البحوث

استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة

استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة

بقلم

أ. د. علي محيى الدين القره داغي

أستاذ بجامعة قطر

ورئيس مجلس أمناء جامعة التنمية البشرية، ورئيس لعدد من الهيئات الشرعية

والحائز على جائزة الدولة، والخبير بالمجامع الفقهية

وعضو المجلس الأوربـي للإفتاء والبحوث

 

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين وبعد

فإن الدارس للحضارة الإسلامية يقف معجباً كلّ الإعجاب بدور الأوقاف في المساهمة في صناعة الحضارة الإسلامية والنهضة الشاملة للأمة، وأن من يقرأ تأريخ الوقف ليجد أنه شمل مختلف جوانب الحياة من الجامعات والمستشفيات إلى الأوقاف الخاصة بالحيوانات ( مثل خيول الجهاد ) التي لم تعد صالحة للاستعمال فحينئذٍ تُحال إلى المعاش وتصرف لها أعلافها وما تحتاج إليها من هذه الأوقاف … … إلى الأوقاف على الأواني التي تنكسر بأيدي الخادمات حتى لا تعاقب فيجدن بدائل عنها في مؤسسات الوقف.

لذلك فإعادة دور الوقف تعني إعادة دور كبير للجانب الطوعي المؤسس لخدمة الحضارة والتقدم ولخدمة تنمية المجتمع وتطويره .

ومن هنا كان بحثي هذا مساهمة متواضعة في استثمار الوقف، والحفاظ عليه حيث تطرقت إلى التعريف بالاستثمار في اللغة، أو الاصطلاح، وحكم الاستثمار، ثم قمت بالربط بين الوقف والاستثمار واستثمار موارد الوقف وطرقه القديمة ووسائله المعاصرة.

وقد رجعت من خلال البحث إلى كتبنا الفقهية وآراء سلفنا الصالح فوجدت فيها كلّ ما يشفي الغليل، والمرونة الكافية في التعامل مع الوقف مما يسهل للقائمين على الوقف أن يقوموا بتطوير الوقف وأمواله وأدواره إن أرادوا.

والله نسأل أن يوفقنا لتحقيق ما نصبوا إليه، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير.

                                                                        كتبه الفقير إلى ربّه

                                                                           علي محي الدين القره داغي

                                                                 الدوحة ـ قطر

التعريف بالاستثمار في اللغة والاصطلاح:

الاستثمار لغة: مصدر استثمر يستثمر وهو للطلب بمعنى طلب الاستثمار، وأصله من الثمر وهو له عدة معان منها ما يحمله الشجر وما ينتجه، ومنها الولد حيث قال: الولد ثمرة القلب، ومنها أنواع المال.

ويقال : ثَمر ـ بفتح الميم ـ الشجر ثموراً أي أظهر ثمره، وثمر الشيء أي نضج وكمل، ويقال: ثمر ماله أي كثر، وأثمر الشجر أي بلغ أوان الإثمار، وأثمر الشيء أي أتى نتيجته، وأثمر ماله ـ بضم اللام ـ أي كثر، وأثمر القوم: أطعمهم الثمر، ويقال: استثمر المال وثمّره ـ بتشديد الميم ـ أي استخدمه في الإنتاج، وأما الثمرة فهي واحدة الثمر فإذا أضيفت إلى الشجر فيقصد بها حمل الشجر، وإلى الشيء فيراد بها فائدته، وإلى القلب فيراد بها مودته وجمع الثمرة: ثَمَر ـ بفتح الثاء والميم ـ وثُمر ـ بضمهما ـ ثمار وأثمار[1].

وقد وردت كلمة: أثمر، وثمرة، وثمرات، أربعاً وعشرين مرة في القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنعام/99)، أي انظروا إلى ثمار تلك الأشجار والنباتات، ونضجها للوصول إلى الإيمان الكامل بالله تعالى حيث يحمل ذلك عجائب قدرته، ومنه قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأنعام/141)، حيث امتن الله تعالى علينا بالثمار وأمرنا أن نأكل من ثمار هذه الأشجار والنباتات عندما تـثمر وتنـتج، وأن نعطي حقها (وهو الزكاة) عند حصادها للمستحقين، كما أمرنا بأن لا نسرف في الباقي وهذا يدل على أن حق الملكية ليس حقاً مطلقاً، بل مقيد بضوابط الشرع.

وفي هذه الآية وآيات أخرى أسند الله تعالى الإثمار إلى الشجر والنبات نفسيهما مما يدل على أهمية العناية بالسنن والأسباب الظاهرة التي لها تأثير على النمو والثمر والنضج مع أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى ولذلك أكد هذه الحقيقة في آيات أخرى فقال: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ (البقرة/22)، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ (البقرة/126).

ويلاحظ أن القرآن الكريم أطلق (في الغالب) الثمر أو الثمرة، أو الثمرات على ما تنتجه الأشجار والنباتات مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ (البقرة/155)، ولم يطلق على ما تنتجه التجارة من أرباح إلاّ إذا عَمَّمْنا المراد بقوله تعالى: ﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ (القصص/57).

وقد وردت هذه الكلمة أيضاً في السنة كثيراً وهي لا تعدو معانيها عن ثمار الأشجار والنباتات، منها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ « نهى عن بيع الثمر حتى يزهو »[2]، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ « اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض »[3]، وغير ذلك.

الاستثمار قي الاصطلاح:

 ورد لفظ ” التثمير ” في عر ف الفقهاء عندما تحدثوا عن السفيه والرشيد فقالوا: الرشيد هو القادر على تثمير أمواله وإصلاحه، والسفيه هو غير ذلك، قال الإمام مالك: « الرشد: تـثمير المال، وإصلاحه فقط »[4]، وأرادوا بالتثمير ما نعني بالاستثمار اليوم[5] . وأما لفظ الاستثمار فلم يرد في كتب اللغة بمعناه الاقتصادي، ولذلك في معجم الوسيط: الاستثمار:استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات، وإما بطريقة غير مباشرة كشراء الأسهم والسندات ثم وضع رمز(مج) الذي يدل على أن هذا المعنى هو من وضع مجمع اللغة[6].

حكم الاستـثمار:استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة  استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة 1675559426wakf

الذي يظهر من النصوص الشرعية ومقاصدها العامة أن الاستـثمار مباح ومشروع بأصله على مستوى الفرد بل نستطيع القول بأنه ترد عليه الأحكام التكليفية من حيث عوارضه ووسائله لكنه ـ من حيث المبدأ ـ واجب كفائي على الأمة في مجموعهم، أي أنه لا يجوز للأمة أن تترك الاستثمار.

ذلك لأن النصوص الشرعية متظافرة في أهمية المال في حياة الفرد والأمة، وتقديم المال على النفس في جميع الآيات التي ذكر فيها الجهاد والأموال والأنفس إلاّ في آية واحدة في سورة التوبة، الآية الحادية عشرة بعد المائة، حيث قدمت الأنفس ، لأنها تتحدث عن الشراء، وامتنان الله تعالى بالمال، والمساواة بين المجاهدين، والساعين في سبيل الرزق كما في آخر سورة المزمل، وتسمية العامل والتاجر بالمجاهد في سبيل الله في أحاديث كثيرة … كل ذلك يدل بوضوح على وجوب العناية بالمال وتثميره وتقويته حتى تكون الأمة قادرة على الجهاد والبناء والمعرفة والتقدم والتطور والنهضة والحضارة، حيث إن ذلك لا يتحقق إلاّ بالمال كما يقول تعالى: ﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ﴾ (النساء/5).

فقد سمى الله تعالى المال بأنه قيام للمجتمع الإسلامي، وهذا يعني أن المجتمع لا يقوم إلاّ به ولا يتحرك ولا ينهض إلاّ به، كما أن قوله تعالى: ﴿öNèdqè%ã—ö‘$#ur $pkŽÏù﴾ ولم يقل ( منها ) يدل بوضوح على وجوب الاستثمار حتى تكون نفقة هؤلاء المحجور عليهم (من الأطفال والمجانين) في الأرباح المتحققة من الاستثمار وليست من رأس المال نفسه .

يقول الإمام الرازي: « اعلم أنه تعالى أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال »، قال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ (الإسراء/26،27)، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ (الإسراء/29)، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان/67)، وقد رغب الله تعالى في حفظ المال في آية المداينة حيث أمر بالكتابة والاشهاد والرهن، والعقل يؤيد ذلك، لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلاّ بواسطة المال، ثم قال: وإنما قال (فيها) ولم يقل (منها) لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقاً، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكاناً لرزقهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح، لا من أصول الأموال.[7]

ومن الأدلة المعتبرة على ذلك أن وجوب الزكاة في الأموال يدفع أصحابها إلى التجارة، لأنهم إن لم يتاجروا فيها تأكلها الصدقة والنفقة، وهذا ما يؤيده الفكر الاقتصادي الحديث حيث يفرض أنواعاً من الضرائب لدفع أصحاب الأموال إلى عدم اكتنازها، بل قد وردت أحاديث تصل بمجموعها إلى درجة الصحيح أو الحسن الذي ينهض به حجة على وجوب التجارة في أموال الصغار (اليتامى وغيرهم) والمحجور عليهم (السفهاء والمجانين وناقصي الأهلية) فقد روى الشافعي بإسناده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: « ابتغوا في مال اليتيم ـ أو في أموال اليتامى ـ لا تذهبها ـ لا تستهلكها ـ الصدقة »[8] وقد قال البيهقي والنووي: ( إسناده صحيح، ولكنه مرسل معضد بعموم النصوص الأخرى وبما صحّ عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم.)

 قال البيهقي: ( وهذا ـ أي حديث ابن ماهك ـ مرسل إلاّ أن الشافعي ـ رحمه الله ـ أكده بالاستبدال بالخبر الأول ـ وهو عموم الحديث الصحيح في إيجاب الزكاة مطلقاً ـ وبما روى عن الصحابة في ذلك )[9] وقال النووي: « ورواه البيهقي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ موقوفاً عليه بلفظ: «وابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة » وقال إسناده صحيح، ورواه أيضاً علي بن مطرف»[10].

وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة »، قال الهيثمي في مجمع الزوائد نقلاً عن شيخه الحافظ العراقي: «إن إسناده صحيح»[11]

يقول الشيخ القرضاوي: « إن الأحاديث والآثار قد نبهت الأوصياء على وجوب تثمير أموال اليتامى حتى لا تلتهمها الزكاة .. » فواجب على القائمين بأمر اليتامى أن ينموا أموالهم كما يجب عليهم أن يخرجوا الزكاة عنها، نعم إن في هذين الحديثين ( أي حديث عمرو بن شعيب المرفوع وحديث يوسف بن ماهك ) ضعفاً من جهة السند، أو الاتصال ولكن يقويهما عدة أمور، وذكر منها: « أنه يوافق منهج الإسلام العام في اقتصاده القائم على إيجاب التثمير وتحريم الكنـز»[12].

وكذلك يدل على تثمير الأموال قوله تعالى: ﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ (الحشر/7)، حيث إن الأموال لا تتداول إلاّ عن طريق توزيع الصدقات، والاستثمار الذي يؤدي إلى أن يستفيد منها الجميع من العمال والصنّاع والتجّار ونحوهم، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ (الأنفال/60)، ومن القوة بلا شك قوة المال بل هي مقدمة في معظم الآيات على النفس، فإذا كانت قوة البدن والسلاح مطلوبة فإن قوة المال أشدُّ طلباً ووجوباً.

ثم إن من مقاصد هذه الشريعة الحفاظ على الأموال، وذلك لا يتحقق إلاّ عن طريق استثمارها وتنميتها، كما أن من مقاصدها تعمير الكون على ضوء منهج الله تعالى ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ (هود/61)، فقال المفسرون: « معناه أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار»[13]، وكذلك من مقاصدها الاستخلاف الذي يقتضي القيام بشؤون الأرض وتدبيرها والإفادة منها وتعميرها وكل ذلك لا يتحقق على وجهها الأكمل إلاّ عن طريق الاستثمار.

والخلاصة:

أن الاستثمار للأموال بوجهها العام واجب كفائي على الأمة بأن تقوم بعمليات الاستثمار حتى تـتكون وفرة الأموال وتشتغل الأيادي ويتحقق حدّ الكفاية للجميع إن لم يتحقق الغنى، ومن القواعد الفقهية في هذا المجال هو أن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

ويثور التساؤل حول وجوب الاستثمار على الفرد إذا كان له فائض مالي، فالذي يقتضيه المنهج الإسلامي في أن المال مال الله تعالى وأن ملكية الإنسان له ليست مطلقة عن قيد… أنه يجب عليه أن يستثمر أمواله بالطرق المشروعة سواء كان بنفسه، أو عن طريق المضاربة والمشاركة ونحوهما، وأنه لا ينبغي له أن يترك أمواله الصالحة للاستثمار فيعطلها عن أداء دورها في التدوير وزيادة دورانها الاقتصادي الذي يعود بالنفع العام على المجتمع .

كما أن قوة المجتمع والأمة بقوة أفرادها ولا سيما على ضوء منهج الاقتصاد الإسلامي الذي يعترف بالملكية الفردية، وأن ملكية الدولة محدودة، ومن هنا فتقع على الأفراد مسؤولية كبرى في زيادة الأموال وتقويتها عن طريق الاستثمار، يقول الشيخ محمود شلتوت: « إذا كان من قضايا العقل والدين أنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، وكانت عزة الجماعة الإسلامية أول ما يوجه الإسلام على أهله، وكانت متوقفة على العمد الثلاثة: الزراعة والصناعة والتجارة، كانت هذه العمد واجبة وكان تنسيقها على الوجه الذي يحقق خير الأمة واجباً… »[14]

الوقف والاستثمار:

الوقف نفسه استثمار، لأن الاستثمار ـ كما سبق ـ يراد به إضافة أرباح إلى رأس المال لتكون المصاريف من الربح فقط، فيبقى رأس المال محفوظاً بل مضافاً إليه الربح الباقي ليؤدي إلى كفاية الإنسان وغناه.

وكذلك الوقف حيث هو خاص بالأموال التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء أصلها، ولذلك فالأشياء التي لا يمكن الانتفاع بها إلاّ باستهلاكها ـ مثل الطعام ـ لا يجوز وقفها[15]

فعلى ضوء ذلك فإن الوقف في حقيقته استثمار من حيث إن صاحبه يريد أن يقف ماله في سبيل أن يحصد ناتجه يوم القيامة، ومن حيث الحفاظ على الأصل، ويكون الاستهلاك للناتج والثمرة والربح والريع، فالأعيان الموقوفة إمّا تنـتج منها الثمار كما هو الحال في وقف الأشجار والبساتين المثمرة، أو تنـتج منها منفعة وأجرة كما هو الحال بالنسبة للأعيان المستأجرة، أو ينـتج منها ربح وريع كما هو الحال بالنسبة لوقف النقود.

وقد جاء في فتح القدير عند تعليقه على ورود كتاب الوقف بعد الشركة: « مناسبته بالشركة أن كلاً منهما يراد لاستبقاء الأصل مع الانتفاع بالزيادة عليه »[16]

استثمار موارد الوقف وطرقه :

 لا شك أن استثمار أموال الوقف يؤدي إلى الحفاظ على أموال الوقف حتى لا تأكلها النفقات والمصاريف، ويساهم في تحقيق أهداف الوقف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، والتنموية، فما أكثر مصائب هذه الأمة في هذا العصر، وما أكثر حاجياتها إلى الأموال لتحسين أحوالها الاجتماعية المتخلفة من خلال استثمار الأموال عن طريق التسويق والتصنيع والإنتاج.

إضافة إلى ذلك فإن الوقف الذي يراد له الاستمرار، ومن مقاصده التأبيد لا يمكن أن يتحقق ذلك إلاّ من خلال الاستثمارات الناجحة، وإلاّ فالمصاريف والنفقات والصيانة قد تقضي على أصل الوقف إن لم تعالج عن طريق الاستثمار المجدي النافع، لذلك ينبغي أن تهتم إدارة الوقف(أو الناظر) بهذا الجانب اهتماماً كبيراً وتخصص جزءاً جيداً من ريع الوقف للاستثمار إضافة إلى استثمار بقية أموالها السائلة.

ونحن في هذا البحث نذكر أهم الطرق القديمة للاستثمار مع الطرق المعاصرة بقدر الإمكان وهي:

الطريقة الأُولى ـ الإجارة: وقد ذكر الفقهاء عدة أنواع من الإجارة في باب الوقف: أولاً: الإجارة: وهي كانت أهمها وأكثرها شيوعاً، بل كاد الفقهاء أن يربطوا بينها وبين جواز بعض أنواع الوقف، فقد علل الفقهاء الذين منعوا وقف الدراهم والدنانير بأنه لا يجوز إجارتهما، ولا يمكن الانتفاع بهما إلاّ بالإتلاف، وعلل الذين أجازوا وقفهما بأنه يجوز إجارتهما، قال ابن قدامة: « وما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدنانير والدراهم … لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم … وقيل : في الدراهم والدنانير يصح وقفه على قول من أجاز إجارته، وأما الحليّ فيصح وقفه للبس والعارية…. »[17]

ولذلك لمّا أفتى محمد بن عبدالله الأنصاري (صاحب زفر) بجواز وقف الدراهم والدنانير والمكيل والموزون استغرب الفقهاء فسألوه: ماذا يفعل بوقف هذه الأشياء والوقف تحبيس الأصل والانتفاع بالمنفعة، فأين منفعتها؟ فقال : تدفعون الدراهم والدنانير للمضاربة ثم تتصدقون بربحهما، وتتصدقون بالربح[18]، وذكر بعض الفقهاء أن منفعة الدراهم والدنانير في الوقف هي أن تقرض للفقراء، ثم تقضي منهم، ثم تدفع لآخرين[19]

وإجارة الموقوف والانتفاع بإجارته محل اتفاق بين الفقهاء، ولكنهم اختلفوا في بعض التفاصيل من حيث مدة الإجارة وأجر المثل.

أ.مدة الإجارة: يرى الحنفية أن تكون مدة الإجارة من الوقف لا تزيد عن سنة في الدار، وثلاث سنوات في الأرض الزراعية وأن الفتوى عندهم على إبطال الإجارة الطويلة من حيث الزمن وذلك لإمكان أن يتضرر الوقف بطول الزمن، بل قد يؤدي إلى إبطال الوقف، إلاّ إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرته سنين مقبلة وحينئذٍ يجب أن تكون في عقود مترادفة متكررة كلّ سنة، جاء في الفتاوى الهندية: « إذا أجر الواقف أكثر من سنة لا يجوز، وإن لم يشترط فالمختار أن يقضي بالجواز في الضياع في ثلاث سنين إلاّ إذا كانت المصلحة في عدم الجواز، وفي غير الضياع يقضي بعدم الجواز إذا زاد على السنة الواحدة إلاّ إذا كانت المصلحة في الجواز، وهذا شيء يختلف باختلاف المواضع والزمان كذا في السراجية وهو المختار للفتوى »[20].

هذا إذا لم يكن الواقف قد اشترط مدة محددة فإن كان قد اشترط أن لا يؤجرها المتولي أكثر من سنة فيجب الالتـزام بهذا الشرط ولا يجوز مخالفته إلاّ بحكم القاضي، لكن قاضيخان أفتى بجواز مخالفة هذا الشرط إذا كانت أنفع للفقراء والمستحقين، ولا يحتاج إلى المرافعة إلى القاضي[21]

ويتفق المالكية مع الحنفية في وجوب النظر إلى ما هو الأصلح للوقف من حيث المدة لكنهم وسعوا دائرة مدة الإجارة، وفرقوا بين ما إذا كان الوقف على معينين، وناظر الوقف من الموقوف عليهم، والموقوف داراً والمستأجر ليس ممن ترجع إليه الدار فلا يجوز لهذا الناظر أن يؤجر الدار لأكثر من سنة، وإن كانت أرضاً زراعية فلا يجوز له أن يؤجرها لأكثر من ثلاث سنوات، وعلة ذلك أن الإجارة تتفسخ بموته، وأجاز جماعة من فقهائهم تأجير العقار الموقوف فترة طويلة إذا لم يكن على معينين[22].

ب. المدة الطويلة مقابل الإصلاح :

أما إذا كان الوقف خرباً وتعذرت، أو تعسرت إعادته من غلته، أو من كرائه فقد أفتى جماعة من علماء المالكية منهم القاضي ابن باديس والناظر اللقاني، والأجهوري وأتباعه بتأجيره مدة طويلة لمن يعمره بالبناء، ويكون البناء ملكاً للباني ويدفع نظير الأرض حكراً ( مبلغاً ) يدفع للمستحقين، ويسمى هذا التصرف خلواً [23]، وجاء في شرح الخرشي أن القاضي ابن باديس قد أفتى بكرائها السنين الكثيرة، كيف تيسر، واشترط إصلاحها من كرائها[24]، قال العدوي: أي أكثر من أربعين عاماً [25]، وجاء قريب من هذه الأحكام في المذهب الحنفي[26].

ولم يتطرق الشافعية والحنابلة ـ حسب علمي ـ إلى مسألة طول المدة في إجارة الوقف، لأنهم تركوا ذلك لأحكام الإجارة.

ج. أجر المثل في الإجارة:

اشترط جماعة من الفقهاء ـ منهم الحنفية والمالكية والشافعية ـ أن يكون تأجير الموقوف بما لا يقل عن أجر المثل، فلا يجوز تأجيره بغبن فاحش، وأما الغبن اليسير « وهو ما يتغابن الناس فيه، أو لا يعدونه غبناً »، فلا يؤثر فإذا أجر بأقل من أجر المثل، فللقيّم على الوقف الفسخ، ولو زاد الأجرة بعد العقد إلى أجر المثل يجدد العقد بالأجرة الزائدة ، قال ابن عابدين: « والظاهر أن قبول المستأجر الزيادة يكفي عن تجديد العقد، وأن المستأجر الأول أولى من غيره إذا قبل الزيادة »[27]

جاء في الفتاوى الهندية: « ولا تجوز إجارة الوقف إلاّ بأجر المثل كذا في محيط السرخسي، ولكن العبرة في ذلك ببداية العقد فقد نصوا على أنه لو استأجر رجل أرض وقف ثلاث سنين بأجرة المثل، فلما دخلت السنة الثانية كثرت الرغبات وازدادت أجرة الأرض فليس للمتولى أن ينـتقص الإجارة لنقصان أجر المثل »[28]

وقد اختار متأخرو الحنفية أنه لو قام المتولى بتأجير الوقف بأقل من أجر المثل فسكنها المستأجر كان عليه أجر المثل بالغاً ما بلغ وعلى ضوء ذلك يعدل العقد وإن لم يرض به المستأجر [29]

ويظهر من ذلك أن العقد الذي تمّ بأقل من أجر المثل إما هو باطل، أو غير لازم بحيث يفسخه القاضي أو القيّم، أو يعدله إلى أجر المثل، أو يـبطل.

وقد استفتى الشيخ عليش المالكي في أرض موقوفة طرح الناس فيها أتربة وأقذاراً حتى صارت تلاًّ لا ينتفع به في الحال، فأجرها نائب القاضي تسعة وتسعين سنة لمن ينقل منها ما فيها من التربة والأقذار ويبنيها خاناً، كل ستة بأربعة أرطال زيت لا غير، وأزال المكتري ما فيها وأصلحها فحصلت الرغبة فيها بزائد عن تلك الأجرة، فهل تفسخ الإجارة ويصير النفع للوقف؟ فأجاب:« نعم يفسخ إن وجد حين عقد الإجارة من يستأجرها بزائد عما ذكر، أما إن لم يوجد حين العقد من يستأجرها بزائد عما ذكر فلا تفسخ»[30].

ونصّ الشافعية على عدم صحة الوقف إذا أجره الناظر بأقل من أجرة المثل لكنه إذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد على الأصح، قال النووي: « لأن العقد جرى بالغبطة في وقته فأشبه ما لو باع الولي مال الطفل ثم ارتفعت القيمة بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة، والثاني ـ أي الرأي الثاني للشافعية ـ ينفسخ العقد، لأنه بان وقوعه بخلاف الغبطة في المستقبل، والثالث: إن كانت الإجارة سنة فما دونها لم يتأثر العقد، وإن كانت أكثر فالزيادة مردودة وبه قطع أبو الفرج الزازفي الأمالي»[31].

وذهب الحنابلة إلى صحة عقد الإجارة مع كون الأجرة أقل من أجر المثل ولكن الناظر يضمن النقص أي يضمن الفارق بين أجر المثل، والأجر المتفق عليه في العقد قياساً على الوكيل، لأن الإجارة عقد لازم لا يفسخ بذلك[32].

والذي يظهر لنا رجحانه هو رأي الجمهور حيث فيه الحماية الكافية لمصالح الوقف، ولخصوصيته، وأن كون القيم يتحمل الفرق قد يؤدي إلى زهد الناس عن التولية لأن ذلك يضرّ به وقد لا يكون متعمداً فيه، ولذلك فاعتبار العقد مفسوخاً حتى يتم جبر النقص فيه من قبل المستأجر هو أعدل الأمور والله أعلم .

د. عدم لزوم عقد الإجارة في حالتي زيادة المدة، وعدم أجر المثل:

 مع أن عقد الإجارة عقد لازم عند جميع الفقهاء[33]. ولكنه في باب الوقف يعتبر غير لازم في حالة ما إذا كانت مدة الإجارة طويلة أو كانت الأجرة أقل من أجر المثل، وهذه خصوصية أخرى للوقف فبخصوص الإجارة الطويلة نصّ الفقهاء وبالأخص الحنفية والمالكية أن القيم أو القاضي ـ حسب تفصيل ـ يستطيع فسخ الإجارة، إن كانت المصلحة في ذلك، أو يعدل العقد إلى إجارة قصيرة أو إلى عقود جارات مترادفة، أو يبطل العقد، فقد ذكر ابن عابدين أن أبا جعفر يقول بإبطال الإجارة الطويلة ولو بعقود، لكن ابن عابدين خصصه بعدم الحاجة[34]، وعند الشافعية على الأصح لا يصح العقد إذا كان الأجر أقل من أجر المثل ـ كما سبق ـ[35].

هـ. المزايدة والزيادة في إجارة الوقف :

إذا أجر الوقف بمبلغ ، ثم جاء آخر فزاد عليه بعد تمام العقد، فهل يجوز فسخ العقد السابق والاعتماد على الزيادة؟

للإجابة عن ذلك نقول: أن فيه تفصيلاً على ضوء ما يأتي:

أ ـ أجّره أولاً بمبلغ أقل من أجر المثل ثم جاء آخر فعلى القول بالفسخ يفسخ العقد، ثم يعطى لمن يزيد، وعلى القول بصحة العقد مع عدم لزومه يخيّر المستأجر الأول بين الفسخ، أو الزيادة إلى ما يدفعه الآخر، فإن قبل بها فهو أولى ما دام الآخر لم يزد عليه فإن زاد عليه الأجر فحينئذٍ يتـزايدان، ويكون العقار لمن يدفع أكثر ويكون عقد الإجارة منحلاً.

ب ـ أجّره أولاً بأجر المثل ثم جاء آخر فزاد لم تفسخ الأُولى كما هو الحال فيما لو كان تأجير الوقف لثلاث سنوات، وتغير أجر المثل في السنة الثانية ـ مثلاً ـ بحيث ازداد لم يفسخ العقد[36] وقد ذكر في شرح الرسالة أن ابن عبدالسلام ذهب إلى أن عقد إجارة الوقف إن لم يكن فيه غبن بل كان فيه غبطة فلا يفسخ بالمزايدة، وإن كان فيه غبن تقبل الزيادة فيه، ثم ذكر أن أهل تونس استمروا سنيين كثيرة على أن يكري ربع الحبس على قبول الزيادة فيه، ويجعلونه منحلاً من جهة المكري ومنعقداً من جهة المكتري وهو قول منصوص عليه في المذهب[37].

ثانياً: الإجارة بأُجرتين:

 ابتكر الفقهاء هذه الطريقة لعلاج مشكلة حدثت للعقارات الموقوفة في استنبول عام 1020هـ عندما نشبت حرائق كبيرة التهمت معظم العقارات الوقفية أو شوهت مناظرها، ولم يكن لدى إدارة النظارة الوقفية أموال لتعمير تلك العقارات فاقترح العلماء أن يتم عقد الإجارة تحت إشراف القاضي الشرعي على العقار المتدهور بأجرتين: أجرة كبيرة معجلة تقارب قيمته فيتسلمها الناظر ويعمر به العقار الموقوف، وأجرة سنوية مؤجلة ضئيلة يتجدد العقد كل سنة، ومن الطبيعي أن هذا العقد طويل الأجل يلاحظ فيه أن المستأجر يسترد كل مبالغه من خلال الزمن الطويل[38].

فهذه الصيغة التمويلية تعالج مشكلة عدم جواز بيع العقار فتحقق نفس الغرض المنشود من البيع من خلال الأجرة الكبيرة المعجلة، كما أنها تحقق منافع للمستأجر في البقاء فترة طويلة في العقار المؤجر سواء كان منـزلاً أو دكاناً أو حانوتاً، أو نحو ذلك، كما أن وجود الأجرة يحمى العقار الموقوف من ادعاء المستأجر أنه قد تملكه بالشراء مثلاً، كما أن ما بني على هذه الأرض الموقوفة يظل ملكاً للوقف دون المستأجر.

ثالثاً: الحكر، أو حق القرار:

الحِكر ـ بكسر الحاء وسكون الكاف ـ العقار المحبوس، وجمعه أحكار، وبفتحهما: كل ما احتكر[39]

وفي اصطلاح الفقهاء يطلق على ثلاثة معان:

1.العقار المحتكر نفسه، فيقال: هذا حكر فلان.

2.الإجارة الطويلة على العقار.

3.الأجرة المقررة على عقار محبوس في الإجارة الطويلة ونحوها[40]، قال الشيخ عليش: « من استولى على الخلو يكون عليه لجهة الوقف يسمى عندنا بمصر حكراً لئلا يذهب الوقف باطلاً »[41].

والحكر في باب الوقف وسيلة اهتدى إليها الفقهاء لعلاج مشكلة تتعلق بالأراضي والعقارات الموقوفة التي لا تستطيع إدارة الوقف ( أو الناظر ) أن تقوم بالبناء عليها، أو زراعتها، أو أنها مبنية لكن ريعها قليل إذا قسنا بحالة هدم بنيانها، ثم البناء عليها، ففي هذه الحالة أجاز الفقهاء الحكر، وحق القرار وهو عقد يتم بمقتضاه إجارة أرض للمحتكر لمدة طويلة، وإعطاؤه حق القرار فيها ليبني، أو يغرس مع إعطائه حق الاستمرار فيها ما دام يدفع أجرة المثل بالنسبة للأرض التي تسلمها دون ملاحظة البناء والغراس[42].

وهذا النوع قريب من الإجارة بأجرتين التي ذكرناها من حيث طول المدة، ومن حيث تسلم نوعين من الأجرة: أجرة كبيرة معجلة قريبة من قيمة الأرض، وأجرة ضئيلة سنوية أو شهرية، لكنه مختلف عنها من حيث إن البناء والغراس في الحكر ملك للمحتكر (المستأجر) لأنه أنشأهما بماله الخاص وفي الإجارة بأجرتين ملك للوقف، لأن إدارة الواقف ( أو الناظر ) قد صرفت الأجرة الكبيرة المقدمة في التعمير، والبناء أو الغراس.

ويسميه بعض الفقهاء بالاحتكار، والاستحكار، والإحكار، قال ابن عابدين: « الاحتكار إجارة يقصد بها منع الغير، واستبقاء الانتفاع بالأرض »[43]، وفي الفتاوى الخيرية: « الاستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض للبناء، أو الغرس أو لأحدهما، ويكون في الدار والحانوت أيضاً »[44].

 ويسميه المالكية خلواً في حين أن الخلو عند الحنفية وغيرهم ممن قالوا به أعمّ من الحكر، لأنه يكون في كل إجارة اكتتب المستأجر من خلال أعماله وتجارته وشهرته، أو أهمية الموقع حقاً خاصاً به، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الرابعة عام 1408هـ أجاز فيه بدل الخلو بشروط وضوابط[45].

مدى شمولية الحكر للوقف وغيره:

وقد ارتبط اسم الحكر بالوقف سواء كان وقفاً عاماً وهو الشايع، أو خاصاً، ولكنه مع ذلك قد يكون الحكر في العقارات المملوكة ملكية خاصة حيث جاء في تـنقيح الفتاوى الحامدية أن: «الاحتكار هو الأرض المقررة للاحتكار وهي أعم من أن تكون ملكاً أو وقفاً »[46] ولكن حديثنا هنا حول الحكر في الأوقاف فقط.

حكم الحكر في الأوقاف:

اختلف الفقهاء في حكر الوقف على ثلاثة مذاهب:

أ.ذهب جمهور الفقهاء[47] إلى أنه جائز حتى ولو اشترط الواقف منعه إذا توافرت الشروط الآتية:

1.أن يكون الوقف قد تخرّب وتعطّل الانتفاع به.

2.أن لا يكون لدى إدارة الوقف ( أو الناظر ) أموال يعمّر بها.

3.أن لا يوجد من يقرض الوقف المقدار المحتاج إليه.

واشترط الحنفية أيضاً أن لا يمكن استبدال الوقف بعقار ذي ريع[48]، إذا توافرت هذه الشروط جاز الحكر في الوقف.

ب.ذهب جماعة من الفقهاء منهم الحنابلة، وجمهور الشافعية، إلى أنه جائز مطلقاً[49]

ج.ذهب بعض الشافعية ـ منهم الأذرعي والزركشي ـ إلى أنه غير جائز مطلقاً [50].

والذي نراه راجحاً هو الرأي الأول، لأنه قيّد الحكر بتحقيق مصالح الوقف، وأن لا يوجد سبيل أفضل من الحكر، وحينئذٍ فالحكر بلا شك أفضل من أن يبقى الوقف خرباً أو معطلاً.

مدة الحكر:

من المعلوم أن عقد الحكر يتضمن مدة محددة للحكر وإن كانت طويلة، ولكن جرى العرف ـ كما يقول العدوي ـ بمصر أن الأحكار مستمرة للأبد، وإن عُيّن فيها وقت الإجارة مدة لكنهم لا يقصدون خصوص تلك المدة، والعرف عندنا ـ أي في مصر ـ كالشرط فمن احتكر أرضاً مدة ومضت فله أن يبقى وليس للمتولي آمر الوقف إخراجه[51]

وقد ذكر الحنفية أيضاً أنه يثبت للمحتكر حق القرار إذا وضع بناءه في الأرض ويستمر ما دام أس بنائه قائماً فيها، فلا يكلف برفع بنائه، ولا بقلع غراسه ما دام يدفع أجرة المثل المقررة على ساحة الأرض المحتكرة [52].

ولكن الفقهاء لم يغفلوا من أمرين:

الأمر الأول: أنه يجوز اشتراط إخراج المحتكر بعد المدة المتفق عليها؛ لأن المشروط المتفق عليه مقدم على العرف السائد.

الأمر الثاني: أن لا يترتب على بقاء المحتكر بأجرة المثل ضرر على الوقف، فإن كان فيه ضرر بأن يخاف منه الاستيلاء على الوقف، أو أن يكون فيه تعسف بالوقف في استعمال هذا الحق فإنه يجوز أن يرفع الأمر إلى القاضي فيفسخه[53].

التحكير بغبن فاحش: ما ذكرناه في اجر المثل فيما يخص الإجارة ينطبق على التحكير بغبن فاحش تماماً .

انتهاء الحكر: إذا خرب البناء الذي بناه المحتكر في أرض الوقف وزال عنها بالكلية ينقضي حق المحتكر في القرار فيها إذا انـتهت مدة الإجارة، وكذلك الحكم إذا فنيت الأشجار التي غرسها في الأرض الزراعية الموقوفة [54].

رابعاً: المرصــد:

وهو الاتفاق بين إدارة الوقف ( أو الناظر ) وبين المستأجر أن يقوم بإصلاح الأرض وعمارتها وتكون نفقاتها ديناً مرصداً على الوقف يأخذه المستأجر من الناتج، ثم يعطى للوقف بعد ذلك الأجرة المتفق عليها [55]

وهذا إنما يكون عندما تكون الأرض خربة لا توجد غلة لإصلاحها، ولا يرغب أحد في استئجارها مدة طويلة يؤخذ منه أجرة معجلة لإصلاحها، وحينئذٍ لا تبقى إلاّ هذه الطريقة التي تأتي في آخر المراتب من الطرق الممكنة لإجارة الوقف، ومما يجدر الإشارة إليه أن عقلية فقهائنا الكرام استطاعت أن تشتق من الإجارة كل هذه الصور، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الفقه لا ينبغي أن يتوقف بل لا بدّ أن يستجيب لحل كلّ المشاكل.

خامساً: الإجارة الطويلة مع وعد المستأجر بتمليك ما يبنى للوقف:

ومن الصيغ الجديدة ما يسمى بالإجارة المنـتهية بالتمليك، ولها صور كثيرة، والذي يصلح في باب الوقف هو أن تؤجر إدارة الوقف ( أو الناظر ) الأرض الموقوفة لمستثمر (فرداً أو شركة ) مع السماح بالبناء عليها من المباني والمحلات والعمارات حسب الاتفاق ويستغلها فترة من الزمن، ثم يعود كل ما بناه المستثمر بعد انتهاء الزمن المتفق عليه إلى الوقف عن طريق أن يتضمن العقد تعهداً بالهبة، أو يتضمن أحد بنوده هبة معلقة، أو وعداً بالبيع ثم يتم البيع في الأخير بعقد جديد[56]

ويمكن أن تنص الاتفاقية السابقة على أن تعطى للوقف أجرة ولو كانت متواضعة حتى يستفيد منها في إدارة أموره، ولا مانع حينئذٍ أن تمدد الفترة لقاء ذلك.

الطريقة الثانية ـ المزارعة:

وهي أن تتفق إدارة الوقف ( أو الناظر ) مع طرف آخر ليقوم بغرس الأرض الموقوفة، أو زرعها على أن يكون الناتج بينهما حسب الاتفاق إما بالنصف، أو نحوه[57]

الطريقة الثالثة ـ المساقاة :

 وهي خاصة بالبساتين، والأرض التي فيها الأشجار المثمرة حيث تـتفق إدارة الوقف ( أو الناظر ) مع طرف آخر ليقوم برعايتها وسقيها على أن يكون الثمر بينهما حسب الاتفاق[58].ولا تختلف المزارعة أو المساقاة في باب الوقف عنهما في غيره.

الطريقة الرابعة ـ المضاربة (القراض):

وهي المشاركة بين المال والخبرة والعمل، بأن يقدم ربّ المال المال إلى الآخر ليستثمره استثماراً مطلقاً أو مقيداً ( حسب الاتفاق ) على أن يكون الربح بالنسبة بينهما حسب الاتفاق والمضاربة إنما تـتحقق في باب الوقف في ثلاث حالات:

1.الحالة الأُولى: إذا كان الوقف عبارة عن النقود عند من أجاز ذلك منهم المالكية[59]، وبعض الحنفية [60]، والإمام أحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية [61]. وحينئذٍ تستثمر هذه النقود عن طريق المضاربة الشرعية.

2.الحالة الثانية: إذا كانت لدى إدارة الوقف، ( أو الناظر ) نقود فاضت عن المصاريف والمستحقات، أو أنها تدخل ضمن الحصة التي تستثمر لأجل إدامة الوقف فهذه أيضاً يمكن أن تدخل في المضاربة الشرعية.

3.الحالة الثالثة: بعض الأدوات أو الحيوانات الموقوفة حيث يجوز عند الحنابلة أن تكون المضاربة بإعطاء آلة العمل من ربّ المال وتشغيلها من قبل المضارب، ويكون الناتج بين الطرفين، كمن يقدم إلى الأجير فرساً، أو سيارة، ويكون الناتج بينهما[62].

الطريقة الخامسة ـ المشاركة:

أ. المشاركة العادية من خلال أن تتفق إدارة الوقف ( أو الناظر ) بجزء من أموالها الخاصة للاستثمار مع شريك ناجح في مشروع مشترك سواء أكان صناعياً، أم زراعياً، أو تجارياً، وسواء كانت الشركة شركة مفاوضة أو عنان. ويمكن كذلك المشاركة عن طريق شركة الملك بأن تشارك إدارة الوقف ( أو النظر ) مع طرف آخر في شراء عمارة، أو مصنع، أو سيارة، أو سفينة، أو طائرة أو نحو ذلك.

ب. المشاركة المتناقصة لصالح الوقف بأن تطرح إدارة الوقف مشروعاً ناجحاً ( مصنعاً، أو عقارات أو نحو ذلك) على أحد البنوك الإسلامية، أو المستثمرين، حيث يتم بينهما المشاركة العادية كل بحسب ما قدمه، ثم يخرج البنك، أو المستثمر تدريجياً من خلال بيع أسهمه أو حصصه في الزمن المتفق عليه بالمبالغ المتفق عليها، وقد يكون الخروج في الأخير بحيث يتم بيع نصيبه إلى إدارة الوقف مرة واحدة، ولا مانع أن تكون إدارة الوقف هي التي تبيع حصته بنفس الطرق المقررة في المشاركة المتناقصة.

ويمكن لإدارة الوقف أن تتقدم بمجرد أراضيها التجارية المرغوب فيها، ويدخل الآخر بتمويل المباني عليها، ثم يشترك الطرفان كل بحسب ما دفعه ، أو قيم له وحينئذٍ يكون الريع بينهما حسب النسب المتفق عليها، ثم خلال الزمن المتفق عليها تقوم الجهة الممولة ( الشريك ) بيع حصصها إلى إدارة الوقف أقساطاً أو دفعة واحدة.

وفي هذه الصورة لا يجوز أن ننهي المشاركة بتمليك الشريك جزءاً من أراضي الوقف إلاّ حسب شروط الاستبدال، وحينئذٍ لا بدّ أن ننهي الشراكة إذا أريد لها الانتهاء لصالح الوقف. وللمشاركة المتناقصة عدة صور[63]

ج. المشاركة في الشركات المساهمة عن طريق تأسيسها، أو شراء أسهمها.

د. المشاركة في الصناديق الاستثمارية المشروعة بجميع أنواعها سواء أكانت خاصة بنشاط واحد، أو مجموعة من الأنشطة كصناديق الأسهم ونحوها.

الطريقة السادسة ـ الاستصناع:

الاستصناع من العقود التي أجازها جمهور الفقهاء وإن كانوا مختلفين في إلحاقه بالسلم وحينئذٍ إخضاعه لشروطه الصعبة من ضرره تسليم الثمن في مجلس العقد عند الجمهور، أو خلال ثلاثة أيام عند مالك، ولكن الذي يهمنا هنا هو الاستصناع الذي أجازه جماعة من الفقهاء منهم الحنفية[64].

والذي أقره مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة حيث نص قراره (رقم66 /3/7) على:«أن عقد الاستصناع ـ هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة ـ ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط » .

وعقد الاستصناع يمكن لإدارة الوقف أن تستفيد منه لبناء مشروعات ضخمة ونافعة حيث تستطيع أن تـتفق مع البنوك الإسلامية (أو المستثمرين) على تمويل المشاريع العقارية على أرض الوقف أو غيرها، والمصانع ونحوها عن طريق الاستصناع، وتقسيط ثمن المستصنع على عدة سنوات، إذ أن من مميزات عقد الاستصناع أنه لا يشترط فيه تعجيل الثمن، بل يجوز تأجيله، وتقسيطه مما أعطى مرونة كبيرة لا توجد في عقد السلم.

وغالباً ما يتم الاستصناع في البنوك الإسلامية عن طريق الاستصناع الموازي حيث لا تبني هي ولا تستصنع، وإنما تـتفق مع المقاولين لتـنفيذ المشروع بنفس المواصفات التي تم الاتفاق عليها بينها وبين إدارة الوقف.

الطريقة السابعة ـ المرابحات:

يمكن لإدارة الوقف أن تستثمر أموالها عن طريق المرابحات لشراء ما تحتاج إليه عن طريق المرابحة العادية، والمرابحة للأمر بالشراء كما تجريها البنوك الإسلامية، وهي التي تتم بالخطوات التالية:

1.وعد بالشراء من إدارة الوقف .

2.شراء البنك المبيع وتسلمه وحيازته .

3.ثم بيعه إدارة الوقف بربح متفق عليه مثل 10% يضم إلى أصل الثمن، ويؤجل، أو يقسط على أشهر أو نحوها مع أخذ كافة الضمانات التي تحمي البنك.

ويمكن لإدارة الوقف أن تقوم هي بالمرابحة بالطريقة السابقة، فتكون هي التي تستثمر أموالها بهذه الطريقة بنسبة مضمونة. وهناك طريقة أخرى مضمونة مع أنها جائزة شرعاً وهي أن تـتفق إدارة الوقف مع بنك، أو مستثمر، أو شركة على أن يدير لها أموالها عن طريق المرابحة بنسبة 10% مثلاً، وحينئذٍ إذا خالف هذا الشرط فهو ضامن لمخالفته للشرط، وليس لأجل ضمان رأس المال.

الطريقة الثامنة ـ سندات المقارضة وسندات الاستثمار:

 بما أن السندات التقليدية حرام صدر بحرمتها قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة ( قرار رقم 62/11/6 ) اتجه الاجتهاد الفردي والجماعي لبديل إسلامي له من خلال إجازة المجمع نفسه في قراره رقم (5  دع/08/88 ) سندات المقارضة وسندات الاستثمار بشروط وضوابط محددة ذكرها القرار نفسه معتمداً على مجموعة من البحوث القيمة والدراسات الجادة[65]

فإدارة الوقف تستطيع أن تساهم في هذه السندات المشروعة، بالاكتتاب فيها، أو شرائها، أو أن تقوم هي بإصدارها ، ولا غرو في ذلك فإن وزارة الأوقاف الأردنية هي التي طرحت هذه الصيغة وصاغتها حتى صدر بها قانون سندات المقارضة رقم 10 لعام1981 [66].

وفي هذه الحالة تكون إدارة الوقف هي المضارب، وحملة الصكوك هم أرباب المال، ويكون الربح بينهما بالنسبة حسب الاتفاق، وإدارة الوقف لا تضمن إلاّ عند التعدي، أو التقصير  ـ كما هو مقرر فقهياً ـ ومن هنا تأتي مشكلة عملية في مسألة عدم ضمان السندات، ولذلك عالجها قرار المجمع من خلال أمرين:

أحدهما: جواز ضمان طرف ثالث مثل الدولة تضمن هذه الصكوك تشجيعاً منها على تجميع رؤوس الأموال، وتثميرها، وتهيئة عدد من الوظائف، وتحريك رؤوس الأموال وإدارتها.

ثانيهما: عدم ممانعة المجمع من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة من عائدات المشروع ووضعها في صندوق احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال فيما لو تحققت، إضافة إلى ضرورة توخي أقصى درجات الحذر من الاستثمارات بحيث لا تقدم الإدارة إلاّ على الاستثمارات شبه المضمونة مثل الاستثمارات في العقارات المؤجرة في بلاد مستقرة، ومثل الاتفاق مع الآخرين أصحاب الخبرات الواسعة لإدارة الأموال ودراسة الجدوى الاقتصادية ونحوها .

الطريقة التاسعة ـ صكوك ( سندات مشروعة ) أخرى:

لا تـنحصر مشروعية الصكوك على صكوك المقارضة التي صدر بها قرار من مجمع الفقه الإسلامي، بل يمكن ترتيب صكوك ( سندات مشروعة ) أخرى مثل صكوك الإجارة التشغيلية أو التمويلية، وصكوك المشاركة الدائمة، أو المتناقضة، وكذلك صكوك أخرى كما فصلنا ذلك في بحثنا[67]

الشروط العامة لاستثمار أموال الوقف:

بما أن الاستثمار من طبيعته الربح والخسارة، وأن معظم الاستثمارات التي تقوم بها الدولة، أو المؤسسات الحكومية إن لم تكن فاشلة فليست على المستوى المطلوب، ولا على مستوى الاستثمارات الخاصة، وبما أن أموال الوقف أموال خيرية عامة لها خصوصية رأيناها معتبرة لدى فقهائنا الكرام حيث لم يجيزوا التصرف فيها بالغبن، وبأقل من أجر المثل لذلك كله يشترط في استثمار أموال الوقف ما يأتي:

1.الأخذ بالحذر والأحوط والبحث عن كل الضمانات الشرعية المتاحة، وقد ذكرنا أن مجمع الفقه الدولي أجاز ضمان الطرف الثالث لسندات الاستثمار، ومن هنا فعلى إدارة الوقف (أو الناظر) البحث عن مثل هذا الضمان بقدر الإمكان، وإن لم تجد فعليها مفاتحة الحكومة بذلك.

2.الاعتماد على الطرق الفنية والوسائل الحديثة ودراسات الجدوى، ورعاية أهل الإخلاص والاختصاص والخبرة فيمن يعهد إليهم الاستثمار.

3.التخطيط والمتابعة والرقابة الداخلية على الاستثمارات.

4.ومراعاة فقه الأولويات وفقه مراتب المخاطر في الاستثمارات، وفقه التعامل مع البنوك والشركات الاستثمارية، بحيث لا تتعامل إدارة الوقف إلاّ مع البنوك الإسلامية والشركات اللاتي تـتوافر فيها الأمن والأمان والضمان بقدر الإمكان. ومن هذا المنطلق عليها أن تتجه إلى الاستثمارات التي لا تـزال أكثر أماناً وأقل خطراً وهي الاستثمارات العقارية.

الشخصية الاعتبارية للوقف، وأثرها على تطويره:

الشخصية الاعتبارية يراد بها أن تكون للشركة، أو المؤسسة شخصية قانونية مستقلة عن ذمم أصحابها، أو شركائها يكون لها وحدها حقوقها والتـزاماتها الخاصة بها وتكون مسؤوليتها محدودة بأموالها فقط[68].

وهذه الشخصية الاعتبارية لم يصل إليها القانون إلاّ في القرون الأخيرة في حين سبقه فقهنا الإسلامي الوضعي في الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للوقف، حيث نظر الفقه الإسلامي إلى من يدير الوقف نظرة خاصة فرّق فيها بين شخصيته الطبيعية، وشخصيته الاعتبارية كناظر للوقف، أو مدير له، وترتب على ذلك أن الوقف ينظر إليه كمؤسسة مستقلة عن أشخاصها الواقفين والناظرين، لها ذمة مالية تـترتب عليها الحقوق والالتـزامات فقد قرر جماعة من الفقهاء منهم الشافعية[69] والحنابلة[70] جواز انتقال الملك إلى جهة الوقف مثل الجهات العامة كالفقراء والعلماء، والمدارس والمساجد، كما ذكر فقهاء الحنفية والشافعية[71].

أنه يجوز للقيّم على الوقف أن يستدين على الوقف للمصلحة بإذن القاضي، ثم يسترده من غلته، فهذا دليل على أن الوقف له نوع من الذمة المالية التي يستدان عليها، ثم يسترد منها حين إدراك الغلة، قال ابن نجيم: « أجر القيّم، ثم عزل، ونصب قيّم آخر، فقيل: أخذ الأجر للمعزول، والأصح أنه للمنصوب، لأن المعزول أجره للوقف لا لنفسه »[72] فهذا يدل على أن الوقف من حيث هو يقبل الإجارة ، حيث اعتبرت الإجارة له ، وهناك نصوص كثيرة تدل على إثبات معظم آثار الشخصية الاعتبارية في القانون الحديث للوقف[73].

ولا أريد الخوض في تفاصيل ذلك ، وإنما الذي أريد أن أقوله هو أن هذا التكييف الفقهي للوقف جعله مؤسسة مستقلة تطورت في القرون الأُولى وقدمت خدمات جليلة لهذه الأمة وحضارتها، واستطاعت أن تحافظ على عدد كبير من القضايا الأساسية للحفاظ على متطلبات الأمة وتطويرها مثل المدارس، والجامعات والمستشفيات، وبعض المؤسسات والميراث الخاصة بالأعمال التطوعية والخيرية.

 فهذا التكييف الفقهي أضفى على العمل الوقفي والخيري طابعاً مؤسسياً تميز عن الطابع الشخصي بعدة مميزات من أهمها أن المؤسسات أكثر دواماً من الشخص الطبيعي، وأن عملها أكثر قابلية للتأطير « بمعنى أن عملها يوضع في إطار منظم يتضمن حصراً للموارد المتاحة، وكيفية تعبئتها، والأهداف المبتغاة والوسائل المستخدمة للوصول إلى الأهداف » كما أنها أكثر قابلية وتعرضاً للمحاسبة والتقويم والتقييم من خارجها، بالإضافة إلى أنه يمكن تصميمها بحيث تحتوي على نظام فعال للرقابة الداخلية، كل ذلك يعود بالتطوير على المؤسسة الوقفية[74]

ولذلك كانت معظم المؤسسات الوقفية تحت إشراف الدولة الإسلامية، وبالأخص تحت إشراف القضاء، وبالأخص تحت إشراف القضاء وبالأخص في فترات ازدهار لهذا الجانب إلاّ مع ضعف الأمة الإسلامية في مختلف مجالاتها.

ويدل على هذه الأهمية للوقف تركيز أعداء الإسلام (وبالأخص المستعمرون) على تحطيم المؤسسات الوقفية وتعيـبها وتشويش صورتها وصورة القائمين عليها ، ثم اختيار سيء السمعة والإدارة لإدارتها، ولا أظن أن هذا يحتاج إلى دليل. وقصدي من ذلك أن الوقف لو ترك دون قصد تخريبه ليتطور تطوراً كبيراً وقام بخدمات جليلة أكثر مما قدمه على مرّ التاريخ الإسلامي.

لذلك يجب علينا حينما نـتحدث عن الوقف أن نوجه كل طاقتنا وإمكانياتنا لتطوير هذه المؤسسة في كل المجالات، وقد استفاد الغرب من فكرة الوقف كمؤسسة في شتى مجالات الحياة وبالأخص في مجالات التعليم والأبحاث فمعظم المراكز العلمية، والكليات والجامعات لها أوقافها الخاصة للاستمرارية مع كل هذا لدعم الهائل من حكوماتها.

الذمة الواحدة للوقف، أم ذمم مستقلة:

لاشك أن الوقف إما أن يكون لصالح شخص وذريته، أو نحو ذلك مما يسمى في الفقه الإسلامي بالوقف الأهلي، أو الذري، فهذا له طابعه الخاص وتكون إدارته في إطار الشخص الموقوف عليه، أو ذريته فيما بعد حسب تفصيل لا يهم موضوع البحث.

 وأما أن يكون الوقف على جهة خيرية مثل الوقف على المساجد، أو المدارس،أو الفقراء أو المساكين، أو الأرامل، أو اليتامى أو لمدرسة خاصة، أو لمؤسسة علمية خاصة بدراسة علم معين، أو ابتكار معين.

وهذا النوع الثاني هو الذي نـتحدث عنه، حيث يرد سؤال: هل هذه الجهات لو اجتمعت كلها أو بعضها تحت إشراف مؤسسة يكون لكل واحدة منها ذمة مستقلة، وتعمل على أساس شخصيتها المستقلة، فلا يجوز التداخل بين حقوقها والتـزاماتها وبين حقوق والتـزامات جهة أخرى أم أنها ينظر إلى كلّ هذه الجهات كذمة واحدة، وحينئذٍ يحمل بعضها عن بعض ؟

للجواب عن ذلك نقول: إن الأصل والمبدأ العام والقاعدة الأساسية هو الحفاظ على خصوصية كل وقف وكل جهة وإن كانت تحت إشراف إدارة واحدة، وذلك لضرورة مراعاة أن يكون ريع الوقف لنفس الجهة التي وقف عليها الواقف، قال البهوتي: « ويتعين مصرف الوقف إلى الجهة المعينة »[75].وكذلك الأمر في حالة الالتـزامات، والتعمير والبناء وذلك من خلال ترتيب هذه الجهات كصناديق خاصة لها ذمتها المالية المستقلة بقدر الإمكان .

هذا هو الأصل ما دام ذلك ممكناً ولم يكن هناك ما يعارضه ويدل عليه الأدلة المعتبرة على ضرورة الحفاظ على الوفاء بالعقود والشروط إلاّ الشروط التي تكون مخالفة للكتاب والسنة، أو لا تحقق الغرض المنشود من الوقف، قال القرافي: « ويجب اتباع شروط الوقف …، لأنه ماله، ولم يأذن في صرفه إلاّ على وجه مخصوص، والأصل في الأموال العصمة … »[76].

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: « والمقصود إجراء الوقف على الشروط التي يقصدها الواقف، ولهذا قال الفقهاء: إن نصوصه كنصوص الشارع يعني في الفهم والدلالة فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة كما يفهم مقصود الشارع »[77].

 ومع هذا الأصل العام فإن الذي يظهر راجحاً هو جواز التصرف في جميع الأموال المرصودة لجهة واحدة، كالمساجد مثلاً حيث لا بدّ أن ينظر إلى جميع موقوفات المساجد الواقعة تحت إدارة الوقف كذمة واحدة حسب المصلحة الراجحة، ولكن مع تقديم مصالح الموقوف عليه من وقفه الخاص به على غيره، وإذا فضل، أو اقتضت المصلحة غير ذلك صرف منه إلى بقية الموقوف عليه من نفس الجهة وهكذا الأمر في الوقف على جهة الفقراء، أو المدارس، أو نحوها.

ولكن يرد سؤال آخر وهو: هل يمكن أن ينظر إلى جهات الخير كلها كأنها جهة واحدة يصرف من ريعها على الجميع حسب أولوية المصالح ؟

 فقد أفتى فقهاء المالكية بذلك حيث جاء في نوازل العلمي: « الأحباس كلها ـ إذا كانت لله ـ بعضها من بعض، وذلك مقتضى فتوى أبي محمد العبدوسي »، كما نقل فتاوى بهذا الشأن للبرزلي وابن ماجشون وغيرهما[78]، وجاء فيهما أيضاً : « قال اصبغ، وابن ماجشون: إن ما يقصد به وجه الله يجوز أن ينـتفع ببعضه من بعض، وروى أصبغ عن أبي القاسم مثل ذلك في مقبرة قد عفت فيبني قوم عليها مسجداً: لم أرَ به بأساً، قال: وكذلك ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض، وقد رأى بعض المتأخرين: أن هذا القول أرجح في النظر، لأن استنفاد الزائد في سبيل الخير أنفع للمحبس، وأنمى لأجره … »[79].

 وقال أبو محمد العبدوسي في الجواب عن جمع أحباس فاس: ( يجوز جمعها، وجعلها نقطة واحدة وشيئاً واحداً لا تعدد فيه، وأن تجمع مستفادات ذلك كله، ويقام منه ضروري كل مسجد من تلك المستفادات المجتمعة … »[80].

 وأفتى بعض علماء الحنابلة بجواز عمارة وقف من ريع وقف آخر على جهته، قال ابن مفلح: «ويصرف ثمنه ـ أي الموقوف في حالة بيعه ـ في مثله » كذا في المحرر، والوجيز، والفروع، وزاد: « أو بعض مثله ، قاله أحمد لأنه أقرب إلى غرض الواقف » ثم قال: « وظاهر الخرقى أنه لا يتعين المثل، واقتصر عليه في المغني، والشرح، إذ القصد النفع، لكن يتعين صرف المنفعة في المصلحة التي كانت الأَولى أن تصرف إليها، لأن تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه لا يجوز، وكذلك الفرس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى بثمنه ما يصلح للجهاد، وعنه رواية أخرى: يصرفه على الدواب الحبس، وما فضل من حصره وزيته جاز صرفه إلى مسجد آخر، والصدقة به على فقراء المسلمين … واختاره الشيخ تقي الدين، وقال أيضاً: وفي سائر المصالح، وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته .. »[81].

 فهذه الفتاوى لعلماء المذهبين تجيز النظر إلى جميع الجهات نظرة واحدة قائمة على ذمة واحدة حسب المصالح المعتبرة، والذي يظهر رجحانه هو أن يكون ذلك في دائرة الاستثناء ويبقى الأصل العام في رعاية كل وقف بذاته إلاّ لمصلحة راجحة، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن يربط التصرف في أموال الوقف بالمصالح الراجحة أكثر من غيرها حيث قال ـ بعد جواز تغيير الوقف وبيعه ـ : ( فَـتُـتبع مصلحة الوقف، ويدار مع المصلحة حيث كانت، وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين ـ كعمر وعثمان ـ أنهما غّيرا صورة الوقف للمصلحة، بل فعل عمر ما هو أبلغ من ذلك حيث حول مسجد الكوفة القديم فصار سوق التمارين وبنى لهم مسجداً آخر في مكان آخر والله أعلم »[82]

الخلاصة:

تطرق البحث إلى تعريف الاستثمار، وحكمه الشرعي بالنسبة للفرد، والأمة حيث انتهى إلى أنه واجب كفائي على الأمة للأدلة المعتبرة.

 ثم تطرق البحث إلى بيان العلاقة بين الوقف والاستثمار، ثم ذكر أهم طرق استثمار الوقف قديماً وحديثاً وهي:

الطريقة الأُولى: الإجارة التي تعتبر أهم الأدوات الاستثمارية للوقف قديماً حتى ربط بينها وبين الوقف، ثم تطرق إلى بعض خصوصية لإجارة الوقف من حيث المدة، وأجر المثل وعدم لزوم الإجارة في حالتي زيادة المدة، وعدم أجر المثل، ومن هذه الخصوصية أيضاً المزايدة في إجارة الوقف، والإجارة بأجرتين، والحكر أو حق القرار، وحكمه ومدته وانتهاؤه على تفصيل بين الفقهاء، ومنها المرصد.

الطريقة الثانية المزارعة، والثالثة المساقاة، والرابعة المضاربة، والخامسة المشاركة العادية والمشاركة المنتهية بالتمليك بصوره المعاصرة، والسادسة الاستصناع، والسابعة المرابحات، والثامنة إصدار سندات المقارضة وصكوك الاستثمار الخاصة بالإجارة، أو بغيرها، ثم انتهى البحث إلى بيان الشروط العامة لاستثمار أموال الوقف.

وختم البحث الموضوع ببيان أثر الشخصية الاعتبارية للوقف على تطويره وتنميته، وهل لأنواع الوقف كلها عند توافرها ذمة واحدة، أو ذمم مستقلة خاصة بكل نوع ؟ أجاب عنها البحث بوضوح. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين..

[1] يراجع لسان العرب، ط . دار المعارف، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط مادة: ” ثمر ”

[2] أخرجه البخاري، باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها، وأخرجه مسلم، باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها بغير شرط

[3] أخرجه أحمد، مسند جابر بن عبد الله رضي الله تعالى

[4] بداية المجتهد، ط . الحلبي ( 2/281 ).

[5] مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه بجامعة الأزهر الشريف 1985، د.علي محي الدين القره داغي (1/331 ـ 353)

[6] المعجم الوسيط ( 1/100 ) مادة ” ثمر “

[7] التفسير الكبير ط . دار إحياء التراث العربي، بيروت ( 9/186 )

[8] أخرجه البيهقي، باب من تجب عليه الزكاة

[9] السنن الكبرى ( 4/107 )، حيث ذكر عدداً من الأحاديث والآثار في هذا المعنى .

[10] المجموع للنووي ( 5/329 ) ، والسنن الكبرى ( 4/107 )

[11] مجمع الزوائد ( 3/67 )

[12] فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي، ط . وهبه بالقاهرة ( 1/107 )

[13] تفسير الماوردي المسمى: النكت والعيون، ط . أوقاف الكويت ( 2/218 )

[14] نقلاً عن د . رفعت العوضي: منهج الادخار والاستثمار، ط . الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ( ص 73 )

[15] فتح القدير (6/216).

[16] فتح القدير ، 1970 ( 6/199 )

[17] المغني لابن قدامة ( 5/640 ـ 641 )

[18] الإسعاف في أحكام الأوقاف للطرابلسي ( ص22 )، ويراجع الفتاوى الهندية ( 3/362 )

[19] الفتاوى الهندية ( 3/362 )

[20] الفتاوى الهندية ( 2/419 )

[21] الفتاوى الهندية ( 2/419 )

[22] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ( 4/96 )، وشرح الرسالة لابن ناجي ( 2/206 )

[23] الشرح الصغير ( 4/127 )

[24] شرح الخرشي ( 7/78 ـ 100 )

[25] فتح العلي المالك ( 2/241 )

[26] الفتاوى الهندية ( 2/420 ـ 421 )

[27] حاشية ابن عابدين ( 3/391 ) ، والفتاوى الهندية ( 2/419 ) ، وفتح العلى المالك ( 2/239 ) ، وشرح الخرشي (7/98 ) ، ومغني المحتاج ( 2/395 ) ، والفقه الإسلامي وأدلته ( 8/236 ) ، والروضة ( 5/352 )

[28] الفتاوى الهندية ( 2/419 )

[29] المصدر السابق ( 2/420 )

[30] فتح العلى المالك ( 2/ 239 )

[31] روضة الطالبين ( 5/352 )، ومغني المحتاج ( 2/395 )

[32] كشاف القناع ( 4/297 )

[33] يراجع : تحفة الفقهاء ( 2/514 ) ، بداية المجتهد ( 2/372 ) ، روضة الطالبين ( 5/173 ) ، الكافي لابن قدامة (2/300 )

[34] حاشية ابن عابدين ( 4/402 ) ، ويراجع فتح العلى المالك ( 2/239 )

[35] الفتاوى الهندية ( 2/419 ) ، وشرح الخرشي ( 7/98 ـ 99 ) ، والروضة ( 5/352 )

[36] الفتاوى الهندية ( 2/419 )، وشرح الخرشي ( 7/98 ـ 99 )، والروضة ( 5/352 )

[37] شرح الرسالة لابن ناجي ( 2/206 )

[38] الشيخ الصديق أبو الحسن، بحثه: « مقتطفات من أحكام الوقف »، منشور في ندوة الوقف الخيري لهيئة أبو ظبي الخيرية عام 1995 (ص94 )، والشيخ كمال جعيط، بحثه عن :« استثمار موارد الأحباس »، المقدم إلى الدورة الثانية عشرة (ص47)

[39] المعجم الوسيط، ولسان العرب، وتاج العروس: مادة  « حكر »

[40] يراجع في موضوع الحكر: الفتاوى الهندية ( 2/420 )، وحاشية ابن عابدين ( 3/398 )، وفتح العلى المالك في الفتوى على مذهب مالك، ط . مصطفى الحلبي ( 2/243 )، والشرح الصغير ( 4/127 )، وشرح الخرشي ( 7/78 ، 100 )، وتحفة المحتاج ( 6/172 )، والفتاوى الكبرى لابن حجر الهيثمي ( 3/144 )، ومطالب أولي النهى ( 4/316 )، ومجموع الفتاوى لابن تيمية ( 31/224 )، والموسوعة الفقهية الكويتية (18/53 )

[41] فتح العلى المالك ( 2/243 )

[42] د . خليفة بابكر الحسن، بحثه عن: «استثمار موارد الأوقاف » المقدم إلى الدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي (ص21)

[43] منحة الخالق على البحر الرائق، ط . المطبعة العلمية بالقاهرة ( 5/220 )

[44] الفتاوى الخيرية ( 1/197 )

[45] يراجع بحثنا: «الحقوق المعنوية » المنشور في أبحاث وأعمال الندوة السابقة لقضايا الزكاة المعاصرة في الفترة 22 ـ 24 /1/1417هـ (ص537 ـ 564).

[46] تـنقيح الفتاوى الحامدية ( 1/176 )

[47] حاشية ابن عابدين ( 30/398 )، والفتاوى الهندية ( 2/422 )، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ( 4/96 )، وتحفة المحتاج ( 6/172 )، ومطالب أولي النهى ( 4/316 )، وأعلام الموقعين ( 3/304 )

[48] حاشية ابن عابدين ( 3/398 )

[49] مطالب أولي النهى ( 4/316 )، والفتاوى لابن حجر الهيثمي ( 3/144 )

[50] تحفة المحتاج ( 6/172 )، والفتاوى الهندية لابن حجر الهيثمي ( 3/144 )

[51] العدوي على الخرشي ( 7/79 )

[52] حاشية ابن عابدين ( 5/20 )

[53] المصادر السابقة

[54] تـنقيح الفتاوى الحامدية ( 2/131 )، وفتح العلي المالك ( 2/252 )، والموسوعة الفقهية ( 18/64 )

[55] حاشية ابن عابدين ( 4/402 )، وبداية المجتهد ( 2/236 )، ومجموع الفتاوى لابن تيمية ( 31/224 )

[56] يراجع: بحثنا: « الإجارة المنتهية بالتمليك » المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (العدد 12 )

[57] يراجع: المبسوط للسرخسي ( 23/17 )، وفتح القدير مع العناية على الهداية ( 9/462 )، وحاشية ابن عابدين (6/274 )، والشرح الكبير مع الدسوقي ( 3/372 )، والخرشي ( 6/63 )، ومغني المحتاج ( 2/324 )، والمغني لابن قدامة ( 5/416 ).

[58] يراجع: حاشية ابن عابدين ( 5/174 )، وبداية المجتهد ( 2/242 )، ونهاية المحتاج ( 5/244 )، وشرح منتهى الإرادات ( 2/343 )

[59] حاشية العدوي على الخرشي ( 7/80).

[60] حاشية ابن عابدين ( 4/363 )، ودرر الحكام ( 2/133 ).

[61] مجموع الفتاوى ( 31/234 )

(1) شرح منتهى الإرادات ( 2/219 )

[63] يراجع: بحوث وقرارات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول الذي عقد بدبي في الفترة 23 ـ 25/6/1399هـ، حيث وافق على ثلاث صور

[64] يراجع: بحثنا المفصل حول الاستصناع في مجلة المجمع الفقهي الدولي ، العدد السابع، المجلد الثاني (ص323)

[65] انظر: العدد الرابع من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الجزء الثالث (1809ـ2159)

[66] بحث د . عبدالسلام العبادي في الجزء الثالث من مجلة المجمع الفقهي الإسلامي الدولي ( ص 1963 )

[67] التطبيقات العملية لإقامة السوق الإسلامية، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثامنة، العدد الثامن، المجلد الأول (ص379)، ومنه بحوث أخرى أيضاً.

(1) يراجع لمزيد من التفصيل: د . السنهوري: الوسيط ( 5/288 )، و د . أبو زيد رضوان: الشركات التجارية (ص110)، و د . صالح المرزوقي: الشركات المساهمة في النظام السعودي، ط . جامعة أم القرى (ص191)

[69] الروضة للنووي ( 5/342 )

[70] المغني لابن قدامة ( 5/601 )

[71] فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية ( 3/298 )، والدرر المختار مع حاشية ابن عابدين ( 4/439 )، والأشباه والنظائر لابن نجيم (ص194)، وتحفة المحتاج ( 6/289 )

[72] البحر الرائق ( 5/259 )

[73] يراجع: مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة، ط . دار البشائر الإسلامية بيروت 1985 ( 1/000353 )

[74] د . معبد الجارحي: ورقته المنشورة ضمن أبحاث ندوة الوقف الخيري لهيئة أبو ظبي الخيرية (ص120)

[75] شرح منتهى الإرادات ( 2/406 )

[76] الذخيرة، ط . دار الغرب الإسلامي ( 6/326 )

[77] مجموع الفتاوى ( 31/98 )

[78] نوازل العلمي ( 2/313 ـ 314 )

[79] المصدر السابق ( 2/344 ـ 345 )

[80] المصدر السابق ( 2/344 ـ 345 )

[81] المبدع في شرح المقنع، ط . قطر ( 5/355 ـ 357 ) بتصرف غير مخل.

[82] مجموع الفتاوى ( 31/361 )

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق