البحوث

التدين الإسلامي في الواقع الأوروبي بين الثوابت ومراعاة الأعراف والأحوال

التدين الإسلامي في الواقع الأوروبي

بين الحفاظ على الثوابت ومراعاة الأعراف والأحوال

 

أ.د. أحمد جاء بالله

بحث مقدم

للدورة الخامسة والعشرين

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

إسطنبول: من 6 إلى 10 أكتوبر 2015

 

تحت عنوان:

فقه العيش المشترك في أوروبا، تأصيلا وتنزيلا

 

المبحث الأول:

مقدمات تمهيدية:

لا يمكن بحث موضوع العيش المشترك في مجتمع تعددي، دون الحديث عن حماية حرية التدين لأتباع الديانات في إطار ما تنظمه القوانين، وذلك من أجل حماية حق الجميع في ممارسة معتقداتهم مع احترام كل أصحاب معتقد لغيرهم.

إن الحضور الإسلامي في أوروبا الذي يشهد انتشارا على امتداد الساحة الأوروبية وتناميا عدديا في الأقطار الأوروبية المختلفة يطرح مسألة التدين الإسلامي في المجتمعات الأوروبية، التي ليس لها عهد طويل بالممارسة الدينية الإسلامية. إن الممارسة الدينية الظاهرة كثيرا ما تطرح إشكالات لدى بعض المواطنين الأوروبيين بسبب ما تُثيره من قضايا تتعلق بصورة الإسلام السائدة وما تحمله من سلبيات؛ فكيف يستطيع المسلمون الحفاظ على الالتزام العملي بشعائر دينهم أفرادا ومجموعات، مع تجنّب الإثارة أو المصادمة لخصوصيات البيئة الأوروبية وأعرافها وأحوالها؟ هذه هي الإشكالية التي نحاول بحثها في هذه الورقة من أجل الوصول إلى مُوازنة عادلة تكفل للمسلم أن يمارس دينه في أجواء مُريحة بعيدا عن كل قراءة استفزازية لهذه الممارسة.

ونبادر إلى القول إلى أن المقصود من إثارة هذه الإشكالية ليس الحديث عن حق المسلم في ممارسة التدين فهذا الحق مكفول له، كما هو مكفول لغيره، بنصوص قانونية صريحة يمكنه أن يستعين بها في الدفاع عن أي انتقاص يمسّ حريته الدينية، ولكن المقصود هنا هو العمل على توفير الأجواء الاجتماعية والنفسية المناسبة التي تجعل الممارسة الدينية الإسلامية بخصوصياتها تنخرط بسلاسة في المشهد الديني العام للمجتمعات الأوروبية. إن الوصول إلى هذه الغاية يحتاج إلى جهود من المسلمين في بيان حقيقة تدينهم، كما أنه يحتاج إلى جهود من المجتمع لاستيعاب المُكوّن الإسلامي من بين بقية المكونات المجتمعية الأخرى.

قبل أن التعرض لدراسة الموازنة المطلوبة في الحفاظ على التدين الإسلامي ومراعاة أعراف المجتمع وأحواله، يجدر بنا أن نقدم ببعض المقدمات اللازمة لوضع القضية في إطارها العام:

1 ـ ماذا نقصد بالتدين؟

التدين هو التعبير من خلال الأقوال والأفعال والمظاهر عما يعتقده الإنسان من دين، سواء كان ذلك في صورة عبادات وشعائر، أو في صورة عادات تتعلق بنظام الأكل والشرب واللباس، أو أخلاق وسلوكيات يراعيها المتدين في علاقته بغيره.

فإذا كانت العقيدة هي أمر يتعلق بالباطن مما ينطوي عليه قلب المؤمن بها، فإن التدين هو التعبير العملي المحسوس عن تلك العقيدة في الواقع.

وللتدين أصولا وشعائر، وفرعيات وتطبيقات، ومراتب ومستويات يجب اعتبارها في ضوء أحكام الدين ومقتضيات الواقع العملي للمسلمين.

2 ـ بين حرية الاعتقاد وحرية التدين:

إن حرية الاعتقاد والممارسة الدينية مكفولة في الشرائع الدينية والقوانين البشرية، وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة سنة 1948 في المادة 18 على ما يلي: ( لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره)[1]

وتنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أربع بنود بهذا الخصوص، وهي أن:

1 ـ لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين؛ ويشمل ذلك حريته في أن يَدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

2 ـ لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يُخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

3 ـ لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

4ـ تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة )

مع هذا الوضوح في التنصيص على حق الممارسة الدينية، إلا أننا نرى أحيانا، في سياق الجدل الفكري والسياسي والإعلامي حول مسألة الممارسة الدينية، من يريد الفصل بين حرية الاعتقاد وحرية الممارسة الدينية المنبثقة عن هذا الاعتقاد بادعاء أن الاعتقاد أمر شخصي مكفول للجميع من حيث الأصل، إلا أن التعبير الظاهر عن الدين ينبغي أن يكون منحصرا في الدائرة الخاصة (sphère privée) بالفرد في بيته وفي أماكن العبادة فقط، وأما في الدائرة العامة (sphère publique) يجب البعد عن إبداء كل مظهر ديني صيانة للانسجام في المجتمع وبُعدًا عن الدعاية للمعتقد الخاص (prosélytisme)، لكن هذا الجدل يصادم ما جاءت به القوانين صراحة من أن الاعتقاد وكذلك الممارسة المنبثقة عنه، كلاهما مكفول لكل إنسان؛ وهو ما جاء في المادة القانونية المذكورة آنفا في ضمان حق الممارسة الدينية لكل شخص ” بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”؛ نعم، إنه من حق الدولة أن تضع ضوابط عامة تكفل الحرية والتعددية لجميع المواطنين على اختلاف معتقداهم، ولكن بما لا يؤدي إلى مصادرة حق الاعتقاد والتعبير عنه.

يمكن لكل إنسان في مجتمع تعددي أن يكون له موقف من عقيدة الآخر وممارساته الدينية، ولكن لا يمكن أن يصادره حقه في اعتقاد ما يريد وفي ممارسة ما يريد ما دام ذلك لا يمس حرية الآخرين وأمنهم ولا يُخل بقواعد الصحة وحماية حياة الإنسان وسلامته[2]، كما أن الدولة باعتبارها راعية لحقوق جميع المواطنين في التمتع بحرية الاعتقاد والممارسة لا يمكن أن يكون لها موقف تقييمي من المعتقدات، ولا يمكن أن تُملي على أهل دين ما نمطًا معينا للاعتقاد أو السلوك الديني؛ ولذلك فإن ما نراه من أوصاف تُطلق بالأصولية على البعض أو نعتِ إنسان أو مجموعة دينية بالتطرف، هو موقف شخصي لا يُلزم إلا من يعبّر عنه ولا يمكن أن يكون موقفا سياسيا رسميا في دولة تحتكم إلى القانون وتنظر إلى جميع المعتقدات على قاعدة المساواة .

هذا الموقف الحيادي العادل للدولة التي تعامل جميع الأديان في مجتمع تعددي معاملة عادلة هو الذي يدعو له العديد من المفكرين المنصفين، ومن هؤلاء في فرنسا: جان بوبيرو(Jean Beaubérot)، ألان قراش (Alain Gresh)، رافييل ليوجيي (Raphel Liogier) وغيرهم ممن لهم كتابات ومقالات عديدة في هذا الاتجاه.

3 ـ النظرة إلى التدين في البيئة الأوروبية:

مع أن القانون العام يسمح بحرية الممارسة الدينية في الوسط الخاص والعام والتعبير عنها بالأشكال المختلفة كما سبق بيانه، إلا أن الذهنية العامة للمجتمعات الأوروبية لا تستسيغ التعبير الديني في الأوساط العامة وتفضل أن يبقى الشأن الديني في الدائرة الخاصة.

إن هذا الموقف المناهض للتعبير الديني في الأوساط العامة قد يعود إلى أسباب تاريخية تتمثل في الانعتاق الذي أرادته الشعوب الأوروبية من سلطان الكنيسة الذي كان مهيمنا على المجتمع؛ وبالتالي محاصرة الممارسة الدينية لتكون في دوائر مغلقة في دور العبادة والتجمعات الدينية الخاصة؛ وأما نراه من ممارسات دينية عامة مثل الاحتفالات الدينية لا يحمل الطابع الديني الاعتقادي وإنما يغلب عليها الطابع الاحتفالي والتجاري أكثر من المعنى الديني الذي ترمز له؛ وإذا كانت النظرة إلى الممارسة الدينية على هذا النحو فيما يتصل بالمعتقدات الدينية القديمة في المجتمع، فكيف يكون الحال بالنسبة للممارسات الدينية المنتسبة لأديان أخرى وبالخصوص الممارسات الدينية الإسلامية[3] ؟ طبعا فإن الموقف من التعبير الديني الإسلامي أكثر حساسية لأنه يشكّل عند البعض تحديا واستفزازا مع عدم فهم معناه ومغزاه.

4 ـ طبيعة التدين الإسلامي:

إن التدين الإسلامي يظهر بشكل تلقائي في سلوك المسلم في مناسبات عديدة، فالمسلم يتوقف في يومه وهو في عمله عندما يُتاح له ذلك مرات لأداء صلاته، وهو يصوم رمضان ويمتنع عن الأكل والشرب مع زملاء العمل أو الدراسة، والمرأة المسلمة التي ترتدي الحجاب لا يمكن أن تخفي ذلك في مظهرها، والمسلم عندما يمتنع عن أكل وشرب ما لا يجوز له إنما يظهر ذلك منه أمام زملائه من غير المسلمين؛ وبالتالي فإن المسلم المُطبق لدينه لا يمكنه أن يخفي التزامه الديني بأي حال.

وإن إصرار المسلم على أن يكون في ذات الوقت ملتزما بمقتضيات دينه، في سلوكه وتعامله الظاهر، ومنخرطا ومندمجا في مجتمعه يُثير لدى الآخرين إشكالية في فهم هذا الموقف، فيحسبون أن المسلمين إنما يتعمدون إظهار تدينهم من باب الدعاية لدينهم والتأثير على الآخرين في معتقداتهم، أو أنهم يقصدون في نظر البعض الاستفزاز لمشاعر غيرهم[4]

المبحث الثاني:

الموازنة بين حرية الممارسة الدينية ومراعاة الأعراف والأحوال:

من الطبيعي كما ذكرنا بأن الإسلام كدين لا بد أن يظهر في سلوك المسلم وتصرفاته وتعامله مع الآخرين، فلا يمكن للمسلم أن يخفي هويته الدينية، ولكنه في ذات الوقت مدعو إلى التحلي بالسماحة والتواضع والتنزه عن التباهي والرياء؛ وهذا يقتضي منه أن يبتعد عن كل ما من شأنه أن يثير الآخر، أو يسبّب تباعدا بينه وبينه، فكسب القلوب وتأليفها من أهم مقاصد الإسلام في التعامل بين الناس، وقد نهى الله عز وجل المسلمين عن سبّ آلهة المشركين حتى لا يكون ذلك سببا يزيد في جفوتهم من الدين بل قد يؤدي بهم إلى سبّ الله عز وجل، قال تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون” ـ الأنعام 108 ـ

وقد ذكر الرازي في تفسير هذه الآية ما يلي:

لقائل أن يقول: إن شتم الأصنام من أصول الطاعات، فكيف يحسن من الله تعالى أن ينهى عنه؟

والجواب: أن هذا الشتم، وإن كان طاعة، إلا أنه إذا وقع على وجه يستلزم وجود منكر عظيم، وجب الاحتراز منه، والأمر ههنا كذلك، لأن هذا الشتم كان يستلزم إقدامهم على شتم الله وشتم رسوله، وعلى فتح باب السفاهة، وعلى تنفيرهم عن قبول الدين، وإدخال الغيظ والغضب في قلوبهم، فلكونه مستلزماً لهذه المنكرات، وقع النهي عنه …

قال الجبائي: دلت هذه الآية على أنه لا يجوز أن يفعل بالكفار ما يزدادون به بُعداً عن الحق ونفوراً، إذ لو جاز أن يفعله لجاز أن يأمر به، وكان لا ينهى عما ذكرنا، وكان لا يأمر بالرفق بهم عند الدعاء. كقوله لموسى وهارون: “فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى” ـ طه 44 ـ … قالوا هذه الآية تدل على أن الأمر بالمعروف قد يقبح إذا أدى إلى ارتكاب منكر، والنهي عن المنكر يقبح إذا أدى إلى زيادة منكر، وغلبة الظن قائمة مقام العلم في هذا الباب وفيه تأديب لمن يدعو إلى الدين، لئلا يتشاغل بما لا فائدة له في المطلوب، لأن وصف الأوثان بأنها جمادات لا تنفع ولا تضر يكفي في القدح في إلهيتها، فلا حاجة مع ذلك إلى شتمها)[5]

ويقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسير هذه الآية: (والمخاطب بهذا النّهي المسلمون لا الرّسول صلى الله عليه وسلم لأنّ الرّسول لم يكن فحّاشاً ولا سبّاباً لأنّ خُلقه العظيم حائل بينه وبين ذلك، ولأنّه يدعوهم بما ينزل عليه من القرآن فإذا شاء الله تركه من وحيه الّذي ينزله، وإنّما كان المسلمون لغيرتهم على الإسلام ربّما تجاوزوا الحدّ ففرطت منهم فرطات سبّوا فيها أصنام المشركين.)[6]

وقال تعالى: “ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم” ـ الممتحنة 5 ـ

يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسير هذه الآية: (ويجوز عندي أن تكون “فتنة” مصدراً بمعنى اسم الفاعل، أي لا تجعلنا فاتنين، أي سبب فتنة للذين كفروا، فيكونَ كناية عن معنى لا تُغلِّب الذين كفروا علينا واصرف عنا ما يكون به اختلال أمرنا وسوءِ الأحوال كيلا يكون شيء من ذلك فاتناً الذين كفروا، أي مُقوياً فتنتهم فيُفْتَتَنُوا في دينهم، أي يزدادوا كفراً وهو فتنة في الدين، أي فيظنوا أنا على الباطل وأنهم على الحق …)[7]

إذن لا بد من موازنة دقيقة بين الحرص على حق التدين وإظهاره إذا كان مما ينبغي إظهاره وبين مراعاة الأعراف والأحوال؛ إذ أن لكل مجتمع أعرافه وله طريقته في التعامل مع الدين، وكذلك فإن الأحوال التي تعتري حياة المجتمع فتجعله منفتحا أو تجعله أقرب إلى الانغلاق على النفس والخوف من المخالف في أوقات الأزمات والمشكلات؛ وهو ما نلاحظه في أوضاع المجتمعات الأوروبية التي هزت استقرارها المادي الأزمة الاقتصادية، التي لا تزال تلقي بظلالها، وما أدت إليه من تداعيات استغلتها بعض الاتجاهات السياسية المغالية للتخويف من الآخر المخالف وما يمثله من تهديد على الهوية الجماعية للمجتمع؛ وكان من نتائج ذلك تصاعد رصيد الأحزاب العنصرية في عدد من البلاد الأوروبية.

وإن مراعاة الأعراف والأحوال مما دعا إليه الإسلام، وقد اعتبر الأصوليون قاعدة العرف والعادة مما يجب أخذه بعين الاعتبار في تقرير الأحكام والفتاوى ضمن ضوابط معلومة؛ فهذا الإمام القرافي يقرّر هذا المبدأ في الفرق الثامن و العشرين من فروقه فيقول: ( ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك ، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك، لا تُجره على عرف بلدك و اسأله عن عرف بلده و أجره عليه وافته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين ) [8]

وهذا ابن القيم يؤكّد كلام القرافي فيقول: (وهذا محض الفقه، ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان)[9]

وفي إطار هذه الموازنة يمكننا أن ننبه على الجوانب التالية:

1 ـ مراعاة الفروق في درجات التدين:

إن التدين باعتباره تطبيقا لما أمر به الشارع تعدّد درجاته بالنظر إلى:

أ ـ طبيعة الأحكام ومراتبها، فلا يمكن أن يكون الواجب في درجة المندوب، ولا السنة المؤكدة بدرجة المستحب، بل إن الواجبات تتفاوت فيما بينها وكذلك السنن، وهذا من الفقه الذي سمّاه فضيلة الشيخ القرضاوي بفقه مراتب الأحكام، وهناك خلط كبير عند عامة المسلمين بهذا الخصوص أدّى بهم إلى فهم بعيد عن الفقه الصحيح للأحكام، ولسنا هنا بصدد الحديث عن الذين سلكوا مسلك التشدد فيما يسّرت فيه الشريعة فهؤلاء قد بالغوا فيما لم يأذن الشارع به.

يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي مُبينا أهمية رعاية الأولويات: ( … فلا يُقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح، ولا المفضول على الفاضل، أو الأفضل … وأساس هذا: أن القيم والأعمال والتكاليف متفاوتة في نظر الشرع تفاوتا بليغا، وليست كلها في رتبة واحدة، فمنها الكبير ومنها الصغير، ومنها الأصلي ومنها الفرعي، ومنها الأركان ومنها المكملات، ومنا ما موضعه في الصّلب، وما موضعه في الهامش، وفيها الأعلى والأدنى، والفاضل والمفضول)[10]

ومن الأمثلة في هذا الباب ما نراه عند بعض المسلمين في أوروبا من الإصرار على بعض المظاهر المتعلقة باللباس وغيره بما يعتقدون أنه من الأحكام الشرعية التي يجب الحرص عليها، كمن يطلق لحيته ويرفض الأخذ منها وتهذيبها، لأن ذلك لا يجوز له في نظره، ويكون هذا المظهر خصوصا إذا صحبه قلة عناية بالهندام سببا يثير الاشمئزاز لدى البعض والخوف لدى آخرين. وبقطع النظر عن صحة دليل من يأخذ بهذا الرأي أو ذاك في هذه المسائل فإن التعظيم من أمرها يدلّ على عدم إدراكٍ لمراتب الأحكام الشرعية.

وإن من الخلل في فقه مراتب الأحكام ما نشاهده حتى بين المسلمين أنفسهم فيمن يُثير الخلافات بشأن مسائل ليست هي من أركان الدين ولا من أحكامه الأساسية كالمُبالغين في أمر تسوية الصفوف بما يضيق على من يصلون إلى جانبهم، وكالذين يصرون على إخراج الزكاة من الطعام ومنع إخراجها بالقيمة مع ما يسببه ذلك من حرج وتفويت للمصالح وإخلال بالتيسير على المعطي والمستفيد، وغير ذلك من الأمثلة العديدة التي تنشأ عن غياب فقه مراتب الأحكام.

ب ـ مراعاة الفرق بين التدين الخاص والتدين المتعدّي:

الفرق بين العبادات الفردية التي يؤديها الفرد في خاصة نفسه أو مع إخوانه في الإطار الشخصي أو في إطار المجموعة الدينية التي ينتمي إليها، كالشعائر التعبدية، والتصرفات الدينية الذي تتعدى علاقتها بالآخر كمراعاة المسلم لأحكام الحلال والحرام في المأكل والملبس وغير ذلك من الممارسات الدينية التي تحدّد للمسلم طريقة في التعامل مع غيره، ولكن هذه المسائل مما يجب التفريق فيه بين ما هو من الواجبات اللازمة التي لا يسع المسلم فيها إلا الالتزام بها، مع بيان معنى ذلك الالتزام دفعا للاستغراب الذي قد ينشأ لدى غيره نتيجة ما يراه من سلوك لا يفهم معناه، وبين أعمال أخرى لا تصل درجة الواجبات اللازمة كمسألة المصافحة مثلا، إذ يمتنع المسلم تحرجا عن مصافحة امرأة أجنبية عنه ولكن ينشأ من ذلك غالبا شعور من الاستغراب وعدم الارتياح لدى من رفض مصافحتها؛ فهل الأولى في هذه الحالة يجب تغليب مصلحة التواصل مع الآخر وتأليف القلوب على الحرص على الالتزام بأمر يسعه فيه التنازل تغليبا لمصلحة أرجح؟

وقد اعتبر الفقهاء أن مسألة النفع المتعدي مما يمكن الأخذ به في الترجيح بين المصالح وترتيب الأولويات من ذلك اجتهادهم في تقديم طالب العلم الفقير في الزكاة على غيره من أصناف الفقراء لأن نفعه من وراء تحصيل العلم مُتعدي لغيره،

يقول الشيخ يوسف القرضاوي: ( قرر الفقهاء أن المتفرغ للعبادة لا يأخذ من الزكاة، بخلاف المتفرغ للعلم، لأنه لا رهبانية في الإسلام، ولأن تفرغ المتعبد لنفسه، وتفرغ طالب العلم لمصلحة الأمة )[11]

2 ـ بين التدين الفردي والتدين الجماعي:

هناك ممارسات دينية تتعلق بالفرد في ذات نفسه وممارسات أخرى لها انعكاس على حالة التدين العام للمجموعة الدينية، فأداء المسلم للصلاة والصوم والحج وحرصه على التعامل الخلقي الإسلامي يتصل بالتزامه الفردي، ولكن هناك أبعاد أخرى جماعية لا يمكن للمسلم ان يقيمها بشكل فردي، فإقامة المساجد، والاتفاق عن بداية الصوم، والاحتفال بالأعياد والتمسك ببعض السنن المميزة كسنة الأضحية مثلا في عيد الأضحى، هي من الممارسات الدينية الجماعية التي لها دور في الحفاظ على الهوية الدينية للمسلمين كمجوعة دينية في ظل مجتمع تعددي، ولذلك فإن بعض الأمور التي لا ترتقي لدرجة الوجوب كإقامة الأعياد والحفاظ على شعيرة الأضحية[12] مما له أثر هام على حالة التدين العام للمجموعة يستوجب المحافظة عليها.

وقد ذهب العلماء مثلا في إقامة شعيرة الأذان، مع اختلافهم بين قائل بالوجوب الكفائي لإقامة الأذان وقائل بأنها سنة مؤكدة، إلا أنهم اتفقوا على منع تواطأ الجماعة على تركه، لأنه يعد من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة[13]، وهو من الشعائر العامة التي تختص بها الهوية الدينية للمسلمين، وإن كان لا يتسنى للمسلمين القيام بالأذان في عامة مساجد أوروبا عن طريق مكبرات الصوت إلا أنهم يعلون الأذان في مساجدهم ويحرصون على ذلك.

3 ـ التدين بين حرية الممارسة ومراعاة العرف العام:

ليس من مراعاة العرف العام أن يتنازل المسلم عن الالتزام بشعائره المفروضة حتى لا يصادم العرف الذي لم يتوعد على هذه الشعائر، ولكن المقصود هو في مسائل ليست من قبيل الواجبات الدينية أو هي تتصل بأعراف إسلامية غريبة عن واقع المجتمع الأوروبي الذي نعيش فيه، ولعل المثال الأبرز في هذا المجال ما يتعلق بلباس المرأة المسلمة والرجل المسلم، فهناك حرص لدى أعداد من المسلمات على ارتداء الحجاب بنمط معين مستورد من بيئات عربية أو إسلامية، في حين أنه بإمكان المسلمة أن تلتزم بلباسها الشرعي بارتداء ما هو معهود في المجتمع من فساتين ساترة ومعاطف وغطاء للرأس وغير ذلك؛ وكذلك بوسع الرجل المسلم أن يلبس اللباس العادي وليس مطلوبا ارتداء القميص أو الحرص على مظاهر غريبة في المجتمع.

إن القاعدة التي يجب أن تحكم تصرف المسلم في هذا المجال هو أن يتجنب المخالفة التي لا يلزمه الشارع بها ويسعى للانسجام مع العرف العام ما دام ذلك العرف لا يصادم حكما شرعيا ثابتا؛ وإذا كان المسلمون قد تباينت عاداتهم في اللباس والأكل بتباين مناطقهم وأعرافهم فإن ذلك يؤكد الحاجة إلى أن يكون المسلم منخرطا في عرف قومه وبيئته، وقد سبق كلام الإمام القرافي في إجراء المستفتي على عرف بلده.

وقد تحدث ابن تيمية على مسألة موافقة المسلم للهدي الظاهر في غير المجتمع المسلم فقال: (لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يُستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية …)[14]

طبعا إن الموافقة في الهدي الظاهر لا تعني التخلي عن شعائر الإسلام الثابتة وإنما تتعلق بترك المخالفة لبعض المظاهر العامة التي لا تمس من تدين المسلم، فيما يتصل بعادات اللباس وغيره من الأعراف التي تميز بلد من البلاد عن غيرها؛ هذا مع أن حديث ابن تيمية يتعلق بالمسلم الذي يعيش في دار غير داره، سواء كانت دار حرب أو دار كفر، فكيف إذا كان المسلم يعيش في بلده الذي ينتسب إليه، وإن كان ليس بلدا إسلاميا، فهذا أدعى بأن يكون أحرص على الموافقة في الهدي العام لما في ذلك من مصالح تُستجلب ومفاسد تُدرأ.

4 ـ التدين بين حرية الممارسة ومراعاة الأحوال المتغيرة:

إن مراعاة تغير الأحوال مما يجب اعتباره لأن له أثر في تقديرنا للمصالح والأولويات؛ يقول الشيخ يوسف القرضاوي: ” ( إن الأولوية والأفضلية في كثير من الأمور لا تكون أولوية مطلقة في الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وإن تفاوتت، بل إن الغالب أنها تتفاوت بتفاوت المؤثرات الزمانية والبيئية والشخصية )[15]

تتغير أحوال المجتمعات بما تعتريها من ظروف داخلية وخارجية يكون لها أثرها في النظر إلى الأشخاص والأفكار والمعتقدات، فحال الناس في السّعة غير حالهم في الضيق وهكذا؛ وقد لاحظنا فيما يتعلق بالنظرة للإسلام والمسلمين، أن بعض الأحداث التي تجري يكون لها أثرها على الرأي العام من ذلك ما وقع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من موجات كراهية لدى الغربيين تجاه الإسلام والمسلمين، وكذلك الشعور بالخوف لدى البعض من إسلام يريد غزو المجتمعات الأوروبية وتغيير هويتها، وهو ما يُروّج له دعاة العنصرية من السياسيين والإعلاميين المُغرضين، الذي يُخوّفون الناس من الإسلام، ويعتمدون على بعض الممارسات الدينية، كحصول الصلاة على قارعة الطريق يوم الجمعة عندما يضيق المصلى الصغير بالمصلين، فيقولون هكذا يريد المسلمون أن يفرضوا عباداتهم على غيرهم، مما حدى ببعض الدول كفرنسا بسن قانون يمنع الصلاة على قارعة الطرق، فلجأ المسلمون للأخذ بفتوى المجلس الأوروبي والبحوث في جواز إقامة صلاة الجمعة مرتين في المسجد الواحد لاستيعاب جميع المصلين وتمكينهم من إقامة صلاتهم.

ومن مراعاة الأحوال أيضا ما تقوم به بعض المساجد في أوروبا في أوقات النكبات الطبيعية وفي أيام البرد الشديد من فتح أبوابها لاستيعاب من لا مأوى لهم وتقديم الطعام والشراب لهم، وهو ما تقوم به الكنائس عادة في أوروبا في مثل هذه الأحوال.

المبحث الثالث:التدين الإسلامي في الواقع الأوروبي بين الثوابت ومراعاة الأعراف والأحوال الإسلام التدين الإسلامي في الواقع الأوروبي بين الثوابت ومراعاة الأعراف والأحوال msjd fy brlyn

كيف نحقق الموازنة المطلوبة بين حرية الممارسة الدينية ومراعاة الأعراف والأحوال؟

إن توصيف الصعوبات في التوفيق بين حرية الممارسة الدينية وبين عدم مصادمة الأعراف والأحوال بما يؤدي إلى التباعد والجفوة بين المسلمين ومواطنيهم من غير المسلمين يقتضي الأخذ ببعض الأسباب اللازمة، وعلى رأسها ما يلي:

1 ـ ترشيد التدين الإسلامي:

إن رغبة المسلم في التمسك بدينه أمر محمود يجب أن يحرص عليه كل مؤمن في أي بيئة كانت، إذ أن الإسلام دين عالمي له قابلية للانسجام مع حياة الناس في كل زمان ومكان، ولكن ذلك لا يمنع من النظر إلى حقيقة التدين والفقه فيه بما يجعله:

أ ـ تدينا قائما على العلم والفقه الصحيح:

يحرص بعض المسلمين في مجال التدين على تطبيقات ليس لها سند من العلم الصحيح أو ليس لها مراعاة للعوامل المؤثرة في البيئة بما يؤدي إلى مراجعتها في ضوء الفقه السليم، وإن من الفقه الصحيح في باب التدين أن نستفيد من تعدّد الوجوه الواردة في كيفيات العبادة مما هو ثابت لنأخذ بما هو أليق بالمقام والحال، وهذا من عوامل السعة والمرونة في الدين، وقد ذكر ابن رجب في القاعدة الثانية عشرة من قواعده: ( أن العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه الواردة فيها من غير كراهة لبعضها وإن كان بعضها أفضل من بعض، لكن هل الأفضل المداومة على نوع منها أو فعل جميع الأنواع في أوقات شتى ، ظاهر كلام الأصحاب الأول، واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله الثاني لأن فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تنوعه، وقال ابن عقيل في صلاة الخوف إنها تنوعت بحسب المصالح فتصلى في كل وقت على صفة تكون مناسبة له، وهل الأفضل الجمع بين ما أمكن جمعه من تلك الأنواع أو الاقتصار على واحد منه ، هذا فيه نزاع في المذهب ويندرج تحت ذلك صور …)[16]

هذه قاعدة مهمة تحتاج إلى استقصاء فيما تعددت فيه وجوه التصرفات النبوية في العبادات لينظر فيما هو أقرب إلى حال المكلف وأليق بواقعه؛ وفي نفس هذا السياق نقول بأنه إذا جاز الأخذ بالاختيار في الوجوه المتعددة الواردة بنصوص شرعية للعبادات، فينبغي أن يكون الأمر أوسع مجالا إذا تعدد الاجتهاد في المسألة الواحدة فيكون الاختيار مطلوبا بما يحقق التيسير.

ب ـ تدينا يراعي منطق الأولويات في مجال المأمورات والمنهيات:

تتزاحم الأعمال والتكاليف الشرعية أمام المسلم، ولا بد له من منطق للأولويات حتى يُقدّم ما هو أولى في الاعتبار عن غيره. إن إخلاص النية في التقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح لا يغني عن تحري الصواب في العمل، ومن الصواب المطلوب مراعاة الأولويات؛ وقد ذكر الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه ” في فقه الأولويات قواعد للأولويات يجب أخذها بعين الاعتبار في مجال المأمورات ومنها: أولوية الأصول على الفروع، وأولوية الفرائض على السنن والنوافل، وأولوية فرض العين على فرض الكفاية، وأولوية حقوق العباد على حق الله المجرد، وأولوية حق الجماعة على حقوق الأفراد …[17]

ج ـ تدينا يوازن بين الشكل والمقصد وبين الباطن والظاهر:

للتدين أشكاله التي حدّدها الشارع خصوصا في مجال الشعائر والتي يجب الأخذ بما ثبت منها بالدليل، ولكن لا بد من العمل أيضا على تحقيق المقاصد والغايات من وراء التعبد حتى لا يكون التدين خاويا من الروح.

إن الواقع الإسلامي المعاصر للمسلمين وما نراه فيه من اهتمام بالشكل على حساب المضمون يحتاج إلى نشر الوعي والإدراك بأن التعبد والالتزام بالأحكام الشرعية يجب أن يخدم مقاصد عامة تظهر ثمرتها على مستوى المجتمع. إن إصلاح النفوس وتزكية الأرواح يجب أن يؤدي إلى الصلاح في حياة المسلم العملية، ولذلك فإننا نجد القرآن الكريم يحدثنا عن التقوى، وهي في الأساس علاقة بين العبد وربه، ويربطها بثمارها وآثارها على مستوى السلوك والتعامل مع الآخر، فالعلاقة وثيقة بين التقوى باعتبارها حالة إيمانية داخلية، وبين الصلاح باعتباره ثمرة عملية منبثقة عنها؛  يقول الدكتور محمد عثمان نجاتي: (يتضمَّن مفهوم التقوى أن يتوخَّى الإنسان دائمًا في أعماله الحق والعدل والأمانة والصدق، وأن يُعامل الناس بالحسنى، ويتجنَّب العدوان والظلم، ويتضمَّن مفهوم التقوى كذلك، أن يؤدِّي الإنسان ما يوكل إليه من أعمال على أحسن وجه؛ لأنَّه دائم التوجُّه إلى الله – تعالى – في كلِّ ما يقوم به من أعمال ابتغاء مرضاته وثوابه؛ إذ التَّقوى بهذا المعْنى تصبح طاقةً موجَّهة للإنسان نحو السُّلوك الأحسن والأفضل، ونحو نموِّ الذَّات ورقيّها )[18].

قال تعالى في العلاقة بين التقوى والعدل: “وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون” ـ المائدة 2 ـ

وقال تعالى في العلاقة بين التقوى والوفاء بالعهد: “بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ” ـ آل عمران 76 ـ

وقال أيضا: “إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ” ـ التوبة 4 ـ

إن حرص المسلم على جزئيات تتعلق بالتعبد دون التفات للمقاصد المبتغاة من العبادة أمر يحتاج إلى مراجعة في حياة المسلمين، إذ أننا نرى من يحرص على الالتزام الدقيق بتفاصيل في العبادات لا ترقى إلى درجة الوجوب ويغفل عن مقاصد مهمة هي أولى بالاهتمام، فكم من مسلم نراه يبالغ في تسوية الصفوف وسدّ الفرجات في الصلاة ولكنه يُفسد على نفسه وعلى غيره الخشوع فيها.

وأما فيما يتعلق بالعبادات وأثرها على السلوك فكم من حريص على الصلاة جماعة وهو لا يؤدي حق الاجتماع مع أهله وأداء حقوقهم، وكم من حريص على سنن ومندوبات وهو مُفرّط في أخلاق التعامل بالحسنى مع الناس.

يقول الشيخ يوسف القرضاوي في حديثه عن أولوية عمل القلب على عمل الجوارح: ( … ولهذا نعجب من تركيز بعض المتدينين عامة، والدعاة خاصة، على بعض الأعمال والآداب التي تتعلق بالظاهر أكثر من الباطن، وبالشكل أكثر من الجوهر، مثل تقصير الثوب، وإحفاء الشارب، وإعفاء اللحى، وصورة حجاب المرأة، وعدد درجات المنبر، وطريقة وضع اليدين أو القدمين أثناء القيام في الصلاة، إلى غير ذلك من الأمور التي تتعلق بالصورة والشكل أكثر مما تتعلق بالجوهر والروح، فهذه مهما يكن وضعها لا تأخذ الأولوية في الدين )[19]

د ـ تدينا يقوم على التيسير:

إن الأخذ بالتيسير من مقاصد الشارع الحكيم الذي نفى الحرج والضيق على عباده ولم يكلفهم إلا ما يطيقون وشرع لهم من الرخص ما يخفف عنهم عند حالات الضرورة والحاجة، وهذا أمر يجب الالتفات إليه في كل المجالات بما في ذلك مجال التعبد.

إن الأخذ بمبدأ اليسر ليس من فوائده مساعدة المسلم على الاستمرار في الأخذ بالتكاليف فحسب، وإنما أيضا ييسر عليه سبل التعامل مع غيره والخروج من الحرج؛ ولعل من الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في هذا الباب:

مسألة الأخذ بالرأي الشرعي في إثبات الشهور القمرية اعتمادا على الحساب الفلكي العلمي، وهو ما قرره المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وما بدأت تأخذ به عدد من الأقطار الأوروبية، لكن لا يزال البعض يعارضون الأخذ بهذا الرأي والتمسك بمسألة الرؤية البصرية لإثبات دخول الشهر، وهذ الرأي الذي يصرّ على الرؤية البصرية لا يسبب حرجا للمسلمين فقط في توحيد صيامهم وإفطارهم ومعرفة تاريخ أعيادهم بصفة مسبقة تسهل عليهم الحصول على إجازات من العمل للاحتفال بالعيد، وإنما تترتب عليه كذلك صعوبات تتعلق  بترتيب صلاة العيد في القاعات الكبرى التي تمنحها البلديات للمسلمين ليجتمعوا فيها بأعداد كبيرة لا تتسع لها المساجد عادة، وكذلك ترتيب حضور الموظفين والعاملين في الشركات والمؤسسات بشكل مسبق إذا أراد بعضهم التغيب بغرض الاحتفال بِعِيده.

إن الأخذ بالحساب الفلكي لإثبات الشهور ليس فقط رأيا شرعيا معتبرا في أدلته وإنما هو في نظرنا مُرجح في حق مسلمي أوروبا على غيره من الآراء لما يحققه من تيسير في تنظيم الحياة الدينية للمسلمين في مجتمعات تعددية.

ومن الأمثلة أيضا ما يتعلق بمسألة الأضاحي وما يلاقيه المسلمون من صعوبة في ذبح أضاحيهم والأخذ بالرأي الشرعي في جواز ذبح الأضحية على مدى أيام العيد الثلاثة تيسيرا على المُضحين بسبب الزحام الذي يكون في الأماكن المخصصة لذبح الأضاحي وكذلك الإفتاء بالتوكيل في ذلك.

إن من واجب المؤسسات الإسلامية الإفتائية والدعوية وكذلك من واجب العلماء والمُفتين والدعاة أن يحرصوا على توعية المسلمين للأخذ بمثل هذه الاجتهادات ترشيدا للتدين وارتقاء بالوعي الفقهي للمسلمين وعدم الاستجابة لضغط التيار العام الذي لا يلاحظ هذه الاعتبارات.

ومن الأخذ بالتيسير أن نفعّل بعض القواعد الفقهية في مجال الاجتهاد والفتوى كقاعدة: (الميسور لا يسقط بالمعسور)، وقد عبّر عنها العلماء بعبارات عديدة متقاربة كقول القرافي: (المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف)[20]، وهي قاعدة قال بها جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وقال الحنفية بما دلّ عليها في جملة من المسائل، وبنوها على أدلة كثيرة منها ما جاء في القرآن الكريم كقوله تعالى: ” فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم” ـ التغابن 16 قال عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي: ( فهذه الآية تدلُّ على أن كلَّ واجب عجز عنه العبد أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه )[21] ، وما جاء في السنة النبوية، في مثل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم: ( إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم ) أخرجه البخاري ومسلم

قال الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف النووي في هذا الحديث: (هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أُعطِيها صلَّى الله عليْه وسلَّم ويدخل فيه ما لا يُحصَى من الأحكام )[22]

وقال العلامة أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي الشافعي: ( وهذا من قواعد الإسلام المهمة، مما أُوتِي – صلَّى الله عليْه وسلَّم – من جوامع الكلم؛ لأنه يدخل فيه ما لا يُحصَى من الأحكام، وبه وبالآية الموافقة له يُخَصُّ عموم قوله – تعالى -: “ومَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا” ـ الحشر: 7 ـ، فإذا عجز عن ركنٍ، أو شرط كنحو وضوءٍ أو صلاةٍ، أو قدر على غسل أو مسح بعض الأعضاء أو التيمم، أو على ستر بعض العورة، أو بعض الفاتحة، أو إزالة بعض المنكر، أتى بالممكن، وصحَّت عبادته، مع وجوب القضاء تارة، وعدمه تارة أخرى )[23]

2 ـ العمل على تطوير نظرة المجتمع في التعامل مع التعددية الدينية والثقافية:

إلى جانب العمل على ترشيد التدين في أوساط المسلمين فإنه لا بد من عمل دؤوب من أجل تطوير نظرة المجتمعات الأوروبية إلى حقيقة التعددية الدينية والثقافية التي باتت سمة من سماتها الظاهرة، ولن يتمّ ذلك إلا انطلق المسلمون من منطلق المواطنة التي تُشعر الآخرين بأن المسلم مواطن يحبّ وطنه ويعمل على استقراره وأمنه، وأنه لا يسعى بأي حال ليفرض عقيدته على غيره، وأنه يحترم التعددية والحرية في مجتمعه، انطلاقا من مبادئ دينه والتزاما بمقتضيات المواطنة؛ وإن مما يجب العمل الجاد عليه في هذا المجال تقديم الإسلام وعرضه والتعريف به بلسان القوم، وليس المقصود باللسان اللغة فقط وإنما استصحاب الأبعاد الثقافية والفكرية والاجتماعية بما يجعل الخطاب الإسلامي منطلقا من الواقع الأوروبي ومنسجما مع السياق العام، وليس خطابا مستوردا غريبا، ومن الوسائل المهمة في هذا المجال:

أ ـ العمل على الارتقاء بكل ما يحقق الاندماج الإيجابي والمشاركة الفاعلة للمسلمين في حياة المجتمع، شعورا منهم بالواجب في خدمة مجتمعهم والمساهمة في حياته العامة، ولذلك فإن الأخذ بالآراء الفقهية التي تدعو إلى الاندماج والمواطنة، مما أفتى به المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورات عديدة، مما يجب السعي إلى تفعيله والتذكير به دائما، والعمل على مقاومة نزعة الانطواء والانعزال عن المجتمع؛ إنه ليس من المعقول أن تظل بعض الفتاوى، كالتي تدعو إلى مقاطعة الحياة السياسية والانتخابات، تجد رواجا عند بعض المسلمين في أوروبا مما يساهم في عزلهم عن المجتمع، في الوقت الذي يرتقي فيه، رغم كل التحديات والصعوبات، أعداد من المواطنين المسلمين في الدول الأوروبية لتكون لهم مواقع سياسية متقدمة ويختارهم جميع المواطنين في تلك المواقع. إن الرأي الداعي إلى المشاركة يجب أن يحمله أصحابه بقوة وأن يعملوا على الارتقاء بالوعي العام للمسلمين للأخذ به.

ب ـ الاجتهاد في الإنتاج الفكري بلسان القوم؛ وهو ما نرى فيه تقدما ملحوظا في بعض دول أوروبا الغربية كبريطانيا وفرنسا حيث هناك إنتاج فكري إسلامي يتزايد باللغة الإنكليزية وباللغة الفرنسية ولكن لا يزال الأمر يحتاج إلى جهود في بقية الدول الأخرى، ومما يجب مراعاته في هذا الإنتاج الفكري:

ـ أن ينطلق من الواقع الأوروبي وأن يقدّم الإسلام في سياق كوني لا يخاطب المؤمنين به فقط وإنما يخاطب غير المؤمن ليعرض له قيم الإسلام ومبادئه بأسلوب مقنع.

ـ أن يركز على التأليف بدل الترجمة، فكثير مما تتم ترجمته من الكتب الإسلامية لا يناسب الواقع الأوروبي، لأنه كُتِبَ لمخاطبة المسلمين في بيئات إسلامية؛ وما يمكن ترجمته فيجب الاجتهاد في إعادة صياغته وعرضه بما يحقق المقصود.

ـ يجب ان لا يقتصر التأليف الفكري الإسلامي على الكتاب الديني فقط وإنما يجب أيضا الدخول إلى عالم الأدب والقصة والرواية لأن هذا اللون من الإنتاج الفكري هو الذي يُقبل عليه الأكثرون من الناس، فيمكننا أن نُعبّر عن القيم الإسلامية من خلال قصة أو مقال أدبي ويكون له أثره الكبير على الناس.

ج ـ الاستفادة من وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة:

إن وسائل الاتصال الحديثة المتمثلة في الرسائل وتسجيلات الفيديو القصيرة لها أثر كبير في عرض القضايا وتوضيح المواقف وتصحيح الأخطاء، وهي سهلة الاستعمال، قليلة الكلفة وواسعة الانتشار؛ ولكنها تحتاج إلى إعداد جيد وإخراج راقي لتكون أوقع أثرا.

د ـ العناية بالجانب الثقافي والفني:

يحتل الجانب الثقافي والفني مكانة هامة في أعراف المجتمعات الأوروبية من سينما ومسرح ومعارض؛ والإنتاج الثقافي يحمل أفكارَ من ينتجه، ويمكن للمسلمين أن يكون لهم إنتاجا ثقافيا وفنيا يعكس أفكارهم ويساهم في إثراء المشهد الثقافي العام؛ ومن الأمثلة التي لمسنا فائدتها في أوروبا تجربة اليوم المفتوح في المساجد، وتسجيل المساجد لتكون في برنامج ما يُعرف بأيام التراث السنوية التي تُخصص للزيارة المجانية للمعالم الأثرية والعمرانية في المدن؛ وكانت هذه التجربة ناجحة جدا بما شهدته المساجد من إقبال كبير خلال هذه الأيام من عموم الأوروبيين الذين يأتوا ليكتشفوا الحياة الدينية للمسلمين والوقوف على معناها ومغزاها وتكون فرصة للحوار وتبادل الأفكار؛ وكلما ازداد التعارف المشترك قلّت أسباب الجفوة والتباعد.

هـ ـ اغتنام المواسم الإسلامية في التعريف بالإسلام والعبادات الإسلامية:

للمسلمين عبادات جامعة يؤدونها بشكل جماعي وأصبحت معلومة لدى غيرهم وإن كان الجمهور الواسع من غير المسلمين لا يُدركون معانيها ومقاصدها، من ذلك: صلاة الجمعة، صيام رمضان، أداء الزكاة، الحج إلى بيت الله الحرام؛ بالإضافة إلى بعض التواريخ المهمة في الحياة الإسلامية كالمولد النبوي، والإسراء والمعراج … وكل هذه العبادات والمناسبات الدينية فرصة لتحقيق التواصل مع المجتمع لشرح معانيها بالأساليب المناسبة بما يُساعد على معرفة حقيقة الإسلام بعيدا عن تلك الصور النمطية المُسيئة.

وإني أقترح على المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهو يناقش موضوع العيش المشترك في أوروبا، أن يؤكّد، بالإضافة إلى ما سيتخذه من قرارات فقهية متصلة بهذا الموضوع، على مسألتين متعلقتين بالجهود التي يجب أن يقوم بها المسلمون من أجل التعريف بدينهم خدمة للتواصل ودفعا لأسباب الجفوة:

أ ـ التأكيد على الواجب الشرعي المطلوب من المسلمين أفرادا وجماعات في القيام بمهمة التعريف بدينهم والاجتهاد في الأخذ بكل الأساليب الناجعة في هذا المجال والمناسبة لبيئتهم وواقعهم

ب ـ وبما أن القيام بهذا الواجب يقتضي توفير ما يلزم من الأسباب والإمكانيات المادية، فإنه من المهم توجيه المسلمين إلى ضرورة الإنفاق على هذا العمل التعريفي من أموال صدقاتهم وزكواتهم، إذ أن عموم المتصدقين والمُزكين لا يلتفتون لأهمية الإنفاق في هذا الجانب.  

 خاتمة

إن ما جاء في ثنايا هذا البحث يهدف إلى تنبيه القائمين على أمر الفتوى والتوجيه والتربية في أوساط المسلمين في أوروبا على الانطلاق من مُقاربة شاملة في معالجة القضايا المتعلقة بالتدين الإسلامي في الواقع الأوروبي حتى لا يقتصر البحث في هذه القضايا على الجانب الفقهي الجزئي، وإنما يعمل على استصحاب مجموعة من الأبعاد الضرورية:

ـ البُعد الفكري والتاريخي الذي يخصّ المجتمعات الأوروبية في تجربتها مع الدين وفهم آثارها في واقعها اليوم.

ـ البُعد الاجتماعي والنفسي في إدراك طبيعة المجتمعات الأوروبية وموقفها من التدين عامة، وأثر ذلك في تعاملها مع الحضور الإسلامي الراهن.

ـ البُعد المقاصدي الذي يعمل على الارتقاء بالتعبد من الأداء الشكلي إلى تحقيق المقاصد والمعاني والقيم الإسلامية العليا، والأخذ بالتيسير، واعتبار المآلات.

ـ البُعد الكلّي في تناول القضايا الفقهية الجزئية في إطار القواعد الكلية للفقه الإسلامي، وتنزيلها على واقع الحضور الإسلامي في أوروبا.

وأقترح في هذا السياق على المجلس تخصيص دورة من دوراته القادمة لدراسة القواعد الأصولية والفقهية التي يجب استصحابها في تناول قضايا المسلمين في أوروبا، مع أمثلة من التطبيقات العملية لها، لتكون هذه القواعد بمثابة المُوجهات العامة التي يصدر عنها أهل الفتوى والتوجيه والتربية.

ـ البُعد التغييري الذي يسعى إلى تطوير وتحسين نظرة المجتمع إلى الإسلام من منطلق المواطنة الفاعلة.

والحمد لله رب العالمين،،

                                                                       باريس في 4 من ذي الحجة 1436هـ

                                                                          الموافق لـ 27 سبتمبر 2015 م

عناصر البحث

المبحث الأول:

مقدمات تمهيدية:

        1 ـ ماذا نقصد بالتدين؟

        2 ـ بين حرية الاعتقاد وحرية التدين:

        3 ـ النظرة إلى التدين في البيئة الأوروبية:

        4 ـ طبيعة التدين الإسلامي:

 المبحث الثاني:

الموازنة بين حرية الممارسة الدينية ومراعاة الأعراف والأحوال:

         1 ـ مراعاة الفروق في درجات التدين:

                أ ـ طبيعة الأحكام ومراتبها

                ب ـ مراعاة الفرق بين التدين الخاص والتدين المتعدّي:

        2 ـ بين التدين الفردي والتدين الجماعي:

        3 ـ التدين بين حرية الممارسة ومراعاة العرف العام:

        4 ـ التدين بين حرية الممارسة ومراعاة الأحوال المتغيرة:

  المبحث الثالث:

كيف نحقق الموازنة المطلوبة بين حرية الممارسة الدينية

ومراعاة الأعراف والأحوال؟

        1 ـ ترشيد التدين الإسلامي:

                أ ـ تدينا قائما على العلم والفقه الصحيح:

                ب ـ تدينا يراعي منطق الأولويات في مجال المأمورات والمنهيات:

                ج ـ تدينا يوازن بين الشكل والمقصد، وبين الباطن والظاهر:

                د ـ تدينا يقوم على التيسير:

2 ـ العمل على تطوير نظرة المجتمع في التعامل مع التعددية الدينية والثقافية:

أ ـ العمل على الارتقاء بكل ما يحقق الاندماج الإيجابي والمشاركة الفاعلة للمسلمين في حياة المجتمع

      ب ـ الاجتهاد في الإنتاج الفكري بلسان القوم

                ج ـ الاستفادة من وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة:

                د ـ العناية بالجانب الثقافي والفني:

                هـ ـ اغتنام المواسم الإسلامية في التعريف بالإسلام والعبادات الإسلامية:

 خاتمة:

[1]  انظر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

[2] من الضوابط التي يقيد بها القانون حرية التدين عدم السماح مثلا لأتباع شهود يهوه من الامتناع عن تلقي التبرع الدم في حالة من يتعرض للعلاج الطبي ويحتاج لإنقاذ حياته إلى نقل الدم، على الرغم من أنهم يعتقدون حرمة ذلك دينيا عندهم

[3] في مناسبات عديدة في لقاءات الحوار الإسلامي المسيحي يستغرب المسيحيون من جرأة المسلمين على إظهار تدينهم في الأوساط العامة على الرغم من عدم معرفة عموم المجتمع بالإسلام في الوقت الذي لا يجرؤون هم على إظهار تدينهم في مجتمعات مسيحية في الأصل

[4] في الجدل الذي يدور أحيانا حول الحجاب الإسلامي والموقف منه عندما يقول المسلمون لماذا لا يستغرب من الأخت المسيحية ارتداءها للحجاب في حين يستغرب ذلك من المسلمة يجيب بعضهم بأن هناك فرق بين المسيحية التي انسحبت من الحياة الاجتماعية وكرست حياتها للدين وبين المسلمة التي تريد الحفاظ على مظاهر التدين وهي تعيش في صلب المجتمع

[5]  مفاتيح الغيب للرازي

[6]  التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور

[7]  التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور

[8]  الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، للقرافي

[9]  إعلام الموقعين عن رب العالمين، تغيير الفتوى واختلافها: ابن القيم

[10]  في فقه الأولويات: يوسف القرضاوي، ص 9 ـ مكتبة وهبة، القاهرة 2012 ، الطبعة التاسعة

[11]  في فقه الأولويات: يوسف القرضاوي، ص 90 ـ مكتبة وهبة، القاهرة 2012 ، الطبعة التاسعة

[12] يجد المسلمون في أوروبا صعوبات في ذبح الأضاحي بمناسبة عيد الأضحى بسبب الشروط القاسية التي يفرضها القانون وعدم تهيئة الوسائل المناسبة من قبل الجهات المختصة مما جعل الكثير منهم يتجه إلى التبرع بالأضحية لصالح المحتاجين والمنكوبين من المسلمين في أنحاء العالم، خصوصا وأن الهيئات الخيرية الإسلامية تجتهد في جمع الأضاحي وإيصالها للمحتاجين من المسلمين، ومع رأينا في جواز ذلك وما فيه من نفع لذوي الحاجات إلا أن التوسع في هذا الأمر مما قد يؤدي تدريجيا إلى زوال شعيرة الأضحية من حياة المسلمين، مما سيكون له أثر على الهوية الدينية العامة للمسلمين، لذلك فإننا ننصح المسلمين بالتبرع أحيانا بالأضاحي وذبح أضاحيهم أحيانا أخرى، ومن كان بوسعه أن يجمع بين الأمرين فهو خير.

[13]  انظر الموسوعة الفقهية الكويتية مادة: أذان

[14]  اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ابن تيمية، ص: 176 ـ 177

[15]  في فقه الأولويات: يوسف القرضاوي، ص 100 ـ مكتبة وهبة، القاهرة 2012 ، الطبعة التاسعة

[16]  القواعد: لابن رجب، القاعدة الثانية عشرة

[17]  انظر: في فقه الأولويات، للشيخ يوسف القرضاوي

[18]  القرآن وعلم النفس، محمد عثمان نجاتي، دار الشروق 1993، ص: 262

[19]  – في فقه الأولويات: يوسف القرضاوي، ص 99 ـ مكتبة وهبة، القاهرة 2012 ، الطبعة التاسعة

[20]  الفروق للقارفي، 3/198

[21]  تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص: 868

[22]  شرح النووي على صحيح مسلم، للنووي 3/464

[23]  فتح المبين في شرح الأربعين، الهيتمي، ص: 132

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق