الفتاوى

الطب

رقم الفتوي: 4101

تاريخ النشر: 7 نوفمبر,2018

قتل المرحمة Euthanasia

السؤال

قرار  (3/11) قتل المرحمة Euthanasia   استعرض المجلس الدراسات المقدمة إليه بخصوص هذا الموضوع، وبعد مناقشتها خلَص إلى ما يلي: أولاً: تعريف قتل المرحمة أو الأوتانازيا: كلمة الـ (Euthanasia) كلمة إغريقية الأصل وتتألف من مقطعين: السابقة Eu وتعني الحَسَن أو الطيب أو الرحيم أو الميسر. واللاحقة Tathanos وتعني الموت أو القتل. وعليه فإن كلمة الأوتانازيا تعني لغوياً الموت أو القتل الرحيم أو الموت الحسَن أو الموت الميسّر. أما في التعبير العلمي المعاصر فتعني كلمة (الأوتانازيا): “تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه بناء على طلب مُلِحٍّ منه مقدم للطبيب المعالج”. ثانياً: أنواع قتل الرحمة لقتل الرحمة صور تطبيقية مختلفة هي: القتل الفعال Euthanasie Directe أو القتل المباشر أو المتعمد: ويتم بإعطاء المريض جُرعةً قاتلة من دواء كالمورفين أو الكورار Curare أو الباربيتوريات Barbiturates أو غيرها من مشتقات السيانيد Cyanide بنيّة القتل.   وهو على ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: الحالة الاختيارية أو الإرادية، حيث تتم العملية بناءً على طلب ملحٍّ من المريض الراغب في الموت وهو في حالة الوعي أو بناءً على وصية مكتوبة مسبقاً. الحالة الثانية: الحالة اللاإرادية، وهي حالة المريض البالغ العاقل الذي فقد الوعي، حينئذ تتم العملية بتقدير الطبيب الذي يعتقد بأن القتل في صالح المريض، أو بناءً على قرار من ولي أمر المريض أو أقربائه الذين يرون …

الإجابة

قرار  (3/11)

قتل المرحمة Euthanasia

 

استعرض المجلس الدراسات المقدمة إليه بخصوص هذا الموضوع، وبعد مناقشتها خلَص إلى ما يلي:

أولاً: تعريف قتل المرحمة أو الأوتانازيا:

كلمة الـ (Euthanasia) كلمة إغريقية الأصل وتتألف من مقطعين:

  • السابقة Eu وتعني الحَسَن أو الطيب أو الرحيم أو الميسر.
  • واللاحقة Tathanos وتعني الموت أو القتل.

وعليه فإن كلمة الأوتانازيا تعني لغوياً الموت أو القتل الرحيم أو الموت الحسَن أو الموت الميسّر.

أما في التعبير العلمي المعاصر فتعني كلمة (الأوتانازيا): “تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه بناء على طلب مُلِحٍّ منه مقدم للطبيب المعالج”.

ثانياً: أنواع قتل الرحمة

لقتل الرحمة صور تطبيقية مختلفة هي:

  1. القتل الفعال Euthanasie Directe أو القتل المباشر أو المتعمد:

ويتم بإعطاء المريض جُرعةً قاتلة من دواء كالمورفين أو الكورار Curare أو الباربيتوريات Barbiturates أو غيرها من مشتقات السيانيد Cyanide بنيّة القتل.  

وهو على ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: الحالة الاختيارية أو الإرادية، حيث تتم العملية بناءً على طلب ملحٍّ من المريض الراغب في الموت وهو في حالة الوعي أو بناءً على وصية مكتوبة مسبقاً.

الحالة الثانية: الحالة اللاإرادية، وهي حالة المريض البالغ العاقل الذي فقد الوعي، حينئذ تتم العملية بتقدير الطبيب الذي يعتقد بأن القتل في صالح المريض، أو بناءً على قرار من ولي أمر المريض أو أقربائه الذين يرون أن القتل في صالح المريض.

الحالة الثالثة: وهي حالة لا إرادية يكون فيها المريض غير عاقل، صبياً كان أو معتوهاً، وتتم بناءً على قرار من الطبيب المعالج.

  1. المساعدة على الانتحار Aide au suicide:

   وفي هذه الحالة يقوم المريض بعملية القتل بنفسه بناءً على توجيهات قدمت إليه من شخص آخر الذي يوفّر له المعلومات أو الوسائل التي تساعده على الموت.

  1. القتل غير المباشر Euthanasie Indirecte:

ويتم بإعطاء المريض جرعات من عقاقير مسـكنة لتهدئة الآلام المبرحة، وبمرور الوقت يضطر الطبيب المعالج إلى مضـاعفة الجرعات للسيطرة على الآلام، وهو عمل يستحسنه القائمون على العلاج الطبي، إلا أن الجرعات الكبيرة قد تؤدي إلى إحباط التنفس وتراجع عمل عضلة القلب فتفضي إلى الموت الذي لم يكن مقصوداً بذاته ولو أنه متوقّع مسبقاً.

  1. القتل غير الفعال أو المنفعل Euthanasie Passive:

ويتم برفض أو إيقاف العلاج اللازم للمحافظة على الحياة، ويلحق به رفع أجهزة التنفس الاصطناعي عن المريض الموجود في غرفة الإنعاش والذي حُكِمَ بموت دماغه، ولا أمل في أن يستعيد وعيه.

ثالثاً: ومع أن التقاليد الطبية السائدة في بلدان العالم والكثرة الغالبة من الأطباء ما زالت ترفض وتنفر بشدة مما يسمى قتل الرحمة، ومع أن القوانين السارية في معظم بلدان العالم تعتبر قتل الإنسان بأي صورة ولأي سبب جريمة يعاقب عليها القانون، إلا أن قتل الرحمة أخذ يُمارس بصورة متزايدة في عدد من البلدان الأوروبية مستتراً تحت أسماء مضللة تجعل السلطات تغض الطرف عنها أو تمتنع المحاكم من إيقاع العقوبات القانونية في حق مرتكبيها. وتكاد هذه الأمور تصبح ممارسة يومية في بلد كهولندا، حتى أصبح الأمر مُقنّناً من قبل السلطات التشريعية.

رابعاً: يبدو أن الممارسين للقتل يقيمون على بعض المبررات منها:

  • الفلسفة اللادينية السائدة في الغرب التي تقيس قيمة الحياة بمساهمة الإنسان في المجتمع من إنتاج وإبداع، فإذا أصبح عالة على الغير فموته أولى.
  • أن القتل الرحيم يُريح المريض ويخلصه من المعاناة والعذاب والآلام التي لا يطيق الصبر عليها.
  • في القتل الرحيم تخفيف للمعاناة التي يتحملها أهل المريض وأصدقاؤه ومن يتولون رعايته، وكذلك توفير للتكاليف المادية والأعباء الاقتصادية التي تتحملها الأسرة أو المجتمع. كما أن المؤيدين للقتل الرحم يرون أن للمريض حقاً ذاتياً في تقرير مصيره وله الحق في أن يُقتل إذا طلب ذلك.

خامساً: وبعد أن اطلع المجلس على المواقف القانونية المختلفة التي تتخذها الدول الغربية من القتل الرحيم بصورة متباينة ما بين مؤيد ومعارض، قرر المجلس ما يلي:

1 – تحريم قتل الرحمة الفعال المباشر وغير المباشر وتحريم الانتحار والمساعدة عليه، ذلك أن قتل المريض الميؤوس من شفائه ليس قراراً متاحاً من الناحية الشرعية للطبيب أو لأسرة المريض أو المريض نفسه.

فالمريض أيّاً كان مرضه وكيف كانت حالة مرضه لا يجوز قتله لليأس من شفائه أو لمنع انتقال مرضه إلى غيره، ومن يقوم بذلك يكون قاتلاً عمداً، والنص القرآني قاطع في الدلالة على أن قتل النفس محرّم قطعاً لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} ]الأنعام: 151[، ولقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلى بَني إِسْرَائيلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأنمَّا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) ]المائدة : 32[.

2 – يحرُمُ على المريض أن يقتلَ نفسَه ويحرُم على غيره أن يقتله حتى لو أذن له في قتله، فالأول انتحار والثاني عدوان على الغير بالقتل، وإذنه لا يُحل الحرام، فهو لا يملك روحه حتى يأذن لغيره أن يقضي عليها. والحديث معروف في تحريم الانتحار عامة، فالمنتحر يُعذّب في النار بالصورة التي انتحر بها، إن استحَلَّ ذلك فقد كفر وجزاؤه الخلود في العذاب، وإن لم يستحله عُذّب عَذاباً شديداً.

3 – لا يجوز قتل المريض الذي يُخْشى انتقالُ مرضه إلى غيره بالعدوى، حتى لو كان ميؤوساً من شفائه (كمريض الإيدز مثلاً)، فلا يجوز قتله لمنع ضرره، ذلك لأن هناك وسائل عديدة لمنع ضرره كالحَجْر الصحي ومنع الاختلاط بالمريض، بل يجب المحافظة عليه كآدمي يقدّمُ له كل ما يتطلب من الغذاء والدواء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وفي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم: “ما أنزلَ الله دَاءً إلا أنزلَ له شِفاءً”([1])، وفي الحديث الذي رواه الترمذي “يا عبادَ الله، تَدَاوَوا، فإنَّ الله لم يَضَع داءً إلا وضَع له دواءً”([2])، وفي الحديث الذي رواه أحمد: “إن الله لم ينـزل داءً إلا أنزَل له شِفاءً، عَلِمَه منْ علمه، وجهله من جهله”([3]). فهذه الأحاديث تعطينا أملاً في اكتشاف دواءٍ لمثل هذه الأمراض، كما اكتشفت أدوية لأمراض ظنَّ الناس أن شفاءها ميؤوسٌ منه، فلا يصحّ قتلُ حامله لليأس من شفائه، ولا لمنع الضرر عن الأصحاء.

4 – وبالنسبة لتيسير الموت بإيقاف أجهزة الإنعاش الاصطناعي عن المريض الذي يعتبر في نظر الطب “ميتاً” أو في “حكم الميت” وذلك لتلف جذع الدماغ أو المخ، الذي به يحيا الإنسان ويحسّ ويشعر، وإذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العلاج فلا يخرج عن كونه تركاً للتداوي، فهو أمر مشروع ولا حرج فيه، وبخاصة أن هذه الأجهزة تُبقي عليه هذه الحياةَ الظاهرية – المتمثلة في التنفس والدورة الدموية – وإن كان المريض ميتاً بالفعل، فهو لا يعي ولا يحس ولا يشعر، نظراً لتلف مصدر ذلك كله وهو المخ.

وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل ويحجز أجهزة قد يحتاج إليها غيره مما يجدي معه العلاج. والله أعلم.

 ————————

([1])      أخرجه البخاري (رقم: 5354) من حديث أبي هريرة. وأخرج مسلم (رقم: 2204) من حديث جابر بن عبدالله، معناه.

([2])      أخرجه الترمذي (رقم: 2038) من حديث أسامة بن شَريك. قال الترمذي: “حديث حسن صحيح”.

([3])      هو في “مسند أحمد” (رقم: 3578، 3922، 4236) وإسناده جيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق