البحوث

مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي

مراجعات

في الفقه السياسي الإسلامي

  أ.د. عبدالستار أبو غدة

 

بحث مقدم

للدورة السادسة عشرة للمجلس – اسطنبول

جمادى الأخرة 1427 هـ / يوليو 2006 م

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين، وبعد…

فإن الفقه السياسي في الإسلام له مراجعه العديدة سواء من المنظور التراثي، أو حسب المعطيات الحديثة، ولا مجال لاستقصاء أدبيات هذا العلم ، فحسبنا الإشارة إلى أنواعها المختلفة:

  • هناك الكتب الفقهية المساعدة وهي التي وضعها أصحابها خارج إطار المدونات المألوفة، مثل كتب الأحكام السلطانية، والسياسة الشرعية، وبعضها حمل عناوين قد تحجبها عمن ليس لديه عناية بالمراجع، مثل كتاب الخراج لأبي يوسف والغياثي ( غياث الأمم عند التياث الظلم) لإمام الحرمين الجوينى .
  • وهناك فصـول في كتب العقائد خصصـت لمبحث ( الإمامة ) مع أنها ـ حسب التحقيق ـ ليست من قبيل العقيدة .
  • وهناك أبواب في المدونات الفقهية، مثل : السير، والبغاة ، والحدود
  • أما أدبيات هذا العلم الحديثة فهي كثيرة لا داعي للتنويه بها .

على أن الغرض من طرح هذا الموضوع الذي جعل عماد دورة كاملة بمحاور شتى ليس استيفاء جوانب هذا العلم وإنما التعريف بخصائصه ومقارنتها بما عليه الحال الآن، وما يساعد استحضاره في التعامل مع المعطيات السائدة في العصر الحاضر .

والله ولي التوفيق ،،،

والفقه السياسي يتناول مقولات تدور حول الدولة التي هي مجاله، ومن تلك المقولات على سبيل المثال لا الحصر :

  • تعريف الدولة وأركانها.
  • المبادئ التي تقوم عليها الدول وبخاصة الدولة الإسلامية .
  • أنواع الدول .
  • تحديد نوع الدولة الإسلامية .
  • رئاسة الدولة، واختيار رئيس الدولة ( البيعة ) وأهل الحل والعقد، .
  • مفهوم المعارضة … الخ
  • السلطات الثلاث : التشريعية ـ القضائية ـ التنفيذية .
  • مبدأ الفصل بين السلطات .
  • ما يتعلق بعلاقات الدولة في السلم والحرب … الخ

 تعريف الدولة وأركانها

 الدولة، حسب الفقه الدستوري المعاصر، هي: “مجموعة أفراد يقيمون إقامة دائمة على إقليم محدد، ويخضعون لسلطة سياسية” .

على أن الدولة الإسلامية طراز خاص من الدول تختلف في طبيعتها وغاياتها عن سائر الدول المعاصرة، وذلك لتفردها بنظام قانوني من مجموعة من القواعد الإلهية تتشكل وفقاً لها غايات الدولة وأهدافها وحدود ونطاق كل سلطة، كما تحدد سلوك أفراد الجماعة الإسلامية حكاما ومحكومين بحيث تعد هذه القواعد إطاراً قانونياً ملزما للجماعة الإسلامية بأسرها([1]) .

وعليه فإن الدولة الإسلامية محكومة سلفاً بقواعد وأحكام ملزمة ولا تملك الجماعة الإسلامية والسلطات التي تمثلها إلا العمل في حدودها فالدولة الإسلامية تقوم على كيانين : مادي يتمثل في العناصر المادية لقيام أي دولة، ومعنوي أو روحي يتمثل في مجموعة القواعد والأحكام الإلهية التي أوجبها الإسلام .

وبمراعاة ما سبق يمكن تعريف الدولة الإسلامية بأنها، مجموعة من الأفراد المسلمين بحسب الغالب يقيمون في دار الإسلام، ويلتزمون التزاما حتميا وقاطعاً بالقواعد والضوابط الإلهية في نظام العقيدة والتشريع، ويخضعون لسلطة سياسية تلتزم بالامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية وكفالة تحقيق ما أمرت به .

وينبثق مفهوم الدولة الحديثة من نظرية ( العقد الاجتماعي ) التي نادي بها ( جان جاك روسو )، وبعض الباحثين يقرر أن جذور تلك النظرية مقتبسة من الحضارة الإسلامية التي اتصل بها الغربيون في عهد مبكر بالاحتكاك السلمي أو الحربي، وبالتحديد يظن أن أصلها صحيفة المدينة، التي أبرمها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون معاقدة تعايش بين المسلمين في المدينة المنورة ومن يساكنهم فيها من اليهود وغيرهم لتكوين دولة يرأسها النبي صلى الله عليه وسلم([2]) .

وعليه، فإن الدولة الإسلامية ـ كغيرها ـ تتكون من ثلاثة أركان أو عناصر هي :

1- الشعب ( أي المواطنون في الدولة ) .

2- الأرض ( أي الإقليم الذي تقوم عليه الدولة ) .

3- السيادة ( أي السلطة التي تحكم الشعب وتمثله ) .

وفيما يلي بيان موجز لكل من هذه الأركان، مع بيان الخصوصية التي له من المنظور الإسلامي .

ومعرفة الأغلبية الإسلامية التي تعتبر بها الدولة إسلامية ليست ميسورة دائماً بسبب عدم توافر إحصاءات دقيقة عن التوزيع الديني للسكان في مختلف دول العالم، لأن ذلك يتطلب تعدادات سكانية دقيقة تتضمن بياناً خاصاً بشأن الانتماء الديني وهو لا يتوافر بسبب صعوبات فنية مادية وأخرى معنوية([3]) .

(1)

الشـــعب

 يكفي لكي يتحقق عنصر الشعب أن يتوافر عدد من الناس مهما كان دينهم لكن يتطلب الأمر في الدولة الإسلامية أن يكونوا جميعا من المسلمين، أو أغلبيتهم، وفي الحالة الأخيرة فإن من يعيشون في الدولة من غير المسلمين بصفة تاريخية دائمة هم جزء من الشعب، وقد كان الوصف الملازم لهم أنهم ( أهل الذمة) .

والآن جرت النظم الحديثة على فصل الجنسية عن الدين، مع تحقيق المساواة التامة بين جميع أفراد الشعب ـ دون نظر للعقيدة والدين ـ في شتى الحقوق السياسية والحقوق العامة والخاصة، والاشتراك في انتخاب رئيس الدولة وعضوية المجالس الشعبية لتمكين جميع المواطنين من عرض مشاكلهم وإبداء الرأي العام والخاص بمصالحهم([4]) .

هذا، وإن المراد بالشعب ( الذي هو أحد عناصر الدولة ) الشخص الذي يحمل جنسية الدولة، باصطلاح العصر الحاضر . وهي ما يطلق عليه في أدبيات التراث التاريخي الإسلامي : النسبة المكانية . ولم يكن هناك ما يعرف الآن بالجنسية أو التابعية وكان البديل عن الجنسية هو النسبة المكانية التي تستحق تلقائياً ( ولا تحتاج للمنح ) بمجرد ولادة الشخص في بلدٍ ما، أو اتخاذه بلداً ما موطناً له بالإقامة فيه أربع سنين فأكثر .

وقد نقل الإمام النووي عن عبد الله بن المبارك وغيره أنهم قالوا : ” إذا أقام إنسان في بلد أربع سنين نسب إليه ” .

ولم يكن هناك ما يمنع من تعدد ( الجنسية = النسبة المكانية ) حيث يضيف النووي بياناً عما استقر لدى المؤرخين في هذا الصدد بقوله :

” إذا كان للإنسان نسب إلى بلدين، بأن يستوطن أحدهما ثم الآخر نسبوه غالباً إليهما، وقد يقتصرون على أحدهما . وإذا نسـبوه إليهما قدموا الأول فقالوا : المكي الدمشقي، والأحسن : المكي ثم الدمشقي . وقد يقولون : الشامي الدمشقي الحرستاني، فينسبونه إلى الإقليم ( الشام) ثم البلدة ( دمشق ) ثم القرية (حرستا) ([5]) .

(2)

الأرض

 أطلق الفقهاء على الإقليم الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية اسم (دار الإسلام) بحيث يشمل كل ما دخل من البلاد في محيط سلطان الإسلام ونفذت فيه أحكامه وأقيمت شعائره .

وتسمى دار الإسلام أيضاً ( دار العدل ) ويقابلها ( دار البغى) وهي المنطقة التي يثور فيها تمرّد على السلطة الحاكمة .

أما البلاد التي تخضع لغير سلطان الإسلام فيطلق عليها أحد اسمين :

أ- إذا كانت هناك عهود بين الدار التي لم تدخل في سلطان الإسلام وبين الدولة الإسلامية فإنها تسمى (دار العهد) .

ب- إذا لم تكن هناك عهود فإنها تسمى (دار الحرب) .

ولا تصير دار الإسلام كذلك إلا إذا كانت تطبق فيها أحكام الإسلام وكان أمنها بأمن المسلمين . فإن ظهرت فيها أحكام الكفر ونفذت فيها وزال منها الأمن الذي كان بأمان المسلمين بالنسبة لكل مسلم وذمي فإنها لا تعتبر دار إسلام  .

والكلام واسع عن الدور وأنواعها ما بين دار الإسلام، ودار العهد ودار الحرب، وذلك في كتب الفقه، وكتب السير والأحكام السلطانية .

وهي تقسيمات تصف واقع المعمول به في عصور الفقهاء وفي إطار المتعارف عليه بين الدول ولو لم يكن مدوناً، وما كان مبنياً على العرف في الأزمنة أو الأمكنة يتغير طبقاً للمعطيات الجديدة دون الإخلال بما جاء في النصوص الشرعية من حيث جوهر تلك الموضوعات، أو ما تعلقت به بعض الأحكام كالميراث الذي يتأثر باختلاف الدين، وباختلاف الدار ( عند بعض الفقهاء ) سواء في حق الوارث والموروث أو في حق أحدهما .

 (3)

مبدأ الســــيادة

 المراد بالسيادة استقلالية السلطة التي تحكم الشعب وتنظم شئونه وموارده وتقيم العدل بين أفراده والدفاع عنه وتنظيم الصلات بالدول الأخرى عن طريق تبادل التمثيل السياسي والاشتراك في المنظمات الدولية .

ولا بد لممارسة السيادة من شخص وهيئة تعاونه، كما لا بد من نفاذ قرارات الدولة في الداخل ، والاستقلال السياسي وعدم الخضوع لمؤثرات خارجية في العلاقات مع الدول، ولا يخل بذلك التقيد بقواعد القانون الدولي وقرارات المنظمات الدولية.

وقد مرّ مفهوم السيادة بمراحل بدءاً بالصراع بين السلطة السياسية والشعبحينما كانت السيادة لشخص الحاكم، وليس للسلطة التي برأسها، أي الشخصية المعنوية للشعب الذي يمثله الحاكم، ثم تطور حتى أصبح قائماً على اعتبار الأمة مصدراً للسلطات واستمداد سلطة الحاكم من الإرادة الجماعية للشعب .مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي  مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي 274021

وهذا المفهوم الأخير مقبول إسلامياً، فالأمة ـ كما سبق ـ هي التي تمنح الحاكم سلطته، ويحق لها مراقبته سياسياً وقضائياً ولكن سيادة الأمة نفسها مقيدة في مجال التشريع بأحكام ومبادئ الإسلام .

وعليه فإن السيادة في المنظور التقليدي مطلقة بما تختاره السلطة التشريعية في أي وقت ، أما في المنظور الإسلامي فإن السيادة مقيدة قبل نشأتها بالأحكام الثوابت والمبادئ الأساسية للإسلام .

ومبدأ السيادة يتمثل في السلطات الثلاث التي تشكل هوية الدولة، من حيث الجهة التي تصدر تشريعاتها، وجهازها القضائي، وجهاز الإدارة والتنفيذ، وسيأتي مزيد من بيان للسلطة التنفيذية، بعد تقديم نبذة مجملة عن السلطات الثلاث وقضية الفصل بينها .

السلطات الثلاث، والفصل بينها 

  • إن وجود السلطات الثلاث لابد منه لإبراز سيادة الدولة .
  • فالسلطة التشريعية تضع النظم والقوانين ، والسلطة القضائية تحسم المنازعات وفقاً لقوانين السلطة التشريعية .
  • والسلطة التنفيذية تحمى الناس وتحفظ الأمن وتنفذ الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية . وهذه السلطة الأخيرة ( التنفيذية ) يعود إليها توصيف السياسة التي تسلكها الدولة، وهي محل التفصيل لاحقاً .

والفصل بين السلطات الثلاث هو لضمان الحريات والحفاظ عليها، وهو مبدأ حديث العهد بالتطبيق وأول من طبقه الفرنسيون عام 1791 واستوحوه من فكر مونتسكيو في كتابه روح الشرائع التي سيتم التوسع فيها .

والانفصال بين السلطات الثلاث قد يحصل من خلال الضوابط التي تحكم كل سلطة ولو لم يصرح بالفصل . وهذا ما كان يتم في العهود الإسلامية .

والسلطتان التشريعية والقضائية تكفي الإشارة بإيجاز إليهما من حيث فصلهما عن السلطة التنفيذية .

  • فالسلطة التشريعية فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة مرجعها إلى المجتهدين في حال اختلاف الاجتـهادات بما يختاره الإمام للمصلحة

العامة، وهذان الضابطان مستندان إلى أصول الاجتهاد يلتزم وشروط المصلحة، وهذا فصل عملي واضح لهذه السلطة عن غيرها، وبخاصة السلطة التنفيذية المطلقة([6]) .

  • والسلطة القضائية مقيدة بالأحكام الشرعية، فلا تخضع لتدخل السلطة التنفيذية وإن كان القضاة يولون من قبلها، بل كان من حق القضاء محاكمة من يديرون تلك السلطة ومن أجل ذلك أنشئ ديوان المظالم الذي يشبه القضاء الإداري الآن، فضلاً عن ديوان الحسبة التي هي رقابة إدارية وكان تطبيقها أحياناً يشمل الحكام .

إن عدم بروز هذا الفصل في العهود الإسلامية سببه طبيعة العلاقة التي كانت تسود بين من يشغلون مهام تلك السلطات، وليس ذلك مانعاً من الفصل المنظَّم حسب مقتضى الظروف وتغير الأوضاع، كما عليه الحال الآن([7]) .

 نوع الحكومة الإسلامية

الحكومات أنواع ما بين دكتاتورية، وارستقراطية ( للنخبة من الطبقات ) أو ديمقراطية، اوثيوقراطية ( إلهية ) وفق توجيهات الرهبان عند الغرب، أو وفق أحكام الشريعة في المنظور الإسلامي .

والحكومة الإسلامية ليست دكتاتورية قطعاً ولا ارستقراطية، كما أنها ليست من قبيل الحكم الديمقراطي بدقة، لأن مصدر السيادة في الحكم الديمقراطي للشعب بإطلاق، أما في الحكومة الإسلامية فمصدرها الشرع حيث يخضع له الشعب والحكومة، غير أنها تلتقي مع النظام الديمقراطي من حيث المساواة السياسية بين الجميع وتوفير الحرية السياسية والرقابة الشعبية ، ومن أطلق على الحكومة في الإسلام أنها دينية فهي تختلف عن الثيوقراطية الأوربية التي تقوم فيها طبقة من الرهبان بوضع التشريع فيها وينسبونه إلى الله([8]) .

هذا، وان اطلاق التسميات المشار إليها أعلاه قد يؤدي إلى تخيلات أو أغلاط في فهم التصور الحقيقي لدولة الإسلام، كما ان من شأن ذلك أيضاً ان يؤدي إلى مسخ المفاهيم والمصطلحات الإسلامية وذلك بربطها ونسبتها إلى نظم وضعية، ويرتبط بطبيعة الدولة الإسلامية أنها دولة تنحو نحو تحقيق العالمية اطلاقاً من عالمية الشريعة الإسلامية([9]) .

خضوع الإدارة العامة في الدولة الإسلامية للقانون الإسلامي :

ساد النظم الإدارية المعاصرة مبدأ سيادة القانون أو ما يطلق عليه مبدأ المشروعية ويضمن هذا المبدأ أن أعمال الهيئات العامة وقراراتها الملزمة لا تكون صحيحة ولا منتجة لآثارها القانونية، ولا تكون ملزمة للأفراد المخاطبين بها، إلا بمقدار مطابقتها لقواعد القانون العليا التي تحكمها، بحيث متى صدرت بالمخالفة لهذه القواعد فإنها تكون غير مشروعة، ويكون من حق الأفراد ذوي المصلحة طلب إلغائها والتعويض عنها أمام المحكمة المختصة([10]) .

دستورية الدولة الإسلامية :

عند النظر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية يتبين أن الحكومة الإسلامية دستورية بكل ما تحتمله الكلمة من معان، وإن الأمر فيها ليس خاصا بفرد وإنما هو للأمة ممثلة في أصحاب الحل والعقد لأن الله سبحانه جعل أمر المسلمين شورى بينهم وساق وصفهم بهذا مساق الأوصاف الثابتة والسجايا اللازمة فهو شأن الإسلام ومن مقتضياته . فقال سبحانه وتعالى  والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ([11]) وأمر الرسول المنـزه عن الخطأ المعصوم أن يشاور في الأمر فقال سبحانه فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر([12])  .

وقد وردت في السنة النبوية عدة أحاديث تدعو إلى الشورى، وكان عمل الرسول صلى الله.عليه وسلم وسنن الراشدين من بعده على التشاور وعدم الاستقلال بالأمور أو الاستبداد بالآراء([13]) .

رئاسة الدولة، ومهامها

 تعريف رئاسة الدولة ( أو الإمامة الكبرى ) :

“رئيس الدولـة ” أو “الإمام” أو “الخليفة” لم أجد تعريفاً محدداً له، ولعل ذلك لوضوحه واستغنائه عن التعريف ـ لكن يمكن استخلاص تعريف له من خلال تحديد مهامّه على وجه الإجماع، فقد ذكروا أن مهمة الإمامة الكبرى :” حراسة الدين وسياسة الدنيا ” وواضح أن تلك السياسة لا بد أن تكون سياسة شرعية، ولذا استحسن بعضهم أن يضاف بعدها ما ينبئ عن ذلك وهو ” سياسة الدنيا به ” أي بالدين .

وقد عرف “ابن خلدون” الخلافة بأنها نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا .

قال “ابن حزم”: اتفق جميع أهل السنة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وان الأمة واجب عليها الانقياد إلى إمام عادل يقيم فيهم حكم الله، ويسوسهم بحكم الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم([14]) .

على أن هذا الوجوب وقع الخلاف فيه هل هو عقلا كما قال المعتزلة ، أم أنه وجوب بحكم الشرع كما انتهى إليه أهل السنة([15]) .

رئيس الدولة أعلى سلطة فيها :

يكفي أن يراعى في أي تعريف لهذا المصطلح أن يدل على أن رئيس الدولة هو أعلى شخص في السلطة، وذلك لطبيعة المهام الأساسية المنوطة به مما سيأتي تفصيله .

ولا أثر لكون ذلك المركز الأعلى قد حصل التجاوز له أو الافتئات عليه دون تنحية من يشغله ويحمل اسمه، وهذا قد حصل في العهود الإسلامية، فقد وجد منصب سمي نائب السلطنة، وكان له الأمر والنهي مع وجود السلطان، واستخلاص موافقته أو إجازته للتصرفات بعد وقوعها ويشبه هذا الأنظمة التي تكون فيها السلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، ويكون منصب الملك أو رئيس الجمهورية، رمزاً للدولة ( يملك ولا يحكم ) .

وقد آل الأمر إلى إطلاق نائب السلطنة لنفسه التصرف دون أي مراعاة لمن ينوب عنه، مما جعل أحد الشعراء يصف حالة الرئيس الأعلى المهمّش بقوله:

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً           ***            وما من ذاك شيء في يديه

وأحياناً كان السبب في هذه الممارسة الحرص على اكتساب الشرعية ممن أخذ الحكم بالتغلب، أو الحرص على الأولوية على حكام آخرين منافسين له باسترجاع دور الخلافة بعد ضمورها، كما حصل في حال ضعف الخلافة العباسية، ولم يكن حظ الخليفة إلا الخطبة له على المنابر، وسك العملة باسمه .

مدة الرئاســـة :

هناك نظامان بشأن المدة التي يظل فيها رئيس الدولة في سدة الحكم :

  • التحديد بمدة تنتهي فيها ولايته إلا إذا جدد له بنفس طريقة توليته لمدة أخرى واحدة أو أكثر ( حسب المقررات الدستورية ) .
  • الاستمرار طوال العمر، وهو النظام الملكي والأميري، سواء كان وراثياً أو بطريقة الاختيار أو العهد لشخص من عائلة الحكم أو أي جهة أخرى يناط بها ذلك .

ولكل من النظامين محاسنة ومزاياه أو محاذيره ومضاره .

والنظام الإسلامي أخذ من كل منهما جانباً: فهو قائم على الاستمرار كأصل مع فتح المجال لإنهاء المدة من قبل أهل الحل والعقد ، وبلغة العصر طرح الثقة بالحاكم على الشعب أو جهة تمثله للاستمرار في منح الثقة أو حجبها .

على أنه ليس هناك ما يمنع من التحديد، كما عليه معظم الأنظمة غير الملكية، وهو الأحوط، لأن الإنهاء أصعب من التجديد، لأن الإنهاء كثيراً ما يتم عن طريق الخروج على الحاكم .

وللخروج على الحكام أحكامه المبينة في باب البغاة، كما أن تسنّم سدة الحكم قد حصل عملياً بالتغلب . وفي هذا يقول ابن سماعة الدمشقي : إذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبة لواحد ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده انعزل الأول وصار الثاني إماماً لمصلحة المسلمين وجمع كلمتهم([16]) .

مهام رئيس الدولة

بين إمام الحرمين وغيره أن الغرض من الإمامة الكبرى النظر في الأمور المتعلقة بالدين ثم النظر في الأمور المتعلقة بالدنيا، بعد أن قرر أن الغرض استيفاء قواعد الإسلام طوعاً أو كرها، والمقصد الدين، ولكنه لما استمد استمراره من الدنيا كانت هذه القضية فرعية([17]) ثم فصل النظرين بما مجمله :

واجب الإمام نحو الدين ( أصله وفروعه ) :

حفظ الدين ودفع شبهات الزائغين وأصحاب البدع والأهواء ودعوة غير المسلمين إلى التزام الدين الحق، مع البدء في ذلك بالحجة والبراهين .

ولا يدخل في مهامه التعرض لفقهاء الإسلام فيما يتنازعون فيه من تفاصيل الأحكام كما عليه الاهتمام بما هو شعار ظاهر في الإسلام من العبادات التي ترتبط باجتماع عدد كبير كالجمع والأعياد ومجامع الحجيج، لأنه ” يخاف في مزدحم القوم أمور محذوره ” وكذلك ما هو شعار ظاهر كالأذان وإقامة الجماعات إذا عطل ذلك([18]) .

واجب الإمام في الأمور المتعلقة بالدنيا :

ومجمل ذلك حفظ ما حصل، وطلب ما لم يحصل . بسدّ الثغور، وصيانة بلاد الإسلام من المخلين بالأمن، وفصل الخصومات، وإقامة السياسات والعقوبات وحفظ المشرفين على الضياع بالولاية عليهم وسد حاجات المحاويج، وضبط الأموال التي يحصلها الإمام ويصرفها إلى مصارفها([19]) .

الطبيعة لدنيوية المسالة رئاسة الدولة :

اتفقت المذاهب الإسلامية السنية على أن ” الإمامة مسألة دنيوية وقضية مصلحيه “([20]) وأنها من مسائل الفروع، وليست من مسائل أصول الدين، وإن كانت ترد أحيانا في بعض كتب العقائد، فإن الغرض من إدراجها في ذلك العلم هو أنها كانت من المسائل الفاصلة بين المذاهب السنية وغيرها، حيث إن الشيعة يعتبرون الإمامة رئاسة عامة مطلقة في أمور الدين والدنيا بالأصالة في دار التكليف([21]) ويصرح بعضهم بأنها منصب إلهي يرتّبه الله تعالى لمن ارتضى من البشر([22]) ونكتفي بهذه الإشارة إلى هذا الاتجاه، لأنه محفوف بقضايا أخرى يصعب تناولها مدرجة في ثنايا هذا الموضوع، مثل مرجعية التقليد المطلقة التي وكلت إلى الأئمة المجتهدين شرعية الحكم على السلطة الزمنية مما تطور حتى ظهر مصطلح (ولاية الفقيه) ([23]) .

كما نتجاوز المسائل الفقهية الخلافية في قضية نصب الإمام وصفاته والقول بالنص على الإمامة الأولى في العهد الراشدي، وتكييف طرق الاختيار فيه أو فيما بعده في عهود الملوك (من أمويين وعباسيين وغيرهم )، دون أن يفوتنا التأكيد بأن الأصل في ذلك هو الاختيار، بحسب ما تساعد عليه الظروف : كالانتخاب العام، أو من المجالس المعتمدة (أهل الحل والعقد ) الخ ..

واجبات رئيس الدولة :

هذا، وقد أورد الماوردي وأبو بعلي في كتابيهما بشأن الأحكام السلطانية واجبات الخليفة بما خلاصته([24]) :

1- حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه السلف، فإن نجم ( برز ) مبتدع، أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من ذلك .

2- تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصومة بين المتنازعين، حتى تعم النصفة ( العدل ) فلا يتعدى ظالم، ولا يضعف مظلوم .

3- حماية البيضة والذب عن الحريم، ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال .

4- إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده عن إتلاف أو استهلاك .

5- تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة النافعة، حتى لا يظفر الأعداء بثغرة ينتهكون فيها محرماً بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقوم بحق الله تعالى من إظهاره على الدين كله .

6-  جهاد من عاند الإسلام .

7- جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهاداً من غير جور ولا عسف .

8- تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير .

9-  استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء بما يفوضه إليهم من الأعمال، ويكله إليهم من الأموال .

10- مباشرة، الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة .

واجبات الأمة تجاه رئيس الدولة :

أوجز الماوردي([25]) ما يجب للخليفة على الأمة في أمرين :

1- التسليم له بالنظر في جميع أمور المسلمين وشئونهم العامة وعلاقاتهم مع الدول الأخرى .

2- عدم التدخل في الأعمال التي وكلت إليه، إلا تلبية لطلبه أو لمجرد إبداء النصح .

ويقول أيضاً: إذا قام الإمام بواجباته فقد أدى حق الله تعالى فيما للأمة عليه، ووجب له عليهم حقان: الطاعة، والنصرة ، ما لم يتغير ، والنصرة يقصد بها المعونة على النهوض بأعباء الحكم ومساندته في وجه من يخرجون عليه بغير حق أو يقصدون الإساءة إليه والتقليل من شأنه ومهابته افتئاتا عليها([26]) .

لابد لنا ونحن في مجال البحث عن الفقه السياسي الإسلامي ـ من أن نبين المراد بالسياسة الشرعية.

هناك قواعد أساسية يقوم عليها الحكم في الإسلام وينظم منها دستوره وهي إذا جاءت بها نصوص شرعية قطعية في ثبوتها ودلالتها لا تخضع للتغيير . أما إن جاءت بها نصوص ظنية وفيها مرونة في دلالتها واختلاف في مدلولها فإن ذلك يتيح لولي الأمر الأخذ بأحد الوجوه .

كما أن بعض الأحكام تبنى على العرف ثم يتغير، أو تستند إلى تحقيق مصالح ثم تنتفي المصلحة، فينقل الحكم من نوع إلى آخر .

قال ابن عابدين : تختلف بعض الأحكام باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه لزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف([27]) .

وقال القرافي : جملة الأمر أن وظيفة الحاكم في حكمه ـ خليفة أو واليا أو قاضيا إن يكلف بفعل شيء أو تركه أو برفع التكليف به مسايرة لحاجات الناس ومصالحهم من غير مصادمة لقاعدة من قواعد الشريعة([28]) .

 

وقد شبه بعض القانونيين السياسة الشرعية بما يصدره ولي الأمر من قوانين تخالف المتبع في قواعد القوانين وأصولها مع وجوب موافقتها للقانون الطبيعي وإلا كانت غير جائزة .

وقد ألف “ابن تيمية” وغيره كتباً في السياسة الشرعية، من حيث مجالها، وضوابطها، وتطبيقاتها .

مفهوم المعارضة السياسية

 مفهوم المعارضة معروف منذ بدء الدولة الإسلامية ، تحت مظلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت تحدث بصورة متعددة وفي مواقف مختلفة معروفة في العهود الإسلامية بما فيها العهد النبوي حيث كانت تحصل بمراجعة الصحابة ـ مع السمع والطاعة ـ للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض التصرفات القائمة على الرأي والخبرة، كما حدث في اختيار موقع المعركة في بدر وفي مفاداة الأسرى، وفي صلح الحديبية ثم في العهد الراشدي حيث كان الخلفاء يحضّون الناس على الصدع بالحق بل تقويم ما يرونه فيهم من اعوجاج كما كان يفعل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما([29]) .

قال الباجي : مصدر سلطة الإمام مبايعة الجمهور له ورضاهم به، فالأمة هي الحافظ للشرع([30]) .

إن المعارضة السياسية الهادفة ( التي لا تصدر لتسجيل مواقف وتحقيق مكاسب شخصية ) تنبع من قاعد المسئولية التي لا يعفى منها أحد، بل تبدأ بولاة الأمور، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ” كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته: فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته “([31]) .

ومسئولية الحاكم تحقق قاعدة توازن السلطة مع المسئولية التي اعتمدها علماء الإدارة العامة، فإن المسئولية تتزايد كلما تزايدت السلطات الموكولة إلى الشخص القائم على السلطة، لأنه مما يؤدي لمخاطر جسيمة في جهاز الإدارة العامة أن يعطى شخص ممن يحتلون درجة من درجات السلم الإداري سلطات واسعة دون ان تقرر القواعد الكفيلة بتقرير مسئوليته على تلك السلطات.

والنصوص الشـرعية كثيرة بشأن المسئولية وان الولاية ـ مهما كان نوعها ـ هي أمانة يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون ([32])

المسئولية من نتائج الشورى :

إن هذه المسئولية من نتائج الشورى إذ لولا أن للأمة حق الرقابة على الحاكم ما أمر أن يستشيرها في كل أموره التي تتصل بهم . وقد دعم هذا سياسة الخلفاء الراشدون أنفسهم مع الناس، فهذا أبو بكر يعلن في أول خطبة له : إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ” وهذا عمر بن الخطاب يعلن كذلك : ” من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه . قال له أعرابي والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا”.

ومن هذا يستبين أن دعائم الحكومة في الإسلام هي الشورى ومسئولية أولى الأمر واستمداد الرئاسة العليا من البيعة العامة . وتلك دعائم كل حكومة عادلة لأن مرجعها كلها أن يكون أمر الأمة بيدها وأن تكون هي مصدر السلطات.

وقد قضت الحكمة أن تقرر هذه الدعائم غير مفصلة لأن تفصيلها يختلف باختلاف الأزمان والبيئات.

فالله سبحانه أمر بالشورى وسكت عن تفصيلها ليكون سعة في نظمها بما يلائم حالهم فهم لكل شعب يقررون نظام انتخاب رجالها والشروط الواجب توافرها في المنتخبين وكيفية القيام بالواجبات إلى غير ذلك مما تتحقق به الشورى ويصبح أمر المسلمين شورى فيما بينهم([33]) .

وكذلك نظام المسئولية وكيف يؤدى رجال الشورى واجب النصح وتقديم ما يمكن أن يطرأ على غيره إلى غير ذلك، وترك تفصيله أيضاً لمراعاة مقتضيات الأحوال([34]) .

 اللامركزية في النظام السياسي الإسلامي

 تتباين الأنظمة السياسية بشأن السلطة بين المركزية والتوزيع (اللامركزية). على أن معظم البلاد الغربية تأخذ باللامركزية وأما في البلاد الإسلامية فالحال على العكس .

والواقع أن اللامركزية هو الشكل الذي كانت عليه الدول الإسلامية في عهود وحدتها حيث كانت تضم الدولة ولايات لها ما يشبه الحكم الذاتى ، على كل منها والٍ أو أمير، وفي كل ولاية مدن وقرى متفاوتة في الحجم والأهمية بحسب الموقع أو المزايا الأخرى التي تتفاضل بها الأماكن .

والواقع أن السلطة لم تكن مركزية تنحصر في عاصمة الدولة وهي آنذاك المدينة التي يقيم فيها رئيس الدولة بل كانت متقاسمة بين الولايات .

وعلينا أن نستحضر حداثة هذا المصطلح ( المركزية، واللامركزية أو المحلية) من حيث التصريح به والنص عليه في وثيقة رسمية .. فكان لابد من البحث في التطبيقات التي حفظتها لنا كتب الأحكام السلطانية وكتب الخطط، مع إشارات في كتب التاريخ عند الكلام عن الولاة ومجال أو حدود ولايتهم، وكتب الفقه عند الكلام عن المصر وما دونه من تقسيمات لإقامة الجمع والأعياد .

 

الحرية الشخصية والحريات الأخرى ([35])

 إن المقصود بالحرية الشخصية من المنظور الإسلامي أن يكون لدى الشخص في ظل الحكم الإسلامي قدرة على التصرف في شئون نفسه وفي كل ما يتعلق بذاته في الوقت الذي يأمن من الاعتداء عليه أو عرضه أو مأواه أو أى حق من حقوقه، بشرط أن لا تكون قدرته تلك ـ أو حريته ـ مصحوبة بعدوان على حقوق الآخرين، أو بتجاوز لحدود الله وما شرعه من أحكام .. ومن تلك الحريات المصونة :

أ- الحرية الفرديـــة :

الإسلام يقرر هذه الحرية وأمن الفرد على ذاته من أي اعتداء وذلك بأن حد حدوداً بأوامره ونواهيه وشرع عقوبات عند المجاوزة، وبعض هذه العقوبات مقدر وهو الحدود وبعضها متروك تقديره للظروف المختلفة وهو التعزير .

ب- حرية العقيــدة :

أقر الإسلام هذه الحرية وترك لكل فرد الحرية التامة في أن يكون عقيدته بناء على ما يصل إليه عقله ونظره الصحيح والدليل على ذلك ان الإسلام جعل أساس التوحيد والإيمان والاعتقاد البحث والنظر والتفكير والتدبر والتعقل، لا القهر ولا الإلجاء، ولا المحاكاة ولا التقليد .

وكثير من آيات القرآن الكريم نفت أن الإيمان يأتي بطريق الجبر أو الإكراه قال تعالى لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغى  وقال تعالى أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين  وقال تعالى لكم دينكم ولى دين  .

والإسلام يقرر حرية العقيدة لغير المسلمين ويعطيهم الحق في أن يقيموا شعائرهم في كنائسهم ومعابدهم وأن يتبعوا أحكام دينهم في معاملاتهم وأحوالهم الشخصية ” لهم ما لنا وعليهم ما علينا ” وجميع العهود التي كانت تعطى للمعاهدين كان يقرن فيها بالتأمين على الأنفس والأموال، التأمين على العقائد وحرية إقامة الشعائر .

ولا يخل بحرية العقيدة عقوبة المرتد الذي يترك دينه ويفارق الجماعة بعد أن يمهل وتزال الشبهات عنه، لأن الردة إخلال بالنظام العام وتمرد عن الجماعة .

ج-  حرية الرأي والتعبير :

قرر الإسلام هذا الحق وكفله لجميع الأفراد وقد نظر الإسلام إلى حرية الرأى على أنها نوعان : حرية الرأى في الأمور الدينية، وحرية الرأى في الأمور الدنيوية .

أما الأمور الدينية فلكل من لديه أهلية الاجتهاد أن يجتهد فيها ويرى الرأى الذي يوصله إليه اجتهاده، مادام اجتهاده في غير موضع النص، وما دام رأيه في حدود الأصول الكلية للدين ونصوصه الصحيحة : وذلك أن الإسلام جعل القياس من أصوله ومصادر التشريع فيه ـ والقياس هو إلحاق الأشباه بالأشباه والنظائر بالنظائر لاستنباط الأحكام التي لم ينص عليها، وهو إعمال للرأي بضوابط تحميه من الخطأ .

وأما حرية الرأى في الأموال الدنيوية فقد قرر الإسلام أن لكل فرد أن يبدى رأيه فيه حسبما يراه، وأن يعبر عن هذا الرأى بالطرق المناسبة له كالحديث والكتابة وما إلى ذلك، لا سلطان لأحد عليه ولا يملك أحد أن يصادر عليه رأيه وفكره، ما دام لا يتجاوز حدود الله وشعائر دينه ومقدساته ولا يعتدي على حريات الآخرين والنصوص الإسلامية التي تقرر المساواة بين الناس كثيرة .

المساواة بين الأفراد في الحقوق المدنية والسياسية :

المساواة بين الأفراد في كافة الحقوق المدنية والسياسة شعار من أظهر شعارات الإسلام، ونصوص الإسلام وأحكامه ناطقة بتقريرها على أكمل وجوهها بل إنها تعتبر المساواة من شعائر الإيمان كما يقول تعالى  إنما المؤمنون إخوة  وقوله صلى الله عليه وسلم ” الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحمر على أسود ولا لعربى على عجمى إلا بالتقوى ” .

ذلك أن الإسلام لا يفرق بين واحد وآخر في الخضوع لسلطان قانونه، وليس فيه فرد فوق القانون مهما علت منزلته.

فأمير المؤمنين والوالي وكل واحد من الأفراد متساوون في أحوالهم المدنية والجنائية، لا يمتاز واحد بحكم خاص ولا يطرق محاكمة خاصة بل الجميع أمام القانون سواء .

اشتراط الإسلام في الولايات العامة([36]) :

إذا ما سلمنا بأن الدولة الإسلامية طراز خاص من الدول لها ذاتيتها وطبيعتها الخاصة التي تتميز بها على سائر الدول المعاصرة فإن ذلك يمكن أن يوضح العديد من القواعد الإدارية التي يجب أن تسود الجهاز الإداري والتي لا نظير لها في الإدارة المعاصرة، ومن بين هذه القواعد ضرورة اشتراط الإسلام في القادة الإداريين الذين يمارسون الولاية العامة على المسلمين وذلك لأن هذا الشرط يتعلق بذاتية الدولة الإسلامية وطبيعتها الخاصة، ذلك لأن غير المسلم لا يعمل على تحقيق الأهداف والغايات التي ابتغاها الإسلام، فضلاً عن أنه سوف لا يراعي ما أوجبه الشرع الإسلامي، ولكون الدولة أساساً تؤسس على الإسلام وتنبني عليه فلا يتصور ترتيباً على ذلك أن يمارس أعمال الولاية العامة من لا يدين بدين الإسلام وكان من المنطقي أن تمنع النصوص ولاية غير المسلم على المسلم، لذلك حسم القرآن الكريم هذه المسألة في قوله عز وجل  ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً([37]) .

وقد قرر الفقهاء المعنيون بالنظم الإسلامية جواز تولي غير المسلمين المناصب الإدارية بما فيها الوزارة ما عدا وزارة التفويض التي يعهد فيها ولي الأمر إلى الوزير تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده([38]) .

إن تحقيق المساواة بين أفراد الشعب لا ينقص من قصر بعض الوظائف الرئيسية على المسلمين لأن ذلك يتفق مع طبيعة الدولة بأنها إسلامية، والدول الديمقراطية لا تخول الأقليات المناصب الرئيسية ([39]) .

أما تولية القضاء لغير المسلم فهو في الأصل غير جائز، إذ لا ولاية لغير المسلم على المسلم، لأن شهادته عليه غير مشروعة، غير أنه يمكن التمحّل لمحاولة تصحيح بعض الأوضاع في بعض البلاد الإسلامية التي تقتضيها ظروف الحياة المعاصرة إجازة قضائهم في المسائل المدنية ونحوها، لضرورة رفع الحرج([40]) .

ومن القواعد الإدارية التي أخذ بها الإسلام وتتعلق بذاتية هذا النظام الأخذ بمعيار التقوى والورع والفلاح للمفاضلة في اختيار القادة الإداريين وضرورة توفر القدوة الحسنة فيهم وقيام العملية الإدارية على الصدق والأمانة في المعاملة، وضرورة أن تسعى الإدارة لتحقيق مقاصد الله في الخلق ومراعاة المصلحة العامة لجماعة المسلمين واعتبار هذه المصلحة أساس ممارستهم لكل السلطات في الدولة الإسلامية واستناد العملية الإدارية لرقابة الأمة الإسلامية، فضلاً عن ضرورة إعمال الشورى في تسيير أعمال الإدارة لرقابة الأمة الإسلامية بمقتضي واجب الحسبة وكل هذه القواعد الإدارية مستمدة أساساً من ذاتية النظام الإسلامي وطبيعته الخاصة ولا نظير لها في النظم الإدارة([41]) .

 علاقات الدولة الإسلامية بغيرها

اعتناء الفقهاء بالحقوق الدولية:

من الجدير بالتنويه به بيان ما للحقوق الدولية من وجود عميق أصيل في الحضارة الإسلامية.

والباعث على ذلك ما هو ملحوظ من ضعف الصلة بالتراث لدى الجيل الحالي، ولما طرأ من تغاير في التسميات وتداول المصطلحات حيث كانت العلاقات الدولية تسمى ( السير ) جمع سيرة بمعنى ما يسلكه الحاكم المسلم من سيرة في العلاقة مع الدول الأخرى وكذلك بسبب المبادرات التي انطلقت من الغرب لتكوين المنظمات الدولية بدءاً بعصبة الأمم ثم هيئة الأمم وما تفرغ عنها من مؤسسات في المجالات المختلفة .

والواقع أن للمسلمين قصب السبق في هذا المجال سواء من خلال التطبيق العملي في حالتي السلم والحرب أم من حيث أدبيات الفقه الدولي والمثل العليا في معالجة الحالات المختلفة .

وحسبنا أن نشير إلى الأعمال العلمية للإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ومدون مذهبه حيث وضع كتابين هما السير الصغير والسير الكبير الذي شرحه الإمام السرخسي ونشر في خمسة أجزاء .

والطريف هنا أن كتب الشيباني شدت مجموعة من الباحثين المسلمين المقيمين في ألمانيا منذ عقود فأسسوا في مدينة روتنجن جمعية سموها ( جمعية الشيباني للحقوق الدولية ) كما أن المنصفين من الباحثين من المسلمين وبعض المستشرقين يقررون أن الشيباني هو أبو الحقوق الدولية وليس (غروشيوس) الهولندي الذي هو من ابرز تلك الحقوق في الغرب فالشيباني له الأولوية في العالم وهذا من قبيل التجوز والمشاكلة في الحوار، لأن ما أورده الشيباني مستمد من القرآن والحديث فترجع العلاقات الدولية إلى الرسالة المحمدية ويزيد عمر السبق حوالي قرنين .

 

العلاقات في السلم والحرب

 لقد نظم الإسلام علاقات الدولة بغيرها سواء في حال السلم أو حال الحرب أما في حال السلم فلا يحتاج الأمر مزيد بيان، فقد أتاح فرص التعايش سواء بالسفارات والمهام الخارجية، أو بإتاحة المجال لدخول الدولة من خلال مبدأ (المستأمن) أو ( المعاهدات ) .

وأما في حال الحرب فقد وضع نظاماً دقيقاً لها لتخفيف ما تجره من ويلات ومآس على المدنيين، فمنع من التعرض للشرائح المسـالمة .. كما حصرها في أمرين :

  • الدفاع عن الدولة الإسلامية ومواطنيها من مسلمين وذميين ومستأمنين .
  • فتح المجال أمام الدعوة الإسلامية لإخراج الشعوب من عبادة الطغاة إلى عبادة الله وحده، ومن الجور إلى العدل، ومن الضلالات إلى الهداية . ومن أجل ذلك شرع الجهاد أيضاً .

والجهاد في سبيل الله ـ كما عرفه ابن عرفة : قتال مسلم كافراً غير ذي عهد، لإعلاء كلمة الله، أو حضوره له، أو دخول أرضه([42]).

وبهذا التعريف خرج قتال المسلم للبغاة، وقطاع الطرق، كان منه معنويا أو مادياً .

وقد قسم بعض الفقهاء الجهاد إلى أربعة أنواع مستوعباً ما كان منه معنوياً أو مادياً :

1- جهاد القلب للشيطان والنفس عن الشهوات المحرمات .

2- وجهاد باللسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( ويدخل فيه الدعوة للإسلام، والحرب الإعلامية أيضاً ) .

3-  وجهاد باليد بزجر ذوي الأمر أهل المنكرات عن منكرهم، ومنه إقامة الحدود .

4- وجهاد بالسيف .

وقد عبر الدكتور البوطي عن قسمي الجهاد الأساسيين بأنهما : الجهاد الدعوي، والجهاد القتالي :

  • فالجهاد الدعوى يكون بتعريف الناس بالإسلام وإزالة الشبهات التي قد تتسرب إليه
  • والجهاد القتالي يكون بمقابلة المعتدين خارج البلد الإسلامي وبعيداً عن حدوده كقتال رسول الله صلى عليه وسلم المشركين يوم أحد ويوم بدر، ويوم ذات الرقاع .

وقد يكون بمهاجمة المسلمين للأعداء واقتحامهم بلادهم، وذلك عندما يكتشف المسلمون كيدا يدبر منهم وخطة ترسم ضد أمنهم([43]) .

وبما أن الدول في العهود الأولى للدولة الإسلامية لم تكن بينها معاهدات لإقرار السلم بينها، فقد ظهرت الحاجة إلى البعوث السنوية للقتال ( أو الشواتى والصوائف ) وذلك بقصد الردع عن العدوان وهي ( الحرب الوقائية )، وهذه البعوث ـ بالرغم من تقرير الفقهاء وجوبها فإن ذلك كان لمقتضيات العصور التي عايشوها .

وفيما يلي تقرير مشروعيتها : نص ابن قدامة والحطاب وغيرهما على أنه يجب أن يبعث الإمام في كل سنة جيشاً يغيرون على العدو في بلادهم، وعبارة ابن عبد البر : فرض على الإمام إغزاء طائفة للعدو في كل سنة يخرج هو بها أو من يثق به وفرض على الناس في أموالهم وأنفسهم الخروج المذكور لا خروجهم كافة.

أما ارتباطها بمقتضى الأحوال فإن ابن قدامة نفسه بعدما أشار إلى أن اقل ما يفعل الجهاد مرة في كل عام أورد استثناءات كثيرة يهمنا منها قوله :” أو يعلم الإمام من عدوه حسن الرأي في الإسلام فيطمع في إسلامهم إن أخر قتالهم ونحو ذلك مما يرى المصلحة معه في ترك القتال، فيجوز تركه بهدنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح قريشاً عشر سنين، وأخر قتالهم حتى نقضوا عهده، وأخر قتال قبائل العرب بغير هدنة “([44]) .

ومن هذا يتبين أن هذه البعوث هي مبادرات معهودة في تلك العصور، حيث لا وجود للمعاهدات الدولية بالمصطلح الحديث ولا وجود للمنظمات الدولية التي ترعاها ـ ولو أدبياً ـ فكانت تلك البعوث لمنع الاعتداء ولو بالتفكير به أو التخطيط له، ولاستبقاء الرهبة التي يوجد معها توازن القوى، وهو المطلوب في قوله تعالى  واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ([45]) .

 أما الآن فقد تحقق ما يستغنى به عن ذلك وهو المعاهدات والمواثيق الدولية كما أن حالة السلم هي السبيل الآن للترغيب في الإسلام في ظل مبدأ الحريات، وهو مبدأ كان غائباً أو مغيباً بوجود الكيانات المسيطرة والحائلة دون نفوذ الدعوة للشعوب([46]) .

 أثر الحوار السياسي

 في مجال العلاقات الدولية:

 إن من يستعرض الرسائل النبوية يجد أنها تنقسم من حيث العلاقة بالمرسلة إليهم إلى أقسام، والذي يهمنا من تلك الأقسام ما كان يندرج في العلاقات الدولية، وحتى يكون البحث مؤصلا على ما تقرر في هذا العلم نورد تعريف علم الحقوق الدولية وما يعتبر من قبيل العلاقات بين الدول .

هناك تقسيماً للحقوق الدولية إلى:

  • حقوق دولية عامة وهي التي تكون أطرافها دولاً، مثل معاهدة الحديبية ومثل صحيفة المدينة التي حددت علاقة المسلمين فيها بمن يشاطرهم العيش على أرضها .
  • وحقوق دولية خاصة وهي التي يكون أحد أطرافها دولة والطرف الآخر فرداً من دولة أخرى .

أما العلاقات الدولية فتشمل جميع الاختصاصات التي تمارسها الدول من سياسية واقتصادية واجتماعية . كما تشمل حالتي السلم والحرب([47]).

أنواع الوثائق الخارجية للدولة الإسلامية :

أما المستندات والوثائق المؤسسة للعلاقات الخارجية بالرجوع للتراث الإسلامي فإن هناك كتباً ( عهوداً ) ([48]) أعطيت في عهد النبوة لبعض الوفود من القبائل والأفراد لتوثيق الأمان لهم، أو لإثبات عطايا واقطاعات منحت إليهم، وهي تسلم لأصحابها مباشرة ممن وفدوا على عاصمة الدولة .

وهناك الرسائل النبوية إلى الملوك والحكام في عهد النبوة .

وإلى جانب الرسائل والعهود وكتب الأمان هناك ( المعاهدات ) التي نظمت العلاقة بين الدولة وغيرها من الدول أو لإيقاف الحرب كمعاهدة الحديبية([49]) .

هناك (الوصايا) النبوية إلى أمراء الجيوش بتطبيق القيم الإسلامية في الحرب وبعدها، وهي بمثابة رسائل مفتوحة ولوائح منظمة للعلاقات الدولية .

الاعتراف بالآخر من خلال الرسائل النبوية :

لقد تضمنت الرسائل النبوية الإشارة في الرسائل إلى المزايا التي يتحلي بها المرسل إليهم، وتمثل ذلك في عناوينها بوصفهم بالأوصاف التي سموا بها، مثل عظيم الروم ونحو ذلك ولا يخفى أن من دواعي القبول لما تحمله الرسالة من فكر وما تهدف إليه من أغراض تقدير الشخص المرسلة إليه ومخاطبته بصفته ممثلا للدولة بصرف النظر عن كونه مخالفاً في الدين ولعل ذكر ما في هؤلاء الرؤساء من مزايا يقصد بها حضهم على تسخيرها للخير والهدى بدلاً من إضاعتها وتوظيفها في اللهو أو الشر وضرر الآخرين .

ولم يقتصر هذا الأمر على الرسائل إلى الملوك ( العلاقات الدولية العامة ) بل شمل الأفراد من دولة أخرى ( العلاقات الدولية الخاصة ) ومثال ذلك ما جاء في الرسالة التي بعث بها الوليد بن الوليد إلى أخيه خالد بن الوليد بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم لدعوة خالد إلى الإسلام، وهي صورة من العلاقات الدولية الخاصة، فقد جاء في تلك الرسالة بعد البسملة أما بعد فإني لم أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك، ومثل الإسلام يجهله أحد؟ وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك وقال أين خالد؟ فقلت : يأتي الله به قال :” مثله يجهل الإسلام ؟ ! ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين كان خيراً له ولقدمناه على غيره” فاستدرك ـ يا أخي ـ ما قد فاتك من مواطن صالحة([50]) .

أما في مجال مخاطبة الملوك بالقول اللين فإن أمثلته واضحة في الرسائل، ومنها رسالته إلى ملك اليمن وقوله له : إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك([51]) .

اشتمال الرسائل النبوية على الدعوة إلى الله ونشر القيم الفاضلة:

الرسالة أسلوب من أساليب الدعوة التي يجب على الداعية أن يستخدمها، لأن لها تأثيراً دائماً يتكرر سواء بالتأمل فيها عند قراءتها، أم كلما رجع إليها المرسلة إليه، ولا يخفى أن الرسالة حين يكتبها صاحبها يفرغ جهده في تحريرها وتضمينها ما يحقق ما يرمى إليه المرسل من أهداف .

عالمية الإسلام من خلال الرسائل النبوية إلى الملوك :

إن الرسائل النبوية تكشف عن وجه من وجوه التطبيق العملي الملموس لعالمية الدعوة الإسلامية باعتبارها خاتمة الأديان والهداية الإلهية للناس كافة، وموضوع الرسائل النبوية يعتبر صفحة هامة من صفحات السيرة النبوية([52]) .

وتجدر الإشارة المؤجرة هنا إلى أهم العبر التي تستخلص من إرسال الرسائل إلى الملوك :

  • إرسال الرسل فيه برهان عملي على ان دعوة الإسلام عامة للناس كافة .
  • موقف هرقل وأفعاله يدل على التكبر عن الحق بالرغم من معرفته .
  • من واجب المسلمين تهيئة وسائل الدعوة في كل أرجاء الأرض بما يتناسب مع كل عصر .
  • البدء بالإصلاح الداخلي للمسلمين ليكون ذلك مثلاً صالحاً للسلوك والخلق ودعوة عملية للإسلام .
  • اقتناع الشعوب الأخرى بسلامة أهداف الدولة المحمدية والتهيئة لتقبل الإسلام طوعاً أو مسالمة المسلمين والإسهام في بناء اقتصاد الدولة .
  • تعزيز مبدأ استبعاد الإكراه الديني الذي كان هو السائد في عصر النبوة لدى الدول الأخرى .
  • تأمين الطرق والمسالك وتوفير الحماية للرسل والمبعوثين .
  • التمهيد للمعاهدات والتفاهم السلمي كما في الرسالة إلى “هرقل عليك إثم الاريسيين” أي الفلاحين والصناع([53]) .
  • التذكير بمسئولية الحكام .

 الفهرس

 المقدمة ……………………………………………………………………………       2

تعريف الدولة وأركانها …………………………………………………………..        4

  • الشعب …………………………………………………………………       6
  • الأرض ………………………………………………………………….       8
  • مبدأ السيادة ……………………………………………………………     10

السلطات الثلاث، والفصل بينها ………………………………………………….   12

نوع الحكومة الإسلامية ………………………………………………………….     14

         –        خضوع الإدارة العامة للقانون الإسلامي ………………………    15

         –        دستورية الدولة الإسلامية ………………………………………    15

رئاسة الدولة، ومهامّها …………………………………………………………..   17

  • تعريف رئاسة الدولة ( الإمامة الكبرى ) …………………………     17
  • رئيس الدولة أعلى سلطة فيها …………………………………..     18
  • مدة الرئاسة ………………………………………………………….      18

مهام رئيس الدولة ……………………………………………………………..      20

  • واجب الإمام نحو الدين ( أصله وفروعه ) ………………………     20
  • واجب الإمام في الأمور المتعلقة بالدنيا ………………………..    20
  • الطبيعة الدنيوية لمسألة رئاسة الدولة …………………………   21
  • واجبات رئيس الدولة ………………………………………………..   22
  • واجبات الأمة تجاه رئيس الدولة ………………………………….   23

مبدأ السياسة الشرعية ………………………………………………………    24

مفهوم المعارضة السياسية ………………………………………………..     26

المسئولية من نتائج الشورى ………………………………………………     27

اللامركزية في النظام السياسي الإسلامي ……………………………     29

الحرية الشخصية والحريات الأخرى ……………………………………….     30

  • الحرية الفردية …………………………………………………….      30
  • حرية العقيدة ………………………………………………………      30
  • حرية الرأي والتعبير ………………………………………………     31
  • المساواة بين الأفراد في الحقوق …………………………….     32
  • اشتراط الإسلام في الولايات العامة ………………………….     32

 علاقات الدولة الإسلامية بغيرها ………………………………………….     35

  • اعتناء الفقهاء بالحقوق الدولية ………………………………..      35
  • العلاقات في السلم والحرب …………………………………..      37

أثر الحوار السياسي في مجال العلاقات الدولية …………………….      41

  • أنواع الوثائق الخارجية للدولة الإسلامية ……………………     41
  • الاعتراف بالآخر من خلال الرسائل النبوية …………………..    42
  • اشتمال الرسائل النبوية على الدعوة ………………………..    43
  • عالمية الإسلام من خلال الرسائل النبوية على الملوك ….    44

 

([1])  بحث ” بعض المفاهيم الإدارية والسياسية من منظور إسلامي د. فؤاد محمد النادي (ندوة الإدارة في الإسلام ) ونظام الحكم في الإسلام، د. محمد عبد الله العربي 21 .

([2])  مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي، د. محمد حميد الله 100 .

([3])  الفقه السياسي للأقليات المسلمة د. نادية محمود مصطفي ص 5 .

([4])  الدولة في الإسلام ، د. مجمد سلام مدكور 118 .

([5])  تهذيب الأسماء واللغات، للنووي 1/14 .

([6])  يرى د. بشار عواد معروف في بحثه عن الشورى (ص3) ان ربط الشورى بالمجالس المقترحة للقوانين فيه تقليل من شأنها، فإن الذين يقترحون القوانين هم الفقهاء العلماء المجتهدون العارفون باستنباط الأحكام من الشريعة بعد الاستعانة بالمستشارين، وهم كل من يستفاد منه في هذا المجال .

([7])  يرجع إلى المصادر التالية للتفصيل : السلطات الثلاث في الدساتير العربية ، د. سليمان الطماوي 49 ، 202 النظم الإسلامية ، د. حسن إبراهيم 293 الأحكام السلطانية للماوردي 83 – 93 عبقرية الإسلام في أصول الحكم د.منير العجلاني .

([8])  نظرية الإسلام السياسية 32 ط . لجنة الشباب المسلم بمصر 1951 . وحقيقة الإسلام وأصول الحكم، بخيت المطيعي 30 والسياسة الشرعية، عبد الوهاب خلاف 28 مبادئ نظام الحكم في الإسلام، عبد الحميد متولى 71 .

وأحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية، حامد سلطان 105 .

([9])  بعض المفاهيم الإدارية والسياسيةن د. فؤاد النادي 80 وعالمية الدعوة الإسلامية، د. علي عبد الحليم محمود 360 .

([10]) مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون، د.طعيمة الجرف ص 5 ط 1963

([11])  سورة

([12])  سورة

([13])  يلحظ أن د. نصر محمد عارف في بحثه ( إشكالية الطرح السياسي للإسلام) (ص3) يوجه النظر إلى ان المجتمع الإسلامي في التاريخ كان هو المعمل الذي ينتج الحضارة والدولة هي طبقة هامشية في المجتمع لا تؤثر عليه كثيراً… ويضرب أمثلة لذلك بمؤسسة الأوقاف التي غطت الوظائف الاجتماعية وحققت الاستقلالية في مواجهة الدولة، وبالحسبة التي ترعى (124) من المؤسسات الاجتماعية التي كان لها تنظيمها وإدارتها الداخلية دون هيمنة من الدولة وكذلك مؤسسات التعليم التي لم تكن مملوكة للدولة .

([14])   الفصل في الملل والنحل، ابن حزم 4/87 .

([15])   المسامرة لابن الهمام وشرحها للكمال بن أبي شريف 2/141 ومقدمة ابن خلدون 179 .

([16])   مذكرات في نظم الحكم في الإسلام للشيخ أحمد هريدي مفتي مصر الأسبق 115 وينظر التفصيل في الملل والنحل لابن حزم 4/173 ومقالات الإسلاميين للأشعري 2/451 ومذكرات في نظم الحكم في الإسلام، د. محمد يوسف موسى 67 .

([17])   الغياثي ، لإمام الحرمين 183 ط نهضة مصر 1401هـ .

([18])   المرجع السابق 184 .

([19])   المرجع السابق 201 .

([20])   الملل والنحل ، للشهرستاني 33 الإرشاد لإمام الحرمين 26

([21])   فرق الشيعة، للنوبختي 91 .

([22])   عقائد الإمامية، محمد رضا المظفر .

([23])   ينظر كتاب ” نظرية ولاية الفقيه ـ دراسة وتحليل ونقد ـ للدكتور عرفان عبد الحميد فتاح .نشر دار عمار الأردن 1988 .

([24])   الأحكام السلطانية للماوردي 15 والأحكام السلطانية لأبي يعلي 11 .

([25])   الأحكام السلطانية، للماوردي 15 و 16 .

([26])   ينظر أيضاً تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام 259 فقد أورد عشرة حقوق تجب للخليفة قبل الأمة ، وهي تندرج فيما ذكره الماوردى ( الطاعة ، والنصرة ) .

([27])   رسائل ابن عابدين 2/125 .

([28])   الفروق، للقرافي 2/103 وتهذيب الفروق 2/114 .

([29])   مجموعة الوثائق السياسية د. محمد حميد الله 59 و 62 .

([30])   المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/415 و 458 .

([31])   صجيح البخاري 7/41

([32])   سورة الأنفال ـ الآية 27 .

([33])   أورد د. بشار عواد معروف في بحثه عن الشورى (ص2-3) ان الاستشهاد بالتطبيقات العملية للشورى في عهد النبوة فيه الكثير من عدم الدقة بسبب الشخصية الرسالية للنبي صلى الله عليه وسلم . وان المجتمع الإسلامي يستطيع اليوم ان يضع القوانين والنظم والتعليمات بالشورى بما تلائم العصر وان التطبيقات العملية التي مارسها الخلفاء والحكام عبر العصور كانت ملائمة لعصورهم .

([34])     عالمية الدعوة الإسلامية، د. على عبد الحليم محمود 359 دار عكاظ 1984 .

([35])     عالمية الدعوة الإسلامية ، د. علي عبد الحليم محمود 361 .

([36])    يفسّر المستشار طارق البشري ، في بحثه القيم عن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي (ص6) قصر الولايات على المسلمين بأن ذلك بسبب قلة المسلمين في الأقطار المفتوحة، فكان ضرورياً في مواجهة شعوبها لئلا يفلت الزمام من ايدى المسلمين، وكان هذا القصر ممكنا بحسبان التفوق السياسي .

([37])    سورة

([38])    الأحكام السلطانية، للماوردي 20 ، النظرية السياسية الإسلامية .د. ضياء الدين الريّس 228

([39])    الدولة في الإسلامي 119 وبحث بعض المفاهيم الإدارية والسياسية، د. فؤاد النادي 82 .

أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية، حامد سلطان 105 .

([40])    القضاء في الإسلام ، د. محمد سلام مدكور .

أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية، حامد سلطان 105 .

([41])    بعض المفاهيم الإدارية والسياسية من منظور إسلامي ، د. فؤاد النادي 82 .

([42])    شرح المواق على مختصر خليل 3/348 .

([43])    الجهاد في الإسلام، للدكتور محمد سعيد البوطي 166 .

([44])    المغني لابن قدامة 8/348 والحطاب شرح خليل 3/347 ناقلا عن الكافي لابن عبد البر .

([45])    سورة الأنفال الآية / 60 وقد عنى بعض الباحثين بتفصيل أسباب الحروب والغزوات وفي صدر الإسلام ( الشريعة الإسلامية والقانون الدولي ) للمستشار علي علي منصور ط . المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1384هـ = 1965 .

([46])     ومن العبارات الدالة على هذا قول ابن جزي في القوانين الفقهية 97 ” إذا حميت أطراف البلاد، وسدت الثغور سقط فرض الجهاد ( يقصد فرض الكفاية بالبعوث السنوية ) وبقي ناقلة ” .

([47])     المنظمات الدولية ، د. جعفر عبد السلام 55 ، 29 .

([48])     اشتملت الطبقات الكبرى لابن سعد على تلك العهود بمناسبة كلامه عن الوفود .

([49])     اشتمل كتاب الأموال لأبي عبيد ( ص 218) على كثير من المعاهدات وتنظر دراسة للمعاهدات في العهد النبوي، عتيق الرجمن العثماني، المؤتمر الرابع للسيرة والسنة 5/587 – 623 ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ن د. محمد حميد الله الحيدر ابادى رقم الصفحة 96 .

([50])     صفوة الصفوة، لأبن الجوزي 1/651 ومع إن الرسالة من الوليد لأخيه خالد فإنها مستوحاة من كلامه عليه الصلاة والسلام .

([51])      تاريخ الطبري 2/297 .

([52])      الدراسات المتعلقة بالرسائل النبوية، د. عز الدين إبراهيم (بحث المؤتمر الرابع للسيرة) 6/249.

([53])      فقه السيرة، محمد الغزالي ، دار العلم دمشق 1409هـ = 1989م

وفقه السيرة ، د. محمد سعيد رمضان البوطي 306 .

والسيرة النبوية ، أبو الحسن الندوي 1407هـ = 1987م

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق