البحوث

“الخلع والطلاق” في ضوء القوانين الأوروبية

“الخلع والطلاق”

في ضوء القوانين الأوروبية

تقديم

د. صهيب حسن عبد الغفار

سكرتير مجلس الشريعة الإسلامية

لندن- بريطانيا

الدورة الرابعة والعشرون

المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

استانبول

16 -19 أغسطس 2014م

 

الخلع والطلاق في ضوء القوانين الأوروبية

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد،

فقبل أن نخوض في موضوع الخلع بالذات نريد أن نعطى لمحات سريعة عن مشروعية الطلاق نفسه في أوروبا بتسلسل تاريخي.

قيل أن “حمورابي” كان أول مقنّن في “بابلون” (العراق حاليا) للطلاق وغيره من الأحكام وذلك في 1772 ق.م إلى أن جاءت التوراة بأحكام مفصلة مما صار مصدرا هاما لليهود والمسيحيين عبر التاريخ، وإنما ذكرنا ذلك لأن الشرقيين من الطائفتين نقلوها إلى أوروبا، وقد عرف الرومان، وخاصة في عهد الإمبراطور ثيوودوسس (449هـ) طلاقا بدون غرامة إذا كان أحد الزوجين ارتكب جريمة من نوع القتل أو التسميم أو الحرابة وغير ذلك، وقررت الكنيسة الكاثولوكية عام 700م أن الزواج عقدة لا تحل حتى بالموت أو الطلاق، وإلى عام 1100م كانت الكنيسة لا تجوّز الطلاق بسبب الزنا وإنما أجازت الفرقة فقط.

وشهد القرن السادس عشر موجة عارمة من الإحتجاج حتى انبثقت منها الكنيسة المعروفة ببروتستانت، وكان مما احتجت على الكاثوليك هو موضوع الطلاق نفسه فأجازوا نقض الزواج بالطلاق.

ونحبّذ أن نورد التواريخ المهمّة فيما يلي بخصوص تعامل الدول الأوروبية لموضوع الطلاق:

  • عام 1560م : أقرت إسكتلندا لأول مرة بالطلاق بسبب الزنا ثم قبلت عام 1573م هجر أحد الزوجين للآخر سببا للطلاق أيضا.
  • عام 1792م : صار للطلاق وضعٌ قانوني في فرنسا ولكن جُعل غير قانوني مرة أخرى عام 1816م.
  • عام 1857م: صار للشخص العادي الحق في الطلاق بقانون الأسباب العائلية في إنجلترا، وكان قبل ذلك غير ممكن الحصول عليه إلا بطريق البرلمان وبمبالغ باهظة لا يقدر عليها إلا الأغنياء.
  • عام 1875م: صدر قانون الموقع الشخصي في ألمانيا بمنح حق الطلاق للزوجين اللذين حصلا قبل ذلك على حكم الفراق المؤبّد.
  • نوفمبر3 من عام 1910م: صار الطلاق قانونيا في برتغال.
  • عام 1917م: بعد الثورة أصبح في روسيا لأحد الزوجين الحق في إعلان الطلاق من طرف واحد وإلى عام 1926م صار بإمكان أحد الزوجين أن يبلّغ الطرف الآخر بأمر الطلاق بكتابة رسالة.
  • عام 1937م : صدر قانون الطلاق في إسكتلندا وأجاز الطلاق بعدّة أسباب منها الزنا والهجر والظلم واللواط والضرب وكذلك بسبب الجنون الذي لا يرجى منها الشفاء ويسمى “طلاق بدون خطأ” وهو اصطلاح يُنبِئ عن رضى الطرفين.
  • عام 1969م : صدر قانون اصلاحات في الطلاق في إنجلترا وأجاز للزوجين الطلاق بالأسباب التالية:
  • إذا كانا مفترقين منذ سنتين مع التراضي.
  • إذا كانا مفترقين منذ خمس سنوات في حالة عدم التراضي.
  • إذا كان الزواج آل إلى نهاية بدون أى أمل في التراجع، هذا ولم تكن هناك حاجة لإثبات خطأ على جانب الطرف الآخر.
  • عام 1974م : اعترفت إيطاليا بالطلاق لأول مرة.
  • عام 1976 م : حذت إسكتلندا حَذوَ قانون 1969م في إنجلترا.
  • عام 1981م : اعترفت إسبانيا بالطلاق أيضاً.
  • فبراير 28 لعام 1997م: أدخلت إيرلندا تعديلا في الدستور الذي نصّ على حُرمة الطلاق، حلّ بموجبه الطلاق. (1)

هذا ما كان من أمر الطلاق في دول أوروبية لها الصدارة في السياسة والحكم، وقد تطوّرت أحكام الطلاق بشيء من التعديلات في الدول المذكورة وفي غيرها، وهناك تشابه في القوانين إلى حد كبير وإنما يرجع الإختلاف إلى تحديد المدة التي يجب أن تسبِق المرافعة وإلى تحديد الأمور التابعة مثل حضانة الأولاد وتوزيع العقار، وإلى نوعية الأسباب الداعية إلى الطلاق.

ويلاحظ أن هناك شبه اتفاق على الأمور التالية:

  • حضانة الأولاد: رعاية مصلحة الأولاد عند إعطاء حق الحضانة لأحد الزوجين.
  • فرقة أو انفصال بين الزوجين لمدة تتراوح ما بين سنة واحدة إلى أربع سنوات.
  • اعتبار الطلاق بدون محاكمة إذا كان بالتراضي بين الطرفين.
  • تقبل مصطلح “تعطل الزواج إلى غير رجعة” وحده ليشمل الأسباب الأخرى العادية التي تتطلب الطلاق.
  • ضرورة محاولة الصلح بطريق الوسطاء عند أكثر الدول.

كيفية القضاء بخصوص الطلاق في الدول الأوروبية:

نورد فيما يلي أحكاما تمتاز بها دولة دون أخرى في أمر الطلاق وملابساته:

  • البوسنة والهرسك (Bosnia & Herzegovina):
  • ليس للزوج حق في مطالبة الطلاق إذا كانت المرأة حاملاً أو كان الولد لا يزال تحت الثالثة من عمره.
  • يجوز المطالبة بالطلاق بالتراضي أو بسبب انتهاء الزواج إلى غير أمل في الإصلاح.
  • يمكن القاضي أن يأمر أحد الزوجين بالإنفاق على الآخر إذا كان غير قادر على العمل أو ليس لديه ما يكفي لمئونته، أو ليس لديه ممتلكات تدرّ عليه شيئا من الدّخل.
  • يمكن المطالبة بكفالة الأولاد طيلة حياتهم الدراسية إلى أن يصل واحد منهم السادسة والعشرين من عمره.
  • يمكن المطالبة بكفالة الأولاد لأجل المرض أو المعوّقات البدنية أو النفسية أو بالأسباب التي وردت في “ج” أعلاه.
  • بــلغـاريا (Bulgaria):
  • لابدّ لمقدم طلب الطلاق أن يكون حاضرا شخصيا بالمحكمة عند تقديم  الطلب.

        (ب) المحكمة تطلب من الزوجين الدخول في التحكيم.

  • عند فشل التحكيم يمكن تقديم الطلب مرة أخرى.
  • إذا كان طلب الطلاق بالتراضي، لا يمكن تقديمه إلى المحكمة إلا بعد مُضىّ ثلاث سنوات على الزواج، ولابد أن يقدّموا اتفاقية تنصّ على ترتيبات متفق عليها بخصوص حضانة الأولاد وتوزيع الممتلكات ولمن له الحق في المعيشة في المنزل العائلي.

(هـ)  يمكن المحكمة أن تطلب من الزوحين جبر النقص الحاصل في الإتفاقية وخاصة إذا لم يكن هناك مراعاة لمصلحة الأولاد.

  • كرواتيا (Croatia):
  • لا يُقبل طلب الطلاق إذا كانت المرأة حاملة أو لا يزال الطفل دون سنة كاملة من العمر.
  • يُحال الزوجان إلى تحكيم إذا كان هناك أولاد ولا يُقبل الطلب إلا بعد مرور سنة كاملة.
  • قبرص (Cyprus):
  • لابد من مرور أربع سنوات قبل تقديم طلب الطلاق.
  • من الأسباب التي يجوّز الطلاق: الزنا، الأذى الجسدي أو تعريض الشخص لخطر أو هجران الزوج لمدة سنتين بدون مبرّر أو الجنون أو الغياب.
  • عند توزيع العقار يعطى كل فريق حسبما ساهمه في شراء أو تطوير العقار.
  • تشيكوسلوفاكية (Zech Republic):
  • لابد من مرور سنة على الزواج وستة أشهر على الإنفصال قبل تقديم الطلب.
  • عند الحضانة لابد من الحصول على رضى الطرف الآخر في كل قرارات تخص حياة الطفل.
  • الدنمارك (Denmark)
  • يضاف إلى الأسباب العادية: تعدّد الأزواج واختطاف الطفل للحصول على الطلاق.
  • إذا كان الطلب لأجل الإنفصال لابدّ من مرور سنة كاملة على الإنفصال.
  • فنلندا (Finland):
  • يحق للزوجين طلب الطلاق ولكن بعد مرور ستة أشهر من أجل المصالحة (أو إعادة النظر في أمر الزوجية).
  • ولا حاجة إلى هذه المدة إذا كان يعيشان منفصلين لعامين كاملين.
  • فرنسا (France):
  • بالإضافة إلى الأسباب العادية يعتبر الإتهام المخلّ بالشرف سببا لطلب الطلاق أيضا.

(ب)هناك بنود كثيرة بخصوص حضانة الطفل ورعايته وأهمية دور الأبوين في هذا المجال.

  • ألمانيا (Germany):
  • تعطّل الزوجية إلى غير عودة هو السبب الوحيد لطلب الطلاق ويضمّ الطلاق بتراضى الطرفين.

(ب)الإهتمام بمسئولية الأبوين تجاه الأطفال.

  • اليونان (Greece):

القانون مثل ما مرّ تحت ألمانيا ويضاف إليه: الغياب لأحد الأطراف المقرّر رسمياً.

  • هنغاريا (Hungary):
  • ليس من الضروري إبداء سبب معين لأجل الحصول على الطلاق، ومن واجب المحكمة أن تقضى بالطلاق إذا رأت أن الحياة الزوجية لا يمكن أن يستمر بين الزوجين.

(ب)هناك اعتبار للفرقة بين الزوجين إذا بلغت ثلاث سنوات شريطة أن يتفقا على حضانة الأولاد ونفقتهم.

  • إيسلندا (Iceland):

جاز تسجيل الزواج المثلي تحت قانون عام 1998م، وهى أول دولة أوروبية أجازت عقد مراسيم الزواج المثلي عام 2008م على يد القسّيس.

  • إيرلندا (Ireland):
  • إثبات أن الزوجين كان يعيشان منفصلين لمدة أربع سنوات خلال السنوات الخمس الماضية.
  • عليهما تسجيل الإنفصال رسميا قبل تقديم طلب الطلاق لأجل تنظيم الأمور الأخرى.
  • الطلاق إذا صدر لا يمكن الرجوع فيه.
  • إيطاليا (Italy):
  • السبب الوحيد هو تعطل الحياة الزوجية إلى غير رجعة.
  • إنفصال لمدة ثلاث سنوات بين الزوجين.
  • لاتفيا (Latvia):
  • ليس هناك اصطلاح كالفراق أو الإنفصال رسميا.
  • يكفي عدم المباشرة بين الزوجين كسبب وجيه للطلاق.
  • لابد من الحصول على اتفاقية بينهما بخصوص حضانة الأولاد ونفقتهم.
  • ليتوانيا (Lithuania):

لا يجوز للطرف المخطئ (من الزوجين) استعمال اسم عائلة الطرف الآخر (وهو الزوج عادة).

  • مالطا (Malta):
  • لا يجوز الطلاق إطلاقا.
  • يجوز المطالبة بالفراق رسميا لعدد من الأسباب ولكن بعد مرور أربع سنوات على الزواج.
  • أما إذا كان هناك انفصال بين الزوجين فيكفى مرور سنتين على هذا الإنفصال لتسجيله رسميا.
  • الجبل الأسود (Montenegro):
  • (ليس هناك شيء يخص الذكر).
  • هولندا (Netherlands):
  • (ليس هناك شيء يخص الذكر).
  • النرويج (Norway):
  • إنفصال سنة رسميا أو انفصال سنتين إذا لم يكن هناك معاشرة جنسية بينهما قبل تقديم طلب الطلاق.
  • إذا كان هناك أولاد دون السادسة عشرة من العمر، لابد من محاولة الصلح بخصوص كيفية التعامل مع الأولاد.
  • بولندا (Poland):
  • (ليس هناك شيء يخص الذكر).
  • برتغال (Portugal):
  • هناك نوعان من الطلاق، سببي وبتفاهم مشترك.
  • غيّر مصطلح الطلاق من أجل سبب إلى طلاق بدون التراضي ويحتاج إلى فرقة سنة على الأقل.
  • رومانيا (Romania):

يجوز نوعان من الطلاق: بالتفاهم المشترك (يسمى طلاق الأصدقاء) وطلاق له مبرر، ويحتاج إلى مرور سنة على الزواج.

  • روسيا الفيدرالية (Russia Federation):
  • لا يجوز تقديم طلب الطلاق أثناء حمل المرأة وإلى أن يبلغ الطفل عاما واحدا من العمر.
  • من الأسباب الداعية إلى الطلاق وكون أحد الزوجين مفقودا أو عاجزا أو محكوما عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات أو أكثر.
  • يمكن المحكمة أن يمهل الزوجين لثلاثة أشهر لأجل الصلح.
  • يلتزم الرجل بالإنفاق على الزوجة أثناء الحمل وإلى أن يبلغ الطفل ثلاث سنوات من العمر.
  • يلزم الرجل بالإنفاق على الولد إذا كان معوّقا إلى أن يبلغ من العمر 18 سنة وكذلك على المرأة إذا كانت معوّقة.
  • صربيا (Serbia):
  • على الزوجين أن يقدما إلى المحكمة اتفاقية تنص على ترتيبات للحضانة للأولاد ولتوزيع الممتلكات، وللمحكمة الحق أن تراعى مصلحة الأولاد بخصوص الحضانة.
  • يلزم الرجل بالإنفاق على الحاملة من خلال ثلاثة شهور قبل الولادة وإلى أن يبلغ الطفل سنة من العمر.
  • وعليه أن ينفق على الولد إلى أن يبلغ السادس والعشرين من العمر أى انتهاءه من الدراسة.
  • سلوفاكيا (Slovakia):
  • السبب الوحيد هو تعطل الزواج إلى غير رجعة.
  • سلوفينيا (Slovenia):
  • لا يوجد هناك قانون للطلاق وإنما نُصّ على قانون الزواج والصلات العائلية أن هناك مسئوليات للآباء تجاه الأولاد بعد الطلاق.
  • إسبانيا (Spain):
  • لا توجد هناك أسباب خاصة لأجل تقديم طلب الطلاق.
  • يمكن طلب الطلاق من طرف واحد أو بالتفاهم لدى المحكمة.
  • الطلاق لا يؤثر في مسألة مسئولية الآباء تجاه الأولاد.
  • السويد (Sweden):
  • لا توجد هناك أسباب خاصة لأجل تقديم طلب الطلاق.
  • يمكن طلب الطلاق من طرف واحد أو بالتفاهم لدى المحكمة.
  • الحضانة تبقى مشتركة بين الزوجين بعد الطلاق.
  • تركيا (Turkey): (حسب القوانين التي أقرت بعد عام 1926م أى بعد إلغاء الخلافة)
  • من الأسباب المبرّرة للطلاق: الزنا ومحاولة الفتك بالآخر والسلوك السيء وارتكاب جريمة ومعاملة غير شريفة والفراق والجنون.
  • بخصوص الزنا: لابد من إبداء هذا السبب في خلال ستة أشهر من ارتكاب الزنا.
  • بخصوص الفرقة: لابد أن يكون لستة أشهر متوالية.
  • بخصوص الجنون: لابد أن يحدث بعد الزواج، أما لو وجد عند الزواج لأدى إلى إبطال الزواج أصلاً.
  • للقاضي أن يأمر إما بالفرقة القضائية إذا رأى أن هناك إمكانية للصلح أو بالطلاق.
  • أوكرانيا (Ukraine):
  • ليست هناك مشكلة في حصول الطلاق إذا لم يكن هناك أولاد.
  • المحكمة هى التي تقضى إذا كان هناك أولاد للزوجين.
  • الأطفال يبقون مع الأم وعلى الطرف الآخر دفع نفقة الأولاد وهى 25% من راتبه إذا كان هناك طفلا واحدا، أو 33% إذا كان هناك طفلان، أو 50% إذا كان هناك ثلاثة أو أكثر.
  • المملكة المتحدة (United Kingdom):
  • السبب الوحيد هو تعطل الزواج إلى غير رجعة، ويمكن إثباته بأحد الأسباب الخمسة الآتية:
  • سلوك غير معقول
  • ارتكاب الزنا
  • الهجر (ترك الزوجية) لمدة سنتين (ماعدا إسكتلندا)
  • إنفصال بين الزوجين لمدة سنتين بالتراضي (سنة واحدة في إسكتلندا).
  • إنفصال بين الزوجين لمدة خمس سنوات بدون تراض (سنتان في إسكتلندا)، ولكن لابد من مرور سنة على الزواج حتى تقديم طلب الطلاق.

ملاحظة: ما استطاع الكاتب إيراد معلومات عن كل من لكسمبورغ ومناكو وسويسرا من أجل عدم معرفته للّغة التي كتبت بها، وهى كلها واردة في نشرة مجلس أوروبا: “إحصائية عن الخطة العائلية”. (2)

وضع الخلع في القوانين الأوروبية المدنية

بعد مراجعة قوانين الطلاق في الدول الأوروبية نستطيع أن نقول بأنه لا يوجد هناك أى تصور للخلع كما هو معروف في الإسلام بناء على قوله تعالى: ((وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (البقرة: 229)

وحسب حكم النبي صلى الله عليه وسلم في قضية ثابت بن قيس وزوجته والتي كانت أول قضية خلع في الإسلام.

ولكننا رأينا القضاء الأوروبي يتداول قضية المهر إعطاء وسلباً في الأنكحة الإسلامية عندما عرضت عليه بقصد طلب الطلاق، وهذا ما يفتح باباً لعدة أسئلة:

  • هل يعترف القضاء الأوروبي بالشريعة الإسلامية في ما يخص الأحوال الشخصية؟
  • ماهى وضع مجالس الشريعة الإسلامية حسب القضاء الأوروبي لأنها تحكم عمليا في قضايا الخلع والطلاق والحضانة والنفقات والميراث وماشابه ذلك من الأمور العائلية؟

وجواباً على السؤال الأول نقول:

  • هناك ما يسمى القانون الدولي الخاص ويُعنى به تلك القوانين سواء كانت جزءا من الشريعة الإسلامية أو غيرها من الشرائع تم به الزواج في بلاد أخرى تعمل بهذه اللوائح، فإذا عُرضت قضية زواج تم في باكستان أو مصر أو غيرهما من البلاد الإسلامية، نظر القاضي في حيثيات ومتطلبات هذا الزواج وما يتعلق به من عقود وشروط ومنها مسألة صحة الزواج نفسه ومسألة الصداق (المهر) المذكور في صلب عقد النكاح، وكذلك ينظر القاضي في الطلاق إذا وقع في بلد خارج أوروبا، هل يعترف به أم لا يعترف به؟

وعند الإعتراف بمثل هذا الزواج أو الطلاق الصادر خارج نطاق أوروبا لابد من مراعاة هذه الأصول:

  • الدول الأوروبية تؤمن بمبدأ المساوأة بين الجنسين طبقا لقوانينها الخاصة وقانون الحقوق الإنسانية الصادرة عام 1998م من قبل الميثاق الأوروبي للحقوق الإنسانية.
  • وتؤمن كذلك بمبدأ المصلحة العامة أو بمبدأ الأقدار الأوروبية.

(وقد تنسب إلى قطر معين فيقال “الأقدار الإنجليزية أو الأقدار الفرنسية) وقد يرفض الإعتراف بالزواج أو الطلاق لأنه أخل بالمصلحة العامة أو الأقدار المذكورة.

  • إعتبار البلد الذي وقع فيه النكاح أو الطلاق، وينظر في أمر الطلاق خاصة إذا مرّ بإجراءات رسمية في ذلك البلد أم لا؟
  • ألا يكون هناك تمييز على أساس من المذهب.

نورد عدداً من الأمثلة مما لها صلة بالأصول المذكورة:

  • في ألمانيا رفض بعض المحامين كتابة وصية لمسلم لأنه أراد أن يترك للذكر من أولاده حظ الأنثيين. (3)
  • ردّت محكمة التمييز في بريطانيا زواجا وقع بين امرأة وهى في بريطانيا ورجل ناقص عقلا وهو في بنغلاديش، عقد هذا النكاح على الهاتف، بناء على أن مثل هذا العقد يخالف الضمير الإنجليزي(4) مع أن هذا العقد استوفى متطلبات الشريعة الإسلامية.

ج- كانت القوانين البريطانية ترفض الزواج الحاصل في أى بلد إسلامي إلى عام 1973 لأنه تعددي الأصل (أى المسلم له الحق أن يتزوج أكثر من واحدة) ولكن بعد صدور قانون عام 1973م بدأت تعترف بهذا الزواج إذا كان وحدويا بالفعل (أى لم يتزوج الرجل إلا واحدة) بناء على مبدأ التساوي بين الرجل والمرأة. (5)

د- في قضية التحكيم بين جيوراج وهشواني ردت محكمة التمييز اتفاقية التحكيم لأنها اشترطت أن يكون الحكمان من “الإسماعيلية” وحدهم.

قالت المحكمة أن دور المحكم هو دور وظيفي ولا يجوز التمييز على أساس المذهب في وظيفة من الوظائف. (6)

هـ- نص القانون الصادر عام 1972م في بريطانيا على أن الطلاق الصادر خارج البلاد يقبل:

  • إذا تم بإجراءات قضائية أو إجراءات أخرى مماثلة معترف بها في تلك البلاد.
  • وكان أحد أطراف القضية مواطنا لذاك البلد أو مقيما به، وبموجب هذا القانون كان ينظر في أحكام الطلاق الصادرة من محاكم مدنية في باكستان (أى إجراءات تشريعية رسميا) أو من مجالس المقاطعات المحلية (أى إجراءات مماثلة معترف بها رسميا) ماعدا كشمير الحرة، فقد اعترفوا بنوع الطلاق المغلظ وهو قول الرجل للمرأة “أنت طالق ثلاث مرات”.

أما إذا جاء قرار الطلاق من اجتماع أفراد العائلة وإرشادهم للزوج أن يطلق مثلا فلا يعترف به لأنه من قبيل الإجراءات غير الرسمية. (7)

  • قضية أرملة مصابر علي (البنغلاديشية):

عاشت المرأة طيلة حياتها في بنغلاديش وكان الزوج يشتغل في بريطانيا ولما مات عام 1991م طلبت زوجته إرثه ولكن المحكمة البريطانية رفضت طلبها لأنها لم تعترف بزواجها مع مصابر علي فإنها ادّعت طلاقها من زوج سابق، ورأت المحكمة أن طلاقها من زوجها الأول لم يكن قد تم بالإجراءات الرسمية، وبقيت تتابع قضيتها إلى أن قبلت دائرة الرعاية الإجتماعية ورعاية الأطفال كونها أرملة له بعد مضىّ 26 عاما على وفاة الرجل. (8)

  • قضية فاطمة الباكستانية:

رفض لها تأشيرة الدخول في بريطانيا لأن زوجها الذي يريد استقدامها من باكستان طلق زوجته الأولى ثم تزوجها، ولم تعترف بريطانيا بطلاقه الأول وإذًا صار تعدديا في الزواج وهذا أمر مرفوض عندهم فإن الرجل كان مقيما في بريطانيا بصفة دائمة. (9)

  • قضايا في ألمانيا:

الزوجان مقيمان في ألمانيا فإذا تقدم أحدهما بطلب الطلاق، ينظر في أمر طلاقها حسب القانون العائلي الأردني لأنهما تزوجا في الأردن، أما إذا تزوجت ألمانية بشخص مغربي في ألمانيا ثم قررا الإنتقال إلى المغرب ليعيشا هنالك، يطبق عليهما القانون المغربي في أى قضية عائلية. (10)

(ط)  قضية رجل طلق زوجته شرعا فقط وهما في ألمانيا: هذا الطلاق من المفروض أن يرفض لأنه جاء خلافا لقانون التساوي بين الجنسين ولكن لما سبقه مفارقة سنة كاملة أقرت به المحكمة لأنه استوفى شرطا لازما يفرضه القانون الألماني وهو مرور سنة والزوجان مفترقان.(11)

إذًا صار المبدأ هكذا عند الألمان: قد تكون القضية غير مقبولة عندهم لأنها تخالف حقوق الإنسان أو المصلحة العامة غير أن النتائج المترتبة في هذه القضية توافق إجراءات القضايا المتبعة في ألمانيا، وإذا كان الأمر كذلك قبلت القضية مع ما فيها من مخالفات.

(ي) ومن الأمثلة على ذلك قضية التبنّى، فإنه لا يجوز في الإسلام بنص صريح في القرآن الكريم (37:33) ولكن هذا المنع يتعارض مع القانون الألماني حيث يبيح التبني.

وجاءت قضية زوجة ألمانية وزوجها مصري أرادت أن تتبنّى طفل الزوجة الثانية لزوجها المصري، ولكن القضاء منعت من هذا التبنى فإن المحكمة رأت أن أفراد العائلة كلهم يعيشون بتوافق وانسجام فلا داعى لسلب الطفل من إحضان أمها وإعطاءها لإمرأة أخرى. (12)

(ك) قضية زواج المسلمة بغير المسلم:

وهو لا يجوز في الإسلام كما ينص عليه القرآن (221:2 و 10:60) ولكن يجوز حسب القانون الألماني بناء على مبدأ عدم التفريق بين المذاهب، وفي عام 1976م قبلت محكمة التمييز في “أولدن برج” لتحكم حسب القانون الإسلامي وذلك بمنع هذه الزواج. (13)

ولم اطّلع على مبرّرات لدى المحكمة عندما حادت عن القانون الألماني في هذه القضية بالذات.

(ل) قضية الأنكحة ذات الصفة التعددية:

الزواج التعددي مرفوض عند الألمان ولكنهم قبلوا هذا الزواج لمصلحة تلك الأرامل اللاتي في حاجة إلى معونة مادية، فصار لهن الحق في أموال التقاعد الخاصة بالزوج الراحل. ولكنهم رفضوا الإعتراف به في قضايا الهجرة أى في حق استقدام الرجل للزوجة الثانية، فراعوا المصلحة المادية من جهة ولم يعطوها اعتباراً في جانب آخر.(14)

(م) الألمان لا يقبلون نكاح بنت وهى لا تزال في الثانية عشرة من عمرها لأن السن القانوني للزواج عندهم هو الثامن عشر (مع اعتبار السن السادس عشر أحياناً) وكذلك لا يقبلون مبدأ إذن الولى بالنسبة للمرأة البالغة، وكلا الأمرين عندهم خاضعان للمصلحة العامة. (15)

(ن) هولندا تعترف بالزواج التعددي إذا وقع في بلد إسلامي وهى بذلك أكثر انفتاحا من تونس التي ألغى فيها تعدد الزواج عام 1956م. (16)

(س) سبق أن قلنا أن الطلاق خارج البلاد يعترف به إذا تم في بلد حسب إجراءات قضائية أو شبه قضائية ولكن لا يعترف به إذا تم في سفارة بلد ما، لابد أن يتم في البلد نفسه. (17)

كيف عوملت مسألة المهر في الأقضية الأوروبية؟

سبق أن قلنا أن الخلع شيء أجنبي لدى القانون الأوروبي وهذا ما يصدق على المهر أيضا، لا يعرف بتاتا في التقاليد الأوروبية، وغاية ما عرف من شيء مشابه له هو تحفة الصباح (Medgift) لدى أهل السويد، ويراد به تلك الهدية التي يقدمها الزوج لزوجته بعد ليلة الدخول، وهنالك بون شاسع بين هذا وذالك، فإن المهر في الإسلام يحمل صفة إلزامية بينما هذه الهدية جزء من التقاليد وليس شيئا يتفق عليه بين الزوجين أو عائلتهما. (18)

ونريد أن نبحث بخصوص تعامل القضاء الأوروبي لمسألة المهر..

المهر يخضع عادة تحت القانون الدولي الخاص بدولة من الدول المسلمة حيث وقع النكاح، وهناك عدة عوامل تأخذها المحاكم في الحسبان عند النظر في المهر وهل تستحق المرأة أن تستلمه أم لا.

نذكر هذه العوامل أولا ثم نتطرق إلى ذكر بعض القضايا التي تعرضت للبحث والمناقشة في هذه المسألة بالذات في مداولاتها:

  • هل ينظر فيه أصلا أم لا بناء على خلاف في الإعتراف بالأنكحة الإسلامية التى هى تعدّدية الأصل؟
  • هل هو قيمة البُضع كما جاء في الفقه الإسلامي عند عدد من الفقهاء؟
  • هل يعتبر ملكا شخصيا للمرأة أى حقا واجبا لها أو يعتبر من الممتلكات المشتركة بين الزوجين؟
  • هل هو أثر من آثار العقد الإسلامي على الوجه الخاص أو هو من الآثار المالية المترتبة على هذا العقد؟
  • هل هو بمثابة “عهد قبل الزواج” ((Pre-nuptial (وهو غير ملزم عند الإنجليز عادة)؟
  • هل هو مشجّع (Consideration) على الزواج (بمعنى أن المرأة لم تدخل هذا العقد إلا رغبة في تعويض مالي).
  • هل يعامل به كجزء من عقد مالي بصرف النظر عن وثيقة النكاح التي نصت على هذا المهر؟
  • هل فيه مصادمة بأصل التساوي بين الجنسين؟
  • هل فيه إخلال بالمصلحة العامة أو بالأقدار الأوربية؟

10-هل ينظر إليه كنفقة المرأة بعد أن فارقت الزوجة بالطلاق.

11-هل يرجّح فيه جانب مصلحة المرأة وإن كان مخالفا لأصل التساوي بين الزوجين.

12-وعند النظر في القضية، هل فيها مراعاة للوضع القانوني للزوجين من ناحية الجنسية أو الإقامة الرسمية (Domicile) أو السكنى العادية؟

13-عند تعارض القوانين بأى قانون ينظر فيها؟ بقانون البلد الأصلي أو البلد الطارئ أو بما هو أنسب للزوج أو الزوجة؟

هذه هى العوامل التي أثيرت، ولا تزال تثأر عند التعامل مع المهر، ونورد الآن عددا من القضايا لتوضيح الأمر تماما:

  • قضية الزوجين من أصل فلسطيني:

الزوج كان مقيماً في السويد، وكلاهما مواطنان لدولة -إسرائيل- (فلسطين المحتلة) تزوجا هنالك وعاشا عدة أشهر معا ثم رجع الزوج إلى السويد، البلد الذي كان يقيم فيه ولحقت به الزوجة فيما بعد.

عاشا معا لخمسة أشهر ثم تعطلت الزوجية بينهما ورافع الزوج لطلب الطلاق في أكتوبر1988م، فطلبت الزوجة مهرها في حدود خمسة عشر ألف شيكل، بالإضافة إلى النفقة ريثما يصدر الطلاق ونفقة ثلاثة أشهر من العدة، وطلبت من القضاء إصدار الحكم حسب القوانين العائلية من الخلافة العثمانية لعام 1917م.

وطالب الزوج بالنظر في القضية حسب قوانين السويد التي لا تعترف بالمهر وتراه مخالفا للمصلحة العامة.

إن المحكمة الأولية رأت أن المهر بمثابة النفقة لصالح المرأة فلذلك قضت بإعطاءها للمرأة ورأت أنها لا تخالف المصلحة العامة.

ومن الغريب أنها عندما قضت لإعطاءها مبلغ 11,250 شيكلا وهو دون المبلغ الكامل المذكور في وثيقة العقد أخذت في بالها ما تقضى بها المحاكم الإسرائيلية من إعطاء المرأة 75% من المهر فقط حيث تطرح الباقي وهو 25% من المهر مقابل تقصير المرأة في فشل الزواج. (19)

  • قضية الزوجين من إيران:

الزوج كان يحمل الجنسيتين الإيرانية والسويدية، ووكّل أمها في إيران لتعقد على ابنة عمه في يوليو 1998م، وقد قضيا بعض الوقت بعد الزواج في قبرص ثم عاد الزوج إلى السويد، ولحقت به الزوجة في يناير 1999م غير أن الزوج اكتشف بأنها تغازل شخصا آخر، فأراد أن يطلقها وسبقته المرأة بطلب الطلاق والمهر حسبما ورد في وثيقة الطلاق، وطلب الرجل الحكم حسب قوانين السويد.

ورأت المحكمة أن الزواج حصل في إيران فلذلك قضت على الزوج بدفع المهر بكامله وهو خمسمائة قطعة ذهب من (بحر آزادي) أو ما يعادل 250,000 كرونة سويدية. (20)

ونلاحظ في كلا القضيتين أن القضاء السويدي عامل المهر أثرا من آثار الزواج، وهناك مصلحة للمرأة أن تستلمه عوضا عن أى نفقة أخرى لا تستحقه بعد الطلاق، وهى في إعطاءها المهر استندت على تقليد قديم في الثقافة السويدية تقضي على الزوج تقديم هدية الصباح إلى زوجته كما مر سابقا، ولكن لمَ لم تحكم على الزوج بإعطاء النفقة خلال مدة العدة بل تغافلت عنها تماما؟ وهذا ما يدل على عدم استفصالها للقانون الإيراني (أى الشريعة) بصورة واضحة جلية.

  • قضية من باريس:

قبل أن نذكر تفاصيل هذه القضية نقول أن المهر –عند القضاء الفرنسي- يخضع لنوع إدارة الممتلكات التي لجأ إليه الزوجان.

فمثلاً هناك عقد الزواج حسب القانون الفرنسي، ويذكر فيه تفاصيل عن توزيع الممتلكات بعد الطلاق، أو اعتبارممتلكات لكل واحد على حدة (ويعتبر المهر مؤشرا إلى هذا النوع) أو اعتبار الممتلكات مشاركة بين الزوجين إذا لم يكن هناك أى اتفاقية أصلا.

والآن نعود إلى سرد تفاصيل القضية:

الزوج كان كاثوليكياً من مواطنى لبنان مقيماً في باريس، انتهى زواجه بإمرأة من لبنان وأراد أن يتزوج إمرأة أخرى من بولندا، لم يكن عنده خيار ليطلق زوجته حسب التقاليد الكاثوليكية، فلذلك اعتنق الإسلام وتزوج البولندية عام 1969م على صداق مؤجل قدره ثلاثة آلاف جنيه لبناني، وعندما صار الأمر إلى الطلاق بينهما قضت المحكمة الأولية حسب النوع الثالث المذكور سابقاً مما يقتضى إعطاء المرأة نصيباً من كل الممتلكات التي حازها الرجل بعد الزواج.

وادعى الرجل في محكمة التمييز أن زواجه يجب أن يكون باطلاً حسب القانون الفرنسي حيث لم يَجُز له التزوج بزوجة ثانية مع وجود الأولى، وقضت المحكمة ببطلان الزواج حسب القانون البولندي (لأن المرأة كانت لا تزال تحتفظ بجنسيتها البولندية) ولكن اعتبرت المهر يخضع النوع الثاني أى صار لها الحق في المهر بدون أن تطالب بشيء آخر من ممتلكات الرجل. (21)

ويلاحظ في هذا الحكم إعتبار الجنسية (في حق المرأة البولندية) واعتبار المعايير الفرنسية لتقدير المهر.

  • قضية في محكمة “ليون” الفرنسية:

زوجان من مواطنى الهند، من مستعمرة “باندي شري” الفرنسية سابقاً، تزوجا عام 1969م، ثم انتقلا إلى فرنسا حيث حصل لهما الطلاق عام 1990م، المرأة أرادت الفصل في القضية بناء على النوع الثالث كما مر سابقا، ولكن الرجل أراد الفصل بناء على النوع الثاني لأن ذكر المهر في وثيقة النكاح يجعله من هذ النوع.

رأت المحكمة الأولى أن المهر هو بمثابة قيمة المرأة وهذا ما يخالف المصلحة العامة فلذلك لا اعتبار له إطلاقاً.

وجاءت محكمة النقض لتقول أن هذا فهم خاطئ لمبدأ المهر بل إنما هو مؤشر للنوع الثالث من المعاملات المالية الخاصة بالأنكحة الإسلامية، ولهذا قضت المحكمة أخيراً. (22)

ويلاحظ في الحكم الذي صدر أولاً اعتبار المهر قيمة للمرأة فكأنها بيع وشراء للإنسان وهذا ما يخالف المصلحة العامة فلذلك أهدر تماما إلى أن صار التصحيح لهذا المبدأ من قبل محكمة النقض.

  • قضية شهناز (الزوجة) ورضوان (الزوج) في إنجلترا:

تزوجا في الهند على مهر وقدره ألف وأربعمائة جنيه مؤجلا عام 1955م ثم استقرا في بريطانيا حيث تقدم الزوج بطلب الطلاق عام 1959م.

طالبت المرأة بكامل المهر باعتباره حقاً شرعياً لها بموجب وثيقة النكاح، وادّعى الرجل أن القضية لا تخضع أصلاً للسلطات التشريعية في بريطانيا لأن الزواج كان من النوع التعددي وبريطانيا لا تعترف بهذا الزواج إطلاقا، وأن مبدأ المهر هو ما يخالف التقاليد البريطانية الأصيلة، وبعد مداولات ومناقشات قررت المحكمة أن لها الحق في النظر في هذه القضية لا من أجل كونها زواجاً بل من أجل اعتبار وثيقة النكاح الحاملة لمادة المهر كمعاهدة سبقت الزواج (Pre-nuptial Agreement)  وهذا مما يجعل للمرأة حقا في استلام المهر، واستندت كذلك إلى قانون عام 1882م صدر في الهند أيام الإستعمار البريطاني بخصوص نقل العقارات لإعطاءها هذا المبلغ من المهر. (23)

  • قضية قريشي ضد زوجته في إنجلترا:

الرجل (باكستاني الأصل) تزوج إمرأة (هندية الأصل) وهما في بريطانيا في مارس عام 1966م، وسجل الزواج في مكتب مدني للزواج ثم قاما بمراسيم إسلامية والتي تنص على مهر وقدره 788 جنيه مؤجلا.

لم يدم هذا الزواج طويلا وأرسل إليها الزوج في 28 إبريل 1967م ورقة كتب عليها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وحاول القنصل الباكستاني الصلح بين الزوجين خلال مدة ثلاثة أشهر حسب القانون الباكستاني، ولما لم يفلح في الصلح أنجز الطلاق يوم واحد أغسطس 1967م.

وقضت المحكمة بإعطاءها المهر كاملاً وألزم الزوج بالإنفاق عليها بخمسة جنيهات أسبوعياً. (24)

وقد اختلفت حيثيات هذه القضية من التي سبقتها (أى قضية شهناز ورضوان)، فإن المحكمة كان لها الحق في النظر في قضية الزواج لأنه حصل رسمياً في بريطانيا (أى اعتبار محل سكنى للزوجين).

واعتبر هذا الزواج من النوع الوحدوي لا التعددي كما اعتبر الطلاق نافذاً لأنه تم حسب القانون الباكستاني (أى اعتبار جنسية الزوج) وبما أنها استحقت إسعافا ماديا إثر الطلاق وكان الزوج على أهبة العودة إلى باكستان.

لم يكن هناك طريق عملي لإسعافها ماديا إلا بإلزام الزوج إعطاءها المهر. والفرق بين هذه القضية والتي قبلها هو أن الزوجة في القضية

الأولى لم تستحق أى إسعاف إثر الطلاق لعدم اعتبار الزواج أصلا لكونه من النوع التعددي، واستحقت الزوجة في القضية الثانية المهر إثر الطلاق لأن الزواج كان معترفا به وكذلك الطلاق الصادر من القنصلية الباكستانية. واستحقت المهر كنوع من الإسعاف المادي لا كمهر بذاته. وقد يؤخذ عليه، لِمَ ذا اعتبرت المحكمة الطلاق نافذا ولم يتم في باكستان (حسب جنسية الرجل) وإنما تم في سفارة باكستان والقانون يمنع من قبول مثل هذا الطلاق.

ولكن القاضي رأى مصلحة المرأة فإن الرجل لو غادر البلاد لما حصلت على النفقة الأسبوعية التي قضى بها على الرجل وليكون عمليا كان الأفضل في حقها أن تستلم المهر كنوع من إسعاف مادي إثر الطلاق.

ويتضح من الأمثلة التي أوردناها بالإضافة إلى النقاط التي وردت تحت كل قضية أمران هامان:

أولاً: ليس هناك إعتبار للمهر كجزء أساسي من النكاح الإسلامي بل إنما اعتبر إما كعقد مالي تضمنته وثيقة النكاح أو كمعاهدة تسبق الزواج حسب المفهوم البريطاني أو كأداة تشجيع على الزواج.

ثانياً: لا اعتبار لمبدأ التساوي بين الجنسين عند النظر في المهر بل الإعتبار لمبدأ التساوي بالقدر أى أن كل واحد من الزوجين له شخصية مستقلة مع حقوق وواجبات وهو أقرب إلى المفهوم الإسلامي للتساوي حسب قوله تعالى ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)) ولكن بدون التطرق إلى قوله بعد ذلك: ((وللرجال عليهن درجة)) (228:2)

الأحكام الصادرة من مجلس الشريعة الإسلامية بين القبول والرد رسميا

سبق أن قلنا أن الخلع نظام قضائي خاص بالشريعة الإسلامية، ولا يوجد له نظير في الأنظمة القضائية الأوروبية، فلذلك اختص مجلس الشريعة الإسلامية بمدينة لندن وكذلك مجالس الشريعة الأخرى في بريطانيا بإصدار أحكام الخلع إذا رضى الزوج بذلك أو حكم الفسخ إذا لم يقبل طلب زوجته للخلع، أما إذا كان الرجل هو الذي طلق زوجته أصالة فيلزمه المجلس بإعطاء المهر إلى زوجته.

وهذا مما استفاد به الزوجان، خلعا أو طلاقا، بخصوص استلام المهر حيث يتعذر عليهم الفصل في قضية المهر بطريق المحاكم المدنية إلا بصعوبة بالغة كما مرّ بيانه.

ومما يختص به مجلس الشريعة هو تنوع أشكال الحكم خلافا للمحاكم المدنية من حكم الطلاق إذا صدر من الزوج، أو الخلع إذا كان الطلب من المرأة، أو الفسخ إذا كان من قبل المجلس كهيئة قضائية إسلامية أو المبارأة إذا اتفق الزوجان على إنهاء الزواج بتوافق أو التفويض إذا أعطى الزوج زوجته حق الطلاق عند عقد الزواج، وهذا مما يسهّل للمجلس الوصول إلى حكم عادل في القضية.

ويمتنع المجلس عادة من الفصل في قضايا حضانة الأولاد وتجديد النفقات وتوزيع الممتلكات بعد صدور حكم الطلاق إلا إذا رضى الطرفان بقبول الحكم الشرعي في المسائل المذكورة.

وإنما يمتنع عن إصدار الحكم فيها لأنه لا توجد لديه قوة إلزامية لتنفيذ الحكم أولا، ولأنها من اختصاصات المحاكم المدنية ولا تريد بها بديلاً، وللمجلس أسوة بخصوص إصدار أحكام الطلاق، بنظام مماثل لدى اليهود ويسمى “بيت دين”.

وبما أن اليهود استقروا في بريطانيا قبل المسلمين بثلاثة قرون، فلذلك استطاعوا أن يحصلوا على امتيازات خاصة بهم.

فمثلاً صدر قانون الطلاق عام 2002م في بريطانيا وينص على الآتي:

“على القاضي المدني أن يتريث في إصدار الحكم النهائي (Decree Absolute) للطلاق، إذا كان مقدم الطلب من طائفة اليهود أو ديانة أخرى معترف بها، ريثما يتحصل على الطلاق الديني” (25)

ولماذا لجأ اليهود إلى مثل هذا القانون؟

وذلك أن الطلاق الذي يعترف به المتدينون اليهود لا يمكن أن يصدر إلا من الزوج، لا من القاضي، فلذلك يطلب القاضي من الزوج أن يراجع “بيت دين” لإتمام إجراءات الطلاق الديني علما بأن “بيت دين” ليست هى التي تطلق المرأة بل إنما هى شاهدة فقط على الطلاق الذي يصدره الرجل.

ومن الممكن أن تستفيد المرأة المسلمة بهذا القانون أيضا فإنها إذا تقدمت إلى المحكمة بطلب الطلاق المدني وذكرت للقاضي أن زوجها امتنع عن إعطاءها الطلاق الإسلامي، من الجائز أن يطلب منه القاضي أن يراجع مجلس الشريعة الإسلامية لإيقاع الطلاق الإسلامي، وقد حدث هذا مرة عندما جاء إلى المجلس زوج لهذا الغرض بإرشاد من القاضي بالمحكمة المدنية.

ولكن ليست المرأة المسلمة كالمرأة اليهودية في هذا المجال، ويقال أنها أى المرأة اليهودية تجد نفسها في سلاسل وقيود حيث لا يمكنها أن تخرج من قيد الزواج إلا بتسريح من الزوج، أما في الشريعة الإسلامية فإنه يحق للقاضي المسلم أن يفسخ النكاح إذا وجد الرجل يعلّق المرأة بدون مبرر.

ولا يزال القضاء البريطاني ( ومثله يقال عن القضاء الأوروبي) ممتنعاً من قبول أو توثيق الطلاق الصادر من مجالس الشريعة، وكذلك للأنكحة الإسلامية التي تعقد في المساجد إلا إذا وقعت في مسجد مسجل رسمياً لعقد الأنكحة.

وحسب التقاليد البريطانية يمكن للمحاكم الدينية، مثل اليهود والمسيحيين والمسلمين، إصدار الطلاق الديني ولكن لابد أن يلجأ الطرفان إلى المحاكم المدنية للحصول على الطلاق قانونياً. (26)

وهذا هو المعمول به في دول أوروبية أخرى بشرط أن تكون الإجراءات سليمة والمرافعة عادلة حسب الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان الصادر عام 1998م. (27)

وفي قضية شخص إيطالي الذي حصل على حكم بطلان الزواج من محكمة كاثوليكية في الفاتيكان والذي أقرت به المحكمة المدنية أيضاً، لجأت المرأة إلى رفع القضية ضد حكومة إيطاليا (لأن الفاتيكان لم يوقع على الميثاق الأوروبي) بناء على أن قرار المحكمة جاء مناقضاً لمادة رقم 6 من الميثاق والتي تنص على مرافعة عادلة حققت إجراءات الإستماع إلى كلا الطرفين، وقد وافقت المحكمة العليا بما جاء في الدعوى. (28)

وهناك قضيتان أصدر فيهما مجلس الشريعة حكمه وعُرضتا بالمحاكم المدنية وكانت النتيجة كالآتي:

  • قضية إرث الميداني:

وهى قضية ثري عربي ترك ميراثا هائلا موزعا في ثلاث دول أوصى فيه بالثلث لجهة خيرية، وقد بلغ هذا الثلث عدة ملايين من الدولارات، وتنازع في هذا الثلث أولاده من زوجتين، ومثّل فيها محامٍ قادم من أمريكا من قبل الفريق المخاصم وقد أصدر المجلس قراره حسب الشريعة الإسلامية، ولم يكن متوقعا أن يقبله الطرف المتخاصم في حال من الأحوال لأنه يفرض عليه ردّ مبلغ كبير إلى مستحقه غير أن نفس القضية رفعت إلى محكمة في السعودية أيضاً واستأنست المحكمة الشرعية في السعودية بحكم مجلس الشريعة وقضت به أيضاً.

وقد عرضت هذه القضية على المحكمة العليا في بريطانيا ولم تقبل المحكمة العليا حكم مجلس الشريعة بجهة كون المجلس غير ملتزم في أعماله ومرافعاته بقانون التحكيم الصادر عام 1996م. (29)

  • قضية مصلح الدين (إسم مستعار) والسيدة شودري:

الزوجان كلاهما من بنغلاديش أصلا وقد استقرا في بريطانيا حيث تزوجا عام 2003م بمهر قدره 15 ألف جنيه مؤجلا بالإضافة إلى مجوهرات بقيمة 25 ألف جنيه قدمت إلى الزوجة من قبل عائلة الزوج كهدايا الزواج، ولم يسجل هذا الزواج رسميا، وعندما تقدمت المرأة بطلب الطلاق لدى المجلس عام 2004م ادّعت أنه لم يحصل الدخول إطلاقا، وبما أن القضية كانت قضية خلع والمرأة لم تستلم المهر، قضى المجلس بفسخ النكاح بدون إلزامها برد أى شيء.

رفع والد الزوج قضية رد المجوهرات إليه من قبل المرأة المطلقة، كما أن المرأة رفعت قضية دفع المهر إليها من قبل الزوج في محكمة أخرى، واستمعت المحكمة في القضية الأولى إلى رأى خبير في الشريعة، وقد رأى أن المرأة تستحق المهر بكامله لأن الزوج هو الذي قصر في الدخول وأن الهدايا سواء كانت مجوهرات أو غير ذلك لم تسجل كمهر في وثيقة النكاح فلذلك هى غير قابلة للرد.

وبهذا قضى القاضي أيضا، ولجأ والد الزوج إلى محكمة التمييز غير أنها صادقت على حكم المحكمة الأولى وحصلت المرأة على المبلغ بكامله واحتفظت بالمجوهرات أيضاً. (30)

وقد تقدم والد الزوج بالمرافعة ضد المجلس أيضا بحجة أن المجلس لم تقم بإجراءات كافية عادلة ولكن المحكمة لم توافق على دعواه واعتبره غير قابل للإستماع.

         وصار الحكم الصادر في حق المرأة إثباتا لعدة أمور.

  • اعتبار وثيقة النكاح الحاملة لمبلغ المهر.
  • إعتبار الطلاق الصادر من مجلس الشريعة لأنه لو لم يعتبر لما كانت هناك نتائج بخصوص رد المهر أو الهدايا.
  • المحكمة لا يهمها نوعية الطلاق، هل هو طلاق أو خلع أو فسخ.

وهل يرد المهر بكامله أو نصفه بناء على الدخول من عدمه، وإنما اعتبر المهر معاملة مالية يُقضَى فيه حسب الرأى الشرعي الذي تقدم به الخبير في الشريعة.

هذا ما وصلنا إليه في ضوء الأحكام الصادرة من قضاء بريطاني، ولكن لا يزال هناك غموض بخصوص دور مجالس الشريعة والإعتراف بها رسميا، ونرى أن الإتجاه السائد إلى اعتراف بأحكام محاكم دينية إذا كانت لها إجراءات قضائية عادلة وتم فيها الإستماع إلى الطرفين يجب أن يكون بمثابة فاصل في هذا الأمر.

وأن بخصوص إعمال القانون الدولي الخاص (ويضم قوانين الدول الإسلامية بخصوص الأحوال الشخصية الخاصة) فقد صار للإتحاد الأوروبي إتجاه نحو توحيد معايير التعامل مع مختلف الدول إبتداء من الميثاق الأوروبي لعام 1998م، وانتهاء بما عرف بميثاق بروكسول2 لعام2003م، أى المعايير المتفق عليها بخصوص الدولة التي يعمل بقوانينها عند المرافعات من أناس يحملون جنسيات مختلفة ومذاهب متنوعة بالإضافة إلى اختلاف في مكان إقامتهم واستقرارهم. (31)

ونكتفي بهذا القدر من البحث الذي أتى على عدة جوانب هامة من موضوع الخلع والطلاق في الدول الأوروبية.

وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصادر

  • Divorce History

http://www.rulonbuston.com/divorce/history

  • Council of Europe Family Policy database

www.coe.int/familypolicy/database

  • Islamic Law in German Courts p4, University Erlangen
  • Social Cohesion & Civil Law: Marriage, Divorce & Religious Courts: A report by Cardiff University, June 2011, p12
  • Inter-Country Cases & Muslim marriages & divorces in Britain- A report by WLUML, p47
  • Cardiff University, p20
  • Divorce in U.K 2:1:3
  • WLUML
  • WLUML, p37
  • Uni, Erlangen, p3
  • Ibid, p10
  • Ibid, p9
  • Ibid, p7
  • Ibid, p7
  • Ibid, p6
  • Sharia Law: No place in Europe
  • See Divorce in UK
  • Private International Law, Muslim Laws & Gender Equality by Anne Hellum & Tonlinn Waerstad, p70
  • Ibid, p61, 62
  • Ibid, p64
  • Ibid, p77-78
  • Ibid, p79
  • Ibid, p90

                 Islamic Family Law in the English Court by Ayesha Hasan, p2

  • Ibid, p92
  • WLUML, P49
  • See Cardiff University Report
  • Ibid, p21
  • Ibid, p22
  • Ibid, p22

وانظر بحث: التفريق القضائي من خلال قنوات مجلس الشريعة الإسلامية للمؤلف، صفحة 11

  • How could English Courts recognize Sharia, by John R. Lowen, University of St. Thomas Law Journal, Vol 7:3, p422-425
  • WLUML, p88

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق