البيانات الختامية

البيان الختامى للدورة الحادية عشر

البيان الختامي

 

للدورة العادية الحادية عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

 

 المنعقدة في مقر الرابطة الإسلامية بالسويد بالمركز الإسلامي {ستوكهولم – السويد}

 

في الفترة 1-7 جمادى الأولى 1424هـ الموافق 1 – 7 يوليو/تموز 2003 م

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد..

 

فقد انعقدت على بركة الله تعالى وبرعايته الدورة العادية الحادية عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء البحوث بدعوة كريمة من الرابطة الإسلامية بالسويد بالمركز الإسلامي {ستوكهولم – السويد}في الفترة 1-7 جمادى الأولى 1424هـ الموافق 1 – 7 يوليو/ تموز 2003 م برئاسة فضيلة الإمام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس المجلس حفظه الله، وبحضور غالبية الأعضاء.

 

وفي حفل الافتتاح الذي شارك فيه مسؤولو الرابطة الإسلامية بالسويد، وكذلك مندوبون عن السلك الدبلوماسي والمؤسسات والقطاعات والمراكز الإسلامية وجمع غفير من المسلمين، رحّب الأستاذ الفاضل أحمد غانم رئيس الرابطة بإخوانه رئيس وأعضاء المجلس بعقدهم الدورة الحادية عشرة للمجلس بالسويد، وأشاد فيها بجهود المجلس على الساحة الأوروبية في مجال الإفتاء والبحوث، ومنهجيته الوسطية والتي انعكس أثرها الطيب على المسلمين في الغرب.

 

ثم ألقى صاحب الفضيلة الإمام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس المجلس حفظه الله كلمة، شكَر فيها الرابطة الإسلامية في السويد على استضافتهم للدورة الحادية عشرة للمجلس، وحكومة السويد على التسهيلات التي قدمتها حتى تمت إقامة هذه الدورة للمجلس على أراضيها، كما دعا فضيلته في كلمته المسلمين إلى الالتزام بدينهم الذي هو أكبر نعم الله على البشر، وأوضح أن من خصائص الأمة الإسلامية أنها لا تجتمع على ضلالة، وأن الله تعالى قد قيض لها في كل عصر من ينفي عن الإسلام انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين. كما أكّـد فضيلته على وسطية الإسلام التي تدعو إلى تجنب الإفراط والتفريط، وكذلك على خصيصة اليسر في تعاليمه، وأنه باستقراء التراث الفقهي يتأكد لنا أن قدوة الميسّرين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سادة الصحابة والتابعين، وأن القاعدة الذهبية هي التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة، وأن الشريعة الإسلامية قد دخلت بلاداً شتى وحضارات مختلفة، فلم تضق صدراً بما استجد من مسائل وأصبح في المذاهب الفقهية سعة ورحمة للأمة، وأن المسلمين اليوم في حاجة إلى “الاجتهاد المنضبط” الذي يجمع بين فهم الفقه ومعرفة الواقع، من خلال الموازنة بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية المعتبرة لدى الأمة.

 

واستعرض المجلس جدول أعماله واستمع إلى التقرير الدوري للأمانة العامة، واتخذ القرارات اللازمة للأعمال الإدارية، ومنها: تشكيل لجنة للحوار الديني، كما استمع إلى تقرير لجنة البحوث، وقدم الشكر لكل من ساهم في إخراج العدد الثالث من المجلة العلمية الخاصة بالمجلس، ثم تدارس المجلس عدداً من القضايا المدرجة على جدول أعماله وأجاب عن عدد من الأسئلة المقدمة إليه واتخذ بذلك القرارات والفتاوى التالية:

 

 

 

أولاً: القرارات

 

 

القرار1/11

 

تحديد مواقيت الصلاة في المناطق الفاقدة للعلامات الشرعية

 

اطلع المجلس على البحوث والدراسات التي قدمها أعضاؤه حول تحديد مواقيت الصلوات في المناطق الفاقدة لبعض العلامات المعتبرة شرعاً، وبعد المناقشة والمداولة قرر المجلس ما يلي:

 

أولاً: لا مانع شرعاً من الاستمرار في الاعتماد على الاجتهادات المعمول بها حالياً في أوروبا، مثل الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، ومثل الذي أقره المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في قراره باعتبار التقدير النسبي الذي يعتمد على درجة 18 للفجر، و 17 للعشاء والمطبق في معظم البلاد الأوروبية، وكذلك الاجتهاد القائم على الاعتماد على درجة 12 لصلاتي الفجر والعشاء والمطبق حالياً في بعض البلاد الأوروبية.

 

ثانياً: يؤكد المجلس قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي رقم 6 في 12 رجب 1406هـ الموافق 23مارس 1986م المتعلق بالمنطقة القطبية، الذي ينص على: “أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني في خط عرض 45 درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرون ساعة في المنطقة من 66 درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات في خط عرض 45 درجة” أي التقدير النسبي.

 

ثالثاً: نظراً لحاجة هذه البلاد إلى تطبيق عملي لحساب مواقيت الصلاة في المناطق المختلفة التي تفتقد فيه بعض العلامات، أو معظمها فقد كلّف المجلس بعض أعضائه المتخصصين بإعداد دراسة حديثية فقهية ودراسات علمية رياضية مقارنة بين الاجتهادات المختلفة، وتقديمها إلى المجلس في دورته المقبلة ليتخذ بشأنها القرار الشامل المناسب. والله أعلم.

 

 

القرار 2/11

 

الاستنساخ من الزوجين

 

تناول المجلس استكمالاً لبحثه لموضوع الاستنساخ في دورته السابقة مسألة الاستنساخ من الزوجين التي أُجل بحثها للدورة الحالية. وبعد استعراض الدراسات والأبحاث المعدة حول الموضوع ومناقشتها:

 

يؤكد المجلس قراره السابق الذي يقضي بتحريم الاستنساخ البشري. ولا يستثني من ذلك الاستنساخ من الزوجين، وذلك بقاء على أصل الحكم بمنع الاستنساخ البشري، ولعدم وجود دليل يبرر الاستثناء.

 

وإذا ما استجدّ في الأمر ما يدعو إلى النظر فإن المجلس سيدرسه في حينه ويصدر فيه القرار المناسب.

 

 

القرار 3/11

 

“قتل المرحمة”

 

Euthanasia

 

استعرض المجلس الدراسات المقدمة إليه بخصوص هذا الموضوع، وبعد مناقشتها خلَص إلى ما يلي:

 

أولاً: تعريف قتل المرحمة أو الأوتانازيا:

 

        كلمة الـ ( Euthanasia ) كلمة إغريقية الأصل وتتألف من مقطعين:

 

                   السابقة Eu وتعني الحَسَن أو الطيب أو الرحيم أو الميسر.

 

                   واللاحقة Tathanos وتعني الموت أو القتل.

 

وعليه فإن كلمة الأوتانازيا تعني لغوياً الموت أو القتل الرحيم أو الموت الحسَن أو الموت الميسّر.

 

أما في التعبير العلمي المعاصر فتعني كلمة (الأوتانازيا): “تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه بناء على طلب مُلِحٍّ منه مقدم للطبيب المعالج”.

 

ثانياً: أنواع قتل الرحمة

 

لقتل الرحمة صور تطبيقية مختلفة هي:

 

1-   القتل الفعال Euthanasie Directe أو القتل المباشر أو المتعمد:

 

ويتم بإعطاء المريض جُرعةً قاتلة من دواء كالمورفين أو الكورار Curare أو الباربيتوريات Barbiturates أو غيرها من مشتقات السيانيدCyanide بنيّة القتل.   

 

وهو على ثلاثة أحوال:

 

الحالة الأولى: الحالة الاختيارية أو الإرادية، حيث تتم العملية بناءً على طلب ملحٍّ من المريض الراغب في الموت وهو في حالة الوعي أو بناءً على وصية مكتوبة مسبقاً.

 

الحالة الثانية:  الحالة اللاإرادية، وهي حالة المريض البالغ العاقل الذي فقد الوعي، حينئذ تتم العملية بتقدير الطبيب الذي يعتقد بأن القتل في صالح المريض، أو بناءً على قرار من ولي أمر المريض أو أقربائه الذين يرون أن القتل في صالح المريض.

 

الحالة الثالثة:  وهي حالة لا إرادية يكون فيها المريض غير عاقل، صبياً كان أو معتوهاً، وتتم بناءً على قرار من الطبيب المعالج.

 

2-               المساعدة على الانتحار Aide au suicide:

 

        وفي هذه الحالة يقوم المريض بعملية القتل بنفسه بناءً على توجيهات قدمت إليه من شخص آخر الذي يوفّر له المعلومات أو الوسائل التي تساعده على الموت.

 

3-               القتل غير المباشر Euthanasie Indirecte:

 

ويتم بإعطاء المريض جرعات من عقاقير مسـكنة لتهدئة الآلام المبرحة، وبمرور الوقت يضطر الطبيب المعالج إلى مضـاعفة الجرعات للسيطرة على الآلام، وهو عمل يستحسنه القائمون على العلاج الطبي، إلا أن الجرعات الكبيرة قد تؤدي إلى إحباط التنفس وتراجع عمل عضلة القلب فتفضي إلى الموت الذي لم يكن مقصوداً بذاته ولو أنه متوقّع مسبقاً.

 

4-               القتل غير الفعال أو المنفعل Euthanasie Passive:

 

ويتم برفض أو إيقاف العلاج اللازم للمحافظة على الحياة، ويلحق به رفع أجهزة التنفس الاصطناعي عن المريض الموجود في غرفة الإنعاش والذي حُكِمَ بموت دماغه، ولا أمل في أن يستعيد وعيه.

 

ثالثاً: ومع أن التقاليد الطبية السائدة في بلدان العالم والكثرة الغالبة من الأطباء ما زالت ترفض وتنفر بشدة مما يسمى قتل الرحمة، ومع أن القوانين السارية في معظم بلدان العالم تعتبر قتل الإنسان بأي صورة ولأي سبب جريمة يعاقب عليها القانون، إلا أن قتل الرحمة أخذ يُمارس بصورة متزايدة في عدد من البلدان الأوروبية مستتراً تحت أسماء مضللة تجعل السلطات تغض الطرف عنها أو تمتنع المحاكم من إيقاع العقوبات القانونية في حق مرتكبيها. وتكاد هذه الأمور تصبح ممارسة يومية في بلد كهولندا، حتى أصبح الأمر مُقنّناً من قبل السلطات التشريعية.

 

رابعاً: يبدو أن الممارسين للقتل يقيمون على بعض المبررات منها:

 

·       الفلسفة اللادينية السائدة في الغرب التي تقيس قيمة الحياة بمساهمة الإنسان في المجتمع من إنتاج وإبداع، فإذا أصبح عالة على الغير فموته أولى.

 

·       أن القتل الرحيم يُريح المريض ويخلصه من المعاناة والعذاب والآلام التي لا يطيق الصبر عليها.

 

·       في القتل الرحيم تخفيف للمعاناة التي يتحملها أهل المريض وأصدقاؤه ومن يتولون رعايته، وكذلك توفير للتكاليف المادية والأعباء الاقتصادية التي تتحملها الأسرة أو المجتمع. كما أن المؤيدين للقتل الرحم يرون أن للمريض حقاً ذاتياً في تقرير مصيره وله الحق في أن يُقتل إذا طلب ذلك.

 

خامساً: وبعد أن اطلع المجلس على المواقف القانونية المختلفة التي تتخذها الدول الغربية من القتل الرحيم بصورة متباينة ما بين مؤيد ومعارض، قرر المجلس ما يلي:

 

1- تحريم قتل الرحمة الفعال المباشر وغير المباشر وتحريم الانتحار والمساعدة عليه، ذلك أن قتل المريض الميؤوس من شفائه ليس قراراً متاحاً من الناحية الشرعية للطبيب أو لأسرة المريض أو المريض نفسه.

 

فالمريض أيّاً كان مرضه وكيف كانت حالة مرضه لا يجوز قتله لليأس من شفائه أو لمنع انتقال مرضه إلى غيره، ومن يقوم بذلك يكون قاتلاً عمداً، والنص القرآني قاطع في الدلالة على أن قتل النفس محرّم قطعاً لقوله تعالى: (ولا تَقتُلوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللهُ إلا بالحَقِّ) ]الأنعام:151[، ولقوله تعالى:ِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلى بَني إسْرَائيلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَاً بغَِيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأنمَّا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) ]المائدة : 32[.

 

2- يحرُمُ على المريض أن يقتلَ نفسَه ويحرُم على غيره أن يقتله حتى لو أذن له في قتله، فالأول انتحار والثاني عدوان على الغير بالقتل، وإذنه لا يُحل الحرام، فهو لا يملك روحه حتى يأذن لغيره أن يقضي عليها. والحديث معروف في تحريم الانتحار عامة، فالمنتحر يُعذّب في النار بالصورة التي انتحر بها، إن استحَلَّ ذلك فقد كفر وجزاؤه الخلود في العذاب، وإن لم يستحله عُذّب عَذاباً شديداً.

 

3- لا يجوز قتل المريض الذي يُخْشى انتقالُ مرضه إلى غيره بالعدوى، حتى لو كان ميؤوساً من شفائه (كمريض الإيدز مثلاً)، فلا يجوز قتله لمنع ضرره، ذلك لأن هناك وسائل عديدة لمنع ضرره كالحَجْر الصحي ومنع الاختلاط بالمريض، بل يجب المحافظة عليه كآدمي يقدّمُ له كل ما يتطلب من الغذاء والدواء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وفي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم: “ما أنزلَ الله من دَاءِ إلا أنزلَ له شِفاءً”، وفي الحديث الذي رواه الترمذي “يا عبادَ الله، تَدَاوَوا، فإنَّ الله لم يَضَع داءً إلا وضَع له دواءً”، وفي الحديث الذي رواه أحمد: “إن الله لم ينـزل داءً إلا أنزَل له شِفاءً، عَلِمَه منْ علمه، وجهله من جهله”. فهذه الأحاديث تعطينا أملاً في اكتشاف دواءٍ لمثل هذه الأمراض، كما اكتشفت أدوية لأمراض ظنَّ الناس أن شفاءها ميؤوسٌ منه، فلا يصحّ قتلُ حامله لليأس من شفائه، ولا لمنع الضرر عن الأصحاء.

 

4- وبالنسبة لتيسير الموت بإيقاف أجهزة الإنعاش الاصطناعي عن المريض الذي يعتبر في نظر الطب “ميتاً” أو في “حكم الميت” وذلك لتلف جذع الدماغ أو المخ، الذي به يحيا الإنسان ويحسّ ويشعر، وإذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العلاج فلا يخرج عن كونه تركاً للتداوي، فهو أمر مشروع ولا حرج فيه، وبخاصة أن هذه الأجهزة تُبقي عليه هذه الحياةَ الظاهرية – المتمثلة في التنفس والدورة الدموية – وإن كان المريض ميتاً بالفعل، فهو لا يعي ولا يحس ولا يشعر، نظراً لتلف مصدر ذلك كله وهو المخ.

 

وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل ويحجز أجهزة قد يحتاج إليها غيره مما يجدي معه العلاج. والله أعلم.

 

القرار 4/11

 

التحكيم في المنازعات

 

اطّلع المجلس على الدراسات المقدمة إليه من قبل أصحاب الفضيلة أعضاء المجلس حول التحكيم الشرعي في بلاد الغرب وبعد المناقشة والمداولة قرّر ما يلي:

 

أولاً: أقرَّ المجلس لائحة التحكيم (المرافقة مع الفتوى) على أن تعرض على خبراء قانونيين، وفي حالة اقتراحهم إجراء تعديلات عليها تُعرَض هذه التعديلات على المجلس في دورة لاحقة.

 

ثانياً: الأصل أن يختار المسلم عند حاجته إلى تحكيم محكمين مسلمين، أو مراكز تحكيم ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، وإذا لم يمكن ذلك فيجوز الاحتكام إلى جهات تحكيم غير إسلامية توصلا لما هو مطلوب شرعاً.

 

ثالثاً: لا يجوز التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتعاملين ممن لا ولاية للمحكم عليه، ولا فيما ينفرد القضاء به دون غيره بالنظر فيه. والله أعلم.

 

 

القرار 5/11

 

الخطاب الإسلامي في عصر العولمة

 

تداول المجلس موضوع الخطاب الإسلامي في عصر العولمة، وبعد استعراضه للبحوث والدراسات، وتداول المناقشات حوله خلص إلى:

 

أن خطابنا الإسلامي في عصر العولمة بحاجة ملحة إلى تغيير وتطوير، وهذا لا يعني تغيير الثوابت والأهداف الإسلامية، بل تغيير أساليب الدعوة وطرائق البيان وفنون التعليم، وذلك لأننا تعودنا الحديث إلى أنفسنا وأن غيرنا لا يسمع صوتنا، أما الآن فما يقال في مكان يصل إلى أطراف العالم كله في نفس اللحظة؛ لأن العالم صار بمنزلة قرية صغيرة، وما يقال للمسلمين من أحكام فقهية غير ما يقال لغير المسلمين من البدء بالعقيدة الإسلامية ثم التدرج معه، وما يقال للمسلم الجديد غير ما يقال للمسلم العريق، كما أن الحوار أو الخطاب يختلف باختلاف المدرسة التي ينتمي إليها الداعية ويعبّر عنها، والأولى أن يجمعَ الخطابُ بين روحانية المتصوف وتمسك الأثري، وعقلانية المتكلم، وعلمية الفقيه، يأخذ من كل صنف خيرَ ما عنده، وإننا بحاجة إلى مراعاة الانتقال من الشكل الغوغائي والمظهر إلى الحقيقة والجوهر، ومن الكلام والجدل إلى العطاء والعمل، ومن العاطفية إلى العقلانية العلمية، ومن الفروع والذيول إلى الرؤوس والأصول، ومن التعسير والتنفير إلى التيسير والتبشير، ومن الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد، ومن التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق، ومن الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال، ومن العنف والنقمة إلى الرفق والرحمة، ومن الاختلاف والتشرذم إلى الائتلاف والتضامن.

 

أما عن منهجية الخطاب الديني كما رسمه القرآن الكريم فإنه يتضح من النقاط التالية:

 

أولاً: وجوب الدعوة على كل مسلم؛ للأدلة الشرعية على هذا الوجوب، كلّ حسب استطاعته.

 

ثانياً: ربانية الدعوة، فهي دعوة إلى الله عز وجل لا إلى قوم أو عصبية أو لغة، ويلزم أن يتحرر الناس من ربوبية بعضهم لبعض وأن يكونوا جميعاً عباداً لله وحده.

 

ثالثاً: دعوة المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

والحكمة تعني ما يلي:

 

أ‌-       استيعاب الأدلة العلمية المقنعة والبراهين العقلية الساطعة.

 

ب- أن نكلّم الناس بلسانهم، ليس بلغتهم فقط، بل لأن نحدّث كلّ قوم بما يناسبهم وواقعهم ومشكلاتهم ومستوياتهم وتحدياتهم وآلامهم وآمالهم.

 

ج- الرفق بتبني منهج التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة.

 

د- ترتيب الأصول والأولويات ثم ندعو إلى الفروع بعدها.

 

هـ- التدرج من العقائد والأخلاق إلى الفروع والأطراف.

 

أما الموعظة الحسنة فهي:

 

مخاطبة القلوب والعواطف النبيلة لتحريكها نحو الخير، وقد أكد القرآن على أهمية الموعظة الحسنة، وهي التي تصدر بأسلوب جميل، وبحسن اختيار الموضوع، والأسلوب والتوازن بين الترغيب والترهيب بالصحيح من النصوص، وليس بالقصص الخيالية والروايات المختلفة، وليس بتخويف العوام من الموت وعذاب القبر حتى توصله إلى الفزع واليأس والقنوط. وليس من المواعظ الحسنة الأدعية الاستفزازية كالدعاء بأن يهلك الله جميع المشركين واليهود والنصارى وأن ييتّم أطفالهم ويرمّل نساءهم، مما لا نعرف نصاً صحيحاً يجيز مثل هذا التجاوز في الدعاء.

 

رابعاً: حوار المخالفين بالتي هي أحسن:

 

وهي من المعالم الواقعية في الإسلام، حيث أمر بالموعظة الحسنة مع المسلمين، والحوار مع غير المسلمين بالتي هي أحسن، أي الأفضل والأرقى والأسمى والأرقّ، ومنه أيضاً اختيار الجوامع المشتركة مع المخالفين، وهي كثيرة، منها: مواجهة موجات الإلحاد والإباحية، والجريمة، وتلوّث البيئة، وحقوق الإنسان والحريات، والأسرة والأمومة والطفولة، والقواسم الأخلاقية الإنسانية، ولا نركّز على نقاط الخلاف، ومواضع التباين.

 

ومن الحوار بالتي هي أحسن عدم التحامل على المخالف وتوهين معتقداته وآرائه، وعدم إشعاره بالهزيمة والنشوة بالانتصار عليه.

 

خامساً: التمسك بالثوابت والأصول في عرض الإسلام، فليس من تجديد الخطاب الديني تقديم الإسلام مكسور الجناح منـزوع السلاح، أو أنه علاقة شخصية بين العبد وربه فقط وليس منهجَ حياة كاملة للفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وليس منه حذف الآيات المتحدثة عن بعض المخالفين لنا، أو حذف الحدود من النظام الجنائي، أو الجهاد من العلاقات الدولية، أو حذف الغزوات من السيرة.

 

سادساً: تغيير بعض المسميات بما لا يغير الجوهر، ومنه الحديث عند اللقاء بأنهم “غير المسلمين” فهذا لا يغير من الحقيقة شيئاً، خاصة وأن القرآن لم يتحدث عن أهل الكتاب إلا بأرقى الأساليب، ولم يخاطب غير المسلمين بالكفار إلا في آيتين لظروف خاصة تتعلق في خلط العقائد والاشتراك في عبادة الله يوماً وإلههم في يوم آخر، وقد عدّل سيدنا عمر تسمية الجزية على نصارى تَغْلِب فسماها زادة أو صدقة وضاعفها عليهم، والعبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني.

 

ومنه أيضاً استعمال لفظ “مواطنون” بدلاً من أهل الذمة، والتعبير عن العلاقات الإنسانية بالأخوة، فإن جميع الأنبياء خاطبوا قومهم بلغة الأخوة، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي وقال أليست نفساً. ولا يوجد أي حرج شرعي في التعامل مع غير المسلمين على أنهم أخوة في الإنسانية أو المواطنة، وأن توجد علاقات معهم حتى يروا محاسن الإسلام وشمائل المسلمين، لأن منهج الإسلام هو الرحمة والرفق بالخلق أجمعين ما لم يكونوا محاربين معتدين.

 

أما عن خصائص الخطاب الإسلامي في عصر العولمة:

 

فينبغي أن يراعى مكان المخاطبين وزمانهم وظروفهم ولسان قومهم حتى يكون بلاغاً مبيناً كما نصّ القرآن مراراً، ويراعى طبيعة التقارب الذي جعل العالم كله قرية واحدة، مما يلزم تحري اختيار العبارات والموضوعات، هذا مع جمع الخصائص التالية:

 

1.            يؤمن بالوحي، ولا يغيّب العقل.

 

2.            يحرص على المعاصرة، ويتمسك بالأصالة.

 

3.            يدعو إلى الروحانية، ولا يهمل المادية.

 

4.            يدعو إلى الجد والاستقامة، ولا ينسى اللهو والترويح.

 

5.            يتبنى العالمية، ولا يغفل المحلية.

 

6.            يستشرف المستقبل، ولا يتنكر للماضي.

 

7.            يتبنى التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة.

 

8.            ينصف المرأة، ولا يجور على الرجل.

 

9.            ينكر الإرهاب الممنوع، ويؤيد الجهاد المشروع.

 

10.       يصون حقوق الأقلية، ولا يحيف على الأكثرية.

 

11.       ينادي بالاجتهاد، ولا يتعدى الثوابت.

 

مع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق