البحوث

أثر الاستحالة، والاستهلاك، والتسمية في الأطعمة والأشربة، والأدوية لمسلمي أوروبا

أثر الاستحالة ، والاستهلاك ، والتسمية

في الأطعمة والأشربة ، والأدوية  فيما يخص مسلمي أوروبا

“دراسة فقهية مزودة بالقرارات الجماعية”

بقلم:

أ. د. علي محيى الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ونائب رئيس المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين.. وبعد،

فإن المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث قد طلب مني كتابة بحث حول ( أثر الاستحالة ، والاستهلاك ، والتسمية في الأطعمة والأشربة ، والأدوية ، فيما يخص مسلمي أوروبا ) وسأتناول في البحث ما يأتي :

  • الاستحالة ودورها في التطهير والحل
  • التعريف بالاستحالة
  • أثر الاستحالة في التطهير والحل
  • الاستهلاك
  • مبادئ وقواعد أساسية
  • التطبيقات المعاصرة للاستحالة والاستهلاك في مجال الدواء والغذاء والعطور
  • استعمال الدم المسفوح في الغذاء والدواء
  • استعمال الخمر ومشتقاتها في الدواء والغذاء
  • حكم استعمال مشتقات الخنزير في الأغذية والأدوية والمنتجات الصناعية
  • مدى اشتراط التسمية في ذبائح أهل الكتاب .
  • ترك التسمية عند التذكية والذابح مسلم
  • حقيقة التسمية
  • هل مسألة الذبائح من العبادات ، أم من العادات ؟
  • شرط التسمية لذبائح أهل الكتاب
  • أركان التسمية ، وشروطها ، ووقتها

والله تعالى أسأل أن يكسو عملنا ثوب الاخلاص ، وأن يلهمنا الصواب ، ويعصمنا من الزلل والخلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .

                                                                       كتبه الفقير إلى ربه

                                                                         علي محيى الدين القره داغي 

 

الاستحالة ودورها في التطهير والحل

التعريف بالاستحالة :

 الاستحالة : لغة مصدر : استحال يستحيل ، وأصلها من : حال الشيء ، أي تغير من حال إلى حال ، ويقال : تحول الشيء أي تغير من حال إلى حال[1] .

 والاستحالة في اصطلاح الفقهاء لا يختلف معناها كثيراً عن معناها اللغوي ، ولكنهم يخصصونها باستحالة الأشياء النجسة كالخمر ، والخنزير ، والعذرة إلى شيء آخر بالتخليل ، أو الاحتراق ، أو بالوقوع في شيء طاهر ، وذكر المالكية أن الاستحالة تتحقق بالتحجر أيضاً ، حيث قالوا : ( أما لو تحجرت – أي الخمرة – وتخللت فإنها تطهر ويجوز بيعها وشربها ويطهر إناؤها تبعاً لها ..) [2]  وقد يفهم مما قاله ابن عابدين أن الاستحالة عند الحنفية : التغير ، وانقلاب الحقيقة ،  حيث يقول : (اعلم أن العلة عند محمد : هي التغير وانقلاب الحقيقة ، ومقتضاه عدم اختصاص ذلك الحكم بالصابون فيدخل فيه كل ما كان فيه تغير وانقلاب حقيقة ، وكان فيه عموم البلوى عامة…) ثم ذكر أمثلة للاستحالة ، ثم قال : (فإن ذك كله انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى ، لا مجرد انقلاب وصف)[3] .

ويقول المباركفوري : (قد اختلف في طهارة لبن الجلالة ، فالجمهور على الطهارة ، لأن النجاسة تستحيل في باطنها ، فيظهر بالاستحالة كالدم يستحيل في اعضاء الحيوانات لحماً ويصير لبناً)[4] مما يفهم منه بوضوح ان الاستحالة تحول الحقيقة والاسم.

وذكر الخطاب ان الاستحالة هي تحول المادة عن جميع صفاتها وخروجها عن اسمها الذي كانت به إلى صفات واسم يختص بها [5].

ومن هذه النصوص يتبين لنا أن الاستحالة لدى الفقهاء هو تحول شيء إلى شيء آخر بتغير حقيقته وأوصافه ، مثل الخمر التي تحولت إلى الخل[6] .

وهناك مصطلحات أخرى يستعملها الفقهاء بالمعنى السابق مثل (تحول العين) او انقلاب العين ، بمعنى تغير ذات الشيء إلى ذات أخرى ، ومثل (الاستهلاك) وذلك لأن بعض صور الاستحالة تقع عن طريق زوال مادة في مادة أخرى حتى تصبح المادة الأولى مستهلكة في الثانية[7] .

وتستعمل الاستحالة في علم الكيمياء بأنه تفاعل كيميائي يحول المادة من مركب إلى مركب كتحويل الزيوت والشحوم إلى صابون[8] .

أثر الاستحالة في التطهير والحل :

تحرير محل النزاع :

(أ) لا خلاف بين الفقهاء في أن الخمر إذا استحالت بنفسها إلى خلّ فقد طهرت وحل شربها ، وذلك لإجماعهم على طهارة الخلّ وحلها ، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (نِعْمَ الإدام الخلّ)[9] حيث أثنى على الخلّ ، ولا يكون الثناء إلاّ على المباح الطاهر ، قال النووي : (والصواب الذي ينبغي ان يجزم به : أنه مدح للخلّ نفسه)[10] ولذلك قال ابن رشد : (وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها)[11] .

(ب) كما أن جمهور الفقهاء الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة في رواية ، والمالكية في رواية سحنون ، وابن عبدالحكم[12] ذهبوا إلى طهارة الجلود ـ من حيث المبدأ ـ بالدباغة ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا دبغ الإيهاب فقد طهر) [13] قال الترمذي بعد أن رواه بسنده بلفظ : (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) : (والعمل على هذا عند أكثر اهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم كرهوا جلود السباع ، وإن دبغ ، وهو قول عبدالله بن المبارك ، وأحمد واسحاق ، وشددوا في لبسها ، والصلاة فيها ، قال اسحاق بن إبراهيم : إنما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) جلد ما يؤكل لحمه ، هكذا فسّر النضر بن شميل …. قال أبو عيسى : وفي الباب عن سلمة بن المحبّن ، وميمونة ، وعائشة ، وحديث ابن عباس حسن صحيح ، وقد روى من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم …قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ،وهو قول سفيان الثوري ، وابن المبارك ، والشافعي وأحمد واسحاق[14].

  فجمهور العلماء متفقون من حيث المبدأ على أن جلود الميتة إذا دبغت فقد طهرت وان كان هناك اختلاف لدى بعضهم في استثناء الخنزنير ، والكلب ، أو احدهما[15] وهذا القول هو الراجح لأن الحديث الذي ذكرناه صحيح وواضح في الدلالة على أن الإهاب يطهر مطلقاً،وقد ورد بلفظ:(أيما إهاب دبغ فقد طهر) رواه الترمذي وصححه والنسائي وأبو داود[16] وبلفظ:(إذا دبغ الإهاب فقد طهر) وهو حديث رواه مسلم ـ كما سبق ـ .

  وأما ما روى عن عبدالله بن عكيم في النهي عن الانتفاع من الميتة بإهاب فقد قال فيه النقاد : انه حديث مرسل ، ومنقطع ، ومضطرب جداً[17] ، فعلة واحدة من هذه العلل تكفي لرفض الحديث ، وتضعيفه ، فكيف إذا اجتمعت هذه العلل الثلاث كلها في حديث واحد ، ولذلك لا يمكن أن ينهض حجة ، ولا قادراً على نسخ الحديث الصحيح السابق أو تخصيصه .

  وأما أحاديث النهي عن جلود السباع وان كانت خاصة لا ينسخ بها الحديث السابق ، فهي محمولة على الركوب عليها ولباسها لأجل الخيلاء والتكبر ، حيث كانت مراكب أهل السرف والخيلاء ، كما نهى عن لبس الحرير والذهب للرجال ، ولذلك يقول الشوكاني : (وأما الاستدلال بهذه الأحاديث على تخصيص الحديث السابق فغير ظاهر لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها ، وافتراشها ، ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة)[18] .

 (ج) وذهب جمهورهم ( الحنفية ، والمالكية ، وأحمد في رواية ) إلى أن نجس العين يطهر بالاستحالة ، فرماده لا يكون نجساً وكذلك إذا تحول إلى ملح فلا يكون نجساً ، كما هو الحال في الخل الذي كان خمراً فتخللت فأصبح طاهراً بالاجماع – كما سبق – ومن هنا وضعوا قاعدة قاضية بأن استحالة العين تستتبع زوال الوصف ( أي الحكم ) المترتب عليها[19] .

وإنما الخلاف الكبير في الاستحالة التي تتم بفعل الإنسان من خلال إضافة مواد كيميائية تحول المادة وتغيرها من حال إلى حال آخر ، أو لأي سبب آخر كان ؟

 للإجابة على هذا نذكر بعض الحالات التي ذكرها الفقهاء السابقون ، ثم نتبعها بحالات معاصرة :

الحالة الأولى: تخليل الخمر من خلال طرح شيء فيها، أو قصد تخليلها بأي شيء آخر.

  فقد اختلف فيها الفقهاء على أربعة آراء :  

1- حيث ذهب الشافعي ، والظاهرية ، ومالك في المشهور ، وأحمد في الرواية المشهورة التي اختارها ابن تيمية إلى أن هذا التخليل غير جائز[20] ، وأن الخمر لا تطهر به ، وهذا مروي عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن أبي العاص ، وبه قال جماعة من أهل الحديث[21] .

وهل تطهر الخمر المخللة بهذا ؟

2– وذهب المالكية إلى أنه تطهر به أيضاً ولكنهم اختلفوا هل التخليل المتعمد نفسه حرام أو مباح ، أو مكروه على ثلاثة أقوال[22] ، وهذا وجه للشافعية على تفصيل .

 وبناء على هذا القول فإنهم فرقوا بين الحكم التكليفي الذي هو الحرمة للتخليل على قول ، والحكم الوضعي الذي هو صحة العمل وصلاحية السبب للتطهير .

  جاء في الشرح الكبير في بيان الطاهرات : (ومسك ـ بكسر وسكون ـ وأصله دم انعقد لاستحالته إلى صلاح ، وفارته ـ بلا همز ـ وهي الجلدة التي يكون فيها ، وزرع سقي بنجس وإن تنجس ظاهره ، فيغسل ما أصابه من النجاسة ، ومن الطاهر خمر تحجّر أي جمد لزوال الاسكار منه ، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً … أو خلل بالبناء للمفعول ، فالمتخلل بنفسه أولى بهذا الحكم ، وكذا ما حجر على المعتمد … وإذا طهر طهر إناؤه…. )[23] .

  قال الدسوقي : (قوله : أو خلل : أي بطرح ماء أو خل ، أو ملح ، أو نحو ذلك فيه) ثم قال : (واختلفوا في تخليلها : فقيل بالحرمة لوجوب إراقتها ، وقيل بالكراهة ، وقيل بالإباحة ، وعلى كل يطهر بعد التخليل)[24] .

 3- وذهب الحنفية ، والمالكية في قول نقله عنه أشهب ، واحمد في رواية إلى أنها تطهر ، وتحل[25] ، وهذا مروي عن أبي الدرداء[26] ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد والكوفيون[27] ، واختاره البخاري ، والقرطبي ، وابن حجر كما يفهم من صنيعهم[28] .

 4- وذهب قول رابع إلى الكراهة ، وهو قول للمالكية[29] .

 الأدلة والمناقشة والترجيح :

وقد استدل القائلون بعدم تطهير الخمر بالتخليل بحديث رواه مسلم ، والترمذي والنسائي بسندهم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلاً ؟ فقال : لا )[30] .

  قال النووي : (هذا دليل الشافعي والجمهور : أنه لا يجوز تخليل الخمر ، ولا تطهر بالتخليل … أما إذا نقلت من الشمس إلى الظل ، أو من الظل إلى الشمس ففي طهارتها وجهان لأصحابنا : أصحهما : تطهر)[31] .

وقال الخطابي في المعالم : (أن معالجة الخمر حتى تصير خلاً غير جائز ، ولو كان إلى ذلك سبيل لكان مال اليتيم أولى الأموال به لما يجب من حفظه وتثميره ، والحيطة عليه ، وقد كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، فعلم أن معالجته لا تطهره ، ولا ترده إلى المالية بحال)[32] .

وقد أجاب الحنفية عن هذا الحديث بأن القوم ـ أي العرب عند تحريم الخمر ـ كانت نفوسهم ألفت بالخمر ، وكل مألوف تميل إليه النفس فخشي النبي صلى الله عليه وسلم من دواخل الشيطان ، فنهاهم عن اقترانهم بها نهى تنزيه كيلا يتخذ التخليل وسيلة لها ، وأما بعد طول العهد فلا يخشى هذه الدواخل ، ويؤيده خبر : (نعم الإدام الخلّ) رواه مسلم عن عائشة ، وخبر : (خير خلكم خل خمركم) رواه البيهقي في المعرفة عن جابر مرفوعاً…)[33] .

والتحقيق أن هذا الجواب ضعيف جداً لأن القول بأن النهي للتنزيه ، خلاف الظاهر ، ولا سيما أن المسألة تتعلق بأموال اليتامى، فلا يعقل الأمر بإراقة خمورهم ، وأن أبا طلحة يقوم بذلك لمجرد كراهة تنزيه ، لأن المسالة تتعلق بإضاعة مال اليتيم التي هي حرام بالأدلة القطعية ، وبالاجماع ، فلا يمكن أن يرتكب هذا الصحابي الجليل المحرم القطعي لأجل كراهة التنزيه .

 واستدل الحنفية ومن معهم لجواز التخليل والطهارة به بما يأتي :

1ـ الآيات والأحاديث الدالة على حل الطيبات ، مثل قوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ)[34] ووجه الاستدلال بها أن الخل مطلقاً وإن كان بالتخليل فهو من الطيبات ، لأنه لا يضر بل يفيد ، فلا يدخل في الخبائث المحرمة ، وأنه لم يظل مسكراً حتى يدخل في المسكرات المحرمة .

دخول الخمر المخللة بفعل الإنسان في مضمون ومدلول قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (نعم الإدام الخلّ) وهو حديث صحيح ـ كما سبق ـ حيث إن العبرة بدخول الشيئ في حقيقته هو الاسم والمضمون والمحتوى ، وكل ذلك متحقق في الخل المخلل بفعل الإنسان ، وذلك لأن الشرع قد رتب وصف النجاسة على حقيقة الشيء النجس ، فإذا انتفت تلك الحقيقة انتفت تلك النجاسة .

3ـ القياس على الدباغ الذي يتم بفعل الإنسان مع انه يطهر الجلد النجس المحرم ، ويحلله ـ كما سبق ـ .

4ـ رعاية مبدأ القاعدة العامة القاضية بأن الأصل في الأشياء الإباحة .

ثم إن هؤلاء الفقهاء حملوا النهي في الأحاديث الواردة بعدم تخليل الخمر إما على كراهة التنزيه ، أو التحريم ، ولكنه لمعنى في غيره ، وهو دفع عادة العامة وتعويدهم على عدم بقاء الخمر في بيوتهم فوراً سداً للذريعة ، فإذا زال هذا المعنى انعدم الحكم السابق ، وثبت الحلّ ، كما أن ولي التيم لا يجب عليه التخليل ، كما لا يجب عليه دباغ شاة يتيمه[35] .

 بل إنهم قالوا : إن الأمر بإراقة الخمور كان في بداية تحريم الخمر حتى يتم تعويد القوم المتعودين على شرب الخمور بالانتهاء التام ولا يبقى في بيوتهم شيء يكون ذريعة لها ، ولهذا السبب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكسر اوعية الخمور مع انها يجوز تطهيرها بمجرد الغسل ، حتى ورد الأمر بكسر الدنان التي كانت ملكاً ليتامى أبي طلحة ، كما ورد في حديث الترمذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (اهرق الخمر ، واكسر الدنان)[36] ويقول الحافظ ابن حجر : (ووقع … من رواية أخرى عن مالك في هذا الحديث : (قم إلى هذه الجرار فاكسرها) وقال أنس : فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت) وهذا لا ينافي الروايات الأخرى ، بل يجمع بأنه أراقها ، وكسر أوانيها أو أراق بعضاً ، وكسر بعضاً)[37] .

  وقد ترجم البخاري في صحيحه : باب : هل تكسر الدنان التي فيها خمر ، أو تخرق الزقاق ، ثم روى بسنده عن سلمة بن الأكوع ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى نيراناً توقد يوم خيبر ، فقال : (علام توقد هذه النيران ؟) قال : على الحمر الإنسية ، قال : (اكسروها ، واهريقوها) قالوا : ألا نهريقها ونغسلها ؟ قال : (اغسلوا)[38] قال الحافظ ابن حجر : (وكأنه أشار بكسر الدنان إلى ما أخرجه الترمذي (أي الحديث السابق) وأشار بتخريق الزقاق إلى ما أخرجه احمد عن ابن عمر ، قال : (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم شفرة وخرج إلى السوق ، وبها زقاق خمر جلبت من الشام فشق بها ما كان من تلك الزقاق) فأشار المصنف إلى أن الحديثين إن ثبتا فإنما أمر بكسر الدنان وشق الزقاق عقوبة لأصحابها ، وإلاّ فالانتفاع بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة)[39].

  جاء في تحفة الأحوذي : (وإنما أمر بكسره … مبالغة للزجر عنه ، وعن قرابها ، كما كان التغليظ في أول الأمر ، ثم نسخ ، كذا في المرقاة)[40] وحديث الترمذي ثابت حيث قال فيه الترمذي نفسه : (وهذا أصح من حديث الليث)[41] ، وحديث أحمد روى بروايتين إحداهما فيه ابن أبي مريم الذي ضعفه مكحول ، وقال آخرون : ضعيف اختلط ، ووثقه الموصلي ، وبقية رواته ثقات ، والثانية سندها حسن ، ورواها الطبراني أيضاً[42] .

  وقد روى كذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عوض أيتام أبي طلحة عما أتلف لهم بحال[43] .

  وعلى ضوء ذلك فإن ما حدث من منع التخليل كان في بداية التحريم كما حدث كذلك في أمره صلى الله عليه وسلم بكسر القدور التي كانت تطبخ فيها لحوم الحمر الأهلية حيث لما رأي منهم الاذعان أذن لهم بعدم كسرها[44] .

  والخلاصة أن جماعة من كبار المحدثين مثل البخاري ، وابن حجر ، وابن الجوزي ، والطحاوي ، والقرطبي ، وابن رشد[45] إضافة إلى الحنفية ، ومالك في قول ، وأحمد في رواية يرون أن الخمر تطهر وتحل بالتخليل ، بل قد رأينا المالكية كلهم حكموا بطهارتها وان لم يقولوا بحلها ـ كما سبق ـ .أثر الاستحالة ، والاستهلاك ، والتسمية في الأطعمة والأشربة ، والأدوية  فيما يخص مسلمي أوروبا  أثر الاستحالة، والاستهلاك، والتسمية في الأطعمة والأشربة، والأدوية لمسلمي أوروبا 11439468  large

  وقد عقد ابن القيم فصلاً لطهارة الخمر باستحالتها وانها توافق القياس ، فقال : (وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس ، فإنها نجسة لوصف الخبث فإذا زال الموجِب زال الموجَب ، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ، ومواردها ، بل أصل الثواب والعقاب ، وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت ، وقد نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده[46] ، ولم ينقل التراب ، وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فرث ودم ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست وعلفت بالطاهرات حلّ لبنها ولحمها ، وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدلها بالطيب ، وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثاً صار نجساً كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة ، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب  الطيب خبيثاً ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيباً ؟ والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب ، ولا عبرة بالأصل ، بل بوصف الشيء نفسه ، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث ، وقد زال اسمه ووصفه ، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجوداً وعدماً ، فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا يتناول الزرع والرماد والملح والتراب والخل لا لفظاً ولا معنى ولا نصاً ولا قياساً ، والمفرقون بين استحالة الخمر وغيرها قالوا : الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة ، فيقال لهم : وهكذا الدم والبوم والعذرة إنما نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة ، فظهر أن القياس مع النصوص وأن مخالفة القياس في الأقوال التي تخالف النصوص)[47] .

 ولا يسعني بعد هذا العرض إلاّ أن أرجح قول هؤلاء الفقهاء والمحدثين العظام ، وأن أبدي إعجابي بهذا القول الموزون للإمام ابن القيم ، وذلك لأن الأوصاف الشرعية من الحرمة ، والنجاسة ونحوهما مرتبة على حقائق الأشياء وصفاتها الأساسية ، فإذا تغيرت تلك الحقائق والصفات تغيرت الأوصاف الشرعية ، بل لم تعد هناك تلك الحقيقة التي تعلق بها حكمها المناسب ، ولذلك يقول الحنفية : (العصير طاهر ، فيصير خمراً فينجس ، فيصير خلاً فيطهر)[48] وقالوا أيضاً : (إن استحالة العين تتبع استحالة الوصف)[49] حتى الظاهرية يقولون : (إن الحرام إذا استحالت صفاته واسمه بطل حكمه الذي علق على ذلك الاسم)[50] .

الحالة الثانية : غير الخمر حيث ذكر فقهاؤنا أمثلة أخرى ، منها :

1ـ المسك الذي تحول من الدم إليه ، وهو طاهر عند الجميع[51] ، قال المواق : (اتفقوا على طهارة المسك ، وإن كان خراج حيوان ، لاتصافه بنقيض علة النجاسة وفأرة المسك ميتة طاهرة إجماعاً لانتقالها من الدم ، كالخمر للخل[52] .

2ـ السرجين والعذرة عندما يتحول إلى الرماد عن طريق الحرق يصبح الرماد طاهراً عند جمهور الحنفية خلافاً للشافعية في الجديد[53] .

3ـ الميتة والخنزير ، والفأرة إذا وقعت في المملحلة فأصبحت ملحاً فقد طهر ، بل لا يسمى باسمه السابق عند جماعة من الفقهاء منهم الحنفية .

4ـ الزيت النجس وتحويله إلى صابون طهر عند الحنفية[54].

الماء النجس الراكد عند الحنفية يتحول إلى طاهر غذا أصبح جارياً ، ثم إن القول المختار عندهم هو أنه يطهر بمجرد جريانه ، وأن الجاري هو ما يعده الناس جارياً : بأن يدخل الماء من جانب آخر حال دخوله وإن قلّ الخارج ، لأنه صار به جارياً على سبيل الحقيقة .

ولهم قولان ضعيفان ،  هما:

أ- أنه لا يظهر بمجرد التحول بل لا بدّ من خروج قدر فيه .

ب- لا يطهر إلاّ بعد خروج ثلاثة أمثاله[55] .

وفي ضوء هذا أن وصف النجاسة قد زال بمجرد الجريان على القول المختار .

وعند الجمهور يتحول الماء الكثير النجس بزوال التغير فقط عند المالكية ، ولكن الشافعية والحنابلة اشترطوا لطهارته مع زوال التغير أن يبلغ القلتين ، سواء من حيث هو ، أو بالمكاثرة[56] .

 وهذا الكلام يدل على أن إزالة التغير بالمكاثرة ، أو بأي سبب آخر قد أثرت في تغيير الوصف الشرعي من  النجاسة إلى الطهارة .

  والخلاصة أن هناك اختلافاً بين الفقهاء في استحالة غير الخمر ، فالحنفية ـ على المفتى به ـ والمالكية ، وأحمد في رواية إلى أن الأعيان النجسة تطهر بالاستحالة ، على تفصيل في هذه المسألة في حين ذهب الشافعية والحنابلة في المذهب وأبو يوسف إلى أن الأعيان النجسة لا تطهر بالاستحالة ، إلاّ الخمر بالاستحالة الذاتية ، والدم الذي يتحول إلى اللبن ، أو المسك[57] .

 الترجيح :

والذي يظهر لي رجحانه القول بتأثير الاستحالة ـ بذاتها أو بغيرها ـ  في الحل ، والحرمة ، والطهارة ، والنجاسة بشرط أن لا يبقى بعدها ما يضر ضرراً بيناً بالإنسان ، ولذلك يجب الاحتياط فيما يخص الأكل أو الشرب أكثر مما يتعلق بالاستعمالات الأخرى مثل التنظيف ، والتعقيم ، والتعطير ، ونحوها.

 وذلك لأن مسائل الطهارة والحل في هذه الأشياء من باب العادات وليست من باب العبادات الشعائرية ، فعلى ضوء ذلك فإن الأوصاف الشرعية من الحل والحرمة ونحوهما ، مرتبطة تماماً بالحقائق والمضامين والعلل والأسباب وجوداً وعدماً ، طرداًَ وعكساً .

  يقول الإمام ابن الهمام في سبب اختياره القول بالحل والتطهير بالاستحالة : ( لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة بانتفاء بعض اجزاء مفهومها ، فكيف بالكل ، فإن الملح غير العظم واللحم ، فإذا صار ملحاً ترتب حكم الملح….) ثم قال: (ففرضاً ان استحالة العين تستتبع زوال الوصف المترتب عليها)[58] .

وقال الحطاب في طهارة فارة المسك : (لأنها استحالت عن جميع صفات الدم ، وخرجت عن اسمه إلى صفات ، واسم يختص بها ، ظهرت لذلك ، كما يستحيل الدم  وسائر ما يتغذى به الحيوان من النجاسات إلى اللحم فيكون طاهراً)[59] .

  ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (فالحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها ، كالخمر لما كان الموجب لتحريمها ونجاستها هي الشدة المطربة ، فإذا زالت بفعل الله تعالى طهرت)[60].

  وقد  عبر عن ذلك ابن حزم الظاهري بعبارات واضحة فقال : (وكذلك إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام ، فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم فيه ، وانتقل إلى اسم آخر وارد على حلال طاهر : فليس هو ذلك النجس ولا الحرام ، بل قد صار شيئاً آخر ، ذا حكم آخر .

  وكذلك إذا استحالت صفات عين الحلال الطاهر ، فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم فيه ، وانتقل إلى اسم آخر وارد على حرام أو نجس ، فليس هو ذلك الحلال الطاهر ، بل قد صار شيئاً آخر ذا حكم آخر ، كالعصير يصير خمراً ، أو الخمر يصير خلاً ، أو لحم الخنزير تأكله دجاجة يستحيل فيها لحم دجاج حلالاً .

 وكالماء يصير بولاً ، والطعام يصير عذرة .

 والعذرة والبول تدهت بهما الأرض فيعودان ثمرة حلالا ، ومثل هذا كثير .

 وكنقطة ماء تقع في خمر أو نقطة خمر تقع في ماء ، فلا يظهر لشيء من ذلك أثر .

 وهكذا كل شيء ،والأحكام للأسماء ، والأسماء تابعة للصفات التي هي حد ما هي فيه ، المفرق بين أنواعه .

  وأما إباحة بيعه والاستصباح به ، فإنما بيع الجرم الحلال ، لا ما مازجه من الحرام ، وبيع الحلال حلال كما كان قبل ، ومن ادعى خلاف ذك فعليه الدليل)[61] .

 الاستهلاك :

الاستهلاك لغة : من هلك بمعنى : هلاك الشيء ، وإفناؤه ، أو فناؤه ، وبمعنى الانفاق أيضاً ، فيقال : استهلك المال : أي أنفقه وأنفده[62].

وفي اصطلاح الاقتصاديين هو أحد الأنشطة الاقتصادية[63] .

أما في اصطلاح الفقهاء : فهو إدخال شيء نجس في مائع كثير فيفنى فيه أو يختلط به على وجه يفوّت الصفات الموجودة فيه[64] ، وذلك نوع من الاستحالة ، يقصد به ان تقع نجاسة في الماء أو غيره من المائعات ، فلا يبقى لها أثر ، فتغيب فيه ، وتذهب صفاتها ، وقد ذكرنا سابقاً أن جمهور الفقهاء يرون أن الماء المتنجس يطهر بالجريان عند الحنفية ، وبإزالة التغير عند المالكية مطلقاً ، وعند الشافعية والحنابلة بالمكاثرة حتى يبلغ القلتين[65] .

ويظهر من نصوص الفقهاء أن الاستهلاك يشمل حالتين :

إحداهما : فناء علين النجسة ووتحولها بالكامل ، كما هو الحال في تحول الفأرة ، أو الخنزير في المملحة فتصبح ملحاً .

ثانيتهما : تفكك النجاسة في الطاهر الكثير كما هو الحال في وقوع النجاسة في الماء الكثير حيث يبقى الماء طاهراً بالاتفاق ، ما دام لم يتغير لونها أو طعمها ، أو ريحها ، وعند المالكية حتى ولو لم يكن كثيراً ، والماء المتنجس المتغير الذي يزول بزوال تغيرها على التفصيل السابق .

 ففي هذه الحالة لم تَفْنَ العين النجسة ،وإنما غُلبت بالماء الكثير ، يقول ابن رجب في القاعدة (22) : (العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها فهل هي كالمعدومة حكماً أو لا ؟ فيه خلاف ، وتنبني عليه مسائل منها : الماء الذي استهلكت فيه النجاسة ، فإن كان كثيراً تسقط حكمها بلا خلاف ، وان كان يسيراً فروايتان : ثم من الأصحاب من يقول : سقط حكمها ، وإلاّ فهي موجودة ، ومنهم من يقول : بل الماء أحالها ، لأن له قوة الإحالة فلم يبق لها وجود ، بل الموجود غيرها فهي عين طاهرة .. ، ومنها اللبن المشوب بالماء المنغمز فيه هل يثبت به تحريم الرضاع ؟ فيه وجهان : أحدهما المحكي عن القاضي : أنه يثبت ، والثاني : لا ، اختاره صاحب المغني ، وعلى الأول إنما يحرّم إذا شرب الماء كله بماء وساتهلكت فيه ، ثم شربه لم يحدث ، هذا على المشهور ، وساء قيل بنجاسة الماء ، أو لا ) [66] .

 وهذا يدل على يسر الإسلام في موضوع النجاسة والطهارة ، فما دام لا يترتب على استعمال المستهلك ضرر حقيقي فلا مانع منه ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (وفي الجملة فهذا القول ـ أي العبرة بالتغيرـ هو الصواب ، وذلك ان الله حرم الخبائث التي هي الدم والميتة ولحم الخنزير ، ونحو ذلك ، فإذا وقعت هذه في الماء أو غيره واستهلكت لم يبق هناك دم ولا ميتة ولا لحم خنزير أصلاً ، كما أن الخمر استهلكت في المائع لم يكن الشارب لها شارباً للخمر ، والخمرة إذا استحالت بنفسها صارت خلاَ كانت طاهرة باتفاق العلماء ، وهذا على قول من يقول : إن النجاسة إذا استحالت طهرت أقوى ، كما هو مذهب أبي حنيفة ، وأهل الظاهر ، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد ، فإن انقلاب النجاسة ملحاً ورماداً ونحو ذلك هو كانقلابها ماء ، فلا فرق بين أن تستحيل رماداً أو ملحاً أو تراباً أو ماء أو هواء ، ونحو ذلك ، والله تعالى قد أباح لنا الطيبات .

  وهذه الأدهان والألبان والأشربة الحلوة والحامضة وغيرها من الطيبات والخبيثة قد استهلكت واستحالت فيها ، فكيف يحرم الطيب الذي أباحه الله تعالى ؟ ، ومن الذي قال : انه إذا خالطه الخبيث واستهلك فيه واستحال قد حرم ؟ وليس على ذلك دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ولا قياس ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث بئر بضاعة لما ذكر له أنها يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ، فقال : (الماء طهور لا ينجسه شيء)[67] وقال في حديث القلتين : (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)[68] وفي اللفظ الآخر : (لم ينجسه شيء) رواه أبو داود وغيره .

فقوله (لم يحمل الخبث) بين أن تنجيسه بأن يحمل الخبث ، أي بأن يكون الخبث فيه محمولاً ، وذلك يبين انه مع استحالة الخبث لا ينجس الماء)[69] .

  ويقول أيضاً : (فإذا كانت الخمر التي هي أم الخبائث إذا انقلبت بنفسها حلت باتفاق المسلمين ، فغيرها من النجاسات أولى ان تطهر بالانقلاب ، وإذا قدر أن قطرة خمر وقعت في خلّ مسلم بغير اختياره فاستحالت كانت أولى بالطهارة)[70] .

 ويقلو ابن حزم : (إن العالم كله جوهرة واحدة تختلف أبعاضها بأعراضها وبصفاتها فقط ، وبحسب اختلاف صفات كل جزء من العالم تختلف أسماء تلك الأجزاء التي عليها تقع أحكام الله عزّ وجل في الديانة ، وعليها يقع التخاطب والتفاهم من جميع الناس بجميع اللغات ، فالعنب عنب وليس زبيباً ، والزبيب ليس عنباً ، وعصير العنب ليس عنباً ولا خمراً ، والخمر ليس عصيراً ، والخلّ ليس خمراً ، وأحكام كل ذلك في الديانة تختلف ، والعين الحاملة واحدة ، وكل ذلك له صفات منها يقوم حده ، فما دامت تلك الصفات في تلك العين فهي ماء وله حكم الماء ، فإذا زالت تلك الصفات عن تلك العين لم تكن ماءً ولم يكن لها حكم الماء ، وكذلك الدم والخمر والبول وكل ما في العالم ، لكل نوع منه صفات ما دامت فيه فهو خمر له حكم الخمر ، او دم له حكم الدم ، أو بول له حكم البول ، أو غير ذلك ، فإذا زالت عنه لم تكن تلك العين خمراً ولا ماءً ولا دماً ولا بولاً ولا الشيء الذي كان ذلك الاسم واقعاً من أجل تلك الصفات عليه ، فإذا سقط ما ذكرتم من الخمر  أو البول او الدام في الماء او في الخلّ او في اللبن أو في غير ذلك : فإن بطلت الصفات التي من أجلها سمي الدم دماًَ والخمر خمراً والبول بولاً ، وبقيت صفات الشيء الذي وقع فيه ما ذكرنا يحسبها ، فليس ذلك الجرم الواقع بعد خمرً ولا دماً ولا بولاً ، بل هو ماء على الحقيقة أو لبن على الحقيقة ، وهكذا في كل شيء.

  فإن غلب الواقع مما ذكرنا وبقيت صفاته بحسبها وبطلت صفات الماء أو اللبن أو الخلّ فليس هو ماء بعد ولا خلاً ولا لبناً ، بل هو بول على الحقيقة أو خمر على الحقيقة أو دم على الحقيقة .

  فإن بقيت صفات الواقع ولم تبطل صفات ما وقع فيه فهو ماء وخمر أو ماء وبول أو ماء ودم ، أو لبن وبول أو دم وخلّ ، وهكذا في كل شيء..)[71] .

 ويقول أيضاً : (وهكذا كل شيء في العالم ، فالدم يستحيل لحماً فهو حينئذٍ لحم وليس دماً ، والعين واحدة ، واللحم يستحيل شحماً فليس لحما بعد بل هو شحم والعين واحدة ، والزبل والبراز والبول والماء والتراب يستحيل كل ذلك في النخلة ورقاً ورطباً ، فليس شيء من ذلك حينئذٍ زبلاً ولا تراباً ولا ماء ، بل هو رطب حلال طيب ، والعين واحدة ، وهكذا في سائر النبات كله ، والماء يستحيل هواء متصعداً ، او ملحاً جامداً فليس هو ماء بل ولا يجوز الوضوء به والعين واحدة ، ثم يعود ذلك الهواء وذلك الملح ماء ، فليس حينئذٍ هواء ولا ملحاً ، بل هو ماء حلال يجوز الوضوء به والغسل)[72].

فعلى ضوء ذلك فإن الاستهلاك مؤثر ، وأن مستند ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)[73] ، حيث يدل على أن العبرة بالكثرة والغلبة ، والاستهلاك ، (وأن المادة النجسة أو المحرمة إذا اختلطت بماء كثير ، أو مائع طاهر غالب فاستهلكت فيه ، دون أن يحملها فيظهر أثرها فيه من لون ، أو طعم أو ريح فإنه يبقى على طهارته ، وحله ، ولا تؤثر تلك المطلوبة المستهلة في تنجيسه او تحريمه)[74] .

وقد تبين لنا كذلك أن أكثر العلماء توسعاً في موضوع الاستهلاك هو شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن حزم ـ كما سبق ـ ، ويقول ابن رجب : (العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها ، فهل هي كالمعدومة حكماً، اولا ؟ فيه خلاف ، وينبني عليه مسائل:

منها : الماء الذي استهلكت في النجاسة ، فإن كان كثيراً سقط حكمها بغير خلاف ، وان كان قليلاً فروايتان… .

ومنها : لو خلط خمراً بماء واستهلكت فيه ، ثم شربه لم يحد هذا على المشهور)[75] .

الاستحالة بالنار :

  والاستحالة كما تكون بالتحلل والتخليل وبالاستهلاك ـ كما سبق ـ فقد تكون عن طريق النار مثل تحول النجاسة بالنار إلى رماد حيث يطهر عند الحنفية ـ ما عدا أبا يوسف ـ والمالكية على المعتمد ، وابن حزم ، وابن تيمية ، والشوكاني[76] .

ومن أمثلة استحالة النجاسة بالنار :

  1. رماد النجاسة ، ودخانها إذا احترقت
  2. بخار النجاسة المتصاعد من طبخها بالنار
  3. الطين المتنجس يصير بالنار فخاراً
  4. الزيت المتنجس يصير بالنار دبساً [77].

 الاستحالة بالاختلاط والتقادم :

  ومن أمثلة ذلك : انقلاب النجاسة إلى تراب ، وسقوط ميتة في بئر وانقلابها طيناً عند المعتمد لدى الحنفية ، قال الكاساني : (النجاسة إذا تغيرت بمضي الزمان وتبدلت اوصافها تصير شيئاً آخر عند محمد فيكون طاهراً)[78] .

الاستحالة بالعمل الكيميائي :

وقد ذكر فقهاؤنا عدة أمثلة منها : انقلاب الزيت النجس إلى صابون ، وعظام الميتة يصنع منها مرهم حيث يطهر ويحل بهذا العمل عند جماعة من الفقهاء[79] .

 التطبيقات المعاصرة للاستحالة والاستهلاك في مجال الدواء والغذاء والعطور [80]:

أصبح العالم اليوم بمثابة قرية واحدة مترابطة الأطراف متأثره بعضها ببعض ، بحيث لا يمكن الفصل بين أطرافها ، لذلك فما يظهر في الغرب ـ من التقنيات العلمية المعاصرة ، والتكنولوجيا ، والأدوية الجديدة والأغذية المركبة ـ يصل فوراً إلى العالم الآخر ، ويتداول بين الناس ، لذلك ينبغي على أهل العلم (والمجامع الفقهية) بيان أحكام هذه الأشياء الجديدة حتى يكون المسلمون على علم بها .

ومن أكثر الأمور تعقيداً موضوع الأدوية ، والأغذية التي تدخل في صناعتها ، أو للحفاظ عليها مواد من أصول محرمة .

  قد شغل هذا الموضوع المسلمين منذ فترة ، وأصبحت الفتاوى فيه بين ترخيص دون تأصيل ، وتشدد دون دليل ، وتعجل في التكييف دون تروّ وتعقل ، أو توقف ودمود دون الخوض في أعماقة بتمهل .

 ومعظم الناس حيارى أمام هذه الفتاوى المتضاربة ، وحق لهم العناية والحرص الشديد على معرفة الحكم الشرعي لمثل هذه الأمور المتعلقة بالأغذية التي أضيفت إليها الكحول ، والدهون الخنزيرية ، أو الجيلاتين المصنوع من عظم الميتة ، أو الخنزير ، أو الأدوية التي تصنع من المحرمات مثل الأنسولين الخنزيري ، والانزيمات الهاضمة ، والصمامات المتخذة للقلب من أصل خنزيري ، أو الأدوية التي دخلت فيها المواد الكحولية ، وغير ذلك كثير .

  لذلك على أهل العلم والمجامع الفقهية بيان الأحكام الشرعية لهذه الأغذية والأدوية والعطور التي صنعت من أصول محرمة ، أو أضيفت إليها مواد محرمة .

وفعلاً يبذل مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة ، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية جهوداً مشكورة لتوضيح هذه الحقائق .

 والمنهجية الصحيحة في مثل هذه المسائل الجديدة في عالم الغذاء والدواء رعاية عدة مبادئ وقواعد أساسية من أهمها :

1ـ رعاية مقاصد الشريعة من تحقيق المصالح ودرء المفاسد ، ورعاية ما هو ضروري أو حاجي ، أو من المحسنات .

وذلك لأن من المعلوم أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورة تقدر بقدرها … كما ورد بالأمر نصوص الشرع من الكتاب والسنة .

وأما الحاجة للتداوي بالمحرم فإنها تأتي بعد الضرورات مرتبة ومنزلة فقد نزلها جماعة من الفقهاء (منهم الحنفية ، والشافعية على الصحيح في المذهب ، وأبو ثور ، وابن حزم)[81] منزلة الضرورة ما عدا الخمر عند الشافعية التي ورد بها نص[82] .

يقول الدكتور نزيه حماد : (وهو القول الراجح عندي في المسألة ، وذلك لإباحة النبي صلى الله عليه وسلم لبس الحرير لعبدالرحمن بن عوف لحكة كانت به[83] ، وإباحته للعرنيين شرب أبوال الإبل وألبانها للتداوي)[84] و(لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة) كما قال العز بن عبدالسلام[85] وقياساً لضرورة التداوي بالنسبة للمريض على ضرورة الجوع في المخمصة بجامع حفظ الحياة… لا يخفى ما في هذا القول من التخفيف والتيسير ورفع الحرج عن المرض في الأحوال التي يعسر عليهم معرفة ما إذا كان هناك بديل متوفر خال من المادة المحرمة أو النجسة ، أو لم يكن)[86] .

2ـ رعاية فقه المآلات وما يترتب على الاستعمال للغذاء والدواء من النتائج الايجابية ، أو السلبية حسب شهادات الخبراء .

ونحن نذكر أحكام هذه المسائل بدقة مع بيان لحقيقتها الطبية ، وتأصيلها الشرعي كالآتي:

1ـ استعمال الدم المسفوح في الغذاء والدواء:

 الدم المسفوح هو الدم الخارج من الإنسان ، أو الحيوان بسبب الجرح أو الذبح ، والمراد به من الحيوان فقط ، ويجعل من الدم بلازما الدم ، وهو المنتج المتحصل عليه بعد فصل كرات الدم الحمراء من الدم ، ومصل الدم ، وهو المنتج المتحصل عليه بعد فصل الفيبرين من بلازما الدم[87] .

من المجمع عليه بين المسلمين حرمة الدم المسفوح ، وذلك لنص القرآن الكريم على ذلك فقال تعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ)[88] وقال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ)[89] وقال تعالى : (قُل لاّۤ أَجِدُ فِى مَآ أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّۤ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)[90] .

ومع هذا التحريم القاطع للدم المسفوح لدى المسلمين فإن معظم الدول الأوربية تستعمل جزءاً من الفضلات الحمراء (Pied offals) للذبيحة وتسمح باستخدام بروتينات الدم في إنتاج الأغذية ، وذلك بخلطه مع بروتينات أخرى من مصادر حيوانية ، أو نباتية ، بل تجمع الدماء في المسالخ تحت اشتراطات صحية من حيوانات تخضع للإشراف البيطري ، وتصنع منها بعض الأغذية ، واللحوم ونقانق متنوعة في إيرلندا ، وشراب في بلجيكا ، وفي أنواع أخرى من أوروبا .

وتستخدم كذلك مسشتقات الدم في المخابز ، وصناعة منتجات الألبان ، وتحسن الحبوب[91].

والحكم الفقهي على التفصيل الآتي:

1ـ إذا تغيرت حقيقة الدم واستحالت إلى مواد أخرى فإن الشيء المنتج منه في هذه الحالة تطبق عليه أحكام الاستحالة فيكون طاهراً حلالاً على الرأي الراجح ـ كما سبق ـ ، وكذلك الحكم في البروتينات المتحللة من بلازما الدم من اللبن أو الجبن ، أو الغيرين الموجود في جلطات الدم او من بعض انسجة المواشي بما فيها الخنزير ، حيث إنها حلال لنها إن كانت من دم أو شيء محرحم فقد استحال ، وان كان من طاهر فهو طاهر أصلاً ومألاً [92] .

2ـ أما إذا استعمل الدم ، أو مشتقاته مع حفاظه على حقيقته وأوصافه كلها أو معظمها ، فإن شربه وحده، أو مع خلطه بمواد أخرى حرام وقد صدرت فتوى من الندوة الفقهية الطبية التاسعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالدار البيضاء ، يونيو 1997 نصت على أن : ( المركبات الكيميائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرمة كالدم المسفوح ، أو مياه المجاري ، والتي لم تتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح الشرعي ، لا يجوز استخدامها في الغذاء والدواء ، مثل الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح ، كالنقانق المحشوة بالدم ، والعصائد المدماة (البودينغ الأسود) والهامبرغر المدمى ، وأغذية الأطفال المحتوية على الدم ، وعجائن الدم ، والحساء بالدم ونحوها ، وتعتبر طعاماً نجساً محرم الأكل ، لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق فيه الاستحالة) .

3ـ بلازما الدم التي تستعمل في الفطائر والحساء ، والنقانق وأنواع المعجنات ، كما أنها تمزج بالبن في تصنيع بعض منتجاته ، وفي صناعة بعض الأدوية وأغذية الأطفال ، فهذه البلازما ليست دماً لا لوناً ولا حقيقة ولذلك لا تعتبر حراماً ، وهذا ما صدرت به فتوى من الندوة الفقهية الطبية التاسعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالدار البيضاء ، يونيو 1997 نصت على أن : ( بلازما الدم ـ التي تعتبر بديلاً رخيصاً لزلال البيض ـ وقد تستخدم في الفطائر والحساء والعصائد (بودينغ) والخبز ومشتقات الألبان وأدوية الأطفال وأغذيتهم ، والتي قد تضاف إلى الدقيق ، فقد رأت الندوة انها مادة مباينة للدم في الاسم والخصائص والصفات ، فليس لها حكم الدم ، وان رأى بعض الحاضرين خلاف ذلك) . 4ـ أما إذا وصف لشخص دواء فيه دم أو مشتقاته فإن وجد غيره من الأدوية البديلة بنفس المستوى فلا يجوز له استعماله وتناوله ، أما إذا لم يجد ذلك فيحل له شرب ذلك الدواء ، لأن الحاجة للتداوي بالمحرمات ـ ما عدا الخمر التي ورد بها نص ـ تنزل منزلة الضرورة عند الحنفية ، والشافعية على الصحيح في المذهب، وأبي ثور ، وابن حزم[93] .

5ـ وبالتالي فلا يجوز أكل شيء فيه دم مسفوح ، ولا شربه في غير الأدوية بالشروط السابقة.

6ـ أما نقل الدم من إنسان إلى آخر فإنه جائز ، ولكن لا يجوز بيعه ، قال الحافظ ابن حجر : (وهو حرام إجماعاً أعني بيع الدم)[94] .

وقد صدر قرار من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي حول أحكام الدم نذكره بالنص حيث يقول : (فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ، في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409هـ الموافق 19 فبراير 1989م إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 فبراير 1989م : قد نظرفي الموضوع الخاص بنقل الدم من امرأة إلى طفل دون سن الحولين ، هل يأخذ حكم الرضاع المحرم ، أو لا ؟ وهل يجوز أخذ العوض عن هذا الدم ، أو لا ؟

وبعد مناقشات من أعضاء المجلس انتهى بإجماع الآراء إلى أن نقل الدم لا يحصل به التحريم ، وأن التحريم خاص بالرضاع .

أما حكم أخذ العوض عن الدم وبعبارة أخرى : بيع الدم ، فقد رأى المجلس : أنه لا يجوز ، لأنه من المحرمات المنصوص عليها في القرآن الكريم ، مع الميتة ولحم الخنزير ، فلا يجوز بيعه وأخذ عوض عنه ، وقد صح في الحديث : (إن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) كما صح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الدم ، ويستثنى من ذلك حالات الضرورة إليه ، للأغراض الطبية ولا يوجد من يتبرع به إلاّ بعوض ، فإن الضرورات تبيح المحظورات ، وبقدر ما ترفع الضرورة ، وعندئذٍ يحل للمشتري دفع العوض ، ويكون الاثم على الآخذ ، ولا مانع من إعطاء المال على سبيل الهبة ، أو المكافأة تشجيعاً على القيام بهذا العمل الإنساني الخيري ، لأنه يكون من باب التبرعات ، لا من باب المعاوضات) انتهى قرار المجمع  .

2ـ استعمال الخمر ومشتقاتها في الدواء والغذاء :

سبق أننا ذكرنا الأدلة الدالة في على أن الخمر بذاتها لا يجوز شربها ، ولا التداوي بها لوجود نصوص صحيحة وصريحة في الدلالة على ذلك ، كما أنها إذا استحالت حلت وطهرت على التفصيل السابق .

  والذي نذكره هنا هو مدى جواز استعمال الخمر في غير الشرب أو الأكل فيما خلطت بالغذاء ، وكذلك مدى جواز استعمال الكحول التي هي المادة الأساسية لها .

المسألة الأولى : استعمال الخمر في التنظيف ونحوه (أي دون الشرب) والتعقيم :

ففي هذه الحالة اختلف الفقهاء في كون الخمر نجسة أو طاهرة فذهب جمهور الفقهاء من الذماهب الأربعة وغيرهم إلى أنها نجسة العين نجاسة مغلظة كالبول والدم[95] ، قال السمرقندي : (وهي ـ أي الخمر ـ نجسة نجاسة مغلظة حتى إذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم يمنع جواز الصلاة لقوله تعالى : (رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ)[96] .

وذهب بعض الفقهاء منهم ربيعة ، وداود والظاهري والمزني ، والليث بن سعد وجماعة من فقهاء المالكية[97] إلى أنها طاهرة في العين وإن كانت محرمة إذ لا يلزم من الحرمة النجاسة ، ولأن الأصل في الأشياء الطهارة ما لم يقم دليل على نجاستها ، ولا دليل هنا ، إذ ان قوله تعالى (رجس) لا يدل على نجاسة الخمر ، لأن الله تعالى قال : (يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَْنصَابُ وَٱلأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَـﭑجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[98] حيث إن الآية تنص على أن الخمر رجس من عمل الشيطان ، مما يدل على أن هذه النجاسة معنوية بسبب كونها من عمل الشيطان وليست مادية من ذاتها كما هو الحال بالنسبة للأنصاب والأزلام التي ذكرتا مع الخمر ، مع أنها ليستا من النجسات ، ولذلك قال النووي : (الخمر نجسة عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد وسائر العلماء إلاّ ما حكاه القاضي أبو طيب وغيره عن ربيعة شيخ مالك ، وداود أنهما قالا : هي طاهرة وغن كانت محرمة كالسم الذي هو نبات … واحتج أصحابنا بالآية الكريمة …) ثم عقب النووي على ذلك فقال : ( ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة ، لأن الرجس عند أهل اللغة : القذر ، ولا يلزم من ذلك النجاسة ، وكذا الأمر بالاجتناب لا يلزم منه الناجسة ، وقول المصنف (أي الشيرازي) : ( ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجساً كالدم) لا دلالة فيه لوجهين : أحدهما أنه منتقض بالمني والمخاط وغيرهما ……. والثاني : أن العلة في منع تناولها مختلفة فلا يصح القياس ، لأن المنع من الدم لكونه مستخبثاً ، والمنع من الخمر كونها سبباً للعداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة كما صرحت الآية الكريمة) ثم قال النووي : (وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي : أنه يحكم بنجاستها تغليظاً وزجراً قياساً على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم)[99] .

  وما قاله النووي في بداية القول هو الظاهر ، وأما ما قاله الإمام الغزالي فليس هنالك دليل على التغليظ بالنجاسة ، ولذلك اختار القول بطهارة الخمر جماعة كبيرة من المتأخرين منعم الصنعاني ، والشوكاني ، وصديق حسن خان ، ومن كبار المعاصرين الشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ أحمد شاكر ، والعلامة المحقق محمد الطاهر ابن عاشور ، والشيخ العلامة يوسف القرضاوي ، وأ.د. نزيه حماد وغيرهم[100] .

  يقول الشوكاني : ( ليس في نجاسة المسكر دليل يصلح للتمسك به ، أما الآية… فليس المراد بالرجس هنا النجس ، بل الحرام ، كما يفيده السياق …. على أن في الآية الأولى ما يمنع من حملها على أن المراد بالرجس : النجس ، وذلك اقتران الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام ، فإنها طاهرة بالاجماع) ثم قال : ( ولا ملازمة بين التحريم والنجاسة)[101] ، وقد أفاض الشيخ الطاهر ابن عاشور في الاستدلال بطهارة الخمر ، فذكر :  ( أن ما ورد في حديث أنس أن كثيراً من الصحابة غسلوا جرار الخمر لما نودي بتحريم شربها ، فذلك للتبرؤ منها وإزالة أثرها … ألا ترى أن بعضهم كسر جرارها ، ولم يقل أحد بوجوب كسر الاناء الذي فيه شيء نجس … ، وقد استدل سعيد بن حداد القيرواني على طهارتها بأنها سفكت في طرق المدينة ، ولو كانت نجساً لنهوا عنه ، إذ قد ورد النهي عن إراقة النجاسة في الطرق)[102] .

فعلى ضوء هذا القول المسنود فقهاً ودليلاً يجوز استعمال الخمر والكحول في التنظيف والتطهير الطبي ، وتحضير العطور وإذابة المواد المترسبة وكل الاستعمالات الأخرى ما عدا الأكل والشرب وبذلك تحل لنا مشكلة العطور التي تحتوي على نسبة من المواد الكحولية الحافظة ، حيث إنها طاهرة أساساً ، حتى ولا حاجة إلى القول على ضوء ذلك بالاستحالة أو الحاجة أو عموم البلوى .

الكحول المستعملة في الغذاء والدواء :

الكحول ALcohol مصطلح غربي أخذ من الاسم العربي (الغول) ثم أصبح الان شائعاً ، وله أنواع من أهمها :

ـ الكحول الايثيلي أو ايثانول (Ethanol) (Ethylacohol) وهو الموجود في الخمر والمسبب للاسكار وهو موجود في بعض الأدوية والأغذية ، مثل ماء غريب (Gnipe water) الذي كان يحتوي على 4% من هذا النوع المسكر ، وهناك قلة من الأدوية تحتوي على ذلك ، وانتهى الأطباء المسلمون إلى أن جميع الأدوية التي فها الكحول الايثيلي يمكن الاستغناء عنها ، لوجود بدائل متوافرة الآن دون وجود الكحول فيها[103] وقد صدرت توصية من منظمة الصحة العالمية بإصدار توصية بمنع استخدام الكحول في مستحضر الأطفال والحوامل ، وسعت المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية إلى استصدار قرار من مجلس وزراء الصحة العرب بهذا الشأن ، واستجابت الكويت فأصدرت قراراً بمنع تسجيل أي دواء يحتوي على كحول نسبته تتعدى 3% .

والكحول الايثيلي يستخدم في المستحضرات الصيدلانية في المجالات الآتية :

  1. إذابة المواد الطيارة
  2. إذابة الخلاصات النباتية وبعض المواد العضوية والكيميائية والحيوانية حتى لا تترسب المواد الفعالة في القاع .
  3. قتل الجراثيم والميكروبات كمادة حافظة لهذه المستحضرات .
  4. تحسين الطعم والتغطية على التطعم الكريه للمواد الطبية
  5. للتهدأة
  6. لحالات التسمم[104] .

وقد ذكرنا انه الآن توجد بدائل من الأدوية الخالية من الكحول لكل هذه الحالات[105] .

مجالات غير التداوي: 

تستخدم الكحول الايثيلي بكثرة في الكولونيا ، والعطور للمحافظة عليها وإذابتها ، وتوجد كذلك نسبة قليلة في البيبسي والكوكا كولا ، حيث تقوم شركات تصنيع الكولا بإذابة مادة الكولا في الكحول الايثيلي ، ثم تضاف إليها كمية كبيرة من الماء حتى تستهلك فيه ، ويكون مثل الماء الذي نجس ، ولكن أضيف إليه الماء حتى بلغ قلتين ، وبذلك يصبح الكولا حلالاً .

وحكم هذا الاستخدام لغير الشرب حلال على رأي هؤلاء الذين يقولون بأن الخمور والكحول طاهرة ـ كما سبق ـ .

أما شرب الكحول لايثيلي محرم لأنه مسكر وكل مسكر حرام ، وكل  خمر حرام .

ولكن استعماله في الأدوية إن كان لضرورة أو حاجة ولم يكن البديل متوافراً فهو جائز ، وقد صدرت فتوى وتوصية من ندوة المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء المنعقدة في الكويت في 22-24 ذي الحجة 1415هـ الموافق 22-24 مايو 1995م المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت :

ومما جاء فيه عن الكحول :

1ـ مادة الكحول غير نجسة شرعاً بناءً على ما سبق تقريره من ان الأصل في لأشياء الطهارة سواء أكان الكحول صرفاً أم مخففاً ترجيحاً للقول بأن نجاسة الخمر وسائر المسكرات معنوية غير حسية .

2ـ وعليه فلا حرج شرعاً من استخدام الكحول طبياً كمطهر للجلد والجروح والأدوات وقاتل للجراثيم او استعمال الروائح العطرية (ماء الكولونيا) التي يستخدم الكحول فيها باعتباره مذيباً للمواد العطرية الطيارة أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها ولا ينطبق ذلك على الخمر لحرمة الانتفاع به .

3ـ لما كان الكحول مادة مسكرة فيحرم تناولها وريثما  يتحقق ما يتطلع إليه المسلمون من تصنيع أدوية لا يدخل الكحول في تركيبها ولا سيما أدوية الأطفال والحوامل فإنه لا مانع شرعاً من تناول الأدوية التي تصنع حالياً ويدخل في تركيبها نسبة ضئيلة من الكحول ، لغرض الحفظ أو إذابة بعض المواد الدوائية التي لا تذوب في الماء مع عدم استعمال الكحول فيها مهدئاً وهذا حيث لا يتوافر بديل عن تلك الأدوية .

4ـ لا يجوز تناول المواد الغذائية التي تحتوي على نسبة من الخمور مهما تكن ضئيلة لا سيما الشائعة في البلاد الغربية ، كبعض الشيكولاته ، وبعض انواع المثلجات (الآيس كريم ، الجيلاتي ، البوظة) وبعض المشروبات الغازية ، اعتباراً للأصل الشرعي في أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ولعدم قيام موجب شرعي استثنائي للترخيص فيها) .

  كما صدرت فتوى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقد في عمان بالأدرن في الفترة 8-13صفر 1407هـ الموافق 11-16اكتوبر1986م ، القرار رقم 11 بشأن استفسارات المعهد العالي للفكر بواشنطن :

س12 : هناك كثير من الأدوية تحوي كميات مختلفة من الكحول تتراوح بين 0.1% و25% ومعظم هذه الأدوية من أدوية الزكاة واحتقان الحنجرة والسعال وغيرها من الأمراض السائدة ، وتمثل هذه الأدوية الحاوية للكحول ما يقارب 95% من الأدوية في هذا المجال[106] مما يجعل الحصول على الأدوية الخالية من الكحول عملية صعبة او متعذرة فما حكم تناول هذه الأدوية ؟

ج12: للمريض المسلم تناول الأدوية المشتملة على نسبة من الكحول إذا لم يتيسر دواؤ خال منها ، ووصف ذلك الدواء طبيب ثقة أمين في مهنته[107]) .

وصدر قرار جمعية الصحة العالمية الأربعون ج ص ع40-32 WHA40.32 البند 18-2 من جدول الأعمال 15 آيار/مايو 198715 May 1987

استعمال الكحول في الأدوية :

  إدراكاً منه اللمخاطر الناجمة عن فرط تعاطي الكحول على صحة الإنسان ، وإذ تلاحظ وجود الكحول في كثير من الأدوية ، بما فيها أدوية الأطفال ، برتكيزات لا لزوم لها بل تنطوي على ضرر كامن ، وإذ تدرك التأثيرات الضارة الكحول ولا سيما في أثناء فترة الحمل ، ونتيجة للتفاعلات المتبادلة التي قد تحدث عند تعاطي الكحول مع الأدوية فيوقت واحد ، وإذ تلاحظ وجود قلق متزايد بين الأطباء والصيادلة إزاء الاستعمال غير الملائم  للكحول في الأدوية ، وإذ تأخذ في الاعتبار ما أثبته البحث العلمي من إمكانية الاستعاضة عن الكحول في كثير من الأدوية بمواد غير كحولية دون التاثير على فعالية الأدوية .

  وإذ تعتقد أن قوائم العقاقير الأساسية الوطنية ينبغي ألا تتضمن العقاقير المحتوية على الكحول إلاّ عندما يكون الكحول مقوماً أساسياً ، وإذ تأخذ علماًَ بالقرار ش ب/ل إ32/ق9 بشأن استعمال الكحول في الأدوية الذي اتخذته اللجنة الاقليمية لشرق البحر المتوسط في دورتها الثانية والثلاثين .

تحث الدول الأعضاء على ما يلي :

  1. استعراض تسجيل الأدوية المحتوية على الكحول كمقوم فعال بغية الحدّ من استعماله قدر الإمكان ، وخاصة حيثما يمكن الاستعاضة عنه بمادة غير كحولية .
  2. العمل على إنقاص تركيز الكحول في الأدوية قدر الإمكان وذلك في الحالات التي لا يوجد فيها بديل مناسب يمكن إحلاله محله .
  3. استعراض المستحضرات الصيدلانية المتوفرة للتحقق من محتوى الكحول فيها .
  4. تكثيف الجهود وتشجيع البحث العلمي بهدف إيجاد المستحضرات الصيدلانية البديلة التي لا تحتوي عى الكحول وتكون لها نفس الفعالية .

وتطلب إلى المدير العام :

  1. تزويد الدول الأعضاء بالمعونة التكنولوجية والمعلومات اللازمة للنهوض بالأنشطة آنفة الذكر .
  2. متابة تنفيذ هذا القرار وتقديم تقرير عن الإجراءات المتخذة في هذا الصدد .

الجلسة العامة الثانية عشرة   15 آيار/مايو1987ج40/الماحضر الحرفية/12) .

وصدر قرر رقم 16 من مجلس وزراء الصحة العرب ، الدورة الثانية عشرة ، بشأن الحد من الكحول الايثيلي في الدواء هذا نصه : ( بعد الاطلاع على مذكرة الأمانة الفنية في الموضوع وعلى القرار رقم (14) للمكتب التنفيذي بدورته (51) وعلى قرار المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية رقم (17) بدورته (79) وبعد المناقشة :

قرر

  1. التأكيد على وزارات الصحة العربية التي لم تزود الأمانة الفنية بالخطوات المتخذة من قبلها لتنفيذ قرارات المجلس ومكتبه التنفيذي بشأن الحد من استعمال الكحول الايثيلي في الدواء سرعة إرسال هذه الملاحظات إلى الأمانة الفنية .
  2. الطلب من الدول العربية تبين القرار 17 الصادر عن المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية بدورته (79) وذلك خلال مناقشة موضوع استعمال الكحول في الأدوية في الدورة (40) لجمعية الصحة العالمية.
  3. توجيه الشكر للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية للجهود التي تبذلها في هذا المجال)[108].

ـ الكحول البنزيلي (Benzyl Alcohol) الموجود في حقن مادة الايزوبريل ، والكحول الأرثويتول الموجود في حقن الكارديلات فهما لا علاقة لهام بالكحول الايثيلي الذي هو روح الخمر .

 3ـ حكم استعمال مشتقات الخنزير في الأغذية :

  مما لا اخلاف فيه بين الفقهاء أن الله تعالى حرم الخنزير فلا يجوز أكل أي جزء منه ، بل إن جمهور الفقهاء على أنه نجس ومحرم لذاته فلا يجوز الانتفاع به مطلقاً [109] فقال تعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ …..)[110] وقال تعالى : (…. أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)[111] وهل يطهر جلده بالدباغ لعموم قول النبي صلى الله عليه سلم : ( أيما إهاب دبغ فقد طهر)[112] ؟ فيه خلاف بين الفقهاء ، فالجمهور على عدم تطهيره بالدباغ ، وبعض الفقهاء (منهم داود والظاهري وأبو يوسف) قالوا بتطهيره به[113] .

  وتدخل مشتقات الخزنير وبالأخص من شحمه في عدد من المواد الغذائية كالأجبان والبسكويت ، والآيس كريم ، والشوكولاته وبعض أنواع الزيت والسمن..[114] .

  والحكم الشرعي في هذه المسألة هو ما بينته فتوى وتوصية الندوة الفقهية الطبية الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (مايو/آيار 1995) التي تنص على : (أن المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه ، مثل بعض الأجبان وبعض أنواع الزيت والدهن والسمن والزبد ، وبعض أنواع البسكويت ، والشوكولاته والآييس كريم هي محرمة ، ولا يحلّ أكلها مطلقاً اعتباراً لإجماع أهل العلم على نجاسة شحم الخزنير وعدم حلّ أكله ، ولانتفاء الاضطررا إلى تناول هذه المواد) .

 حكم الجيلاتين المستخرج من الخنزير :

  يستخرج الجيلاتين من عظام الخزنير والبقر ، وجلودهما غالباً ، وقد ازداد الاقبال عليه حتى وصل إنتاجه إلى مائتي ألف طن سنوياً ، أكثر من 50% خنزيري المنشأ[115] .

وقد ذكر الدكتور محمد عبدالسلام مجالات استعمالات الجيلاتين بالتفصيل من أهمها :

أ- تغليف اللحوم والأسماك والربيان به

ب- منتجات الألبان من الأجبان واللبن الرائب ونحوهما ، والمثلجات مثل الآيس كريم ونحوه .

ج. الحلويات ، والمراهم ، والمساحيق المهيئة للطعام .

د. منتجات المخابز والحلويات

هـ . بعض الأغذية الخاصة بالمرضى الذين يعانون من القرحة ونحوها .

و. بعض الأدوية والتحاميل الشرجية والمهلبية .

وغير ذلك مما ذكره الدكتور محمد عبدالسلام وغيره[116] .

الحكم الشرعي لهذه الحالة هو أن أهل العلم والخبرة من علماء المسلمين قد قرروا أن الجيلاتين من أي أصل كان قد تمت فيه عملية الاستحالة بالمعنيى الفقهي السابق ، حيث تحول الجلد والعظم إلى مادة أخرى مغايرة من حيث الاسم والخصائص والصفات[117] ، ولذلك يكون حكم الجيلاتين انه طاهر حلال يجوز استعماله إلاّ إذا ثبت ضرره من جانب آخر وحينئذٍ ينظر إلى مقدار الضرر ، وهذا ما صدر به قرار من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي حيث جاء فيه : ( فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 11رجب 1419هـ الموافق 31 اكتوبر1998م قد نظر في موضوع الجيلاتين وبعد المناقشة والتدارس ظهر للمجلس ان الجيلاتين مادة تستخدم في صناعة الحلويات وبعض الأدوية الطبية ، وتستخلص من جلود الحيوانات وعظامها ، وبتاء عليه قرار المجلس ما يلي :

أولاً : يجوز استعمال الجيلاتين المستخرج من المواد المباحة ومن الحيوانات المذكاة تذكية شرعية ، ولا يجوز استخدامه من محرم كجلد الخنزير وعظامه وغيره من الحيوانات والمواد المحرمة .

ثانياً : يوصي المجلس الدول الإسلامية والشركات العاملة فيها وغيرهما أن تجتنب استيراد كل المحرمات شرعاً وأن توفر للمسلمين الحلال الطيب .

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله ربّ العالمين) .

 حكم الجبن الناتح بسبب أنْفَحة[118] الحيوان الميت :

  الأنفحة إذا كانت من حيوان طاهر مذبوح فهي طاهرة عند الأكثرين قال الغزالي : (ومنهم من حكم بالطهارة ، إذ بها يجبن اللبن والأولون لم يحترزوا منه)[119].

  وأما أنفحة الحيوان الميت فجمهور الفقهاء على نجاستها ، وبالتالي لا يحل الجبن المنعقد بها[120] .

  وذهب جماعة (منهم أبو حنيفة وداود الظاهري واحمد في رواية رجحها ابن تيمية) إلى أنها طاهرة ، وحينئذٍ يكون الجبن المنعقد بها طاهراً وحلالاً [121] قال ابن قدامة : (ولبن الميتة وانفحتها نجسة في ظاهر المذهب وهو قول مالك والشافعي ، وروي انها طاهرة ، وهو قول أبي حنيفة ، وداود ، لأن الصحابة أكلوا الجبن لما دخلوا المادئن وهو يعمل بالأنفحة)[122] .

  قال شيخ الاسلام ابن تيمية : (وأما لبن الميتة وانفحتها ففيه قولان مشهوران للعلماء : أحدهما : ان ذلك ظاهر ، كقول أبي حنيفة وغيره ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد .

والثاني : انه نجس ن كقول مالك والشافعي ، والرواية الأخرى من أحمد .

  وعلى هذا النزاع انبنى نزاعهم في جبن المجوس ، فإن ذابئح المجوس حرام عند جماهير السلف والخلف ، وقد قيل : عن ذلك مجمع عليه بين الصحابة ، فإذا صنعوا جبناً ـ والجبن يصنع بالأنفحة ـ كان فيه هذان القولان .

  والأظهر أن جبنهم حلال ، وان انفحة الميتة ولبنها طاهر ، وذلك لن الصحابة لما فتحوا بلاد العلااق أكلوا جبن المجوس ، وكان هذا ظاهراً شائعاً بينهم ، وما ينقل عن بعضهم من كراهة ذلك ففيه نظر ، فإنه من نقل بعض الحجازيين وفيه نظر ، وأهل العراق كانوا أعلم بهذا ، فإن المجوس كانوا ببلادهم ولم يكونوا بارض الحجاز .

  ويدل على ذلك أن سلمان الفارسي كان هو نائب عمر بن الخطاب على المدائن ، وكان يدعو الفرس إلى الاسلام ، وقد ثبت عنه : أنه سئل عن شيء من السمن والجبن الفراء ؟ فقال : ( الحلال ما أحلّ الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفى عنه ) [123] ، وقد رواه أبو داود مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم انه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين واهل الكتاب ، فإن هذا أمر بيّن ، وإنما كان السؤال عن جبن المجوس ، فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحلها ، وإذا كان ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع النزاع بقول النبي صلى الله عليه وسلم.

  وأيضاً فاللبن والأنفحة لم يموتا ، وإنما نجسهما لكونهما في وعاء نجس ، فيكون مائعاً في وعاء نجس ، فالتنجيس مبني على مقدمتين على أن المائع لاقى وعاءً نجساً ، وعلى أنه إذا كان كذلك صار نجساً.

  فيقال أولاً : لا نسلم ان المائع ينجس بملاقاة النجاسة ، وقد تقدم ان السنة دلت على طهارته لا على نجاسته .

  ويقال ثانياً : ان الملاقاة في الباطن لا حكم لها ، كما قال تعالى : (يِخْرُجُ من بين فرث ودم لناً خالصاً سائغاً للشاربين) ولهذا يجوز حمل الصبي الصغير في الصلاة مع ما في بطنه ، والله أعلم)[124] .

  وقال شيخ الاسلام في موضع آخر : (أما الجبن المجلوب من بلاد الفرنج ، فالذين كرهوه ذكروا لذلك سبيين :

أحدهما : أنه يوضع بينه شحم الخنزير إذا حمل في السفن .

والثاني أنهم لا يذكون ما تصنع منه الأنفحة ، ب يضربون رأس البقر ولا يذكونه .

  فأما الوجه الأول : فغايته أن ينجس ظاهر الجبن ، فمتى كشط الجبن ، او غسل طهر ، فإن ذلك ثبت في الصحيح : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال : (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) فإذا كان ملاقاة الفأرة للمسن لا توجب نجاسة جميعه ، فكيف تكون ملاقاة الشحم النجس للجبن توجب نجاسة باطنة؟! ومع هذا فإنما يجب إزالة ظاهره إذا تيقن اصابة النجاسة له ، وأما مع الشك فلا يجب ذلك .

  وأما الوجه الثاني : فقد علم أنه ليس كل ما يعقرونه من الأنعام يتركون ذكائه ، بل قد قيل : انهم إنما يفعلون هذا بالبقر ، وقيل انهم يفعلون ذلك حتى يسقط ، ثم يذكونه ، مثل هذا لا يوجب تحريم ذبائحم ، بل إذا اختلط الحرام بالحلال في عدد لا ينحصر كاخلاط أخته بأهل بلد ، واختلاط الميتة والمغصوب بأهل بلدة ، لم يوجب ذلك تحرم ما في البلد ، كما إذا اختلطت الأخت بالأجنبية ، والمذكى بالميت فهذا القدر المذكور لا يوجب تحريم ذبائحهم المجهولة الحال ، وبتقدير أن يكون الجبن مصنوعاً من انفحة ميتة ، فهذه المسألة فيها قولان مشهوران للعلماء :

  أحدهما : ان ذلك مباح طاهر ، كما هو وقل أبي حنيفة وأحمد في احدى الروايتين .

  والثاني : انه حرام نجس ، كقول مالك ، والشافعي ، وأحمد في الرواية الأخرى ، والخلاف مشهور في لبن الميتة وانفحتها : هل هو طاهر ؟ أم نجس ؟ والمهرون احتجوا بان الصحابة أكلوا جبن المجوس مع كون ذبائحهم ميتة ، ومن خالفهم نازعهم كما هو مذكور في موضع آخر .

  وأما الجوخ فقد حكى بعض الناس انهم يدهنونه بشحم الخنزير ، وقال بعضهم انه ليس يفعل هذا به كله ، فإذا وقع الشك في عموم نجاسة الجوخ لم يحكم بنجاسة عينه ، لامكان أن تكون النجاسة لم تصبها إذ العين طاهرة ، ومتى شك في نجاستها فالأصل الطهارة ، ولو تيقنا نجاسة بعض أشخاص نوع دون بعض ، لم نحكم بناجسة جميع أشخاصه ولا بنجاسة ما شككنا في تنجيسه ! ولكن إذا تيقن النجاسة ، أو قصد قاصد إزالة الشك فغسل الجوخة يطهرها ، فإن ذلك صوف أصابه دهن نجس ، وأصابه البول والدم لثوب القطن والكتان أشد وهو به ألصق.

  وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لمن اصاب دم الحيض ثوبها حتيه ، ثم اقرصيه ، ثم اغسليه بالماء ـ وفي رواية ـ ولا يضرك أثره) والله أعلم)[125] .

  وبناء على ما سبق فإن الجبن المنعقد من أنفحة الحيوان المأكول اللحم طاهر وحلال ، وهذا ما صدرت به فتوى من الندوة الفقهية الطبية الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت 22-24/5/1995 ونصت على أن : (الجبن المنعقد بفعل ميتة الجيوان المأكول اللحم طاهر ويجوز تناوله).

 حكم الجبن الناتج عن أنفحة الخنزير :

  فالجبن المعقود بأنفحة الخنزير يطبق عليه مبدأ الاستحالة والاستهلاك حيث تحول اللبن إلى جبن، كما علماء الكيمياء والصيدلة ذكروا أن الأنفحة تستخدم ممددة جداً حسب درجة فعاليتها ، وقد تصل نسبة التمديد إلى 1/1000[126]، وهذا يعني أن تلك الأنفحة النجسة قد استهلكت في المائع الطاهر الغالب وبالتالي لم يبق لها لون ولا رائحة[127] .

وهذا ما صدرت به فتوى من الندوة الفقهية الطبية التاسعة للمنظمة الاسلامية للعلوم الطبية بالدار البيضاء في يونيو / حزيران 1997 حيث نصت على : ( ان الانزيمات الخنزيرية المنشأ كالببسين وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء أو الدواء الغالب تنقلب إلى مواد مباحة شرعاً بالاستهلاك) .

حكم مشتقات الخنازير في الأدوية والعلاج :

ـ الأنسولين المأخوذ من الخنزير :

  يعتبر مرض السكر من أخطر الأمراض التي لها آثار خطيرة على الإنسان المصاب به ، وعلاجه يبدأ بالأقراص لتنشيط الخلايا الخاصة بإفراز الأنسولين ، ولكن في بعض الأحيان والحالات لا تحقق هذه الأقراص الغرض المنشود ، وحينئذٍ يلجأ الطبيب إلى استخدام مادة الأنسولين عن طريق الابر (الحقن) وهي مادة هرمونية تستخرج غالباً منذ اكتشافه من بنكرياس الخنزير ، وقد تستخرج بكميات محددة وبتكلفة عالية من الإنسان عن طريق الهندسة الوراثية[128] .

  إذن فما حكم الشرع في استعمال الأنسولين الخنزيري المنشأ ؟

  إن الجواب عن ذلك مرتبط بتحقق الاستحالة فيه ، ولذلك رأت الندوة الطبية الفقهية الثامنة للمنظمة الاسلامية للعلوم الطبية بالكويت 22-24/5/1995 أن الاستحالة لم تتحقق ، وبالتالي فلا يجوز استعمالها إلاّ في حالة الضرورة حيث نصت على أن : (ان الأنسولين الخنزيري المنشأ يباح لمرضى السكر التداوي به للضرورة وبضوابطها الشرعية) في حين يرى البعض ان هذه المادة لا تبقى على حالتها بعد استخراجها من الخنزير ، بل تتم فيها عملية الاستحالة من خلال إجراء تفاعلات كيميائية معقدة ومتعددة على تلك الغدة تجعلها شيئاً آخر ، حيث انقلبت حقيقتها وتغيرت صفاتها الأساسية ، لذلك فإن الأنسولين يعتبر طاهراً شرعاً وحلالاً يجوز استعماله مطلقاً[129] .

 ـ استخدام جلد الخنزير لترقيع الجلد :

في حالة الحروق من الدرجة الثالثة يلجأ الطبيب لترقيع أكبر قدر ممكن من الجلد لحماية صاحبه من التلوث ومنع تبخر السوائل منه ، فإذا لم تتوافر هذه الكمية من إنسان فإن يستعمل جلد الخنزير الذي يعتبر بمثابة ضماد مؤقت ، لأن جسم الإنسان يرفض هذا الغريب عند البرء.

  وهذه الحالة تدخل في الضرورات التي تبيح المحظورات أو الحاجة الملحة التي تنزل منزلة الضرورة ، لذلك لا يجوز الاقدام عليها إلاّ عند عدم توافر جلد طاهر بالكمية المطلوبة ، وعند شهادة الطبيب الماهر الأمين بذلك[130] ، وهذا ما صدرت به فتوى من الندوة الفقهية الطبية الثامنة للمنظمة الاسلامية للعلوم الطبية بالكويت 22-24/5/1995 نصت على أن : (الرقع الجلدية المأخوذة من الكلب أو الخنزير لا يجوز استخدامها إلاّ عند عدم وجود البديل الجائز شرعاً وعند الضرورة ، شريطة أن تكون مؤقتة) .

 المنتجات الصناعية من الخنزير :

هناك منتجات صناعية تنتج من شحم الخنزير أو بقية أجزائه نذكر بعضها وهي :

أ ـ بعض انواع الصابون الذي يصنع من شحم الخنزير بعد تغيير تركيبها الكيميائي وصفاتها ، حيث تتحقق عميلة الاستحالة وبذلك يصبح الصابون المنتج من الخنزير او الميتة طاهراً حلالاً ، وهذا ما صدرت به فتوى من الندوة الفقهية الطبية الثامنة (السابقة) حيث نصت على ان : ( الصابون الذي ينتج من استحالة شحم الخنزير او الميتة يصير طاهراً بتلك الاستحالة ويجوز استعماله) .

  وقد تطرق فقهاؤنا القدامى على جواز استعمال الصابون المصنوع من الزيت فقد جاء في المنتقى شرح الموطأ : (قال مالك في الزيت النجس يجوز الاستصباح به في غير المساجد …. ويعمل منه الصابون ، وبه قال الشافعي ، وهو قول علي ابن طالب رضي الله عنه .. وروي عن عبدالله بن عمر)[131] وجاء في المجموع : ( ويجوز أن يتخذ من هذا الدهن (النجس) الصابون)[132] .

ب ـ معجون الأسنان المصنوع بعض مواده من شحم الخنزير ، حيث يعالج كيميائياً ، وتتم فيه عملية الاستحالة الشرعية ، وتتغير حقيقته من الشحم إلى مادة أخرى مختلف منه حقيقة وصفات ، ولذلك فهو طاهر حلال استعماله[133] .

ج ـ المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير ، وتطبق عليها قواعد الاستحالة ، فإن تحول الشحم الموجود فيها إلى مادة أخرى بسبب التفاعلات الكيميائية فإنها طاهرة جاز استعمالها ، وإلاّ فلا ، وهذا ما صدرت به فتوى من الندوة الفقهية الطبية الثامنة (السابقة) نصت على : ( ان المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير لا يجوز استعمالها إلاّ إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينها ،  أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة ، ولا يجوز استعمالها شرعاً).

مدى شرط التسمية لذبائح أهل الكتاب :

 من المتفق عليه أن الاسلام اشترط في حلّ الحيوانات البرية الذكاة الشرعية ، بحيث أن يتم ذبح الحيوان ذبحاً شرعياً حسب التفصيل الذي ذكره الفقهاء[134] للذبح ، أو كما اشترط الاسلام أن لا يذكر اسم غير الله تعالى عند الذبح ، وهذا ما سماه القرآن الكريم (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ )[135] فقال تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[136] فهذا نص صريح في حرمة ما ذبح لغير الله تعالى ، وتكرر ذلك في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ )[137] وقوله تعالى : (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[138] ، وكما نهى الله تعالى عن أكل ما لم يذكر الله الله عليه ، فقال تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )[139] .

 ومع هذه النصوص التي ذكرناها ، فإن القرآن الكريم قد نص أيضاً على : (.. وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ …)[140] ولذلك ثار الخلاف حول اشتراط التسمية …

تحرير محل النزاع في هذه المسألة :

1- إن جمهور العلماء متفقون على حرمة ذبيحة أهل الكتاب أو غيرهم إذا ثبت أنه عند ذبحها ذكر اسم غير الله عليها للنصوص القطعية الدالة على حرمة ( وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ) [141]  كما سبق .

2- إن أهل الكتاب إذا ذكروا اسم الله تعالى عند الذبح فإن ذبيحتهم بعد توافر الشروط العامة المطلوبة داخلة في قوله تعالى : (.. وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ …)[142] .

 وإنما الخلاف في ذبائحهم التي لم يذكر عليها اسم الله تعالى .

 وبما أن مسألة التسمية عند التذكية خلافية حتى حينما يكون الذابح مسلماً ، فنحن نذكر هذا الخلاف أيضاً بإيجاز .

أولاً – ترك التسمية عند التذكية والذابح مسلم :

فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة آراء أساسية[143] :

الرأي الأول : أن التسمية شرط لصحة التذكية ، ولكن يسقط في حالة النسيان ، ولذلك لو ترك الذابح التسمية سهواً أو نسياناً وهو ممن شأنه أن يسمي الله تعالى فإنه يجوز أكلها ، وهذا الاستثناء للأدلة الدالة على رفع الخطأ والنسيان عن هذه الأمة[144] وهذا رأي جمهور الفقهاء من الحنفية ، والمشهور لدى المالكية ، والراجح عند الحنابلة[145] ، وبه قال اسحاق ، والثوري ، والحسن بن حيّ ، وعيسى ، وأصبغ ، واختاره النحاس[146] ، وهو مروي عن الناصر والقاسمية[147] ، ونسبه ابن كثير إلى جماعة من الصحابة منهم الإمام علي ، وابن عباس ، وجماعة من التابعين ، منهم سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاووس ، والحسن البصري ، وأبو مالك ، وابن أبي ليلى ، وجعفر بن محمد ، وربيعة بن أبي عبدالرحمن[148] .

 فهؤلاء الفقهاء استدلوا بالآيات والأحاديث الدالة على اشتراط التسمية مثل قوله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )[149]  وقوله تعالى : ( فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ )[150] وغيرهما ، ولكنهم قالوا : إن النسيان عذر مقبول شرعاً – كما سبق – .

الرأي الثاني : أن التسمية ليست شرطاً رأساً لصحة التذكية وأكل المذبوح فيحل أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمداً كان الترك أو نسياناً ، وهذا مذهب الشافعية[151] وهو مروي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، وأبي عياض ، وأبي رافع ، وطاووس ، وابراهيم النخعي ، وابن أبي ليلى ، وقتادة والحسن[152] ، وهو قول لمالك[153] ، وقول للاباضية[154] وأسنده أبو حيان إلى ربيعة ، والأصم[155] .

 وهؤلاء استندوا في قولهم هذا على أدلة من الكتاب والسنة ، فمن الكتاب قوله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[156] ووجه الاستدلال به أن الله تعالى حصر المحرمات بأسلوب الحصر في هذه الأمور الأربعة ، وليس من بينها متروك التسمية ، بل أكد ذلك القرآن الكريم في سورة النحل الآية 15 ، وفي سورة المائدة الآية 3 ، بل إن الآية 145 من سورة الأنعام جاءت بأسلوب حصري قاطع فقال تعالى : (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[157] ، كل هذه الآيات حصرت المحرمات في باب المطعومات على تلك الأمور الأربعة ، وليس بينها متروك التسمية عمداً أو سهواً .

 وبناءً على هذه الأدلة القطعية الحصرية تحمل الآيات الواردة في النهي عما ( لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [158] على ( وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ) [159] جمعاً بين الأدلة ، ومن المعلوم أن الجمع أولى من إلغاء أحدهما ، وهناك جمع آخر وهو ان الآيات التي فيها الأمر بذكر اسم الله أو النهي عن عدمه  واردة في التسمية عند أكل الذبيحة لما يدل عليه الحديث[160] .

 وبالاضافة إلى ذلك فإن السنة النبوية قد أكدت ذلك حيث روى البخاري وغيره بسندهم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( أن قوماً يأتوننا بلحم لا ندري : أذُكِرَ اسم الله عليه أم لا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( سمّوا أنتم عليه وكلوه) قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر )[161] .

 قال الحافظ ابن حجر رداً على من قال : ( إن قوله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)[162] نزل بعده الحديث فنسخه لأنه أمرهم فيه بالتسمية عند الأكل ، فدل على أن الآية ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)[163] كانت نزلت بالأمر بالتسمية عند الكل ، وأيضاً فقد اتفقوا على أن ( الأنعام ) مكية ، وان هذه القصة جرت في المدينة ، وأن الأعراب المشار إليهم في الحديث هم أهل المدينة )[164] .

 ثم أضاف الحافظ فقال : ( قال المهلب : هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب ، إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال ، وقد أجمعوا على أن التسمية على الأكل ليست فرضاً، فلما نابت عن التسمية على الذبح دل على أنها سنة لأن السنة لا تنوب عن فرض، ودلّ هذا على أن الامر في حديث عدي وابن ثعلبة محمول على التنزيه من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية، فعلمهما النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصيد والذبح فرضه ومندوبه لئلا يوافعا شبهة في ذلك، وليأخذا بأكمل الامور فيما يستقبلان . وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع ، ويقع لغيرهم ليس فيه قدرة على الأخذ بالأكمل فعرفهم بأصل الحل فيه .

 وقال ابن التين : يحتمل أن يراد بالتسمية هنا عند الأكل ، وبذلك جزم النووي. قال ابن التين: وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم فلا تكليف عليهم فيه. وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها. ويحتمل أن يريد : أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا : أذكروا اسم الله عليه أم لا إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمى)[165] .

 وقد استنبط الحافظ ابن حجر – وغيره – من الحديث قاعدة ، وهي : ( أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين، لأن الغالب : أنهم عرفوا التسمية، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال : فيه إن ما ذبحه المسلم يؤكل، ويحمل على أنه سمى لأن المسلم لا يظن به في كل شئ إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك)[166] .

 وقد استنبط الخطابي من الحديث عكس ما فهمه ابن عبدالبر فقال : ( فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة، لأنها لو كانت شرطاً لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه، كما لو عرض الشك في نفس الذبيحة، فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أو لا؟ )[167]

 قال الحافظ معلقاً على قول الخطابي : ( وهذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه: (فسموا أنتم وكلوا )، كأنه قيل لهم: لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا، وهذا من الاسلوب الحكيم، كما نبه عليه الطيبي)[168].

 قال الحافظ : ( ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ )[169]  فأباح الاكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا.)[170] .

 والذي يظهر لي رجحانه من هذا الحديث الشريف في ظل الآيات الآمرة بالتسمية والنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح هو : أن التسمية عليها ، ولكن بما أن الغرض من التسمية عليها مطلوبة هو حل أكلها أو التبرك بها ، وبالتالي فإن هذه التسمية تتحقق إما بذكرها في البداية عند الذبح ، أو عند الأكل ، وفي ضوء ذلك فإذا سمى عليها في البداية فتكون التسمية سنة عند الأكل ، أما إذا لم يعلم بأنها سُمّي عليها فتكون التسمية عند الأكل واجبة أو سنة مؤكدة . والله أعلم .

الرأي الثالث : أن التسمية شرط لصحة التذكية مطلقاً في جميع الحالات : العمد ، أو النسيان ، فمن تركها لم يكن فعله ذكاة شرعية ، وأن لحم المذبوح أو المنحور ، أو الصيد حرام ، وهذا قول لأحمد[171] وهو رأي الظاهرية دافع عنه ابن حزم وعزاه إلى جماعة منهم عبدالله بن يزيد ، ووصفه بأنه صحيح الصحبة ، وإلى الشعبي[172] وعليه أكثر علماء الاباضية[173]  ، وعزاه القرطبي إلى ابن عمر ، وابن عباس ، وابن ربيعة ، ونافع ، وعبدالله بن زيد الخطمي ، وابن سيرين ، وأبي ثور ، وداود بن علي ، واحمد في رواية[174].وقد استدلوا بالآيات الآمرة بالأكل (مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)[175] ، وبالآية التي نصت على:(وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)[176]حيث تدل بمنطوقه على المنع من أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.

 ونوقش الاستدلال بالآيات الآمرة بالأكل مما ذكر اسم الله عليه بأنها لا تدل على حرمة ما لم يذكر اسم الله عليه ، وأما الآية الناهية عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه فقد أجيب عنها بعدة أجوبة ، منها أنها مخصصة بالآيات والأحاديث الدالة على رفع الاثم على الخطأ والنسيان – كما سبق – ، كما أجيب عنها بأنها محمولة على المنع من أكل ما أهل به لغير الله ، أو الميتة جمعاً بين الأدلة ، ويؤكده أنه جاء فيها بعده ( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [177] فجاء بيانه في قوله تعالى : ( أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ )[178].

 وأما الشافعية ومن معهم فقد أجابوا عنها بأن ذكر اسم الله يشمل حالتي الذبح ، وحالة الأكل ، وبالتالي فإذا ذكر اسم الله تعالى عند الأكل فقد تحقق منطوق الآية ، ويعضد ذلك حديث عائشة المذكور سابقاً.

 وأما من السنة فكثيرة الأحاديث ، منها حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( …. إذا أرسلت كلبك وسمّيت فكل… قلت : أرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر ، قال : ( لا تأكل ، فإنك إنما سمّيت على كلبك ، ولم تسمّ على الآخر )[179] .

 وجه الاستدلال بهذا الحديث ونحوه أن هذه الأحاديث تعلق الأكل من الصيد بالتسمية على الكلب عند إرساله ، كما أن فيه النهي عن أكل صيد لم يسم على الكلب الصائد او وجد معه كلب لم يسم عليه .

الرأي الرابع : هو الفرق بين الصيد ، والذبيحة ، حيث ذهب الإمام أحمد إلى أن : من ترك التسمية على الصيد عامداً أو ساهياً لم يؤكل ، وإن ترك التسمية على الذبيحة عامداً لم تؤكل ، وإن تركها ساهياً أكلت[180] .

  قال ابن قدامة بشأن اشتراط التسمية على الصيد مطلقاً : ( هذا تحقيق المذهب ، وهو قول الشعبي ، وأبي ثور وداود) [181] وقال أيضاً : ( وعن أحمد أن التسمية تُشترط على إرسال الكلب في العمد والنسيان ، ولا يلزم ذلك في إرسال السهم إليه حقيقة وليس له اختيار فهو بمنزلة السكين ، بخلاف الحيوان فإنه يفعل باختياره)[182] .

 وقد استدلوا بالأدلة الواردة من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب التسمية ، ولكن دليل الفرق بين الصيد والذبيحة هو ما قاله ابن قدامة : ( أن الذبح وقع في محله فجاز أن يتسامح فيه ، بخلاف الصيد)[183].

ولكن هذا الدليل غير كاف في إيجاب الفرق بينهما مع وجود الدلة العامة للأمرين .

حقيقة التسمية :

 إن التسمية تتحقق عند جمهور الفقهاء بذكر اسم الله فقط عند الذبح أو إرسال الكلب ، أو الصقر ، أو إطلاق السهم ونحوه ، فيقول : الله ، أو أي اسم من أسماء الله الحسنى ، وسواء أقَرِن بالاسم الصفة مثل أن يقول : الله أكبر ، أو الله الرحمن ، أم لم يقرن بأن قال : الله ، أو الرحمن ، أو الرحيم ، أو نحو ذلك ، لأن المطلوب في الآيات والأحاديث ذكر الله تعالى ، وهو يتحقق بما ذكرناه ، وكذلك تتحقق التسمية لو قال عند الذبح ، أو الارسال أو الاطلاق ( سبحان الله ) أو ( الحمد لله ) أو ( لا إله إلاّ الله ) سواء كان جاهلاً بالتسمية أم عالماً بها[184] ، ولكن الحنابلة في المذهب المنصوص عليه على أن يقول : بسم الله ، ولا يقوم غيرها مقامها[185] .

 ولكن الأكمل عند الجميع هو ( بسم الله ) أو ( باسم الرحمن ) …الخ .

هل مسألة الذبائح من العبادات ، أم من العادات ؟

 يظهر من دراسة الموضوع أن المسألة خلافية ، فقد صرح السيد رشيد رضا بأنها ليست من العبادات حتى لا تحتاج إلى النية ، وعدم إجراء القياس فيها ، بل هي من العادات إلاّ فيما يتعلق بالاهلال في الذبيحة لغير الله تعالى ، حيث قال : ( إن المسألة ليست من المسائل التعبدية ، وأنه لا شيء من فروعها وجزئياتها يتعلق بروح الدين وجوهره إلا تحريم الإهلال بالذبيحة لغير الله تعالى ؛ لأن هذا من عبادات الوثنيين وشعائر المشركين فحرم علينا أن نشايعهم عليه أو نشاركهم فيه…)[186] .

 أقول ، ويظهر لي من رأي الشافعية ومَنْ معهم في عدم اشتراط التسمية والنية عند الذبح هذا الوجه الذي ذكره السيد ، وهو أن قضية الذبح من حيث هي من باب العادات التي اشترطت فيها شروط خاصة ، كما اشترطت شروط في البيوع والاجارات ونحوها مع أنها ليست من العبادات ، ولكن يظهر أن الذبائح عند جمهور الفقهاء القائلين باشتراط التسمية هي من العبادات ، بل صرّح ابن عبدالبر بما يدل على ذلك فقال : ( التسمية في الذبيحة من سنن الاسلام )[187] ونجد قول ابن العربي أكثر صراحة فقال : ( إن الذبيحة قربة بدليل افتقارها إلى النية قال تعالى : ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ )[188].

 كما يظهر ذلك من كتب الاباضية حيث جعلوا النية شرطاً لصحة الذكاة[189] ومن كتب الحنفية حيث قال الكاساني : ( ومنها – أي من شرائط التسمية المبيحة للذبيحة – أن يريد بها التسمية على الذبيحة ، فإن من أراد بها التسمية لافتتاح العمل لا يحل… )[190] وقال السرخسي : ( وإنما يتميز الذكر على الذبح وغيره بقصد منه التسمية ، فإذا لم يقصد التسمية لا يحل )[191] .

الترجيح :

بعد التدبر والمعايشة مع هذه الدلة ، وفي سياقها ولحاقها ، وفي ظروفها التي نزلت أو وردت فيها وفي ظل فقه التنزيل وتحقيق المناط يتبين لنا ما يأتي :

1- أن الآيات الواردة في الأمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه ، وبالنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه هي من سورة الأنعام التي هي مكية بالاجماع – كما سبق – ومن المعلوم أن السور المكية تركز على غرس عقيدة التوحيد ، ومن إزالة كل آثار الجاهلية من الشرك بالله تعالى في عباداتهم ، وفي أطعمتهم وأشربتهم ، بل في أنشطتهم جميعاً ، والقضاء على العادات السيئة للجاهليين المتأصلة في الأكل والشرب والذبح والصيد ، ولذلك هيأ القرآن الكريم النفوس للتغيير من الشرك إلى التوحيد من خلال رفض جميع التقاليد والعادات المتعلقة بالشرك والاستكبار ، والتركيز الشديد جداً على تقرير العبودية والألوهية لله تعالى ، وأن التشريع حق محض لله تعالى وبالتالي فليس لأحد الحق في التحليل والتحريم إلاّ الله تعالى ( سواء كان من خلال النص أو الاجتهاد منه ) .

 ولذلك شدد القرآن الكريم في تقرير هذا الحق في باب الذبائح والأطعمة والأشربة التي كان الجاهليون يفترون فيه على الله افتراء بالتحليل أو التحريم ، وهذا وحده جزء من الشرك بالله تعالى كما فسرّه الرسول صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حينما ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ )[192] قال عدي : ( يا رسول الله : ما  عبدوهم !! فقال : ( بلى ! إنهم أحلوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم )[193] .

 ولذلك بدأ القرآن بتثبيت هذا المبدأ قبل الحديث عن الذبائح فقال تعالى : ( أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )[194] ففي هذه الآية يثبت القرآن الكريم هذا المبدأ وهو : أن مرجعية الأمر والتشريع لله تعالى وحده ، وكيف يتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم غيره حكماً مع أن الله فصّل كل شيء في كتابه ، ولم يترك شيئاً غامضاً دون بيان حكمه[195] ، فقد أنزل هذا الكتاب مفصلاً فيه الأحكام التي يحتاج إليها المجتمع ، ومحتوياً للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحياة ، ومعطياً حق الاستنباط والاجتهاد في ضوء الكتاب (وما يتبعه من السنة) لعلاج جميع قضايا العصر ، ( وبهذا وذلك كان هذا الكتاب غناء عن تحكيم غير الله تعالى في شأن من شؤون الحياة )[196] .

 ثم مضت الآية (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [197] تبين تمام كلمة الله تعالى صدقاً فيما قال وقرر ، وعدلاً فيما شرع وحكم ، والآية (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) [198] تقرر ضلال طاعة الجاهليين في التحليل والتحريم وغيرهما ، ولو كانوا أكثر من في الأرض ، والآية ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) [199] تؤكد أن الله هو أعلم بالمضلين والمهتدين ، ليصل الموضوع بالأمر في الآية (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) [200] حيث جاءت الآية بفاء التعقيب بعد هذه المقدمات ، وبهذا الأسلوب القوي حيث ربط بين الايمان الصحيح والأكل مما ذكر اسم الله عليه ، ولا يكتفي بذلك وإنما تدل الآية 119 على حثهم وتحريضهم ، على الأكل مما ذكر اسم الله عليه ، بل لومهم على عدم ذلك فقال تعالى : (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )[201] فهذا السياق يدل بوضوح على أن القرآن يعالج ظاهرة خطيرة في التشريع والتفكير ، وقضية حاضرة لدى الجاهليين المشركين الذين يمتنعون من ذبائح أحلها الله تعالى ويحلون ذبائح وأطعمة حرمها الله تعالى ، وأخطر من ذلك أنهم يفترون على الله كذباً ، ويسندون ذلك إلى الله ، ويحكمون ويشرعون حسب أهوائهم ، ولذلك ذكرت الآية 119 نفسها (وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) [202] .

 فهؤلاء يشرعون بأهوائهم بغير علم ويضلون الناس بما يشرعونه ، ويعتدون على حق الله في التشريع وفي ألوهيته وحاكميته بمزاولتهم لخصائص الألوهية وهم عبيد .

 ثم جاءت الآية 120 آمرة الرسول صلى الله عليه وسلم بترك  الاثم مطلقاً ظاهره وباطنه ، مبينة الاثم الكبير للافتراء والعقاب الشديد عليه[203] .

 إن هؤلاء الجاهلين قد بلغوا في افترائهم على الله تعالى إلى أن يقولوا : الميتة حلال ، ويجادلون الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في أنها كيف تكون محرمة وهي قد ذبحها الله تعالى ، كما يجادلون في الذبيحة المشروعة .

 ويقولون : ( كيف يأكل المسلمون مما ذبحوا بأيديهم ، ولا يأكلون مما ذبح الله وهو تصور من تصورات الجاهلية التي لا حدّ لسخفها وتهافتها ) [204]  .

 روى الإمام الطبري بسنده عن عكرمة قال : ( لما نزلت هذه الآية بتحريم الميتة ، قال : أوحت فارس إلى أوليائها من قريش : أن خاصموا محمداً ، وكانت أولياءهم في الجاهلية ، وقولوا له : إن ذبحت فهو حلال ، وما ذبح الله … فهو حرام ؟! فأنزل الله هذه الآية ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[205] قال : الشياطين : فارس ، وأوليائهم قريش )[206] وروى كذلك بسنده عن ابن عباس قال : ( جادل المشركون المسلمين فقالوا : ما بال ما قتل الله لا تأكلونه ، وما قتلتم أنتم أكلتموه وانتم تتبعون امر الله ؟ !! )[207] وروى كذلك بسنده عن عكرمة : أن ناساً من المشركين دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ( أخبرنا عن الشاة إذا ماتت ، من قتلها ؟ فقال : (الله قتلها) فقالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتله الله حرام ؟ ! فأنزل الله : (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ )[208] وروى كذلك عن الحضرمي : أن ناساً من المشركين قالوا : أما ما قتله الصقر والكلب فتأكلونه ، وأما ما قتله ربكم فلا تأكلونه )[209].

النتيجة :

 وبعد هذا العرض الموجز يبتين لنا الجو المشحون المثار من قبل الجاهليين ، والمعركة الحامية بينهم، وبين المسلمين ، والتصورات الغربية من الجاهليين ، والجدال الدائر من قريش المعروفة بالخصام المبين يتبين لنا أن القضية هي في دائرة العقيدة والتوحيد ، والتحليل والتحريم ، وليست في دائرة السهو أو النسيان ، وحتى ليست في دائرة ذبائح المسلمين ، يقول الطبري : ( والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عني بذلك ما ذبح للأصنام والآلهة ، وما مات أو ذبحه من لا تحل ذبيحته ، وأما من قال : عني بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر الله فقول بعيد عن الصواب لشذوذه ، وخروجه عما عليه الحجة فجمعه من تحليله ، وكفى بذلك شاهداً على فساده .. ، وأما قوله ( وإنه لفسق ) فإنه يعني : وأن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة ، وما أهل به لغير الله لفسق )[210] .

 يقول ابن كثير : ( وحمل الشافعي الاَية الكريمة ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )[211]   على ما ذبح لغير الله, كقوله تعالى: (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ)[212]وقال ابن جريج عن عطاء ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)[213] قال: ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش للأوثان ، وينهى عن المجوس ، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي قوي وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل (الواو) في قوله (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)[214]  حالية أي: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقاً ، ولا يكون فسقاً حتى يكون قد أهل به لغير الله. ثم ادعى أن هذا متعين ولا يجوز أن تكون (الواو) عاطفة لأنه يلزم منه عطف جملة اسمية خبرية على جملة فعلية طلبية وهذا ينتقض عليه بقوله ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ)[215] فإنها عاطفة لا محالة… )[216].

2– وأما الآيات التي ذكرت أحكام الأطعمة في السور المدنية فهي كالآتي :

أ – في سورة الحج الآية 36 قوله تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[217]حيث جاء الأمر بذكر اسم الله دون التطرق إلى الأمر بالأكل ، أو النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه .

 وفي هذه الحالة حتى لو قلنا بأن الأمر هنا للايجاب فلا تدل الآية على حرمة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، حيث إنه مسكوت عنه يحتاج إلى دليل آخر .

وسورة الحج ذكرت مسألة ذكر الله على الأنعام مرتين وهما :

الآية  الأولى : قوله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )[218]حيث ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الأيام هي أيام العشر الأوائل من ذي الحجة ، قال ابن كثير : ( قال شعبة وهُشيم عن أبي بشر عن سعيد عن ابن عباس : (الأيام المعلومات : أيام العشر ، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به ، ويروى مثله عن أبي موسى الأشعري ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، وإبراهيم النخعي ، وهو مذهب الشافعي ، والمشهور عن أحمد ، ثم سرد أحاديث في فضل العمل الصالح ، والذكر والتكبر والتهليل في هذه الأيام ، كما ذكر الرأي القائل بأنها يوم النحر وأيام التشريق)[219] ، وقصدي من هذا أن الذكر في الآية هنا ليس خاصاً بذكر اسم الله عند الذبح ، وإنما هو أعم ، بل ذكر الذكر وشهود المنافع ضمن المقاصد والأهداف المرجوة .

والآية الثانية : قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)[220]حيث ليس فيه دليل على حرمة ما لم يذكر اسم الله عليه .

ب- في سورة المائدة قوله تعالى : (…..  فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) حيث يرد عليه ما ذكرته في الفقرة السابقة من عدم الدلالة الصريحة على حرمة ما لم يذكر اسم الله عليه[221] .

ج- وأما الآيات الدالة على حرمة المطعومات التي نزلت في الفترة المدنية فهي :

  • قوله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [222]
  • وقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[223].
  • وقوله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[224].

 ففي جميع هذه الآيات التي دلت على حصر المحرمات من المطعومات على هذه الأربعة دون أي ذكر لما لم يذكر اسم الله عليه ، بل حتى في سورة الأنعام بعدما بيّنت العقيدة وحصر التشريع له تعالى ذكرت في آخرها آية حصرية قوية جداً وهي قوله تعالى : ( قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[225]حتى إن هذه الآية ذكرت (أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) مما يفهم منها ان ما ذكر في الآية 121 من السورة نفسها التي وصفت عدم ذكر الله عند الذبح بأنه فسق ، وبالتالي فهذا الفسق هو ما ذكر هنا والله أعلم

3- وبناءً على تدبري في هذه الآيات ، وفي الأحاديث الواردة في الموضوع ، وبخاصة حديث عائشة رضي الله عنه ، فإن الذي يظهر لي رجحانه هو : رأي الشافعية ومن معهم في عدم وجوب التسمية ، وإنما المطلوب هو عدم الاهلال بغير اسم الله تعالى ، هذا الله أعلم بالصواب.

ثانياً – شرط التسمية لذبائح أهل الكتاب :

تمهيد

 من المعلوم ان الله تعالى خصّ أهل الكتاب[226] من اليهود والنصارى ببعض الأحكام التي لم تمنح لغير أهل الكتاب ، مثل جواز الزواج من محصناتهم والأكل من ذبائحهم وصيدهم لقوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )[227] .

 ويجدر هنا أن نذكر بإيجاز ما قاله المفسرون ، نبدأ بشيخهم الطبري : ( وذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل ، وأنزل عليهم ، فدانوا بهما أوْ بأحدهما (حِلٌّ لَكُمُ)، يقول : حلال لكم أكله ، دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لَا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام…)[228] .

 قال الطبري : ( ثُمَّ اختلف فِي من عنى الله بقوله : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) ، من أهل الكتاب ، فقال بعضهم : عنى الله بذلك ذبيحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل أوْ ممن دخل فِي ملتهم فدان دينهم ، وحرم ما حرموا ، وحلل ما حللوا ، منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم ) ثم ذكر روايات عن ابن عباس ، والعكرمة ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة ، والشعبي ، وابن شهاب الزهري ، وعطاء ، والحكم ، وحماد يقولون بما سبق[229]، وهذا رأي الحنفية والمالكية[230] .

 وذكر آخرون إنما عني بـ ( أُوتُوا الْكِتَابَ ) في هذه الآية : الذين أنزل عليهم التوارة والانجيل من بني اسرائيل وأبنائهم ، فأما من كان دخيلاً فيهم من سائر الأمم فمن دان بدينهم وهم من غير بني اسرائيل فلم يّعن بهذه الآية ، وليس هو ممن يحل أكل ذبائحه ، لأنه ليس ممن أوتي الكتاب من قبل المسلمين[231] ، وهذا قول الشافعي والحنابلة، ومنهم من حرّم ذبائح نصارى العرب ، وهذا مروي عن علي رضي الله عنه وإحدى الروايات عن ابن عباس[232] .

 وذكر ابن كثير إجماع العلماء على أن المراد بـ ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) ذبائحهم[233] .

 ويرى جمهور الفقهاء ( الحنفية والشافعية والحنابلة )[234] حلّ ذبائح أهل الكتاب سواء اعتقدوا بإباحة المذبوح كالبقر والغنم ، أم تحريمه كالحيوان الذي ليس مفتوح الأصابع كالابل ، والنعام والبط عند اليهود ، وكالشحوم من كل دابة ، وخالفهم المالكية على قول[235] .

 والراجح هو قول الجمهور للحديث الصحيح المتفق عليه عن عبدالله بن مغفل قال : كنا محاصرين قصر خيبر ، فرمي إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه ، فالتفتّ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه )[236] وفي رواية مسلم بلفظ : قال عبدالله بن مغفل : ( أصبت جراباً من شحم يوم خيبر ، فالتزمته ، فقلت لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً ، قال : فالتفتّ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسّماً )[237] فهذا الحديث حجة واضحة على أن ذبائح الكتابي حلال ما دام المذبوح حلالاً في شريعتنا .

حكم التسمية بالنسبة لذبائح أهل الكتاب :

 ذهب جمهور العلماء إلى أن الكتابي إذا ذبح الذبيحة وسمى غير الله تعالى عليها بأن قال : باسم المسيح فهذه الذبيحة لا يجوز أكلها من طرف المسلمين بالاجماع[238] ، أما إذا لم يسم عليها غير الله ( أي سمى عليها اسم الله أو تركه ) ولكن قصد بها غير الله تعالى أي ذبحها للمسيح أي لأجل التقريب ، فهذا محل خلاف كبير بين منع ، وإجازة ، وكراهة ، جاء في الشرح الكبير : ( وكره لنا ذبح ، أي ما ذبحه النصراني لصليب ، أو عيسى عليه السلام ، أي لأجل التقريب بنفعهما … ولم يسم الله تعالى ، لأن التسمية لا تشترط من كافر ، فلذا لو قصد بالصليب ، أو عيسى التعبد لمنع كالصنم ، أو النفع للصنم لكره ، ويعلم ذلك من قرائن الأحوال)[239] ولكن الشافعية صرحوا بأنه : ( لا تحل ذبيحة مسلم ، ولا غيره لغير الله ، لأنه مما أهل به لغير الله ، بل إن الإمام الشافعي نفسه نص على أن الذبح للنبي….. )[240] أو ( تقرباً له لا تحل الذبيحة في هذه الحالة وبناء على ذلك فإن الذبيحة التي يتقرب بها الكتابي للمسيح ، أو للكنيسة أو نحو ذلك إنما أهلّت لغير الله تعالى) [241] .

والتحقيق أن في هذه المسألة تفصيلاً يختلف فيه فيما لو كان الذابح مسلماً والآمر القاصد كتابياً ، او كان الذابح كتابياً :

الحالة الأولى: أن يأتي كتابي يريد أن يذبح شاة لغير الله تعالى ، أو يسمي غير الله عليها ، ولكن يسلمها إلى مسلم فيسمي الله وحده ثم يذبحها ، فهذه الذبيحة حلال ، ولا يختلف الحال حتى ولو كان الآمر مجوسياً أو وثنياً [242].

الحالة الثانية: أن يكون الذابح هو الكتابي فإذا ذكر غير الله تعالى على الذبيحة ، فإنها محرمة بالاجماع ، أما إذا كان ذكر اسم الله ، أو لم يذكره مطلقاً ، ولكن قصد بها التقرب إلى المسيح او نحوه فهذا محل خلاف ، والراجح هو التحريم حيث نص عليه كثير من الفقهاء منهم الشافعية – كما سبق –والحنابلة حيث قال ابن قدامة : ( فأما ما ذبحوه لكنائسهم فننظر فيه فإن ذبحه لهم مسلم فهو مباح نص عليه … ، قال حنبل : سمعت أبا عبدالله قال : لا يؤكل يعني ما يذبح لأعيادهم وكنائسهم ، لأنه أهل به لغير الله … )[243] فأما ( ما سوى ذلك فرويت عن أحمد الكراهة فيما ذبح لكنائسهم وأعيادهم مطلقاً ، وروى عن أحمد إباحته )[244] وهذا مروي عن جماعة من فقهاء السلف منهم العرباض بن سارية وأبو أمامة الباهلي ، وأوب الدرداء ، ومكحول وغيرهم ، ودليلهم عموم قوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )[245]حيث يعمم ما قصدوه التقرب لله أو لغيره ما دام من طعامهم[246] .

وكذلك لا خلاف في جواز أكل ذبائحهم إذا ذكروا الله وحده عله ، وإنما الخلاف فيما إذا لم يسم الكتابي على الذبيحة عمداً أو نسياناً [247].

 فذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة في رواية إلى عدم اشتراط التسمية على الذبائح بالنسبة للكتابي ، فالشافعية على مذهبهم في عدم اشتراط التسمية مطلقاً[248] ، والمالكية قالوا : ( إن وجوب التسمية خاص بالمسلم)[249]ولكنهم اشترطوا ألا يغيب الكتابي حال ذبحه عن المسلمين إن كان ممن يستحل الميتة ، فحينئذ لا بد من حضور مسلم عارف بالذكاة الشرعية خوفاً من كونه قد قتلها ، أو نخعها ، او سمى عليها غير الله تعالى[250] .

 وأما الحنفية فيشترطون التسمية حالة الذكر كما في المسلم ، وقد شرح الكاساني مذهب الحنفية فقال : (إنما تؤكل ذبيحة الكتابي إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شئ أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده لأنه إذا لم يسمع منه شيئاً يحمل على أنه قد سمى الله تبارك وتعالى وجرد التسمية تحسينا للظن به كما بالمسلم ولو سمع منه ذكر اسم الله تعالى لكنه عنى بالله عز وجل المسيح عليه السلام قالوا : تؤكل لأنه أظهر تسمية هي تسمية المسلمين الا إذا نص فقال بسم الله هو ثالث ثلاثة فلا تحل ، وقد روى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب وهم يقولون ما يقولون فقال رضي الله عنه : قد أحل الله ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون فأما إذا سمع منه أنه سمى المسيح عليه السلام وحده أو سمى الله سبحانه وتعالى وسمى المسيح لا تؤكل ذبيحته….. كذا روى سيدنا علي رضي الله عنه ولم يرو عن غيره خلافه فيكون اجماعاً ، ولقوله عز وجل “وما أهل لغير الله “وهذا أهل لغير الله عز وجل به فلا يؤكل ومنها التسمية حالة الذكر عندنا… )[251] ثم قال : ( وإذا ثبت أن التسمية حالة الذكر من شرائط الحل عندنا فبعد ذلك يقع الكلام في بيان ركن التسمية .. وبيان وقتها فذكر أن ركن التسمية هو ذكر اسم الله تعالى أي اسم كان من غير فصل بين اسم واسم ، وكذا التهليل والتسبيح والتحميد ، وسواء كان جاهلاً بالتسمية المعهود ، وعالماً بها)[252]. 

الترجيح :

 والذي يظهر لي رجحانه هو : قول الجمهور بعدم اشتراط التسمية على الذبيحة بالنسبة للذابح الكتابي ، وإنما الشرط الأساس هو أن لا يذكر اسم غير الله عليها حتى لا تدخل في (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ٌ )[253] وأن لا يقصد بها التقرب إلى غير الله تعالى .

 وذلك لما ذكرناه في القسم الأول ، ولأن قوله تعالى ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )[254] عام لجميع الحالات ما عدا الحالات التي دل عليها دليل صريح مثل تسمية غير الله تعالى عليها ، أو أن يكون المذبوح حراماً في شريعتنا … .

أركان التسمية ، وشروطها ، ووقتها  :

 (أ) إن الركن الأساس للتسمية هو ذكر اسم الله تعالى ، واسم الله تعالى شامل لجميع أسمائه الحسنى وصفاته العلى سواء ذكر الاسم وحده ( الله ) أو مع خبر ، او صفة مثل ( الله أكبر ) أو ( الله الأكبر ) ، ولكن الأكمل هو ( بسم الله )– كما سبق – .

(ب) شروط التسمية ، فإن من أوجب التسمية على الذبيحة اشترطوا عدة شروط في ضوء ما يأتي :

  1. أن تكون التسمية من الذابح ، وهذا شرط أساس نص عليه الحنفية بوضوح ، قال الكاساني : (فمنها – أي من شروط التسمية – أن تكون التسمية من الذابح ، حتى لو سمى غيره ، والذابح ساكت وهو ذاكر غير ناس لا يحل ، لأن المراد من قوله تعالى : (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)[255]أي لم يذكر الله اسم الله عليه من الذابح ، فكانت مشروطة فيه )[256] ولكن الاستدلال بهذها لآية محل نظر ، لأن الفعل ( يذكر) ورد بصيغة المبني للمفعول مما يدل على أن المهم من ذكر الله تعالى عند الذبح .
  2. أن يقصد بها التسمية على الذبيحة ولا يقصد بها أمراً آخر ، مثل أن يدخل شخص يريد عملاً فقال : بسم الله ، ثم ذبح الحيوان دون تسمية عمداً فلا يحل أكله ، وكذلك إذا قال عند الذبح – وقد عطس – الحمد لله ، حيث أراد به الشكر لله وأداء السنة بعد العطس فهذا لا يعدّ من التسمية المطلوبة شرعاً[257] .
  3. تجريد اسم الله تعالى عن اسم غيره ، فلا يذكر معه اسم آخر حتى ولو كان اسم النبي صلى الله عليه وسلم فلو قال ( باسم الله وباسم الرسول ) لا يحل ذلك المذبوح ، وهذا بالاتفاق لقوله تعالى : (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ٌ )[258] .
  4. أن يقصد بذكر اسم الله تعالى تعظيمه على الخلوص ولا يشوبه معنى الدعاء ، حتى لو قال ( اللهم اغفر لي ) عند الذبح لم يكن ذلك تسمية ، لأنه دعاء ، والدعاء لا يقصد به التعظيم المحض فلا يكون تسمية كما لا يكون تكبيراً ، وأما لو قال ( اللهم ) فقط فقد اختلف فيه مشايخ الحنفية[259] .
  5. تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية ، ولا يشترط ذلك في الذكاة الاضطرارية وهي الرمي والارسال والصيد[260] .

(ج) وقت التسمية : وقتها في الذكاة الاختيارية وقت الذبح فلا يجوز تقديمها عليه إلاّ بزمان قليل يمكن التحرز عنه ، وأما الذكاة الاضطرارية فوقتها وقت الرمي والارسال لا وقت الاصابة[261] .

الخلاصة :

 أن الراجح من أقوال أهل العلم هو : عدم اشتراط التسمية على الذبيحة إذا كان الذابح كتابياً – ما دامت بقية شروط الحل متوافرة – والله أعلم بالصواب .

 وبالنسبة لعصرنا الحاضر هو أن معظم المسيحين على أن هذه المسألة لم تعد مثل ما كانت في السابق ، لأن النصارى في البلاد المصدرة للحوم لا يذكرون اسم الله ، ولا المسيح ولا غيره على الذبائح في الغالب ، بل يريدون الربح .

ملحق ببعض القرارات والفتاوى حول مسألة الذبائح

أولاً ـ قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، قرار رقم: 95 (3/10) بشأن الذبائح

حيث نص القرار على :

          أولاً:  التذكية الشرعية تتم بإحدى الطرق التالية:

  1. الذبح، ويتحقق بقطع الحلقوم والمريء والودجين. وهي الطريقة المفضلة شرعاً في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها، وتجوز في غيرها.
  2. النحر، ويتحقق بالطعن في اللبة، وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق، وهي الطريقة المفضلة شرعاً في تذكية الإبل وأمثالها، وتجوز في البقر.
  3. العقر، ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه، سواء الوحشي المباح صيده، والمتوحش من الحيوانات المستأنسة. فإن أدركه الصائد حياً وجب عليه ذبحه أو نحره.

         ثانياً:   يشترط لصحة التذكية ما يلي:

  1. أن يكون المذكي بالغاً أو مميزاً، مسلماً أو كتابياً (يهودياً أو نصرانياً)، فلا تؤكل ذبائح الوثنيين، واللادينيين، والملحدين، والمجوس، والمرتدين، وسائر الكفار من غير الكتابيين.
  2. أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتفري بحدها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم، ما عدا السن والظفر.

فلا تحل المنخنقة بفعلها أو بفعل غيرها، ولا الموقوذة: وهي التي أزهقت روحها بضربها بمثل (حجر أو هراوة أو نحوهما)، ولا المتردية: وهي التي تموت بسقوطها من مكان عال، أو بوقوعها في حفرة، ولا النطيحة: وهي التي تموت بالنطح، ولا ما أكل السبع: وهو ما افترسه شيء من السباع أو الطيور الجارحة غير المعلمة المرسلة على الصيد، على أنه إذا أدرك شيء مما سبق حياً حياة مستقرة فذكى جاز أكله.

  1. أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية. ولا يكتفي باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية، إلا أن من ترك التسمية ناسيا فذبيحته حلال.

       ثالثاً: للتذكية آداب نبهت إليها الشـريعة الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه، وفي أثناء ذبحه، وبعد ذبحه:

فلا تحد آلة الذبح أمام الحيوان المراد ذبحه، ولا يذبح حيوان بمشهد حيوان آخر، ولا يذكى بآلة غير حادة، ولا تعذب الذبيحة، ولا يقطع أي جزء من أجزائها ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح.

     رابعاً: ينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيته خاليا من الأمراض المعدية، ومما يغير اللحم تغييرا يضر بآكله، ويتأكد هذا المطلب فيما يطرح في الأسواق، أو يستورد.

    خامساً: الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان، لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان وإحسانا لذبحته وتقليلا من معاناته، ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.

   (‌أ)   مع مراعاة ما هو مبين في البند (أ) من هذه الفقرة، فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي:

  1. أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصــدغين أو في الاتجاه الجبهي- القذالي (القفوي).
  2.  أن يتراوح الفولطاج ما بين (100 – 400 فولت).
  3. أن تتراوح شدة التيار ما بين (0.75 إلى 1.0 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2 إلى 2.5 أمبير) بالنسبة للبقر.
  4. أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين (3 إلى 6 ثوان).

   (‌ب)  لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.

   (ج)   لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.

   (‌د)   لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيح ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته.

         سادساً:  على المسلمين المقيميين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا بالطرق القانونية للحصول على الإذن لهم بالذبح على الطريقة الإسلامية بدون تدويخ.

         سابعاً:  يجوز للمسلمين الزائرين لبلاد غير إسلامية أو المقيمين فيها، أن يأكلوا من ذبائح أهل الكتاب ما هو مباح شرعاً، بعد التأكد من خلوها مما يخالطها من المحرمات، إلا إذا ثبت لديهم أنها لم تذك تذكية شرعية.

         ثامناً:  الأصل أن تتم التذكية في الدواجن وغيرها بيد المذكي، ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية الشرعية المذكورة في الفقرة (ثانياً) قد توافرت، وتجزيء التسمية على كل مجموعة يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية.

          تاسعاً:

         ( ‌أ )   إذا كان استيراد اللحوم من بلاد غالبية سكانها من أهل الكتاب وتذبح حيواناتها في المجازر الحديثة بمراعاة شروط التذكية الشرعية المبينة في الفقرة (ثانياً) فهي لحوم حلال لقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم)[المائدة:5].

         ( ‌ب )  اللحوم المستوردة من بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب محرمة، لغلبة الظن بأن إزهاق روحها وقع ممن لا تحل تذكيته.

         ( ‌ج )   اللحوم المستوردة من البلاد المشار إليها في البند (ب) من هذه الفقرة إذا تمت تذكيتها تذكية شرعية تحت إشراف هيئة إسلامية معتمدة وكان المذكي مسلماً أو كتابياً  فهي حلال.

ويوصي المجمع بما يلي:

أولاً:  السعي على مستوى الحكومات الإسلامية لدى السلطات غير الإسلامية التي يعيش في بلادها مسلمون، لكي توفر لهم فرص الذبح بالطريقة الشرعية بدون تدويخ.

ثانياً:  لتحقيق التخلص نهائياً من المشكلات الناجمة عن استيراد اللحوم من البلاد غير الإسلامية ينبغي مراعاة ما يلي:

                ( ‌أ )  العمل على تنمية الثروة الحيوانية في البلاد الإسلامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

                ( ‌ب )  الاقتصار ما أمكن على البلاد الإسلامية في استيراد اللحوم.

                ( ‌ج )  استيراد المواشي حية وذبحها في البلاد الإسلامية للتأكد من مراعاة شروط التذكية الشرعية.

                ( ‌د ) الطلب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي اختيار جهة إسلامية موحدة تتولى مهمة المراقبة للحوم المستوردة، بإيجاد مؤسسة تتولى العمل المباشر في هذا المجال، مع التفرغ التام لشؤونه، ووضع لوائح مفصلة عن كل من شروط التذكية الشرعية، وتنظيم المراقبة والإشراف على هذه المهمة. وذلك بالاستعانة بخبراء شرعيين وفنيين، وأن توضع على اللحوم المقبولة من الإدارة علامة تجارية مسجلة عالمية في سجل العلامات التجارية المحمية قانونياً.

              ( ‌هـ )   العمل على حصر عملية المراقبة بالجهة المشار إليها في البند (د) من هذه الفقرة والسعي إلى اعتراف جميع الدول الإسلامية بحصر المراقبة فيها.

               ( ‌و )   إلى أن تتحقق التوصية المبينة في البند (د) من هذه الفقرة يُطلب من مصدري اللحوم ومستورديها ضمان الالتزام بشروط التذكية الشرعية فيما يصدر إلى البلاد الإسلامية حتى لا يوقعوا المسلمين في الحرام بالتساهل في استيراد اللحوم دون التثبت من شرعية تذكيتها. والله الموفق ؛؛) [262] .

ثانياً ـ قرار المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث،

رقم 2 (2/3 ) الحكم الشرعي في لحوم الأنعام والدواجن المعروضة في الأسواق والمطاعم الأوروبية :

حيث نص على ما يأتي : ( ناقش المجلس باستفاضة تامة هذا الموضوع الهام الذي أثار كثيراً من الجدل والخلاف حول مدى شرعيته، وتوصل إلى ضرورة حرص المسلمين على الالتزام بشروط التذكية كما جاءت بها الشريعة الإسلامية، إرضاءً للرب سبحانه، ومحافظة على شخصيتهم الدينية مما تتعرض له من أخطار، وصوناً لأنفسهم من تناول المحرمات.

وبعد استعراض طرائق الذبح المتبعة وما يتضمنه الكثير منها من مخالفات شرعية تؤدي إلى موت عدد غير قليل من الحيوانات، لا سيما الدجاج فقد قرر المجلس عدم جواز تناول لحوم الدواجن والأبقار، بخلاف الأغنام والعجول الصغيرة فإن طريقة ذبحها لا تتنافى مع شروط الذكاة الشرعية في بعض البلدان. هذا ويوصي المجلس أن يتخذ المسلمون في ديار الغرب مذابح خاصة بهم حتى ترتاح ضمائرهم ويحافظوا على شخصيتهم الدينية والحضارية.

ويدعو المجلس الدول الغربية إلى الاعتراف بالخصوصيات الدينية للمسلمين ومنها تمكينهم من الذبح حسب الشريعة الإسلامية أسوة بغيرهم من الجماعات الدينية الأخرى كاليهود. كما يدعو الدول الإسلامية إلى استيراد اللحوم الحلال التي تخضع لمراقبة شرعية من قبل المراكز الإسلامية الموثوق بها في ديار الغرب)[263] .

ثالثاً ـ فتاوى العلماء[264] :

1- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا: يرى الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله  ( أن القرآن لم يحرم طعام الوثنيين، ولا طعام مشركي العرب مطلقا كما حرم نكاح نسائهم، بل حرم ما أهل به لغير الله من ذبائحهم، كما حرم ما كان يأكل بعضهم من الميتة والدم المسفوح، وحرم لحم الخنزير)[265].

2-  فتوى الشيخ فيصل مولوي: ( إن تحريم الذبائح لا يتعلق بشخص الذابح وأنه مسلم أو كتابي أو مشرك، وإنما يتعلق بالغاية من الذبح، عندما يكون تقربا إلى الأصنام والأوثان والآلهة المدعاة، أو يتعلق بكيفية الموت، وهل هو ذكاة شرعية أو لا وبناء على ذلك فإن ذبائح المشركين إذا قطعت أوداجها والحلقوم والمريء، ولم يُهَلَّ بها إلى غير الله فإنها حلال )[266] .

3-رأي للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله : ( وحصر المحرمات في القرآن، وخاصة في آية المائدة التي هي من آخر القرآن نزولا، وفيها تحريم الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، وتحريم ما ذبح على النصب، ولم يذكر تحريم ما ذبحه الكافر والمشرك، وما كان ربك نسياً .

وحيث لم يثبت تحريم ذبائح الكفار لا في الكتاب، ولا في السنة، فإننا نقتصر على تحريم ذبائح المشركين والوثنيين تمشيا مع الصحابة، ولا نعديه إلى غيرهم من تحريم ذبائح سائر الكافرين، لعدم ما يدل على ذلك.

وما يقال في بلدان الصين من وقوع الاختلاط فيه بين سائر الأمم والأديان، فكذا يقال مثله في بلدان الروس والألمان واليابان وأمثالهم، فلم نجد لتحريم ذبائحهم نصا يجب المصير إليه، لا في القرآن، ولا في السنة )[267] .

 ويقول : ( وكل ذبيحة من حيوان أو دجاج تجلب إلى الناس وهي مجهولة، لا يعلم من ذبحها، ولا كيف ذبحها، فإنها تندرج في عموم الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة : أنهم قالوا: (يا رسول الله، إن قوما حديثو عهد بجاهلية يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: ( سموا أنتم وكلوا) فكأنه صلى الله عليه وسلم بهذا يقرر أن التسمية على الذبح واجبة على المسلمين لا على غيرهم)[268] .

4- وقد ناقش الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس هذه الآراء السابقة في كتابه: (حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين) فقال: ( إن القاعدة العامة في هذا الدين والأصل المعتبر في لحوم المشركين وذبائحهم أنها محرمة، لا يحل للمسلمين أكلها، وهذه الذبائح محرمة سواء كانت في بلادهم، أم صدروها إلى بلاد المسلمين، إلا أن يثبت للآكل أن الذبائح التي ذبحت، قد ذبحت وروعي في ذبحها الشروط الشرعية من حيث الذابح والذبح والحيوان المذبوح.

ويدخل ضمن هذا ذبائح الشيوعيين والملحدين عربا كانوا أو عجماً ، ذلك لأنه قد أصبح من المألوف والمعروف أن الأصل الشرعي الثابت عموما هو نجاسة كل ميت، وهذا يقين كلي له حكم الأسبقية والشمول… ثم إن الشارع الحكيم- استئناء من هذا الأصل- قد حكم بطهارة أنواع معينة من الحيوانات إذا أزهقت حياتها بطريقة معينة وقيود معروفة)[269].

5- وجاء في فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز ما نصه: ‘قال الله سبحانه: ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) [ المائدة: 5] هذه الآية أوضحت لنا أن طعام أهل الكتاب مباح لنا، وهم اليهود والنصارى، إلا إذا علمنا أنهم ذبحوا الحيوان المباح على غير الوجه الشرعي، كأن يذبحوه بالخنق أو الكهرباء أو ضرب الرأس ونحو ذلك، فإنه بذلك يكون منخنقا أو موقوذاً , فيحرم علينا كما تحرم علينا المنخنقة والموقوذة التي ذبحها مسلم على هذا الوجه، أما إذا لم نعلم الواقع فذبيحتهم حل لنا عملًا بالآية الكريمة)[270].

6- ولما سئل ابن تيمية – رحمه الله- عن ‘الذبيحة’ التي يتيقن أنه ما سمي عليها: هل يجوز أكلها؟ فأجاب: ( الحمد لله, التسمية عليها واجبة بالكتاب والسنة، وهو قول جمهور العلماء، لكن إذا لم يعلم الإنسان هل سمي الذابح أم لم يسم أكل منها، وإن تيقن أنه لم يسم لم يأكل، وكذلك الأضحية)[271].

7- وجاء في فتوى للشيخ عبد الله بن محمد بن حميد (رئيس المجلس الأعلى للقضاء في المملكة العربية السعودية عن سؤال حول اللحوم المستوردة من الخارج : ( أما إذا جهل الأمر في تلك اللحوم ولم يعلم عن حالة أهل البلد التي وردت منها تلك اللحوم؟ هل يذبحون بالطريقة الشرعية أم بغيرها، ولم يعلم حالة المذكين وجهل الأمر، فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح تغليباً لجانب الحظر ، وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيُغَلَّب جانب الحظر، سواء كان في الذبائح أو الصيد)[272].

8- وجاء في مقال للشيخ عبد العزيز الناصر- رئيس هيئة التمييز -حول اللحوم المستوردة يقول فيه بعد أن قسم اللحوم المستوردة إلى (3) أقسام: أولها ذبائح أهل الكتاب فهي حلال، وثانيها ذبائح غير أهل الكتاب فهي حرام ، وثالثها أن لا يعلم هل هي من ذبائح أهل الكتاب أو غيرهم، فالقواعد الشرعية تقضي بالتحريم ، فإن القاعدة الشرعية أنه إذا اشتبه مباح بمحرم، حرم أحدهما بالأصالة والآخر بالاشتباه.
والقاعدة الأخرى، إذا اجتمع مبيح وحاظر، قدم الحاظر، لأنه أحوط وأبعد عن الشبهة )[273].

9- ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في جواب عن سؤال ورده بشأن اللحوم المستوردة: ( أن لا نعلم هل ذابحه من تحل ذبيحته أو لا وهذا هو الغالب على اللحم الوارد من الخارج- فالأصل هنا التحريم، فلا يحل الأكل منه، لأننا لا نعلم صدور هذا الذبح من أهله)[274].

هذا ما أردنا بيانه بإيجاز شديد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ،

وصلى الله على عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ،

وعلى آله وصحبه أجمعين

                                                                        كتبه الفقير إلى ربه

                                                                         أ.د. علي محيى الدين القره داغي

([1]) القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط ، وشرح اللسان للزبيدي ، مادة (حول)

([2]) يراجع حاشية ابن عابدين (1/210) ، ولمزيد من التفصيل في هذا الموضوع يراجع المجلد الخاص بأعمال الندوة العلمية للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، المنعقدة بالدار البيضاء في 8 -11 صفر 1418هـ الخاصة بالمواد الإضافية والاستحالة والمفطرات ، المطبوع 1999 ، وبالأخص بحوث : د. محمد الحبيب التجاني ، ود. حامد جامع ، ود. عبدالستار أبو غدة ود. محمد الروكي الخاصة بالاستحالة ، وبحوث : د. محمد الهواري ، ود.سعيد سلام ود. أحمد فرحات عسكر ود. نزيه حماد ود. سعدالدين العثماني الخاصة بالمواد الاضافية في الغذاء والدواء ، ويراجع كذلك :د.ياسين الخطيب : الاستحالة وحكمها في الفقه الإسلامي ، بحث مقبول للنشر في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي إضافة إلى المصادر الفقهية التي نذكرها فيما بعد  

([3]) حاشية ابن عابدين ط. دار إحياء التراث العربي (1/210)

([4]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي شرح الحديث رقم 1748

([5]) مواهب الجليل (1/97) وحاشية الدسوقي (1/54-55) ونهاية المحتاج (1/247) والمغني (1/66)

([6]) الموسوعة الفقهية الكويتية التي لم تذكر عنها إلاّ نصف صفحة فقط ، مادة (استحالة)

([7]) د. عبدالستار أبو غدة : بحثه المقدم  إلى ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية عام 1997 في الدار البيضاء

([8]) د. محمد الهواري : بحثه  في استحالة النجاسات ، المنشور في كتاب الندوة الفقهية الطبية الثامنة ص 566

([9]) رواه مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ : (نعم الإدام أو  الإدم  الخل ّ) ورى رواية أخرى بلفظ : (نعم الأدم) ولم يشك في الحديث 3823 ، روى مسلم بسنده عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم ، فقالوا : ما عندنا إلاّ الخل ، فدعا به ، فجعل يأكل به ويقول : (نعم الإدم الخل، نعم الادم الخل) الحديث 3824 ، 3825 ، 3826 ، والترمذي الحديث 1762 ، 1763 ، 1764 ، 1765 ، والنسائي الحديث 3736

([10]) شرح النووي على مسلم الحديث 3823 ولذلك ترجم مسلم : باب فضيلة الخل والتأدم به

([11]) بداية المجتهد ، ونهاية المقتصد (1/408) : استعمال أكلها باعتبارها إداماً

([12]) حاشية ابن عابدين (1/136) والمجموع (1/215 ـ 240) وحاشية الدسوقي (1/54) والمغني لابن قدامة (1/66)

([13]) صحيح مسلم الحديث رقم 547 ، الترمذي الحديث 1650

([14]) سنن الترمذي ، باب ما جاء في جلود الميتة ، الحديث 1650 ، وقد أوضح الشوكاني أن : نقل الترمذي عن النضر ليس دقيقاً لأن الثابت عنه ـ كما ورد في رواية أبي داود الحديث رقم 3599 ـ انه يقول : إنما يسمى إهاباًً ما لم يدبغ ، فإذا دبغ لا يقال له إهاب ، إنما يسمى شناً وقربة) انظر : نيل الأوطار (1/99) ط. مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة 1398هـ 

([15])  المصادر  السابقة نفسها

([16]) سنن الترمذي الحديث 1650 ، والنسائي الحديث 4168 ، وأبو داود الحديث 3594

([17]) عون المعبود في شرح حديث 3594

([18]) نيل الأوطار (1/99) ويراجع أيضاً للتفاصيل :  الأحاديث السابقة

([19]) المصادر الفقهية السابقة

([20]) روضة الطالبين (4/74) المجموع (1/286) وفتح الباري (4/415) والشرح الكبير مع الدسوقي (1/52) والكافي لابن قدامة (1/88) ومجموع الفتاوى (29/331) وإعلام الموقعين (3/153) ونيل الأوطار (9/74)

([21]) تفسير القرطبي (6/290)

([22]) انظر : حاشية الدسوقي (1/52)

([23]) الشرح الكبير (1/52)

([24]) حاشية الدسوقي (2/52)

([25]) يراجع : المبسوط للسرخسي (24/22) وحاشية ابن عابدين (6/451) وحاشية الدسوقي (1/52) والانصاف (1/319) ويراجع : د.ياسين الخطيب : بحثه السابق ص 7

([26]) فتح الباري (9/617)

([27]) تفسير القرطبي (6/290)

([28]) فتح الباري (5/121 ـ 122 ، 9/617) ، وتفسير القرطبي (6/290) وتفسير ابن كثير (6/293)

([29]) حاشية الدسوقي (1/52)

([30]) صحيح مسلم الحديث 3669 ، والترمذي الحديث 1184 وقال : وقال بهذا بعض أهل العلم ، وكرهوا أن تتخذ  الخمر خلاً

([31]) شرح النووي على صحيح  مسلم الحديث 3669

([32]) تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي(4/398) الحديث 1184

([33]) هذا كلام العلامة القاري الموجود في تحفة الأحوذي عند شرحه الحديث رقم 1184 (4/398)

([34]) سورة الأعراف / الآية 157

([35]) بدائع الصنائع (5/114)

([36]) سنن الترمذي الحديث 1214 ، ويراجع : فتح الباري (5/122)

([37]) فتح الباري في شرح الحديث رقم 5154

([38]) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (5/121)

([39]) تحفة الأحوذي شرح الحديث رقم 1214

([40]) المرجع السابق

([41]) سنن الترمذي ، الحديث السابق 12115

([42]) مسند أحمد الحديث رقم 5889 ، انظر : مجمع الزوائد (5/53 ـ 54)

([43]) يراجع للمزيد : تحفة الأحوذي (4/88 ـ 89) ومسند أبي يعلى (3/404) ونصب االراية للزيلعي (4/298 ، 4/312)

([44]) فتح الباري (5/122)

([45]) يراجع : د. ياسين الخطيب : بحثه السابق ، حيث أطال فيه النفس واختار القول بالتحليل والتطهير بالتخليل

([46]) رواه البخاري ـ مع الفتح ـ (1/524)

([47]) اعلام الموقعين ط. الطباعة الفنية بالقاهرة 1388هـ (2/14 -15)

([48]) فتح القدير (1/200- 201 )

([49]) المصدر السابق نفسه

([50]) المحلى لابن حزم (7/429)

([51]) البحر الرائق (1/239) والدسوقي (1/52) والوسيط في المذهب (1/144 ، 149) والانصاف (1/318)

([52]) مواهب الجليل في التاج والاكليل (1/97) وذكر النووي في المجموع (2/532) قول الشافعي في القديم أن كل عين نجسة رمادها طاهر ، وتخريج الفروع (1/189) وشرح الخرشي (1/87ـ 88)

([53]) البحر الرائق (1/107)

([54]) فتح القدير (1/200 ـ201)

([55]) يراجع : حاشية ابن عابدين (1/135-136) و ص 130-131  

([56]) يراجع : حاشية الدسوقي (1/46) وشرح المحلى على المنهاج (1/21،22) والكافي (1/10-11) ويراجع : الموسوعة الفقهية الكويتية (10/278)  

([57]) المصادر الفقهية السابقة أنفسها 

([58]) فتح القدير (1/200 ـ 201)

([59]) مواهب الجليل (1/97)

([60]) مجموع الفتاوى (21/503)

([61]) المحلى لابن حزم ط. مكتبة الجمهورية العربية بالقاهرة 1387هـ (1/178 ـ 179)

([62]) القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط ، مادة ( هلك )

([63]) يراجع للمزيد : كتابنا : المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي (1/382-391)

([64]) يراجع : البحر الرائق (8/24) وإعانة الطالبين (3/33) ومغني المحتاج (1/69) والشرح الكبير (2/305)  

([65]) المصادر الفقهية السابقة  

([66]) القواعد لابن رجب ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية 1392هـ ص 39

([67]) رواه أحمد (3/31) وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ، وقال أحمد : صحيح ، وصححه الألباني في الارواء (1/45) ويراجع : المجموع للنووي (1/110) وتلخيص الحبير (1/14،15)

([68]) رواه الشافعي واحمد ، والأربعة ، وبان خيزمة ، وابن حبان ، والحاكم والبيهقي والدارقطني ، وقال الحالكم ، صحيح على شرط الشيخين ، يراجع الحديث في مسند الشافعي بهامش الأم (6/3) والترمذي (1/215) وابن ماجه (1/172) والنسائي (1/42) وتلخيص الحبير (1/16)

([69]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/501 ـ 502)

([70]) المصدر السابق (21/517)

([71]) المحلى لابن حزم (1/212 ـ 213)

([72]) المصدر السابق (1/213)

([73]) رواه الترمذي الحديث 62 ، وأبو داود الحديث 58 ، 59 ، والنسائي الحديث 52 ، 526 ، وابن ماجه الحديث 510 ، 511 ، والحاكم وصححه (1/132) وقال : صحيح على شرط الشيخين ، والسنن والكبرى (1/21) وأحمد الحديث رقم 4376 ، 4523 ، 4721 ، والدارمي الحديث 725 ، 726

([74]) د . نزيه حماد : المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء ط. دار القلم ص 26 ـ 27

([75]) القواعد لابن رجب ط. الكليات الأزهرية 1392هـ ص 29 ـ 30 ، وقد أفاض الدكتور نزيه حماد في هذه المسألة في كتابه السابق ص 26 ـ 34  

([76]) يراجع : بدائع الصنائع (1/85) وحاشية الدسوقي (1/52 ، 58) والمحلى لابن حزم (1/178 ـ 212) والسيل الجر (1/52) والمصادر السابقة

([77]) د. محمد الروكي : بحثه السابق ص 265

([78]) بدائع الصنائع (1/85)

([79]) المصادر السابقة ، ود. محمد الروكي ك بحثه السابق ص 272

([80]) يراجع : بحوث : د. محمد الهواري ، ود.سعيد سلام ، ود.أحمد فرحات عسكر ، ود. نزيه حماد ، وسعدالدين العثماني ، ود. محمد الحبيب التجكاني ، حول المواد الإضافية ، المنشورة في كتاب المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، عام 1999 الجزء الأول من ص 77 إلى ص 220

([81]) يراجع : حاشية ابن عابدين (4/215) ونهاية المحتاج (8/12) والمجموع (9/50) والمحلى لابن حزم (1/175)

([82]) وقول الشافعية عندي هو الراجح من الاطلاق (لأن النص في الخمر واضح في عدم جواز التداوي بها)

([83]) رواه البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ (6/100) ومسلم (3/1646)

([84]) رواه البخاري ـ مع الفتح ـ (1/335)

([85]) قواعد الأحكام ص 142

([86]) د. نزيه جماد

([87]) أحكام القرآن لابن العربي (1/53)

([88]) سورة البقرة / الآية 173

([89]) سورة اامئدة / الآية 3

([90]) سورة الأنعام / الآية 145

([91]) د. محمد الهواري : بحثه السابق ص 95 ، ود. سعيد سلام ص 111

([92]) د. نزيه حماد : المرجع السابق ، والمصادر السابقة

([93]) حاشية ابن عابدين (4/215) ونهاية المحتاج (8/12) والمجموع (9/50) ومجموع الفتاوى (21/562) ويراجع لمزيد من التأصيل والتفصيل ”  د. نزيه حماد : المواد المحرمة والنجسة  في الغذاء والدواء ط .دار القلم ص 38

([94]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (4/427)

([95]) تحفة الفقهاء للسمرقندي ، تحقيق د. محمد زكي عبالبر ط. قطر (3/560) وحاشية ابن عابدين (5/289) والمجموع للنووي  ط. شركة العلماء (1/563) والوسيط للغزالي بتحقيق الدكتور علي لقره دغي (1/373) والروضة (1/13) ومغني المحتاج (1/77) والذخيرة للقرافي (4/115) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (34/212) والمقنع مع الشرح الكبير والانصاف تحقيق د. عبدالله التركي ود. عبدالمفتاح الحلو ط. السعودية (2/299-301)

([96]) سورة المائدة / الآية 90

([97]) المجموع للنووي (2/563) السيل الجرار ط. دار ابن حزم ببيروت ص 25 والروضة الندية لصديق حسن خان (1/20) وتفسير القرطبي (6/299)

([98]) سورة المائدة / الآية 90

([99]) المجموع للنووي (……………)

([100]) المصادر السابقة ، ويراجع سبل السلام (1/49) وتفسير المنار (7/48) وأ.د. نزيه حماد المواد المحرمة والنجسة ص 40-42

([101]) السيل الجرار ص 25-26

([102]) التحرير والتنوير (7/24)

([103]) قام الدكتور محمد علي البار في بحثه القيم بعنوان : الكحول والمخدرات والمنبهات في الغذاء والدواء ، المنشور في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي ، ع 13 ، 1421هـ /2000م ، ص 352 ، يذكر معظم هذه الأدوية ، وأسماء الأطباء الذين درسوا هذا الموضوع وتوصلوا إلى هذه النتيجة مثل د.عبدالله الخاطره ، ود. عبدالحميد الغامدي ، ود. حسن دروس ، ود. عادل الرشود ، ود. عدنان البار ، ود. عبالدسلام سليمان ، ود. أحمد الجندي ، من المفيد مراجعة هذا البحث وبحث الدكتور أحمد الجندي بعنوان : المواد النجسة والمحرمة في الغذاء والدواء المقدم إلى الندوة الثامنة حول المواد المحرمة والنجسة ، المنعقدة في الكويت 22-24/5/1995 والمنشور في الاسلام والمشكلات الطبية المعاصرة ، ع 8 ، 1996 ، ص 495 ، ويراجع كذلك : الموسوعة الفقهية الكويتية مادة (خمر) ص 434 والمراجع السابقة 

([104]) د. أحمد الجندي / بحثه السابق ص 418-495

([105]) د. محمد علي البار : بحثه السابق ص 350- 358

([106]) ربما يكون هذا صحيحاً في الأشربة والأكسيرت Elixtr اللعوقات وغرغرة الفم والحلق وبخاخ الفم أما الأقراص فلا تحتوي على أية نسبة من الكحول

([107]) اشترط الفقهاء أن كيون القدر المستخدم غير مسكر وأن يصف ذلك طبيب مسلم عدل وأن لا يوجد لهذا الدواء بديل خال من الكحول ولم تشترط الفتوى الطبيب المسلم لتعذر وجوده في بلاد الكفار مثل الولايات المتحدة وخاصة ضمن النظام الصحي المعمول به في تلك البلاد بحيث يصعب على المريض المسلم العثور على الطبيب المسلم العدل في منطقته

([108]) مجلة المجمع الفقهي الإسلامي ، مجلة دورية محكمة تصدرها االمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي ، السنة 11 ، 1421هـ العدد 13 ، ص 369 -372

([109]) يراجع : أحكام القرآن لابن العربي (1/54) حيث ذكر الاجماع على ذلك

([110]) سورة البقرة / الآية 173

([111]) الآية من سورة الأنعام / الآية 145 ، وخالفهم في ذلك بعض الفقهاء منهم المالكية في رواية حيث قالوا : إنه طاهر ، ورواية عن أحمد تقول : ان شعره طاهر اختارها أبوبكر عبدالعزيز ، والشيخ تقي الدين ، وصاحب الفاتق ، وعن أحمد أن سوره طاهر ، انظر : المقنع ، مع الشرح الكبير ، والانصاف  (1/277 ـ 278) والذخيرة (4/99) والحب رالرائق (1/113) والوسيط للغزالي (1/404) والمحللى لابن حزم (7/388) 

([112]) سبق تخريجه وهو حديث صحيح رواه مسلم

([113]) المصادر السابقة ، والتحرير والتنوير (6/90)

([114]) د. أحمد رجائي : المرجع السابق نفسه ، ود. نزيه حماد : المرجع السابق ص 63

([115])

([116]) د. محمد عبدالسلام الأستاذ بالمعهد الاتحادي لحفظ الصحة ببرلين ، مشكلات استخدام المواد المحرمة في المنتجات الغذائية والدوائية ، بحث مقدم الندوة الفقهية الطبية الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت 22-24 مايو 1995م ، ود. أحمد رجائي : بحثه السابق

([117]) المراجع السابقة ود. محمد الهواري : الطعام والشراب الحلال والحرام ص 9

([118]) الانفحة بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الفاء : قال الغزالي في الوسيط بتحقيقنا : ( هو لبن يستحيل في جوف الخروف أو الجدي أو نحوهما ، والقياس نجاستها ، ومنه من حكم بالطهارة ) وجاء في كتب اللغة : أنها شيء يستخرج من بطن صاحب الكرش الرضيع ، أصفر يعصر في صوفه مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن . ، انظر : لسان العرب ص 4449 والقاموس (1/262) والمصابح المنير (2/286)

([119]) الوسيط (1/383)

([120]) يارجع : شرح الخرشي (2/58) والوسيط لغزالي (1/383 -384) وفتح القدير (1/187) والروضة (1/16) والبحر الرائق (1/112)

([121]) بدائع الصنائع (5/43) والمغني لابن قدامة (1/74) ومجموع الفتاوى (21/102 ، 532)

([122]) المغني لابن قدامة (1/74) ط. الرياض

([123]) رواه أبو داود الحديث رقم 3306 ، والترمذي – مع التحفة – (5/356) والحاكم في المستدرك (4/115) وقال : ( حديث صحيح ) ووافقه الذهبي وابن ماجه (2/1117)  

([124]) مجموع الفتاوى (21/102-104)

([125]) مجموع الفتاوى (21/531-533)

([126]) د. محمد الهواري : المرجع لاسابق ص 11

([127]) د. نزيه حماد : المرجع السابق ص 68

([128]) د. حمد رجائي : بحثه السابق ، ود. الهواري : بحثه السابق

([129]) د. نزيه حماد : المرجع السابق ص 72 – 73

([130]) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت ص 381 ، ود. نزيه حماد : المرجع السابق ص 73

([131]) المنتقى شرح الموطأ ، ج 7 باب ما جاء في الفأرة تقع في المسن

([132]) المجموع للنووي ، ج4 ، باب استعمال الأدهان وغيرها في غير الأكل

([133]) د. نزيه جماد : المرجع السابق

([134]) يراجع : بدائع الصنائع (5/40 ، 41 ) وحاشية ابن عابدين (5/187) والشرح الصغير مع بلغة ا لسالك (2/314) وشرح الخرشي مع العدوي (2/101) والشرح الكبير مع الدسوقي (2/72) ونهاية المحتاج (8/105) وكشاف القناع (2/437) والمغني مع الشرح الكبير (11/48) ، ويراجع : الموسوعة الفقهية الكويتية ، مصطلح ( الذبائح ) (21/171 – 204 )

([135]) سورة البقرة / الآية 173

([136])  سورة البقرة / الآية 173

([137])  سورة المائدة / الآية 3

([138]) سورة الأنعام /الآية 145

([139])  سورة الأنعام / الآية 121

([140]) سورة المائدة / الآية 5

([141]) سورة البقرة / الآية 173

([142]) سورة المائدة / الآية 5

([143]) وقد ذكر ابن العربي ستة أقوال .. ، ولكنها ترجع لدى التحقيق إلى أربعة أقوال أساسية .

([144]) من هذه الأدلة قوله تعالى : (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا …) [البقرة : 286] ( وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه (1/659) والبيهقي والحاكم ، تلخيص الحبير (1/281) ونيل الأوطار (8/27) وقد صححه عدد من المحدثين منهم ابن حزم في المحلى (5/193 ) والنووي في المجموع (8/450) والسيوطي في الجامع الصغير رقم 4461

([145]) بدائع الصنائع (6/2778) والبحر الرائق (1/191) وبداية المجتهد (1/448) والمنتقى للباجي (3/104) والمغني لابن قدامة (11/3) ، وطبعة الرياض (9/565)

([146]) تفسير القرطبي (7/75) وأحكام القرآن لابن العربي (2/749)

([147]) نيل الأوطار (9/10)

([148]) تفسير ابن كثير (2/170) ويراجع : المغني (11/3)

([149])  سورة الأنعام / الآية 121

([150])  سورة الأنعام / الآية 118

([151]) المجموع (9/102) والروضة (……..) والغاية القصوى للبيضاوي ، دراسة وتحقيق وتعليق د. علي محيى الدين القره داغي

([152]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/75)

([153]) المصدر السابق نفسه

([154]) شرح النيل (4/170 ، 171 )

([155]) البحر المحيط ( 4/212)

([156])  سورة البقرة / الآية 173

([157])  سورة الأنعام / الآية 145

([158])  سورة الأنعام / الآية 121

([159]) سورة البقرة / الآية 173

([160]) يراجع : فتح الباري (9/635)

([161]) رواه البخاري في صحيحه ، الحديث 5507 ، وفتح الباري (9/634)

([162])  سورة الأنعام / الآية 121

([163])  سورة الأنعام / الآية 121

([164]) فتح الباري (9/635)

([165]) فتح الباري (6/635)

([166]) فتح الباري (9/635 – 636 )

([167]) فتح الباري (9/636)

([168]) فتح الباري (9/636)

([169]) سورة المائدة / الآية 5

([170]) فتح الباري (9/636)

([171]) المغني لابن قدامة (8/540)

([172]) المحلى لابن حزم (7/412-414)

([173]) بيان الشرع (27/6-9) ويراجع بحث الشيخ أحمد الخليلي ، المشار إليه سابقاً

([174]) تفسير القرطبي (7/75)

([175])  سورة الأنعام / الآية 118

([176])  سورة الأنعام / الآية 121

([177])  سورة الأنعام / الآية 121

([178])  سورة الأنعام / الآية 145

([179]) صحيح البخاري ، كتاب الذبائح والصيد ، مع فتح الباري (9/603) ورواه مسلم ، كتاب الصيد والذبائح (31/1529) الحديث رقم 1929 وبعدة روايات

([180]) المغني لابن قدامة (9/565) و ( 9/540)

([181]) المصدر السابق (9/540)

([182]) المصدر السابق (9/540)

([183]) المصدر السابق (9/541)

([184]) بدائع الصنائع (5/48) والشرح الصغير مع بلغة السالك (1/319)

([185]) المقنع (3/540)

([186]) مجلة المنار (7/241)

([187]) الاستذكار (15/214)

([188]) أحكام القرآن لابن العربي (2/750) ، وللآية : سورة الحج / الآية 37

([189]) يراجع : شرح النيل (4/469 ، 477 ، 478 ) ويراجع بحث الشيخ أحمد الخليلي عن الذبائح المقدم إلى مجمع الفقه الاسلامي الدولي في دورته العاشرة والمنشور في مجلة المجمع ع10 ج 1 ص 201

([190]) بدائع الصنائع (6/2783)

([191]) المبسوط (12/4)

([192])  سورة التوبة / الآية 31

([193]) الحديث رواه الترمذي وغيره ، وسنده حسن ، كما قال الألباني في صحيح الترمذي : حديث حسن رقم 3050

([194]) سورة الأنعام / الآية 114

([195]) يراجع : جامع البيان للطبري ، ط. ابن حزم / بيروت (8/13 ) وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ط. دار ابن حزم ( 2/ 1103 )

([196]) في ظلال القرآن (3/1194)

([197]) سورة الأنعام / الآية 115

([198]) سورة الأنعام / الآية 116

([199]) سورة الأنعام / الآية 117

([200]) سورة الأنعام / الآية 118

([201]) سورة الأنعام / الآية 119

([202]) سورة الأنعام / الآية 119

([203]) يراجع لتفسير هذه الآيات : تفسير الطبري (8/13-30 )

([204]) في ظلال القرآن ( 3/197)

([205])  سورة الأنعام / الآية 121

([206]) تفسير الطبري (8/23)

([207]) تفسير الطبري (8/24)

([208])  سورة الأنعام / الآية 121

([209]) تفسير الطبري (8/24-25)

([210]) تفسير الطبري (8/30)

([211])  سورة الأنعام / الآية 121

([212]) سورة الأنعام /الآية 145

([213])  سورة الأنعام / الآية 121

([214])  سورة الأنعام / الآية 121

([215])  سورة الأنعام / الآية 121

([216]) تفسير ابن كثير (2/1104)

([217]) سورة الحج / الآية 36

([218])  سورة الحج / الآية 28

([219]) تفسير ابن كثير (3/1950- 1951 ) ويراجع : تفسير الطبري (17/187 – 188 )

([220])  سورة الحج / الآية 34

([221])سورة المائدة / الآية 4

([222])  سورة البقرة / الآية 173

([223])  سورة المائدة / الآية 3

([224])  سورة النحل / الآية 115

([225])  سورة الأنعام / الآية 145

([226]) الكتابي : هو من يدين بدين اليهود ، أو النصارى ، سواء كان ذمياً ، أم حربياً ، ام معاهداً ، ذكراً كان أم أنثى ، ولا يشترط عند الحنفية والمالكية لاباحة ذبيحة الكتابي أن يكون أبوه ، أو أبواه من أهل الكتاب ، وإنما العبرة بدين الذابح ، فلو تنصر مجوسي ، أو  وثني ، أو تهود فإنه يصير له حكم أهل الكتاب من أكل ذبيحته وغيره من الأحكام ، وخالفهم الشافعية والحنابلة على تفصيل .

يراجع : بدائع الصنائع للكاساني ط. دار إحياء التراث العربي / بيروت (4/165) وشرح الخرشي على الخليل (3/6) ومغني المحتاج (4/266) ونهاية المحتاج (8/106) والمغني (8/568) ويراجع : تفسير الطبري (6/131)

([227])  سورة المائدة / الآية 5

([228]) تفسير الطبري (6/130)

([229]) تفسير الطبري ( 6/ 130 – 132 ) ويراجع : تفسير ابن كثير ( 2/ 903 – 904 )

([230])  بدائع الصنائع (3/46) وشرح الخرشي (3/5)

([231]) تفسير الطبري (6/132- 133 ) ، تفسير ابن كثير (2/903-904)

([232])تفسير الطبري (6/132) والمصادر الفقهية السابقة

([233]) تفسير ابن كثير (2/903)

([234]) المصادر الفقهية السابقة ، ويراجع : شرح الخرشي (3/6) والدسوقي (2/102) ومغني المحتاج (4/266) والمغني (8/582) وتفسير ابن كثير (2/903)

([235]) جاء في حاشية الدسوقي (2/102) : ( وقد ذكر ابن رشد في البيان : أن في شحوم اليهود ثلاثة أقوال : الاجازة ، والكراهة ، والمنع )

([236])صحيح البخاري – مع الفتح – (9/636 ) الحديث رقم 2919

([237])صحيح مسلم ، الحديث رقم 3312 ، 3313 ، وسنن أبي داود الحديث 2327

([238]) المصادر الفقهية السابقة

([239]) الشرح الكبير مع الدسوقي (2/102) وشرح الخرشي (3/6)

([240]) مغني المحتاج (4/273)

([241]) المصدر السابق

([242]) يراجع : شرح الخرشي (3/6 وما بعدها ) ، المغني لابن قدامة (8/568) ويراجع : بحث أ.د. إبراهيم فاضل الدبو حول الذبائح ، المنشور في مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ع10 ج1 ص269

([243]) المغني (8/586 – 587)

([244]) المصدر السابق (8/569)

([245])  سورة المائدة / الآية 5

([246]) المصدر السابق نفسه

([247]) شرح الخرشي (3/6) والشرح الكبير مع الدسوقي (2/102) والمقنع ( 3/541 – 544 )

([248]) شرح المحلى على المنهاج (4/243)

([249]) شرح الخرشي (3/6) والشرح الكبير مع الدسوقي (2/102)

([250])  المصدران السابقان

([251])بدائع الصنائع ط. بيروت (4/165-166)

([252])بدائع الصنائع ط. بيروت (4/169)

([253])  سورة المائدة / الآية 3

([254])  سورة المائدة / الآية 5

([255]) سورة الأنعام / الآية 121

([256]) بدائع الصنائع (4/170)

([257]) بدائع الصنائع (4/170)

([258])  سورة المائدة / الآية 3

([259]) بدائع الصنائع (4/171)

([260]) المصدر السابق (4/173)

([261]) بدائع الصنائع (4/171)

([262]) مجلة المجمع (العدد العاشر ج1 ص53)

([263]) فتاوى المجلس المنشورة على الموقع على شبكة الانترنيت

([264]) يراجع : بحث أ.د. محمد الهواري ، المنشور في مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، ع 10 ج1 ص 432 – 437 ومصادره المعتمدة

([265]) تفسير المنار: 6/ 153- 154

([266])  بحث له نشر في مجلة الشهاب اللبنانية، العدد الأول، السنة الثامنة، ص 15- 16، تاريخ 25/ 5/ 1394 هـ- 15/ 7/ 1974م

([267])مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: المجلد الثالث، ص 383- 384

([268]) فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب ، مجلة المة ع7 السنة 1 ص 50

([269])  د. محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 90- 91

([270])  مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة: العدد الثالث، السنة الثامنة (ذو الحجة 1395 هـ)، ص 156

([271])  مجموع فتاوى ابن تيمية: 35/ 240

([272])  مجلة أضواء الشريعة الإسلامية، العدد الحادي عشر، 13

([273])  مجلة البحوث الإسلامية، العدد السادس، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص 140-142

([274]) المرجع السابق ص 148

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق