البحوث

إعلان المسلمين الأوروبيين

إعلان المسلمين الأوروبيين

(A DECLARATION OF EUROPEAN MUSLIMS)

 فضيلة الدكتور مصطفى تسيريتش

 رئيس العلماء والمفتي العام في دولة “البوسنة والهرسك”

المقدمة:

إن الأحداث المأساوية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك، والحادي عشر من مارس/آذار 2004 في مدريد، والسابع من يوليو/تموز 2005 في لندن لم تترك أحدا غير مُبال.

ولقد أصيب مسلمو العالم، خصوصا، بالصدمة من أنّ مرتكبي هذه الهجمات ادّعوا أنهم فعلوها باسم الإسلام.

فلا يمكن لشخص عاقل قبول أن يُنفَّذ مثلُ هذا العنف باسمه ضدّ الأبرياء، لذا، فقد ندد المسلمون في مختلف أرجاء المعمورة وبأشد عبارات التنديد الهجوم الإرهابي في نيويورك، والمذبحة في مدريد، والإنفجار في لندن.

لكن بعض الناس يقولون بأن ذلك غير كاف؛ بل يجب على المسلمين أن يعملوا أكثر لإقناع الرأي العام الأوروبي بأن دينهم يستحقّ الاحترام وبأنّ وجودهم في أوروبا أمرٌ مرحّبٌ به.

وبغض النظر عن أولئك الناس في أوروبا الذين يصعب تعافيهم من كراهية الإسلام سواء كان هناك سلوك عنيف لبعض المجموعات المسلمة أو لم يكن، فيجب على المسلمين أن يدركوا بأنّ  الشعور العامّ حول دينهم في أوروبا في الوقت الحاضر ليس ملائماً.

ويجب على المسلمين الأوروبيين أن يأخذوا قضية العنف باسم الإسلام بجديّة كبيرة، ليست لأن بعض الناس يكرهون الإسلام والمسلمين، بل لأن أعمال العنف والإرهاب والكراهية باسم الإسلام أمر خاطئ ومخالف للاعتقادات الإسلامية؛ إن مثل تلك الأعمال يضر بمصالح المسلمين في العالم كله، وخصوصا في أوروبا.

يجب على المسلمين الأوروبيين أن يطوّروا برنامجا لمحاربة العنف؛ يجب عليهم أن يعلنوا بشكل تام وصريح إلى العالم أجمع عن الطبيعة السلمية لدينهم وأن يعلّموا أبناءهم أن الطريق الصحيح إلى النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة ليس حجّة القوة، بل قوة الحجّة السليمة.

يجب على المسلمين الأوروبيين أن يتقدموا إلى الاتحاد الأوربي والمسلمين الذين يعيشون في أوروبا وإلى العالم الإسلامي كله بإعلان صريح وواضح.

الاتحاد الأوربي:

يجب أن يتضمن إعلان المسلمين الأوروبيين إلى الاتحاد الأوربي رسالة واضحة بأنّ المسلمين الأوروبيين ملتزمون بالكامل وبشكل صريح بحكم القانون العادل، وبمبادئ التسامح وبقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالاعتقاد بأن كلّ إنسان له الحقّ بأن تُصان حقوقه الضروريّة الخمسة وهي: النفس والدين والعقل والمال والعِرض.

وبعد أن قدّم المسلمون الأوروبيون تعهداتهم إلى الاتحاد الأوربي، فإن لهم الحقّ في التعبير عن توقّعاتهم في هذا الإعلان مثل الاعتراف الرسمي بالإسلام والمؤسسات الإسلامية في أوروبا؛ التنمية الاقتصادية للجالية الإسلامية التي توفر  لها الحرية والاستقلال الروحي والثقافي التامّين؛ تطوير المدارس الإسلامية القادرة على تعليم المسلمين المولودين في أوروبا بشكل يجعلهم مؤهلين للتعامل مع تحديات المجتمع الأوروبي الجديدة؛ الحرية السياسية التي ستمكّن المسلمين الأوروبيين من أن يصبح لديهم ممثلوهم الشرعيون في برلمانات الدول الأوروبية؛ التخفيف من سياسة الهجرة الأوروبية التي تميل مؤخراً نحو التضييق الشديد  على المسلمين؛ فتح الطريق أمام الأحكام الشرعية بحيث يتم الاعتراف بها في الأحوال الشخصية مثل أحكام الأسرة؛ وحماية المسلمين الأوروبيين من الكراهية الموجهة ضدهم ومن جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ترتكب ضدهم وما شابه ذلك.

المسلمون الذين يعيشون في أوروبا:

إن توجيه الخطاب في إعلان المسلمين الأوروبيين إلى المسلمين الذين يعيشون في أوروبا أمر مهم جدا سواء بالنسبة لتحديد هويتهم الإسلامية بشكل واضح وصريح أو لتحديد مواطنتهم الأوروبية.

وقبل كل شيء يجب على المسلمين الذين يعيشون في أوروبا أن يدركوا بأنّ الحرية ليست هدية يقدمها الآخرون؛ بل إن الحرية الإسلامية في أوروبا يجب أن تُكتسب، ويجب أن يتم الاعتراف بالوضع العامّ للمسلمين رغم معارضة الكارهين للمسلمين

وبالطبع، فإن الحرية تتطلب المسؤولية، لذا فإن المستعدين لتحمّل المسؤولية هم الذين يستحقون الحرية. على الرغم من حقيقة أنّ المسلمين الأوروبيين لا يتمتّعون بالحرية التامّة من الخوف والفاقة في أوروبا، إلا أنه من الملائم لهم الآن أن يتحمّلوا مسؤولياتهم من أن يتحدثوا عن حرياتهم، لأنهم بتحملهم لمسؤولياتهم في الحياة الأوروبية الثقافية والسياسية والاقتصادية، فسيكسبون حقّهم بالحرية، فبذالك حرية المسلمين الأوروبيين لن تكون هبةً من أحد، بل ستكون قيمة لهم لا يمكن لأحد إنكارها ولا سلبها منهم.

إنّ البيان الأكثر أهمية الذي يجب أن يتضمنه الإعلان الموجه إلى المسلمين الذين يعيشون في أوروبا هو التزامهم بتقديم الإسلام إلى الجمهور الغربي على أنه الرُؤية الكاملة لحياة الانسان (Waltanschuung)، وليس ثقافة قوميّة أو عرقية أو عشائرية معيّنة.

لأنّه لا يمكن للمسلمين أن يتوقعوا من الأوربيين تقديرهم لرسالة الإسلام العالمية إذا كانوا يقدمونه لهم ملوناً بلون عرقي أو قومي. وكما أن المسلمين الأوروبيين يمكنهم أن يستأثروا بإعجاب الجمهور الأوروبي من خلال عرض عالمية الإسلام، فإن أوروبا تعتبر مكانا جيدا لكي يكتشف المسلمون أنفسهم قوّة عالميّة الإسلام وجماله.

يجب على المسلمين أن يكونوا صادقين ويعترفوا بأنّ الكثيرين منهم اكتشفوا الإسلام في أوروبا على نحو مختلف كليا من وطنهم الاصلي، لأنهم هنا في اوروبا يقابلون إخوانهم المسلمين من أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، يبدؤون باحترام التنويع في التجربة والثقافة الإسلامية.

المسلمون الذين يعيشون في أوروبا يمتلكون الحقّ، بل الواجبَ لتطوير ثقافتهم الأوروبية الخاصة للإسلام كبرهان التفاعل الثالث بين الشرق والغرب وكحاجة لعصر نهضة جديد يقود الإنسانية  نحو عالم أفضل وأكثر أمانا.

العالم الإسلامي:

بالرغم من أن شيئا من الغموض يحيط بفكرة العولمة، إلا أن تأثيرها محسوس تقريبا في كافة ميادين الحياة: الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

وينبغي لفكرة الوعي العولمي ألا تكون غريبة على المسلمين. فالإسلام في جوهره دين عالمي وظاهرة عالمية. ومن الملائم جدا أن يقدم المسلمون جدول أعمال للعولمة في الحرية والأمن لأنهم منتشرون في كل مكان على الكرة الأرضية ولذا فإن حريتهم وأمنهم شأن عالمي.

على أية حال، لم يكن المسلمون وحدهم الذين أخفقوا بتقديم تصور أصيل للعولمة، لكنّهم، وبشكل عام، يفشلون الآن بالعيش في ظروف العالم العالمي.

المسلمون ليس لديهم إستراتيجية عالمية؛ وليس لديهم عقل عالمي ولا رأس عالمي؛ وليس لديهم تقويم عالمي موحد ينقذهم من حرج الخلاف حول تحديد موعد عيد الأضحى.

ولسوء الحظ، ينظر إليهم على أنهم يهددون حرية العالم وأمنه؛ لأنهم مَوصومون بالإرهاب العالمي.

إن تهمة الإرهاب التي تلصق ظلما بالمسلمين تحتم على إعلان المسلمين الأوروبيين الموجه إلى العالم الإسلامي أن ينجح في التركيز على ضرورة تغيير الصورة العالمية السيئة للمسلمين إلى صورة عالمية جيدة، خصوصا في ما يتعلق بأمور عقديتهم.

ولابد لنا أن نقول بأنّ مركز الإسلام يجب أن يأخذ الدور الرائد في تقديم توجه عالمي في الأمور العملية في ديننا العالمي؛ وفي قضايا عصرنا العالمية؛ وفي الحوار العالمي مع جيراننا.

ولكن قبل تقديم نصّ الإعلان للمسلمين الأوروبيّين، لابد من بعض التفسيرات لكي نتمكّن من معرفة معني أوروبا للمسلمين الأوروبيّين، وإحساسهم بالإسلام في البيئة الأوروبية، وموقفهم من الانتماء إلى الأمة الإسلامية.

الجـزء الأول

 أوروبــا

قبل كل شيء يجب القول أنّ أوروبا ليست” دار إسلام”، ولا “دار حرب”، بل هي “دار الصلح” أي “دار العقد الاجتماعي”.(The Social Contract)

إن أوروبا ليست “دار الإسلام” لأن المسلمين فيها ليسوا أغلبية، وعليه فلا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية  الكامل فيها، وهي أيضا ليست بدار الحرب، لأنه من الممكن فيها تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية.

وبناء على هذا فإن أوروبا هي دار العقد أوالعهد، وذلك لإمكانية العيش في الإسلام ضمن إطار العقد الاجتماعي “على أساس المبادئ التي يقبل بموجبها الأفراد الأحرار العاقلون ـ وهم يرغبون بتحقيق مصالحهم الذاتية ـ نقطة الانطلاق المتمثلة بالمساواة، على أنها تحديد للنقاط الأساسية لتضامنهم”[1].

إنه ليس من الصعب البرهنة على أن فكرة العقد الاجتماعي أو غيره، أمر له أصوله الشرعية في الإسلام. فلدينا الكثير من الأدلة الاعتقادية والتاريخية الإسلامية التي تشير إلى مبدأ العهد والحلف والاتفاق والذي يقف بمواجهة مبدأ الحرب والصدام وإراقة الدماء.

إن كلمة الإسلام بحد ذاتها تحمل في طياتها معاني السلام مع الله ورسوله ومع سيادة القانون، هذا لأن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: {والله يدعو إلى دار السلام …} (10 : 25) ؛ ويقول عز وجل أيضاً: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} (25 : 63}.

وانطلاقاً من روح هذه الآيات القرآنية، أبرم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع المشركين، ومع اليهود والنصارى في المدينة المنورة ومناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية، وكذلك مع حكام البلاد المجاورة مثل الحبشة وفارس وبيزنطة.

إن هذه الحقيقة التاريخية عن دارالعقد و العهد والاتفاق والتعايش، والتي قدمها المسلمون تعبيراً منهم عن حسن النوايا تجاه الأديان والشعوب الأخرى، قد أحسن تسجيلها وتوثيقها محمد حميد الله في كتابه القيّم: “مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة” ( دار الإرشاد، بيروت، 1389 هـ/ 1969 م).

وكما ذكرنا، فإنه ليس من الصعب البرهنة على صحة نظرية  العهد، لأنه يمكننا وبكل ثقة أن نؤكد بأن هذا يعتبر جزءاً جوهرياً في التعاليم الإسلامية الشاملة وفي التاريخ الإسلامي.

ولكن العقبة التي نواجهها تتمثل في قصرنا إلى التصور الحقيقي للعقد الاجتماعي الذي يمكن تطبيقه ضمن سياق البيئة الأوروبية، والذي سيضمن المكانة الشريفة للإسلام بصفته أسلوب حياة في أوروبا، وللمسلمين باعتبارهم مواطنين أوروبيين.

أولاً:، يجب علينا أن ندرك بأن أوروبا دار سلام لا دار حرب.

ثانياً:، يجب علينا أن نعرف القضايا التي ينبغي إدراجها في إطار العقد الاجتماعي.

ثالثاً:، يجب علينا أن ننشئ منظمة أو مؤسسة يمكنها أن تقدم الإسلام على أنه دين عالمي والمسلمين على أنهم مواطنون أوروبيون صالحون.

 إن معني العقد(Contract) الذي يصيغه الناس هو شيء يمليه منطق العقل، بينما الميثاق(Covenant) تجسيد لقوّة الايمان، ولذا نُعَرِّفُ المسلمَ بأنه إنسان عاهد الله عليه باعتبار ذلك عملا تجسده قوّة الإيمان (الميثاق)، بينما نعرّف المواطن أنه رجل عليه واجب تجاه الدولة باعتبار ذلك عملا يمليه عليه عقله (العقد)، ومن خلال الميثاق يتجه قلب الإنسان لربّه ويحصل له الإطمئنان الداخلي ومن خلال العقد يعطي الدولة عقله ويتلقى بذلك الأمن الاجتماعي، شأنه في ذلك شأن أي واحد من سكان أية مدينة، فالمواطن له حقوق وامتيازات الرجل الحر، وهو عضو في الدولة سواء كان مواطنا بالميلاد أو بالتجنس، وهو مدين للدولة بالإخلاص وله عليها حق توفير الحماية له.

 إن أوروبا بوصفها دار العقد تفتح الطريق أمام الحوار الصادق ليس مع النصارى فحسب بل مع المجتمع الأوروبي (أو الغربي) بأسره، ولتأكيد ذلك الأمر يقول جل وعلا: {أُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

هذا المبدأ القرآني يقرر بأن الحوار بين الأديان والثقافات يجب أن يكون مؤطراً وعادلاً وعلمياً وهادفاً وشاملاً وذا معنى، ومن أجل تحقيق هذا المستوى في التخاطب مع المجتمع الأوروبي يتحتم علينا أن نفهم فلسفة أوروبا وثقافتها وسياسيتها المعاصرة.

ففلسفة أوروبا ترتكز على منطق العقل والعلوم التجريبيّة، وثقافتها مأخوذة من التجربة النصرانية في معظمها، وسياستها تستند إلى فكر البقاء للأصلح.

هذا الفهم المطلوب لاوروبا ليس القبول لكل ما هو اوروبي، بل العكس هو الصحيح، إذ يؤدي عدم الفهم إلى قبول الأشياء التي يجب رفضها.

وفضلاً عن ذلك فإن الجهل بحقيقة مختلف أبعاد المجتمع الأوروبي يجعلنا غير قادرين على التمييز بين الصالح والطالح والمفيد والضار من المنتجات الأوروبية المتاحة لنا للإستهلاك.

في الحقيقة فأن درجة معرفة أوروبا (والغرب عموماً) بالمسلمين أكبر من مستوى إرادتها في قبولهم، بينما يقل مستوى معرفة المسلمين بأوروبا عن مستوى استعدادهم لقبولهم لها، وهذا هو التباين الأساسي بين النظرة الأوروبية للإسلام والنظرة الإسلامية لأوروبا أوبعبارة أخرى، عدم توفر الإرادة الأوروبية لقبول المسلمين على حالهم الراهنة، بجانب عدم توفر المعرفة للمسلمين عن أوروبا كما هي عليه الآن.

يلاحظ المرء أن أوروبا مستعدة للتسامح مع الإسلام في دارها لكنها غير مستعدة حتى الآن لقبول المسلمين في حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن ناحية أخرى يقبل المسلمون أوروبا على شكلها الحالي لكنهم لا يقومون بما هو كاف لزيادة مستوى معرفتهم بالبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية في أوروبا التي يمكن أن تغير وضعهم في المجتمع الأوروبي.

وإذا قبلنا مفهوم دار العقد لأوروبا كما يراها المسلم الحقيقي بوصفه مواطناً أوروبياً صالحاً، فإنه يستوجب علينا أن نعرف ما هي القضايا التي تهمنا لجعل المفهوم عملياً. ينبغي أن نعرف القضايا التي توجد نوعاً من الشد والجذب بين الإنتماء الإسلامي والمواطنة الأوروبية..؟ وهل هذه القضايا ذات صفة سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أم دينية..؟

أنه القول الصحيح أن يقال إن القضايا تتسم بكل الصفات المذكورة أعلاه، فعلى الجانب السياسي يجب أن يعرف المسلمون في أوروبا حقوقهم الإنسانية  لا سيما فيما يتعلق بتمثيلهم أمام الآخر، ينبغي أن يصرّ المسلمون على إزالة كل جوانب الكراهية في وسائل الإعلام المتحيزة ضد الإسلام والتي دعمتها بقوة المؤسسة السياسية الأوروبية وأعني بهذا الأمر الشعور المناهض للإسلام والذي نجم عن عدم التسامح السياسي والكراهية العنصرية.

إن علي أوروبا أن يتقبل القيم الإسلامية التي تدعو إلي التسامح بين الأديان و أن تعترف بقيمة العَرَقِ الذي سال من جباه العمال والمفكرين المسلمين في سبيل بناء أوروبا الحرة الغنية، حيث إن أوروبا ليست مدينةً تاريخيا فحسب للمسلمين فيما يتعلق بحريتها وازدهارها، بل إن مساهمة المسلمين المعاصرة في تطوير وتقدم أوروبا هي التي تعطينا الحق في أن نقول إن أوروبا مدينةٌ لنا فعلاً بالكثير جداً، وعلى الجانب الاقتصادي يجدر بنا أن نطالب بتساوي الفرص وذلك لتحقيق قدر معقول من النمو الاقتصادي للجماعة الأوروبية الإسلامية، ومن هنا فمن الطبيعي أن ترتبط القضايا الاقتصادية ارتباطاً عضوياً قوياً بقضية التعليم و التربية التي يجب أن تكون محور اهتمامنا الأول، حيث “تدل كلمة التعليم و التربية على جملة التأثيرات التي تتمكن الطبيعة أو الأشخاص الآخرون من ممارستها سواء على عقولنا أو على إرادتنا وتشمل حتى التأثيرات غير المباشرة على شخصيات وعقول الرجال والتي نجمت عن أشياء لها هدف مختلف تماماً، سواء بسبب القانون أو بنوع الحكومات أو بالفنون الصناعية، وحتى بفعل الظواهر الطبيعية مثل المناخ والتربة والمنطقة والتي ليس للإرادة البشرية سلطان عليها.

يذكرنا تعريف التعليم هذا بأربع حقائق يتحتم علينا معرفتها وهي:

أولاً: ما الأشياء التي يجب أن نفعلها حتى نتمكن من التأثير على عقول أطفالنا؟

وثانياً: يجب أن نكون مدركين للأشياء التي يفعلها الآخرون من أجل التأثير على شخصيات وعقول أبنائنا.

وثالثاً: يجب أن نكون ملمين بقوانين وأنماط الحكومات الأوروبية التي تسهم بصورة غير مباشرة في تشكيل عقول أطفالنا.

ورابعاً: ينبغي أن ندرك الظواهر الطبيعية في أوروبا وذلك حتى يتسنى لنا أن نتفهم الاحتياجات الثقافية والاقتصادية للجماعة الإسلامية الأوروبية.

ولذا، وقبل أن نطلب من الآخرين القيام بالمطلوب منهم تجاهنا، يجب علينا أن نقوم بأنفسنا بالقيام بما هو مطلوب منا في مجال التعليم و التربية.

علينا أن نعمل على إعداد برنامج تعليمي وتربوي واضح وشامل نراعي فيه ضرورة ارتكازه على المبادئ الجوهرية لروح ديننا باعتبار ذلك عملاً من إرادتنا بجانب ارتكازه على واجباتنا وحقوقنا الأساسية كمواطنين أوروبيين، وفي إطار التوافق التام بين هذين المطلبين أرى الحاجة لتطوير مفهوم دار العقد والذي ينبغي أن يطبق في أوروبا.

وفيما يتعلق بالقضايا الدينية، فإنها تعتمد بدرجة كبيرة على القضايا المذكورة أعلاه والمرتبطة بالسياسة والاقتصاد والثقافة، ولأن ديننا هو منهج حياتنا فإن القضايا الدينية لا يمكن عزلها عن حياتنا، فبناء أي مسجد في أوربا يعد قضية دينية لكنه لا يتم حلها دون الإرادة السياسية للحكومات الأوروبية، وكذلك لا تتم المحافظة عليه دون المقدرة الاقتصادية للجماعة الإسلامية كما أن المسجد لا يؤدي وظيفته دون توافر التسهيلات التعليمية و التربويّة.

ينبغي ألاّ نحصر شؤون المسلمين في القضايا الدينية فقط، بل يجب أن توسع لتشمل القضايا الاجتماعية، كذلك يجب أن يُعامَلَ دينُنا بوصفه شيئا طبيعياً وقانونياً ووفق مبدأ حرية الضمير والاعتقاد، لكن مما يؤسف له أن أوروبا حتى الآن لم تمنح الإسلام وضعه الطبيعي كباقي الأديان، بل على العكس تماماً لا يزال للإسلام وضع الغريب أو وضعٌ خاصٌ يتم التسامح فيه معه، فهو لا يُقْبَلُ كممثل مساوٍ للأديان الأخرى ضمن التراث الروحي الأوروبي العام على الرغم من أن الإسلام يحتل اليوم المرتبة الثانية بعد النصرانية في العديد من البلدان الأوربية.

هذا ويواجه المسلمون الأوربيون اليوم صعوبات كبيرة في سبيل المحافظة على هويتهم نظرا لعدم توفر الإرادة لدى بعض الحكومات الأوروبية لتنظيم احتياجاتهم الدينية وحقوقهم الاجتماعية حيث يتوقع الناس من المسلمين أن ينسجموا تماماً مع شرائح المجتمع وأحياناً كثيرة للمدى الذي يفقدون معه هويتهم الإسلامية، وبصفة عامة يتكون لديَّ انطباع عام عن الإعلام الغربي مفاده أن المسلم لن يكون مواطناً أوروبياً صالحاً إلا إذا تنكر لأصله الإسلامي، وإذا لم يفعل ذلك فسوف يواجه الاتهام بأي شيء يحدث في العالم الإسلامي وكأن تلك الجريمة اقترفها بنفسه.

وبسبب هذا الانطباع نجد أن حالة وأوضاع شؤون المسلمين في أوروبا ليست دينية فحسب لا سيما الجانب المتعلق بأخلاق الشخصية الإسلامية، بل إنه في العديد من الحالات نجد أمورهم سياسية بصفة غالبة، الأمر الذي يجعلهم يعيشون بصورة دائمة تحت هاجس الخوف وعدم الاطمئنان، ولذا لابد أن يبعد الإسلام عن التأثير السياسي حتى يكون ديناً عالميا هدفه الأساسي هو تعليم اتباعه ممارسة السلوك الحسن في المجتمع الدولي وهذا لا يعني بطبيعة الحال وجوب ألا يُلِمَّ المسلمون بسياسة ذلك المجتمع الدولي، بل العكس من ذلك ينبغي أن يتسلح المسلمون بمعرفة السياسة الدولية حتى يتمكنوا من إنقاذ دينهم من التسييس السيئ.

واستنادا لما ذكرناه آنفا نكون قد وضعنا أصابعنا على أهم قضية للإسلام في أوروبا وهي تحديداً قضية التمثيل والمؤسسات، إذ ينبغي أن يكون معلوماً في بادئ الأمر أن هناك حوالي ثلاثين مليون مسلم يعيشون اليوم في أوروبا يمثلون ثلاث مجموعات هي تحديداً:

  • مجموعة المسلمين الأصليين.
  • مجموعة المهاجرين.
  • مجموعة المولودين و المعتنقين المسلمين الجدد في أوروبا.

نعني بالمجموعة الأولى المسلمين الذين لهم خلفية تاريخية طويلة في أوروبا مثل مسلمي البوسنة وألبانيا وكوسوفا ومقدونيا وبلغاريا.

ونعني بمجموعة المهاجرين المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا بوصفهم طلاباً أو عمالاً أو موظفين ثم استقروا بصورة دائمة ويتركز هؤلاء في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا.

ونعني بمجموعة المولودين والمعتنقين المسلمين الجدد في أوروبا جيل الشباب الذين ولدوا في أوروبا من أبوين مهاجرَيْن والذين اعتنقوا الاسلام.

تشترك هذه المجموعات الثلاث في شيء واحد هو الانتماء إلى الإسلام لكنها تختلف من حيث تجاربها الإنسانية  وتوقعاتها في الحياة، فالمجموعة الأصلية تحمل على كاهلها عبئا ثقيلاً من التاريخ وتتوقع أن تحظى بالدعم في نضالها من أجل استمرارها الديني والثقافي في أوروبا.

أما مجموعة المهاجرين فإنها تبذل كل الجهود الممكنة من أجل أن تجد لنفسها موطأ قدم في أوروبا وتتوقع أن تتغلب على وضع الغربة الذي تعيشه في أوروبا.

وأخيراً مجموعة المسلمين المولودين في أوروبا و المعتنقين الجدد يعيشون حالة جهد للمحافظة على هويتهم الإسلامية في وجه التحديات البيئية الأوروبية في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة.

ما الذي يمكن أن يتم القيام به حتى تصبح قيم الإسلام العامة أرضاً مشتركة لكل المسلمين في أوروبا؟

انه يتوجب علينا في هذا الوقت بالذات أن ندرس بصورة جدية طريقة جعل كل من وجود الإسلام كدين عالمي والمسلمين كمواطنين دوليين أمراً مؤسسياً أملاً أن يكون واضحاً لكل إنسان أن التمثيل الطوعي للإسلام والمسلمين في أوروبا  يعدُّ أمراً مُضَلِّلاً باعتباره شيئاً ضد كرامة المسلم والسلام في أوروبا، الحقيقة لا يكفي أن تعترف أوروبا بوجود الإسلام على أراضيها لأن المسلمين يستحقون أكثر من مجرد الاعتراف، بل يريدون أن يكون الاعتراف بهم قانونياً بحيث يسمح ذلك بإيجاد المناخ السياسي والاقتصادي الذي يُمَكِّنُ المسلمين من أن يمثلوا أنفسهم عبر المؤسسات التي ينبغي أن تحظى بالدعم الحكومي والقبول الشعبي، إذ إن وسائل الإعلام تجرح مشاعرنا من خلال إصرارها على عرض الإسلام في أوروبا بصورة الإرهاب وربطه بالمسلمين.

الجـزء الثاني

الإسـلام

يوجد أسباب كثيرة تجعل من منزلة الإسلام في أوروبا قضية بالغة الأهمية، إن رؤية أوروبا نفسها على أنها قارة مسيحية ليست رؤية صحيحة، لا حقيقياً ولا تاريخياً.

فالتاريخ يشهد أن المسلمين واليهود يعيشون في أوروبا منذ قرون عديدة، ولقد قدم كلاهما مساهمات هامّة في الحياة والثقافة الأوروبية.

على أية حال، فإن دخول الإسلام إلى دول البلقان وشبه الجزيرة الأيبيرية (أندلوسيا) ترك ذكريات مرّة من المعاناة والكراهية.

وبالرغم من أن المسلمين واليهود في أوروبا عاشوا تاريخا مختلفا، إلا أنهم كانوا مشتركين في التعرض للتمييز والاضطهاد العنيف الذي ما يزال مستمرا إلى يومنا هذا.

ولسوء الحظ، فإن المسلمين أنفسهَم كانوا دائما عاجزين عن عرض قضيتهم بالأسلوب الذي يفهمه ويتقبله الجمهور الأوروبي.

فأحيانا، كان الإسلام يُقدَّم بأسلوب معقّد أكاديميا مما يجعل فهمه صعبا عند العامة.

وأحياناً أخرى كان يقدّم بأسلوب مبسّط للغاية بحيث لا يستطيع الوصول إلى قلوب الصادقين.

إن صعوبة الفهم الواضح للإسلام وفقدان التوجه السليم عند المسلمين الذين يعيشون في أوروبا يخلقان سوءَ فَهم غيرَ ضروري وفقدان الثقة المتبادلة بين الإسلام وأوروبا، مما يؤدي غالبا إلى شعور أليم.

على الرغم من هذا، فإن مستقبل أوروبا سيكون في تعدد الأديان من بينها الإسلام. لذا، كلّما أسرعنا في إدراك الحاجة المستعجلة للتغلّب على تاريخ العداوة فسيكون الحال أحسن لكل من الإسلام وأوروبا.

يجب على المسلمين أن يعطوا مكانا كافيا في فكرهم للتاريخ الأوروبي، كما يجب على الأوربيين أن يدركوا بأنّ للإسلام تاريخاً في أوروبا ويأخذوا في الحسبان حقيقة أنّ المسلمين يمثلون نسبة من السكان لا يُستهان بها في العديد من البلاد الأوروبية.

هذا هو الأمر الأشد إلحاحاً، كمظاهر الإجحاف الموجود حالياً ضدّ الإسلام والتي تتغذى بشكل مستمر من قبل مزيج الأحداث السياسية ولاختلافات الثقافية والتجاهل المتعمّد.

بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نعلم بأنّ الدين ليس فكرة مجرّدة أو اعتقاداً بسيطاً.

الدين أحد العوامل الأساسية المهمة جدا التي تشكّل هويّة الناس أفراداً ومجموعات، لذا، من واجبنا أن نجد الطريق لتسخير إمكانية الأديان لتحفيز المؤمنين على الكفاح من أجل السلام والعدالة والتسامح في شتى جوانب الحياة اليومية.

منذ عقود والإسلام يشغل المكانة المركزية في الشرق والغرب على حد سواء؛ فالإسلام في الشرق يمثل مركز الإثارة والجابية، بينما يُعتَبَر في الغرب مركز الاهتمام والدراسة.

فالشرق يعتقد أن الإسلام هو الحل، بينما يرى الغرب المشكلة في الإسلام نفسه.

وفي الشرق يزعم الناس أنهم يدافعون عن الإسلام ضد أعدائه، بينما يظن بعض الناس في الغرب أن الإسلام خطر يهدد أسلوب حياتهم؛ إذن فقد أصبح الإسلام في الشرق كلمةً إعجازية، وفي الغرب معضلة صعبة.

وفي الحقيقة فإن أحد أكبر التحديات في عصرنا هذا هو: كيف التوصل إلى فهم هذه الكلمة الإعجازية القادمة من الشرق، وإلى حل لتلك المعضلة التي يواجهها الغرب؟

إنها ليست المرة الأولى التي يعجز فيها الغرب عن فهم روحانية الشرق، كما أنها ليست المرة الأولى التي يفشل فيها الشرق في فهم منطق الغرب.

فمثلاً كان بإمكان “الاسكندر المقدوني” أن يصبح ملكا على الشرق كله لو أنه أبدى مِنَ الصبر ما يعينه على حل العقدة الغوردية (Gordian Knot) بدلاً من أن يقطعها بسيفه.

وكان باستطاعة “حسن بن إسماعيل” ملك “غرناطة” أن يبني الكثير من “قصور الحمراء” في أوروبا لو أنه احترم الاختلاف في نمط العيش الأوروبي الديني والثقافي كما فعل أسلافه على مدى قرون عديدة.

ومن جهة أخرى فقد مضى المئات من السنين قبل أن تقبل أوروبا الفكر الفلسفي للفيلسوف الكبير ابن رشد، بينما انتظر كتاب “روح القانون” لمونتسكي[2] طويلا قبل أن تتم دراسته في الشرق بصورة جدية.

إن هذه الأمثلة التاريخية توضح جليا أن الشرق والغرب كانا دائما في عملية تفاعل جدالي غالبا ما ساعدهما في تحويل المسار التاريخي نحو ظروف أفضل للبشرية.

لقد حدث التفاعل التاريخي الأول بين الشرق والغرب في بغداد وحدث التفاعل الثاني في الأندلس.

ففي بغداد، جمع الخليفة المأمون عقول الشرق والغرب ليقوموا بترجمة الحكمة الإنسانية  في ذلك الوقت.

وفي الأندلس، كان المثقّفون الغربيون يزورون الجامعات الإسلامية لدراسة العلوم الإنسانية فكانت النتيجة نشوء عصر الإنسانية الأوروبية (Humanism) وعصر النهضة (Renaissance).

نحن الآن نقف على عتبات التفاعل التاريخي الثالث بين الشرق والغرب الذي يجب أن يشتغل بما يمكن تسميته ظاهرة بغداد الاخيرة.

ومن الطبيعي أنه لم يكن دائما من السهل على الغرب أن يفهم روحانية الشرق، كما أنه لم يكن من اليسير على الشرق أن يتقبل منطقية الغرب، ولكن في النهاية لم يكن أمام الغرب من بد إلا أن يقبل بدين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ذلك الدين الذي وصل إلى أوروبا من الشرق، كما أنه لم يكن بإمكان الشرق أن يتهرب من المشي في الطريق الذي أتاه من الغرب لينتقل به منطق القوة إلى منطق القانون، ومن الاساطير المرويّة إلى العلوم التجريبيّة، ومن  مبدإ العبودية إلى مبدإ الحرية ومن فكرة الدولة كالنظرية البحتة إلى الدولة كالكيان الشرعي و التشريعي.

ولكن من الملاحظ أن التوترات الجدلية القائمة حاليا بين الشرق والغرب تختلف عن تلك الأمثلة التاريخية التي أوردناها، فالغرب لم يعد ذلك الغرب الذي عَهِدنا: دولا أوروبية وأمريكية لا شيوعية، كما أن الشرق لم يعد منطقة البلاد الشيوعية التي تدور في فلك الاتحاد السوفيتي. إن الغرب اليوم يرى نفسه دولا أوروبية وأمريكية لا إسلامية، والشرق يقدَّم في أحد وجوهه على أنه دول إسلامية في الشرق الأوسط أو دول غير مسيحية ذات قيم مخالفة للقيم الغربية.

وأفضل الأمثلة على ذلك تركيا التي تعرَّف على أنها دولة غير مسيحية ولذا فهي لم تزل خارج الاتحاد الأوروبي.

وإلى جانب هذا، يرى الكثيرون من المفكرين الغربيين أن الإسلام اليوم يمثل بالنسبة للغرب ما كانت تمثله الشيوعية بالأمس: عقبة ضخمة وتهديدا حقيقيا لنمط الحياة والحضارة الأوروبية.

وفي الغرب يعتقد البعض أن الحوار بين الإسلام والغرب مضيعة للوقت، ولذا فإن الأسلوب الوحيد لتعامل الغرب مع الإسلام هو منطق القوة لا قوة المنطق.

وفي المقابل، نجد في الشرق من يعتقد أن الغرب عدو تاريخي للإسلام ولذا يجب على المسلمين أن يحاربوا الغرب، إنهم يظنون أنه لا مكان البتة للحوار بين الإسلام والغرب وأنه لا يوجد بين هذين العالمَيْن– حسب منطقهم –  سوى لغة التضاد.

إن الصعوبة التي نواجهها أمام وجهات النظر المذكورة آنفا تكمن في حقيقة أنّ أولئك الذين يروّجون لفكرة الصراع الديني والثقافي يتخذون من الإسلام نقطة البداية لفكرتهم حول صراع الحضارات، ولكنهم ينسون، على أية حال، أن الإسلام ليس أيديولوجية شيوعية وأن العالم الإسلامي ليس مثل الاتحاد السوفيتي السابق.

إنّ الإسلام طريقة حياة تتوافق مع طريق العقل العام وحشمة الإنسان سواء في الغرب أو في الشرق.

كما أن العالم الإسلامي يمثل تنوعا عظيما من الأمم والثقافات التي توحدها فكرة المودة الإنسانية  في الشرق والغرب على حدٍّ سواء.

وبالاستناد إلى ما قيل فإن المرء ربما يميل إلى الاعتقاد بأن الإسلام مستهدف في الشرق كما هو مستهدف في الغرب، فلماذا؟

أولاً: لأن الشرق قد بلغ به الضعف حدا يجعله غير قادر على الالتزام بالمُثُل الإسلامية كالحرية والديمقراطية وحقوق إنسان؛ أما الغرب فقد بلغت به الغطرسة مبلغا يمنعه من الاعتراف بالصدق الإسلامي في المبادئ الأخلاقية.

ثانياً: لأن الشرق ضيّق الأفق بحيث لا يسمح لروح الإسلام العالمية أن تتغلب على العقلية العشائرية؛ بينما الغرب تمنعه كراهيته الشديدة من الآخر من الاعتراف بحقيقة أنّ الإسلام جار له لا ينوي الرحيل.

ولسوء الحظ، فإن الرؤية المتطرّفة عند بعض الناس في الشرق والغرب، تختزل الإسلام إلى شيء يشبههم، فهم بذلك يخنقون الإسلام على أنه إيمان وحرية اختيارٍ للخير ضد حرية الاختيار للشر، ويخنقون المسلمين على أنهم أناس محبون للحرية.

إنهم، على أية حال، ينسون أن الإسلام ليس حجرا على جنس معيّن أو لون أو جنسية وأن المسلمين مؤهّلون لتمتع بما وهبهم الله من الحرية والديمقراطية الشريفة وحقوق الإنسان المشروعة.

ويجب ألا يُعَامَلَ المسلمون كأطفال قاصرين وعاجزين عن تحمّل مسؤولية الحرية وتحدي الديمقراطية وشرعية حقوق الإنسان.

فالإسلام لم يكن أبداً سبباً لإلغاء الحرية أو الحجر عليها؛ بل على العكس تماماً، فالإسلام علّم البشرية أنه لا إكراه في الدين، بل الحرية كلها، لأن الكذب لا يمكن فرضه والحقيقة لا تحتاج للقوة.

لذا فالسؤال الآن: من الذي يفرض الكذب ومن يحتاج القوة من أجل الحقيقة؟ من الواضح أن الذين يعتقدون بأن القوة تصنع الحقّ هم الذين يميلون إلى فرض الكذب، والذين يعتقدون بأنّهم يمتلكون الحقّ يميلون إلى فرض حقيقتهم فقط.

وأكرر فأقول إن الإسلام يُستَغَلُّ ويساء استخدامه من الشرق والغرب على حد سواء، فلماذا؟

أولاً: لأن الشرق يدعي الدفاع عن الإسلام، لكن الشرق في الحقيقة، يستغل أو (يسيء استخدام) الإسلام لتغطية عيوبه الخاصة، وهكذا، فالحقيقة المرّة أنّ الإسلام يُستعمَل للدفاع عن المسلمين بدلا من أن يكون المسلمون مثالا يحتذى في الدفاع عن الإسلام.

أما الغرب، فهو أيضاً يستغل الإسلام (أو يسيء استخدامه) ليظهر للرأي العام الغربي أنّ العدو قد وجد وأنّ العالم يجب أن يثق بالأبطال الغربيين الذين يبحثون عن أسلحة الدمار الشامل.

وثانياً: إن الشرق والغرب يَستَغلان الإسلام ويسيئان استخدامه لكي يبيّنا بأنّ الإسلام، الذي يمثل منهاج حياة لأكثر من مليار مسلم، هو العقبة الكأداء التي تقف في الطّريق نحو علاقة أفضل بين الشرق والغرب.

إنّ أولئك الشرقيين الذين يعتقدون بضرورة عدم التحاور مع الغرب يقولون بأن الغرب شيطان، ولذا فالذين يعيشون في الغرب محكوم عليهم بالذهاب إلى الجحيم ولإثبات ذلك فإنهم يستغلون، بل يسيئون استعمال اسم “الإسلام”.

وبنفس الطريقة، يعتقد بعض الناس في الغرب أنّ الإسلام فكرة جاءت من المشرق، ولذا فهي فكرة غير مقبولة لدى الغرب لمجرد أنها فكرة شرقية.

إنهم، على أية حال، لا يريدون معرفة أن هذا الإسلام هو الذي حفظ لهم تراثهم الثقافي الإغريقي وأن الإسلام هو الذي حفظ لهم دينهم بتصديقه للرسالات والكتب السماوية مثل التوراة والإنجيل، لذا، فالناس في الغرب الذين صعب عليهم أن يعالجوا أنفسهم من مرض الخوف من الغير قد استغلوا بل أساؤوا استخدام الإسلام ليروجوا لكراهية الإسلام في الغرب.

وفي الحقيقة نحن بحاجة ماسة لكي نقِرّ بأن الإسلام فوق الشرق والغرب، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: لأن الإسلام إيمان ودين؛ ثقافة وسياسة؛ بشر وأرض؛ شرق وغرب؛ إن هذا المعنى المزدوِج متلازم مع المعنى الكامل للإسلام لأن الإسلام إيمان عميق في قلب الفرد ودين سهل التمييز في الضمير الجماعي؛ الإسلام ثقافة فريدة للعالم وسياسة واقعية للكرة الأرضية؛ الإسلام عدد ضخم من الناس منتشرين في شتى أرجاء العالم وأرض واسعة الامتداد في قلب الكوكب؛ الإسلام نموذج في الشرق لا يمكن محوه، وحضور في الغرب لا مفر منه.

ثانياً: الإسلام فوق الشرق والغرب استنادا إلى قوله تعالى:

{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة، 177).

وثالثاً: الإسلام فوق الشرق والغرب لأن اليهود والنصارى والمسلمين يشتركون في الاعتقاد بالإله الواحد الذي خلقنا كلّنا من نفس واحدة ثمّ نثرنا كالبذور أناسِيَّ لا نقدر على حصرها؛ إنهم مشتركون في نفس الأبّ آدم ونفس الأمّ حواء؛ ومشتركون بالهواء الذي يتنفّسون وإشراق الشمس الذي يرون كلّ يوم؛ ومشتركون في إيمان إبراهيم عليه السلام وسفينة النجاة التي بناها نوح عليه السلام؛ ومشتركون في حبّهم لمريم العذراء واحترامهم لابنها المسيح عيسى عليه السلام؛ ومشتركون في القصص الحقيقية عن موسى عليه السلام وقومه الموجّهون إلهيا عبر صحراء سيناء؛ ومشتركون في الكلام المبين للقرآن الكريم والحياة النموذجية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم ليس لهم خيار سوى قبول أخلاق المشاركة كطريق صحيح نحو مستقبل أفضل للجميع.إعلان المسلمين الأوروبيين المسلم إعلان المسلمين الأوروبيين 706382 0

وبناء على ما قد قيل، فإنه من الواضح أن الإسلام سيبقى دائما فوق الشرق والغرب. وسيواصل الشرق دعوته للمثل العليا وسيواجه الغرب واقع علاقته بالإسلام والمسلمين.

ويجب على المسلمين الأوروبيين أن يجدوا مكانهم للبقاء في أوروبا ضمن سياق مُثُل الإسلام العليا وواقعيته.

وبينما يتخذ الإسلام موقعه فوق الشرق والغرب، فالمسلمون ليسوا كذلك، أي أنهم ليسوا فوق الشرق والغرب ولا حتى بين الشرق والغرب.

هم الآن في وسط كلّ هذا وذاك، وبالطبع، يمتلك المسلمون الأوروبيون الحقّ بالتمسك بِمُثل الشرق، ولكنّهم ملزمون بمواجهة واقع الغرب أيضاً.

وليست حقائق الغرب هي فقط القاسية، بل إن مُثُل الشرق لم تعد كما كانت عليه في السابق.

وفي الحقيقة، إن المسلمين الأوروبيين قادرون الآن على أن يجعلوا من بعض مثُل الشرق واقعا في كلٍّ من الشرق والغرب، وهذا – في الحقيقة – يعتبر المهمّة الأكثر صعوبة لمسلمي اليوم، أن يكونوا الطليعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أيضا الطريق الصحيح للأمة لكي تستعيد كرامتها في زمان اليأس، وهنا تكمن قوّة التعليم الأخلاقي للإسلام – في نظرته الأخلاقية الواسعة التي تجيء من فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الفكرة التي منها قد تشتقّ الأولويات الأخلاقية التالية:

إقرأ وتعلّم!

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العَلَق،1)

وهذا يعني أن الوحي لم يبدأ بأولوية الإيمان، بل بأولوية المعرفة .فالله عز وجل لم يسأل محمدا صلى الله عليه وسلم أن يؤمن، بل طلب منه أن يقرأ ويتعلّم بما يؤمن وكيف يؤمن، هذا لأن الإنسان يولد على الفطرة، فلا توجد حاجة أن يطلَب منه الإيمان لأنه مغروس في روحه؛ لكن هناك حاجة لتذكير الرجل بأنّه يجب أن يقرأ ويتعلّم الإيمان الموجود في روحه.

لذا فالإنسان يحتاج لمعرفة مع الإيمان إضافة إلى إيمان مع المعرفة وهنا يحتاج كل من الشرق والغرب للإسلام ليعلمهم، الشرق لمزاولة المعرفة والغرب لتقدير الإيمان.

آمن واعمل بجدّ

{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (التوبة، 9)

الإنسان لا يعيش في عالم من الروحانية الخاصة البعيدة عن المادة، ولا في عالم مادي صِرْفٍ بدون روح.

إنّ سرّ النجاح يكمن في جمع الإنسان لهذين الجانبين في نفسه، أي الروح والجسد، وبعبارة أخرى، إن غرض حياة الإنسان في نشاط روحه وذلك الإيمان، وفي نشاط جسمه وذلك العمل الشاقّ.

ولن يستعيد المسلمون كرامتهم إلا إذا تعلموا كيف يقيمون التوازن بين قوتي التقدم هاتين: إيمان القلب وعمل الجوارح.

وفي الوقت الحاضر يوجد تناقض كبير بين القلب الإسلامي والجوارح الإسلامية؛ كما توجد فجوة كبيرة بين الإيمان الإسلامي والعمل الإسلامي، ولن تكون هنالك كرامة إسلامية ما لم تُردم هذه الفجوة بتضافر إيمان القلب وجهد العقل.

كن تقياً وأحسن إلى والديك

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا …}(الإسراء، 23)

هذا تأكيد قرآني على العلاقة بين عبادة الله وبر الآباء و رسالة قوية لكلٍّ من الشرق والغرب.

فالرسالة إلى الشرق ألا يستسلم للضغوط التي تطالبه بالتخلّي عن القيم العائليّة؛ والرسالة إلى الغرب أن يتوقف عن التلاعب الخطير بمستقبل الإنسانية؛ إذ لا يوجد بديل لمؤسسة الأسرة.

وقضية القيم العائليّة ليست مجرد مطلب أخلاقي للمجتمع الإنساني، بل هي أيضاً شرط أساسي لبقاء البشرية، إن محاولة كسر القانون العام للحياة العائلية تعادل محاولة كسر القانون العام لطبيعة شروق الشمس من الشرق.

كن شريفا وناضل من أجل حقوقك

{وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ …} (الحج، 78)

إن النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة لا يحدثان تلقائيا، بل يجب على المرء أن يسعى إلى تحقيق النجاح، ويجب على المرء – في هذه الحياة الدنيا – أن يكافح من أجل حقوقه، كما يجب عليه أن يعمل من أجل النجاة في الآخرة؛ أي يجب عليه أن يستحقّ رحمة الله.

إنّ الاختلاف بين الشرق والغرب يتمثل في أن الشرق يعوّل أكثر على رحمة الله من اعتماده على العمل الشاقّ، بينما يعتمد الغرب على العمل الشاقّ أكثر من اعتماده على رحمة الله.

كن مدركا لغدك

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} (الحشر، 18)

تقدم هذه الآية الكريمة برهانا واضحا بأنّه يحق لنا، بل ويجب علينا أن نخطط لمستقبلنا وأن نؤمن بأنّ مستقبلنا يمكن أن يكون أفضل من ماضينا.

ومن الغريب جدا كيف توصل البعض إلى فكرة أن المستقبل الإسلامي ميؤوس منه وأن الأمل موجود فقط في الماضي الإسلامي كطريقة حياة وهدف تاريخي.

هذه الفكرة ليس لها أساس في الإسلام. فقد علَّم الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى}، لكن المنطق العامّ يخبرنا بأنّنا لا نستطيع تغيير ماضينا، لكن يمكننا – بعون الله – صياغة مستقبلنا.

لذا، فنحن لسنا مسؤولين عما مضى من تاريخ المسلمين، لكنّنا مسؤولون عن التاريخ الإسلامي المستقبلي، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (البقرة، 141).

لذا، يجب أن لا يخشى المسلمون من التفكير في مستقبلهم بنفس القدر الذي لا ينبغي لهم فيه أن يكونوا أسرى لماضيهم. فالمسلمون لديهم مستقبل لأنهم يؤمنون بالله، ولديهم إيمان بالله لأنهم يعتقدون بأنّ الحقيقة والعدالة ستسودان.

الجـزء الثالث

الأمّـة الإسلامية

(العالم الإسلامي)

الأمة الإسلامية هي مجتمع إسلامي عالمي يوحده الإيمان بالله الواحد وبالرسالة الخاتمة التي جاء بها محمد “صلى الله عليه وسلم”.

يعتقد المسلمون بأنّ الأمة وريث شرعي للرسالات المتعاقبة من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم مروراً بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من النبيين عليهم السلام.

فالإسلام دين شامل لأنه يعترف بوجود الشرائع الأخرى، وهو يلزم أتباعه، ذكورا وإناثا، بالترويج للاحترام المتبادل بين أتباع الشرائع السماوية، لذا، فالإسلام بطبيعته دين عالمي.

وبالرغم من أن شيئا من الغموض يكتنف مفهوم العولمة، إلا أن تأثيرها محسوس تقريباً في كافة ميادين الحياة: الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

وينبغي لفكرة الوعي العالمي ألا تكون غريبة على المسلمين، فالإسلام في جوهره دين عالمي وظاهرة عالمية.

ومن الملائم جداً أن يقدم المسلمون جدول أعمال للعولمة في الحرية والأمن عالمي لأنهم منتشرون في كل مكان على الكرة الأرضية ولذا فإن حريتهم وأمنهم شأن عالمي.

 لم يخفق المسلمون بتقديم تصور أصيل للعولمة و حسب، لكنّهم، وبشكل عام، يفشلون الآن بالعيش في ظروف العولمة.

للاسف، فالمسلمون اليوم ليس لديهم إستراتيجية عالمية؛ وليس لديهم عقل ورأس عالمي؛ وليس لديهم تقويم عالمي موحد ينقذهم من حرج الخلاف حول تحديد موعد عيد الأضحى. ولسوء الحظ، ينظر إليهم على أنهم يهددون حرية العالم وأمنه؛ لأنهم مَوصومون بالإرهاب العالمي.

إن التهم التي يعاني منها المسلمون ظُلما، تحتم على إعلان المسلمين الأوروبيين الموجه إلى العالم الإسلامي أن ينجح في التركيز على ضرورة تغيير الصورة العالمية السيئة للمسلمين إلى صورة عالمية جيدة، خصوصا ما يتعلق بأمور عقيدتهم.

ولا بد لمركز الإسلام من أن يأخذ الدور الرائد في تقديم توجه عالمي في الأمور العملية في ديننا العالمي؛ وفي قضايا عصرنا العالمية؛ وفي الحوار العالمي مع جيراننا.

وإنني كمسلم أوربي الأصل، وكأوروبي إسلامي الاعتقاد، أتوقع من إخواني المسلمين أينما كانوا أن يثبتوا للعالم كلّه أن الإسلام عقيدة صادقة وشريعة عادلة، وأنه ثقافة جذّابة وسياسة سلمية؛ وأنّه شعب طيب وأرض غنية؛ وأن الإسلام يمثل الرجل الحكيم في الشرق والرجل العقلاني في الغرب.

 وهذا نص..

إعـلان المسلمين الأوروبيين

إظهاراً لإحساس المسلمين الأوروبيين بشأن هجمات نيويورك وواشنطن في سبتمبر/أيلول 2001، ومذبحة مدريد في مارس/آذار 2004، وتفجيرات لندن في يوليو/تموز 2005..

حيث أن الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 قتلت الآلاف من الرجال والنساء وهم يمارسون عملهم، بينما وقع المئات من المسافرين ضحايا لتفجيرات القطارات في مدريد في الحادي عشر من مارس/آذار 2004، وراح العشرات من المسافرين الأبرياء ضحايا تفجيرات لندن في السابع من يوليو/تموز 2005، وبينما توصف كل أعمال العنف هذه الموجهة ضدّ الإنسانية  بالـ “الإرهاب الإسلامي”؛

وحيث أن المسلمين الأوروبيين – بعد هجمات نيويورك وواشنطن، ومذبحتي مدريد ولندن – يعيشون تحت وطأة الإدانة الجماعية لما يسمى بالـ “الإرهاب الإسلامي” والتي أخذت حدتها تتزايد من قبَل بعض السياسيين وأجهزة الإعلام؛

وحيث أن المسلمين الأوروبيين يعتقدون جازمين بأنه لا توجد إدانة جماعية، بل مسؤولية فردية؛

وحيث أن المسلمين الأوروبيين يعانون من مظاهر “كراهية الإسلام” بسبب التغطية غير المسؤولة من بعض أجهزة الإعلام لقضايا المسلمين في أوروبا؛

 وحيث أن المسلمين الأوروبيين يحبّون الحرية للآخرين كما يحبّونها لأنفسهم ويقدّرون المواطنة وحقوق الإنسان في المجتمعات المتعدّدة الثقافات؛

وحيث أن المسلمين الأوروبيين يودّون أن يربّوا أطفالهم بسلام وأمن مع باقي الطوائف الدينية الأخرى في أوروبا، على أساس المسلّمة التي تقول بأن اليهود والنصارى والمسلمين يشتركون في الاعتقاد بالإله الواحد الذي خلقنا كلّنا من نفس واحدة ثمّ نثرنا كالبذور أناسِيَّ لا نقدر على حصرها؛ وأنهم مشتركون في نفس الأبّ آدم ونفس الأمّ حواء؛ انطلاقا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء، 1).

ومشتركون في الهواء الذي يتنفّسون وإشراق الشمس الذي يرون كلّ يوم؛ ومشتركون في إيمان بابراهيم عليه السلام وسفينة النجاة التي بناها نوح عليه السلام؛ ومشتركون في حبّهم لمريم العذراء واحترامهم لابنها المسيح عيسى عليه السلام؛ ومشتركون في القصص الحقيقية عن موسى عليه السلام وقومه الموجّهين إلهيا عبر صحراء سيناء؛ ومشتركون في الكلام المبين للقرآن الكريم والحياة النموذجية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم ليس لهم خيار سوى قبول أخلاق المشاركة كطريق صحيح نحو مستقبل أفضل للجميع.

وحيث أن الإسلام يعلّم المسلمين بأن اليهود والنصارى أهل الكتاب ولذا يجب على جميع اليهود، والنصارى، والمسلمين أن يتعلّموا كيف يتقاسمون جذورهم الروحية المشتركة وآمالهم المستقبلية المشتركة بدون تحيّز لكي يتفادوا التمييز، ونقص احترام الذات وانهيار المعنويات، والكراهية الدينية والعرقية، والعجز، ونقص السيطرة، والانعزال الاجتماعي وقلة الفرص، والتبعية السياسية،

وحيث أن أوروبا قارة مشتركة للعديد من الأديان؛

وحيث أن أوروبا فخورة بطريقها من العبودية إلى الحرية، ومن الأساطير إلى العلم، ومن التسلط بالقوة إلى الحقّ والقانون، ومن نظرية الدولة إلى شرعية الدولة، بالإضافة إلى التزام أوروبا بالقيم الأساسية لحقوق الإنسان والديمقراطية؛

وحيث أن المسلمين الأوروبيين يريدون أن يكونوا جزء من الحياة والازدهار الأوروبي بالإضافة إلى المساهمة في تطوير المجتمعات الأوروبية أخلاقيا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا:

فإن المسلمين الأوروبيين يعلنون:

أولاً: إلى الاتحاد الأوربي بأنّ إحساس المسلمين الأوروبيين هو:
  • إنّ أوروبا دار السلام والأمن المبنية على مبدأ العقد الاجتماعي (The Social Contract)؛
  • تمثل أرض أوروبا بيت العقد الاجتماعي لأنه من الممكن للفرد فيها أن يعيش ملتزما بدينه وذلك ضمن سياق “المبادئ التي يتبناها الأفراد الأحرار والعاقلون المهتمون بمصالحهم الذاتية في موقع أولي من المساواة كتعريف للشروط الأساسية في مجتمعهم”. (جون راولس)؛
  • العقد من فعل العقل بينما الميثاق إرادة القلب أو الإيمان. لذلك، فالمسلم رجل مخلص لله بإرادة قلبه / إيمانه؛ والمواطن رجل ملتزم بواجبات تجاه الدولة كفعل ناتج عن عقله. وبالميثاق يعطي الرجل قلبه إلى الله فيحصل مقابل ذلك على الطمأنينة الداخلية؛ وبالعقد يعطي عقله للدولة فيحصل مقابل ذلك على الأمن الاجتماعي كساكن مدينة أو بلدة. إن المواطن يتمتع بحقوق وامتيازات الرجل الحرّ، وهو فرد من مواطني الدولة، وهو مواطن أصلي أو متجنّس يدين بالولاء للحكومة وله الحق بأن تقدم له تلك الحكومة الحماية لحياته ودينه وحريته وممتلكاته وكرامته؛
  • المسلمون الأوروبيون ملتزمون بشكل تام وصريح بالقيم الأوروبية المشتركة الآتية:
‌أ) سيادة القانون؛
  • مبادئ التسامح؛
  • قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان؛
  • الاعتقاد بأن كلّ إنسان يمتلك الحقّ بالقيم الضرورية الخمس: النفس والدين والعقل والمال والعرض؛
  • المسلمون الأوروبيون وهم يسعون للحصول على حياة محترمة في أوروبا، فإنهم يتوقعون الآتي:
    • الوضع المؤسسي للإسلام في أوروبا،
    • النمو الاقتصادي للجالية الإسلامية، مما يحقق لها الحرية والاستقلال التامّين في المجالين الروحي والثقافي؛
    • تطوير المدارس الإسلامية القادرة على تعليم المسلمين المولودين في أوروبا لمواجهة التحديات الجديدة في المجتمعات المتعدّدة الثقافات؛
    • الحرية السياسية التي ستمكّن المسلمين الأوروبيين من أن يكون لديهم ممثلوهم الشرعيون في برلمانات الدول الأوروبية؛
    • التخفيف من سياسة الهجرة الأوروبية التي تميل مؤخرا إلى التضييق الشديد على المسلمين؛
    • فتح الطريق أمام الاعتراف بالأحكام الشرعية في أمور الأحوال الشخصية مثل أحكام الأسرة؛
    • حماية المسلمين الأوروبيين من كراهية الإسلام والتطهير العرقي والإبادة الجماعية وما شابهه.
  • المسلمون الأوروبيون ملتزمون ببرنامج مشترك شامل للحوار الديني الذي سيؤدي إلى:
  • بناء الوعي لتعقيدات السياق العلماني الذي تعيش ضمنه الأديان اليوم.
  • الترويج لفهم الاختلافات واحترامها واستكشاف الأرضية المشتركة.
  • تأكيد الهوية الدينية كأداة مهمة للتعامل مع عدم الأمان والتصادم، ولتعلّم الاحترام والعيش مع الاختلاف في حالات النزاع.
  • الإسهام في العملية المتنامية حول حقوق الإنسان.
  • خلق الفهم للغير والمغاير.
  • إظهار العلاقة المعقّدة بين الدين والثقافة والسياسة والاقتصاد، وإبراز العوامل التي تقود نحو إسهامات الأديان الإيجابية في الجهود المشتركة لإحقاق الحق والعدالة والسلام.
  • تحديد المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية والمعايير، القابلة للمقارنة والتي يمكن التفاوض حولها من أجل حياة مشتركة؛ وتلك التي تخص كل دين من الأديان؛ والتعرف على الاختلافات والتوتّرات ومظاهر سوء الفهم المحتملة بين القيم الأخلاقية في الأديان المختلفة.
  • إبراز التجارب التاريخية الإيجابية وإحياء الذكريات عن حسن الجوار والعيش المشتركة كجزء من تاريخ أوروبا.
  • تأسيس قاعدة مشتركة للتعايش الديني في روح من النوايا الحسنة الموجودة في الكتب السماوية وفي الأمل بمستقبلنا المشترك.
ثانيا: إلى المسلمين الذين يعيشون في أوروبا بأنّ إحساس المسلمين الأوروبيين هو:
  • يجب أن يدرك المسلمون الذين يعيشون في أوروبا أنّ الحرية ليست هدية تُمنح. بل على المسلمين في أوروبا أن يسعوا لكسب حريتهم، ويجب أن يتم الاعتراف بالوضع العامّ للمسلمين بالرغم من معارضة المتخوفين من الأجانب.
  • يجب أن يكون المسلمون الذين يعيشون في أوروبا أكثر اهتماما بمسؤولياتهم من حرياتهم لأنهم بأدائهم لمسؤولياتهم في الحياة الأوروبية الثقافية والسياسية والاقتصادية، المسلمون سوف يكسبون حقّهم بالحرية. لذلك، فإن حرية المسلمين الأوروبيين لن تكون صدقة من أحد، بل قيمة مكتسبة لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يسلبهم إياها.
  • يجب على المسلمين الذين يعيشون في أوروبا أن يقدموا الإسلام إلى الجمهور الغربي الجمهور الغربي على أنه رؤية شاملة لحياة الانسان (Waltanschuung)، وليس ثقافة قوميّة أو عرقية أو عشائرية. ولا يمكن للمسلمين أن يتوقعوا من الأوربيين تقديرهم لرسالة الإسلام العالمية إذا كانوا يقدمونه لهم ملونا بلون عرقي أو قومي. وكما أن المسلمين الأوروبيين يمكنهم أن يستأثروا بإعجاب الجمهور الأوروبي من خلال عرض عالمية الإسلام، فإن أوروبا تعتبر مكانا جيدا لكي يكتشف المسلمون أنفسُهم قوّة عالميّة الإسلام وجماله.
  • يجب على المسلمين أن يكونوا صادقين فيعترفوا بأنّ الكثيرين منهم اكتشفوا الإسلام في أوروبا على نحو مختلف كليا من وطنهم الاصلي، لأنهم هنا في اورويا يقابلون إخوانهم المسلمين من أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، يبدؤون باحترام التنويع في التجربة والثقافة الإسلامية. المسلمون الذين يعيشون في أوروبا يمتلكون الحقّ، بل الواجبَ لتطوير ثقافتهم الأوروبية الخاصة للإسلام كبرهان التفاعل الثالث بين الشرق والغرب وكحاجة لعصر نهضة جديد يقود الإنسانية نحو عالم أفضل وأكثر أمانا.
  • يجب على الشباب المسلم الذين يعيشون في أوروبا أن يكون قويا روحيا وجريئا فكريا فيكسر الآراء النمطية عند المسلمين أنفسهم قبل أن يطلب من الآخرين تغيير أفكارهم النمطية. يجب على الشباب المسلم أن يأخذ بزمام القيادة في السير نحو مستقبله، وأن لا ينتظر من الشيوخ أن يحلّوا له مشاكله. وينبغي للشباب المسلم ألا يخجل من أخذ مركز الصدارة في قيادة المسلمين الذي يعيشون في أوروبا نحو مستقبل أفضل.
  • يجب على المسلمين الذين يعيشون في أوروبا أن يلزموا أنفسهم بأولويات دينهم التالية:
  • اقرأ وتعلّم! لم يبدأ الوحي بأولوية الإيمان، بل بأولوية المعرفة. فالله عز وجل لم يسأل محمدا صلى الله عليه وسلم أن يؤمن، بل طلب منه أن يقرأ ويتعلّم بما يؤمن وكيف يؤمن، هذا لأن الإنسان يولد على الفطرة، فلا توجد حاجة أن يطلَب منه الإيمان لأنه مغروس في روحه. لكن هناك حاجة لتذكير الرجل بأنّه يجب أن يقرأ ويتعلّم الإيمان الموجود في روحه. لذا فالإنسان يحتاج لمعرفة مع الإيمان إضافة إلى إيمان مع المعرفة.
  • آمن واعمل بجدّ! الإنسان لا يعيش في عالم من الروحانية الخالصة البعيدة عن المادة، ولا في عالم مادي صِرْفٍ بدون روح. إنّ سرّ النجاح يكمن في جمع الإنسان لهذين الجانبين في نفسه، أي الروح والجسد، وبعبارة أخرى، إن غرض حياة الإنسان في نشاط روحه وذلك هو الإيمان، وفي نشاط جسمه وذلك هو العمل الشاقّ. ولن يستعيد المسلمون كرامتهم إلا إذا تم ردم الهوة الكبيرة الحاجزة بين إيمان القلب وقدرة العقل.
  • كن تقيا وأحسن إلى والديك! هذا تأكيد قرآني على العلاقة بين عبادة الله وبر الآباء، ورسالة قوية لكلٍّ من الشرق والغرب. فالرسالة إلى الشرق ألا يستسلم للضغوط التي تطالبه بالتخلّي عن القيم العائليّة؛ والرسالة إلى الغرب أن يتوقف عن التلاعب الخطير بمستقبل الإنسانية. إذ لا يوجد بديل لمؤسسة الأسرة. وقضية القيم العائليّة ليست مجرد مطلب أخلاقي للمجتمع الإنساني، بل هي شرط أساسي لبقاء البشرية. وإن محاولة كسر القانون العام للحياة العائلية تعادل محاولة كسر القانون العام لطبيعة شروق الشمس من الشرق. وكما أن أحدا من المخلوقات لن يقدر على كسر قانون شروق الشمس من الشرق، فإن أحدا لن يستطيع كسر قانون الحياة الأسرية ما دامت الشمس تشرق من المشرق بإذن الله العلي القدير.
  • كن شريفا وناضل من أجل حقوقك !إن النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة لا يحدثان تلقائيا، بل يجب على المرء أن يسعى إلى تحقيق النجاح، ويجب على المرء – في هذه الحياة الدنيا – أن يكافح من أجل حقوقه، كما يجب عليه أن يعمل من أجل الفلاح في الآخرة؛ أي يجب عليه أن يستحقّ رحمة الله. إنّ الاختلاف بين الشرق والغرب يتمثل في أن الشرق يعوّل على رحمة الله أكثر من تعويله على العمل الشاقّ، بينما يعتمد الغرب على العمل الشاقّ أكثر من اعتماده على رحمة الله.
  • كن مدركا لِغَدِك! يقدم القرآن الكريمة برهانا واضحا بأنّه يحق لنا، بل ويجب علينا أن نخطط لمستقبلنا وأن نؤمن بأنّ مستقبلنا يمكن أن يكون أفضل من ماضينا. ومن الغريب جدا كيف توصل البعض إلى فكرة أن المستقبل الإسلامي ميؤوس منه وأن الأمل موجود فقط في الماضي الإسلامي كطريقة حياة وهدف تاريخي. هذه الفكرة ليس لها أساس في الإسلام. فقد علَّمنا الله سبحانه وتعالى أنه {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى}، لكن المنطق العامّ يخبرنا بأنّنا لا نستطيع تغيير ماضينا، لكن يمكننا – بعون الله – صياغة مستقبلنا. لذا، فنحن غير مسؤولين عما مضى من تاريخ المسلمين. ويجب أن لا يخشى المسلمون من التفكير في مستقبلهم بنفس القدر الذي لا ينبغي لهم فيه أن يكونوا أسرى لماضيهم. فالمسلمون لديهم مستقبل لأنهم يؤمنون بالله، ولديهم إيمان بالله لأنهم يعتقدون بأنّ الحقيقة والعدالة ستسودان.
ثالثاً: إلى الأمة الإسلامية بأنّ إحساس المسلمين الأوروبيين هو:
  • الأمة الإسلامية هي مجتمع إسلامي عالمي يوحده الإيمان بالله الواحد وبالرسالة الخاتمة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم.
  • لا ينبغي لفكرة الوعي العولمي أن تكون شيئا غريبا على المسلمين. فالإسلام في جوهره دين شامل وظاهرة عالمية. ومن الملائم جدا أن يقدم المسلمون جدول أعمال للعولمة في الحرية والأمن العالميين لأنهم منتشرون في كل بقعة من الكرة الأرضية ولذا فإن حريتهم وأمنهم شأن عالمي.
  • لم يكن المسلمون وحدهم الذين أخفقوا بتقديم تصور أصيل للعولمة، لكنّهم، وبشكل عام، يفشلون الآن بالعيش في ظروف العالم المشترك. المسلمون ليس لديهم إستراتيجية عالمية؛ وليس لديهم عقل ورأس عالمي؛ وليس لديهم تقويم عالمي موحد ينقذهم من حرج الخلاف حول تحديد موعد عيد الأضحى. ولسوء الحظ، ينظر إليهم على أنهم يهددون حرية العالم وأمنه؛ لأنهم مَوصومون بالإرهاب العالمي.
  • إن التهم التي يعاني منها المسلمون ظُلما، تحتم على إعلان المسلمين الأوروبيين الموجه إلى العالم الإسلامي أن ينجح في التركيز على ضرورة تغيير الصورة العالمية السيئة للمسلمين إلى صورة عالمية جيدة، خصوصا فيما يتعلق بأمور عقيدتهم.
  • لا بد لمركز الإسلام من أن يأخذ الدور الرائد في تقديم توجه عالمي في الأمور العملية في ديننا العالمي؛ وفي قضايا عصرنا العالمية؛ وفي الحوار العالمي مع جيراننا.
  • يجب على المسلمين – أينما كانوا – أن يثبتوا للعالم كلّه أن الإسلام عقيدة صادقة وشريعة عادلة، وأنه ثقافة جذّابة وسياسة سلمية؛ وأنّه شعب طيب وأرض غنية؛ وأن الإسلام يمثل الرجل الحكيم في الشرق والرجل العقلاني في الغرب.
  • من الخطأ إدانة الإسلام لقلة الديمقراطية في العالم الإسلامي؛ وإنه لذنب أن تنتهك حقوق الإنسان باسم الإسلام؛ وإنها لجريمة ضدّ الإسلام التسامح مع نسبة الأميّة العالية في العالم الإسلامي وأن نرى هذه الهوة الضخمة في العالم الإسلامي بين الغنى الفاحش والفقر المدقع.
  • يحق للمسلمين الأوروبيين بل ويجب عليهم أن يطرحوا هذه المسائل وغيرها والتي تؤثر على مستقبل أبنائهم الذين يبحثون عن هويتهم وعما يجب عليهم فعله كمسلمين في بيئة أوروبية.
  • إن المسلمين الأوروبيين يطالبون الأمة الإسلامية أن تأخذ دورها الريادي في تحقيق السلام والأمن في العالم.
  • إن العالم الإسلامي أمة شرعية ينبغي لها أن تكون قادرة على تحقيق واجبها كأمة خيرة أخلاقيا ومتوازنة عقليا وعادلة اقتصاديا وفاعلة عالميا، وجديرة بالثقة والتعاون والصداقة في كل مكان.

***

لكل منا طريقه الذي يختاره لنفسه في هذه الحياة، ولكن لا ضير أن يأخذ كل منا شيئا من الآخر أينما كان.

[1] Jhon Rawls, A Theory of Justice. Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1971; Oxford: Oxford Uviversity Press, 1972, p.11

[2] Montesquieu, De l‛Ésprit des Lois .

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق