قرارات المجلس

الوفاء بالعقود المالية

قرارات الدورة السادسة

دبلن – أيرلندا

28 جمادى الأولى – 3 جمادى الآخرة 1421هـ، الموافق لـ 28 أغسطس – 1 سبتمبر 2000م

قرار 22 (6/6)

الوفاء بالعقود المالية

توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شرعًا، ولا يجوز لأحدهما أن يرجع فيه بإرادته المنفردة، دون رضا الطرف الآخر، فهذا مخالف لما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأكدته نصوص القرآن والسنة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. وقال عز وجل: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل: 91].

وحمل القرآن بشدة على الذين يتهاونون بالعهود وينقضونها من بعد ميثاقها، في آيات كثيرة، منها: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].

واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم نقض العهد من شعب النفاق، وخصال المنافق الأساسية، “أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها”، وذكر منها: “إذا عاهد غدر”(1).

وليس من الضروري أن يكون العقد مكتوبًا، فمجرد الإيجاب والقبول مشافهة يكفي في إيجاد العقد، ولكن له خيار المجلس على ما نرجحه، فلو تبين له عقد آخر، وهما لا يزالان في مجلس العقد، فمن حقه أن يرجع، كما جاء في الحديث الصحيح: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا”(2). فقد جعل الحديث فرصة للتراجع لمن تسرع في التعاقد دون روية.

ومثل ذلك لو كان مغبونًا غبنًا فاحشًا يرفع أمره إلى جهة تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبين لها ذلك، عملًا بمذهب الحنابلة وغيرهم.

ويستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع في العقد بعد إتمامه إذا اشترط لنفسه الخيار أياما معدودة، يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خلالها، وهذا ما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة، حين شكا إليه أنه كثيرا ما يخدع في البيع، فقال له: “إذا بايعت فقل: لا خلابة”، أي لا خداع، وهذا في الصحيحين(3)، وفي خارج الصحيحين: “ولي الخيار ثلاثة أيام”(4)، والمسلمون عند شروطهم.

أما فيما عدا ذلك، فالمسلم يحترم كلمته إذا قالها، وهذه إحدى القيم التي دعا إليها الإسلام، حتى يستقر التعامل، وتستقيم حياة الناس. وقد قال الشاعر:

ولا أقول: (نعم) يومًا، وأتبعها       بـ (لا) ولو ذهبت بالمال والولد

بل يحرم الإسلام أن يبيع المسلم على بيع أخيه، أي يدخل عليه وقد أوشك أن يعقد الصفقة مع الآخر، فيزايد عليه؛ ليختطف الصفقة منه، وفي هذا جاء الحديث الصحيح: “لا يبيع الرجل على بيع أخيه”(5). والله أعلم.


(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 34، 2327، 3007)؛ ومسلم (رقم: 58).

(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 2001 ومواضع أخرى)؛ ومسلم (رقم: 1531)، من حديث ابن عمر، كما أخرجه البخاري (رقم: 1973 ومواضع أخرى) ومسلم (رقم: 1532) من حديث حكيم بن حزام.

(3) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 2011 ومواضع أخرى)؛ ومسلم (رقم: 1533)، من حديث عبدالله بن عمر.

(4) يعني أذن له أن يكون له الخيار ثلاثة أيام، كما أخرجه الدارقطني (رقم: 3012)؛ والحاكم (رقم: 2210)؛ والبيهقي (5/273)، من حديث ابن عمر بإسناد حسن، وفي لفظه: “إذا بعت فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليال”.

(5) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 2033 ومواضع أخرى)؛ ومسلم (رقم: 1515)، من حديث أبي هريرة، وعند مسلم “لا يَسُمِ المسلم على سَوْم أخيه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق