الفتاوى

الآداب والأخلاق

رقم الفتوي: 3767

تاريخ النشر: 22 أكتوبر,2018

صلة المسلمة لأهلها غير المسلمين

السؤال

فتوى 5 (5/1) صلة المسلمة لأهلها غير المسلمين السؤال: هل يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته الغربية المسلمة من زيارة والديها النصرانيين منعًا مطلقًا، أو يسمح لها بزيارتهما نادرًا؟ وهل يحبذ الإسلام لمن دخل فيه أن يجفوَ أهله ويقطع رحمه؟ الجواب: لا يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته المسلمة من زيارة والديها النصرانيين؛ لأنها بمقتضى إسلامها مأمورة ببرهما ومصاحبتهما بالمعروف، بل هذا أمر جعله الإسلام بعد توحيد اللَّه تبارك وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. وذلك أنَّ أعظم حقوق العباد بعد حق الله سبحانه وتعالى هو حق الوالدين. حتى الوالدان المشركان لم يمنع الإسلام من برهما مع شركهما، بل لم يمنع من ذلك وإن جاهدا ولدهما على الخروج من الإسلام والدخول في الشرك، وحاولا ذلك محاولة عبر عنها القرآن بالجهاد، كما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 14-15]. فأمر الله بعصيانهما في الدعوة إلى الشرك كما أمر بمصاحبتهما بالمعروف. وقد جاءت أسماء بنت أبي بكرٍ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية تستفتيه وتقول له: يا رسولَ الله، إن أمِّي قدمت عليَّ …

الإجابة

فتوى 5 (5/1)

صلة المسلمة لأهلها غير المسلمين

السؤال: هل يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته الغربية المسلمة من زيارة والديها النصرانيين منعًا مطلقًا، أو يسمح لها بزيارتهما نادرًا؟ وهل يحبذ الإسلام لمن دخل فيه أن يجفوَ أهله ويقطع رحمه؟

الجواب: لا يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته المسلمة من زيارة والديها النصرانيين؛ لأنها بمقتضى إسلامها مأمورة ببرهما ومصاحبتهما بالمعروف، بل هذا أمر جعله الإسلام بعد توحيد اللَّه تبارك وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].

وذلك أنَّ أعظم حقوق العباد بعد حق الله سبحانه وتعالى هو حق الوالدين.

حتى الوالدان المشركان لم يمنع الإسلام من برهما مع شركهما، بل لم يمنع من ذلك وإن جاهدا ولدهما على الخروج من الإسلام والدخول في الشرك، وحاولا ذلك محاولة عبر عنها القرآن بالجهاد، كما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 14-15].

فأمر الله بعصيانهما في الدعوة إلى الشرك كما أمر بمصاحبتهما بالمعروف.

وقد جاءت أسماء بنت أبي بكرٍ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية تستفتيه وتقول له: يا رسولَ الله، إن أمِّي قدمت عليَّ وهي مشركة، أفأصلها؟ (أي أحسن إليها وأعطيها بعض المال)، قال: “نعم، صلي أمَّكِ”([1]).

قالوا: وفي مثل هذا نزل قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

والإسلام قد فرض الوصية للوالدين غير المسلمين، كما هو ظاهر قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180].

ومن المعروف أن الوالدين المسلمين لا تجوز لهما الوصية لأنهما وارثان، ولا وصية لوارث.

وإنما المقصود هنا الوالدان غير المسلمين والأقربون غير المسلمين، فإن عدم إسلامهما لم يُلْغِ ما لهما من حقوق الوالديَّة، وكذلك عدم إسلام الأقربين لم يُلْغِ ما لهم من حقوق الرَّحم، وقد قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1].

والإسلام اعتبر المصاهرة إحدى رابطتين طبيعيتين تربط بين البشر، والرابطة الأخرى هي النسب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54].

فلا يجوز إنكار هذه الرابطة الفطرية ولا إهمالها، وينبغي للزوج أن يحسن علاقته بأحمائه، أو أقارب زوجته وخصوصًا أبويها، وأن يتودد لهم، ويحسن إليهم حتى لو كانوا غير مسلمين، فيحببهم إلى الإسلام بذلك، وإنما انتشر الإسلام في العالم بحسن أخلاق المسلمين وحسن تعاملهم ومعاشرتهم للآخرين.

ولا يجوز للمسلم أن يمنع زوجته من بر والديها مسلمينِ كانا أو غير مسلمَيْن، بل ينبغي أن يحرضها على ذلك ويذهب معها إلى زيارتهما ويدعوهما إلى زيارته في بيته، فهذا مقتضى المصاهرة التي شرعها الله تعالى، فهؤلاء هم أجداد أطفاله وجداتهم، وإخوانها أخوالهم، وأخواتها خالاتهم، ولهم جميعًا حقوق ذوي الأرحام وأولي القربى.

وكم نرى لحسن المعاملة من الأثر العظيم في نفوس الناس، فكم هم الذين دخلوا الإسلام لما رأوه من المعاملة الحسنة من قبل المسلمين الصادقين، كما نرى سوء المعاملة والأخلاق ربما سببت بغض الإسلام وأهله والنفرة منه ومن أهله عند آخرين! وطوبى لمن جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ، وويلٌ لمن كان مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])     متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 2477)؛ ومسلم (رقم: 1003).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق