البحوث

القضايا الشرعية المتعلقة بالعيش المشترك

القضايا الشرعية المتعلقة بالعيش المشترك

 

إعداد:

د. عبد الستار أبو غدة

عضو المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث

وعضو مجمع الفقه الإسلامى الدولى

عضو المجلس الشرعى لهيئة المحاسبة (أبوظبي)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين..

التقديم

من المقرر أنه تختلف الأحكام بحسب المكان والزمان، من حيث تحقيق مناط القضايا وإنزال الأحكام المناسبة لها عليها.

 وقد روعي ذلك في العصور السابقة حين تغلب غير المسلمين على الأندلس وصقلية حيث طرحت مسائل متعلقة بتلك الظروف البيئية والأحوال السياسية.

إن المسلمين من مواطنين أصليين أو مجنسين يحتاجون إلى فقه خاص لا يمس الثوابت، وإنما يندرج في السياسة الشرعية ومراعاة الأعراف واستهداف المصالح العامة مع تحقيق مقاصد الشريعة.

 وما يطرح في الدورة الخامسة والعشرين للمجلس هو من هذا القبيل.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل…

مفهوم الأخوة الإنسانية

في ضوء النصوص وأقوال العلماء

إن مفهوم الأخوة الإنسانية مقرر في القرآن والسنة وفي مقولات أهل العلم:

  • ففي القرآن قول الله:   وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ   [1] ، فأثبت الكرامة للناس جميعاً من المؤمنين وغيرهم، مهما اختلفت ألسنتهم ،وألوانهم ، وأديانهم ، وفرقهم ، وتنوعت شعوبهم وقبائلهم، وبلادهم وبيئاتهم، وقد جعل الله تعالى اختلاف الألسنة والألوان من آيات الله الكونية لتسهيل التعارف النتعذر لولا ذلك الاختلاف وهذا كله اعتراف بالأخوة الإنسانية وحث على مراعاتها في التعامل.
  • وقوله تعالى:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم    [2]   ، وموجز ما ذكره المفسرون لها: أنه لا محل للتفاخر بالأنساب والأحساب، لان الأصل واحد،والتفاضل بالتقوى و(الشعوب) المنسوبون لأصل واحد. (لتعارفوا) لتصلوا الأرحام وتتعاونوا على البر أو ليعرف بعضكم بعضا ويعطيه حقه.[3]
  • ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: “الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله “[4].
  • ولا يتسع المقام لسرد مقولات العلماء واجتهاداتهم في الشأن الإنساني، فهو الأصل في الأحكام فلم يميزوا فيها بين مسلم وغيره إلا في أمور تتصل بالعقيدة، والعبادة ، وقد قرر العلماء منذ العهود الأولى أن (الإنسان مدني بالطبع )[5]، من حيث هو إنسان مسلم أو غير مسلم .

كما أن المقصد الشرعي (حفظ النفس) ينصب على النفس البشرية مهما كان الدين أو اللغة أو الموطن  مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا.ِ [6].

محبة الخير للناس كافة:

إن جميع الأفعال الحميدة المطلوب من المسلم القيام بها، وكذلك الخصال الخلقية المدعو للاتصاف بها، جاءت عامة شاملة، لا تفرق بين أن يكون محل تطبيقها مسلما أو غير مسلم.

تدل على ذلك آيات البر والإحسان وفعل الخيرات:

  • الوفاء بالعهد يستوي في استحقاقه المسلم وغيره وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [7].
  • بر الوالدين والإحسان إليهما حتى لو كانا مشركين دون طاعتهما في الكفر  وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا  وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [8].
  • مخاطبة الناس بالطيب من القول {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}[9]
  • الإحسان إلى الجار القريب والغريب {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}[10]
  • العدل { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[11]
  • توفير الطعام للمحتاج إليه وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً  [12] ، والأسير هنا غير المسلم كما ذكر المفسرون.
  • وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ  [13].
  • لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ [14]
  • أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [15].
  • وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ِ [16].

أما السنة النبوية فهي مليئة بالأحاديث القولية والفعلية عن محبة الخير للناس كافة.

هذا وقد حث الإسلام على الإحسان، حتى للخصوم، وبذلك يفتح الإسلام القلوب بالإحسان، كما يفتح العقول بالحجة والبرهان {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”[17]

حكم الدعاء لغير المسلم:

قال الإمام النووي:  اعلم أنه لا يجوز أن يدعى للذمي (وغير المسلم) بالمغفرة وما أشبهها مما يقال لغير المسلمين. لكن يجوز أن يدعى له (للذمي وغير المسلم) بالهداية، وصحة البدن، والعافية، والرحمة {ورحمتى وسعت كل شىء} [18]وشبه ذلك.

ثم أورد حديث أنس رضي الله عنه قال: استقى النبي صلى الله عليه وسلم فسقاه يهودي، فقال له النبي “جمّلك الله” فما رأى الشيب حتى مات. أخرجه ابن السني[19].

وباستثناء الدعاء بالمغفرة جاء النص القرآني ” مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى..”[20] { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}[21]

وعليه فإنه يجوز أي دعاء آخر لا يشبه المغفرة، مثل: شكر الله لك، أو جزاك الله خيرا، ففي الحديث: ” مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ به فقولوا: جزاك الله خيرا”. [22]وكذك قوله تعالى :{ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[23].

حكم صلاة الاستسقاء لغير المسلم:

أورد الفقهاء في أحكام صلاة الاستسقاء أنه يشرع فيها الخروج لكافة الناس وصرحوا بخروج الرجال وكذلك النساء من غير الشواب وذوات الهيئة لدرء الفتنة بهن وأنه إن خرج مع المسلمين أهل الذمة لم يمنعوا، لأنهم يطلبون أرزاقهم من ربهم فلا يمنعون من ذلك، ولا يبعد أن يجيبهم الله تعالى لأنه قد ضمن أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين.

وأما إقامة صلاة الاستسقاء لصالح غير المسلمين فلم يتعرض الفقهاء لها. وإذا كان المسلمون في بلد غير إسلامي فإن إقامة صلاة الاستسقاء يستفيد منها المسلم وغيره كما ذكر أعلاه.

وقد كان الاستسقاء يقام في مصليات خارج المدن – كصلاة العيدين – ولكن الآن صار يقام في المساجد، وإذا شارك غير المسلم في طلب المطر فإنه يضطر إلى دخول المسجد، وقد تكلم الفقهاء عن دخول غير المسلم المسجد، وأنه يجوز دخوله المسجد والمكث فيه – وإن كان جنبا – واستدلوا بوقوع ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره. فقد أنزل النبي صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف المسجد قبل أن يسلموا. واشترط بعض الفقهاء إذن المسلم ، ويغتفر دخوله بدون إذن جاهلاً بتوقفه على الإذن. ولا يدخلون غير محتشمين[24].

حكم صرف الزكاة والصدقات والتبرعات لغير المسلمين أفراداً ومؤسسات:

قال ابن قدامة: لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ان زكاة الأموال لا تعطى لغير المسلم. ، قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : أعلمْهم أنَ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم . فخصهم بصرفها إلى فقرائهم، كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم.

 ثم استثنى من كان من العاملين على الزكاة منهم، فيعطون بحق ما عملوا، لأن لفظ (والعاملين عليها) عام يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان، ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة عمله فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات. [25]

قال ابن رشد (الحفيد): هل المؤلفة قلوبهم حقهم باقٍ إلى اليوم أم لا؟ فقال مالك: لا مؤلفة اليوم. وقال الشافعي ومتاخرو حنيفة: بل حقهم باقٍ إلى اليوم إذا رأى الإمام ذلك، وهم الذين يتألفهم الإمام على الإسلام. وسبب اختلافهم هل ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أو عام له ولسائر الأمة، والأظهر أنه عام.

وهل يجوز ذلك للإمام في جميع أحواله أو في حال دون حال؟ أعني في حال الضعف لا في حال القوة، ولذلك قال مالك: لا حاجة إلى المؤلفة الآن لقوة الإسلام، وهذا كما قلنا التفات منهم إلى المصالح.

ويرى بعض المالكية (القاضي عبد الوهاب وإبن بشير وابن الحاجب واعتمده خليل) “أن حكم المؤلف قلبه (وهو كافر يعطى من الزكاة ليسلم، وقيل: مسلم حديث عهد بإسلام ليكتمل إسلامه) باقٍ لم ينسخ أي أن تأليفه بالدفع  اليه ما يزال معمولا به، لأن المقصود من دفع زكاة المال إليه ترغيبه في الإسلام لأجل إنقاذ مهجته من النار”[26]

ويفرق بين غير المسلم المتألف، وحديث العهد بالإسلام[27] فحكمه باقٍ اتفاقا، وذهب الحنابلة إلى أن حكم المؤلف باق: سواء من يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه ونحوه مذهب الزيدية والإمامية.

وأورد الدكتور وهبة الزحيلي استخدامات هذا السهم من الزكاة على مستوى المؤسسات.

  • درء المخاطر والمفاسد عن المسلمين.
  • الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد
  • جباية الصدقات ونحوها
  • نشر الدعوة ومقاومة التبشير
  • الإسهام في تخفيف الكوارث لتحسين النظرة للمسلمين
  • إغراء رؤساء الدول الفقيرة والأقوام المتخلفة والدول التي لديها جاليات إسلامية.
  • تقوية ضعاف الإيمان وإيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد.

حكم المؤلفة قلوبهم:

قد ثبت حكم المؤلفة قلوبهم فى كتاب الله تعالى  “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ”، وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم وابى بكر وفى عهده اجتمع عمربن الخطاب “رضى الله عنه” بإيقاف الصرف للمؤلفة قلوبهم لتحقق العزة والقوة للمسلمين ووافقه أبوبكر .

وذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى ان مصرف (المؤلفة قلوبهم) باق، إذا دعت الحاجة إليه، وبعض فقهاء الحنفية أخذوا بذلك وانه لم يسقط وإنما حصل الإستفتاءعنه فى عهد أبى بكر ، تطبيقا للقاعدة ” لا ينكر تغير الاحكام بتغير الزمان والمكان “.

والمؤلفة قلوبهم تشمل المسلمين الجدد وغير المسلمين :

-المسلمون الجدد يعطون لتثبيتهم على الإسلام ، ولترغيب غيرهم ممن له أثر فى المجتمع ليقتدى بهم أمثالهم .

– غير المسلمين : ممن يرجى إسلامه فيعطى لتميل نفسه للإسلام.ممن يخشى شرهم وضررهم على المسلمين ويؤمل من إعطائهم كف شرهم .

– صدرت فتوى من الهيئة الشرعية العالمية للزكاة (بيت الزكاة الكويتى)باستمرار هذا المصرف عند الحاجة .

– المعيار الشرعى 25بشان الزكاة نص على أن مصارف الزكاة هى الثمانية المنصوص عليها فى سورة التوبة /60وأحدها (المؤلفة قلوبهم )، وكذلك جميع مشاريع القوانين الصادرة فى البلاد الإسلامية (السعودية – السودان – ليبيا- ماليزيا )وغيرها.

ومما يتعلق بالزكاة الوصية والوقف لغير المسلم:

من المقرر أنه يجوز للمسلم الوصية لغير المسلم باتفاق الفقهاء، لأن التمليك والتملك لا يشترط له الإسلام فتجوز الوصية من المسلم لغير المسلم وبالعكس وكذلك الحكم في الوقف شرط أن لا يكون في معصية[28].

المعاملات المالية مع غير المسلم:

من المقرر جواز البيع والإجارة والاستئجار بين المسلم وغير المسلم لأنه من عقود المفاوضات فيملكه المسلم وغير المسلم.

وتجوز الشركة بين المسلم وغير المسلم بشرط أن لا يتصرف غير المسلم إلا بمعرفة شريكه المسلم للأمان من ارتكاب محظورات شرعية في تصرفات الشركة.

وجاء فى المعيار الشرعى (12)بشرط أن الشركة “3/1/1/2″يجوز للمؤسسة (الإسلامية ) إشراك غير المسلمين ، او البنوك التقليدية معها فى عمليات مقبولة (شرعا) ، إلا إذا تبين ـن المقدم سلعة كان اونقدا محرم (أى مسروق ـو مغصوب او خمر أو خنزير )مع اتخاذ المانات اللازمة للالزام باحكام ومبادىء الشريعة .

وقد تعامل النبى صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين من مشركين ويهود ومات ودرعه مرهونة لدى يهودى(2/25).

التبرع بالدم والأعضاء لغير المسلم:

لم يتضمن قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي – رغم تفصيله واستيعابه – أي كلام عن التبرع بالأعضاء أو الدم لغير المسلم.

وبالرغم من استكمال المجلس الأوربي بعض المسائل المتعلقة بنقل الأعضاء فإنه لم ينص على حكم ذلك صراحة، ولكن يؤخذ من أول تلك المسائل المستدركة التي صدرت بعبارة ” إذا حدد المتبرع أو ورثته (شخصاً معينا) للانتفاع بالعضو المتبرع به…الخ فيجب الالتزام بذلك ما أمكن…” فإن عبارة (شخصاً) دون تقييدها بالمسلم، فيها ما يصلح للحكم بعدم المانع من أن يكون الشخص المتبرع اليه( المنتفع) غير مسلم.[29]وكذلك يتبرع غير المسلم للمسلم .

لأن ذلك فيه معونة على حفظ النفس الذي هو أحد مقاصد الشريعة التي جاءت بها كل الأديان والمراد اي نفس كانت ما لم تهدر حرمتها بسبب من الأسباب المشروعة.

وصدر عن مجمع الفقه الإسلامى الدولى قرار مفصل فى انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر وكرر ذكر الإنسان فى البنود الثمانية دون تقييد بالمسلم .

الجمع بين رباط المواطنة ورباط العقيدة:

المسلمون في البلاد الأوربية صنفان: مقيمون دخلوا بتأشيرة دخول ينطبق عليهم وصف (المسلم المستأمن) وعليهم التزام قوانين البلد والوفاء بالعهد ومواطنون بالأصالة، أو بالتجنس، وهذا الصنف ضمنت لهم القوانين جميع حقوق المواطنة، مثل حرية التدين التي تمكنهم من المحافظة على دينهم وحق التعريف به، وعليهم احترام عقد المواطنة والتزام قوانين البلد الذي انتموا اليه وحملوا جنسيته.

وعلى المسلم المواطن الجمع بين أمرين:

  • الولاء للعقيدة باعتبار ذلك الولاء رباطا خاصا بعلاقة تنشأ منها التزامات وواجبات وحقوق بموجب الإيمان بأركان وما يترتب على ذلك من أحكام وإقامة شعائر وأخلاق. وهذا الولاء لا يتناقض مع الولاء للوطن بل هو رباط العقيدة.
  • الالتزام بمقتضيات المواطنة، وأداء ما يجب عليه بسببها، مثل التعايش واحترام الآخر، والتقيد بالقوانين السائدة لتحقيق ما يصلح البلد وينفع المواطنين فيه، والدفاع عن الوطن اذا اعتدي عليه، ودفع الضرر عنه شريطة أن لا يشارك في أي اعتداء تقوم به بلده على بلد آخر إسلامي[30].

ولا تتم المواءمة بين رباطي العقيدة والمواطنة إلا بما يلي:

  • عمل المواطنين المسلمين على حفظ شخصيتهم الإسلامية دون انغلاق وانعزال أو تحلل وذوبان في المجتمع، وإلى إقامة المؤسسات الدعوية والتربوية والاجتماعية لذلك.
  • دعوة المجتمعات الأوربية والهيئات المعنية بالاندماج، مثل المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث لدراسة مقتضيات الاندماج وتيسيره بما يدعم استقرار وازدهار المجتمع، ويمكن المواطنين المسلمين من الحفاظ على هويتهم الإسلامية الأوربية.

ومن مقتضيات الاندماج وآليات المواءمة بين رباطي الثوابت (العقيدة) والمواطنة ما اشتمل عليه القرار 75 (2/17)[31]، وخلاصتها :

  • بالنسبة للمواطن المسلم:
    • معرفة لغة المجتمع وأعرافه وقوانينه والالتزام بها.
    • المشاركة في شؤون المجتمع وخدمة الصالح العام.
    • الخروج من وضع البطالة ليكون منتجا يكفي نفسه وينفع غيره.
  • بالنسبة للمجتمع:
    • إقامة العدل وتحقيق المساواة وحماية حرية التعبير والتدين وجميع الحقوق.
    • تشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين المسلمين وغيرهم.
    • مقاومة مظاهر العنصرية ومعاداة الإسلام وخصوصا إعلاميا بالطرق السلمية.

 تكريم الإنسان مسلما كان أو غير مسلم وبخاصة الجار:

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ، … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (سورة الاسراء / 70)

وبنو آدم فيهم المسلم وغيره، والتكريم الإلهي للبشر يقتضي مراعاة حقوقهم والإحسان اليهم.

وممارسة (المواطنة) تتلاءم مع العدل، ومقاصد التشريع وبخاصة حفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال .

وتفعيل مفهوم المواطنة الحقة من جميع المواطنين أو المقيمين في الدولة يقتضي النصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتقديم الرأي والمشورة، وهي أمور مطلوبة لكل إنسان، مسلما كان أو غير مسلم.

ولا تشترط العدالة في ممارسة حقوق المواطنة فتشمل المسلم الملتزم وغير الملتزم وغير المسلم.

وإذا كان غير المسلم جاراً للمسلم فإنه تثبت له – إلى جانب الحقوق الإنسانية – حقوق الجوار[32].

الاحتفال أو التهنئة بالأعياد الدينية والوطنية وأحكامها:

بناء على التوصية بالاعتماد على الفتاوى الواردة في القرارات الصادرة عن المجلس أورد منها ما يلي:

“لا مانع أن يهنئهم (أي غير المسلمين) الفرد المسلم أو المركز الإسلامي، بمناسبة الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال أو الوحدة أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك سواء هنأهم مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام، مثل الصليب، فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}.[33]

والكلمات المعتادة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.

ولا مانع من قبول الهدايا منهم ومكافأتهم عليها بشرط أن لا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير (أي سواء إهداؤها أو قبولها).

أما احتفال المسلمين بأعياد المشركين واهل الكتاب الدينية – كما نرى بعض المسلمين الغافلين – يحتفلون بالكريسماس…وهذا ما لا يجوز. ولكن لا نرى بأساً من تهنئة القوم بأعيادهم (أي وليس الاحتفال السابق بيانه) لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية التي تقتضي حسن الصلة ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم.[34]

ومما له صلة بالمشاركات الاجتماعية الحذر من التشبه بما هو شعار لغير المسلمين، سواء كانت بالكلمات الدينية الخاصة بغير المسلمين مما له طابع مجاف للإسلام، أو كان باللباس، أو وسائل الزينة المستخدمة في المناسبات إذا كان فيها ما هو شعار لغير المسلمين من الصلبان، أو هيئة بابا نويل، أو شجرة الميلاد … الخ)

وقد قرر الفقهاء أنه إذا كان فعل ذلك على سبيل الميل إلى غير المسلمين واستحسان تلك الشعارات فقد يؤدي بصاحبه إلى الخروج من الإسلام بحسب الظاهر، واستثنوا من ذلك غرض الخديعة في الحرب، أو حالة الإكراه على ذلك. واستدلوا بما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من تشبه بقوم فهو منهم” [35]

خصوصية الإسلام في البلاد الأوربية بين حفظ الثوابت ومراعاة الأحوال والأعراف:

إذا دخل المسلم دار غير المسلمين بأمان صار مستأمنا كما نص عليه جمهور الفقهاء ويترتب على استئمانه حرمة خيانة غير المسلمين والغدر بهم، وقد نص جمهور الفقهاء على أنه تحرم على المسلم الذي دخل دار غير المسلمين بأمان خيانتهم، فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ودمائهم وفروجهم، لقوله صلى الله عليه وسلم : “المسلمون على شروطهم”[36]، ولأنه بالاستئمان ضمن لهم أن لا يتعرض بهم، وإنما أعطوه الأمان بشرط عدم خيانتهم، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى، ولا يصلح في ديننا الغدر[37] .

فإن خان المسلم المستأمن الكفار، أو سرق منهم، أو اقترض منهم شيئا وجحده ، فنص الشافعية والحنابلة على أنه يجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان رده عليهم، وإلا بعث به إليهم لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه فلزمه رد ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم، ولأنه ليس له التعرض لهم إذا دخل بأمان .

وقال الحنفية : إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان وأخرج إلينا شيئا ملكه ملكا حراما، لأنه ملكه بالغدر، فيتصدق به وجوبا، ولو لم يخرجه رده عليهم .

أوجب الإسلام الوفاء بالعهد، والتزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع عهوده، تحقيقا لقوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } [38]ونفى النبى صلى الله عليه وسلم الدين عمن لا عهد له فقال صلى الله عليه وسلم : « لا دين لمن لا عهد له »[39] ومن صور التزامه العهد : وفاؤه بالوثيقة التي عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، وصلح الحديبية . وغيرهما.

ونقض العهد محرم قطعا . ولا يصح من مؤمن أبدا للآية السابقة ولحديث : « أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر »[40] .

وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد كما أمر بإتمام مدة العهد في قوله تعالى : {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم }[41] ووصف الذين ينقضون عهدهم بالخسران في قوله تعالى : { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون } [42].

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظلم المعاهد بقوله : « من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة»[43].

ونقض العهد يعد من الغدر، وقد شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغادر في قوله : « لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به »[44] .

المشاركة في جمعيات النفع العام في أوربا “مشروعيته وأسسه وضوابطه” :

جاء في أحد قرارات المجلس:[45]

مشروعية إسهام المسلمين في غير الدول الإسلامية في الأنشطة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي لا تتعارض مع الثوابت الإسلامية، ولا سيما إذا اقتضت المواطنة ذلك شريطة أن لا تهدد هويتهم وشخصيتهم الإسلامية.

وجاء في قرار آخر: [46]

المشاركة في شؤون المجتمع، والحرص على خدمة الصالح العام، عملا بالتوجيه القرآني: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.}[47]

وقد ذكر النبى صلى الله عليه سلم حلف الفضول [48]الذى تم فى الجاهلية وقال: (لو دعيت إليه فى الإسلام لأجبت ).

 

[1] سورة الإسراء / 70

[2] سورة الحجرات / 12

[3] من ابن كثير و الشوكاني و الجلالين وفتح البيان للعليمي.الذى اختصره د.وليدبن هادى ود.عبدالستار ابوغدة باسم( البيان).

[4] رواه البزار وأبو يعلى والطبراني

[5] إمام الحرمين في غياث الأمم 500

[6] سورة المائدة / 32

[7] الإسراء / 34

[8] لقمان / 15

[9] البقرة / 83

[10] النساء / 36 ، والمراد الجارى غير ذى القربى.

[11] المائدة / 8

[12] الانسان / 8

[13] لقمان / 18

[14] الحجرات / 11

[15] البلد / 13 – 15

[16] الحج / 77

 [17] سورة فصلت / 34

[18] سورة الأعراف /156

[19] الأذكار للنووي 406، 407

[20] سورة التوبة / 113

[21] سورة النساء/48

[22] رواه أبو داوود والنسائي

[23] سورة الإسراء/22

[24] الاختيار 3/121 وتفسير القرطبي 2/78 وإعلام الساجد للزركشي 218 والمغني 8/532 وآداب ابن مفلح3/ 4

[25] المغني، لابن قدامة 2/ 654

[26] بداية المجتهد (253)

[27] الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي 2/ 24 – 25)

[28] شرح المنتهى 2/493 والدسوقي 4/78 والمهدب 4481 والبدائع 4/176 والموسوعة 35/28 و 29و25/2المعيير الشرعية 189والمراجع السابقة .

[29] انظر قرارات المجلس الأوروبى صفحة 52 .

26/2 قرارات مجمع الفقه الإسلامى الدولى القرار 27 (2/4)صفحة 141

[30] تنظر قرارات المجلس رقم 149- 151 و 155 و 156

[31] مستخلص من القرارات 68 و 69 و 71 و 74 و 75 من قرارت المجلس الأوربي

[32] الحكم في الإسلام 170 ابراهيم عبد اللطيف الإبراهيم.

[33] سورة النساء / 156

[34] القرارات و الفتاوى الصادرة عن المجلس الأوربي 58-63 بالاقتصار على محتوى الفتوى مع المحافظة على نصها.

[35]  أخرجه ابو داود في سننه 4/314 وحكم ابن تميمة بجودة استناده (اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 236)

[36]   حديث: “المسلمون على شروطهم”. اخرجه الترمذي (3/262) من حديث عمرو بن عوف وقال: حديث حسن صحيح

[37]  فتح القدير (4/347-348)، وحاشية ابن عابدين (3/247) والاختيار (4/135)، وروضة الطالبين (10/291)، وكشاف القناع (3/108)، والمغني (8/458).

[38] سورة النحل / 91

[39]  الأحكام السلطانية للماوردي ص 10 وحديث : ” لا دين لمن لا عهد له …” أخرجه أحمد (3/135) من حديث أنس ابن مالك

[40] حديث : “أربع من كن فيه…” أخرجه البخاري (فتح الباري 1/89) من حديث عبد الله بن عمرو.

[41] سورة التوبة /4

[42] سورة البقرة / 27

[43]من ظلم معاهدا…” أخرجه أبو داود (3/437) وقال السخاوي في المقاصد (ص 392): سنده لا بأس به. حديث: “

[44] حديث: “لكل غادر لواء…” أخرجه البخاري (فتح الباري 5/283) ومسلم (3/136) من حديث ابن عمر.

[45] من القرار رقم 71 (4/16) من قرارات المجلس الأوربي

[46] من القرار رقم 75 (2/7) من قرارات المجلس الأوربي

[47] سورة الحج / 77

[48] سمى حلف الفضول لأن عددا ممن شارك فيه اسمه (الفضل).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق