الفتاوى

السياسة

رقم الفتوي: 4068

تاريخ النشر: 7 نوفمبر,2018

الخطاب الإسلامي في عصر العولمة

السؤال

قرار (5/11) الخطاب الإسلامي في عصر العولمة   تداول المجلس موضوع الخطاب الإسلامي في عصر العولمة، وبعد استعراضه للبحوث والدراسات، وتداول المناقشات حوله خلص إلى: أن خطابنا الإسلامي في عصر العولمة بحاجة ملحة إلى تغيير وتطوير، وهذا لا يعني تغيير الثوابت والأهداف الإسلامية، بل تغيير أساليب الدعوة وطرائق البيان وفنون التعليم، وذلك لأننا تعودنا الحديث إلى أنفسنا وأن غيرنا لا يسمع صوتنا، أما الآن فما يقال في مكان يصل إلى أطراف العالم كله في نفس اللحظة؛ لأن العالم صار بمنزلة قرية صغيرة، وما يقال للمسلمين من أحكام فقهية غير ما يقال لغير المسلمين من البدء بالعقيدة الإسلامية ثم التدرج معه، وما يقال للمسلم الجديد غير ما يقال للمسلم العريق، كما أن الحوار أو الخطاب يختلف باختلاف المدرسة التي ينتمي إليها الداعية ويعبّر عنها، والأولى أن يجمعَ الخطابُ بين روحانية المتصوف وتمسك الأثري، وعقلانية المتكلم، وعلمية الفقيه، يأخذ من كل صنف خيرَ ما عنده، وإننا بحاجة إلى مراعاة الانتقال من الشكل الغوغائي والمظهر إلى الحقيقة والجوهر، ومن الكلام والجدل إلى العطاء والعمل، ومن العاطفية إلى العقلانية العلمية، ومن الفروع والذيول إلى الرؤوس والأصول، ومن التعسير والتنفير إلى التيسير والتبشير، ومن الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد، ومن التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق، ومن الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال، ومن العنف والنقمة إلى …

الإجابة

قرار (5/11)

الخطاب الإسلامي في عصر العولمة

 

تداول المجلس موضوع الخطاب الإسلامي في عصر العولمة، وبعد استعراضه للبحوث والدراسات، وتداول المناقشات حوله خلص إلى:

أن خطابنا الإسلامي في عصر العولمة بحاجة ملحة إلى تغيير وتطوير، وهذا لا يعني تغيير الثوابت والأهداف الإسلامية، بل تغيير أساليب الدعوة وطرائق البيان وفنون التعليم، وذلك لأننا تعودنا الحديث إلى أنفسنا وأن غيرنا لا يسمع صوتنا، أما الآن فما يقال في مكان يصل إلى أطراف العالم كله في نفس اللحظة؛ لأن العالم صار بمنزلة قرية صغيرة، وما يقال للمسلمين من أحكام فقهية غير ما يقال لغير المسلمين من البدء بالعقيدة الإسلامية ثم التدرج معه، وما يقال للمسلم الجديد غير ما يقال للمسلم العريق، كما أن الحوار أو الخطاب يختلف باختلاف المدرسة التي ينتمي إليها الداعية ويعبّر عنها، والأولى أن يجمعَ الخطابُ بين روحانية المتصوف وتمسك الأثري، وعقلانية المتكلم، وعلمية الفقيه، يأخذ من كل صنف خيرَ ما عنده، وإننا بحاجة إلى مراعاة الانتقال من الشكل الغوغائي والمظهر إلى الحقيقة والجوهر، ومن الكلام والجدل إلى العطاء والعمل، ومن العاطفية إلى العقلانية العلمية، ومن الفروع والذيول إلى الرؤوس والأصول، ومن التعسير والتنفير إلى التيسير والتبشير، ومن الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد، ومن التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق، ومن الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال، ومن العنف والنقمة إلى الرفق والرحمة، ومن الاختلاف والتشرذم إلى الائتلاف والتضامن.

أما عن منهجية الخطاب الديني كما رسمه القرآن الكريم فإنه يتضح من النقاط التالية:

أولاً: وجوب الدعوة على كل مسلم؛ للأدلة الشرعية على هذا الوجوب، كلّ حسب استطاعته.

ثانياً: ربانية الدعوة، فهي دعوة إلى الله عز وجل لا إلى قوم أو عصبية أو لغة، ويلزم أن يتحرر الناس من ربوبية بعضهم لبعض وأن يكونوا جميعاً عباداً لله وحده.

ثالثاً: دعوة المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

والحكمة تعني ما يلي:

  • استيعاب الأدلة العلمية المقنعة والبراهين العقلية الساطعة.
  • أن نكلّم الناس بلسانهم، ليس بلغتهم فقط، بل لأن نحدّث كلّ قوم بما يناسبهم وواقعهم ومشكلاتهم ومستوياتهم وتحدياتهم وآلامهم وآمالهم.
  • الرفق بتبني منهج التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة.
  • ترتيب الأصول والأولويات ثم ندعو إلى الفروع بعدها.
  • التدرج من العقائد والأخلاق إلى الفروع والأطراف.

أما الموعظة الحسنة فهي:

مخاطبة القلوب والعواطف النبيلة لتحريكها نحو الخير، وقد أكد القرآن على أهمية الموعظة الحسنة، وهي التي تصدر بأسلوب جميل، وبحسن اختيار الموضوع، والأسلوب والتوازن بين الترغيب والترهيب بالصحيح من النصوص، وليس بالقصص الخيالية والروايات المختلفة، وليس بتخويف العوام من الموت وعذاب القبر حتى توصله إلى الفزع واليأس والقنوط. وليس من المواعظ الحسنة الأدعية الاستفزازية كالدعاء بأن يهلك الله جميع المشركين واليهود والنصارى وأن ييتّم أطفالهم ويرمّل نساءهم، مما لا نعرف نصاً صحيحاً يجيز مثل هذا التجاوز في الدعاء.

رابعاً: حوار المخالفين بالتي هي أحسن:

وهي من المعالم الواقعية في الإسلام، حيث أمر بالموعظة الحسنة مع المسلمين، والحوار مع غير المسلمين بالتي هي أحسن، أي الأفضل والأرقى والأسمى والأرقّ، ومنه أيضاً اختيار الجوامع المشتركة مع المخالفين، وهي كثيرة، منها: مواجهة موجات الإلحاد والإباحية، والجريمة، وتلوّث البيئة، وحقوق الإنسان والحريات، والأسرة والأمومة والطفولة، والقواسم الأخلاقية الإنسانية، ولا نركّز على نقاط الخلاف، ومواضع التباين.

ومن الحوار بالتي هي أحسن عدم التحامل على المخالف وتوهين معتقداته وآرائه، وعدم إشعاره بالهزيمة والنشوة بالانتصار عليه.

خامساً: التمسك بالثوابت والأصول في عرض الإسلام، فليس من تجديد الخطاب الديني تقديم الإسلام مكسور الجناح منـزوع السلاح، أو أنه علاقة شخصية بين العبد وربه فقط وليس منهجَ حياة كاملة للفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وليس منه حذف الآيات المتحدثة عن بعض المخالفين لنا، أو حذف الحدود من النظام الجنائي، أو الجهاد من العلاقات الدولية، أو حذف الغزوات من السيرة.

سادساً: تغيير بعض المسميات بما لا يغير الجوهر، ومنه الحديث عند اللقاء بأنهم “غير المسلمين” فهذا لا يغير من الحقيقة شيئاً، خاصة وأن القرآن لم يتحدث عن أهل الكتاب إلا بأرقى الأساليب، ولم يخاطب غير المسلمين بالكفار إلا في آيتين لظروف خاصة تتعلق في خلط العقائد والاشتراك في عبادة الله يوماً وإلههم في يوم آخر، وقد عدّل سيدنا عمر تسمية الجزية على نصارى تَغْلِب فسماها زكاة أو صدقة وضاعفها عليهم، والعبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني.

ومنه أيضاً استعمال لفظ “مواطنون” بدلاً من أهل الذمة، والتعبير عن العلاقات الإنسانية بالأخوة، فإن جميع الأنبياء خاطبوا قومهم بلغة الأخوة، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي وقال أليست نفساً. ولا يوجد أي حرج شرعي في التعامل مع غير المسلمين على أنهم أخوة في الإنسانية أو المواطنة، وأن توجد علاقات معهم حتى يروا محاسن الإسلام وشمائل المسلمين، لأن منهج الإسلام هو الرحمة والرفق بالخلق أجمعين ما لم يكونوا محاربين معتدين.

أما عن خصائص الخطاب الإسلامي في عصر العولمة:

فينبغي أن يراعى مكان المخاطبين وزمانهم وظروفهم ولسان قومهم حتى يكون بلاغاً مبيناً كما نصّ القرآن مراراً، ويراعى طبيعة التقارب الذي جعل العالم كله قرية واحدة، مما يلزم تحري اختيار العبارات والموضوعات، هذا مع جمع الخصائص التالية:

  1. يؤمن بالوحي، ولا يغيّب العقل.
  2. يحرص على المعاصرة، ويتمسك بالأصالة.
  3. يدعو إلى الروحانية، ولا يهمل المادية.
  4. يدعو إلى الجد والاستقامة، ولا ينسى اللهو والترويح.
  5. يتبنى العالمية، ولا يغفل المحلية.
  6. يستشرف المستقبل، ولا يتنكر للماضي.
  7. يتبنى التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة.
  8. ينصف المرأة، ولا يجور على الرجل.
  9. ينكر الإرهاب الممنوع، ويؤيد الجهاد المشروع.
  10. يصون حقوق الأقلية، ولا يحيف على الأكثرية.
  11. ينادي بالاجتهاد، ولا يتعدى الثوابت.

مع مراعاة الضوابط التالية في الاجتهاد:

  • لا اجتهاد بغير استفراغ الوسع.
  • لا محل للاجتهاد في المسائل القطعية.
  • لا يجوز أن نجعل الظنيات قطعيات.
  • الوصل بين الفقه والحديث.
  • الحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع.
  • الترحيب بالجديد النافع.
  • ألا نغفل روح العصر وحاجاته.
  • الانتقال إلى الاجتهاد الجماعي.
  • نفتح صدورنا لخطأ المجتهد.

والخلاصة هي أننا يجب أن نغيّر أسلوب الخطاب الإسلامي في عصر العولمة بما يقرب الشاردين والمخالفين إلى منهج الإسلام وثوابته العقدية والأخلاقية والتشريعية، ونُزيل الشبهات العديدة التي أدى الخطاب المستفز إلى تحامل الآخرين علينا، ويوصل الإسلام الحنيف إلى أهل الأرض أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق