قرارات المجلس

علاج النشوز

قرارات الدورة العادية الرابعة والعشرين

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

المنعقدة بمدينة استانبول / تركيا

في الفترة

20-23 شوال 1435هـ

الموافق 16-19 آب (أغسطس) 2014 م

قرار 94 (3/24)

علاج النشوز

قرر المجلس ما يلي:

هناك مجموعة من المبادئ الحاكمة للوصول إلى الحكم المؤصل في قضية علاج النشوز، وهي:

أولًا: إن رعاية الأسرة التي هي حجر الأساس في أي مجتمع فاضل وحمايتها هو مقصد أصيل من مقاصد الشريعة.

ثانيًا: إن العلاقات الزوجية يجب أن تقوم على السكينة والمودة والرحمة، مما يقتضي تعاون الزوجين وتآزرهما وتضافرهما، واحترام كل منهما لإنسانية الآخر وكرامته وحقوقه، والتسامح والتناصح، فالمؤمنون إخوة بعضهم أولياء بعض.

ثالثًا: عند وقوع الخلافات الزوجية فقد يَكْرَه الزوج من زوجته خُلقًا، لكنه يرضى منها خُلقًا آخر، فعسى أن يكرَهها ويجعل الله فيها خيرًا كثيرًا، فعليه أن لا يجعل همه الشكوى من قصور زوجته متجاهلًا قصور نفسه، فليس بعد الأنبياء إنسان كامل.

رابعًا: في حالة تفاقم الخلافات الزوجية، وكراهية الزوج لزوجته، أو معاملة الزوجة لزوجها بصورة غير لائقة فيها التعالي أو التحقير، أو إهمالها لواجبات الزوجية كما حددها الله تعالى وبيّنها رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما يطلق عليه في القرآن الكريم (النشوز)، فإن الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء توجه الزوج إلى التفاهم مع زوجته بالحكمة والموعظة الحسنة للوصول إلى حل عادل لهذه الخلافات، فإن لم يؤد ذلك إلى نتيجة مُرضية، فإن له أن يهجرها في المضجع بطريقة سلمية يعبر فيها عن عدم رضاه عسى أن يدفع ذلك زوجته إلى مراجعة نفسها، وعدم إغضابه أو إيذائه بالفعل أو القول، أو عدم الاعتراف بمسئوليته التي كلفه الله بها (القوامة)، وريادته للأسرة في إطار العدل والتشاور والتفاهم مع زوجته.

خامسًا: إذا أخفقت الخطوتان السابقتان في علاج هذه الخلافات فليس هناك مانع شرعًا أن يطلق زوجته إذا أراد، وهو أمر مباح، ولكنه لا يشجَّع عليه إن كانت هناك وسيلة هي أقل ضررًا من الطلاق، بما يعطى الفرصة للإبقاء على كيان الأسرة وتجنب الآثار السلبية الكثيرة التي تنتج عن تفككها.

أما الخطوة الثالثة المشار إليها في الآية بقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}، فيجب أن يُفهم هذا التصرف في إطار تكريم الله تعالى للمرأة كتكريمه للرجل، وأنه لم يَشْرَع إهانتها واحتقارها، بل نهت السنة عن ذلك نهيًا صريحًا، وما يُفْهَم من دلالة هذا اللفظ ‏{وَاضْرِبُوهُنَّ}‏ في حق الزوجة الناشز، فخير ما يفسره هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوكل الله إليه تفسير القرآن، وهو أنه لم يضرب امرأة من نسائه في حياته قط([1])، وذم من يفعل ذلك([2]).

والذي نرجحه بالتأمل في نصوص الشريعة، مع اعتبار المقاصد الكلية والجزئية، هو عدم الضرب؛ وذلك رعاية للعرف المعاصر والقوانين السائدة المتفقة مع الهدي النبوي.

هذا، وإن النشوز قد يكون من الرجل كذلك، كما قال تعالى في نفس السورة المتقدمة: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية [النساء: 128]، وهو يقتضي أن يتنازل الزوج ويكف عن النشوز أو الإعراض، ويصل مع زوجته إلى صلح يرضي الطرفين.

وبناء على ما سبق يوصي المجلس بالآتي:

  • على المسلمين في أوروبا وغيرها أن يلتزموا بما ورد في القرآن والسنة في شأن الحقوق والواجبات المتبادلة والمتكاملة بين الزوج وزوجه، بما ذلك اتخاذ الإجراءات الوقائية والمبكرة لمنع تفاقم الخلافات الزوجية، وأن لا يلجؤوا إلى الضرب مهما كان خفيفًا أو رمزيًا؛ وذلك تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • أن ينشروا الثقافة الإسلامية التي تبصِّر المسلمين رجالًا ونساء بأمور دينهم، وبخاصة ما يتعلق بأحكام الأسرة، مع تجنُّب أي محاولة إساءة فهم أو تطبيق للآية السابق ذكرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])     أخرجه مسلم (رقم: 2328)، من حديث عائشة.

([2])     إذ قال: “لن يضرب خياركم”، أخرجه عبدالرزاق (رقم: 17945)؛ وابن أبي شيبة (رقم: 25967)، وغيرهما من طريقين، وهو حديث حسن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق