلا من ذلك.[3]

وقد زادت هذه الظاهرة بشكل واضح مع بداية القرن الحادي عشر، حيث تواجدت في البلدان المسيحية لشبه الجزيرة الأيبيرية وفي إيطاليا وجنوب فرنسا وكذا في صقلية وجزر البليار، أعداد متباينة من المماليك والأسرى المسلمين.[4]

ووجود هؤلاء في تلك المناطق إلى حدود القرن التاسع عشر وحتى إلغاء العبودية، يمكن إثباته من خلال الوثائق.[5] ويتسم تاريخ هؤلاء العبيد والأسرى المسلمين بإجبارهم علي التنصر والاندماج التام في المجتمع المسيحي.

ولقد شكلت الفترة ما بين بداية القرن الثاني عشر والسادس عشر مرحلة خاصة بالنسبة لبعض مناطق شبه جزيرة أيبيريا، فحين سيطر الحكام المسيحيون في الشمال على عدد كبير من مناطق أسبانيا المسلمة منحوا لأسباب عملية نوعا من الحرية الدينية والحماية للجاليات الإسلامية المتبقية في مناطق نفوذهم. على الرغم من عدم ترحيب الكنيسة بهذا الأمر.

ويدل على ذلك مثلاً أنها وافقت في “مجمع فيينا” سنة 1311 على حظر كل مظاهر الشعائر الإسلامية كالأذان فوق المساجد.[6]

لم يستمر وجود هذه الأقلية -التي اعتُرف بها رسميا- في أسبانيا المسيحية طويلا بعد سقوط غرناطة عام 1492. فبعد ذلك أجبرت على التنصر بشكل جماعي وأطلق على أعضائها “الزنادقة الضالون” ثم تم إبعادهم مع بداية القرن السابع عشر إلى شمال أفريقيا.[7]

لكن وكما سبقت الإشارة – لم يضع ذلك حداً في الحقيقة لتواجد العبيد المسلمين في أوروبا الغربية بما ذلك أسبانيا.

إن موضوع التاريخ الثقافي للمماليك والأسري المسلمين في أوروبا الغربية لم يدرس بعد بما فيه الكفاية.

وكل ما هو متوفر من كتابات المؤرخين حول هذا الموضوع يتعلق بالمجال الاجتماعي والقانوني والاقتصادي، حيث اهتموا بهذ الأقليات المسلمة في إطار البحث العام في تاريخ العبودية في تلك البلدان.

أما العمل الرائد في هذا المجال فقد قام به الباحث البلجيكي المتخصص في تاريخ القرون الوسطى السيد فيرليندن Verlinden.[8]

وأما الدراسات الإسلامية لهذه الأقليات اعتماداً على المصادر الإسلامية المتوفرة فإنها مجال غير مطروق حتى الآن.

وأود بهذه المساهمة أن أسطر بداية متواضعة لمثل هذه الدراسات حيث أقتصر هنا على مرحلة القرون الوسطى المتأخرة.

وسوف أركز في تناولي للموضوع أساساً على الرؤية التي تطرحها المصادر العربية لهذا الظاهرة، ثم أعمل على استكمال تلك الصورة من خلال طرحها من المنظور المسيحي الأوروبي.

1.    الظاهرة من منظور المصادر الإسلامية:

غالباً ما تستخدم المصادر الإسلامية لفظة أسير في الإشارة إلى المسلم الذي أسره المسيحيون، وقد أطلق هذا الاسم أيضا على من تم بيعهم من الأسري وسقطوا بذلك في قيد العبودية حسب وجهة النظر القانونية الغربية.

إلا أن الشريعة الإسلامية لم تعترف البتة بذلك المساس الطارئ على الوضعية الشخصية للأسرى المسلمين، بل على العكس من ذلك ظل الأسير متمتعا بكامل حقوقه من حيث المبدأ، الأمر الذي كانت تنتج عنه مشاكل في مجال الزواج على سبيل المثال.

حيث تعرض الفقهاء المسلمون للقضايا الناتجة عن الفصال الاضطراري بين الزوجين، فهل يجوز للزوجة التي أسر زوجها لسنوات عدة عند الروم مثلا وهي تجهل مكانه أن تطلب الطلاق؟[9] وما حكم الزوجة التي تعلم مكان زوجها الأسير عند النصاري ولكن لا يمكنها مراسلته بأي حال؟[10] هل يجوز الزواج الذي يعقده مالك نصراني بين مملوكيه المسلمين في دار الحرب؟ وما حكم هذين الزوجين عند عودتهما إلى دار الإسلام مع ابن ولد لهما في بلاد الروم؟ وما حكم هذا الابن في الشريعة الإسلامية؟[11] لقد أوجد علماء المسلمين لكل هذه القضايا حلولا عملية وإنسانية زخرت المصادر الإسلامية بشروح مفصلة لها كما جرت العادة بذلك.

وكانت القضية الأساسية التي شغلتهم هي تحرير أحبتهم وإخوانهم المسلمين من العبودية والعمل على عودتهم سالمين إلى ديار الإسلام.[12]

فكان الفداء أفضل السبل لتحقيق ذلك، حيث اعتبر الإسلام هذا الأمر بمثابة مسؤلية ملقاة على عاتق المجتمع المسلم، فكان يستعان ببيت مال المسلمين،[13]

وكان الناس في حالات أخرى يلتمسون من السلطان أن يبادل أسرى النصارى بإخوانهم المسلمين بدل فدائهم بالمال،[14] كما كان جمع التبرعات يتم في المساجد بأمر من السلطان.[15]

وتدخل السلطة في فداء الأسرى المسلمين جعل القضية شأنا حكوميا، وبالطبع هناك أمثلة كثيرة على افتداء الأسرى المسلمين نتيجة لجهود البعثات الخاصة أو في إطار الإتفاقات الدولية.[16]

إلا أن تحرير الأسرى والسهر على عودتهم سالمين على يد السلطان كان له أثر كبير في رفعة شأنه. ولهذا نجد مثلا مؤرخ الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف من القرن الثاني عشر يثني عليه ثناءأ عظيما لأنه افتدى سكان أشبيلية الذين وقعوا في أسر الجيوش القشتالية: “وأنقذهم من ربقة عبودية الكفر إلى حرية الإسلام”.[17]

بمعني آخر أنقذهم من التنصير وتسميتهم بالأسماء المسيحية التي كانت غالبا ما تلي أسرهم ومن ثم عبوديتهم.

من البديهي أن تبادل الأسري كان فيه عزاء وتسلية لأولائك الذين لم يساقوا بعد إلى أسواق العبيد، حيث كانت هذه حال المحظوظين والبارزين من الأسرى الذين كانوا يخضعون لعملية تصفية أولية يوضعون بعدها تحت تصرف الملوك المسيحيين قصد استخدامهم والمتاجرة بهم.

في حين كان يتم توزيع الغالبية العظمى من الأسرى خفية على أسواق العبيد بأسرع ما يمكن ومن ثم يجري توزيعهم على صعيد دولي بعد ذلك.

إلى جانب هذا الاهتمام الرسمي من السلطات الإسلامية، كانت هناك أيضا مبادرات فردية أدت إلى إيجاد وظيفة خاصة عرفت باسم “الفكاك”.

وغالباً ما كان هذا الفكاك تاجراً أو صاحب علاقات دولية لديه الاستعداد للعمل على افتداء الأسرى خلال رحلاته التجارية، حيث كان يبرم العقود مع المالكين الأحرار من أجل افتداء أسرى معينين في بلاد النصارى مقابل مبالغ مالية محددة.

ولقد عرفت نشاطات هؤلاء الفكاكين من خلال المصادر الأوروبية، حيث كان المدعو “على الغرناطي المسلم” على سبيل المثال مقيما خلال عام 1404 في منطقة غوسيون Roussillon جنوبي فرنسا قصد افتداء الأسرى المسلمين.[18]

وكانت عقود الفداء معروفة آنذاك حيث أورد العديد من مؤلفي الأندلس نماذج من هذه العقود ضمن باب الوثائق في كتبهم.

فنجد مؤلفاً من القرن الثاني عشر قد علق على أحد تلك النماذج في عصره بأنه غالباً ما كانت تلحق بالعقد شروط إضافية منها ما هو جائز ومنها ما هو باطل، ومما هو جائز مثلا النص القائل بأن المفتدي يحتفظ بحقه في المال المتفق عليه حتى وإن لاذ المفدي بالفرار.

ويجوز له أن يثبت هذا الأمر بواسطة شهادات المفتدين الآخرين من الأسرى المسلمين.

و يذكر المؤلف مما اعتبره باطلاً شرطاً إضافياً كان يتفق عليه بزيادة مبلغ على المال المتفق عليه بقصد تغطية النفقات الزائدة التي قد تنجم عن السفر كتأدية المكوس التي كان الروم يفرضونها مثلاً.

ومما هو باطل أيضا شرط ينص على أن الفكاك يتفق مع وكيل الأسير على أن يتحمل مسؤولية عودة الأسير إلى موطنه رغم أنه مسؤول فقط عن تحريره وليس عن عودته.

ويعتبر المؤلف العادة التي جرى بها العمل من إمكان الرجوع في مبلغ الفداء باطلة أيضا.[19]

أما قضية عدالة الشاهد وهل تجرحها إقامته في دار الحرب أثناء الحادثة التي تتعلق بها شهادته فكانت موضع جدال بين الفقهاء، حيث تناول ابن رشد (المتوفى عام 1126) قضية أسير أقر بأنه افتدي بمبلغ أقل من الذي تم جمعه بقصد تحريره، فشهادة هذا الأسير تثبتها شهادات غيره من الأسرى الذي كانوا معه.

وابن رشد يسلم بقبول تلك الشهادات قائلا أن الإقامة خارج دار الإسلام، باعتبارها تمس عدالة الشاهد في نظر خصمه، إلا أنها استدعتها في الواقع الضرورة ومن ثم لا تقدح في شهادته.[20]

وفي البلاد المسيحية ظهرت على نفس النسق مؤسسة عرفت بـ “alfaqueque” وهي المقابل لمصطلح الفكاك في العربية.

حيث كان غالب الفكاكين من اليهود الذين يتحملون مسؤلية مرافقة الأسرى إلى البلاد الإسلامية وفي طريق عودتهم يرافقون الأسرى المسيحيين إلى بلادهم.

ومما لا ريب فيه أن حكام النصارى لم يكونوا يترددون في بيع أسرى الحرب مباشرة للحصول على المال وذلك نتيجة للمعارك والحصار الذي كان يستنذف خزائنهم. وكان الفكاكون يزاولون مهنتهم تلك بترخيص حكومي، مما جعلهم يتبوئون مكانة هامة في هذا الشأن.[21]

أما الأقليات المسلمة التي كانت تعيش تحت حكم النصاري في أسبانيا فقد عملت جاهدة على تحرير الأسرى المسلمين من الرق، حيث كان أولائك العبيد المحررون ينخرطون في تلك المجتمعات المسلمة المحلية[22] وقد استطاعوا في بعض الأحيان اجتذاب بعض العلماء من بين المحررين فكانوا يشكلون حافزاً جديداً لتنشيط حركة دراسة الإسلام وسط تلك المجتمعات التي كان مستواها في العلوم الشرعية مضمحلاً.[23]

فضلاً عن ذلك كان جهد الأسير نفسه من الوسائل الأخرى التي يمكن بها الافتداء، حيث كان يحاول بشتى السبل جمع المال المطلوب لتحريره.

وهكذا نقرأ في وثيقة ترجع إلى عام 1303 وهي عبارة عن رخصة من قاض مسلم إلى أسيرين مسلمين تجيز لهما أخذ الزكاة من المسليمن في مملكة بلنسية التي يحكمها ملك أراغون، حتى يتمكنا من افتداء نفسيهما.[24]

في بعض الحالات وخاصة عندما يكون المالك مقتنعا بإخلاص عبده له كان يسمح للأسير بجمع هذا المال من خلال عمل مشرف أو ممارسة صنعة ما خلال فترة محددة.

ومما يتبادر للذهن أن أصحاب الحرف النادرة والنخب المثقفة، والتي سيأتي الحديث عنها لاحقاً، كانوا يحظون دون غيرهم بتلك المعاملة المتميزة. إلا أن عدة اعتبارات أخرى سؤاء كانت اقتصادية أم جغرافية كان تلعب دورا في هذا المجال.

ففي جزر البليار مثلا حيث يعتبر فرار الأسير من المستحيلات، كان الأسرى المسلمون الذين يجلبون من أماكن أخرى يسعون لنيل حريتهم بأنفسهم.

ومن ثم ساد الاعتقاد بأن العبيد في مثل هذه الظروف كانوا يجهدون أنفسهم أكثر من غيرهم، وعلاوة على ذلك فلم يكونوا بحاجة لحراسة دائمة ومكلفة.[25]

كان من تلك المحاولات أيضا أن يقوم الأسير بمراسلة أهله في موطنه ويطلعهم على مكانه والمبلغ اللازم لفداءه. ومن الأمثلة على تلك المراسلات رسالة بعث بها ابن برطلة الخطيب المشهور من مدينة مرسية في القرن الثالث عشر حين أسره النصارى.

فقد نظم هذا الخطيب قصيدة على بحر الرجز وجه فيها نداءه إلى إخوانه المسلمين ليستدر عطفهم وشفقتهم. وقد أطلق على قصيدته هذه “ذكرى المتفجعين وبشرى المسترجعين”.[26]

أما في حالة عدم توافر المال فكانت بعض العائلات تجعل أحد أبناءها رهنا عند المالك حتى يتمكن الأب المسرّح من جمع المبلغ المطلوب منه.

وكما هي العادة كان الفقهاء يواجهون تلك المشكلات عند وقوعها، وكان الابن الرهينة يشترط -في حالة وفاة الأب قبل جمع المال المطلوب لتحريره- أن يتم فداءه من ميراث أبيه قبل تقسيمه.

وإضافة إلى ذلك كان يتم افتداء أسير مهدد بتقديم أبناءه كرهينة. وكان الفقهاء يحكمون على جميع سكان حصن تخلصوا من الأسر عن طريق رهن أبناءهم، أن يساهموا كل على حسب طاقته في جمع المال المطلوب لافتداء جميع الأبناء الرهائن.[27]

وأخيراً فقد كانت هناك مبادرات من الجانب الأوروبي أيضا لافتداء الأسرى المسيحيين الذين وقعوا في العبودية عند المسلمين.

ومنذ القرن الثالث عشر اهتمت بهذا الشأن عدد من الجمعيات الدينية والروابط اللائكية (خاصة الخيرية) والتي ساهمت مراراً في عملية تبادل الأسرى والعبيد المسلمين في بلاد النصاري بإخوانهم المسيحيين في بلاد المسلمين.

فمع نهاية القرن الثالث عشر تأسست “جمعية الثالوثيين” Trinitaires بمبادرة من يوحنا المتي (من مقاطعة بروفانس Provence في فرنسا) وكان هدفها تحرير العبيد النصارى وافتداءهم من البلاد الإسلامية. حيث أعطى أعضاء الجمعية العهد على تخصيص الثلث من ممتلكاتهم لفدية الأسرى. أما مع بداية القرن الرابع عشر فقد أسست رابطة “مريم الرحيمة” في برشلونة لنفس الغرض أيضاً.[28]

من الحالات الاستثنائية في هذا المجال التدخلات الكتابية للصوفي “الحرّالي” من شمال أفريقيا والذي توفي في دمشق عام 1240.

حين بعث برسالة بديعة الأسلوب إلى السلطات الكنسية في مدينة تركونة Taragona الأسبانية حيث كان يوجد عدد من أفراد أسرته بين الأسرى. وأكد الحرّالي في رسالته على وحدة الجنس البشري حيث كتب إلى قسيس تركونة ليفك أسرهم قائلاً: “بسم الله ولا حول ولا حول ولا قوة إلا بالله الذي خلق البشر من نفس واحدة وبرأ أبدانهم كلها من أديم الأرض الواحدة فجعلهم بالحقيقة ذوي رحم واحدة لو تعارفوا حق المعرفة بما اشتركت فيه أبدانهم وانفردت بالنفس الواحدة نفوسهم وتحققت بروح الله أرواحهم، ما تقاطعوا ولا تسافكوا الدماء ولا تواثبوا تواثب الأسد على النعاج…”

في هذه الرسالة يستدرج المؤلف أقرانه من النصارى الأسبان للنظر إلى أبعد من الحدود الدينية المعروفة نافيا عن تلك الحدود معناها الجوهري.

فدعوة إبراهيم الأب الأول للروم والعرب تنبني في رأيه على أسس عميقة ومشتركة بين المسلمين والمسيحيين. ويستند الحّرالي في رسالته هذه ضمنياً على الموقف الصوفي المعروف من وحدة الوجود فمن بين ما يعتقده القائلون بهذا الرأي أن الديانات التاريخية ما هي إلا تجليات ومظاهر لجوهر واحد مشترك بين الإنسانية جمعاء.

ويقتفي الحّرالي هنا أثر معاصره المتصوف الأندلسي محيي الدين بن عربي من مدينة مرسية، إلا أن تلك الرسالة قد أثارت شعور قسيس تركونة فعلق عليها قائلا أن صاحبها قد تجاوز الفوارق الدينية. وفي الأخير أطلق سراح أعضاء عائلة الحّرالي.[29]

إضافة إلى تلك الوسائل المادية التي ذكرناها كانت هناك طرق روحية أخرى مختلفة تماما تنتهج لفداء الأسرى، خاصة عن طريق شفاعة الأولياء والصالحين الذين تنسب لهم في هذا المضمار ملكات خاصة.

فمن ناحية كان الأمر يتعلق بكرامات عرضية وطارئة تحدث على أيدي شخصيات دينية معروفة حال حياتهم، ومن جهة ثانية كان هناك أولياء صاروا بعد وفاتهم “متخصصون” في حل مثل تلك المسائل.

ولم يكن بمقدروهم فداء الأسرى فحسب، بل كانوا يقومون بتدابير وقائية لتلافي سقوط المسافرين في يد النصارى.

وكان هؤلاء الأولياء المسلمون – كما هو شأنهم في كل في كل زمان- بمثابة أطباء نفسيين أيضا، خاصة من خلال الحكايات التي تشاع عنهم والدعوات التي توجه إليهم.

فقد كان الحديث عن كرامات الأولياء وإجلالهم بمثابة العزاء والتسلية للأسير وأهله على حد سواء حيث كان ذلك يجعلهم يفكرون في إمكانية الخلاص ولو بمعجزة..

إن أقدم مثال معروف لدينا حول هذا التدخل المعجز ينسب إلى أحد كبار علماء قرطبة وهو المحدث والمفسر المشهور بقي بن مخلد المتوفى عام 889.

فيقال أن امرأة بائسة لم تكن تملك ما تفتدي به ابنها الأسير عند النصارى لجأت للشيخ تطلب منه المعونة، حينئذ تمتم الشيخ بدعاء وبعد مدة قصيرة عادت المرأة ومعها ابنها وهو في صحة جيدة.

فحكى الأسير أن السلاسل الحديدية في كعبيه سرعان ما تكسرت ولم يستطع أحد من النصارى ولا حتى من القساوسة إعادة القيد لمكانه، وحينها أدركوا أنه يحظى بعناية ربانية خاصة فأطلقوه بل ورافقوه إلى ديار الإسلام.[30]

ومثل هذه الكرامات تنسب إلى الصالحين أيضاً في عصور لاحقة، فمثلا الزاهد الأندلسي الشرفي من القرن الثاني عشر، عرف كيف يرخي الأغلال الحديدية في رقبته وتمكن بعد ذلك برفقة صديق له من قطع المسافة التي استغرقت يوماً كاملاً عند أسره في بلاد النصارى، قطعاها في ساعات قليلة في الاتجاه المعاكس وفي الطريق إلى الحرية. [31]

ومما يحكى أيضا أن الشاطبي وهو من صالحي الأندلس في نفس المرحلة، صد مائة من فرسان النصارى الذين راموا القبض عليه. وفي واقعة أخرى استطاع أن يغير اتجاه الرياح مما جعل سفينة مسيحية محملة بأسرى المسلمين ترتطم باليابسة وتتحطم بحيث تحرر أسرى المسلمون ولقي النصارى ما يستحقون من جزاء.[32]

كما كان “الشستري” الولي الأندلسي ينادي على الأسرى فكان المنادى عليه يحيّا في ديار الإسلام في اليوم التالي.[33]

كان ريحان الأسود من الأولياء المشهورين في مدينة سبتة على مضيق جبل طارق حيث كان القراصنة المسيحيون يضربون عادة عسسهم.

كان هذا الشخص مقدساً لدى الخاصة والعامة إذ كان اسمه بمثابة رمز: فريحان الذي يعني الحبق أيضاً، كان كثيراً ما يطلق على العبيد، وكلمة الأسود تدل كذلك على نفس المعنى.

يقال أن إمرأة أسر النصارى زوجها وكان ملاحاً، فطابت من الشيخ التدخل لافتداء زوجها فلم يمر وقت طويل على دعاء الولي حتى عاد الرجل لزوجته سالماً.

وهكذا كان ريحان الأسود الولي والحامي للملاحين والمسافرين وأصبح قبره من أهم الأضرحة التي يتعبد فيها في سبتة كما كان العلماء يعتبرون الدفن بجواره شرفا عظيما.[34]

أما في فاس حوالي القرن منتصف القرن السادس عشر فكان يعيش الولي الصالح رضوان الجنوي نجل أحد الرعايا الجنوبيين الذين رحلوا إلى شمال أفريقيا أواخر القرن الخامس عشر واعتنق الإسلام وكان متزوجاً بامرأة يهودية اعتنقت الإسلام أيضاً.

وتنسب لهذا الرجل كرامات في الاستشفاء ببركته وافتداء الأسرى والعثور على المفقودات والمسروقات والعبيد الهاربين وكذلك الحتماء به من الكوارث كالحرائق وانهيار المنازل.

بذل رضوان الجنوي جهده لتحرير أسرى الحرب بعد معركة وادي المخازن التي دارت بين المغرب والبرتغال، وأدان السلطان المغربي المنصور حينئذ عندما اختار تحرير أسرى النصارى مقابل المال بدلاً من استبدالهم بأسرى المسلمين عند البرتغال.[35]

وعموما فالروايات التي تشاع حول دور أولائك الأولياء في فداء الأسرى تعبر عن مدي التأثير المأساوي الذي لعبته هذه الظاهرة القاسية في حياة الناس اليومية خلال القرون الوسطى.

2- الأسرى المسلمون العلماء:

هناك مجموعة خاصة من بين الأسرى المسلمين كانت تتشكل من نخبة صغيرة من المثقفين استخدموا لإنجاز بعض المهام الخاصة.

وعلى كل يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من العلماء حسب كفائتهم، فبداية كان أصحاب العلوم الدنيوية من العرب مطلوبين بكثرة. فكان الأطباء المسلمون سباعون في أسواق العبيد بأثمان باهظة كما كانوا يحاطون بتقدير كبير من قبل السلطات العامة.[36]

وهكذا استطاعت السلطات المحلية لمدينة فيلافرانكا Villafranca أن تتحصل على طبيب مسلم عبد ومتخصص في علاج أمراض العيون.

وحين علم بذلك ملك أراغون بيدرو الرابع Pedro IV أمر حكام المدينة المذكورة كي يبعثوا بهذا الخبير إلى برشلونة لمدة محددة ليعالج أحد أعوانه الذي كان مصابا بمرض خطير.[37]

وكانت علوم أخرى غير الطب متاحة من خلال الأسرى المسلمين، ومما لا ريب فيه أن أحسن مثال على ذلك هو الجغرافي المغربي “الوزان الفاسي” الغرناطي الأصل.

فحين كان عائداً من رحلته إلى مصر عبر البحر أسره القراصنة الصقليون وفي حوزته المسودات الدراسية التي وضعها خلال رحلته حول أفريقيا.

وعندما علم القراصنة بالقيمة العلمية الفريدة لغنيمتهم قدموه هدية إلى البابا ليون العاشر Leo X في روما والذي نصّر العالم المسلم في السادس من يناير عام 1520و سماه باسمه الخاص يوحنا ليونز خلال هذه المرحلة الجديدة من حياته تعلم ليون الأفريقي اللغة الإيطالية كما ألف كتابه “وصف إفريقيا” اعتماداً على ملاحظاته الدراسية، هذا الكتاب الذي ظل لعدة قرون أهم مرجع جغرافي في أوروبا فيما يتعلق بالعالم الإسلامي وخاصة أفريقيا المسلمة.

ولقد درس اللغة الغربية في بولونيا وساهم في إعداد معجم عربي-عبري-لاتيني، مما يجعله أحد الممهدين الأوائل لعلم تأليف قواميس اللغات السامية المقارنة. في حوالي 1550 سمح لليون الأفريقي بالرحيل إلى تونس، أما سنة وفاته فما تزال مجهولة.[38]

فريق آخر من العلماء المسلمين الأسرى استخدموا لنسخ المخطوطات العربية، حيث كان الناس في أسبانيا المسيحية في أمس الحاجة إلى النصوص العربية لممارسة الطب العربي مثلا ودراسة الفلسفة الإسلامية إلى جانب اهتمام الأوروبيين المتزايد بترجمة النصوص العلمية العربية عامة.

ويمكن الوقوف على مساهمات الأسرى المسلمين خلال القرنين الثاني والثالث عشر في نسخ المخطوطات العلمية العربية من خلال خواتيم تلك المخطوطات، حيث كان هؤلاء النسّاخون يختمون كتبهم بتاريخ الكتابة والتوقيع إضافة إلى أدعية يعبرون فيها عن رغبتهم في الخلاص من قيد الأسر الذي يرزحون تحته.[39]

ومن العبارات الدالّة على ذلك ما كتبه نسّاخ مسلم من برشلونة عام 1166 حيث أتبع اسمه بالدعاء التالي: “فك أسره ورحم من قال آمين حين يقرأه”.[40]

وفي مخطوط آخر من طليطلة يعود إلى عام 1227 يتبع نسّاخ آخر اسمه بهذا الدعاء “استنقذه الله لا رب سواه”.[41]

وفي مخطوط يرجع إلى نفس المرحلة أيضا يشير نسّاخ مسلم بعد ذكر اسمه إلى أنه يوجد أسيرا في طليطلة ويختتم بالدعاء التالي: “أطلق الله سبيله”،[42] هذا النسّاخ الأخير يدعى يوسف بن محمد التنيوخي اللوشي وقد حرر من الأسر فعلا وتوفي عام 1261 في غرناطة حيث دفن بحضرة السلطان الذي كان عنده خطيبا وصاحب القلم الأعلى، وكتب التاريخ العربية التي تتضمن نبذة عن حياته تذكر له أيضا أبياتا من الشعر يعبر فيها عن تجارب حياته حيث يقول:

ليس للمرء اختيار في الذي     ***     يتمنى من حراك أو سكون

إنـما الأمـــر لــرب واحـــد     ***      إن يشأ قـال له كن فيكون[43]

في أحيان أخرى يذكر النسّاخون أيضا أسماء مالكيهم ومن هم في خدمتهم، حيث كان الأمر يتعلق غالبا بأصحاب المكتبات المرموقين من اليهود.[44]

وهكذا كان الأسرى المسلمون ناقلي المخطوطات يلعبون دوراً وسيطا في نشر العلوم والفلسفة الإسلامية في العالم المسيحي وخاصة في المرحلة التي بلغ فيها تأثير الثقافة العربية في أوروبا الغربية أقصى مداه.

أما بعد القرن الثالث عشر فقد أصبحت المخطوطات العربية المنقولة من طرف الأسرى المسلمين في البلاد المسيحية نادر جداً؛ وفي القرنين الخامس والسادس عشر لا نكاد نجد سوى نسخ قليلة.[45]

أما علماء الدين من الأسرى المسلمين فقد كان هناك اهتمام كبير بهم من الجانب المسيحي، إذ كانت دراسة الإسلام واللغة العربية من الشروط اللازمة لتأهيل المبشرين المكلفين بتبليغ تعاليم الإنجيل إلى من كانوا يطلقون عليهم “الوثنيون”.[46]

وكان الرهبان الفرنسيسكان والدمونيكان خصوصا نشطين في هذا المجال حيث أسسوا لهذا الغرض مراكز تعليمية خاصة.

ومن العلماء الذين لعبوا دورا مهما في هذا المجال عالم اللاهوت الكتالوني “ريموندس لولوس” Raimundus Lullus الذي تلقي على مدار سنوات مبادئ العربية والإسلام على يدي عبد مسلم، ومما يروى أن العالم المسلم (العبد) أنكر في حديث له مع لولوس ألوهية المسيح والأقانيم الثلاثة وفقا لتعاليم القرءان، فرد عليه لولوس مستهزءا بالنبي محمد وصفعه على وجهه بل وضربه على رأسه وجميع جسده. فلم يجد العالم المسلم المغلوب على أمره إلا أن يستأنف تعليم ريموندس لولوس العربية والقرءان والشريعة، وبعد محاولة فاشلة لقتل سيده وضع العبد المسلم في السجن حيث مات مخنوقاً.

وقد وردت هذه المأساة التبشيرية في السيرة الذاتية لهذا اللاهوتي الكتالوني.[47]

لم يكن هذا المثال للعالم المسلم العبد الذي كان في خدمة ريموندس لولوس هو الوحيد من نوعه، فقد كان للعلماء المسلمين الأسرى الذين عملوا كأساتذة دور هام في الدراسة الأولية للإسلام والعربية في أوروبا الغربية المسيحية خلال القرون الوسطى المتأخرة.

ومما يدل على ذلك دلالة واضحة وقائع حياة العالم المسلم محمد بن خروف التونسي الأصل من القرن السادس عشر.

فقد أسر الأسبان هذا العالم وانتهي به الأمر مملوكا عند راهب أجبره على تعليمه كتاب المفصل المشهور في النحو للزمخشري.

بعد ذلك تحرر بن خروف من الأسر بوساطة العالم الفاسي المشهور أبو عبد الله اليسيتني لدي السلطان الوطاسي.

حينها قرر ذاك القس الأسباني الذي كان أحد الأنساب المقربين لحاكم غرناطة،  أن يرافق بن خروف إلى فاس لمتابعة دراسته للغة العربية على يده هناك.

غير أن العالم الفاسي اليسيتني أفتى بحظر تلك الدروس رغم وعد بن خروف للقس الأسباني قبل تحريره.

وكانت حجة الفتوى حسب العالم المسلم أنه لا يجوز تعليم اللغة العربية لغير المسلم وذلك حسب المذهب المالكي خشية أن يستخدمها الأخير في الطعن على كلام الله.

وقد درّس بن خروف بعد افتداءه عام 1540 وحتى وفاته علم الكلام وعلم الأصول والبلاغة، حيث نال شهرة عالية في مجال العلوم العقلية.[48]

لقد ألف ريموندس لولوس وغيره كثيرون، كتبا حول المناظرات بين علماء الدين المسلمين وخصومهم المسيحيين، وكانت هذه الكتب تستخدم كمناهج دراسية لتأهيل الطلبة المبشرين.

وبطبيعة الحال كان المناظرون المسيحيون ينتصرون دائما في تلك المجادلات الكلامية.

إلا أن كثيراً من الناس يعتقدون أن هذه الحوارات الجدلية المناهضة للإسلام هي وليدة الخيال الأدبي ولم تجر على أرض الواقع.[49]

من الطبيعي أن يكون شكل ومحتوى تلك النصوص وليد حجرات الدراسة، لكن مسألة اتخاذ العالم المسلم العبد كموضوع تجربة في المناظرات الدينية مع الأساقفة المسيحيين، ظاهرة معروفة.

ويبدوا هذا الأمر جلياً من خلال مجموعة من المخطوطات العربية التي كتبها هؤلاء العلماء المسلمون بعد تحريرهم في غالب الأحيان وعودتهم سالمين إلى أوطانهم.[50]

لكن في تلك النصوص نجد النصر حليف المناظر المسلم على خصمه النصراني.

أقدم مثال على هذه المناظرات نجده عند الخزرجي المولود بقرطبة عام 1125 والذي أسر إلى طليطلة المسيحية عن عمر يناهز الواحد وعشرين عاما، حيث وجد نفسه مضطرا للدخول في نقاش ديني بين قس وأقلية مسلمة محلية.[51]

فلما علم القس بتدخل الخزرجي بعث له برسالة حاقدة حول عظمة المسيحية ودناءة الإسلام، إلا أن الخزرجي لم يجرؤ على الرد على القس في حينه والتزم السكوت: “وامتنع من مراجعة القس تخوفا منه لكونه يومئذ مدجنا بين أظهر القوم وفي قبة ديانتهم”.[52]

ولما ألح عليه مسملوا تلك المدينة وكان وقت رحيله قد دنا، كتب رسالتة في الرد على القس بعنوان “مقامع الصلبان في الرد على عبدة الأوثان”.

والعدد الكبير من عمله هذا تشهد على الشهرة الكبيرة التي كان يتمتع بها خاصة في شمال أفريقيا.[53] ورسالة الخزرجي كما وصلتنا وضعها كاتب مجهول حيث جمع فيها رسالة القس ورد الخزرجي عليها في كتاب واحد.

يقول الباحث المغربي بن تشريفة في مقاله حول “التسامح الديني وابن ميمون والموحدون” استنادا إلى كتاب المراكشي الذي سيأتي ذكره: “ومن الغريب أنه –لما كان كفيفا- أملى كتابه المذكور في الأسر علىمملوك له من أبناء الروم كان قد علمه الكتابة”.[54]

إلا أن هذه الخلاصة التي لا نستنتجها بوضوح من كتاب المراكشي تبدوا غير صحيحة فهي لا توافق مسألة سقوط الخزرجي نفسه في العبودية مباشرة بعد أسره في طليطلة فكيف له بامتلاك عبد رومي.

لربما كان العبد الرومي المذكور في خدمته خلال حياته في ديار الإسلام فحسب، وإذا سلمنا أن الخزرجي كان كفيفاً فعلاً خلال أسره فمن الأقرب للصواب أن أفرادا من الجماعة المسلمة المحلية في طليطلة هم الذين مدوا له يد العون في تصنيف كتابه.

ومن المحتمل أيضاً أن يكون الكتاب قد صنف بعد عودته مؤلفه سالماً إلى قرطبة وفي تلك الحالة يكون العبد الرومي المشار إليه هو الذي ساعده في تحرير كتابه.

ويبدوا أن هذا الرأي الأخير أقرب إلى الصواب، إذ يذكر المراكشي نفسه أن مملوك الخزرجي كان “يكتب كل ما يؤلف أو يصدر عنه من نظم أو نثر”.

وقد يكون هذا العبد الرومي المجهول هو الذي زود الخزرجي بالكثير من المعلومات التي استخدمها في كتابه حول المسيحية.

وهكذا فإن القول بأن الخزرجي قد صنف كتابه قبل عودته إلى مسقط رأسه لا أساس له من الصحة.

ونفس الحكم يمكن أن ينطبق أيضا على قول المراكشي: “وتركه (يعني كتابه) في نسخ بأيدي جماعة من المسلمين المبتلين بالأسر هناك لما يسر الله في تخلصه فانفصل عنها سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة”.[55]

ومن ثم فالخلاصة التي انتهى إليها بن تشريفة تبدوا مبنية أساسا على تأويل حرفي لمقدمة الكتاب.

هناك أيضا شواهد مفصلة محفوظة من نص يرجع إلى حوالى نهاية القرن الثالث عشر لمؤلف يدعى عبد الله الأسير حيث يحتمل أنه كان يناظر في مدينة مونبولييه الفرنسية.[56]

أما في كتالونيا فكان الأسير التونسي الأصل محمد القيسي يناظر هناك حوالي عام 1309، ويعتبر كتابه الذي لم ينشر بعد وثيقة تاريخية فريدة من نوعها.

فالمؤلف الذي كان كفيفا يقول أنه لما أراد تسجيل تجاربه في كتاب لم يجد من يقوم بمهمة تحرير هذا الكتاب بالعربية: “لبعد ديارنا وانقطاعنا عن أهل ملتنا لا طالب يطلب ولا كاتب يكتب”.

إن المؤلف يتحدث عن أسره في البلاد المسيحية باعتباره خزي وذل يستعصي وصفهما، فوسط حزب الشيطان كان يرغم على المجادلة مع القسيسين والرهبان حول الإسلام.

لقد عاش هذه الفترة من حياته في حالة مشينة كما يقول: “حتى سلبني عقلي وصيرني لا أملك قياد (كذا) قولي وما أحسبني إلا أني أنظر إلى قبري قبل انقضاء عهدي”.

خاصة بسبب الخطر القائم في القدح في محاوره المسيحي إذا هو أبان عن رأيه بكامل الصراحة، وهنا يلوم المؤلف نفسه لعدم الأخذ بنصح والده له، الأمر الذي أدى في النهاية لسقوطه أسيراً في أيدي النصارى، ويعترف في الوقت نفسه بأن السبب الأساسي لأسره كان ذنوبه التي عاقبه الله عليها بالعبودية، وهكذا يفسر المؤلف سنوات غربته وأسره تفسيراً دينياً.[57]

كتب محمد الأنصاري الأندلسي في القرن الخامس عشر مؤلفا لم ينشر بعد أيضا بعنوان “رسالة السائل والمجيب وروضة نزهة الأديب” حيث خصص الفصل الأخير منه لمجادلاته التي خاضها في قشتالة أثناء إقامته هناك كأسير.[58]

ولقد قسم رده على المآخذ المسيحية حول الإسلام إلى ستة مجالس وقعت حسب ما ذكره في كل من شلمنقة ومجريط وشقوبية، أما الأشخاص الذين جادلهم فكانوا مثلاً من خدام البلاطات والأساقفة والرهبان والوعاظ والشمامسة.

ويذكر المؤلف أنه حضر محاضرة في جامعة شلمنقة وبعد انتهاءها خرج في رفقة الخطيب وقسيس الاعتراف الخاص بالملك* عبر رحبة الكنيسة العظمى في طريقه إلى مسكنه المجاور، وأثناء ذلك دار بينهما الحوار التالي:

“فلما بلغنا وسط الكنيسة رأيت صورا من الخشب مطلية بأنواع “الألوان” محكمة الصنعة تخيل للناظر أنها تكلمه، فجعلت أسألهم عنها وأسوق لهم المعلوم سوق الجاهل مغرضا بهم ومستدرجاً للأسقف، فقلت وقد وقفت على صورة عيسى مصلوبا على خشبة الصلب ويداه مسمرتان وكان الدم يقطر منهما:

من هذا المسكين؟

قال لي: أوما تعرفه؟

قلت: لا!

قال: هذا عيسى بن مريم

قلت: فما له على هذه الحالة؟

قال: أولست تعلم أن اليهود صلبوه؟

قلت: لا علم لي بذلك!

قال: فأنه كان من قصته كذا وكذا.

فقلت: أليس هذا من تزعمون أنه إله؟

قال: بلى!

قلت: فإن إلها تصلبه اليهود ولا ينتصر لنفسه؟

فعلم أني كنت أتجاهل مستدرجا له الكلام،

فقال: قصة المسيح من الخفاء والغموض بحيث لا يهتم لها المسلمون ولا كثير من النصارى لدقتها وخفاءها، إلا من أيد بتأييد إلهي مثل علمائنا وإنما أنظاركم معشر المسلمين جلية لا تذكر ونحن قد خصنا الله تعالى بهذا السر الخفي واتخذناه عهدا يؤمن به عوامنا تقليدا لا علما.

قلت: ليت علمائكم مثل عوامكم إذا كان يرجى لهم الفلاح وكيف لعوامكم بفهم ما تستحيله العقول وبديعة المعقول والمنقول ، بل من أين ذلك لعلمائكم فضلا عن عوامكم؟

قال: فإن صحت لك الحكمة في ذلك هل تعتقده صوابا؟

قلت: إن قبله العقل وعضده النقل اعتقدته، وإن كان صوابكم في كل ما تزعمون ضربنا به الأرض!

قال: فإن الحكمة في صلب المسيح والتحامه في بطن أمه مريم هي أن آدم (عليه السلام) لما خالف أمر الله بأكله من الشجرة استوجب بذلك النار هو وجميع ذريته من النبيين وغيرهم[59] وإنهم كانوا في النار أجمعين بسبب ذنب أبيهم حتى صلب المسيح وأريق دمه، فحينئذ كسر أقفال النار فأخرجهم منها، فلما أراده من الصلب حل في بطن مريم والتحم فيها وصار إنسانا ذا جسم كسائر البشر واحتمل معاناة الصلب والقتل ليخلصنا من النار بحكمته وفضله إذ لم يمكن في الحكمة الإلهية أن يعاقب آدم على ذنبه لأنه عبد ومنزلته حطيطة بالنسبة لمنزلة مولاه وسيده، فاقتضت حكمته أن يقتص من إله مثله فأخذ الجسم كما ذكر وصبر على صلب اليهود وامتهانهم ليخرج صفوة خلقه الأنبياء من الجحيم. فعل ذلك وأراده بفضل رحمته ورأفته فهو الإنسان التام من جهة الجسم و الإله التام من جهة الروح”.

قال المؤلف: فلما ملأ أسماعي من التشنيعات الكفرية المستحيلة عقلا ونقلا ضحكت متعجبا.

فقال: مما ضحكت؟

قلت: ما كنت أحسب أن الجهل يبلغ بكم هذا المبلغ العظيم الذي لا يجوز على الحيوان البهيمي!”[60]

3- الظاهرة من المنظور الأوروبي الغربي:

لقد كان الرق والعبودية ظاهرة اجتماعية واقتصادية هامة في حوض البحر المتوسط خلال القرون الوسطى وقد أقرها الإسلام والمسيحية معا. نتجت مؤسسة العبودية… [61][62][63]

إلى هنا نهاية ص 12 وص 13 مفقودة…

من بداية ص 14:

العبيد الدولية فإنها كانت في النهاية مبنية على المصالح المشتركة للطرفين الإسلامي والمسيحي. ومن ثم فقد كانت ذات طابع “سلمي” في إطار القانون الدولي آنذاك، لقد جلبت هذه التجارة العبيد الأفارقة خاصة بقوافلها عبر الصحراء وعن طريق شمال أقريقيا إلى جنوب أوروبا.

فيما بعد حوالي عام 1470 تحول اتجاه قوافل العبيد إلى غرب أفريقيا أي إلى الموانئ التي أنشأها البرتغال بما فيها غينيا.[64]

خلال القرون الوسطى المتأخرة أصبحت نسبة العبيد الذين يعيشون في دول جنوب أوروبا محدودة، فقد كانت علاقات القوى الدولية المتذبذبة هي التي تحدد نسبة العبيد المسلمين بين مجموع العبيد الموجودين في بلد وزمن معين.

ففي صقلية مثلا خلال القرن الثالث عشر كانت أغلبية العبيد ذوي الأصول الإسلامية ينحدرون من أسبانيا المسلمة والمغرب.

أما في القرن الرابع عشر انعكس الوضع فأصبح أغلب العبيد هناك -وفي صقلية خصوصا- من اليونان والتتار والألبان والبلغار والروس والترك.

وعلى عكس ذلك زاد في القرن الخامس عشر عدد العبيد الأفارقة بسبب صعوبة المنافذ  إلى أسواق العبيد في أوروبا الشرقية نتيجة تزايد سلطة الأتراك وسقوط القسطنطينية.[65]

كان العبيد ذوي الأصول الإسلامية في جنوب أوروبا خلال القرون الوسطى المتأخرة ممثلين في مختلف قطاعات المجتمع.[66]

نجدهم فلاحين وحرفيين وخدما في الأديرة وعند الرهبان، كما كان من النساء خليلات ومطربات أو مستخدمات في بلاط النبلاء.

ومن البديهي أن هذه المجموعات كانت همزة الوصل في لقاء الثقافتين الإسلامية والمسيحية في القرون الوسطى، خاصة في مجال الثقافة المادية والعلوم التقنية والموسيقى والشعر والقصص.

يمكن إثبات بعض تلك الحالات على أساس الوثائق، فمثلا هناك حالة عبد مسلم حرره سيده شريطة أن يعلمه العبد فنا خاصا في صباغة الحرير التي كان العبد وحده على معرفة بها في حين كان هذا الفن غير معروف في البلاد المسيحية.[67]

ومن المعروف أن الغالبية العظمى من أولائك العبيد المحررين لم يعودوا إلى أوطانهم، وقد تزامن اندماجهم في المجتمعات الأوروبية مع عملية تنصيرهم وتعميدهم حيث كان العبيد المسلمون يجبرون على التنصر واتخاذ ألقاب مسيحية قبل بيعهم أول مرة. وفي الوثائق المتعلقة بهذه القضية غالبا ما كانت تتم الإشارة إلى أصولهم الإسلامية بشكل عام وأحيانا تذكر أسماؤهم الإسلامية السابقة.

في أحيان أخرى ومع نهاية القرن الحادي عشر كان التنصير وتغيير الأسماء يجريان بعد البيع الأول. في دير القديسة مريم في سبرادو Santa María de Sobrado في إقليم لاكورونيا كان يتم تنصير العبيد المسلمين مباشرة بعد وصولهم فكان المسمى “غالب” يطلق عليه “توماس” و”على” يدعى “لورينتيوس” Laurentius… إلخ.

أما وضعيتهم الدينية قبل التنصير فكان يتم الإشارة إليها -في الوثائق المتعلقة بهذا الشأن- بـ “الوثنيون” Païens.[68]

غير أن هناك في الحقيقة عددا من الأمثلة المعروفة للعبيد الذين حافظوا على أسمائهم الإسلامية مما يدل على أنهم لم ينصّروا.[69]

إلا أنهم لم يتمتعوا بالحرية الكافية لممارسة شعائر دينهم. أما أطفال العبيد المسلمين فكانوا أيضا ينصّروا مباشرة بعد ولادتهم.[70]

لم يكن التنصير الفعلي للعبيد المسلمين في حقيقة الأمر نتيجة ضغط مادي مباشر-مما يتعارض وتعاليم الكنيسة- بل كان نتيجة ثقل الضغط الاجتماعي، حيث كان تحسين الوضع الاجتماعي للعبد كالترقي مثلا من عبد إلى قن أو التحرر الكامل- يلعب دورا هاما في هذا المجال.[71]

وهاتين الوسيلتين لتحسين الوضعية الاجتماعية للعبد كانت تحدث في البلاد المسيحية بعد عملية التنصير. غير أنه لم يكن يلتزم بهذا الشرط بدقة وخصوصا في مناطق من أسبانيا المسيحية حيث كانت الأقليات المسلمة تتمتع بنوع من التسامح الديني. ففي قانون طرطوشة Codex de Tortosa كان التنصير شرطا لازما للتحرر ولكنه لم يكن سببا له، فقد كان للمالك المسيحي الحق في بيع العبيد المسلمين المنصّرين.[72]

من العوامل الأخرى التي دفعت العبيد المسلمين إلى التنصّر، الرفاهية المادية التي كانوا يعيشون فيها أثناء عبوديتهم.

فقد صدر مثلا قانون في صقلية عام 1310[73] أوجب استبعاد كل المعوقات التي تقف في وجه تنصير العبيد المسلمين بالاستزادة في تبليغهم تعاليم الإنجيل.

وبتأثير هذا القانون يبدوا من خلال العقود زيادة ملحوظة في عدد العبيد المسلمين المنصّرين.

كما كان الملاّك الذين يمتنعون عن تنصير عبيدهم يعاقبون بتحرير أولائك العبيد، بينما يسمح لمن ينصّرون عبيدهم بالاحتفاظ بهم مع الأمر بمعاملتهم كـ “إخوان” بعد تنصيرهم وأن يكون المالك “عادلا ورؤفا وخفيفا” عند عقابهم على مخالفة ما.

إلا أن هذا لا يعني أن السيد لم يكن يعاقب عبده المنصّر في حالات الضرورة بضربه مقيدا بالسلاسل. لكن هذا القانون قد منع من صفع أو جرح أو قطع عضو من أعضاء أجسام المنصرين الجدد أو وضع علامات على جباههم أو وجوههم.

كما منع أيضا شتم العبيد أو سب أصلهم أو وسمهم بـ “الكلاب المرتدة”. وعلى الرغم من كل هذا فقد كان وضع العبيد المسلمين أدنى من أقرانهم الأرثوزكس من أصل يوناني مثلا والذين كانوا يحررون بعد مضي سبع سنوات وبعد أن يعاد تنصيرهم في الكنيسة الكاثوليكية.

أما اليهود فلم يكن يسمح لهم بامتلاك عبيد مسيحيين[74] ولذا كان العبيد المسلمون يشكلون خطرا لهم بسبب إمكانية تنصّرهم.[75]

من ثم كانت القاعدة السائدة في تجارة العبيد بين اليهود والمسيحيين هي التنصيص في العقود التجارية على أن البائع المسيحي يشترط على نفسه اسعادة العبد المسلم وإرجاع ثمنه إلى المالك اليهودي إذا ما قرر العبد المسلم الدخول في المسيحية.[76]

وتثبت العديد من الوصايا القروسطوية أن التنصر كان وسيلة للتحرر حيث كان يتم تحرير العبيد بعد عدد معين من السنوات في خدمة مالكيهم شريطة التنصّر.[77]

وإذا صح القول فإن تنصير العبيد المسلمين كان ضرورة لاندماجهم التام، حيث كان الأمر يؤدي بهؤلاء العبيد المنصّرين إلى الخضوع للقواعد والقوانين الكنسية بما في ذلك محاكم التفتيش مما أدي لصعوبة محافظتهم على عقيدتهم الإسلامية.

إلا أن عمليات تنصير العبيد المسلمين الواقعة تحت ضغط اجتماعي كانت ما تؤدي غالبا إلى التشبث بالعقيدة الإسلامية بشكل سري.

وبعبارة أخرى أدى هذا الواقع إلى ظهور نوع من الإسلام المستتر يمكن مقارنته بالإسلام الذي كان يمارسه الموريسكيون خفية في أسبانيا قبل نفيهم في بداية القرن السابع عشر.

وآثار تلك الطرق الخفية للحفاظ على العقيدة الإسلامية نجدها مثلا في ملف محاكمة ترجع لبداية القرن الرابع عشر ضد أحد فرسان الهيكل في الدولة البابوية.

حيث المستجوب غوالتيريوس Gualterius أحد فرسان الهيكل شهد أن زميله ألبرتوس Albertus بعد انتماءه لتلك الطريقة دعاه لها شريطة أن يجحد الاعتقاد بالمسيح، وردا على سؤاله: لكن بماذا سأؤمن إذن؟ أجابه ألبرتوس قائلا: بذلك الإله الواحد الأكبر الذي يعبده المسلمون.[78]

من أجل معرفة تجارب الحياة الدينية للأسرى والعبيد المسلمين في أوروبا الغربية، يمكن إلى حد ما الرجوع إلى الآثار الدينية الأصيلة النادرة التي تركها بعضهم. هذا مثلا شأن ديوان الشاعر الأندلسي عبد الكريم القيسي من القرن الخامس عشر حيث يحتفظ بمجموعة من القصائد التي ترجع إلى مرحلة أسره في مدينة آبرة البرتغالية.[79]

كانت إحدى تلك القصائد في مدح النبي يختمها بدعاء للخلاص، نقتطف منها هذه الأبيات:

يا موثقاً بين العدي بقيوده     **     يجني لديهم ذلة وصغارا

حكم الإله عليه بالأسر الذي     **     ما في عظيم بلائه يتمارى

اصبر لحكم الله وارض بما قضى    **     تكتب لديه من الأنام خيارا

وسل السراج بجاه أفضل مرسل    **    اترى له من عاجل أسرارا

فبجاهه رفع الإله شدائدا    **    عن خلقه كانت تهول ونارا[80]

وفي خاتمة قصيدته يتوجه الشاعر بدعاءه إلى النبي قائلاً:

فاشفع لنا لربنا في كربنا    **    يا خير هاد نهتدى ونجازا

فلك الشفاعة في غد مخصوصة    **    ولك الوسيلة في الجنان جهارا

صلى عليك الله ما بلغ المنى   **     من أم قبرك في القبور وزارا

وابتل قطر الزهر من قطر الندى    **     وسرى النسيم يرقم الأشجارا[81]

* * *

وبناء على ما تقدم تجدر الإشارة إلى أنه على المؤرخين للمسيحية أن يأخذوا في اعتبارهم احتمال وجود مسلمين متسترين بين المجموعات المسيحية التي يدرسونها.

وبالنسبة لأسبانيا يمكن إثبات وجود هؤلاء المسلمين بناء على الوثائق العربية حتى القرن التاسع عشر.[82]

إن إرغام هذه الأقليات المسلمة على التنصّر من أهم العوامل التي تفسر لنا النجاح الذي تلقاه اليوم حركات الإحياء الإسلامية في الغرب حيث يعاد اكتشاف الإسلام كهوية أصيلة مفقودة.

وهذا لا يهم فقط ما يسمي بالصحوة الإسلامية وسط أقلية مسلمة من أصل أسباني خاصة في إقليم أندلوسيا،[83] بل يتعلق أيضا بالمسلمين السود في الولايات المتحدة الأمريكية.[84]

إلا أنه لا يهم في هذا الصدد معرفة إن كانت هذه الأقليات تنحدر مباشرة من سلف مسلم، إنما المهم هو أن هذه الأقليات المسلمة تجد في الإسلام عنصر إلهام ترى فيه استعادة لمجد ثقافة وهوية مهضومتين، خاصة وأن الضغط على الإسلام ومحاربته في الغرب كان واقعا تارخيا.

هكذا تتضح لنا حدود رؤية تاريخية حقيقية لوضع الإسلام في غرب أوروبا اليوم وذلك من خلال دراسة مصائر الأسرى والعبيد المسلمين وذريتهم وكذلك القمع الذي مورس ضد عقيدتهم الإسلامية.

إن هذا التاريخ الذي ما يزال في معظمه مجهولا يمكن اعتباره مرحلة تتصدر ما قبل تاريخ الجاليات الإسلامية في غرب أوروبا منذ نهاية القرن التاسع عشر وإلى اليوم.

من خلال هذه الرؤية التاريخية يتضح لنا كيف أن عوامل مثل عصر التنوير والثورة الفرنسية وإعلان الحرية الدينية كحق إنساني وإلغاء العبودية لعبت جميعها دورا جوهريا في مرحلة الانبعاث الجديدة لتاريخ الإسلام في الغرب والتي نشهدها اليوم.[85]

[1] نص الخطاب الافتتاحي لتقلد منصب أستاذ كرسي للتاريخ الديني للإسلام في غرب أوروبا. ألقي الخطاب في جامعة ليدن بتاريخ 4 فبراير 1994.

ويشكر المؤلف زملاءه على إشاراتهم القيمة وملاحظاتهم النقدية، خاصة منهم الدكتور بسكنس والسيد ناجي مصطفي والأستاذ الدكتور قاسم السامرائي والدكتور فيخرز والدكتور محمد طحطح.

[2] إن كتاب R. Arié, España musulmana (siglos VII-XV). Barcelona 1984.  يتضمن عددا من العناوين للدراسات والمصادر الأولية المتعلقة بتاريخ أسبانيا المسلمة. يجد القارئ دراسة شمولية حول التاريخ الإسلامي لجزر البليار عند: ع. س. سيسالم، جزر الأندلس المنسية. التاريخ الإسلامي لجزر البليار. بيروت 1984. فيما يتعلق بتاريخ الإسلام في صقلية انظر:

Ahmad, A history of Islamic Sicily. Edinburgh 1975, وكذا U. Rizzitano, Storia e cultura nella Sicilia Saracena. Palermo 1975.

بالنسبة لفرنسا وسويسرا انظر:

Colonia Saracena di Lucera e la Sua Destruzione. Napels 1912. K. Versteegh, the Arab Presence in France and Switzerland in the 10th century. “Arabica” 37 (1990), 359-388.

[3] J. I. Ruiz de la Peña, Siervos moros en la Asturias medieval. “Asturiensia Medievalia”, 3 (1979), 139-61, esp. pp. 140-142; cf. J .M. Ramos y Loscertales, El cautiverio en la Corona de Aragon durante los siglos XIII, XIV y XV. Zaragoza 1915, 188/pp. (text) + LXXVI pp. (documents), esp. p. 122.

[4] لأخذ نظرة عامة انظر:

C.E. Dufourcq, La vie quotidienne dans les ports méditerranéens au moyen age. Provence, Languedoc, Catalone. Paris 1975, ch. 6, pp. 124-48: “La guerre sur mer et ses corollaries: L’esclavage et le cycle des représailles”.

بالنسبة لجنوب فرنسا وأسبانيا:

  1. Verlinden. L’esclavage dans l’Europe medieval. I (Péninsule Ibérique, France). Bruges 1955.

بالنسبة لإيطاليا: نفسه

 L’esclavage dans l’Europe medieval. II (Italie, Colonies, italiennes du Levant latin, Empire byzantin) Gent 1977.

بالنسبة لأراغون: Ramos Loscertales (1915)

فيما يخص نفارا وأراغون:

  1. de Hinojosa, Mexquinos y exaricos. Dastos para la historia de la servidumbre en Navarra y Aragón. “Homenaje a D. Francisco Codea en su jubilación del profesorado”.

بالنسبة لأستوريا: Ruiz de la Peña Zaragoza 1904, pp. 523-531. (1979)

بالنسبة لبلنسية:

  1. Cortes, La esclavitud en Valencia durante el reinadode los Reyes Católicos (1479-1516). Valencia 1964; R.I. Burns, La manumission de un musulman: un documento doble de Valencia en 1300. “Sharq al-Andalus”, Vol. 5, 1988.

بالنسبة لإقليم أندلسيا: A. Franco Silva, La esclavidud en Andalucía 1450-1550. Granada 1992.

جنوب فرنسا:

  1. Verlinden, Esclavage noir en France méridionale et courants de traite en Afrique. .

“Annales du Midi” 78 (1966), 335-43.)

طبعة منفصلة في: “Studia Historica Gandesia” nr. 53, 1996

نفسه:

Les esclaves musulmans du Midi de la France. In “Islam et chrétiens du Midi (XII-XIVS)”, Toulouse 1983, 215-34.

بالنسبة لصقلية: نفسه

L’esclavage en Sicile sous Frédéric II d’Aragon. “Homenaje a Vicens” 1 (1965), 675-90

طبعة منفصلة في: ” Studia Historica Gandesia” nr. 44, 1996.

بالنسبة لجزر البليار:

  1. Lourie, Free Moslems in the Balearics under Christian rule in the thirteenth century. “Speculum” 45 (1970), 624-49.

[5] R. Pfaff-Giesberg, Geschichte der Sklaverei. Meiseheim am Glan 1955, 62; E. Biot, De l’abolition de l’esclavage ancien en Occident. Paris 1840, 423; Dufourcq (1975), 139. O. Spies, Schicksale türkischer Kriegsgefangenen aus den Türkenkriegen, in: Festschrift

Caskel (ed, E. Gtäf. Leiden 1968, 233-41). Idem, Eine Liste türkischer Kriegsgefangenen

in Detschland aus dem Jahre 1700. “Der Islam” 1964, pp. 316-35.

[6] Cf. H. Gilles, Législation et doctrine canonique sue les Sarrasins. «Islam et chretiens du Midi (XII-XIVs) », Toulouse 1983, pp. 195-213, esp.204.

[7] إن العبيد المسلمين الذين كانوا يعيشون كأقلية تحت الحكم المسيحي المتسامح يطلق عليهم اسم Mudéjares وهو الاسم الذي يحتمل اشتقاقه من اللفظ العربي مدجن بمعني المطوّع أو المخضوع. للمزيد حول هذا الموضوع انظر:

  1. P. Harvey, Islamic Spain 1250-1500. Chicago 1990, and G. A. Wiegers, Islamic Literature in Spanish and Aljamiado. Yça of Segovia (fl. 1450), his antecedents and successors. Leiden 1994.

وبعد تنصيرهم مع بداية القرن الـ 16 لم يعد يطلق عليهم Mudéjares بل أصبحوا يسمون الموريسكيون مما يفيد نوعا من القدح. حول الموريسكيون راجع:

  1. Dominguez Ortiz, Historia de los Moriscos. Vida y tragedia de una minoria. Madrid 1978, and G. W. Drost, De Moriscos in de publicities va staat en Kerk (1492-1609). En bijdrage tot het historisch discriminatieonderzoek. Katwijk 1984.

[8] قارن أعمال فيرليندن وغيرها مما سبقت الإشارة إليها في الهامش رقم 4، وانظر كذلك مادة فداء في الموسوعة الإسلامية. الطبعة الثانية – الملحق 5-6 (ليدن 1982).

[9] الشعبي المالقي (ت. 1104): الأحكام. طبعة ص. الحلوي، بيروت 1992. صفحة 402 (رقم 876).

[10] نفس المرجع، صفحة 467 (رقم 1032).

[11] نفس المرجع، 452.

[12] فيرليندن (1955) صفحات: 240-242 وهو يعتمد هنا على:

  1. D. Gazulla, La redención de cautivos entre los musulmanes. « Boletín de la Academia de Buenas Letras de Barcelona», 1928, pp. 321-42.

وكذلك على Dufourcq (1982) لكن لم يتيسر الاطلاع لي عليه.

[13] يذكر ابن حزم أن فدية الأسرى كان فرضا على الأمة الإسلامية عندما لا يستطيع الأسير فداء نفسه من ماله. لمزيد حول وضعية الأسرى في كتب الفقه انظر الدراسة القيمة:

  1. Gräf, Religiöse und rechtliche Vorstellungen über Kriegsgefagene in Islam und Christentum, in “Die Welt des Islam”, Neue Serie, Vol. 8, 1963, pp. 89-130

وهذه الدراسة تعكس خاصة النقاشات النظرية للفقهاء وليس الحالات التاريخية الواقعية.

[14] الونشريسي (ت. 1508): المعيار المعرب والجامع المغرب في فتاوى أهل أفريقية والأندلس والمغرب. طبعة محمد حجي وآخرين. 13 مجلد. الرباط 1981-1983، المجلد الثاني، ص. 161 وما بعدها.

[15] نفس المرجع، المجلد الثاني، ص. 211. هذا ما يؤكده أيضا Riccoldo da Monte di Croce بقوله “إن المسلمين جمعوا ثروات كبيرة ووضعوها في خزانة وبعد وقت معين فتحوها وقدموها لمسلم ثقة يذهب إلى مختلف الأقاليم يفتدي بها الأسرى والعبيد المسلمين كانوا عند المسيحيين أو دول أخرى”. مقتبس عن:

  1. Daniel: Islam and the West. The making of an Image, Oxford 1993 (revised edition), 249.

وفي بعض الأحيان كان العبيد لدي المسلمين يقدمون كبدائل لافتداء الأسرى المسلمين. راجع في ذلك: الونشريسي (1981-1983) المجلد الثاني، ص، 213.

[16] نماذج من القرنين الـ 14 والـ 15 يجدها القارئ عند: Dufourcq (1982).

[17] ببن صاحب الصلاة (ت. 1198): المن بالإمامة. تاريخ بلاد المغرب والأندلس في عهد الموحدين، تحقيق عبد الهادي التازي، بيروت 1987 الطبعة الثالثة. ص. 167. حسب دوفورك وقع هذا الافتداء في 1182 مقابل 2700 دينار وقد شمل 700 شخص كانوا قد أسروا على يد ألفونسو الثامن ملك قشتالة وقد تم جمع المال في المساجد. راجع فيرليندن (1955) ص. 241.

[18] «Veniebat ad partes istas pro liberando vel rescatando »: Verlinden (1983), 220.

[19] على بن يحيى بن قاسم الجزيري (ت. 1189): المقصد المحمود في تلخيص العقود، مخطوط من القرن الـ 13 في ملك خاص بالمغرب. ورقات 44 ب و45 أ.

[20] محمد بن رشد القرطبي (ت. 1126): فتاوى، طبعة م. ط. التليلي. بيروت 1987، ثلاث مجلدات. ص. 1232-1233. انظر أيضا القاضي عياض (ت. 1148) وابنه محمد: مذاهب الحكام في نوازل الأحكام. طبعة م. بن تشريفة، بيروت 1990، ص. 53-54.

[21] هكذا أعطى حاكم برشلونة سنة 1104 الحق لأربعة من اليهود في فدية الأسرى المسلمين ومرافقتهم في عودتهم إلى ديار الإسلام. انظر: دوفورك (1982)، وفيرليندن (1955)، 242.

[22] M. D. Meyerson, The Muslims of Valencia in the age of Fernando and Isabel. Between Coexistence and Crusades. Berkeley etc. 1991, esp. p. 83.

[23] من أمثلة ذلك العالم الأندلسي ابن الصفار الذي أخذ أسيرا إلى طليطلة المسيحية، وبعد افتداءه  من طرف جماعة من المسلمين بهذه المدينة تزوج واستقر في ربض المسلمين حيث ظل يعلم القرءان حتى وفاته في أربعينات القرن الـ 13: ابن الزبير (ت. 1308) كتاب صلة الصلة، القسم الثالث، تحقيق عبد السلام الهراس وسعيد اعراب، الرباط، 1993، ص. 68-69 (رقم 84).

[24] Alarcón Santon y García de Linares, Los documentos árabes diplomáticos del Archivo

de la Corona de Aragon. Madrid-Granada 1940, pp. 402-40

(وثيقة عربية: nr. 157 من سنة 1303)

[25] Harvey (1990), 116; cf. Lourie (1970)

[26] يبدوا أن القصيدة ضاعت، لكن الشاعر حرر من أسره وتوفي في تونس سنة 1263: ابن الزبير (1993) ص. 144 (رقم 237). انظر أيضا: الغبريني (1314): عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية. تحقيق عادل نويهض. بيروت 1969 ص. 322-324 (رقم 101).

[27] الونشريسي (1981-1983) المجلد الثاني ص. 117.

[28] Dufourcq (1975), pp. 136-7

[29] بن الطوّاح (ت. 1318)، كتاب سبك المقال لفك العقال. مخطوط رقم 105 في المكتبة الحسنية بالرباط، المغرب.

[30] الحميدي (ت. 1095) جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس وأسماء رواة الحديث وأهل الفقه والأدب وذوي النباهة والشعر. تحقيق م. ت. الطنجي، القاهرة 1952. ص. 168-169 (رقم 334). وأحمد بن يحيى الضبي (ت. 1220) بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس. مدريد 1885، ص. 231-232 (رقم 584) ينقل القصة برمتها عن الحميدي. لا أثر لتلك القصة في معاجم المؤلفين الأندلسية الأقدم كابن الفرضي (ت. 1012) تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس. القاهرة 1954. مجلدان، المجلد الأول ص. 207-209 (رقم 283). والحميدي الذى ألف كتابه في بغداد قد يكون سمع القصة في الشرق، الأمر الذي  يؤكده أيضا المصدر الذي استقى منه القصة وهو الصوفي المشهور القشيري الذي توفي سنة 1072. إلا أن سلسلة الرواة الأربعة التي تبدأ بالقشيري تنتهي إلى الأندلس، وهى حسب الحميدي كما يلي: حمزة بن يوسف السحمي وأبو الفتح نصر بن أحمد بن عبد المالك وعبد الرحمن بن أحمد عن أبيه، إلا أن أبا الفتح نصر ينحدر أصلا من قرطبة. انظر الحميدي: نفس المرجع، ص. 234 (رقم 835).

[31] F. Meier, Tahir as-Sadafi’s vergessene Schrift über westliche Heilige des 6/12. ahrhunderts. “Der Islam” 61 (1984), 14-9-, p. 32.

[32] Meire (1984), pp. 61-63

[33] على بن عبد الله النميري الشستري، توفي في سوريا سنة 1211، إلا أن أصله من شستر وهي قرية تحت إدارة مدينة وادي آش في الأندلس: لسان الدين بن الخطيب (ت. 1374) الإحاطة في تاريخ أخبار غرناطة، تحقيق م. ع. عنان، القاهرة 1977. أربع مجلدات. المجلد الرابع ص. 205-219.

[34] H. Ferhat, Le Maghreb aux XIIème et XIIIème siècles : les sciences de la foi. Casablanca, 1993, 19.

[35] ل. بوشنتوف: صورة عالم من القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي: رضوان الجنوي من خلال “تحفة

   الإخوان ومواهب الامتنان في مناقب سيدي رضوان”. مجلة أمل، 4 (1993) 29-52. خاصة الصفحات 33-34 و38.

[36] فيرليندن (1955) ص. 315  يشير إلى بيع حكيم عربي عام 1296 بمبلغ باهظ وصل إلى 100 جنيه.

[37] فيرليندن (1955) ص. 364-365 (وثيقة من سنة 1342).

[38] راجع الموسوعة الإسلامية، الطبعة الثانية. مادة: ليو أفريكانوس Leo Africanus بقلم هيئة التحرير، انظر أيضا:

    م. م. الحجوي، حياة الوزان الفاسي وآثاره، الرباط 1935.

[39] P.S. van Koningsveld, Andalusian-Arabic manuscripts from Christian Spain: a

Comparative intercultural approach. “Israël Oriental Studies” 12 (1992), 75-110, esp. pp. 91, 100, 102, 104 and id., Andalusian-Arabic manuscripts from medieval Christian Spain: Some supplementary notes. “Festgabe für Hans-Rudolph Singer”, vol. 2, Frankfurt 1991, pp. 811823, esp. pp. 813, 821. See also G. Schoeler (and others), Arabische Handschriften. Stuttgart, 1990, nr. 131, pp. 124-6 (and plates 45-6).

[40] اسم الناسخ: فرج بن عمار، Van Koningsveld (1992), p. 104 (nr. 105)

[41] Van Koningsveld (1992), pp. 91, 100 (nr. 73)

[42] اسم الناسخ: محمد بن الوليد اليباسي: Van Koningsveld (1992), pp. 102 (nr. 84) and id. (1991) p. 821 (nr. XVII)

[43] ابن الخطيب (1973-1977)، المجلد الرابع، ص. 421-422، حيث ورد السم هكذا: أبو عمر يوسف بم محمد اليحصبي اللوشي. وكان مشهورا أيضا كخطاط، الأمر الذي يؤكده بدون شك الخط الرائع والمتوازن للمخطوطات التي نسخها بيده خلال أسره بأسبانيا المسيحية.

[44] Van Koningsveld (1992), pp. 89-92

[45] Van Koningsveld (1991), p. 821 (nr. XVI) وابن رشيق المرسي وآخرين (مجموع قصائد أندلسية من القرن الـ 13) مخطوط في ملكية خاصة بالمغرب كتب بخط مغربي في مدريد سنة 1591 بيد شخص يدعى محمد بن عبد الكريم الذي يختم كتابه بالدعاء التالي: “خلص وثاقه وبلغ الله عز وجل مقصوده!”.

[46] R. Sugranyes de Franch, L’apologétique de Raimond Lulle visà-vis de l’Islam. « Islam et Chrétiens du Midi (XIIe-XIVe s.) » Toulouse 1983, pp. 373-93, esp. pp. 376-7.

وانظر أيضا:

  1. I. Burns, Muslims, Christians and Jews in the Crusader Kingdom of Valencia. Societies in symbiosis. Cambridge etc. 1984, pp, 80-108. “Christian-Muslim confrontation: the thirteenth century dream of conversion”. Daniel (1993), p. 141.

[47] ذكر هذا الحديث المأساوي الفنان الفرنسي توماس لوميزيي “Thomas le Myésier” من القرن الـ 14 في كتابه: Lullus Breviculum الذي يتضمن ترجمة حياة ريموندس لولوس في شكل مسلسل هزلي من القرون الوسطى. راجع:

  1. Römer und G. Stamm (eds.), Raimundus Lullus- Thomas le Myésier, Electorium parvum seu Breviculum. Wiesbaden 1988, 2 vols. (vol. 1 : « Kommentar zum Faksimile»), vol. 1 (fol. 3v) and vol. 2 (pp. 41-2; 120-1).

[48] محمد حجي: مراكز الثقافة المغربية أيام السعديين. مجلة البحث العلمي 6 (1965) 35-68. ابن القاضي: جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس. طبعة الرباط، دار المنصور 1973-1974. مجلدان، المجلد الأول ص. 322-323 (حيث ورد اسم محمد بن أبي الفضل خروف التونسي). فهرست أحمد المنجور، تحقيق م. حجي، الرباط 1976، ص. 69-71 (حيث ورد اسم محمد بن خروف الأنصاري التونسي).

[49] Daniel (1993), 143

[50] B. Lewis, The Muslim Discovery of Europe, New York etc. 1982, p. 90.  يقرر مثلا: “أن الأسرى المسلمين الذين رجعوا إلى ديارهم لم يتركوا أثرا يذكر”. والاستثنائين الذين يذكرهما لويس يعود تاريخهما إلى سنة 1597 و1724-1725. غير أنه على ضوء المصادر المستعملة هنا يحتاج هذا الحكم إلى تصويب.

[51] يجد القارئ معلومات عن حياة هذا المؤلف عند ابن أبي مالك المراكشي (ت. 1303): الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، المجلد الأول، تحقيق محمد بن تشريفة، بيروت، بدون تاريخ، ص. 239-240 (رقم 308).

[52] أحمد بن عبد الصمد الخزرجي (ت. 1186) مقامع الصلبان في الرد على عبدة الأوثان، تحقيق عبد المجيد الشرفي، تونس 1975 ص. 39.

[53] فيما يتعلق بالتأثير الذي مارسه هذا النص حول المصادر الإسلامية المناهضة للمسيحية في الأندلس وشمال أفريقيا، انظر:

P.S. van Koningsveld, La apologia de Al-Kindi en la España del siglo XII. Huellas toledanas du un ‘animal disputax’. «Estudios sobre Alfonso VI y la Reconquista de Toledo. Actas del II Congreso International de Estudios Mozárabes”, vol. 3., Toledo 1989, pp. 107-129.

[54] محمد بن تشريفة: حول التسامح الديني وابن ميمون والموحدون. حلقة وصل بين الشرق والغرب: أبو حامد الغزالي وموسى بن ميمون. أعمال الندوة المنظمة تحت هذا العنوان من طرف أكاديمية العلوم للملكة المغربية، أكادير 27-29 نوفمبر 1985، ص. 15-42 وص. 39.

[55] المراكشي، مرجع سابق، ص. 240.

[56] P. S. van Koningsveld & G. A. Wiegers, The polemical works of Muhammad al-Qaysi

(fl. 1309) and their circulation in Arabic and Aljamiado among the Mudejars in the fourteenth century. “Al-Qantara. Revista de estudios Arabes” XV, 1 (1994).

[57] محمد القيسي (عاش سنة 1309) مفتاح الدين والمجادلة بين النصارى والمسلمين. مخطوط المكتبة الحكومية بالجزائر العاصمة. رقم 1557، ص. 49-90. راجع أيضا: P.S. van Koningsveld & G.A. Wiegers (1994)

[58] محمد المنوني: مناقشة أصول الديانات في المغرب الوسيط والحديث. مجلة البحث العلمي 3 (1968)، 23-32. محمد الأنصاري الأندلسي (ت. القرن الـ 15) رسالة السائل والمجيب وروضة نزهة الأديب. مخطوط المكتبة العامة بالرباط رقم د 1138، ص. 227-321. يقدم المؤلف كتابه إلى الحاجب أبي زكريا يحي بن زيان الذي حقق المنوني هويته كالتالي: أبو زكريا يحي بن عمر بن زيان الوطاسي وزير السلطان المريني عبد الحق المريني الذي توفي سنة 1448 أو 1449. إن المنوني يستنتج أن المؤلف الذي كان من أصل أندلسي استقر في المغرب بعد تحريره، وكونه عاش في أسبانيا كأسير يمكن أن نستخلصه من قوله هو نفسه في مستهل الفصل الـ 35: “ذلك أني لما رميت بسمح الاضطرار عن قدر من الأقدار إلى بلاد النصارى –أبادهم الله- وطال المقام بين أظهرهم، اطلعت على عنادهم وفهمت لغتهم وكتابتهم”. مخطوط الرباط ص. 301، ويضيف المؤلف قائلا أنه يقدم هذه المعلومات الجدالية لصالح كل من سيضطر يوما ما إلى مجادلة النصارى، ص. 301-302. 58* يشير المؤلف إلى هذا الخادم باستعمال ألفاظ إسلامية “واعظ ملكهم ومفتيه”، ص. 307.

[59] وفقا للعقيدة الإسلامية فإن الأنبياء شأنهم شأن الشهداء، يدخلون الجنة بعد وفاتهم مباشرة.

[60] مخطوط الرباط ص. 307- 308.

[61] W. D. Philips, Slavery from Roman times to the early transatlantic trade. Minneapolis,

1985, pp. 43-65 وخاصة الخريطة في صفحة 44 “تجارة العبيد من القرن 8 إلى 11.

[62] Ramos y Loscertales (1915), p. 1: «Modo de ingresar en cautiverio»

[63] الونشريسي (1981-1983)، المجلد الثاني ص. 118.

[64] فيرليندن (1966)

[65] فيرليندن (1977)، ص. 141، 155، 161.

[66] Ramos y Loscertales (1915), pp. 135-139

[67] فيرليندن (1955)، ص. 526.

[68] R. Hitchcock, Arabic proper names in the becerro de Celanova. “Cultures in Contact in Medieval Span. Historical and literary essays presented to L. P. Harvey” (eds. D. Hook and B. Taylor). London: King’s College 1990, pp. 111-26, esp. p. 112.

[69] انظر أمثلة من الأديرة في غاليسيا خلال القرن الـ 11 عند: Hitchcock (1990), pp. 112-3 وكذا أمثلة من المؤسسات الكنسية في أسطوريا عند: Ruiz de la Peña (1979), p. 145 (A.D. 976) and 147 (A.D. 1153).

[70] فيرليندن (1955)، ص. 458.

[71] Ruiz de la Peña (1979), pp. 152-3 and de Hinojosa (1904),  حيث نجد تمييزا مماثلا بين المملوكين الخاصين mezquinos والأقنان exaricos.

[72] فيرليندن (1955)، ص. 300 و 303 و 456.

[73] فيرليندن (1965).

[74] هذا الحظر نفسه كان يطبق أيضا على أفراد الجاليات الإسلامية المتعايشة تحت الحكم المسيحي. فمثلا قانون طرطوشة Codex de Tortosa لسنة 1272 ينص على هذا بوضوح. راجع فيرليندن (1955)، 291.

[75] Siete Partidas 1256-1265 تنص على عدم السماح لليهود بتهويد عبيدهم، كما لم يكن يسمح لهم بتملك العبيد المسيحيين. راجع:

  1. Baer, Die Juden im christlichen Spanien. Erster Teil. Urkunden und Regesten. II: Kastilien/Inquisitionsakten. Berlin 1936, pp. 48, 211f, 329f.

[76] Ramos y Loscertales (1915), 134-5

[77] فيرليندن (1955)، ص. 515.

[78] A. Gilmour-Bryson, The trail of the Templare in the papal state and the Abruzzi. Città del Vaticano 1082 (“Studi et Testi” 303), p. 255.

إن القسيس الذي عاش في أراغون عدة سنوات كأسير خلال القرن الـ 14 يذكر أن فرسان المعبد كانوا يتعبدون بالإسلام خفية. إلا أن وجهة النظر هذه قد تكون متأثرة بشائعات الموقف الإسلامي المتحيز حول فرسان الهيكل في ذلك العصر. ومهما يكن ففي هذا الرأي نصيب من الحقيقة، إذ أن التدين بالإسلام خفية كان ظاهرة منتشرة بين العبيد المسلمين الذين ينتمون لطريقة فرسان الهيكل والذين ظلوا بعد تنصيرهم متعلقين بالطريقة على نحو ما. راجع: فان كوننجسفيلد وفيخرز (1994).

[79] عبد الكريم القيسي (ت. النصف الأول من القرن الـ14): ديوان عبد الكريم القيسي، تحقيق جمعة شيخة ومحمد الهادي الطرابلسي، تونس، 1988. خاصة القصائد: 2، 4، 5، 6، 7، 8، 33، 35، 37، 89، 91، 92، 137.

[80] القيسي (1988) ص. 25-26 (أبيات 27-31)

[81] القيسي (1988) ص. 31 (أبيات 136-139)

[82] اكتفى بالإشاؤة ههنا مثلا إلى رحلة السفير المغربي الغزال سنة 1777، (أحمد المهدي الغزال، نتيجة الاجتهاد في المهادنة الجهاد، تحقيق إ. العربي- بيروت 1980) ص. 124، 140، 142، 135، 154، 177، 178، 181-183 … إلخ. لقد كانت بعثة الغزال إلى مدريد مكلفة بفدية الأسرى المسلمين.

[83] انظر حولهم : م. أ. الكتاني، الصحزة الإسلامية في الأندلس اليوم: جذورها ومسارها. قطر 1990.

[84] S. von Sicard The so-Called “Black Muslims” or Bilālyyūn. الموسوعة الإسلامية، الطبعة الثانية، المجلد 7، ص. 702-704. مادة: مسلمون، ليدن 1992 (مع قائمة المراجع).

[85] حول التاريخ المعاصر للإسلام في أوروبا الغربية، انظر: J. S. Nielsen, Muslims in Western Europe. Edinburgh 1992 (=“Islamic Surveys” 20).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق