المبادئ الأخلاقية الضابطة للعمل السياسي الإسلامي بأوروبا
المبادئ الأخلاقية الضابطة للعمل السياسي الإسلامي بأوروبا
في محيط العمل السياسي العام
إعداد
الشيخ. مصطفي ملا اوغلو
بحث مقدم
للدورة السادسة عشرة للمجلس – اسطنبول
جمادى الأخرة 1427 هـ / يوليو 2006 م
تعريف السياسة
اـ تعريف السياسة لغة :
السياسة مصدر : ساس ، يسوس ، فهو سائس ، فهي كلمة عربية يقيناً ويكفي أن ننقل هنا هذه الفقرة من لسان العرب لأبن منظور ، حيث قال رحمه الله في مادة (سوس).
السوس: الرياسة، يقال ساسوهم ، وإذا رأّس قيل: سوسوه وأساسوه،
وساس الأمر سياسة: قام به ، ورجل ساس من قوم ساسة وسوس ، أنشد ثعلب :
سادة قادة لكل جميع ساسة للرجال يوم القتال
وسوسه القوم : جعلوه يسوسهم ، ويقال سوّس فلان : أي أمر بني فلان أن يتولي سياستهم.
الجوهري : سست الرعية سياسة، وسوس الرجل أمور الناس علي ما لم يسم فاعله ـ إذا ملك أمرهم ، ويروي قول الخطيئة: لقد سوست أمر بنيك حتي تركتهم أدق من الطحين.
وقال الفراء : سوست خطأ ، وفلان مجرب قد ساس وسيس عليه أي أمّر وأُمّر عليه.
وفي الحديث: ( كانت بنوا اسرائيل تسوسهم الأنبياء) (1) أي تتولي أمورهم كما يفعل الأمراء و الولاة بالرعية.
والسياسة: القيام علي شئ بما يصلحه ، والسياسة فعل السائس.
يقال: هو يسوس الدواب إذا قام عليها وراوضها ، والولي يسوس رعيته . أه (2)
يقول شيخنا العلامة الشيخ “يوسف القرضاوي” بعد أن سرد معني السياسة لغة: وبهذا يتضح لنا: أن كلمة (سياسة ) عربية خالصة لاريب في ذلك ولانزاع.
والمراد بها : سياسة الرعية ، أي القيام علي تدبير شؤنهم بما يصاحها. (3)
1ـ حديث متفق عليه عن أبي هريرة : رواه البخاري في الأنبياء ومسلم في الأمارة
2ـ السياسة الشرعية في ضوؤ نصوص الشريعة ومقاصدها د. يوسف القرضاوي
3ـ المصدر السابق
ب ـ تعريف السياسة في الاصطلاح :
يقول شيخنا الدكتور “يوسف القرضاوي” للسياسة عند علمائنا القدامي معنيان :
أحدهما: المعني العام ، وهو تدبير أمور الناس وشؤن دنياهم بشرائع الدين ، ولهذا نجدهم يعرفون (الخلافة) بأنها : نيابة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
والثاني: المعني الخاص ، وهو ما يراه الإمام أو يصدره من الأحكام والقرارات ، زجرا عن فسلد واقع ، أو وقاية عن فساد متوقع، أو صلاحاً لوضع خاص……….
ووجدنا ثاني الخلفاء الراشدين “عمر” رضي الله عنه يصنع في خلافته أشياء كثيرة هي من هذا النوع من السياسة ، التي تصرف فيها بمقتضي المصلحة. (1)
وبهذا يتضح أن كلمة السياسة ترادف كلمة الإدارة ـ أي إدارة الدولة ـ التي أخذت إسم الخلافة في عصر الإسلام.
1 ـ السياسة الشرعية في ضؤ نصوص الشريعة ومقاصدها:
القواعد الأساسية للسياسة الإسلامية :
القاعدة الأولي: أن الحكم لله سبحانه وتعالي ، هو الحاكم وهو الحكيم ، هو القادروهو القدير والمقتدر ، وأن الحكم كله لله ، هو الملك والمالك ، له كل ما في السموات والأرض وما بينهما .
يقول سبحانه وتعالي (( ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء)) (2)
وقال تعالي : (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء بيدك الخير إنك علي كل شئ قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) (3)
وفي هذا المعني آيات كثيرة في القرآن الكريم ، ومنها قوله تعالي:
( ان الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لايعلمون) (4)
وقوله تعالي ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ..) (5)
ولكي تصبح هذه القاعدة فاعلة لابد تتضح من خلال العقيدة التي تشمل التوحيد والخلق واثبات وجود الخالق(( إن كل ما في الكون من أحياء وجمادات كلها مخلوقة من الله ولله سبحانه وتعالي وسيد الكون هو الإنسان ( بل أنتم بشر ممن خلق ) (6) ولكن بالرغم من هذه السيادة إلا أنه عاجز والفترة التي يعيشها محدودة زماناً ومكاناً مع كل ما يعتريه من هوان وضعف في الطفولة والكهولة ومن صدمات هي بمثابة معالم تذكر الإنسان بحقيقة وجوده ، فالبشر كلهم خلق الله والرابح فيهم من يلتزم حدود الله ،ومخطئ من يظن النفع والضر من عند غير الله تعالي ووهم تلك النزعات التي يلوذ بها الإنسان إلي بشر يتوسم فيهم القوة والمنعة وامال هو متاع الحياة الدنيا إنما هو مال الله والإنسان مستخلف فيه مثل الناس كعمال المصانع (يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شئا لايستنقذوه من ضعف الطالب والمطلوب). (7)
1 ـ سورة آل عمران آية 19
2 ـ سورة المائدة آية 17
3 ـ سورة آل عمران آية 26
4 ـ سورة يونس آية 40
5 ـ سورة الشوري آية 21
6 ـ سورة المائدة آية 18
7 ـ سورة الحج آية 73
والآيات الكريمة تدل علي وجوب التسليمية الكاملة لله سبحانه وتعالي ، وهذا يقتضي العبودية الخالصة له جل وعلي من غير شرك ، وهذا معناه كما تعلمنا من علمائنا بأن لا إله إلا الله ، تعني أنه لاخالق إلا الله ، ولارازق إلا الله ، ولامشرع إلا الله ، ولا حاكم إلا الله.
( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (1)
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (2)
( ومن لم يحكم بما أنز الله فأولئك هم الفاسقون) (3)
ففي قوله تعالي (الكافرون) ، (الظالمون) ، (الفاسقون )
يقول القرطبي : نزلت كلها في الكفار، ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء ، وعلي هذا غالبية الأراء ، فأما المسلم فلايكفر وإن ارتكب كبيرة ، وقيل فيه اضمار ، أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردا للقرآن وجحداَ لقول الرسول صلي الله عليه وسلم ، فهو كافر ، قاله ابن عباس ومجاهد .
والآية عامة علي هذا، قال ابن مسعود والحسن : هي عامة في كل من لم يحكم بما أنز الله من المسلمين واليهود والكفار معتقدا ذلك مستحلاً له ، أما من فعل ذلك وهو معتقد أنه يرتكب بذك محرما فهو من فسلق المسلمين وأمره إلي الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية : ومن لم يحكم بما أنز الله فقد فعل فعلا يضاهي أفعال الكفار. (4)
هذا وكلمة التوحيد ، “لا إله إلا الله محمد رسول الله” تنفي كل النظم والآلهة الظالمة والحكم بغير ما أنزل الله، وتثبت وتقر التوحيد والحاكمية لله وحده سبحانه وتعالي، وهذا كان مفهوما لدي الناس عرباً وعجماً في الزمن الأول للإسلام، (فما كان أحدا منهم يتصور أو يفهم أن يجتمع في قلب واحد ولا في أرض واحدة، شهادة أن لا إله إلا الله مع الحكم بغير شرع الله).(5)
ويقول الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله (( ولست أدري كيف يؤمن هؤلاء بالإسلام عقيدة ولا يؤمنون به نظاما ، أتراه عقيدة من عند الله ، ونظاما من عند غير الله ؟ (( قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا )) (6)
1 ـ سورة المائدة آية 44
2 ـ سورة المائدة آية 45
3 ـ سورة المائدة آية 47
4 ـ الجامع لأحكام القرآن ـ القرطبي ـ ج3 ـ ص 136
5 ـ طريق الدعوة في ظلال القرآن جمع وأعداد أحمد فائز
6 ـ النظام السياسي في الإسلام .د. محمد عبد القادر أبو فارس
القاعدة الثانية: العدالة والمساواة:
يقول الله سبحانه وتعالى: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).(1)
وقال تعالى: (يأيها الناس اتقوا الله الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء..).(2)
والله عزوجل خلق الناس جميعاً حكاماً ومحكومين، ملوكاً ومملوكين، سادة وعبيد، إناثاً وذكوراً، عرباً وعجماً، سوداً وبيضاً، أغنياء وفقراء، شعوباً وقبائل، وجعلهم سواسية كأسنان المشط وجعل القسط بينهم التقوي ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وأمر بالعدل الشامل لكل الناس حتي لجميع المخلوقات.
قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون) (3)
وقال تعال أيضاً: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل…)(4)
وقال تعالى: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم وقل أمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم). (5)
يتضح من هذه الآيات الكريمة أن العدالة شاملة لكل الأجناس والمستويات ولم تقتصر علي أحد معين.
وإقامة العدل واجب لاجدال فيه، والني صلي الله عليه وسلم ينادي في خطبة له الناس أجمع ويقول: ( إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بأبائها كلكم لأدم وحواء كطف الصاع بالصاع وإن أكرمكم عند الله أتقاكم…..)(6)
وقال “صلي الله عليه وسلم” في خطبتة (يأيها الناس ألا إن ربكم واحد لافضل لعربي علي أعجمي ولا لإعجمي علي عربي ولا لإسود علي أحمر ولا لإحمر علي أسود إلا بالتقوي إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(7)
وفي الحديث أيضاً ( أشد الناس عذاباَ يوم القيامة إمام جائر)(8)
والعدالة في الفكرالسياسي الإسلامي يشمل جميع الناس، مسلمين وغيرالمسلمين. وفي الآية: (ولايجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعد لوا اعدلوا هوأقرب للتقوى..)
1 ـ سورة الحجرات آية 13 2ـ سورة النساء آية 1 3ـ سورة النحل آية 9 4 ـ سورة النساء آية 58
5 ـ سورة الشوري آية 15 6 ـ أخرجه البيهقي عن أبي أمامة”روح المعاني” 7 ـ أخرجه البيهقي عن جابر
8 ـ رواه أبو يعلي “منهاج الصالحين”
القاعدة الأساسية الثالثة : الطاعة:
الإسلام دين جماعي، ولا تتحقق الغاية منه كما هو مطلوب إلا من خلال جماعة ، ولذلك نري غالب الخطابات من الشارع موجه إلي المجموع والجماعة، ولكي ينتظم أمر الجماعة فلابد من عناصر أساسية التي منها الإمارة .
يقول سيدنا “عمر” رضي الله عنه في هذا الموضوع: ( لا الإسلام دون جماعة ، ولا جماعة دون إمارة، ولا إمارة دون طاعة)، وهذا الأمر منصوص عليه في الكتاب والسنة.
ففي كتاب الله نجد قوله تعالى: ( يأيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وألي الأمر منكم) (1)
ومنها نفهم أن الإسلام فرض علي المسلمين طاعة الأمير وأنه يحرم الخروج عن الطاعة مادام الأمير قائماً علي حق لايتعارض مع الشرع ،ومن الأحاديث النبوية الدالة علي وجوب الطاعة كثيرة ،ومنها قوله “صلي الله عليه وسلم”:
1ـ (لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق).(2)
2 ـ (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة). (3)
3ـ عن أبي هريرة رضي الله عن النبي “صلي الله عليه وسلم” قال” (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصي الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني).(4)
4 ـ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: “إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا أجدع الأطراف”. (5)
5 ـ (إنما الطاعة في المعروف). (7)
ولكن طاعة الأمير ليست مطلقة ، عندما فرض الإسلام طاعة الأمير استثني منه الطاعة عند المعصية، كما سبق ذكره في الحديث (لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق).
وهذا كله لمصلحة الجماعة وصلاح الأمة الأسلامية وفي هذا يقول النبي صلي الله عليه وسلم (من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الأسلام من عنقه). (8)
والعامل بالسياسة لايمسل نفسه بل يمثل جماعته وشعبه الذى ينتمى اليه وليس من حقه ان يتفرط فى عمله وتصرفاته؛ وعليه ان يلتزم بمبادئه وقرارات جماعته.
1 ـ سورة النساء آية 59 2ـ رواه البخاري وبن حنبل 3ـ رواه البخاري وأحمد وابن ماجة 4 ـ صحيح مسلم بشرح النووي
5 ـ صحيح مسلم بشرح النووي 6ـ رواه أحمد عن أنس 7ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري2
القاعدة الأساسية الرابعة للسياسة الإسلامية : الشورى
الشورى: هي تداول الأراء المختلفة ووجهات النظر المطروحة في قضية من القضايا، ومناقشتها من أصحاب العقول والأفهام حتي يتوصل إلي الصواب أو إلي أصوبها وأحسنها ليعمل بهاـ حتي تتحقق أحسن النتائج (1).
والشوري من أهم العناصر الأساسية في السياسة الإسلامية ـ ولها أهمية عظيمة في تحقيق مصا28لح المجتمع الأسلامي خاصة والناس جميعا عامة.
ولذلك وصفهم المولي عزوجل في كتابه ـ بأن أمرهم شوري بينهم حيث قال: (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وأمرهم شوري بينهم ومما رزقناهم ينفقون).(2)
وكان النبي يستشير أصحابة في شؤن القتال كما حدث في بدر ـ وفي غزوة الخندق، وكان يستشير أيضاً في الأمر الاجتماعية كما حدث مع “أسامة ابن زيد” و”علي ابن أبي طالب” في فراق أهله.
والصحابة رضي الله عنهم داوموا علي الشوري بعد رسول الله “صلي الله عليه وسلم”، لأنهم فهموا من كتاب الله وفعل رسول الله “صلي الله عليه وسلم” أن الشوري مبدأ اساسي في الأسلام، وكان أول ما فعلوه بعد وفاة النبي “صلي الله عليه وسلم” ، أن اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، ليتشاوروا فيما بينهم في أهم وأخطر أمر وأخطر مسئولية في من يخلف الرسول “صلي الله عليه وسلم” في إدارة مصالح الأمة، وبعد أن استوفوا الاستشارة حقها من النقاش اجتمعوا علي “أبي بكر الصديق” رضي الله عنه.
ولأهمية الشوري في الإسلام قال العلماء: “الخطأ مع المشورة أصلح من الصواب من الانفراد والاستبداد.)
وعلى هذا يجب على من يمثل جماعته أو شعبه في ميدان السياسة أن يستشيرهم ويأخذ آرائهم.
الفرق بين النظم البشرية والنظام الإسلامي:
ا ـ رأي الرأسمالية في الدين والسياسة:
يري هؤلاء أن لهذا الوجود خالقاً وهو الله تعالي؛ وأن الخالق له علاقة بالوجود من حيث الخلق والإيجاد فقط، أما من حيث التنظيم لتصرفات الإنسان والتوجيه لأفعاله في الحياة الدنيا فقد تركها الخالق للإنسان نفسه ينظمها كيف شاء ويوجه نفسه كما يريد، لذلك فقد قرروا العلاقة مع الخالق علي أنها تعبدية فقط، ولهذا فهم يؤمنون بفصل الدين عن السياسة والاقتصاد وإدارة الشؤن الدنيوية للعباد.
ب ـ نظرة الإشتراكيين العالميين ومنهم الشيوعيون:
هؤلاء ينفون وجود خالق لهذا الكون أصلاً، وهذا يعني أنه لاتوجد علاقة بين خالق ومخلوق، ويعتبرون أن الدين ليس إلا ضرباً من الخيال والوهم، وأنه أفيون الشعوب، وكان أول من صدع بالنشأة المادية الفيلسوف الألماني “كانت” عندما قال في فرضيته بأن الأرض والمجموعة الشمسية ليستا أزليتين وإنما هما نتيجة تطور مستمر للمادة.
ج ـ الإشتراكيون المحليون:
وهؤلاء آمنوا بها كنظام اقتصادي فقط ونظرتهم إلي الوجود كنظرة الرأسماليين، يرون فصل الدين عن الدولة، وهؤلاء هم معظم إشتراكيي العالم الإسلامي.
د ـ النظرة الإسلامية في الدين والدولة:
إنها نظرة شاملة للوجود، إن للوجود خالق هو الله تعالي، وأن الوجود كله له علاقة بخالقه من حيث الخلق والإيجاد والتنظيم ، فهو سبحانه وتعالي يسيره حسب حكمته ووفق ما أنزل من رسالات سماوية، وأن الإنسان المسلم مقيد في هذه الدنيا بدين، ولا يملك أن يخرج عنه قيد أنمله، وهذا مقتضي الإيمان بالله وبالقرآن والكتب السماوية والملائكة واليوم الآخر والقضاء والقدر ، تلكم هي العقيدة الإسلامية ومن أنكرها كان مرتداً.
——————————
(1) حكم الاسلام في الاشتراكية: عبدالعزيزالبدري.
(2) مدخل إلى العلوم السياسية.د.علي لاغا.
(3) حكم الاسلام في الاشتراكية.عبدالعزيزالبدري.
السياسة والسنة النبوية:
السياسة الإسلامية بدأت بالرسالة المحمدية فالنبي يعتبر هو أول من أسس دولة الإسلام ،وأصبح رئيساً لها، وكان “صلي الله عليه وسلم” يقود الجيش ويحكم بما أنزل الله ويرسل السرايا ويعين القضاة والولاة ويقيم الحدود وكان يهتم بكل أمور المسلمين.
والسياسة في عهده كانت جزء من الدين غير منفصلة عنه، والسياسة ككلمة أيضا ليست غريبة عن الإسلام بل هي كلمة عربية وإسلامية ،ومهنة الأنبياء جميعا، وقد روي عن أبي هريرة عنه عن النبي “صلي الله عليه وسلم” أنه قال: (كانت بنوا اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لانبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فو بيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ).
————————
(1) بخاري ومسلم.
حكم مشاركة المسلمين في العمل السياسي في البلاد الأوروبية
لاشك أن في الأصل أن يعمل ويما رس في السياسة في بلده المسلم، مع المجتمع المسلمة وفي نظامه الاسلامية، ولكن عندما يتغير الظروف والشروط تتقتضي المصلحة والضرورات الممارسة بالسياسة كما يضطر المسلم التجارة والتعليم وما الى ذلك، وهناك أمر لا ينكر في الحقيقة ألا وهو أن عدد المسلمين في البلاد الأوروبية قد وصل إلى الملايين.
وقد أصبح هذا الموضوع أمراً مهما ولذلك سنسرد بعض النصوص الشرعية والقواعد الفقهية وآراء الفقهاء كما يلي:
أولاً: النصوص الشرعية في الحكم والسياسة في الاسلام:
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ( يا أيهاالذين آمنواكونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هوأقرب للتقوىواتقوالله ان الله خبيربما تعملون). (1)
وقال االله تعالى في كتابه الكريم أيضا: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولآ تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وأن كثيراً من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون).(2)
وفي سورة الأعراف قال الله تعالى: (اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون).(3)
وقال تعالى في سورة النساء: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا االله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً).(4)
وقال تعالى في سورة النساء أيضاً: (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما). (5)
هذا وغيره من النصوص الشرعية تعرف أصول ومبادئ الحكم والسياسة في الإسلام .
وهذا ما تعارف عليه الإسلام والمسلمون منذ أن أسس الرسول “صلى الله عليه وسلم” دولة الإسلام في المدينة المنورة إلى زماننا هذا.
أما الآن فقد تغير هذا الفهم عند أكثر المسلمين في بلاد المسلمين؛ وأصبحت النظم في بلاد المسلمين نظم غير إسلامية.
وفي الحقيقة هذه المسألة أصبحت من أهم المواضيع في هذا العصر الذي نعيش فيه.
والسؤال الآن: هل يجوز للمسلم أن يمارس السياسة في السلطة غير الإسلامية؟
وفي الإجابة على هذه المسألة أريد أن أسرد أراء العلماء على قدر الإمكان باذن الله تعالى:
(1) المائدة؛ 8
(2) المائدة؛ 49,50
(3) الأعراف؛ 3
(4) النساء؛ 59
(5) النساء؛ 65
ثانياً: االنصوص الشرعية التي تشير إلى صحة العمل السياسي في البلاد الأوروبية:
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا االله إن الله خبير بما تعملون). (1)
وقال تعال أيضا: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولوعلى أنفسكم أو الوالدين والأقربين؛ إن يكن غنياً أو فقيرا فالله أولى بهما فلاتتبعوا الهوى أن تعدلوا؛ وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا).(2)
وفي الآيتين أمر بإقامة العدالة لجميع الناس مسلمين وغير المسلمين، والعدالة تقام بالسياسة العادلة.
والمسلمون في البلاد الأوروبية هم في أشد الحاجة إلى هذه السياسة ليحصلوا ولو على قسم من هذه العدالة.
لأن الحكومات التي ينتسبون إليها لايقومون بهذا الواجب تجاه مواطنيهم المسلمين الذين يعيشون في البلاد الأوروبية.
ثالثاً: القواعد الفقهية التي تشير إلى صحة العمل بالسياسة في البلاد الأوروبية:
1- الأمور بمقاصدها.
2- الضرر الأشد يزال بالأخف.
3- ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وعلى هذا؛ فالمقصود من هذا العمل هو الوصول إلى الحقوق والإمكانيات المادية والمعنوية أكثر وأحسن وبهذا يزال كثير من الأضرار ويتم كثير من الواجبات.
رابعاً: آراء الفقهاء في العمل بالسياسة في البلاد الأوروبية:
-رأي أ.د. الشيخ “عبدالكريم زيدان”:
قال في بحث له؛ تجوز المشاركة في الانتخابات الديمقراطية في الدول غير الإسلامية كلما كان في هذه المشاركة مصلحة له ولغيره في داخل تلك الدولة أو في خارجها واستدل بما يلي:
أ- إجازة النبي “صلى الله عليه وسلم” وأصحابه بنظام الجوار عند المشركين والدخول فيه حماية لأنفسهم من الأذى.
ب- القياس على جواز النطق بكلمة الكفر لدفع الأذى عن النفس فيصح انتخاب غير المسلم مع الذي يدافع عن حقوق المسلمين ويمنع الأذى والضرر والتعسف في استعمال الحق معهم.(3)
——————————
(1) المائدة؛8
(2) المائدة؛135
(3) أ.د. عبدالكريم زيدان “الديمقراطية ومشاركة المسلم في الانتخابات”، بحث قدمه الشيخ في مؤتمر رابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة في 21 شوال 1422 هجري.
نقلاً من كتاب: “مشاركة المسلمين في الانتخابات الأمريكية”. تأليف الدكتور. صلاح الدين عبدالحليم سلطان.
رأي الشيخ “جاد الحق علي جاد الحق” شيخ الأزهر السابق رحمه الله:
حيث قال فضيلته في حكم الاشتراك في الأحزاب السياسية في دار الكفر؛ “ما دام المسلم مقيماً في غير دار الإسلام فالأجدر به، والواجب عليه ألاّ يشترك أو ينضمّ إلى فرقة سياسة حيث لا يأمن على حرية تصرفاته؛ وقد تضطره السياسة الحزبية -غير المسلمة- إلى الالتزام بمبادئها، وحتماً هي مباديء تخالف الإسلام في الأغلب، ويخشى منها عليه،أما إذا كان المسلم قويّ الشخصية، قويّ الإيمان، صاحب نفوذ ورأي وكان في انضمامه إلى الفرقة السياسية نفع للأقلية المسلمة بالدفاع عنها، وتوصيل النفع لها، فلا مانع من الانضمام مع الحذر واليقظة”. (1)
ويمكن بيان شروط الانضمام،وهي:
1- أن يكون قويّ الشخصية، قويّ الايمان.
2- أن يكون صاحب نفوذ بحيث يؤثر ولايتأثر.
3- ألا يلتزم بمبادئ الحزب التي تخالف الأحكام الشرعية-القولية منها والفعلية.
4- ألا يترتب عليه موالاة.
5- أن يكون في انضمامه نفع لجماعة المسلمين.
6- ألا تكون تلك الفرقة شيوعية، أو إباحية وما شابه ذلك.
وقد سئل فضيلته عن الانضمام إلى الشيوعية والاشتراكية، فأجاب:
“لا يجوز لمسلم أن يضم نفسه بالانتساب إلى واحد من هذه المذاهب ونحوها، فمن استبدل عقيدةً أو مذهباً آخر فقد باء بغضب الله”. (2)
فتوى فضيلة الدكتور الشيخ “يوسف القرضاوي” حفظه الله تعالى:
حيث قال فضيلته: “من تخلف عن أداء واجبه الانتخابي حتى رسب الكفء الأمين وفاز بالأغلبية من لا يستحق ممن لا يتوفر فيه وصف القوي الأمين؛ فقد خالف أمر الله في أداء الشهادة وقد دعي إليها وكتم الشهادة أحوج ما تكون الأمة اليها”.
وقد قال الله تعالى “ولا يأبى الشهادة إذا ما دعوا” (3)
وقال تعالى: “ولاتكتموا الشهادة؛ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” (4)(5)
فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:
حيث صدرت الفتوى من المجلس الذي يضم أكثرمن 35 عالماً وفقيهاً وداعية؛ بضرورة مشاركة المسلمين في الغرب في الانتخابات حرصاً على الدفاع عن حقوقهم وتقديم مشروعهم الحضاري الإصلاحي إلى مجتمعهم الذي يعيشون فيه سواء في أوروبا أو أمريكا أوغيرها.
————————-
(1) مجلة الأزهر ديسمبر 90 نقلاً من فقه الأقليات المسلمة للشيخ خالد عبدالقادر.
(2) نفس المرجع.
(3) البقرة؛ 282
(4) البقرة؛ 283
(5) “مشاركة المسلمين في الانتخابات الأمريكية” د.صلاح الدين عبدالحليم سلطان.
الضوابط الشرعية في المشاركة السياسية :
1- الجمع بين الالتزام بثوابت الشريعة والمرونة مع الأعراف السياسية بما لايخل بتلك الثوابت.
2- أن يكون الهدف جلب المصالح ودرءالمفاسد بعيداعن االمآرب الشخصية.
3- مراعات مشروعية الوسائل واالمقاصد في تحقيق فرص المشاركة االسياسية.
4- ألا يترتب على المشاركة السياسية اقرارالمحرمات أوالاضرار بمصالح المسلمين.
5- اتباع أسلوب العمل الجماعي المنظم لضمان نجاح جهودالمشاركة وتحقيق القوة المؤثرة وتجنب ظهوراالمسلمين بمظهرالتفرق المذموم.(1)
السياسة المقبولة والسياسة المرفوضة في البلادالأوربية:
وبالنسبة للفعاليات المقبولة والفعاليات المرفوضة للذي يمارس السياسة مع غير المسلمين، أعتقد أنه ماذكره شيخنا الفاضل وعلامة العصر الشيخ “يوسف القرضاوي” في موضوع التقريب بين المذاهب.
حيث قال؛ وأما المفهوم المقبول للتقريب بين الأديان- وخصوصاً السماوية منها فيراد به التقريب بين أصحاب الأديان في ضوء الحقائق التالية؛
1-الحوار بالحسنى: فنحن المسلمين مأمورون من ربنا وبنص قرآننا بجدال المخالفين بالتي هي أحسن. وهذا الجدال أو الحوار بالتي هي أحسن هو أحدى وسائل الدعوة التي أمر بها القرآن في قوله تعالى: “أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” (2)
فالموافقون لك في الدين تدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، أي بما يقنع العقول، وما يحرك القلوب والعواطف.. والمخالفون يجادلون بالتي هي أحسن.
بمعنى أنه هناك طريقتان للحوار؛ طريقة حسنة، وطريقة أحسن منها وأجود، فالمسلم مأمور أن يستخدم الطريقة التي هي أحسن وأمثل…
2-التركيز على القواسم المشتركة بيننا وبين أهل الكتاب: ولهذا جاء في الآية في مجادلة أهل الكتاب قوله تعالى: “ولاتجادلواأهل الكتاب الابالتي هي أحسن الاالذين ظلموامنهم وقولواآمنا بالذي أنزل الينا وأنزل اليكم والهنا اله واحدونحن له مسلمون”. (3)
3-التعاون لمواجهة الإلحاد والإباحية:
الوقوف معاً لمواجة أعداء الإيمان الديني، ودعاة الإلحاد في العقيدة، الإباحية في السلوك، من أنصار المادية، ودعاة العرى، والتحلل الجنسي، والإجهاض والشذوذ الجنسي، وزواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء…
” أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا؛ أم حسبت أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون؛ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً”. (4)
—————————–
(1) مشاركة االمسلمين في الانتخابات الأمريكية.د.صلاح الدين عبدالحليم سلطان.
(2) النحل؛125
(3) العنكبوت؛46
(4) الفرقان؛43،44
4- الوقوف معاً لنصرة قضايا العدل، وتأييد المستضعفين والمظلومين في العالم:
مثل قضية فلسطين والبوسنة والهرسك، وكوسوفا، وكشمير، واضطهاد السود والملونين في أمريكا وغيرها، ومساندة الشعوب المقهورة ضد الظالمين والمستكبرين في الأرض بغير الحق، الذين يريدون أن يتخذوا عباد الله عباداً لهم.
فالإسلام يقاوم الظلم، ويناصر المظلومين، من أي شعب، ومن أي جنس، ومن أي دين.
والرسول “صلى الله عليه وسلم” ذكر “حلف الفضول” الذي شارك فيه في شبابه في الجاهليه، وكان حلفاً لنصرة المظلومين، والمطالبة بحقوقهم، ولو كانت عند أشراف القوم وسراتهم.
وقال عليه الصلاة والسلام: “لودعيت الى مثله في الإسلام لأجبت”.(1)
5-إشاعة روح التسامح لا التعصب:
ومما ينبغي أن تتضمنه هذه الدعوة؛ إشاعة روح التسامح والرحمة والرفق في التعامل بين أهل الأديان، لا روح التعصب والقسوة والعنف.
فقد خاطب الله تعالى رسوله محمداً بقوله: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. (2)
وقال عليه الصلاة والسلام عن نفسه: “إنما أنا رحمة مهداة”. (3)
وقال عليه السلام لزوجته عائشة: “إن الله يحب الرفق في الأمر كله”.(4)
وفي الحديث: “بعثت بالحنيفية السمحة”.
ويلخص الأستاذ الدكتور “نجم الدين أربكان ” زعيم حركة “مللي قروش” مبادئ العمل السياسي الإسلامي وأسس الأخلاق الضابطة كما يلي:
1- إعلاء الحق، أينما كان ومهما كانت الظروف وإلى كل الناس مهما كان شأنهم، وعندما سئل عن الحق قال: هو الإسلام. لقوله صلى الله عليه وسلم: (الحق يعلو ولا يعلى عليه.)
2- الأخلاق الاسلامية: في كل مكان وفي كل زمان تجاه الخالق والخلق، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً).
3-تربية النفس النسل.
(1) رواه ابن اسحق في السيرة كما في ابن هشام…
(2) الأنبياء؛107
(3) الحاكم عن أبي هريرة
(4)متفق عليه؛ “اللؤلؤ والمرجان” عن عائشة.
أسس وقواعد العلاقات بين المسلمين وغيرالمسلمين:
وبالنسبة لأسس ومبادئ االعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين ومفهوم الأخلاق في التعامل معهم سواء في العلاقات الاجتماعية، أو في المعاملات التجارية، أو في الأعمال السياسية، نسرد هنا أحسن ما ذكر في هذا الموضوع هو ما ذكره شيخنا الفاضل الشيخ “يوسف القرضاوي” حفظه االله تعالى في عناصر معاملة أهل الكتاب. حيث قال فضيلته:
1- أنه يعتقد أن اختلاف البشر في أديانهم، وأقع بمشيئة الله تعالى، المرتبطة بحكمته.
كماقال تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم”.(1)
خلقهم ليختلفوا ما دام قد منحهم العقل وحرية الإرادة.
2- أن الحساب على ضلال الضالين، وكفر الكافرين ليس في هذه الدنيا، ولكن في الآخرة، وليس موكولاً إلينا ولكن إلى الله الحكم العدل، واللطيف الخبير.
كما قال تعالى لرسوله: “فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولاتتبع أهوائهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير”. (2)
3-اعتقاد المسلم بكرامة الانسان من حيث هو إنسان: وفي هذا روى البخاري عن جابر “رضي الله عنه”: أن النبي صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة، فقام لها واقفاً، فقالوا: يارسول الله، إنها جنازة يهودي. فقال: أليست نفساً؟”.
بلى فما أعظم الموقف، وما أروع التعليل…
4- إيمان المسلم بأن عدل الله لجميع عباد الله، مسلمين وغير مسلمين، كماقال تعالى “ولايجرمنكم شنآن قوم على أن لاتعدلوا؛ اعدلوا هو أقرب للتقوى”.(3)
وبهذا لا يتحيز المسلم الحق لمن يحب، ولايحيف على من يكره. بل يؤدي الحق لأهله، مسلماً أو غير مسلم، صديقا أو عدواً.(4)
وعندما يتحرك المسلم في وسط المجتمعات الغير المسلمة في أعماله التجارية وفعالياته السياسية ومناسباته الاجتماعية، من هذه المنطلقات الأساسية ومن هذه القواعد الاسلامية يكون قد عدل في عمله وتوسط في سلوكه وأصاب في انجازاته. والله تعالى أعلم.
(1) سورة هود؛118،119.
(2) سورة الشورى؛15
(3) سورة المائدة؛8
(4) في فقه الأقليات المسلمة.أ.د.يوسف القرضاوي.
بعض النتائج الايجابية من العمل السياسي في بلاد الأوروبية:
وفي هذا الموضوع أريد أن أسرد بعض الأمثلة الواقعية من بلاد الأوروبية من نتائج الايجابية في العمل السياسي، وذلك كما يلي:
1-أولاً وجد الأوروبيون فرصة ليتعارفوا بالإسلام والمسلمين من أفواه المسلمين الملتزمين، من الذين نشئوا بين جماعة المسلمين وتربوا على أيدي علماء ومسئولين المسلمين الذين يهتمون بأمور المسلمين ويعملون لتبليغ رسالة الاسلام.
أما قديماً كان المسؤلون الأوروبيون يعملون مع المسلمين غير الملتزمين يساريين وما أشبه ذلك ويشاورون في أمور المسلمين معهم ولذلك كانت سمعة الاسلام والمسلمين أسوأ من الآن.
2- كثيراً من المساجد والمدارس الإسلامية أخذت رخصهم نتيجة العمل السياسي وحسن المعاملة مع الأوروبيين. على سبيل المثال:
مسجد الفاتح الكبير في “برمن”، ومشروع مسجد آياسوفيا في “أمستردام”، والثانوية الاسلامية في “فينا” أخذت رخصتها بعد التصويت في البرلمان وانتهى التصويت لصالحنا بفرق صوت واحد.
3- رئيس جمهورية النمسا د.هاينزفيشر “Dr.Heinz Fischer”: أعطى لأئمة المسلمين ورؤساء الجمعيات والمنظمات الإسلامية رسبسيون ودعوة بمناسبة عيد الأضحى المبارك وذلك في مقر رئاسة الجمهورية بتاريخ:4/11/2005.
4- رئيس برلمان دولة النمسا أ.د. أندريا كوهل “Prof. Dr. Andria Kohl9”: قدم لأئمة المسلمين ورؤساء جمعيات والمنظمات الاسلامية إفطاراً في رمضان: وذلك في:10/7/2005.
5- رئيس الوزراء لدولة النمسا د. فولفجانج شوسل “dr.Wolfgang Schüssel” اشترك في اجتماع مؤتمر الأئمة وألقى كلمة.
6-حاكم وئيس ولاية “فينا” د. مخيائيل هيبل “Michail Häupl” يقدم الإفطار منذ ثلاث سنوات.. وهكذا..
وكل هذا لم نره قبل ثلاث سنوات وهذا يعني أنه كل هذا بدأ بعد أن بدأنا بالاشتغال بالسياسة ودعمنا الأخوة في الأعمال السياسيية مثل الأخ “عمر الراوي” والأخ “مصطفى اشجال” و “لوانت أوزترك” وغيرهم.
والآن المسؤلون النمساويون لايستشيرون أمور المسلمين واليساريين بل يستشيرون ويسئلون هؤلاء الأخوة.
القواعد الأخلاقية الضابطة للعمل السياسي الإسلامي بأوروبا:
أولاً: تعريف الأخلاق:
جاء في لسان العرب؛ ورجل خليق بين الخلق؛ تام الخلق معتدل… ورجل خليق اذا تم خلقه… ورجل خليق مختلق؛ حسن الخلق…
والمختلق: التام الخلق والجمال المعتدل…
والخليقة: الخلق والخلائق يقال؛ خليقة الله وهم خلق الله. وهو مصدر وجمعها الخلائق…
والخليقة: الفطرة…
والخليقة: والسليقة بمعنى واحد…
وفي التنزيل: “وانك لعلى خلق عظيم”
والجمع أخلاق، لا تكثر على غير ذلك.
والخلق والخلق؛ السجية يقال خالص المؤمن وخالق الفاجر.
وفي الحديث: “ليس شئ في الميزان أثقل من حسن الخلق” الخلق بضم اللام وسكونها؛ وهو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقيمة والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة، ولهذا تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق في غير موضع كقوله من أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق.
وقوله صل الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقا.” وقوله: “إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم.”
وقوله: “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.”
وكذلك جاءت في ذم سوء الخلق أيضاً أحاديث كثيرة منها:
في حديث عائشة رضي الله عنها: “كان خلقه القرآن”. أي كان متمسكاً به وآدابه وأوامره ونواهيه وما يشمل عليه من المكارم والمحاسن والألطاف.
ويقال: “أخلق الرجل”؛ إذا صار ذا أخلاق. (1)
يقول الزمخشري في تفسير قوله تعالى: “وانك لعلى خلق عظيم”، استعظم خلقه لفرط احتماله الممضات أي الموجعات من قومه وحسن مخالفته ومداراته لهم.
وقيل؛ هو الخلق الذي أمره الله تعالى به في قوله تعالى: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”.
وعن عائشة رضي الله عنها، أن سعيد ابن هشام سألها عن خلق رسول الله صل الله عليه وسلم فقالت: “كان خلقه القرآن”. ألست تقرأ القرآن قد أفلح المؤمنون”. أخرجه مسلم.(2)
1-لسان العرب. ابن منظور.
2-تفسيرالكشاف. الزمخشري.
ثانياً: القواعد الأخلاقية الضابطة للعمل السياسي الاسلامي:
قواعد الأخلاقية لكل إنسان مهما كان وضعه ومقامه ورتبته، ولكل عمل أو فعل أو معاملة أخلاق وأدب.
– في المعاشرة لأفراد الأسرة أخلاق، كما يقول الرسول “صلى الله عليه وسلم”:”خيركم خيركم لأهله وأناخيركم لأهلي”.(1)
– وفي الاشتغال بالتجارة أخلاق. حيث يقول “صلى الله عليه وسلم”: “من حمل السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا.”(2)
وللأعمال السياسية أخلاق. يقول نبينا “صلى الله عليه وسلم”؛ “أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً؛ إمام عادل، وأبغض الناس الى الله تعالى وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر.”(3)
– وفي التعليم والتعلم أخلاق. حيث يقول “صلى الله عليه وسلم”: “من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار.”(4)
– وفي المعاملة للصغار والكبار أخلاق. كما يقول الرسول “صلى الله عليه وسلم”: “ليس من أمتي من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا”. (5)
– وبالاختصار، في معاملة الجار لجاره أخلاق وهكذا. والذي نريد أن نقوله هنا أن الأخلاق في الإسلام يشمل كل الناس مهما كان موقعه وكل المهن والحرف مهما كان شأنه.
وفي بحثنا هذا سنقف حول الأسس والمبادئ الأخلاقية في العمل السياسي الاسلامي في البلاد الأوروبية بشكل عام والله المستعان؛
الأسس والمبادئ الأخلاقية في العمل السياسي الإسلامي:
1-الأمانة: أي أن يكون الشخص الذي يعمل بالسياسة في البلاد الأوروبية أميناً. لأن تمثيل المسلمين في أي مكان وفي أي موقع كان أمانة عامة يدخل فيها حقوق العباد، والنبي المصطفى “صلى الله عليه وسلم” كان يدعى بأمين محمد(صلى الله عليه وسلم).
وللشخص العامل بالسياسة أن يكون أميناً تجاه الناس الذين يمثلهم وتجاه الناس الذين يعمل معهم.
وأيضاً، أن يكون الناس آمنين منه من يده ولسانه كما ورد في السنة.
2-الصدق: أي أن يكون صدوقاً للمسلين وغير المسلمين. والصدق مطلوب في الأفعال والأفعال. ليكون في خدمة المسلمين خاصة والانسانية عامة ويحسن سمعة الإسلام والمسلمين. و”إن الله مع الصادقين”.
3-المتانة: أي أن يكون هذا الشخص ذا شخصية قوية وهيبة ليقف وقفة سليمة يليق بالمسلم أينما كان ويكون على إرادة عالية أمام التحديات التي تشكل خطراً وإساءة للإسلام والمسلمين والإنسانية جميعاً.
4-اتباع الحقائق: أي أن لا يعمل المسلم على هواه أينما يكون ومها كانت الظروف .
قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله بما تعملون خبيرا”. (6)
(1)
(2) مسلم عن أبي هريرة رضي لله عنه
(3) الترمذي والطبراني. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4) الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه.
(5) الترمذي وأبو داود عن عمر بن شعيب رضي الله عنه.
(6) النساء؛135
5-العدالة: ومن أهم الأوصاف التي يجب أن يتصف المسلم بها في العمل الاسلامي هي العدالة الشاملة لكل الناس، والعدالة مطلوبة من كل الناس إلى جميع الناس مهما كانت أديانهم وأشكالهم وأجناسهم وأوصافهم، حيث قال الله تبارك وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا االله إن الله خبير بما تعملون”. (1)
6-العزة والكرامة: أي أن لايحس المسلم في العمل السياسي الإسلامي سواء في بلاده أو في بلاد الغرب بالذل من دينه واعتقاداته، بل يعتقد أن العزة في الإسلام والكرامة بالتقوى، حيث قال الله تبارك وتعالى: “الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة، إن العزة لله جميعا”. (2)
وقال تعالى أيضاً؛ “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. (3)
وكما يقول عمربن الخطاب “رضي الله عنه”: “مهما ابتغينا العزة بالإسلام أعزنا الله، ومهما ابتغينا العزة بغيرالاسلام أذلنا الله”.
7-الدعوة: أي أن المسلم الذي يعمل في بلاد الغرب، سواء كان تلميذاً أومعلماً، سياسياً كان أو تاجراً، عليه أن يعرف ويدرك أنه قد تحمل مسؤلية الدعوة الاسلامية.
يعني على جانب عمله مهما كان عمله؛ أن يبلغ دعوة الإسلام إلى غير المسلمين ويبذل الجهد لتحسين سمعة الإسلام والمسلمين في الغرب.
والمنهج في ذلك كما في الآية الكريمة، حيث يقول االله سبحانه وتعالى: “أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين”. (4)
8-البروالاحسان: ومن أخلاق المسلم البر والإحسان، ألا وهو أن يبر ويقسط ويحسن للآخرين ليجلب قلوبهم إلى الحقائق. وذلك لقوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين”.(5)
9-المعاملة بالحسنى والمسامحة: بل أكثر من الحسنى كما في الآية الكريمة: “وجادلهم بالتي هي أحسن” والمسامحة كما في الحديث: “بعثت بالحنيفية السمحة.”
ولذلك للمسلم الذي يعيش في بلاد غير المسلمين أن لايشدد في المعاملة ويحترم قيم الآخرين ويعيش بينهم بروح التسامح.
10-والقول الموجز في هذا البحث؛هو أن يكون المسلم على الأخلاق الاسلامية المطلوب منه ويليق به. وذلك في كلامه ومعاملاته السياسية والتجارية والأسرية وحياته اليومية.
(1)المائدة؛8
(2)النساء؛139
(3)الحجرات؛13.
(4)النحل؛125
(5)الممتحنة؛8
خلاصة البحث
وفي الخاتمة أريد أن ألخص هذالبحث المتواضع بالمبادئ الأساسية والأخلاقية في العمل الاسلامي السياسي:
1- “الايمان الصحيح القوي الذي لايتاثر من السلبيات والمفاسد المادية والمعنوية والفكرية”.
يقول الله سبحانه وتعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا؛ وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون.) (1)
2- “الاسلام الصحيح النقي من البدع والخرافات؛أي الاسلام الذي في القرآن الكريم والسنة الشريفة وماعليه السلف الصالح.”
قال الله تبارك وتعالى: (ان الدين عندالله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الأمن بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فان الله سريع الحساب.) (2)
3- “الإحسان الذي هو مطلوب في الدنيا والآخرة. لينال الإنسان كلاً الحسنيين عليه أن يحسن إلى جميع المخلوقات لكي يكون من المحسنين، والله يحب المحسنين”: حيث يقول الله عزوجل: “( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).(3)
وأن يكون عمله في درجة الإحسان، كما في الحديث: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
4- “العلم الكافي الصحيح النافع”: كمافي الآية الكريمة؛( فتعالى الله الملك الحق ولاتعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه؛ وقل رب زدني علماً).(4)
5- “العبادة التي خلقنا من أجلها”: حيث يقول الله سبحانه وتعالى؛((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). (5)،والعامل بالفعاليات الاسلامية السياسية أن يعمل ويبذل الجهد بنية العبادة وبروح المجاهدة في سبيل الله سبحانه وتعالى.
6- “الإخلاص الذي هو روح العبادات والمعاملات والفعاليات الإسلامية السياسية بل روح العبودية لله سبحانه وتعالى”: كما يقول الله تبارك وتعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)(6)
ويقول الله عزوجل في العمل المأجور والمقبول: (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله؛ فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً). (7)
(1) الحجرات؛15
(2) آل عمران؛19
(3) البقرة؛201
(4) طه ؛114
(5) الذاريات؛56
(6) الأنعام؛162
(7) النساء؛146
7- “الاصلاح؛أن يكون العمل وبذل الجهد للاصلاح لاللافساد”: كما في الآية السابقة؛(…وأصلحوا..) وكمافي الآية:( إن أريد إلا الإصلاح)، أي أن يؤدي وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهذا واجب كل المسلم.
والمسلمون في أوروبا مع الأسف الشديد منذ أن أتوا إلى بلاد الغرب أسائوا إلى أنفسهم وشوهوا سمعة دينهم وعلى المسلمين عامة وعلى من تحمل المسؤلية في الأعمال السياسية والتجارية والإدارية سواء في المراكز الحكومية أو المراكز الخاصة أن يصلح نفسه ويعمل لاصلاح الناس ويبذل الجهد لاصلاح العلاقات بين المسلمين والمواطنيين الأوروبين ويبذل الجهد الكبير لفهم الإسلام الصحيح.
8-“الاتقاء: أي التقوى الذي هي الالتزام والاعتصام بأوامرالله والاجتناب من نواهيه: حيث يقول الله سبحانه وتعالى:((يا أيها الذين آمنوا اتقو االله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.) (1)
وفي الحديث الشريف:( اتق الله حيث ماكنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.)
والمسلم الذي يعمل في بلاد الغرب يعمل ويعيش في وسط المعاص المنكرات ولذلك عليه أن يتق الله ما استطاع ويكون قدوة لمن حوله.
9- “الاستقامة”: التي هي: استقامة الروح والبدن والأعضاء في القول والفعل، يقول الله تعالى( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولاتطغوا إنه بما تعملون بصير.) (2)
يقول القرطبي:”الخطاب للنبي “صلى الله عليه وسلم” ولغيره. وقيل: له والمراد أمته….والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال، فاستقم على امتثال أمر الله.”(3)
ويقول العلامة الآلوسي في تفسيره: والظاهر أن هذا أمر بالدوام على الاستقامة وهي لزوم المنهج المستقيم وهو المتوسط بين الإفراط والتفريط وهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق فتشمل العقائد والأعمال المشتركة بينه “صلى الله عليه وسلم” وبين سائر المؤمنين والأمور الخاصة به عليه الصلاة والسلام من تبليغ الأحكام والقيام بوظائف النبوة وتحمل أعباء الرسالة وغير ذلك.”(4)
أعتقد أن هذا تفسير جامع لكلمة الاستقامة وخاصة في موضوعنا المبادئ الأخلاقية في العمل السياسي الإسلامي في بلاد الغرب.
وأعتقد أن الاستقامة تلخص كل ما يجب أن يكون في المسلمين عامة وفي المسلم الفعال خاصة وبالأخص المتحمل المسؤلية السياسية والإدارية ومسؤلية التمثيل للمسلمين.
ويقول العلامة القرطبي في تفسير: (ان الذين قالواربنااالله ثم استقاموا…)(5)
وري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (ثم استقاموا) لم يشركوا بالله شيئاً.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يروغوا روغان الثعالب.
وقال عثمان رضي الله عنه: ثم أخلصوا العمل لله،
قال علي رضي الله عنه: ثم أدوا الفرائض.
وأقوال التابعين بعناها:
قال ابن زيد وقتادة: استقاموا على الطاعة لله.
وقال الحسن: اسقاموا لى أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته.
وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا اله إلا الله حتى ماتوا.
وقال سفيان الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا، وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله.
وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية، وقيل: استقاموا أسراراً كما استقاموا إقراراً.
وقيل: استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً، وقال أنس رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: (هم أمتي ورب الكعبة) (6)
(1) آل عمران: 102
(2) سورة هود: 112
(3) الجامع لأحكام القرآن “القرطبي”
(4) تفسير روح المعاني “الآلوسي”
(5) فصلت: 36
(6) أورده الزبيدي في اتحاف السادة المتقين بلفظ (أمتي يارب أمتي)
إخواني الأعزاء في الأمانة العامة للمجلس الأروبي للإفتاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أرسل لكم هذا البحث المتواضع، وعندما تصلكم أخبروني إن شاء الله تعالى.
جزاكم الله تعالى خيراً…
ومع سلامي الحار إلى جميع الأخوة العاملين في المركز الإسلامي في دبلن:
أعطيكم عنواني وأرقام التلفونات الجدد والفاكس:
العنوان: Mustafa Mullaoglu
Ullmannstr.63/1/2. 1150.Wien-AUSTRIA
0043.6602199710 النمسا
00491772627974 المانيا
الفاكس:00431961912121
إلى لقاء لما يحب الله ويرضاه باذن الله تعالى،،
أخوكم: مصطفى ملا أوغلو
عضو المجلس