قرارات المجلس

وثيقة مبادئ العيش المشترك

قرارات الدورة العادية الخامسة والعشرين

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

المنعقدة بمدينة إستانبول / تركيا

في الفترة

22-26 ذي الحجة 1436هـ

الموافق 6-10 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 م

 

قرار 100 (1/25)

وثيقة مبادئ العيش المشترك

إن العيش المشترك بين أبناء المجتمع وبين الشعوب الإنسانية هو غاية نبيلة تسعى لها سائر الأديان والشرائع الدينية ويدعو لها العقلاء والحكماء في سائر العالم. وإنه لمن المهم أمام المشكلات والتحديات التي تعيشها البشرية في علاقات الناس بعضهم ببعض أن يتم التأكيد على أهمية العيش المشترك ومقتضياته. وإن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وقد خصص دورته الخامسة والعشرين لبحث موضوع “العيش المشترك في أوروبا، تأصيلًا وتنزيلًا” يعلن بهذه المناسبة وثيقة مبادئ العيش المشترك من خلال صياغة كونية للقيم الإسلامية في هذا المجال، يخاطب بها جميع المواطنين الأوروبيين، حتى يتعاون الجميع لإقامة العيش المشترك على أسس سليمة وراسخة.

ويرى المجلس أن مستلزمات العيش المشترك ومقتضياته تعود إلى مبادئ عشرة، وهي الآتية:

1 – التسليم بوحدة الأصل الإنساني، فلقد خلق الله عز وجل الناس جميعًا من أصل واحد فقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، ويقتضي التسليمُ بوحدة الأصل الإقرارَ بمساواة الناس جميعًا في الاعتبار الإنساني والكرامة.

2 – احترام الكرامة الإنسانية ومراعاة حقوق الإنسان. فالبشر جميعًا متساوون في هذا الأصل فلا يقبل الاعتداء عليهم أو امتهان كراماتهم أو سلب حقوقهم وقد أكد القرآن هذا المبدأ في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وكما أن هذا الحق في التكريم حال الحياة فهو كذلك حال الموت، وإن الإنسان بموته لا يسقط حقه في الكرامة، فالإنسان نفس مكرمة حيًّا أو ميتًا ولقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لما مرت جنازة فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: “أليست نفسًا؟”([1]).

3 – التعامل بالعدل والإحسان والخلق القويم والبعد عن الظلم والجور، والتزام ما يؤلف بين فئات المجتمع المختلفة، وقد أمر الله تعالى بذلك في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

4 – الوفاء بالعهود والمواثيق لأن هذا يبعث على الثقة والاطمئنان بين جميع الأطراف ويدعو إلى استقرار الحياة وحفظ الحقوق، وقد جاء الأمر بذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”([2]).

5 – التعاون الإيجابي لتحقيق المواطنة السليمة، ودرء المخاطر عن المجتمع، والحفاظ على البيئة، لما في هذا من الدلالة الواضحة على الحرص على التعايش والأخذ بالأسباب التي تعين على ذلك، يقول الله تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

6 – القول بالتعددية وحرية الاعتقاد والعبادة وهو من باب الإقرار بالحق في الاختلاف الذي يتيح للأطراف المتعددة العيش في أمن وأمان فيما يرتضونه لحياتهم، قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].

7 – اعتماد الحوار في التواصل وحل المشكلات، وهذا هو الأسلوب الأمثل الذي يهيئ الأذهان للالتقاء على الحق، وهو ما قرره القرآن في آيات كثيرة ومواقفَ عديدةٍ في مجادلات الأنبياء لأقوامهم، وفى مقدمتهم سيدنا إبراهيم الخليل المقتدى به في الرسالات السماوية الثلاث، وما أمر الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من المجادلة بالحسنى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].

8 – العمل على كل ما يؤدي إلى التصالح وتحقيق السلم الاجتماعي، وحسن التواصل والتراحم والرفق المتبادل، ونبذ التشدد والعنف؛ لما يعود به من الخير وتحقيق الغايات والمقاصد الاجتماعية، قال صلى الله عليه وسلم: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانَهُ، ولا يُنْزَع من شيء إلا شانَهُ”([3])، وقال: “يَسِّروا ولا تعسروا وبشروا ولا تُنَفِّروا”([4])، (متفق عليه)، وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري: “يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا، وتَطاوَعا ولا تختلفا”([5])، وقال: “من صنع إليكم معروفًا فكافئوه”([6]).

9 – احترام المقدسات وعدم الاعتداء والاستهزاء أو المساس بها؛ لما في ذلك من تعزيز الاحترام المتبادل والعيش المشترك، بعيدًا عن الاستفزاز وإشاعة العداوة، وكل ما يؤدي إلى الكراهية بين طوائف وأفراد المجتمع سواء عبر وسائل الإعلام المقروءة أو المرئية أو المسموعة ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].

10 – رفض كل ما يؤدي إلى العنف أو التطرف أو الإرهاب قولًا أو سلوكًا، ويجب أن يجرَّم حسب النظم والقوانين، فإن الله قد حرم قتل الأنفس والظلم والبغي بغير الحق، فقال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33]، وقال تعالى: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وقال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])     متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 1250)؛ ومسلم (رقم: 961)، من حديث قيس بن سعد، وسهل بن حنيف.

([2])     حديث حسن، أخرجه أحمد (رقم: 12383)، من حديث أنس بن مالك.

([3])     أخرجه مسلم (رقم: 2594)، من حديث عائشة.

([4])     متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 69)؛ ومسلم (رقم: 1734)، من حديث أنس بن مالك.

([5])     متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 2873)؛ ومسلم (رقم: 1733)، من حديث أبي موسى الأشعري.

([6])     أخرجه أبو داود (رقم: 1672)، من حديث عبدالله بن عمر، وإسناده صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق