المسلمون في الغرب

حول مسألة الحجاب في فرنسا

بيان من المجلس الاوروبي للإفتاء والبحوث

حول مسألة الحجاب في فرنسا

إن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بصفته ممثلا للمرجعية الدينيةالكبرى للمسلمين في أوروبا قد فوجئ ، كما فوجئ المسلمون في العالم بالتوجه لمنع ارتداء ما يسمى “بالرموز الدينية” في فرنسا ، والذي سيؤثر بالدرجة الأولى على حق المسلمات في فرنسا في ارتداء الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة.

وإن المجلس إذ يثمن اعتراف فرنسا بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وإذ يشيد بمواقف فرنسا العادلة تجاه قضايا عربية وإسلامية أساسية وبوقوفها ضد العولمة المهيمنة ودعوتها المتكررة إلى احترام التنوع الحضاري والثقافي  والتعايش بين الثقافات والحضارات والديانات، وإذ يتفهم كذلك قلق قطاع كبير من المجتمع الفرنسي إزاء بروز بعض الشعائر والتقاليد الإسلامية غير المعهودة في ثقافته ومحاولته أن يتعامل مع هذه الظاهرة  بما يحفظ وحدته وهويته،  ويحقق التعايش بين مكوناته،  فإن المجلس يود أن يوضح الأمور التالية:

1-أن التعايش بالنسبة للمسلم يعتبر أصلا في بناء المجتمعات الإنسانية،  ويقتضي الاعتراف بالتعددية والتنوع ، في إطار الوحدة القومية والإنسانية ، وإشاعة أجواء الحوار بين الثقافات والتعاون بين ومع الجماعات الدينية والعرقية المختلفة، والمحافظة على السلم الاجتماعي . ولطالما أكد المجلس في كل بياناته على حث المسلمين في أوروبا على العيش المشترك والاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها دون فقدان هويتهم ، والإسهام  في رقيّ وتقدم وأمن هذه المجتمعات ، وذلك انطلاقا من إيمانهم بالله تعالى رب الجميع وبأواصر الأخوة الإنسانية وما بينها من قواسم مشتركة رغم تنوعها الثقافي والحضاري.

2-أن المبادئ السابقة للعيش المشترك لا يمكن أن تطبق إلا باحترام الحريات الشخصية للأفراد والجماعات والحفاظ على حقوق الإنسان . وقد كان للثورة الفرنسية دورا مهما في ترسيخ هذه المفاهيم مما جعل فرنسا توصف بأنها “أم الحريات” ومن أهم البلاد التى يحافظ فيها على حقوق الإنسان.

3-أنه ليس هناك تعارض حقيقي بين مقتضيات التعددية والتنوع  البشري وبين مقتضيات الوحدة الوطنية والتى لا يجوز أن تكون مبررا لمصادرة الحريات الشخصية والدينية

أوتهديد فرص المسلمين الفرنسيين أو غيرهم في التعليم والتكسب وتهميش دورهم كمواطنين،  وبالتالي الدفع بهم إلى مزيد من العزلة بدلا من التلاحم على إخوانهم المواطنين الفرنسيين ، 

كما لا يجوز أن تكون العلمانية الليبرالية مبررا لسن “قوانين صارمة” من شأنها الانقضاض على أهم حقوق الإنسان وحرياته وهما الحرية الشخصية والدينية . ولا يجوز كذلك أن تتخذ بعض التجاوزات في سلوك بعض المسلمين أو غيرهم بما لا يتفق ومتطلبات العيش المشترك كمسوغ لحرمان خمسة ملايين مسلم في فرنسا من حقوقهم المشروعة. إن احترام التنوع والمحافظة على الحريات هو الأساس المتين والضمان الأكبر للوحدة الوطنية والأمن العالمي وخاصة في الأمد البعيد.

4-أن ارتداء الحجاب أمر تعبدي وواجب شرعي وليس مجرد رمز ديني أو سياسي وهو أمر تعتبره المرأة المسلمة جزءا مهما من ممارستها المشروعة لتعاليم دينها،  وأن هذا الالتزام أمر غير مرهون بأي مكان عام سواء أكان من أماكن العبادة أم كان من المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية،  فإن تعاليم الإسلام بطبيعتها لا تعرف التناقض والتجزؤ في حياة المسلم الملتزم بدينه. وهو أمر أجمعت عليه كل المذاهب الإسلامية قديما وحديثا، وأقره أهل التخصص من علماء المسلمين في جميع أنحاء العالم. ويدخل في ذلك موقف فضيلة شيخ الجامع الأزهر الذي صرح بوضوح أن الحجاب الإسلامي فريضة شرعية وليس “رمزا دينيا”. أما ما نسب إليه من حق فرنسا كدولة ذات سيادة في سن ما تراه مناسبا من قوانين وتشريعات فهو أمر وارد ومقبول دوليا، ولكننا نحسب أنه كان من المفيد كذلك أن يضيف فضيلته أن هذا الحق مشروط كذلك بمواثيق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية وميثاق الأمم المتحدة،  فلا يتصور أن تكون سيادة أي دولة مبررا لتشريعات تناقض حقوق الإنسان وحريته الشخصية والدينية. ولعل هذا التوضيح من فضيلته كان حريّا بأن يمنع سوء تأويل موقفه الذي ظنّه البعض تخليا عن واجبه في معاضدة إخوانه المسلمين. أو غيرهم في المطالبة بحقوقهم المشروعة وأداء واجباتهم الدينية وبذلك يكون موقفه مطابقا لما أجمع عليه علماء الأمة بشتى مذاهبها في القديم والحديث.

5-أن إكراه المسلمة على خلع حجابها المعبّرعن ضميرها الديني واختيارها الحر يعتبر من أشد أنواع الاضطهاد للمرأة بما لا يتفق مع القيم الفرنسية الداعية إلى احترام كرامة المرأة وحريتها الشخصية والإنسانية والدينية. وإن المجلس ليؤكد على أن ارتداء المرأة المسلمة للحجاب يجب أن يكون مؤسَّسا على القناعة الشخصية والفهم ، وإلا فقد قيمته الدينية، وبالمثل فإنه لا يجوز إجبار المرأة المسلمة على خلع حجابها كثمن لتعليمها أو استفادتها المشروعة بمرافق الدولة.

6-أن هذا القانون المقترح وإن بدا أنه يشمل كل “الرموز الدينية” فإنه في المحصلة يستهدف تحديدا الحجاب الإسلامي مما يمثل تفرقة دينية ضد المسلمين،  و يخالف كل الدساتير والأعراف في ما يسمى بالعالم الحر.

7-أن المجلس ينصح المسلمين في فرنسا في مطالبتهم بحقوقهم المشروعة ومعارضتهم لمثل هذا القانون الظالم أن يلتزموا بالوسائل السلمية والقانونية ، قولا وعملا ، في إطار الديمقراطية وبالأسلوب الحضاري، وأن يثمّنوا إسهام إخوانهم وأخواتهم من المسلمين الذين أيّدوهم رغم اختلافهم معهم في موضوع ارتداء الحجاب، وكذلك إخوانهم وأخواتهم من غير المسلمين الذين وقفوا معهم دفاعا عن حريتهم الشخصية والدينية والإنسانية وإن لم يشاركوهم في اعتقادهم وممارساتهم الدينية،  فإن قضية الحريات الأساسية لا تتجزأ.

8-وفي النهاية يدعو المجلس المسؤولين في فرنسا على شتى المستويات أن يعيدوا النظر في هذا المشروع بما يتفق مع غايات الوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي والتعاون والتلاحم بين شتى قطاعات المجتمع الفرنسي في عصر حوار الحضارات لا صراعها.

9-ولمتابعة هذا الأمر شكل المجلس لجنة من أعضائه لعرض رؤية المجلس على الجهات المعنية في فرنسا وذلك لفتح باب الحوار. وقد تشكلت اللجنة من أصحاب الفضيلة أعضاء مجلسه: معالى فضيلة الشيخ عبد الله بن بية وزير العدل السابق بجمهورية موريتانيا الإسلامية رئيسا للجنة ، وعضوية الدكتور أحمد الراوي رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا ، وفضيلة الدكتور أحمد جاب الله نائب رئيس الاتحاد،  والدكتور عبد المجيد النجار أستاذ بالكلية الأوربية للدراسات الإنسانية ورئيس لجنة البحوث في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ، والدكتور محمد الهواري عضو المجلس ومستشار المجلس الإسلامي الأعلى في ألمانيا.

 

دبلن في 3 يناير 2004

الموافق لـ 10 ذو القعدة 1424 هـ

الدورة الثانية عشرة للمجلس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق