الفتاوى

الفتاوى

رقم الفتوي: 131727

تاريخ النشر: 23 أبريل,2020

هل الفيروسات والكوارث عقوبة إلهية؟

السؤال

فتوى (1/30) هل الفيروسات والكوارث عقوبة إلهية؟   السؤال: هل الفيروسات والكوارث عقابٌ من الله للناس؟ الجواب: إنّ الابتلاءات والكوارث التي تحصل في واقع الناس هي من سنن الحياة، فلا يسلم الناس فرادى وجماعات من وقوع مصائب تنزل بهم على اختلاف منازلهم ومراتبهم؛ ويكون الابتلاء بالشر كما يكون بالخير. قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط)، ومن ثوابت الإسلام الإيمان بالقدر خيره وشره، سواء أدركنا حكمة الله تعالى أو جهلناها، ولكن هذا الإيمان الراسخ لا يمنع المسلم من التدبر والموعظة، وفي حالة الكوارث الكونيّة التي تصيب الجميع صالحين وطالحين قد تكون تذكرة للبشريّة أنّه مهما حقّقت من إنجازات ماديّة وعلميّة فعليها أن لا تهمل الجوانب الروحيّة والأخلاقيّة، وأن توثق صلتها بالخالق جلّ وعلا، وأن تلتزم بالقيم الأساسية كالعدالة الاجتماعية، والتعايش السلمي، واحترام الكرامة الإنسانية، والتعاون بين الجميع على البر والتقوى.  والابتلاء بهذا المعنى ليس انتقامًا من الناس، لأنّ الله تعالى رؤوف رحيمٌ بعباده ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143]، وإنما يأتي البلاء لحِكَمٍ مقصودة منها: * تذكير الناس بنعم الله عليهم عندما يُصابون بفقد بعضها، فلا يدرك نعمة …

الإجابة

هل الفيروسات والكوارث عقوبة إلهية؟  هل الفيروسات والكوارث عقوبة إلهية؟ 92043947 1727876947354823 672478787769729024 o

فتوى (1/30)

هل الفيروسات والكوارث عقوبة إلهية؟

 

السؤال: هل الفيروسات والكوارث عقابٌ من الله للناس؟

الجواب: إنّ الابتلاءات والكوارث التي تحصل في واقع الناس هي من سنن الحياة، فلا يسلم الناس فرادى وجماعات من وقوع مصائب تنزل بهم على اختلاف منازلهم ومراتبهم؛ ويكون الابتلاء بالشر كما يكون بالخير.

قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ  [الأنبياء: 35] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط)، ومن ثوابت الإسلام الإيمان بالقدر خيره وشره، سواء أدركنا حكمة الله تعالى أو جهلناها، ولكن هذا الإيمان الراسخ لا يمنع المسلم من التدبر والموعظة، وفي حالة الكوارث الكونيّة التي تصيب الجميع صالحين وطالحين قد تكون تذكرة للبشريّة أنّه مهما حقّقت من إنجازات ماديّة وعلميّة فعليها أن لا تهمل الجوانب الروحيّة والأخلاقيّة، وأن توثق صلتها بالخالق جلّ وعلا، وأن تلتزم بالقيم الأساسية كالعدالة الاجتماعية، والتعايش السلمي، واحترام الكرامة الإنسانية، والتعاون بين الجميع على البر والتقوى.

 والابتلاء بهذا المعنى ليس انتقامًا من الناس، لأنّ الله تعالى رؤوف رحيمٌ بعباده ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ  [البقرة: 143]،

وإنما يأتي البلاء لحِكَمٍ مقصودة منها:

* تذكير الناس بنعم الله عليهم عندما يُصابون بفقد بعضها، فلا يدرك نعمة الصحّة إلّا من ابتلي بالمرض، ولا يعرف نعمة الأمن إلّا من عاش الخوف؛ والإنسان يغفل كثيرًا- بحُكم الإلف والعادة- عن فضل الله تعالى عليه بما أسبغ عليه من النعم الظاهرة والباطنة. قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾ [لقمان: 20]، وكلّما تذكّر العبدُ نعمَ الله تعالى عليه ازداد شكرًا له، وأورثه ذلك قناعةً بما آتاه الله من فضله.

* تنبيه العبد إلى دوام اللجوء إلى الله تعالى وطلب الحفظ والعون منه؛ والإنسان بطبعه عند المصائب والشدائد يبحث عمن يُغيثه وينصره، فإذا أدرك أنّ الله تعالى هو الذي يكون مع العبد ويكفيه في هذه الأحوال العصيبة أورث ذلك في نفسه الطمأنينة والسكينة، التي تعينه على مجابهة الابتلاءات، وحرّره من التعلق بغير الله تعالى: ﴿  ۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، ويُعبّر العبد في حالات الشدّة عن لجوئه إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع.

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ [لقمان: 32]، وقال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ﴾ [الأنعام: 43].

* وقد تأتي المصائب والابتلاءات تحذيرًا للعباد من الوقوع في المعاصي والذنوب؛ فمن رحمة الله تعالى بهم أنه يُنبّههم ويحذّرهم، حتى يقلعوا عمّا هم فيه من المخالفات التي يقترفونها في حق أنفسهم؛ إذ إنّ ضرر المعصية يعود على الإنسان في نفسه وفي مجتمعه، ولا ينال اللهَ من معاصي الناس شيء؛ ويستوي في هذا التحذير الناس كلّهم: المؤمن منهم وغير المؤمن؛ فليس الابتلاء انتقامًا وإنّما هو تحذير وتنبيه لما يكتسبه الإنسان من عمل سيئ عسى أن يرجع عنه. قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

ويجب التنبيه هنا إلى أنّه مما قد خصّ الله تعالى به نبيّه محمّدًا صلى الله عليه وسلم، بعدّه خاتم الرسل، تفضّلًا منه على عباده، أنّه أعفى أهل العصيان من عقوبة الهلاك العام التي تحلّ بهم في الدنيا، كما حصل لبعض الأقوام السابقين، وجعل حسابهم في الآخرة، ليترك لهم مجالًا للتوبة والمراجعة في الدنيا؛ ولذلك لم يدعُ النبي صلى الله عليه وسلم بالشر على من خالفه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قيل: يا رسول الله، ادع الله على المشركين، قال: (إني لم أبعث لعّانا، وإنما بُعثت رحمة)” رواه مسلم ـ

وقد ذكر الطبري في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59] ـ عن قتادة قوله: (وإن الله يُخوّف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكّرون، أو يرجعون، ذُكر لنا أن الكوفة رجفت – أي أصابها الزلزال – على عهد ابن مسعود، فقال: يا أيّها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه؛ ونقل عن الحسن ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا  قال: الموت الذريع).

والابتلاء عام للمؤمن وغير المؤمن، بل إنّ المؤمن أشدّ عرضة للبلاء من غيره؛ لأنّ الإيمان يصبّره على البلاء. يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل)، وينبغي أن نقول: إن الابتلاء الذي يأتي تحذيرًا من المعاصي يشمل كل تصرّف يُجانب فيه الإنسان سبيل الصواب سواء في علاقته بربه، أو في علاقته بأخيه الإنسان، أو في علاقته بالكون الذي يحيط به؛ ولا يخفى على أحد اليوم ما يقع فيه الناس من مُخالفات على كل هذه الأصعدة؛ وقد بدأت اليوم، بعد حصول هذا الوباء “فيروس كورونا”، تتعالى أصوات الحكماء في العالم تدعو إلى مراجعة كثير من السلوكيات الخاطئة التي سادت حياة الناس في كل الجوانب، ويقول هؤلاء العقلاء أنه سيكون في تاريخ البشرية المعاصر خط فاصل بين: ما قبل “كورونا” وما بعدها؛ فالخلل الذي يمسّ القيم والأخلاق، والخلل الحاصل في إقامة العدل بين الناس، وحسن توزيع الثروات فيما بينهم، والخلل في مجال التعامل مع البيئة، والحفاظ عليها من أسباب التلوث والتغير، والخلل الناشئ بسبب إشعال الحروب والصراعات، كلها من الذنوب التي ينبغي أن تتوب منها البشرية؛ ويأتي الابتلاء مُحذّرًا لها من مغبة الاستمرار في سبل الظلم والعدوان.

* لمطالعة البيان الختامي للدورة الطارئة الثلاثين للمجلس.. اضغط هنا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق