البحوث

بيع الفواتير بيوع الأجل مع زيادة الثمن “الليزنق”

بيع الفواتير

بيوع الأجل مع زيادة الثمن (الليزنق)

إعداد

الدكتور منذر قحف

بحث مقدم

للدورة التاسعة عشرة للمجلس – اسطنبول

رجب 1430 هـ / يوليو 2009م

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الكرام الطيبين وعلى صحبه أجمعين، وعلى من اهتدى بهديه في الأولين والآخرين.

سأتناول في هذه الورقة المختصرة موضوعين صغيرين هما الليزنق “Leasing” وبيع الفواتير كما هي معروفة في النظم الغربية.

وسأحاول أن أبين العقود كما تجري في النظم الغربية وبخاصة في أوروبا وأمريكا؛ ثم أبذل الجهد المستطاع للتعرف على حكمها الشرعي.

أولاً – الليزنق Leasing:

العناصر الأساسية في العقد المسمى بالتمويل التأجيري financial lease هي:

  • أجرة دورية وكثيرا ما يضاف إليها دفعة أولية عند العقد هي في العادة أكبر من الأجرة الدورية
  • عند نهاية مدة الإجارة يكون للمستأجر الخيار بين أمرين على الأقل هما إعادة الأصل المؤجر أو شراؤه بثمن هو القيمة المتبقية. ولا شك أن خيار عقد إجارة جديدة يبقى مفتوحا ولو لم يرد له ذكر في العقد
  • قيمة متبقية يدفعها المستأجر إذا قرر اختيار شراء الأصل المؤجر عند انتهاء مدة الإجارة
  • مجموع الأجرة الدورية والدفعة الأولية والقيمة المتبقية هو أكبر من ثمن الأصل المؤجر إذا كان الشراء نقدا عند العقد
  • غالبا ما يكون التأمين على الأصل المؤجر من مسؤولية المستأجر ولصالح المؤجر وكذلك الأمر بالنسبة للصيانة صغيرها وكبيرها

ولكنني أريد أن أنتقل إلى مناقشة نموذج واقعي حقيقي لتمويل سيارة عن طريق عقد الليزنق بدلاً من الاكتفاء بالعرض النظري؛ وذلك لأن الواقع الفعلي كثيراً ما لا يتطابق مع العناصر النظرية.

وقد أرفقت في آخر هذه الورقة هذا النموذج وفيما يلي عناصره الرئيسية:

  1. سمي العقد عقد إجارة/شراء Hire Purchase وذكر هذا صراحة فوق التوقيع.
  2. المؤجر في العقد هو شركة التمويل التابعة للشركة المالكة للسيارة.
  3. العقد ملزم للطرفين فيما عدا خيار الشراء عند نهاية مدة الإجارة المصرح بكونها 24 شهرا مع توصيف مقدار الاستعمال فيها وهو عشرة آلاف ميل في السنة.
  4. ذكر العقد أن الفرق بين الثمن النقدي ومجموع المدفوعات المطلوبة من المستأجر/المشتري (لو مارس خيار الشراء عند نهاية مدة الإجارة) يتألف من فائدة (لم يذكر العقد معدلها السنوي) وبعض رسوم (رسم قبول العقد ورسم تفعيل الشراء).
  5. هناك دفعة أولية، ودفعات دورية، وثمن هو القيمة المتبقية يدفع عند انتهاء عقد الإجارة إذا اختار المستأجر الشراء.
  6. هناك فائدة بنسبة هي 3% فوق النسبة التي تعلنها من حين لآخر جمعية التمويل والتأجير على كل مبلغ يتأخر دفعه عن ميعاد استحقاقه.
  7. هناك رسوم بمبالغ ضئيلة في كل آن يحتاج المؤجر إلى إرسال إنذارات تأخير وما شابه ذلك من رسائل.
  8. التأمين على السيارة لصالح المؤجر والصيانة الكاملة هما مسؤولية المستأجر.
  9. إذا لم يكف مبلغ التأمين يكون السمتأجر مسؤولا تجاه المؤجر عن سداد الفرق بينه وبين ما يستحق للمؤجر من رصيد بذلك التاريخ.
  10. في جميع الأحوال يتحمل المستأجر كل المسؤوليات تجاه الغير وتجاه أية نفقات قد يسببها العقد تنفيذا أو إخلالاً.
  11. في حالة تعجيل الدفع يخصم للمستأجر ما يعادل 5% سنويا تحسب على فترة التعجيل.
  12. ملكية السيارة تبقى على اسم المؤجر وله الحق باستردادها في حال الإخلال بالعقد.

 كيف يتخرج هذا العقد؟

لا نرى معنى للعدول عن الإجارة طالما أن العقد صرح بذلك وتوفرت في العقد العناصر الأساسية للإجارة. فهي إجارة مع خيار شراء أو إعادة الأصل المؤجرعند انتهاء مدة الإجارة.

ولكن فيها المخالفات التالية للإجارة الشرعية:

  1. التصريح بالفائدة أنها الفرق بين الثمن الحال والمبالغ المطلوب دفعها من قبل المستأجر يترافق هذا مع عدم ذكر كلمة أجرة في وصف الدفعات الدورية.
  2. تحميل المستأجر مسؤولية التأمين والصيانة كاملين دون بيان أنهما لحساب الأجرة أو جزء منها في حين أنعما مسؤولية المالك.
  3. فوائد تأخير الدفع لأي دفعة.
  4. إلزام المستأجر بسد الثغرة بين المدفوع من أصل الثمن الحال (أي بعد تنزيل مقدار الفوائد المدفوعة) وبين ما يتحصل من شركة التأمين أو من الغير في حالة هلاك الأصل.

وأرى أنه لا يمكن النظر إلى هذا العقد على أنه بيعاً بالتقسيط بسبب التصريح بالإجارة، ووعوفر معنى الإجارة فيه.

ولكنني أرى أنه إجارة منافية لأحكام الشريعة ولابد من إدخال تعديلات عليه ليصبح مقبولاً.

وهذه التعديلات هي:

  • عدم ذكر الفائدة في العقد (حتى لو ذكرت في معرض أخذ العلم فلا يفسد ذلك الإجارة).
  • تشميل التأمين لكل أعباء الصيانة واعتباره خدمة تضاف إلى الأجرة يشتريها المستأجر ويدفعها (الخدمة) للمؤجر.
  • إلغاء قوائد التأخير واستبدالها بغرامة رادعة توزع على وجوه البر.
  • إلغاء نص مسؤولية المستأجر عن سد الثغرة بين المحصل من شركة التأمين وبين رصيد الثمن الحال والاستعاضة عن ذلك بإدخال الفرق في عقد التأمين أو التأمين عليد مستقلاً، ويمكن أن يعتبر ذلك جزءا من الأجرة.

وفي رأيي: لا بد من إقناع شركات التأجير بهذه التغييرات ولا يمكن قبول العقد كما هو الآن:

ثانياً: بيع الفواتير:

بيع الفواتير هو لون من التمويل للشركات التي تبيع بالأجل يتخذ أشكالا متعددة أهمها ما يسمى  Factoring و Forfaiting و Invoice discounting. أما طبيعة المعاملة فهي تقديم التمويل من مؤسسة مالية (مصرف) مقابل الديون الأجلة للشركة لقاء فائدة متفق عليها.

وتختلف التعريفات من مؤسسة مانحة إلى أخرى بحسب الشروط العقدية المتنوعة.

فالفاكتورينق “Factoring” هو بيع الحسابات المدينة للبنك ويكون لجميع الحسابات أو بعضها كما يكون مع حق الرجوع على الدائن الأول في حال عدم دفع المدين لدينه أو دون حق الرجوع.

وقد يتم إعلام المدين ببيع دينه، وهو الأغلب، وقد لا يتم ذلك، ويلاحظ أن معاملة “الفاكتورنق” تتضمن ثلاثة أطراف هم الدائن والمدين والممول، وهي معاملة تنصب في العادة على حساب مدين بكامل ما يمكن أن يكون فيه من ديون متعددة.

ومعاملة “الفاكتورينق” تكاد تكون مماثلة لخصم السندات مع فوارق بسيطة جدا كلها إجرائي هي:

(1) لا يدفع الممول جميع قيمة الدين بل جزءا منه فقط عند بدء المعاملة ويحجز الجزء المتبقي، بعد خصم الفائدة منه، لحين سداد الدين أما في خصم السند فإن الممول يدفع كامل الفيمة الحالية للسند.

(2) يغلب أن تكون المعاملة دون حق الرجوع على الدائن في حالة عدم السداد وبالتالي يتحمل الممول مخاطر قدرة المدين على السداد، وهي مخاطر غالبا ما يؤمَّن عليها وليس كذلك الأمر في خصم السند.

(3) يكون الخصم لسند أو دين واحد في حين تكون معاملة الفاكتورينق لحساب مدين بأكمله.

أما الفورفيتنق “Forfaiting” فهي شبيهة جداً بما قبلها ولكن موضوعها يكون عادة صفقة واحدة غالباً ما تكون في عمليات التصدير حيث يقدم الممول النقد الحال (جزءاً كبيراً من القيمة الحالية للدين التصديري) مقابل تملكه للدين على المستورد الأجنبي ويتحمل مخاطر عدم السداد ثم يقوم بدفع المتبقي من القيمة الحالية بعد قبضه للدين من المستورد الأحنبي.

وغالباً ما يكون الدين مدعماً باعتماد مستندي غير قابل للنقض صادر عن بنك في بلد المستورد.

كما أنه يمكن تمثيل هذا الدين بكمبيالة أو سند دفع يمكن تداوله في السوق الثانوية، وبذلك تقترب هذه المعاملة من خصم السندات أو تكاد تنعدم الفوارق بينهما.

أما خصم الإشعار Invoice discounting  فهو معاملة تمويلية أيضا تشبه “الفاكتورينق” كثيراً مع فارق وحيد هي أن موضوعها هو صفقة واحدة متمثلة بإشعار أو فاتورة بدلاً من كونه حساباً مديناً بأكمله.

غير أنها تستعمل أيضا بمعنى آخر هو الاقتراض من البنك بكفالة الإشعار أو الفاتورة الصادرة على مدين للشركة المقترضة.

ولا نرى أية فوارق من حيث الحكم الشرعي بين هذه المعاملات الثلاث وبين خصم السندات الذي هو من الربا الواضح لأنه مبادلة نقد حال بدين أكبر منه يستحق في المستقبل.

هل يمكن تصحيح هذه المعاملات أو بعضها بإدخال تعديلات بسيطة عليها؟

رأيي ان ذلك ممكن بالنسبة للفورفتينق وخصم الإشعارات شريطة تعاون البنك الممول مع التاجر المسلم. والطريقة أن يتفق التاجر مع البنك مسبقا على أن يتم البيع عن طريق البنك مرابحة للزبون مع وكالة للتاجر من البنك ليقوم بجميع إجراءاتها دون مخالفة لحقيقة المرابحة. ولا حاجة لشرح التفاصيل لأنها معروفة وممارسة في جميع المصارف الإسلامية.

والحمد لله، والله ولي التوفيق،،،

                                                                                  21 آيار (مايو) 2009

                                                                                منذر قحف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق