البحوث

التجربة المصرفية الإسلامية بأوروبا.. “المسارات،التحديات والآفاق”

التجربة المصرفية الإسلامية بأوروبا

“المسارات،التحديات والآفاق”

إعداد
الدكتور محمد النوري

 

بحث مقدم

للدورة التاسعة عشرة للمجلس – اسطنبول

رجب 1430 هـ / يوليو 2009 م

 

ان البنوك الغربية في حاجة اليوم إلى إرشاد أخلاقي؛ ذلك لأن الجشع وانعدام الأخلاق هما اللذان تسببا في الأزمة العالمية الحالية، وأن الصناعة المصرفية الإسلامية بنظامها الأخلاقي المتميز يتمخض عن إبراز وجه الإسلام الإيجابي.

(رودني ويلسون أستاذ اقتصاد وخبير مصرفي بريطاني)(1)

مستخلص:

تتناول هذه الورقة بالدراسة التجربة المصرفية بأوروبا بمساراتها المختلفة بدءا بالاهتمام العلمي والإعلامي مرورا باتخاذ القرار السياسي الذي يسمح بسن التشريعات الملائمة لممارسة النشاط المصرفي الاسلامي سواء على صعيد مصارف التجزئة المتجهة للافراد او مصارف الجملة من صناديق استثمار او بيوت تمويل او مصارف استثمارية بحتة.

كما تتعرض الدراسة الى جملة دوافع الاهتمام بهذه الظاهرة المستجدة في الساحة المالية العالمية والتحديات الذاتية والموضوعية التي تواجهها، وكذلك الافاق والابعاد التي تنطوي عليها في ظل استفحال الازمة المالية والاقتصادية العالمية و تطلعات البشرية الى سبل المعالجة والانقاذ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)أستاذ لمادة الاقتصاد في مركز دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية  بجامعة دورهام بإنجلترا. تتركز بحوثه حول التجارة والاستثمار وبخاصة في الشرق الأوسط وشؤون المال والاقتصادات الإسلامية.يرأس اللجنة الأكاديمية لمعهدا لنظام المصرفي والتأمين الإسلامي في لندن.مؤلف كتاب:الاقتصادا لاسلامي:تاريخ موجز.

المحتوى:

  • مستخلص
  • توطئة
  • دوافع الاهتمام الاوروبي بالصيرفة الاسلامية:

                   ـ تنامي الطلب على المنتجات الاسلامية

                       ـ احتدام التنافس على الصناعة المالية الاسلامية

                       ـ  الحرص على جذب الرساميل الاسلامية

                       ـ نجاعة منتجات الصناعة المالية وتفوقها عالميا

                ـ توسع الاهتمام بالاقتصاد والتمويل الاخلاقي

                    ـ مضاعفات الازمة المالية الراهنة

  • مسارات الصيرفة الاسلامية باوروبا:

                   ـ المسار العملي التطبيقي:المصارف القائمة في الاقطار الاوروبية

                   ـ المسار التشريعي:التشريعات المواكبة لحركة المصرفية الاسلامية

                   ـ المسار الاعلامي:المصرفية الاسلامية في وسائل الاعلام الاوروبية

                  ـ المسار العلمي:البحوث والدراسات والاطروحات العلمية في اوروبا

          ـ المسار السياسي:المبادرات السياسية للقادة الاوروبيين لتشجيع المصارف الاسلامية.

  • العوائق والتحديات:

              ـ التكَيُّف مع البيئة الاوروبية بتعقيداتها المختلفة

          ـ الجهل بمبادئ الصيرفة الاسلامية  عند الكثيرين

           ـ تحدي الرقابة الشرعية :غياب فقه التجربة اوروبيا

           ـ التنافسية الكبيرة مع المصارف التقليدية

          ـ القدرة على تحمل المخاطر من خلال الكفاءة المالية

          ـ  العناصر البشرية المؤهلة

  • الافاق المستقبلية للتجربة: موجهات لاستثمار افضل للوضع

 توطئة:

يقصد بالمصرفية الإسلامية كل أشكال الخدمات المصرفية القائمة على أساس المبادئ الإسلامية التي لا تسمح بأخذ أو دفع فوائد ربوية بل هي قائمة على مبدأ المشاركة في الأرباح والخسائر وتركز على تحقيق عوائد من خلال أدوات استثمارية تتوافق وأحكام الشريعة(1).

والمقصود بالتجربة المصرفية الإسلامية بأوروبا تناول كل تلك الأشكال والممارسات بالدراسة والتقييم سواء كانت مسارات شاملة لمؤسسات مصرفية قائمة أو مسارات جزئية متمثلة في نوافذ إسلامية أو نشاطات محدودة تتلاءم مع أحكام الشريعة ولا تعد خيارا رئيسيا لذلك المصرف أو المؤسسة التي تمارسه.

والغرض من هذا التدقيق عدم اغفال نشاطات عدة لمصارف اوروبية شتى تقوم بهذا العمل منذ فترة تلبية لطلبات شرائح من زبائنها الذين يرغبون في ذلك سواء داخل الاقطار الاوروبية او خارجها سواء كان في شكل فروع او نوافذ مصرفية او بيوت تمويل او صناديق استثمار تتوافق مع احكام الشريعة الاسلامية.

يوجد اليوم بالساحة الاوروبية الواسعة وبالمفهوم الشامل المذكور ما يزيد عن 50 مؤسسة مالية ومصرف تتعامل بمبادئ الشريعة الاسلامية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)المبادئ أو الأركان الخمسة للتمويل الإسلامي هي: تحريم الربا، تحريم المْيسر،والغرر، تحريم النشاطات المحرمة ، الاشتراك في الربح والخسارة، إسناد كل تمويل إلى أصل حقيقي.

من بنوك وفروع ونوافذ بنكية وبيوت تمويل إسلامية وصناديق استثمار وشركات تامين إسلامي(تكافل).وتحتل البنوك الأوروبية الكبرى مثل بينبي باريبا(BNP) ودوتش بنك (Deutch Bank) وسوسيتي جينيرال (Societe Generale)وكريدي سويس(Credit Suisse) ولويدس تيسبي(Loyds  TSB)، موقع الصدارة في قائمة المصارف المتعاملة باساليب التمويل الاسلامي والتي حققت اعلى ارباح عام 2007 متقدمة على كل المصارف الاسلامية في العالم ضمن قائمة ال 500 مؤسسة مالية اسلامية عالمية( 1).

وتتجه خدمات هذه البنوك الاوروبية الكبرى الى جذب الاموال الاسلامية في دول المشرق ولم تسع لحد الان الى الاتجاه بمثل هذه الخدمات الى الوجود الاسلامي بأراضيها، وهي مفارقة ملفتة مقارنة بعدد المسلمين المتواجدين باوروبا وتطلعاتهم الى المعاملات المصرفية التي تحترم معتقداتهم الدينية(2).

واذا كانت التجربة المصرفية الإسلامية عموما حديثة العهد قياسا بنظيرتها الغربية التي بلغت مرحلة الترهل والشيخوخة وأظهرت من سوءاتها حدة الازمة الراهنة التي هزت الاسواق المالية دون استثناء،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1)المصدر: بنكر: تقرير شامل للصناعة المالية الاسلامية تضمن قائمة كبرى 500 مؤسسة مالية اسلامية في العالم  2008    Source : Banker report 2008 :TIFI(Top Islamic Financial Institutions)

( 2) نظرا لعدم وجود إحصاء رسمي بعدد المسلمين في أوروبا؛ تقدر بعض المصادر غير الرسمية الأقليات المسلمة في أوروبا بـ15 مليون نسمة.

فهي  في اوروبا  لاتزال في غالبيتها في بداية المشوار اوبصدد الانطلاق و الاتجاه نحو التواجد والتوطين اذا استثنينا بعض التجارب المبكرة والمحدودة زمنيا وجغرافيا مثل تجربة المصرف الإسلامي الدولي باللكسومبورج ثم بالدانمارك(1 ) وبنك البركة البريطاني(2 ) ودار المال الاسلامي بجينيف (3 ) والتي ظلت تجارب محدودة لا تتعدى ادارة الثروات المهاجرة و توظيف الاموال ولم تقدر على جلب الانتباه للفكرة المصرفية الاسلامية مثلما يحصل اليوم ناهيك عن تقديم الخدمات للمسلمين اوالمهتمين بالمصرفية الاسلامية من غير المسلمين(4 ).

لكن الاوضاع تغيرت بشكل جذري في السنوات القليلة الماضية حيث تشهد ظاهرة المالية الاسلامية بشكل عام نموا سريعا على صعيد عالمي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) تم تأسيس المصرف الإسلامي الدولي في لوكسمبورج عام1978م بهدف تأسيس أول بنك إسلامي في الغرب، للعمل كمراسل للبنوك الإسلامية بالدرجة الأولى، ولخدمة الجاليات الإسلامية في الغرب بالدرجة الثانية. وقد حاولت الشركة القابضة الحصول على ترخيص بتأسيس هذا البنك من عدة دول غربية ولكن محاولاتها لم تؤد إلى نتيجة، بسبب حداثة العهد بنظم البنوك الإسلامية التي لم يكن قد مضى على أقدمها أكثر من عامين، ولعدم اقتناع السلطات المصرفية في هذه الدول -شأنها شأن السلطات المصرفية في البلاد الإسلامية حينئذٍ- بإمكان نجاح هذه البنوك.وأمام ردود الفعل السلبية في البلدان الأخرى والظواهر المشجعة من الدانمرك قدم طلب الترخيص في 1981، وصدر التصريح  هناك عام 1983.ولم تستمر التجربة سوى سنتين.

(2 ) أنشئت مؤسسة البركة الدولية المحدودة عام 1981 في المملكة المتحدة في اطار شركة مساهمة مقفلة باسم “هارجريف سيكيوريتيز باعتبار ان النشاط الذي تقوم به البنوك الإسلامية في تلك الفترة يقع تحت غطاء نظم استثمارية ومالية وليس تحت النظام المصرفي في انجلترا مباشرة. وتم اغلاقها عام 1995.

(3 ) دار المال الاسلامي :مؤسسة مالية استثمارية تعنى بتوظيف رؤوس الأموال اللاجئة الى سويسرا.تحولت الى بنك فيصل الخاص منذ عام 2006.

(4 )أكد الخبير المصرفي البريطاني رودني ويلسون أن المصرفية الإسلامية أصبحت صناعة كبيرة اليوم، وأن تزايد أعداد الغربيين المستاءين من الخدمات المصرفية التقليدية التي يعتبرونها غير أخلاقية، جعل ظهور المصرفية الإسلامية بنظامها الأخلاقي المتميز يتمخض عن إبراز وجه الإسلام الإيجابي.(الشرق الاوسط 18/11/2008).

واهتماما متزايدا من قبل  الاوساط الاوروبية  على وجه التحديد (1).

وتحولت المصرفية الإسلامية الى ظاهرة تكاد تكون كونية تساوقا مع اتساع الاهتمام بالإسلام سلبا وإيجابا وتأثيره المتزايد في الساحة الدولية على جميع الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية. ولم يعد تدخل الدين في الاقتصاد وعالم المال والاعمال من المسائل المحظورة اوالمثيرة للتساؤل والاستغراب حتى في أعرق النظم العلمانية التي لا تعير اهتماما للدين والاخلاق وتصر على فصلها عن التشريعات والقوانين.

كما لم تعد فكرة بنوك بلا فوائد التي تستند اليها الصيرفة الاسلامية  فكرة مستهجنة مثلما كان عليه الامر لسنوات خلت حيث كان عالم المال والاعمال حكرا على البنوك الربوية التي تتشبث بنظام الفائدة ولا ترى له بديلا (2).

لكن النمو الهائل والمتسارع الذي شهدته المصارف الاسلامية في السنوات القليلة الاخيرة والذي فاجأ الجميع ، قلب المعادلة

التي ظلت سائدة قرونا طويلة واعاد السؤال التاريخي الذي تم اقصاؤه

حول علاقة الدين والاخلاق بالاقتصاد من قبل أنصار المدرسة  العلمانية في النظام الراسمالي الى حلبة الصراع الفكري والتدافع السياسي(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبرت عنه غزارة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات الىجانب الكتابات والبحوث حول المصرفية الاسلامية والصناعة المالية الاسلامية بشكل عام.

(2)ا اقتصاد بلا بنوك ولا بنوك بلا فوائد: محمد البلتاجي: مقالة نشرت بصحيفة الاقتصادية – 16 / 2 / 2008.

(3)L’économie normative – [colloque, Paris, 23-25 octobre 1995]

 Jerome Lallement(et autres);Economica 1997. 

وعلى عكس”الاسلام السياسي” الذي لا تزال تحيط به الملابسات والشبهات والتخوفات من كل جانب وينظر اليه بكثير من التوجس والعدائية من قبل الاوساط الغربية عموما والاروبية تحديدا لاعتبارات تاريخية وثقافية ودينية، فان “الاسلام الاقتصادي” الذي تعبرعنه اليوم حركة المصارف الاسلامية والنظام المالي الاسلامي  اصبح مرغوبا فيه ويحظى باهتمام واسع وترحيب كبير في كل الاقطار دون استثناء(1).

وتشهد الساحة الاوروبية في السنتين الاخيرتين خصوصا تسابقا حثيثا نحو الصيرفة الاسلامية زادت في وتيرته حدة الازمة المالية الاخيرة التي ادت بالعديد من عمالقة البنوك الرأسمالية الى الانهيار والافلاس في حين لم تطل هذه الازمة  المصارف الاسلامية  مما عزز التنافس الغربي على هذه المصارف ومنتجاتها المالية التي اثبتت نجاعتها وكفاءتها في جذب الاموال واستقطاب المستثمرين(2).

وانتقل قطاع التمويل الاسلامي في اوروبا من النطاق الضيق الى النطاق الواسع فيما تأخذ المؤسسات والمصارف الغربية الادوات الاسلامية بصورة متزايدة كخيارات تمويلية مهمة. واصبحت بريطانيا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   la Finance islamique à la française, Europlace 2008   تقرير مؤسسة سيكير فينانس بعنوان:المالية الاسلامية على الطريقة الفرنسية:محرك للاقتصاد وبديل اخلاقي

(2) The City : UK Excellence in Islamic Finance. – UK Trade & Investment, 2007, 28 p.

لندن:التفوق في المالية الاسلامية، مجلة التجارة والاستثمار عدد 2 (2007)

 وسويسرا على سبيل المثال مراكز عالمية لتطوير التمويل الاسلامي في سوق دولية متهافتة باطراد على هذه الصناعة الجديدة في الاسواق المالية المضطربة.التجربة المصرفية الإسلامية بأوروبا أوروبا التجربة المصرفية الإسلامية بأوروبا.. "المسارات،التحديات والآفاق" global economic developing

كما ان الاهتمام بالتمويل الاسلامي اوروبيا ليس محصورا بالمسلمين فقط بل هناك وعي متنام من غير المسلمين بهذه الخيارات البديلة التي تقدمها الصناعة المالية الاسلامية ولاسيما في قطاع الصكوك حيث بلغت نسبة اقبال الاوروبيين من غير المسلمين 80٪ من العدد الجملي لهذه السوق الحديثة باعتبارها اداة استثمارية جديدة وجديرة بالاهتمام مع دخول المزيد من المؤسسات المالية الاسلامية لهذا المجال(1).

نتناول في هذه الورقة رصد هذه التجربة بمختلف مساراتها ومحطاتها وما يحيط بها من تحديات ورهاناتها من خلال العناصر الاساسية التالية:

  • دوافع الاهتمام الاوروبي بالصيرفة الاسلامية
  • مسارات الصيرفة الاسلامية باوروبا:المسار العملي التطبيقي/ المسار التشريعي/المسار الاعلامي/المسار العلمي/المسار السياسي
  • العوائق والتحديات
  • الافاق المستقبلية للتجربة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإقبال على السندات الإسلامية تجتذب استثمارات غربية ضخمة:منتدى التمويل الاسلامي:http://islamfin.go-forum.net/

  1. دوافع الاهتمام الاوروبي بالصيرفة الإسلامية:

 تنامي الطلب على المنتجات الاسلامية:

أصبحت الصيرفة الاسلامية خلال السنوات الاخيرة صناعة حديثة تستقطب اهتمام العديد من البنوك والمؤسسات المالية الدولية والاطراف الفاعلة في النظام المالي العالمي.ويعود ذلك الى النمو الهائل الذي

شهدته هذه الظاهرة اثر الطفرة النفطية التي اكتسحت المنطقة الاسلامية والخليجية خصوصا تزامنا مع صعود الصحوة الاسلامية على صعيد عالمي واسع وتزايد الطلب على المعاملات المالية التي تراعي القيم والاخلاق واحكام الشريعة الاسلامية.

واكبت البنوك الغربية هذه الموجة المتصاعدة شرقا وغربا وسارعت في تكييف خدماتها وتطويع نشاطاتها لتلبية حاجيات العملاء من هذه الفئة من الجمهور وخطب ودها بهدف استقطاب ما امكن من رؤوس الاموال التي تبحث عن خدمات مطابقة لمعتقداتها وقيمها الدينية.وأنشأت لذلك الفروع والنوافذ المالية حيثما كانت هناك حاجة واتضح طلب. وساهم هذا التمشي في نمو المصارف الاسلامية وانتشارها في غير مراكزها

التقليدية حيث اضحى يوجد اليوم ما يزيد عن 300 بنك ومؤسسة إسلامية تتعامل وفق أحكام الشريعة في أكثر من 80 بلدا في العالم، وتدير ما بين 500 و 800 مليار دولاروتستقطب اهتمام المزيد من

البنوك التقليدية الكبرى التي اضطرت هذه البنوك أمام النتائج الباهرة التي حققتها المصارف الإسلامية، إلى مواكبة التيار وامتطاء القطار والسعي إلى مسك مقوده والتحكم في مسيرته!(1).

واصبح العديد من المصرفيين الغربيين ينظرون إلى التمويل الإسلامي باعتباره أمراً مهما جديرا بالتامل وكفرصة عمل نادرة من حيث الكفاءة والمردودية، معتبرين المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي من أكثر الجوانب الايجابية في الإسلام، بل هوالجانب الذي يمكن للغربيين الدخول في حوار مع المسلمين بشأنه والتعرف على  الوجه المضيئ للاسلام من خلاله(2).

  • احتدام التنافس على الصناعة المالية الاسلامية:

كان من شأن هذا النمو المتزايد لحركة الصيرفة الاسلامية ان يزيد التنافس وتتسابق البنوك الكبرى نحو الصناعة المالية الاسلامية ومنتجاتها المتنوعة التي تمثل بديلا أخلاقيا وعمليا لما تقدمه البنوك التقليدية من خدمات لا تجد تفاعلا كبيرا من كل العملاء الذين لايطمئنون للاستثمار والتمويل الذي لا يراعي الاخلاق والقيم وليس له من همّ سوى الربح والمزيد من الربح بكل الاشكال والاساليب(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ( ):انظر في هذه الصدد:        Islamic Finance in Europe, Rodney Wilson. –

Policy Papers (Robert Schuman Centre for Advanced

Studies), n° 2007/02, décembre 2007, 29 p.

(2) رودني ويلسون مدير الدراسات العليا بمعهد الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية في جامعة درام الانجليزية، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»،

(3)يقول روجر سمي، رجل الأعمال البريطاني الذي كان في وقت سابق لاعب كرة قدم ” فقد الغرب معالم الطريق الصحيح، حيث إن ما تبقى لنا الآن جملة من الوريقات والقوائم الثرية من أصحاب الأموال، وبدلاً من النظر إلى كل ما تشمئز منه أنفسنا والحكم عليه بالرفض وإثقاله بقيود قانونية جاهلة، علينا بالأحرى أن نبحث جيداً في القرآن الكريم في منطقة الشرق الأوسط وأن ننهل من مبادئ هذه الشريعة لنستغلها الاستغلال الصحيح في بناء نظم اقتصادية حقيقية قادرة على تحمل الأزمات مهما كانت تبعاتها”. تقرير غربي يطالب الدول الغربية بالتحول للنظام المصرفي الإسلامي www.cibafi.org/NewsCenter

ويزداد عدد البنوك والمؤسسات المالية الغربية التي تقدم خدمات مصرفية تتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية في أوروبا وآسيا يوما بعد يوم. ولم يقتصر نمو الظاهرة على الدول الاوروبية وامريكا بل وصل الى دول امريكا الجنوبية والصين واليابان التي من المنتظر أن تكون أولى الدول الصناعية الكبرى التي تصدر سندات إسلامية بعدما وقع “البنك الياباني للتعاون الدولي” خطته التي أعلن عنها لاجتذاب أموال من الدول الإسلامية الغنية بالبترول(1).

  • توسع الاهتمام بالاقتصاد والتمويل الاخلاقي:

لم تكن هذه النزعة الاخلاقية في المعاملات المالية خاصة بالمسلمين فحسب بل اضحت ظاهرة شبه كونية تستقطب شرائح واسعة من المجتمعات الغربية التي مجت الاساليب الجشعة للبنوك الراسمالية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اقتصاديون غربيون: التمويل الإسلامي في أزهى فتراته

www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid

ونهمها المفرط لتحقيق الارباح الخيالية على حساب الاخلاق والقيم الانسانية مما اوقعها في  كثير من الفوضى والاضطراب من جراء هيمنة المعاملات غير المشروعة والإفراط في الائتمان السلبي والصفقات الوهمية التي لا تمت للإنتاج الحقيقي بأي قرابة أو ارتباط!.

  • الحرص على جذب الرساميل الاسلامية :

مما لا شك فيه ان هذا الاهتمام المتزايد بظاهرة الصيرفة الاسلامية لم يكن بعيدا عن المنطق النفعي وحسابات المصالح والارباح وهو منطق مفهوم ولا عيب فيه في عرف التجارة والاقتصاد وقواميس المال والاعمال ولا يجب اتخاذه ذريعة للتشهير بالتجارب التي تخوضها البنوك الغربية في طريق الاستفادة من الصناعة المالية الاسلامية والمساهمة في تطوير ادوات هذه الصناعة الناشئة ما دام العديد من المهزومين ثقافيا في ديار المسلمين لا يعيرون لهذه الظاهرة أي اهتمام ولا يكنون لثقافتهم أي احترام!.

  • نجاعة منتجات الصناعة المالية وتفوقها عالميا:

أصبح  تفوق القطاع المصرفي الإسلامي في إدارة الموارد المالية على القطاع المصرفي التقليدي امرا مسلما به لدى الجميع نظرا للنجاح الباهر الذي حققه خلال تجربته القصيرة حيث وصل معدل النمو في القطاع المصرفي الإسلامي 15% سنويا وارتفع معدل العائد على الاستثمارات فيها فضلا عن انخفاض تكاليف الاستثمار في المصارف الإسلامية عنه في القطاع المصرفي التقليدي(1)حيث تحقق البنوك الاسلامية معدلات للربحية تزيد عن تلك المحققة بواسطة البنوك التقليدية

وطبقا لدراسة أعدها معهد الدراسات المصرفية حول أثر الأوضاع الاحتكارية على الأداء فان معدل العائد على الأصول ROA(Return On Assets) الذي يعد احد المقاييس الاساسية للربحية في النشاطات البنكية المعاصرة، حيث يمثل نسبة صافي الربح المحقق الى اجمالي اصول البنك. ويعطي المؤشر معلومات عن درجة كفاءة عملية ادارة اصول البنك، وعن مقدار الربح المحقق عن كل استثمار في الاصول التي يملكها البنك فان اداء البنوك الاسلامية باستخدام هذا الموشر يفوق ايضا اداء البنوك التقليدية بشكل كبير. وبينت هذه الدراسة ان هناك أكثر من 75 دولة تقع في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا تم تحويل البنوك المركزية بالكامل فيها إلى النظام الإسلامي، كما يوجد تواجد ملحوظ للمؤسسات المالية الإسلامية في أوروبا وأمريكا ويبلغ إجمالي أصول هذه المؤسسات ما يزيد على 700 مليار دولار أمريكي(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدائل التمويل الإسلامية” د. محمد هاشم رشوان  اطروحة دكتوراة جامعة قناة السويس(مصر) 2008.

(2) نفس المصدر

وأوضحت أن هناك كثيرا من البنوك التقليدية غير العربية افتتحت نوافذ إسلامية في دول غربية وعربية بل إن هناك كثيرا من المؤسسات المالية غير البنكية كشركات التأمين التكافلي تعمل في الأسواق المختلفة وتحقق نموا مستمرا وملحوظا.

  • مضاعفات الازمة المالية الراهنة:

ما حدث في السنتين الاخيرتين من ازمة مالية هزت الاسواق العالمية واربكت الدول الكبرى على نطاق واسع ولا تزال اخطارها جاثمة على الاقتصاد الراسمالي العالمي برمته، دفع الانظار بقوة الى البنوك الاسلامية وادوات الصناعة المالية الاسلامية الناشئة التي لم تطلها شظايا هذه الازمة المتفاقمة لسبب جوهري رئيس يتعلق بتباين القواعد والاسس التي ترتكز عليها هذه التجربة الاسلامية المتنامية بشكل ملفت مع قواعد ومبادئ الاقتصاد الراسمالي الكلاسيكي الذي يحكم نشاطات كل المؤسسات والبنوك العالمية بدون استثناء.

المشاركة في الربح والخسارة او بالتعبير الشرعي الغنم بالغرم :انه مجرد مبدا اقتصادي بسيط ولكنه على غاية كبيرة من المنطقية والاقناع والوجاهة في مقابل نظام الفائدة الذي كرس الجشع والانانية والبحث عن الربح السريع باي ثمن كان ولو على حساب انهيار النظام المالي العالمي برمته!

لقد تحولت انظار العديدين من الساسة وصناع القرار والخبراء في الغرب في ظرف وجيز بحكم تداعيات الازمة الخانقة والمتفاقمة الى التامل في اسباب نمو الصيرفة الاسلامية واقبال المزيد من الناس عليها ونجاحها في الافلات من بدون خسائر من أزمة الرهن العقاري التي

تشهدها السوق المالية وهذا الاعصار العالمي المدوي والنظر الى ادوات المالية الاسلامية الناجعة من مشاركة ومرابحة واجارة واستصناع وسلم وصكوك وما الى ذلك بكل اهتمام وعناية.

لقد ادركوا جميعا ان قواعد النظام البنكي الراسمالي بحاجة ماسة الى المراجعة والاصلاح والى ارشاد اخلاقي كبير للقضاء على التدهور والتردي الرهيب الحاصل في هذا المجال(1).

  1. مسارات التجربة المصرفية بأوروبا:

يمكن النظر الى تجربة المصرفية الاسلامية باوروبا بحكم حداثتها وصغر حجمها من خلال جوانب متعددة لا تقتصر على الجانب العملي التطبيقي الذي لا يزال محدودا وفي بداية الطريق فحسب، وانما تشمل كافة مجالات ومسارات الاهتمام والتحرك التي من شانها ان تساهم في ارساء التجربة وتدعيم مسيرتها مثل المسار التشريعي الذي يعمل على تقنين حضورها وتذليل العوائق والصعوبات القانونية امامها، والمسارالاعلامي الذي يساهم في بث الوعي باهميتها ونجاعة آلياتها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صرح اكثر من مسؤول غربي كبير وكذلك اقتصاديين مرموقين من امثال كروغمان وستيغليتز وسان وآلي وغيرهم وهم جماعا حائزون على جائزة نوبل في الاقتصاد ان النظام الراسمالي على حافة الانهيار ما لم تحدث فيه مراجعات جوهرية وانه آن الاوان الى الالتفات الى مبادئ الصيرفة الاسلامية.

وأدوات صناعتها،وكذلك المسارالسياسي الذي بدونه لايمكن لها التواجد والانطلاق بالاضافة الى المسارالعلمي والبحثي الذي يساند فكرتها ويدعم تطورها وانتشارها.وهي كلها مسارات متكاملة تعبر عن مدى

الحرص الاوروبي بشكل عام على توطين هذه التجربة وتعزيز وجودها.

  • المسار التطبيقي:

على الصعيد العملي التطبيقي لا يمكن الحديث بعد عن مقومات تجربة بالمفهوم الشامل المتعارف عليه نظرا لحداثة التجارب القائمة من جهة وغياب المعطيات حول ارهاصات ما هو بصدد الاعداد والانطلاق من جهة اخرى.ومع ذلك لا يمكن اغفال اهمية ما حصل لحد الان من تجارب جزئية او محدودة على الساحة الاوروبية او على ساحات دولية اخرى من قبل بنوك ومؤسسات اوروبية في مجال الصيرفة الاسلامية.

وباستثناء بريطانيا التي خاضت تجربة فعلية في ارساء الصيرفة الاسلامية وتسجيل سبق حقيقي على بقية الاقطار الاوروبية فان التجارب الاخرى لا تزال في بداية التاسيس والانطلاق فيما يتعلق بالتواجد المصرفي الاسلامي على الارض الاوروبية وباتجاه جمهور المسلمين المتواجدين باوروبا.

لذلك يجدر التعرض لهذه التجارب المتباينة اوروبيا ولا سيما التجربة البريطانية الرائدة لحد الان في خوض سباق التنافس على الصيرفة الاسلامية والتجربة الفرنسية التي تحاول اللحاق بها والتقدم عليها،دون اغفال بقية المحاولات الاوروبية الاخرى التي لا ترغب في التخلف طويلا عن هذا القطار الاسلامي ، من اجل الوقوف عند الخطوات العملية في هذا المسار.

  • التجربة البريطانية :

تظافرت في هذه التجربة جملة من العوامل المساعدة التي جعلت من بريطانيا رائدة بحق في هذا المجال على الصعيد الاوروبي وتتطلع الى ان تتحول في السنوات القليلة القادمة الى ان تصبح مركزا عالميا في المالية والصيرفة الاسلامية.وفي مقدمة هذه العوامل توفر الارادة السياسية الداعمة لهذا التوجه وانخراطها العملي بكل شجاعة وحماس لانجاح هذا المشروع الاستراتيجي بالنسبة لبريطانيا في ظل التحولات التي يشهدها محيطها الإقليمي والدولي ووضعه في قائمة الاولويات السياسية التي تخوضها،وهو ما اثار حفيظة بقية القادة الاوروبيين وجعل الكثيرين منهم يتداركون هذه الغفلة التي انتبهت اليها بريطانيا مبكرا ويمتطون نفس القطار(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صرحت وزيرة المالية الفرنسية في منتدى عقد في باريس أن رجال المال الغربيين يمكنهم أن يتعلموا من علماء العالم الإسلامي وأن يضعوا مبادئ جديدة للنظام المالي العالمي مؤسسُ على الشفافية والشعور بالمسؤولية والاعتدال ومن أجل هذه العوامل فإن التمويل الإسلامي يجذبنا لكي نستخدمه. المنتدى الثاني الصناعة المالية الاسلامية 11/2008.

وفي هذا الاتجاه اقدمت السلطات البريطانية على حث بنوكها ومؤسسساتها المالية على اقتحام هذه التجربة محليا ودوليا من خلال فتح نوافذ اسلامية في كبرى البنوك البريطانية والسماح لاول بنك اسلامي بريطاني بالعمل في مجال التجزئة المصرفية(1) بالتزامن مع فتح فروع اسلامية في المشرق العربي والبلدان الاسلامية التي تشهد نموا ملحوظا للمالية الاسلامية.

وعلى الرغم من وجود خدمات مصرفية إسلامية في لندن منذ 30 عاماً لم تبرز البنوك الإسلامية على الساحة  البريطانية بشكل ملحوظ إلا اخيرا، عندما سنت الحكومة تشريعات تقنن الخدمات التي تتفق مع أحكام الشريعة وسعت إلى الترويج للندن كمركز للتمويل الإسلامي في الغرب(2).

وبذلك تأتي بريطانيا في مقدمة الدول الأوروبية التي تطبق خدمات مصرفية إسلامية، حيث يوجد بها نحو 100 ألف شركة إسلامية، والعديد منها تعمل بانتظام أو تستقبل مدفوعات دولية عبر 250 مصرفا إسلاميا في أنحاء العالم وتحتل المركز الثامن بين دول العالم في مجال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بالرغم ان هناك ما يقرب من 50 مؤسسة مالية تتعاطى ادوات الصناعة المالية الاسلامية في اوروبا 22 منها في بريطانيا جلها مصارف جملة او بيوت تمويل و2 فقط مصارف تجزئة متجهة للجمهور.

 (2) تم الترخيص للبنك الاسلامي البريطاني عام 2004.التمويل الإسلامي، وهي أكبر مركز للخدمات المصرفية الإسلامية في غرب أوروبا، ويوجد بها اليوم 22 مصرفاً تقدم هذا النوع من الخدمات منها 5 مؤسسات لا تتعامل إلا في خدمات تتفق مع أحكام الشريعة وهي بنك لندن والشرق الأوسط وبيت التمويل الأوروبي وبنك الاستثمار الإسلامي الأوروبي(EIIB) وبنك جيتهاوس ( Gatehouse Bank) التابع لبيت الاوراق المالية الاسلامية الكويتي، والبنك الإسلامي البريطاني(IBB ) الذي انشا حديثا سنة 2004.

بالاضافة الى هذه البنوك هناك مجموعة من المؤسسات المالية البريطانية الاخرى التي تقدم خدمات مالية اسلامية مثل البنك الاهلي المتحد و أمانة فاينانس الإسلامي Amanah Finance التابع لبنك الـ HSBC الإسلامي ومؤسسة البراق التابع لـبنك ABC (Arab Banking Corporation Group). وهناك توقعات بأن يتضاعف عدد البنوك الاسلامية في غضون السنوات الخمس القادمة بسبب تزايد الطلب على المنتجات المالية الاسلامية.

 وأكدت دراسة قام بها بنك Lloyds TSB (لويدز تي إس بي) البريطاني أن ثلاثة أرباع المسلمين في بريطانيا يرغبون في التمويل الإسلامي, وتوقعت أن يبلغ حجم التمويل الإسلامي نحو تريليون دولار بحلول 2010 مقارنة بـ500 مليار دولار حالياً.

وتجدر الملاحظة في هذا الصدد  ان الاهتمام الاوروبي بالتمويل الإسلامي ليس محصورا بالمسلمين فقط حيث سجلت اصدارات الصكوك مثلا قفزة هائلة في الفترة الاخيرة مع دخول المزيد من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لهذا المجال الاستثماري.

وحققت نموا هائلا بلغ نسبة 75% وصولا الى 85 مليار دولار على شكل إصدارات جديدة جارية.

واستقطبت سوق الصكوك اهتماما واسعا من البنوك الأوروبية وصناديق التأمين والتقاعد اعتقادا منها بأن قوة اقتصاديات منطقة الخليج حيث يتم إصدار العديد من الصكوك توفر عوائد جيدة مدعومة بالعوائد النفطية الكبيرة ومشاريع البنية التحتية الضخمة.

و كان بنك جيتهاوس (Gatehouse Bank) قد أعلن قيامه ببرنامج لاصدار صكوك اسلامية بقيمة 1 مليار دولار بداية العام الجاري في اول خطوة للتعامل بالصكوك الاسلامية ببريطانيا(1).

واكدت دراسة ثانية بعنوان “التمويل الإسلامي 2009” (2) ان المصارف الاسلامية العاملة ببريطانيا لم تتاثر بالازمة المالية الراهنة رغم استمرار أسعار أسهم العديد من البنوك في المملكة المتحدة في التراجع في غمار كساد متزايد وانها نجت فيما يبدو من هذا الاعصار المالي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) L’expérience britannique : une source d’inspiration pour le développement de la finance islamique en France ?

Anne-Sylvie Vassenaix-Paxton Avocat Associé Norton Rose LLP

14 mai 2008:

التجربة البريطانية:مثال للاحتذاء لتطوير المالية الاسلامية في فرنسا

www.senat.fr/commission/fin/actualites/finance_islamique_vasseneix_paxton.ppt

( 2)  IFSL International Financial Services London: Islamic Finance 2009

IFSL report on Islamic Finance 2009 :  التمويل الاسلامي عام 2009  تقرير المركز الدولي للخدمات المالية الاسلامية،لندن. 

وأكدت أن الاضطراب وعدم الثقة في نظام البنوك التقليدية دفعا البعض من غير المسلمين إلى التفكير في خيار البنوك الإسلامية، ويعتبرونها أكثر أماناً بدرجة كبيرة من البنوك التقليدية  وينظر إليها على أنها لا تواجه خطر خفض حجم الأصول وعمليات التأميم وما إلى ذلك وبذلك يتجه المزيد من الناس إلى نقل أعمالهم إليها(1).

  • التجربة الفرنسية:

رغم انه لا يوجد حتى الان بفرنسا بنك اسلامي باتم معنى الكلمة يوجه خدماته لجمهور المسلمين وغيرهم ممن يرغبون في التعامل بادوات الصيرفة الاسلامية ورغم انه لايوجد مانع من ذلك (1) الا ان الساحة الفرنسية تعج منذ سنتين على الاقل بما يشبه حالة المخاض التي تسبق ولادة أي مشروع ،لاسيما بعد ان ادركت السلطات الفرنسية حجم الخطأ الذي سارت فيه عندما تركت الساحة فارغة امام  بريطانيا جارتها وغريمتها في آن واحد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ما سر تفوق البنوك الإسلامية على التقليدية؟ دراسة أعدها معهد الدراسات المصرفية منتدى التمويل الاسلامي

islamfin.go-forum.net/montada-f17/topic-t1237.htm
القطاع المصرفي الإسلامي يتفوق على التقليدي في الكفاءة الاقتصادية

انظر ايضا: الصيرفة الإسلامية منتج إسلامي ونجاح غربي، المجلس العام للبنوك و المؤسسات الإسلامية: www.cibafi.org

الذي سارت فيه عندما تركت الساحة فارغة امام  بريطانيا جارتها وغريمتها في آن واحد .لذلك ومنذ قدوم الرئيس الفرنسي الجديد تسارع فرنسا الخطى الحثيثة بكل جهد من اجل تدارك هذا التاخر واسترجاع المبادرة وتصدر الاطراف الغربية المهتمة جدا بالصيرفة الاسلامية وادواتها المالية(1).

اما على الصعيد الخارجي البحت فان جل البنوك الفرنسية متواجدة في سوق الصيرفة الاسلامية منذ سنوات عدة ولا تستنكف عن التعاطي مع هذه الظاهرة الجديدة في الاسواق المالية الدولية بل انها لم تتخلف عن القطار منذ الوهلة الاولى وسجلت حضورا ملموسا في مجمل الاماكن التي تتواجد بها المصارف الاسلامية ولا سيما في اقطار الخليج العربي

ودول جنوب شرق آسيا بالاضافة الى شروعها في استخدام آليات الصناعة المالية الاسلامية حتى داخل فرنسا ولكن في اتجاه الرساميل الاسلامية وبنوك الاستثمار وقطاع الجملة.

ومن بين البنوك الفرنسية  الكبرى التي أنشأت نوافذ إسلامية خارج فرنسا نجد:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)Jean Paul Laramée,president de Secure Finance ,Paris

ورد في:التمويل الاسلامي بفرنسا عبد الرزاق بلعباس مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي جامعة الملك عبدالعزيز – جدة –

(2 )صرح محافظ البنك المركزي الفرنسي بان الادوات المالية الاسلامية هي احدى المنتجات المالية التي تمثل ملاذا في وضع الازمة المالية العالمية الحالية باعتبار ان قواعدها تمكن من تلافي الوقوع في الاخطاء نفسها التي ادت الى الازمة،

  • بنك بنبي باريبا نجمة (BNP PARIS BAS) الذي  اسس عام 2003 ومقره في البحرين  ويقدم بصورة رئيسية الخدمات المصرفية الاستثمارية  للشركات، والتمويل المهيكل وإصدارالصكوك الإسلامية.
  • بنك التمويل والاستثمار لمجموعة “كريدي أغريكول كليون (Calyon) .
  • سوسيتي جنيرال إدارة الأصول والاستثمارات البديلة(SGAM) وهي متخصصة في أربعة منتجات : الإدارة المهيكلة، والصناديق السيادية، والإدارة العقارية، ورأس المال الاستثماري
  • البنك الفرنسي التجاري المحيط الهندي” فرع “سوسيتي جنيرال((Societe Générale ويرتكز في جزيرة رينيون وهي مقاطعة فرنسية في شبه القارة الهندية وبدا اشغاله في بداية عام 2008.

ورغم هذه الخطوات العملية في التطبيع مع المصرفية الاسلامية من قبل السلطات والمؤسسات الفرنسية التي ظلت لفترة طويلة تتجاهل هذه الظاهرة ولا تكترث بها، الا انه يبدو ان الرغبة الفرنسية الرسمية في هذا الاتجاه لا تزال في المرحلة الراهنة مقتصرة على  أنشطة التمويل والاستثمار على مستوى بنوك الجملة والمؤسسات والدول، وليس بنوك التجزئة الموجهة للأفراد وهي مفارقة لا تستقيم مع التحولات المهمة التي يشهدها الواقع الفرنسي في علاقته بالصيرفة والمالية الاسلامية.

هذه التحولات تجعل من ان التساؤلات التي تطرح اليوم في فرنسا  هي  من قبيل ليس “هل ستُنشأ مصارف اسلامية  توفر خدمات مطابقة للشريعة الإسلامية ام لا؟ “، بل متى ستنشأ؟ وإلى من ستوجه منتجاتها في المرحلة الراهنة ؟ وما هي العوائق التي تعرقل انتشار الصناعة المالية الإسلامية على نطاق أوسع؟ وهل يمكن تجاوزها أو على الأقل هل يمكن تجاوز جزء منها؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي الأولويات في ذلك؟ وما هي الإستراتجية المثلى لتحقيق الهدف المنشود؟

إن مجرد اهتمام السلطات الفرنسية بالتمويل الإسلامي هو في حد ذاته بادرة لم تكن تخطرعلى بال أحد من قبل نظراً للتقاليد الفرنسية العلمانية التي تعتبر الدين قضية شخصية يجب أن يبقى بعيداً عن الحياة العامة(1).

وهي بذلك تعطي بصيص أمل من شأنه أن يفند أطروحات “صراع

الحضارات” و”صراع الثقافات ” ويفتح آفاقاً جديدة للحوار البناء، وتبادل

الأفكار والخبرات العلمية والعملية النافعة.

وفي هذا السياق تتواتر المعلومات عن قرب السماح لثلاث هيئات مالية إسلامية تقدمت فعلا بطلبات للسلطات الفرنسية للترخيص لها بممارسة نشاطاتها في البلاد وأن تلك الهيئات هي بنك قطر الإسلامي وبنك البركة الإسلامي البحريني ودار الاستثمار الكويتية.
ومن المرجح أن تبدأ تلك المصارف نشاطاتها في غضون السنة المقبلة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التمويل الاسلامي بفرنسا عبد الرزاق بلعباس مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي جامعة الملك عبدالعزيز – جدة –

في مجالي التمويل والاستثمار على أن تقدم بعد سنتين أو ثلاث سنوات خدمات بنك التجزئة الموجهة للعموم(1).
وتبدو هذه المؤشرات بمثابة الارهاصات الاولى لانطلاق قطار المصارف الاسلامية بفرنسا حيث بدات بعض المحاولات الاخرى من بعض المسلمين لطلب الترخيص لإنشاء بنوك إسلامية في فرنسا (2).

  • التجربة السويسرية:

تعتبر جينيف قبلة عالمية في ادارة واستقطاب رؤوس الاموال الاجنبية.وهي بالاخص مستودع الثروات الاسلامية التي تبحث عن ملاذ آمن  للحفظ والاستثمار.

 وتتسم التجربة السويسرية في مجال الصيرفة الاسلامية بالتنوع والانفتاح والتطور،وهي تعبير عن الخاصية السويسرية في المسالة المالية المتميزة بها تاريخيا.لذلك فان معظم كبريات المصارف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 ( 1) أكد استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام (lfop) في مايو 2008، أن أكثر من 500 آلف فرد من أصول إسلامية يرحبون بفتح بنوك تحترم الشريعة الإسلامية وانهم مستعدون لنقل حساباتهم المصرفية فورا من البنوك التقليدية إلى مصارف إسلامية إذا ما أتيحت لهم إمكانية عمل ذلك.
( 2 ) هناك على الأقل محاولتين لإنشاء بنك إسلامي في فرنسا هما:

  • طلب قدمه رجل الأعمال السوري فهمي سدي المقيم بجنيف بسويسرا لإنشاء بنك إسلامي: بنك التيسير “Tayssir Bank
  •  و آخر قدمه بنك إسلامي خليجي أراد أن يفتح فرعاً بنكياً في فرنسا لكنه عدل عن ذلك بعد أن اتضح له أن السوق الفرنسي رغم أنه يعرض إمكانات مثيرة للاهتمام من ناحية الحجم ،.لكنه ليس محضراً بعد لاستقبال مثل هذه النشاطات:انظر: Saddy, Fehmy (2007), Islamic Community Banking in France: The Tayssir Bank Experiment, RevueBancaire et Financière, juillet.  حقاني، صوريا، جوان2007، الجالية الإسلامية بفرنسا تجلب انتباه الشرق الأوسط،Haquani, Soraya (2007), La communauté musulmane en France suscite l’intérêt du Moyen-Orient, 21 juin. عبدالرزاق بلعباس :التمويل الإسلامي في فرنسا، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، – جدة

 السويسرية مثل كريدي سويس أو مصرف اتحاد البنوك السويسري UBS تقترح منذ فترة على حرفائها منتجات متّـفقة مع التعاليم الإسلامية ولكنها ضلت تمارسها انطلاقا من فروعها الخارجية في دبي او البحرين(1). وعلى الساحة المحلية يوجد ما لايقل عن 5 مؤسسات مالية اسلامية جلها مصارف استثمارتدير محافظ الثروات المهاجرة من الخليج واثرياء العالم النامي الذين يفضلون ايداع اموالهم بالبنوك السويسرية التي تتميز بالسر المالي عالميا(2).

من اقدم هذه المؤسسات الاسلامية دار المال الاسلامي التي تحولت اخيرا عام 2006 الى  بنك فيصل الخاص وتتجه الأنظار إليه اليوم

باعتباره أول بنك إسلامي في سويسرا وأول من أدخل نظام الصيرفة الإسلامية في هذا البلد قبل حوالي ثلاثين عاما(3).

كما يعتزم بنك الكويت الوطني -أحد أكبر المصارف في الشرق الاأوسط- لإقامة مصرف إسلامي جديد في سويسرا يستهدف المستثمرين من دول الخليج، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه حركة تأسيس البنوك الإسلامية في الخارج نموا كبيرا في الآونة الأخيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)في عام 2002، أسس اتحاد المصارف السويسرية (UBS) بنك “نوريبا” Noriba الذي يقدم خدمات مالية تتوافق وتعاليم الشريعة الإسلامية، ويوجد مقره الإجتماعي في المنامة، عاصمة البحرين. ويتخصص بنك “نوريبا” في قطاعي إدارة ثروات المؤسسات وأصحاب الثروات الخواص الراغبين في فرص استثمارية تحترم الشريعة.(2 ) من ابرزها:Cupola Asset Management SA, Geneva /Dar Al Maal Al Islami Trust, Geneva /Faisal Finance (Switzerland) SA, Geneva /Pan Islamic Consultancy Services /Istishara SA, Geneva/Pictet & Cie(3)تأسس البنك في أواخر السبعينيات على شكل شركة خدمات شرعية وفقا لنظرة مؤسسيه. تلاها تأسيس الشركة القابضة دار المال الإسلامي والتي لا زال لها حضور في جنيف إلى الآن. وقد انضمت شركة الخدمات الشرعية إلى دار المال الإسلامي قبل أن يتم في بداية التسعينات تأسيس شركة فيصل المالية وتحويلها من شركة خدمات شرعية الى شركة مالية.

 الى جانب ذلك نشات بسويسرا بعض التجارب لمؤسسسات مالية غير مقيمة وتنطلق في أعمالها من داخل التراب السويسري في شكل مصارف استثمارية تتعامل باحكام الشريعة مثل بنك التقوى(1) وبنك العقيدة اللذيْن تعرضا منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر الى اغلاق تعسفي لاتزال اطوار قضاياه تحت انظار القضاء(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1)بنك التقوى ، بدأ نشاطه عام 1988 عندما أسسه في جزر البهاما، يوسف ندا رجل الأعمال المصري، المقيم في الخارج، وكان أول بنك إسلامي يعمل خارج الدول الإسلامية،وقد قام الأستاذ يوسف ندا بدمج أمواله مع أموال صديقه، الأستاذ غالب همت، حتى يزداد رأسمال البنك، وبالفعل استطاع البنك تحقيق مكاسب كبيرة في سنواته الأولي،وأصبح يوسف ندا شخصية مرموقة في عالم الاقتصاد والمال في أوروبا، ودول العالم الاسلامي.

وفي عام ،1995 بدأت حملة إعلامية ضخمة تطارد يوسف ندا وبنك التقوى، الأمر الذي دفع الكثير من المستثمرين إلي سحب أموالهم من البنك. واستمرت الحملة الإعلامية ضده في التصاعد، حتى وصلت إلي ذروتها، عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش، عقب أحداث 11 سبتمبر  تجميد أموال مجموعة التقوى.

 (2)بنك العقيدة مؤؤسسة مالية استثمارية مسجلة ايضا بجزر الباهاما ورئيسها احمد ادريس نصرالدين.

وفي إسبانيا وقعت مؤسسة “حلال” التابعة للجمعية الإسلامية عام 2008  اتفاقية مبدئية مع مؤسسات مالية إسبانية وأوروبية لإنشاء نظام بنكي إسلامي بعيدا عن الربا.  وفي ايطاليا أعلن عن إدخال الصيرفة الأسلامية الى السوق الإيطالية من خلال إنشاء مصرف إسلامي هناك بقيمة 100 مليون يورو

  • التجارب الاوروبية الاخرى:

لم يعد هناك اليوم اي دولة اوروبية تستنكف عن الاهتمام بظاهرة الصيرفة الاسلامية او لا تعبر عن رغبتها في اللحاق بركبها. فقد اعلنت كل من اسبانيا ومالتا والمانيا وهولندا وبلجيكا وايطاليا (1) عن انضمامها الى قافلة البلدان المهتمة بالتمويل الاسلامي  بالاضافة الى بعض البلدان الاخرى التي تشهد تجارب مصرفية اسلامية ولو بشكل محدود مثل السويد الذي امتطى القافلة مبكرا بانشاء اول مصرف لاربوي  منذ 1970 وان كان لا يتبنى اللافتة الاسلامية (1)، وكذلك الدانمارك الذي يتواجد به مصرف فيصل الاسلامي ايضا وشركة أمانة الدنماركية للاستثمارات المالية ( 2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • بنك جاك بالسويد (JAK Bank)تاسس عام 1997 ولكنه ظل يمارس نشاطات لا ربوية منذ انطلاق عمله عام 1970.

(3 )دار المال الاسلامي بالدانمارك Faisal Finance (Denmark) A/S .كما تستمر شركة أمانة الدنماركية للاستثمارات المالية في تقديم خدماتها المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وهي ليست بنكاً و لكنها تستطيع التعامل مع جميع البنوك في الدنمارك. وتقوم بمساعدة المسلمين في الدنمارك على شراء بيوت و سيارات دون دفع فوائد ربوية.

  • المسار التشريعي:

وهو حصيلة التشريعات والقوانين التي تم التوصل اليها اوفي اتجاه الاعداد لها من اجل السماح للمصرفية الاسلامية ومؤسساتها المختلفة بالوجود على الساحة الاوروبية.

ويمكن رصد ملامح هذا المسار من خلال مستويات ثلاثة:

  • مستوى التشريع الفعلي أي إسناد التراخيص
  • مستوى التهيئ للتشريع وإعداد القوانين
  • مستوى التفكير والتمهيد لخوض التجربة

والغرض من تناول هذه المستويات الثلاثة ليس تصنيف البلدان الاوروبية من حيث انخراطها الفعلي او الافتراضي في طريق المصرفية الاسلامية فحسب وانما التعرف على الاشكالات والصعوبات المنهجية التي واجهت التجارب الاوروبية في التعاطي مع المصرفية الاسلامية وتكييف القوانين السائدة لها بهدف ملامسة التحديات ذات الصبغة التشريعية التي تواجه التوطين الاستراتيجي لهذه التجربة.

  • المستوى التشريعي: إسناد التراخيص:

هنالك ما لا يقل عن دولتين توصلتا الى صياغة تشريعات واضحة ونهائية بشان التعاطي مع نظام المصرفية الاسلامية و إسناد التراخيص لها سواء على صعيد مصارف الجملة او التجزئة الموجهة للافراد.وهذه البلدان هي بريطانيا وسويسرا وهي الوحيدة اوروبيا التي تاسست بها مصرفية اسلامية بالمفهوم الشامل الذي لايقتصر على بيوت التمويل وبنوك الاستثمار بل فتحت ابوابها بكل حرية وترحيب الى المصارف الاسلامية الناشئة والوافدة على حد سواء.

وانطلقت هذه التشريعات من اعتبار المصرفية الاسلامية فرصة لانعاش الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار الخارجي والانفتاح على الاساليب الحديثة وادوات التمويل البديلة التي تلبي رغبة متزايدة في المجتمعات الغربية بشكل عام تحرص على مراعاة الابعاد القيمية والاخلاقية والانسانية التي تفتقدها الصيغ الراسمالية السائدة.وهي رغبة تعبر عنها الدعوة المتنامية لأنسنة الاقتصاد وتخليقه وتخليصه من براثن النزعة المتفشية للاميلة والاقتصاد الرمزي والمضاربات الوهمية.

وتسعى الحكومة البريطانية إلى ألا تكون هناك تفرقة بين المصرفية الإسلامية والتقليدية، في ما يتعلق بالقوانين والتسهيلات المقدمة لكل قطاع، وبدا هذا التوجه منذ عامي 2003 و2004 وتم اسناد الترخيص لاول بنك اسلامي بريطاني من فئة بنوك التجزئة المتجهة للجمهور.
وقد تم في هذا الصدد  مراجعة القوانين المصرفية ومساواة البنوك الإسلامية بالتقليدية في ما يتعلق بالضرائب والتسهيلات،

ومنذ ذلك الحين اضحت لندن بهذه الخطوة العاصمة الغربية الأولى للصرافة الإسلامية، بل يعتقد البعض أنها أصبحت تنافس بعض الدول الإسلامية مثل البحرين ودبي وماليزيا في هذا المجال. ومن اجل أن تحافظ على مكانتها هذه وتثبتها حتى تكون كذلك بلا منازع أضافت قرارات جديدة منذ عام 2008 يتعلق بمنح اعفاءات ضريبية على الصكوك الاسلامية، وهو ما اعتبره الخبراء الماليون في لندن أهم اجراء تتخذه السلطات البريطانية لتشجيع نمو المصارف الإسلامية وجذب رؤوس الأموال الخليجية التي تضاعفت بفعل أسعار النفط المرتفعة. كما أن الجالية الإسلامية داخل بريطانيا نفسها (غالبيتها من الآسيويين) أيضا تنمو بسرعة في أعدادها وفي ثروتها.

وتسمح هذه التشريعات للشركات المالية البريطانية باعتبار الصكوك الإسلامية مثل السندات التقليدية التي تُخصم فوائدها من أرباح الشركة قبل حساب الضريبة.

أي أن الشركات البريطانية تستطيع خصم الفائدة (التي تدفعها على السندات) من أرباح الشركة بحيث لا تدفع على هذه المبالغ ضريبة ـ في حين أن المبالغ التي تُدفع على الصكوك لا تُخصم من أرباح الشركة باعتبارها ليست «فائدة» (ربا). والمعروف طبعاً أن الأرباح التي تُدفع على الصكوك تأتي من نشاط استثماري وليس من «سعر الفائدة» بالمفهوم الغربي(1).

وساهمت هذه التشريعات ايضا في إلغاء الازدواج الضريبي في عام 2003 على الرهون العقارية الإسلامية وتمديد الإعفاءات الضريبية

على الرهون العقارية الإسلامية للشركات والأفراد.ومكنت عملية إلغاء الأعباء المزدوجة هذه في دعم السوق البريطاني بقطاع عريض تمثل في المسلمين الذين لا يشترون أو يبيعون الممتلكات نقدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصكوك الإسلامية ، نوع من السندات التي لا تعتمد على «الفائدة» بل على نظام المشاركة في الربح والخسارة او أي عقد من العقود الشرعية الاخرى.

ذكرت صحيفة «الفينانشيال تايمز» إن ما حدث في السنوات الخمس الأخيرة شيءٌ لا يُصدق. فمن كان يتوقع قبل 10 سنوات أن الصرافة الإسلامية ستنمو بهذه السرعة في الغرب. وقد لفتت هذه السرعة انتباه عدد من المؤسسات المالية الغربية التي اصبحت كلها تسعى إلى إنشاء قسم فيها للمداولات الإسلامية ـ وذلك خوفاً من أن يفوتها سوق ناشئ كسوق الصرافة الإسلامية.

www.aawsat.com/details.asp?section=58&article=424219&issueno=104

وعملت الحكومة البريطانية على سن مزيد من تشريعات الضرائب لدعم الخدمات المالية الإسلامية بشكل لم يحدث في أي دولة أخرى غير مسلمة، وذلك في إطار التزامها تجاه تيسير التشريعات المنظمة لهذا القطاع.
ومن بين تلك الإجراءات النوعية ابرام اتفاقية معايير تحكم سوق القطاع المالي  بين الاتحاد العالمي لأسواق المال والسوق المالية الإسلامية الدولية لإعداد معايير لأسواق المال الإسلامية، وهو ما يعكس أيضاً الالتزام الحكومي تجاه تطوير قطاع التمويل الإسلامي.
وتسعى بريطانيا من كل هذه الاجراءات التشريعية الى استقطاب المزيد من التمويل الإسلامي على أراضيها والاستفادة من توافر السيولة في منطقة الخليج، وتقوم بين فترة وأخرى بتوعية لإبراز جهودها المتزايدة، وذلك من خلال تحسين قوانين الضرائب والتشريعات التي  تلاءم الصيرفة والتمويل الإسلامي.
وفي عام 2008، تم منح ترخيص لبنكين إسلاميين من فئة بنوك الاستثمار هما «بنك جيت هاوس» و«بنك بيت التمويل الأوربي»، مما يرفع عدد البنوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تماما في بريطانيا إلى خمسة. بالاضافة الى الترخيص لاول شركة تامين اسلامية متوافقة مع الشريعة الإسلامية يصرح لها بتقديم تأمين التكافل في السوق  البريطانية. كما تم إطلاق أربعة صناديق متداولة في البورصة جديدة وصندوقي أسهم في أسواق رأس المال.

اما في سويسرا التي تعتبر منذ زمن بعيد عاصمة العالم للبنوك والنشاطات المالية فانه لا توجد تشريعات خاصة بالمصارف الاسلامية من حيث القانون و لا تطبّـق اللجنة الفدرالية للبنوك مبادئ رقابية خاصة على البنوك الإسلامية أوعلى البنوك التي تعرض منتجات متلائمة مع التعاليم الإسلامية. لذلك يوجد نوع من الحرية امام النشاطات المالية الاسلامية حيث تم تحويل دار المال الاسلامي من بنك استثماري بحت الى بنك فيصل الاسلامي الخاص كمصرف تجزئة يتجه بخدماته الى الافراد والمؤسسات والمستثمرين عموما.

كما انتقلت البنوك السويسرية الكبرى من سياسة جذب الاموال الاسلامية الى الداخل الى سياسة الذهاب اليها وتقديم خدماتها هناك وهو ما فعله اتحاد المصارف السويسرية (UBS) عندما اسس بنك “نوريبا” الذي يقدم خدمات مالية تتوافق وتعاليم الشريعة الإسلامية، ويوجد مقره الإجتماعي في المنامة، عاصمة البحرين.ويتخصص بنك “نوريبا” في قطاعي إدارة ثروات المؤسسات وأصحاب الثروات الخواص الراغبين في فرص استثمارية تحترم الشريعة.

  • مستوى التهيئ للتشريع وإعداد القوانين:

أما على صعيد الاستعداد للتعاطي مع المصرفية الاسلامية والشروع في ذلك من حيث تعديل التشريعات والتهيئ للسماح للمصارف الاسلامية بالعمل فهناك قائمة من الاقطار التي انطلقت في هذا المضمار وفي مقدمتها فرنسا التي فاجأت الكثيرين بالسرعة والحركية التي اتسم بها الموقف الفرنسي ازاء ظاهرة المصرفية الاسلامية.ففي حيز زمني وجيز استطاعت فرنسا ان تجلب اليها الانظار عالميا واقليميا وان تحقق خطوات عملية في اتجاه تكريس هذا التوجه وتدارك التاخر الذي تمكنت من خلاله الجارة البريطانية من انجاز سبق ريادي باهر.

وتوجت هذه الخطوات بالاعلان عن مبادرة تطوير النظام المالي الاسلامي بفرنسا (1) وهي عبارة عن حزمة من الاجراءات التشريعية في مجال النظام الضريبي الخاص باليات الاستثمار الاسلامي من مرابحة وصكوك وما شابهها.وتهدف هذه الاجراءات اساسا الى الغاء الازدواج الضريبي لهذه الادوات التمويلية على غرار ما قامت به بريطانيا وتشجيع المصارف الاسلامية وغيرها على التعامل بهذه الاليات في السوق الفرنسية.وتعتبر هذه الاجراءات خطوة هامة في اتجاه دعم المسار التطبيقي للمصرفية الاسلامية وفتح المجال أمامها
عبر تطوير الجانب التنظيمي والتشريعي، و إدراج الأدوات الإسلامية مثل الصكوك في بورصة باريس، والعمليات المصرفية الإسلامية مثل المرابحة ضمن القانون التجاري لتأخذ صفة العمليات المصرفية الكاملة، وبهذا تكون فرنسا قد اتخذت كامل الإجراءات التنظيمية والقانونية التي تسمح بنشاط المصارف الإسلامية وتقديم المنتجات البنكية الإسلامية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1 ) Initiative en faveur du développement de la finance islamique en France.Ministère de l’Économie, de l’industrie et de l’emploi
مبادرة لتطوير النظام المالي الاسلامي في فرنسا، وزارة الاقتصاد الفرنسية 2008

وفي ألمانيا بدأت الجهود تتكثف في اتجاه التهيئ للتعاطي الايجابي مع المصرفية الاسلامية من خلال اقدام كبرى البنوك الالمانية على الولوج لهذه التجربة والشروع في تقديم الخدمات المتوافقة مع احكام الشريعة الاسلامية مثل “كوميرس بنك”  الذي أسس عام 2002 صندوق أسهم لهذه الغاية تحت اسم صندوق الصقور. كما يعرض البنك الألماني دويتشه بنك حالياً منتجات مالية إسلامية عن طريق صناديق أسهم وصناديق استثمارية عديدة. وقد عزز البنك مؤخراً تواجده في منطقة الخليج لهذه الغاية.

 وتعد الخدمات المالية الإسلامية جذابة بالنسبة للبنوك الألمانية أيضاً على ضوء تواجد جاليات إسلامية قوامها 3.5 مليون شخص في ألمانيا وأكثر من 18 مليون مسلم في أوروبا الذين يتطلعون لمثل هذه الخدمات لهم لاسيما في مجالات التأمين وشراء المساكن،.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها لفتت انظار رجال المال والأعمال في ألمانيا تمثلت في  قيام حكومة ولاية (سكسونيا) الألمانية الشرقية عام 2004 بتأسيس صندوق استثمار إسلامي ضمن عملية اصدار اول صك اسلامي باوروبا لقي رواجا كبيرا وأدت الى تدفق الملايين لخزينة حكومة الولاية، وساهمت في سد العجز الكبير الذي تعاني منه،

كما تم الاعلان عن قيام المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا  بعزمه على تقديم استشارات للبنوك الألمانية حول التعاملات المالية التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.

  • مستوى التفكير والتمهيد لخوض التجربة:

 على هذا الصعيد اعلن في كل من اسبانيا ومالتا وايطاليا عن عزم السلطات هناك على خوض تجربة المصرفية الاسلامية واللحاق بركب البلدان الاوروبية التي شرعت في ذلك وهو ما يعزز تنسيق الجهود في اطار الوحدة الاوروبية والسوق الاوروبية المشتركة.

ففي اسبانيا وقعت مؤسسة “حلال” التابعة للجمعية الإسلامية في إسبانيا عام 2008 اتفاقية مبدئية مع مؤسسات مالية إسبانية وأوروبية لإنشاء نظام بنكي إسلامي بعيدا عن الربا المحرم في الدين الإسلامي.

واحتضنت العاصمة الإسبانية مدريد  في بداية العام الجاري2009 المنتدى المشترك حول التمويل الإسلامي الذي نظمته جامعة الملك عبد العزيز بجدة في مقر جامعة “آي إي للأعمال”.وهو تعبير رسمي عن الاهتمام الجاد بهذه التجربة.

وفي ايطاليا أعلن في مؤتمر ”حواري إيطالي – عربي” عن التمويل والصيرفة عقد في البحرين  في شهر فيفري عام 2008 ، عن فكرة إدخال الصيرفة الأسلامية الى السوق الإيطالية من خلال إنشاء مصرف إسلامي هناك بقيمة 100 مليون يورو”.

كما عبرت سلطات مالطا عن اهتمامها الكبير بمجال المالية الإسلامية وعزمها الإعداد لمدى تقبل السوق المحلية لخدمات من هذا القبيل.

وهي بصدد انجاز استشارة وطنية لدى مؤسسات الصناعة المالية للتقدم في هذا الاتجاه(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)Un séminaire de finance islamique à Malte  21/11/2008

http://www.financeislamiquefrance.fr/archives-actualites-internationales.php

  •  المسار الإعلامي:

حفلت البلدان الاوروبية خلال السنوات الماضية بزخم اعلامي مفرط حول كل ما يرتبط بالمالية الاسلامية ومشتقاتها والملابسات الكثيرة التي تحيط بها بالاضافة الى التساؤلات المتعددة حول دواعي هذا الاهتمام الغربي المتزايد بالظاهرة وخلفياته وتداعياته.

وباستثناء بعض الاقلام والمنابر التي لم تخف توجسها بل رفضها لهذا الانخراط الرسمي في التهليل بالمصرفية الاسلامية والحث على دعمها وتطويرها(1) ،فان الاغلبية الساحقة من وسائل الاعلام الاوروبي المكتوبة والمرئية بالاضافة الى ما ينشر بغزارة على مواقع الانترنيت تصب جميعها في خانة الترحيب والتبشير بفوائد هذه الظاهرة ودورها في المساعدة على التخفيف من آثار الازمة المالية المتفاقمة في كل ارجاء القارة الاوروبية والتي تحولت من ازمة مالية بحتة تطال الاسواق المالية والمتعاملين بها الى ازمة اقتصادية شاملة لم يسلم من تداعياتها أي قطاع انتاجي من قطاعات الاقتصاد الحيوية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) على سبيل المثال، قالت الكاتبة الصحافية بصحيفة «ديلي ميل» ميلاني فيليبس، إنه تجري حاليا «أسلمة» بريطانيا؛ حيث إنها تحتوي الآن على عدد من البنوك المطابقة للشريعة الإسلامية أكثر من نظيرتها في باكستان

ومرد هذا التبشير يعود الى تفطن العديدين الى حقيقة المازق الذي أدى اليه الافراط في أميلة الاقتصاد(financiarisation de l’économie ) وارتكازه على الديون التي لا تستند الى أي اصول فعلية بل تحول الاقتصاد الراسمالي الى اقتصاد رمزي ووهمي لا علاقة له بالاقتصاد الحقيقي.

وجوهر الامر في هذا الصدد ان النظام المالي الاسلامي الذي تقوم عليه المصرفية الاسلامية لا يعترف بهذه الهوة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد الانتاجي ويتصدى لكل ظواهر فك الارتباط بين المجالين.

وقد تهاطلت الكتابات والندوات والمؤتمرات والتحاليل في شتى الصحف والدوريات المتخصصة والمنابر الاعلامية المهتمة بمتابعة المستجدات في عالم الصيرفة الاسلامية وما يحيط بها من تطورات ونجاحات.

وقد سجل اكبر كم من المادة الاعلامية على الصعيد الاوروبي في الساحتين الفرنسية والبريطانية اللتيْن تتنافسان على احتلال موقع الريادة لهذا القطاع الحيوي.

وفي هذا الاطار يمكن التوقف عند ابرز المحطات الاعلامية في هذين البلدين باعتبارهما نموذجا بصدد الاحتذاء به من قبل بقية الاطراف الاوروبية.

فحول تطور الصرافة الإسلامية في بريطانيا، تقول صحيفة «الفينانشيال تايمز»: إن ما حدث في السنوات الخمس الأخيرة شيءٌ لا يُصدق. فمن كان يتوقع قبل 10 سنوات أن الصرافة الإسلامية ستنمو بهذه السرعة في الغرب. وقد لفتت هذه السرعة انتباه عدد من المؤسسات المالية الغربية التي اصبحت كلها تسعى إلى إنشاء قسم فيها للمداولات الإسلامية ـ وذلك خوفاً من أن يفوتها سوق ناشئ كسوق الصرافة الإسلامية.

و أصدرت مؤسسة الخدمات المالية الدولية في لندن   IFSL  تقريرا هاما حول التمويل الإسلامي أوضحت فيه أن قاعدة العملاء في الدول الغربية  للمصارف الاسلامية ليست بالضرورة مقصورة على المسلمين؛ فالعملاء الآخرون يمكن أن تجذبهم الأسس الأخلاقية والبيئية التي ينبني عليها التمويل الإسلامي. وأشار التقرير إلى أن إسهام المملكة المتحدة يشمل إجمالي 22 بنكا، وهو عدد أكبر بكثير منه في أي دولة غربية. كما أن هناك 18 شركة استشارات قانونية توفر الخدمات المهنية، علاوة على الشركات المحاسبية الأربع الكبرى. كما تم إصدار صكوك بإجمالي تراكمي 18 إصدارا، تم خلالها جمع 10 مليارات من الدولارات وأدرجت في سوق لندن للأوراق المالية، محتلة بذلك المركز الثاني بعد دبي. ومع وجود 55 مؤسسة تقدم منتجات تعليمية وتدريبية في التمويل الإسلامي، فإن المملكة المتحدة تضم مزودين أكثر من أي دولة أخرى حول العالم.

ويعتبر د.رودني ويلسون أستاذ مادة الاقتصاد في مركز دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية  بجامعة دورهام بإنجلترا. الذي يرأس اللجنة الأكاديمية لمعهد النظام المصرفي والتأمين الإسلامي في لندن إن مستقبل الصناعة المالية الاسلامية يبدو واعداً، و إن العديد من المصرفيين الغربيين ينظرون إلى التمويل الإسلامي باعتباره أمراً مثار اهتمام، بل وربما كفرصة عمل، ونادراً ما يرونه كتهديد مقارنة بذلك التهديد الناتج عن التطرف الإسلامي، معتبرين المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي من أكثر جوانب الإسلام، بل والجانب الذي يمكن للغربيين الدخول في حوار مع المسلمين بشأنه.

ونظراً لأن الشريعة الإسلامية عبارة عن مبادئ سماوية كونية وليست قوانين وطنية، أصبحت شركات المحاماة الدولية الرائدة  في نظره منخرطة في المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي نظراً لضرورة صياغة العقود بطريقة تتسق مع الشريعة في ظل القانون الإنجليزي أو الأميركي او غيرهما(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1):انظر في هذه الصدد:

  • Islamic Finance in Europe, Rodney Wilson. – RSCAS

Policy Papers (Robert Schuman Centre for Advanced

Studies), n° 2007/02, décembre 2007, 29 p.

http://www.iue.it/RSCAS/WP-Texts/07_02p.pdf

  • Royaume-Uni : ces banques qui respectent la

Charia, Moïna Fauchier Delavigne (France 24). – Retail

Islamic Banking Hall, 4 décembre 2007, 8 p.

http://ribh.wordpress.com/2007/12/04/royaume-uni-ces-banquesqui-respectent-la-charia/

  • The City : UK Excellence in Islamic Finance. – UKTrade & Investment, 2007, 28 p.

http://ribh.files.wordpress.com/2008/05/ukexcellenceinislamicfinance.pdf 

اما في فرنسا فيمكن التوقف عند تقريرين اساسيين بشان الاهتمام الاعلامي بالمصرفية الاسلامية وهما:

  • تقرير مؤسسة سيكير فينانس بعنوان:المالية الاسلامية على الطريقة الفرنسية:محرك للاقتصاد وبديل اخلاقي(1) ساهم في صياغته ثلة من الباحثين والخبراء والقانونيين المتابعين لتطورات المصرفية الاسلامية والمتحمسين ايضا لانخراط الساحة الفرنسية فيها. وقد احتوى هذا التقرير الاول من نوعه على مجموعة من الابحاث والتحاليل الاستشرافية لمستقبل الصناعة المالية الاسلامية بفرنسا.واجمع هؤلاء الخبراء على ان المالية الاسلامية تشكل فرصة لا غنى عنها لفرنسا اولا وللاقتصاد الاخلاقي ثانيا، وانه لا شيئ في القانون الفرنسي يمنع من التعاطي مع ادوات هذه الصناعة المزدهرة على نطاق واسع.ودعوا في خضم هذه الابحاث السلطات الفرنسية الى المضي قدما في تعزيز التواجد القانوني لمؤسسات المصرفية الاسلامية باعتبارها بديلا مناسبا للاليات القائمة التي تعاني من شوائب عدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   la Finance islamique à la française, Europlace 2008   تقرير مؤسسة سيكير فينانس بعنوان:المالية الاسلامية على الطريقة الفرنسية:محرك للاقتصاد وبديل اخلاقي

كما اكد التقرير على ضرورة ايلاء الجانب المعرفي والعلمي المرتبط بهذه الصناعة كل الاهتمام وبخاصة ما يتعلق بفضاءات التدريب والتاهيل والتعليم من اجل الالمام بادوات المصرفية الاسلامية والمساهمة في تطويرها.

  • التقرير الثاني صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي تناول فيه النظام المصرفي الإسلامي بعد دراسة اعدتها لجنة المالية ومراقبة الميزانية والحسابات الاقتصادية للدولة بالمجلس.وقد مثل هذا التقرير بداية الاعتراف الفرنسي الرسمي بأهمية النظام  المالي الإسلامي .وقد نظمت اللجنة المذكورة طاولتين مستديرتين في منتصف 2008  حول تقييم الفرص والوسائل التي تسمح لفرنسا بولوج هذا النظام الذي يعيش ازدهارا واضحا.

وقد جمعت أعمال الطاولتين في تقرير واحد يحاول أن يعرف رهانات دمج النظام المصرفي الإسلامي في النظام المالي العام بفرنسا من جهة، وتحديد “الاحتكاكات” التشريعية والضريبية الممكنة التي من شأنها أن تعطل تطوير هذا النظام على التراب الفرنسي من جهة أخرى.

وقد أعطت الطاولة المستديرة الأولى صورة عن أنشطة الصناعة المالية الفرنسية في سوق ما زال متركزا في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، والأهمية المتزايدة بالنسبة لفرنسا في أن تعتني بهذا المجال المالي المعتمد على الشريعة الإسلامية.

وبينت بعض المداخلات أن هذا النظام مربح للجميع مسلمين وغير مسلمين ويمكن تطبيقه في جميع البلاد فضلا عن كونه يلبي رغبات كونية.

كما ركزت الطاولة المستديرة الثانية على العوائق التشريعية والضريبية المحتمل أن تحول دون تطوير هذا النظام في فرنسا ومن ذلك مثلا فتح مصارف إسلامية بفرنسا أو إقامة نظم تشريعية وضريبية على التراب الفرنسي تراعي قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي أو إصدار صكوك. كما سنحت للطاولة الاطلاع على التجربة البريطانية في هذا المجال وما يمكن استخلاصه منها والاطلاع كذلك على الأفكار التي تتداول الآن في فرنسا حول هذا الموضوع من طرف المتخصصين والسلطات العمومية(1 ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1 )مجلس الشيوخ ( 2008:   “دمج التمويل الإسلامي في النظام المالي الشامل. ما هي الرهانات الفرنسية؟، Sénat (2008), L’intégration de la finance islamique dans le système global. Quels enjeux pour la France?,

وكانت كبرى الصحف الاقتصادية في فرنسا قد دعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي كأحد الحلول  للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم.ففي افتتاحية مجلة “تشالينجز”، كتب “بوفيس فانسون” رئيس تحريرها موضوعا بعنوان (البابا أو القرآن) أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية. وتساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا النزاع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرا إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية.

وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم من موقف الكنيسة ومستسمحا البابا بنديكيت السادس عشر قائلا: “أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود”.وفي الإطار ذاته لكن بوضوح وجرأة أكثر طالب رولان لاسكين رئيس تحرير صحيفة “لوجورنال د فينانس” في افتتاحية هذا الأسبوع بضرورة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب غربيون: الشريعة تنقذ اقتصاد العالم (محمد النوري)

www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1221720501733&pagename=Zone-Arabic-News%2FNWALayout

اصل المقال: Vincent Beaufils :Le pape ou le Coran, challenges,11 sept 2008.

تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.

وعرض لاسكين في مقاله الذي جاء بعنوان: “هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟”، المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية(1 ).

  • المسار السياسي:

لم تكن هذه الحركية الإعلامية المتصاعدة بمعزل عن التوجيه السياسي الذي اعطى الضوء الاخضر لانطلاقتها وشحن وتيرتها.

فقد دشن هذا المسار رئيس وزراء بريطانيا مباشرة فور انتخابه باعلانه عزم بلاده على ان تصبح مركزا عالميا للمصرفية الاسلامية وبوابة رئيسية لها وتعهد ببذل كل ما في وسعه من اجل تحقيق ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1 ).بورصة وول ستريت هل هي جاهزة لتطبيق الشريعة؟

Wall Street, mûr pour adopter les principes de la Charia ? أصل المقال :

Par Roland Laskine Journal de Finance 25 septembre 2008

ولم تكد تمر سنتان على هذا الاعلان البريطاني حتى تتالت التصريحات الاوروبية في نفس الاتجاه وكانها بمثابة تسابق على كسب ود الاموال الاسلامية والمصرفية الاسلامية حتى لا تسير في وجهة اخرى!

في هذا السياق جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي ووزيرة ماليته كريستين لاغارد وكانها محاولة للاستدراك التاخر وقطع الطريق على الجارة البريطانية حتى لا تستحوذ على نصيب الاسد من الثروة المالية الاسلامية التي تديرها المصارف الاسلامية في انحاء شتى من العالم.

فقد اعلنت فرنسا على لسان كبار المسؤولين فيها انها ستعمل بما في وسعها على جعل باريس مركزا رئيسيا للمالية الاسلامية ليس من اجل جذب الاموال اسلامية التي فرنسا بحاجة ماسة اليها لانعاش الاقتصاد وتخليصه من دوامة الازمة المالية فحسب،وانما بهدف الاستفادة من ادوات الصناعة المالية التي اثبتت نجاعتها وخلوها من مخاطر المضاربات الوهمية والمعاملات الضارة بالاقتصاد.

  • المسار العلمي:

في الحقيقة يعد مسارالاهتمام الاوروبي بالدراسات والبحوث العلمية حول الاقتصاد الاسلامي والمصرفية الاسلامية سابقا للمسارات الاخرى التي جاءت لاحقا بعدما اثبتت هذه الابحاث العلمية جدوى هذا الاهتمام وتزايد الطلب على الدورات الدراسية الخاصة بالمصرفية الإسلامية.

وتعتبر الجامعات الاوروبية متخلفة زمنيا عن نظيراتها الامريكية التي حققت اشواطا كبيرة في تدريس قضايا الاقتصاد الإسلامي و أنشطة التمويل المرتبطة بالمصرفية الإسلامية.وكانت جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا أنشأتا قسم الاقتصاد الإسلامي.

اما اوروبيا فتعتبرانجلترا رائدة فعلا في هذا المجال حيث توجد ثلاث جامعات متبنية فكرة الاقتصاد والاستثمار الإسلامي وهناك جامعات كثيرة مثل جامعة كنت التي تعطي درجة الدكتوراه والماجستير في  قسم المحاسبة والمراجعة في  الإسلام وهناك أيضاً جامعة برمنجهام التي انتجت مؤلفات لغير مسلمين في المحاسبة والمراجعة في الإسلام.

ان أسباب تزايد اهتمام الجامعات الغربية بتدريس مواد الاقتصاد والتمويل الإسلامي ترجع إلى ارتفاع وتيرة الاهتمام بالعمل المالي الإسلامي بشكل متزايد خلال السنوات الثلاث الماضية وهذا ما انسحب أيضا على القطاع التعليمي. فمن عادة المؤسسات التعليمية والبحثية أن تتفاعل إيجابياً مع المهن والعلوم المستجدة.. والعمل المالي الإسلامي من أهم تلك الاختصاصات الجديدة في الحقل المالي والمصرفي التي شغلت وتشغل بال العالم. ومن هنا فإن من أهم الأسباب الإقبال على تدريس التمويل الإسلامي في الغرب الأسباب السوقية التجارية ومن ثم تأتي الأسباب العلمية والبحثية التي تهتم بالتمويل الإسلامي على أنه علم

كما ان الدراسات العليا والأطروحات الملحقة بها التي تقدم في هذه الجامعات الغربية ليست موجهة فقط للمسلمين على الرغم من أن معظم الدارسين هم من المسلمين. ولكن الطلاب غير المسلمين يهتمون ايضا بدراسة التمويل الإسلامي أو إجراء بحوث فيه بسبب الالتزام الأخلاقي وباعتباره القطاع الأسرع نمواً في صناعة الصيرفة..

وفي فرنسا شرعت إحدى الجامعات الفرنسية في مدينة “ستراسبورج” ابتداء من هذا العام( 2009)في تدريس “الاقتصاد الإسلامي وهي الشهادة الأولى في تاريخ فرنسا في هذا الاختصاص منذ أن بدأت السلطات السياسية والاقتصادية الفرنسية الاهتمام بجلب الاستثمارات الإسلامية وخاصة الخليجية إلى فرنسا.

وتتوالى ظاهرة الندوات والمنتديات والحلقات الدراسية والمحاضرات العلمية حول ادوات الصناعة المالية الاسلامية بشكل ملحوظ في الساحة الفرنسية منذ انطلاق مسار الاهتمام بالمصرفية الاسلامية العام الماضي حتى تحولت العاصمة باريس الى منتدى عالمي يستقطب فعاليات هذه الظاهرة.

  1. العوائق والتحديات:

هناك جملة من التحديات تواجه المصارف الإسلامية عموما والاوروبية تحديدا، رغم الازدهار الكبير الذي تمر به الصيرفة الإسلامية، يمكن تلخيصها في الآتي:

  • التكَيُّف مع البيئة الاوروبية بتعقيداتها القانونية والثقافية واللغوية والعرقية وحساسية بعض مكوناتها ازاء اللافتة الاسلامية والشعار الاسلامي وخلطها بين التعامل بادوات المصرفية الاسلامية والتحريض على الطائفية.وهذه البيئة المعقدة بحاجة الى التحلي بكثير من الحكمة والوضوح والشفافية والمرونة .
  • الجهل بمبادئ الصيرفة الاسلامية عند الكثيرين من المسلمين واعتبارها وجها من وجوه التحايل الشرعي لدى البعض منهم والنظر الى بعض السلبيات التي لا تخلو منها أي تجربة ولا سيما في بداية الطريق والعمل على تضخيمها والحكم من خلالها على كل التجربة بالفشل او القدح في مصداقيتها واهدافها وهو ما يحتاج الى جهد مقابل على مستويين: مستوى الاصلاح الذاتي بتنقية المسار من كل ما عسى ان يشوبه من اخلال او نقائص او شبهات ، ومستوى التوعية العامة ومحو امية الزبائن الذين ليست لهم ثقافة شرعية ومالية للتغلب على ما يعترضهم من ملابسات حول ممارسات المصارف الاسلامية .وكثيرا ما قيل “جهل العملاء اس البلاء”!
  • تحدي الرقابة الشرعية :غياب فقه التجربة أوروبياً:

من أبرز هذه التحديات التي تعترض تجربة المصرفية الاسلامية الاوروبية ندرة علماء الشريعة المؤهلين لتقييم المنتجات الإسلامية قياسا بحجم النشاط الذي يمارس.

فاذا كانت الرقابة الشرعية بقضاياها المتعددة لا تزال تمثل تحديا كبيرا بالنسبة لجملة المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية في كل مكان نظرا للصعوبات العملية التي تواكب مسيرتها ولتطور الخدمات المالية بصورة عامة، فان هذه التحديات تبرز بشكل مضاعف بالنسبة للتجربة الاوروبية باعتبار حداثتها من جهة وتعقيدات الواقع الذي تمارس فيه نشاطها من جهة اخرى.

وفي مقدمة هذه التحديات غياب فقه التجربة والممارسة والاعتماد على نقل تجارب خارجية ليست بالضرورة مشابهة للاشكالات الواقعية المعاشة.يضاف الى ذلك ضعف التنسيق بين الهيئات الشرعية المتواجدة بالساحة او خارجها وغياب وحدة المرجعية الشرعية في كل بلد و ما قد ينتج عن تضارب الفتاوى الفقهية التي تسند للمصارف من جهات مختلفة . فمثلا بعض المصارف تجيز أعمال التورق بشروط والبعض الآخر لا يجيزه اطلاقا، والبعض يجيز بيع الديْن والاخر لا يجيزه باي صورة كانت، والبعض يستند على راي واحد لعالم من العلماء والبعض الاخر لا يعترف سوى بالاجتهاد الجماعي، ناهيك عن تطفل البعض على الفتوى دون ان يكون لها اهلا.

لذا وجب على المصارف الإسلامية ايجاد قاعدة علمية مشتركة للاجتهاد الجماعي من خلال الندوات وورشات العمل التي تضم متخصصين مصرفيين وشرعيين والتنسيق فيما بينها وتوحيد الفتاوى او على الاقل تحجيم الخلاف وتقليص التباين بين الاراء والمواقف حتى لا يصل الى حد التناقض والتضارب.

  •  التنافسية الكبيرة مع المصارف التقليدية على صعيدين اثنين:صعيد التنافس بين المنتجات المالية الاسلامية  التي تقدمها بعض المصارف والمؤسسات التقليدية سواء عبر نوافذ اسلامية او خدمات جزئية ويتطلب دفع هذا التحدي أن تعمل المصارف الإسلامية على تحسين مستوى إدارتها وعملياتها الفنية حتى تكون اكثر كفاءة ونجاعة ومردودية واقل كلفة من الاخرين حتى لا توصم بالنزعة”الاستغلالية” مثلما يشاع في بعض الاوساط ويرتبط ببعض الممارسات فتنقلب المرابحة الى “مذابحة” على حد تعبير بعض الساخطين على خدمات بعض المصارف الاسلامية. وبالتالي لا تكتفي بأن تكون مجرد أوعية لتلقي الأموال، بل أدوات لاستثمارها، الأمر الذي يستدعي أن تعمل المصارف الإسلامية من جهة أخرى على الانتقال من مرحلة  إنتاج منتجات جديدة تكافئ منتجات المصارف التقليدية وتتفوق عليها، وبالتالي تعظيم مهارتها في الهندسة المالية الإسلامية.

اوبعبارة اخرى العمل على ضرورة الانتقال من المنتجات والحلول المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية إلى المنتجات والحلول القائمة على الشريعة والمنبثقة عنها.وهذا يحتاج الى جهد ابتكاري من طراز خاص لا يمكن ان يتم الا من خلال المزاوجة بين الالمام بفقه الواقع وفقه الشريعة وعبر تفعيل الية الاجتهاد  والتفكيرالجماعي .

اما الصعيد الثاني فيتمثل في التنافسية مع خدمات المصارف التقليدية التي لها خبرة ميدانية طويلة والمام بالواقع الذي تنشط فيه على عكس المصرفية الاسلامية التي تعد وافدة جديدة الى الساحة وغير ملمة بكل تحدياتها وتضاريسها فتكون منذ البداية غير منافسة وعالية الكلفة مقارنة مع الاخرين فيسهل وصمها بالنزعة”الاستغلالية” مثلما يشاع في بعض الاوساط اويرتبط ببعض الممارسات وتنقلب المرابحة الى “مذابحة” على حد تعبير بعض الساخطين على خدمات بعض المصارف الاسلامية.

  • القدرة على تحمل المخاطر من خلال الكفاءة المالية والجدارة الائتمانية لقاعدة الزبائن: ولمواجهة التحدي الماثل في هذا المجال يتعين على المصارف الإسلامية أن تستخدم أفضل الوسائل لإدارة المخاطر والائتمان وتقلبات الأسعار في الأسواق. وهذه المخاطر قد تكون مخاطر استثمارية وهي تلك التي تتعرض لها الأصول والمحافظ الاستثمارية ، أو مخاطر تمويلية ناتجة عن عدم احترام الإطراف الحاصلة على التمويل لتعهداتها. وهناك من يرى ضرورة قيام وكالة إسلامية عالمية متخصصة في تقييم المخاطر وإدارتها فيما بين المصارف الإسلامية لاحكام السيطرة على الاوضاع الاستثمارية وتطويق الاحتمالات السيئة المفضية الى الهزات والكوارث المالية مثلما تشهده الاسواق العالمية اليوم بعد الاعصار المالي الاخير.
  • العناصر البشرية المؤهلة :
    إن ازدياد أعداد المؤسسات المالية الإسلامية في اوروبا والنمو في حجمها يعني الحاجة إلى المزيد من العناصر البشرية المدربة التي تحتاجها هذه المؤسسات.

ونظراً للنقص في المؤسسات الأكاديمية التي تخرج العناصر المؤهلة فإن المؤسسات المالية الإسلامية تحتاج إلى الاستعانة بدرجة أكبر ببرامج التدريب المكثف التي تصقل قدرات العاملين.

كما أنها بحاجة للمساهمة في إنشاء المعاهد المتخصصة التي توفر الكوادر المؤهلة علمياً ، والحاجة إلى هذه الكوادر تشمل العناصر المتخصصة في المجالات المصرفية والاستثمارية والفنية وأيضاً الكوادر الشرعية ذات الخبرة في مجال الأعمال المصرفية والمالية .

  1. الآفاق المستقبلية:

 في ظل هذه المسا رات والتحديات التي تواجه التجربة المصرفية الاسلامية باوروبا وتحت وطاة الازمة المالية العالمية وتداعياتها الاقتصادية المتفاقمة، كيف تبدو الصورة المستقبلية لهذه التجربة وآفاق تطورها وتوسعها رقميا وخدماتيا ونوعيا وجغرافيا؟

يرى العديد من الخبراء الماليين والمصرفيين الغربيين(1) ان التمويل الإسلامي “يعيش اليوم أزهي فتراته، وانه  يسير بشكل أفضل من أي وقت مضى” وأن الآفاق امامه تنطوي على إمكانيات نمو واعدة.

وبالنسبة للمصرفية الاسلامية في اوروبا تقف هذه الصناعة على أعتاب توسع كبير استنادا الى حجم الإمكانات الكامنة للصيرفة الإسلامية في عدد من الدول الأوروبية الرئيسية (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رودني ويلسون وغيره.

 (2) من المتوقع ان يتضاعف عدد البنوك الاسلامية في اوروبا في غضون السنوات القليلة القادمة.  كما ان  بنك بي.ان.بي باريبا” الفرنسي يتوقع زيادة عملياته الإسلامية إلى خمسة أمثالها.

وبالتالي من المنتظر ان يتزايد إقبال البنوك والمؤسسات الاوروبية على الصيرفة الإسلامية بشكل يفوق مما يحدث الآن، ولا ادل على ذلك من الإقبال المثير على السندات الإسلامية  من غير المسلمين والتي تجتذب استثمارات غربية ضخمة.

ومن المؤكد ان هذا الاقبال ليس نابعا عن عقيدة، لانه في واقع الأمر إقبال تحكمه قوانين العرض والطلب، وينبني على الحرص على المصالح قبل الاهتمام بالمبادئ. ولكن في نفس الوقت فان المنطق الذي ترتكز عليه تلك المبادئ على غاية كبيرة من الوجاهة والقابلية للاعجاب والتبني وهو المنطق الذي يقوم على فكرة الغنم بالغرم والمشاركة في الارباح والخسائر(“لا تظلمون ولا تظلمون”)(1) وهو منطق جوهري فاصل بين المنهجين الاسلامي والراسمالي لان المشاركة في المخاطر، تعني ان يتحمل الأطراف أعباء بعضهم البعض، وليس مجرد تحويل المخاطر من طرف الى طرف اخر كما يحصل غالباً في النظام المالي الغربي.وهل انتشرت الفكرة الاسلامية تاريخيا في ارجاء المعمورة بغير هذا الطريق؟

مما لا شك  فيه أن هذا النجاح المنتظر يعتمد على قدرة المؤسسات الاسلامية من مصارف وهيئات شرعية ومجامع فقهية على مواجهة ما يتوقع من تحديات أخرى قد تظهر في المستقبل لا سيما في ظل هذا العالم المتغير المتجه نحو فتح الأسواق وتحرير الخدمات والاندماجات الكبيرة والمنافسات الحادة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة الاية 278.

ويتوقع المراقبون لتطورات الازمة الراهنة انها تشكل فرصة ذهبية للمتخصصين في الاقتصاد والتمويل الإسلامي للإدلاء بدلوهم في مسألة إصلاح النظام المالي العالمي وبلورة العديد من الإيضاحات المفيدة حول تنظيم المؤسسات والاسواق المالية .

وقد ذهب البعض من الكتاب والمفكرين الى ابعد من ذلك حيث تحول العديد منهم الى مبشرين بالحل الاسلامي  وبقدرة التمويل الاسلامي على انقاذ الاقتصاد الغربي من الازمة التي يعاني منها مثلما عبرت عن ذلك الباحثة الايطالية لوريتا نابوليوني في كتابها “اقتصاد ابن آوى” ذكرت فيه ان”المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب لتلك التقليدية أي الغربية”(1) واعتبرت أن “مسؤولية الوضع الطارئ في الاقتصاد العالمي والذي نعيشه اليوم ناتج عن الفساد المستشري والمضاربات التي تتحكم بالسوق والتي أدت إلى مضاعفة الآثار الاقتصادية للارتفاع” وأضافت “إن التوازن يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي الذي يضع على قدم المساواة الاقتصاد الإسلامي والإرهاب وتبني التمويل المذكور في القرآن .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) باحثة إيطالية : التمويل الإسلامي سوف ينقذ الاقتصاد العالمي، أقوال وتصريحات علماء الغرب الموضوعية عن الاقتصاد الإسلامي،الموقع العالمي للاقتصاد الاسلامي www.isegs.com/forum/showthread.php?t=1499

(2) تقرير غربي يطالب الدول الغربية بالتحول للنظام المصرفي الإسلامي،المجلس العام للبنوك والمؤسسات الاسلامية: www.cibafi.org

 ورأت نابوليوني أن “التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني” وأضافت “فهو متجدد وسلس ومحقق لربح كامن أكبر.

كما طالب تقرير اقتصادي(1) الدول الغربية بالتحول للنظام الإسلامي في التعامل مع البنوك وتطبيق معاييره إذا أرادت هذه الدول الهروب من مقصلة أزمة الائتمان العالمية. وطرح تساؤلات عديدة حول الوضع الراهن في الدول الغربية ومدى تأثرها بالأزمة المالية الطاحنة.

وهذه الآفاق التي بدأت ملامحها جلية تفضي إلى سؤال هام هو: كيف يمكن توجيه اهتمام السلطات الاوروبية بالتمويل الإسلامي من وسيلة للاستحواذ على أموال المسلمين إلى دينامكية توفر منتجات جديدة تأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخلاقية، والاجتماعية، والبيئية على المستوى

المحلي والإقليمي والدولي بما ذلك العالم الإسلامي ؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من تجاوز المرحلة الحماسية التي تقتصر على التعليق على النتائج إيجاباً أو سلباً دون تحليل الصيرورة التي أنتجت هذه النتائج بطريقة علمية، من ثم وضع الإستراتيجية المناسبة للتأثيرعليها وتوجيهها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • تقرير غربي يطالب الدول الغربية بالتحول للنظام المصرفي الإسلامي،المجلس العام للبنوك والمؤسسات الاسلامية: cibafi.org

نحو الاتجاه الصحيح حسب الإمكانيات المتوفرة والفرص المتاحة التي يجب استغلالها أو خلقها بالطرق المشروعة وذلك من خلال:

ـ عدم الاقتصار على التصفيق باھتمام الغرب بالتمويل الإسلامي.

ـ تجنب الاكتفاء بالقول أن الغرب يسعى من خلال التمويل الإسلامي إلى الاستحواذ على مدخرات المسلمين. فإذا كان غير المسلمين لا يهتمون بالتمويل الإسلامي من أجل عيون المسلمين، فإن الغرب ليس كتلة متجانسة تسير دائماً إلى نفس الهدف وبنفس الوتيرة، بل هو تشكيلة متنوعة وغير مستقرة تتشابك فيها الثقافات، والمصالح، والصراعات المختلفة.

ومن هنا على الباحثين في الاقتصاد الإسلامي أن يدرسوا بطريقة علمية الاسباب التي أدت إلى اهتمام مختلف البلدان، بما فيها اليابان والصين، بالتمويل الإ سلامي، والعناصر الفعالة التي أدت إلى هذا الاهتمام، والعوامل التي أثرت على اتخاذ القرار، وأبعاده الداخلية، والإقليمية،والدولية، من الناحية الثقافية، والجيوستراتجية، والاجتماعية ، والاقتصادية، والسياسية، والديموجرافية، والأمنية .

وعلى الباحثين في الاقتصاد الإسلامي أيضاً أن يساهموا مساهمة فعالة وبناءة في الحوار حول التمويل الإسلامي سواء تعلق الأمر بوضع المناهج، أو التدريس، أو الإشراف على الرسائل الجامعية أو مناقشتها، أو التدريب، أو المشاركة في المؤتمرات، والندوات، وورشات العمل، وطاولات الحوار وأن يجيبوا على التساؤلات التي تنجم عنها أحياناً بعض المخاوف بطريقة علمية وعميقة تجمع بين الجانب النظري والجانب الفني مع مراعاة خصائص كل بلد اوروبي من الناحية الثقافية، والقانونية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، إلخ.

ان التحدي الحقيقي الذي يعترض الوجود الاسلامي باوروبا في السنوات القادمة يكمن في كيفية الاستفادة من اهتمام السلطات الاوروبية بالتمويل الإسلامي واقبال غير المسلمين عليه لتمكين هذا الوجود على المدى الطويل من مواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظرهم والإسهام بشكل فعال في تحسين وضعهم الاجتماعي و الاقتصادي دون أن ينظر إليهم على أنهم فئة هامشية تنبذ العمل، وتسعى إلى نهب ثروات البلاد، وتثيرالشغب في كل مكان تذهب إليه؟( 1).

كما يجب على المؤسسات الاسلامية بشتى اطيافها واختصاصاتها ان تولي الجانب المالي والاقتصادي كل الاهتمام والعناية ودعم الجهود التي تتجه الى هذا المجال الاستراتيجي والعمل على ترشيده وتخليصه من كل ما يعيق مسيرته ويحول دون نهوضه وتطوره وعدم تركه للمبادرات العشوائية والفردية والتيارات غير السوية التي تدفع به نحو الانبتات والفشل.

فاذا كان الوعي بهذا المجال غائبا في المراحل السابقة للعمل الاسلامي باوروبا فالمطلوب اليوم  تدارك هذا التاخر والانكباب الفوري على مزيد الاهتمام والتركيز بكل ما يحيط به من تحديات واشكالات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) التمويل الاسلامي بفرنسا، عبدالرزاق بلعباس (مصدر سابق).

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق