البحوث

حقوق الأقليات الغير المسلمة في الدولة العثمانية

حقوق الأقليات الغير المسلمة في الدولة العثمانية

مصطفى ملا أوغلو

بحث مقدم

للدورة السابعة عشرة للمجلس – سراييفو

ربيع الآخر/ جمادى الأولى 1428 هـ / مايو 2007 م

 

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين وبعد:

تعريف حقوق الإنسان:

أولاً: الحقوق:

الحقوق: جمع حق، والحق ضد الباطل، وكل حق يقابله واجب.

والحق في اللغة: الثابت،ويستعمل مجازاً، واصطلاحاً إسلامياً، وقانونياً، وأخلاقياً، وفلسفياً، وله معانٍ عدة، واختلف العلماء في الشريعة والقانون على تعريفه بألفاظٍ عدة..

والتعريف المختصر للحق هو: مصلحةً مقررةً شرعاً.

فالحق مصلحة ثبت لإنسان أو لشخص طبيعي أو إعتباري، أو لجهة على أخرى، والمصلحة هي المنفعة، ولا يعتبر الحق إلا إذا قرره الشرع والدين، أو القانون والنظام والتشريع والعرف، وبالتالي يكون معنى الحق في موضوعنا: مصلحة ومنفعة قررها المشرع، لينتفع بها صاحبها، ويتمتع بمزاياها، وبالتالي يكون واجباً والتزاماً على جهة، أو آخر يؤديها، وقد يكون الحق مقرراً وثابتاً بنظام، أو قانون معيناً أو تشريع خاص، أو إعلان دولي، أو اتفاقية ثنائية دولية (1).

والإنسان: هو هذا الكائن العظيم، الفريد الذي انطوى فيه سر الكون وتعلقت به المشيئة الإلهية بالاستخلاف في الأرض، وتوقفت عليه الحياة فيها، وارتبطت به الحضارة.. هذا الإنسان هو الذي اختاره الله تعالى من سائر خلقه، وميزه على غيره، وخلقه لحكمة، ووجهه لهدف، وكلفه بإعمار الأرض، وحمله الأمانة والمسؤولية..(2).

وكرمه الله سبحانه وتعالى على سائر مخلوقاته بقوله: (ولقد كرمنا بني آدم وحملنهم في البر والبحر ورزقنهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (3) .

لاشك أن مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام غير ما تعارف عليه الإنسانية في عصرنا الحاضر، وإنما أصل هذه المسألة في الإسلام هي حقوق العباد.

هذا ماتعارف عليه الأمة الإسلامية من بدئ الإسلام إلى زماننا الحاضر.

الفرق بين اصطلاح “حقوق الإنسان” واصطلاح “حقوق العباد”:

فاصطلاح “حقوق الإنسان”: كلمة استحدثها الإنسان بنفسه لنفسه، إذا أراد أعطى وإذا لم يرد لم يعط.

وصاحب الحق إذا كان قوياً يحصل إلى حقه وإذا كان ضعيفاً ضاع حقه، ومهما كان هناك بعض المراكز والمحاكم الرسمية في أوروبا والعالم رأينا كيف يحكم ضد المسلمين من غير مستند ودليل شرعي وعقلي.

كما حصل في المحكمة العدلية الأوروبية في “لاهاي” في موضوع الحجاب وحزب الرفاه الإسلامي وأمثال ذلك كثير.

على كل حال.. المشكلة ليست في الإصطلاحات وإنما في التطبيق.

ومع ذلك اصطلاح “حقوق العباد” لها معنى أوسع وأعم من اصطلاح: “حقوق الإنسان”.

لأن اصطلاح “حقوق العباد” تحمل هذه المعاني العالية:

1- الخالق جل جلاله، لأنه هو المعبود سبحانه وتعالى.

2- العبد الذي هو مخلوق.

3- الحق المستمد من إحدى أسماء الله الحسنى الذي هو: “الحق”، وعلى هذا عندما نقول “حقوق العباد” تحتوي هذه العناصرالثلاثة.

وكل من هذه العناصر يذكر العبد بمعبوده، ولذلك الإنسان المسلم لايظلم ولايظلم لأنه يؤمن بالله جل جلاله وأنه سيحاسب يوم القيامة.

——————————

(1) حقوق الإنسان في الإسلام.أ.د.محمد الزحيلي.

(2) المرجع السابق.

(3) سورة الإسراء:70-71.

الأقليات غير المسلمة في المجتمع الإسلامي :

قبل أن أدخل في موضوع حقوق الأقليات في “الدولة العثمانية” أذكر أسس العلاقات والحقوق بين المسلمين وغير المسلمين في العهود الإسلامية قبل “العهد العثماني” بشكل موجز:

ذكر شيخنا العلامة الشيخ “يوسف القرضاوي” في كتابه “الغير المسلمين في المجتمع الإسلامي” في قسم التمهيد تحت عنوان: “المجتمع المسلم مجتمع عقيدة وفكرة” وقال:

المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على عقيدة وفكرة “أيديولوجية” خاصة، منها تنبثق نظمه وأحكامه وآدابه وأخلاقه.

هذه العقيدة أو الفكرة “الأيديولوجية” هي الإسلام وهذا هو معنى تسميته “المجتمع الإسلامي” فهو مجتمع اتخذ الإسلام منهاجاً لحياته، ودستور الحكمه، ومصدر الشريعته وتوجيهه في كل شؤون الحياة وعلاقاتها، فردية، واجتماعية مادية ومعنوية، محلية ودولية.

ولكن ليس معنى هذا أن المجتمع المسلم يحكم بالفناء على جميع العناصر التي تعيش في داخله وهي تدين بدين آخر غير الإسلام.

كلا، إنه يقيم العلاقة بين أبنائه المسلمين، وبين مواطنيهم من غير المسلمين على أسس وطيدة من التسامح، والعدالة، والبر، والرحمة، وهي أسس لم تعرفها البشرية قبل الإسلام، وقد عاشت قروناً بعدالإسلام وهي تقاسي الويل من فقدانها ولاتزال إلى اليوم، تتطلع إلى تحقيقها في المجتمعات الحديثة، تكاد تصل إليها في مجتمع ما، إلا غلب عليها الهوى والعصبية، وضيق الأفق والأنانية، وجرتها إلى صراع دام مع المخالفين في الدين أو المذهب أو الجنس أواللون.

وبعد أن أوضح فضيلته هذه الحقائق ذكر دستور العلاقة مع غيرالمسلمين وقال:

وأساس هذه العلاقة مع غير المسلمين قوله تعالى: “لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون”. (سورة الممتحنة: 9,8)

فالبر والقسط مطلوبان من المسلم للناس جميعاً، ولو كانوا كفاراً بدينه، ما لم يقفوا في وجهه ويحاربوا دعاته، ويضطهدوا أهله.

ولأهل الكتاب من بين غير المسلمين منزلة خاصة في المعاملة والتشريع.

والمراد بأهل الكتاب: من قام دينهم في الأصل على كتب سماوية، وإن حرف وبدل بعد، كاليهود والنصارى الذين قام دينهم على التوراة والإنجيل.

قالقرآن ينهى عن مجادلتهم في دينهم إلا بالحسنى، حتى لا يوغر المراء الصدور، ويوقد الجدل واللدد نار العصبية والبغضاء في القلوب، قال تعالى: “ولاتجادلوا أهل الكتاب إلابالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون”. (سورة العنكبوت:46)

(غير المسلمين في المجتمع الإسلامي: الأستاذ الدكتور: يوسف القرضاوي.)

على هذه الأسس كانت العلاقات والحقوق بين المسلمين وغير المسلمين في عهد النبوي والخلفاء الراشدين وبعدهم في العهود الإسلامية.

وخير مثال على هذا ما قاله عمربن الخطاب رضي الله عنه: (أوصيكم بذمة الله فإنها ذمة نبيكم)

الأقليات الغيرالمسلمة في العهد الأموي:

حقوق الأقليات الغير المسلمة وتسامح المسلمين معهم في العصرالأموي لا يختلف عن ما كان الوضع والحال في العصر الخلفاء الراشدين لأن مصاد الشريعة في هذا العصر كان أيضاً القرآن والسنة والإجماع والقياس، وكل هذه المصادر تأمر بمعاملة الكفار الذين لايحاربون بالحسنى وبأهل الكتاب خاصة بالتي هي أحسن وكان التطبيق في العهود الإسلامية ليس إلاهذا، ماعدا بعض الإستثناءات في بعض المراحل والأشخاص، وهذه الإستثناءات لا تغير القاعدة العامة في معاملة المسلمين بغير المسلمين.

وسأكتفي في هذالموضوع بقول المستشرق “لول ديورانت”، من باب وشهد شاهد من أهله حيث يقول في كتاب “قصة الحضارات”:

“لقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون، واليهود، والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لانجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص، وأداء ضريبة عن كل شخص تختلف باختلاف دخله، وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير، ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان، والنساء، والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمى الشديد والفقر، وكان الذميون يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية، أو إن شئت فقل لا يقبلون فيها، ولاتفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها 2% من الدخل السنوي وكان لهم على الحكومة أن تحميهم، ولم تكن تقبل شهادتهم في المحاكم الإسلامية، ولكنهم كانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم، وقضاتهم وقوانينهم”. (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غير المسلمين في المجتمع الإسلامي: الأستاذالدكتور/ يوسف القرضاوي.

الأقليات الغير المسلمة في العصرالعباسي:

أما العصر العباسي- عصر ازدهار الحضارة الإسلامية، ومكانة أهل الذمة فيه، فيكفينا مؤنة الحديث فيه صفحة أخرى ننقلها من كتاب “الإسلام وأهل الذمة” للدكتور “الخربوطلي”، لأنه يعتمد فيما يقرره على المراجع التاريخية الأساسية، أو على كتابات المستشرقين أنفسهم:

اشتهر من بين أهل الذمة في العصر العباسي كثير من العظماء، مثل جرجيس بن بختيشوع طبيب الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وقد وثق الخليفة فيه وأكرمه، ومن هؤلاء جبرائيل بن بختشيوع طبيب هارون الرشيد، الذي قال الرشيد عنه:

“كل من كان له حاجة إلي فليخاطب بها جبريل، لأني أفعل كل مايسألني فيه، ويطلبه مني”، وكان مرتب الطبيب عشرة آلاف درهم شهرياً، ومن هؤلاء أيضاً ماسويه الذي كان الرشيد يجري عليه ألف درهم سنوياً، ويصله كل سنة بعشرين ألفاً.

وأشاد ترتون (1) بتسامح المسلمين فقال: والكتاب المسلمين كريمون في تقدير فضائل هؤلاء ممن على غير ملتهم، حتى ليسمون حنين ابن إسحق برأس أطباء عصره، وهبة الله ابن تلميذ أبو قراط عصره، وجالينوس دهره.

وكان بختيشوع ابن جبرائيل ينعم بعطف الخليفة المتوكل حتى إنه كاد يضاهيه في ملابسه، وفي حسن الحال، وكثرة المال، وكمال المروءة، ومباراته في الطيب والجواري والعبيد.حقوق الأقليات الغير المسلمة في الدولة العثمانية  حقوق الأقليات الغير المسلمة في الدولة العثمانية Jean Baptiste van Mour 005

ولما مرض سلمويه بعث المعتصم ابنه لزيارته، ولما مات أمر بأن تحضر جنازته إلى القصر، وأن يصلى عليه بالشموع والبخور جرياً على عادة النصارى، وامتنع المعتصم يوم موته عن أكل الطعام.

وأما يوحنا ابن ماسويه فقد خدم الخلفاء العباسيين منذ الرشيد إلى المتوكل؛ وكان لايغيب قط عن طعامهم، فكانوا لا يتناولون شيئاً من أطعمتهم إلا بحضرته، ومن ثم لم يكون هناك أدنى كلفة بينه وبين الخليفة المتوكل، فكان الخليفة يداعبه في رفق ولين.

واشتهر من بين أهل الذمة كثير في ميدان الآداب والفنون، فيقول ترتون: ظلت علاقات العرب برعاياهم في ميدان الآداب والفنون علاقات طيبة قائمة على المودة خلال القرنين الأول والثاني للهجرة، بل إن كثيراً من هذه المودة استمر بعد هذه الفترة، وقد اصطنعت الحكومة مهندسين وعمالاً من غيرالمسلمين.

ودرس كثير من الذميين على أيدي مدرسين وفقهاء مسلمين، من ذلك أن حنين بن اسحق درس على يد الخليل بن أحمد وسيبويه، حتى أصبح حجة في العربية(2)

وتتلمذ يحيى بن عدي بن حميد -أفقه رجال عصره في المنطق- على يد الفارابي، ودرس ثابت بن قرة على يد علي بن الوليد من رجال المعتزلة، وكان حسن الخط، متمكناً من الأدب، وتدل مؤلفاته وكتبه على عمق تفكيره، وقوة معرفته، ومالبث أن اعتنق الإسلام. (3)(4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أهل الذمة في الإسلام.

(2) الأصبهاني الغاني.

(3) إبن أبي أصيبعة “طبقات الأطباء”

(4) غير المسلمين في المجتمع الإسلامي: “أ.د/ يوسف القرضاوي”.

ويضرب المؤرخ “ترتون” لتسامح العباسيين مع أهل الذمة مثلاً فيقول:

” يمكن اتخاذ إبراهيم بن هلال مثالاً لما قد يصير إليه الذمي من بلوغ أرفع المناصب في الدولة، فقد تقلد إبراهيم الأعمال الجليلة، فامتدحه الشعراء، وعرض عليه غز الدولة باختيار ابن معز الدولة البويهي أن يوليه الوزارة إن أسلم فامتنع، وكان إبراهيم بن هلال حسن العشرة مع المسلمين عفيفاً في مذهبه، وكان بينه وبين الصاحب إسماعيل بن عباد، والشريف الرضي مراسلات ومواصلات رغم اختلاف الملل، وكان إبراهيم حافظاً للقرآن.

واهتم الكتاب المسلمون بالأديان والمذاهب، فكان ابن حزم الأندلسي (456هجري-1064م) ملماً بالإنجيل واللاهوت المسيحي، إلماماً تاماً، وألم ابن خلدون بالإنجيل والتنظيمات الكنسية، وتحدث عن بعضها في مقدمته.

وكان القلقشندي يرى ضرورة معرفة الكاتب بأعياد الذميين الدينية.

وذكرالمقريزي كثيراً من التفاصيل عن أعياد النصارى واليهود، وتحدث عن فرقهم المختلفة، وذكر أسماء بطارقة الإسكندرية، وتحدث كل من القزويني والمسعودي عن طوائف أهل الذمة..

واعترف “ترتون” بتسامح الحكام المسلمين فقال:

كان سلوك الحكام المسلمين في الغالب أحسن من القانون المفروض عليهم تنفيذه على الذميين، وليس أدل على ذلك من كثرة استحداث الكنائس وبيوت العبادة في المدن العربية الخالصة، ولم تخل دواوين الدولة قط من العمال النصارى واليهود، بل إنهم كانوا يتولون في بعض الأحياء أرفع المناصب وأخطرها فاكتنزوا الثروات الضخمة، فتكاثرت لديهم الأموال الطائلة، كما اعتادالمسلمون المساهمة في الأعياد المسيحية. (1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المرجع السابق.

الأقليات الغير المسلمة في الأندلس:

لاشك أن معاملة المسلمين الأقليات الغير المسلمة في العهود الإسلامية كلها كانت وفقاً للشريعة الإسلامية الغراء.

لأن المسلمون الذين تحملوا مسؤلية المداراة للناس كانوا يعتقدون أنهم ورثوا هذه المسؤولية من نبيهم صلى الله عليه وسلم، حيث كان يقول عليه الصلاة والسلام: “إن الله أمرني بمدراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض.”(1)

وكانت معاملة المسلمين للأقليات الغير المسلمة في الأندلس المسلمة أيضاً مثلما كانت الوضع في العهود الإسلامية السابقة، ويعتبر العهد الأندلسي مثالاً وقدوة للإنسانية عبر التاريخ.

ولذلك كثير من المؤرخين والباحثين المسلمين وغير المسلمين يذكرون هذا العصر بأنه نموذجاً يمكن تطبيقها في عصرنا الحاضر.

وخير شاهد على ذلك كما ذكر المؤرخ المشهور “درابر” أنه: “عندما فتح المسلمون الأندلس في سنة 711م استطاعوا ولأول مرة في تاريخ البشرية الإندماج الصحيح مع الأديان والمذاهب الأخرى على أسس الإسلام الذي جعلهم جميعاً في أمان وتفاهم وصارت الأندلس قدوة الباحثين عن الحياة الفاضلة.” (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه الديلمي.

(2) وحشية الغرب.الدكتور: سادات جرجي.

حقوق الأقليات في الدولة العثمانية:

ذكر الباحث المتخصص في التاريخ الدولة العثمانية الأستاذ الدكتور/ أحمد آق كوندوز رئيس وقف البحوث العثمانية في بحث له في موضوع: “حقوق الأقليات في الدولة العثمانية” وقال:

“… وكانت الرعية في الدولة السلجوقية وبدايات الدولة العثمانية تصنف إلى فِأتين: مسلمين، أو غير المسلمين، ومن جلوات القدر أن الأروام والأرمن هم جميعاً نصارى، والأتراك جميعاً مسلمون؛ ولذلك، صنف النظام القانوني العثماني المقيمين في الممالك الإسلامية إلى أصناف ثلاثة حسب دينهم وتبعيتهم الوطنية:

1- المسلمون.

2- الذميون: هم غير المسلمين المقيمين في دار الإسلام بعقد الذمة في ظل الحكم الإسلامي برضاهم.

3- المستأمنون: هم غير المسلمين من البلاد الأخرى المسموح لهم بدخول دار الإسلام والإقامة لمدة مؤقتة.

.. تمتع المواطنون الذميون في الدولتين السلجوقية والعثمانية بالحقوق والحريات الممنوحة للمسلمين بالتساوي، ما عدا بعض الإستثناءات القليلة.

وليس الإدعاء باستحداث هذه الحقوق والحريات مع مراسيم “التنظيمات” أو “الإصلاحات” إلا فرية أوروبية جوفاء، فاقدوا العلم بالتاريخ، عن جهل أو لغرض في أنفسهم.

لأن الدولة الإسلامية التركية “العثمانية” التزمت بالقاعدة التي بناها الحديث الشريف: “لهم ما لنا،وعليهم ماعلينا”.

وحكم المستأمنين لا يختلف عن حكم الذميين في شيء، إلا مايترتب على إقامتهم مدة مؤقتة في دار الإسلام، فيعفون من التكاليف التابعة من حق المواطنة الدائمة ونعمها.

أما أنواع هذه الحقوق (في الدولة العثمانية) والحريات كما يلي:

1- الحقوق السياسية والإدارية: ونعني بها حقوقاً خاصة بالذميين حصراً، لأمرين إثنين هما:

أولاً: عمل الذميين في الوظائف العامة (وظائف الدولة) حق مبنى على المواطنة في دار الإسلام، فلهم حق التعيين في الوظائف العامة، ماعدا الوظائف المتعلقة بشؤن الدين الإسلامي، والوظائف المتعلقة بالحكم مثل رئاسة الدولة وقيادة الجيش وإمارة السنجق والصدارة العظمى والقضاء الشرعي.

هذا ما نفذ في الدولة العثمانية، بل عين بعض أهل الذمة وزراء فيما بعد “التنظيمات”وقد أنيطت إدارة طوائف أهل الذمة إلى رؤساء روحانيين تنتخبهم الطائفة من بينها لتمثلها أمام الدولة مثل البطارقة والمتروبوليت للنصارى، ورئيس الحاخامية لليهود.

ثانياً: لما كان الخليفة مسلماً بالضرورة، فلزم الإسلام فيمن ينتخبه ويختاره ولذلك أيضاً انحصرت العضوية في مجلس الشورى، وهو مجلس تنفيذي عالٍ، وحق انتخاب الأعضاء بالمسلمين وحدهم.

ولكن قانون انتخاب المبعوثين (أعضاءالبرلمان) لسنة 1876، منح الذميين حق عضوية البرلمان وحق الإنتخاب للذميين متجاوزاً العرف السائد قبله، وفي الواقع، تسبب هذا الحق الجديد في زيادة الضعف الدولة العثمانية وشارك في انهيارها…(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حقوق الأقليات في الدولة العثمانية: أ.د/ أحمد أق كوندوز.

2- الحقوق والحريات الساسية: ونجمعها في مجموعتين:

أ- تمتع الذميون بالحقوق والحريات الشخصية كالمسلمين سواء بسواء، فهم متساوون في حرية التنقل والسكن والحقوق الشخصية، ما عدا استثناءات يسيرة، فلقد أقرت هذه الحريات والحقوق في عصور لم يعترف الأوروبيون فيها إنسانية المرأة، فسبقنا العالم شرفاً وفخراً، وملأنا التاريخ بنماذج يقتدى بها.

فالإستثناء الوحيد من حرية التنقل هو المنع من دخول الذميين من دخول الذميين إلى الحجاز وفقاً (تطبيقاً) للأحكام الشرعية.

والجدير بالإشارة هنا، أن حرية السكن للذميين في الدولة العثمانية نظمت على قواعد لا تلحق ضرراً بهم، ولا بالمسلمين، فأسكن أهل الذمة في أحياء لجماعات اليهود أو الروم أو الأرمن مجاورة لمركز المدينة.

فمثلاً صدر فرمان (مرسوم سلطاني) سنة “1582” يمنع الذميين من السكن في حي” أيوب” (توقيراً لأبي أيوب الأنصاري المدفون في استانبول) من بعض ما يستحله أهل الكتاب وحفاظاً على مشاعر المسلمين وتحميلهم ما قد لايطيقون

وأيضاً، يوجد لدينا بعض الفرمانات تمنع ان يعلو بنيان أهل الذمة على بنيان المسلمين شعاراً على سيادة الإسلام وحاكميته.

وفيما عدا هذه الإستثنآت اليسيرة، يصف مستشرق مجرى الحقوق والحريات الشخصية للذميين في عصر العثمانيين فيقول: “عشنا تحت الحكم العثماني خمسمائة سنة، ولو شاؤا أن يُخِلوا بحق الحياة لنا، فقتلوا في كل يوم ذمياً، لما بقي أثر من شعوب اليونان والصرب والبلغار والروم!”

ب- تمتع الذميون بحرية الدين والمعتقد في الدولة العثمانية كما أمرت أحكام الشريعة الإسلامية.

فالأصل في الشريعة الإسلامية ترك الذميين وشأنهم في دينهم، ولكن لاتنكر (بعض القيود التي) وضعها الشرع لمعادلة حرية الدين مع حاكمية الإسلام.

فمن الأحكام الإسلامية في القانون الدولي ألا تمس معابد الذميين في البلاد المفتوحة صلحاً، لكنها تمنع من إنشاء معابد جديدة لهم.

أما في البلاد المفتوحة عنوة، فالأمر لولي الأمر أينما يرى المصلحة، (أى) إن شاء تركها وإن شاء هدمها.

ولم يمس السلطان “محمد الفاتح” أكثر الكنائس بشيئ مع أن “القسطنطينية” فتحت بالسيف وأجاز له الشرع (والعرف الدولي) هدمها.

فلا أدل من ذلك على توقير المسلمين العثمانيين لحرية الأديان والمعتقدات، وقد ثبت ترك كنائس القسطنطينية على حالها في وثيقة تحوي فتوى لشيخ الإسلام أبي السعود في بيان الحال شرعاً(1).

كذلك تكفل بضمان سلامة الكنائس لملك الصرب “برانكوفج” بالحفاظ على كنيسة في جوار كل مسجد إذا خضع للدولة العثمانية، حينما لم يكن بد لملك الصرب من الاختيار بين الانقياد لجيش “محمد الفاتح” أو الانضمام إلى حكم ملك “المجر”.

وكان الأخير قد أجابه حين الاستطلاع عن مصير كنائس الصرب البروتستانية بأنه سوف ينشئ كنائس للكاثوليك في كل مكان من بلاد الصرب، ويهدم كل كنيسة بروتستانية.

ومن الأحكام الإسلامية أيضاً، جواز إظهار أهل الذمة لشعائر دينهم في معابدهم، مثل الصليب والناقوس، ومنع إظهارها خارج معابدهم في المدن التي يسكنها المسلمون.

ومنع استخدام هذه الشعائر في الدعاية لدينهم ومعتقدهم أصلاً.

ومن الأحكام الإسلامية كذلك، جواز عقد الإجتماعات الدينية لأهل الذمة وتعليم طائفتهم بشرط اجتناب المحذورات الشرعية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ترجمة فتاوى لشيخ الإسلام محمد أبي السعود أفندي.

فكان لأهل الكتاب مدارس خاصة في استانبول لتعليم أبناء طائفتهم دينهم، وهي شواهد لازالت باقية على حرية الدين والمعتقد في الدولة العثمانية.

وقد تمتع الذمييون أيضاً، من الخدمات العامة التي تنفق عليها الدولة، ومن مؤسسات الضمان الاجتماعي (باستثناءات موضوعية طفيفة)، ومن حق العمل، ولا نخوض هنا في تفصيلها.

3- الحقوق الأخرى: ونعني بها مساواة الذميين بالمسلمين في الحقوق كافة، ما عدا في طائفة من الأحكام الجزائية وحقوق العائلة والميراث الناشئة من مراعاة الاختلاف في الدين والمعتقد.

فلا فرق بين المسلمين وأهل الذمة في الحقوق العامة إلا مراعاة للعقائد والأديان، فهم سواء مع المسلمين في الأحكام وأمام القانون.

2- التكاليف والواجبات المطلوبة من الأقليات الغير المسلمة في الدولة العثمانية:

لابد من واجبات وتكاليف تتوازن مع الحقوق والحربات التي أقرها النظام القانوني العثماني، فنذكرها هنا بالإيجاز:

أولاً: الجزية المفروضة على أهل الذمة لمن تتوفر فيهم شروطها، يعادلها الإعفاء من الخدمة العسكرية، فالجزية ليست تكليفاً زائداً بلا حق يعادله.

ثانياً: يكلف أهل الذمة بدفع الخراج عن الأراضي الخراجية، وقد عد العثمانيون أراضي الأناضول والروم إلي (الممالك الأوروبية) أراضي “ميرية”، يعنى المسمى الأراضي الخراجية في الأصل، فتساوى المسلمون مع أهل الذمة في دفع هذه الضريبة في هذه الممالك الشاسعة.

ثالثاً: تقررت الضرائب الجمركية على أهل الذمة بنسبة أعلى من المسلمين، ومقابل ذلك خفف عنهم “بالإمتيازات” الخاصة.

زيادة على هذه الواجبات، كلف أهل الذمة بالامتناع عن التصرفات المسيئة إلى الإسلام أو المهينة للمسلمين، وعن الدعاية إلى دينهم، وعن بيع الخمور ولحم الخنزير في مدن المسلمين وسمح لهم ببيعهما في مدنهم، وعن التشبه بالمسلمين في الزي والهيئة الخاصة، ولذلك وضعت الدولة العثمانية قيوداً معينة على أهل الذمة في ملبسهم.(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حقوق الأقليات في الدولة العثمانية: أ.د/ أحمد آق كوندندوز “رئيس وقف البحوث العثمانية”.

فرمان السلطان “محمد الفاتح” في حقوق وحريات الأقليات الغيرالمسلمة:

لم يعرف أجدادنا المسلمون أسلوب الكيل بمعيارين حسب الهوى، بل عملوا حالاً بما قالوا لساناً، إلا أغلاطاً يسيرة لا ينجوا من الوقوع فيها بني البشر مطلقاً.

وخير برهان على ذلك، فرمان (مرسوم) للسلطان محمد الفاتح، وهو أمر وعهد عاهد به أهل غلاطية(1) وضمن فيه حقوق الذميين.

هذا عهد ذميي غلاطية عاهدهم أبو الفتح السلطان محمد خان لما فتح استانبول كتب بالومية وختمه بالطغرة العثمانية:

“أنا السلطان محمد خان ابن السلطان مراد، أقسم بالله خالق السموات والأرض، وبحق روح حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم الطاهرة المنورة المطهرة؛ وبحق المصاحف السبع، وبحق روح جدي، وبحق روح أبي، وبحق حياتي، وبحق حياة أولادي، وبحق السيف الذي أحمله، إذ يرسل أهل “غلاطية” وأنسها مفتاح القلعة المذكورة طلباً للسلم إلى عتبتي العالية مع “بابلان براويزين” و “ماركيز ده فرانكو” وترجمانهم “نيكورو زبابوهو”، معلنين الطاعة والإنقياد لي،فإني:

1- قبلت أن يقيموا عباداتهم (طقوسهم) وأركانهم على الوجه الجاري حسب الأسلوب القديم القائم في عاداتهم وأركانهم، وأن لا أهاجمهم لهدم وتخريب قلعتهم.

2- وأمرت أن يقر في أيديهم أموالهم وأرزاقهم وأملاكهم ومخازنهم وبساتينهم وطواحينهم وسفنهم وقواربهم وعموم أمتعتهم ونساؤهم وأولادهم وعبيدهم وإماؤهم، ولا أتعرض الى شيء ولا أُكرِهُهم على شيء في ذلك.

3- وعليهم أن يعملوا ولهم أن يسافروا براً وبحراً مثلما في سائر ممالكي، فلا يمنعهم ويزاحمهم إنسان، وأن يُؤَمنوا ويَسلَموا.

4- وأن أضع عليهم الخراج يؤدونه عاماً بعد عام كغيرهم، وأن أرعاهم بنظري الشريف، فأحميهم مثل ممالكي الأخرى.

5- وأن تكون كنائسهم ملك أيديهم ويقروا حسب طقوسهم، ولكن لايدقوا جرساً أو ناقوساً، وأن لا أستولي على كنيسة لهم لأجعلها مسجداً، وهم لايبنون كنيسة جديدة.

6- وأن يذهب ويجيء تجار”جنوة”بحراً وبراً ويدفعوا جمركهم على العادة الجارية، ولا يعتدي عليهم إنسان.

7- وأمرت أن لايؤخذ ولد للجيش الجديد (الإنكشاري)، ولايجبر كافر على الدخول إلى الإسلام بغير رضاه، وأن ينصبوا من بينهم من يختارون صاحباً (راعياً) لمصالحهم.

8- وأمرت ألا يشغل دورهم صقار (من صنوف الجيش) أو عبد (موظف على مصلحة للدولة)، وأن يسلم ويعفى أهل القلعة المذكورة وتجارها من عمل السخرة، ليعملوا على هذا الوجه ويعتمدوا علامتي الشريفة.

تحريراً في أواخر جمادي الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة. (857 هجري-1435 ميلادي). (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غلاطية: مركز للتجارة على مرمى من أسوار القسطنطينية، تقع في وسط استانبول، سلم رهبانها المفاتيح بلا قتال. وهذا العهد وثيقة تاريخية مهمة في القانون الدولي الإسلامي.

(2) حقوق الأقليات في الدولة العثمانية: أ. د/ أحمد آق كوندوز “رئيس وقف البحوث العثمانية”.

الحقوق التي أعطاها “العثمانيين” للفرانسسكيين البوسنويين في سنة 1463م:

بعد الفتح الإسلامي العثماني للبوسنة والهرسك،28 مايو  1463الميلادي، كتب “محمد الفاتح” رحمه الله فرماناً (مرسوماً) يبين فيه الحقوق والحريات للفرانسسكيين البوسنويين الكاثوليك، ويقول فيها:

” أنا السلطان محمد الفاتح خان، أعلن للعالم جميعاً:

 1- بأن الفرانسسكيين البوسنويين الذين أعطي لهم الفرمان السلطانية، هم تحت حمايتي.

2- وآمُر بأن لايزعج أحد هؤلاء الذين ذكر اسمهم (في هذالفرمان) ولا يضر (ولايخرب) كنائسهم.

3- فليعيشوا في دولتنا في راحة (وسعادة).

4- وهؤلاء الذين أصبحوا في موقع مهاجرين، فليعيشوا أحراراً آمنين.

5- لهم أن يرجعوا إلي أي بلد شاءوا التابعة لإمبرطوريتنا ويقيموا المناسطر (الكنائس) لهم دون أن يخافوا.

6- لا أحد من أشراف السلطنة، ولا من الوزراء، ومن الموظفين والخدماء والمواطنين للإمبراطورية يكسف كرامتهم ولايضرهم.

7- لا أحد من الإمبراطورية أن يمس هؤلاء بسوء لحياتهم وأموالهم وكنائسهم، ولايحقرهم ولا يلقهم في التهلكة.

8- حتى ولو أتى هؤلاء بناس آخرين إلى دولتنا هم أيضا داخلين في هذه الحقوق والحريات.

بإعلان هذه الفرمان الإمبراطورية، أقسم بالسيف الذي أحمله باسم الله خالق السموات والأرض وصاحبه، وباسم رسول الله نبينا العزيز “صلى الله عليه وسلم”، ما داموا في إطاعة أوامري وبقوا صادقين، لا أحد من أتباعي يعمل على عكس ماهو مكتوباً في الفرمان (المرسوم) قطعيا”.

أصل هذا الفرمان موجود في كنيسة الفرانسسكية في مدينة فوجنكة التابعة للبوسنة والهرسك.(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) TC.KÜLTÜR BAKANLIĞI (1)صورة من وزارة الثقافة الجمهورية التركية.

الحقوق التي يحتويها فرمان “محمد الفاتح” رحمه الله:

كانت حقوق الأقليات غير المسلمة في عهد “الدولة العثمانية”، كما ذكر في فرمان السلطان “محمد الفاتح” رحمه الله. وإذا عدينا الحقوق التي ذكرت في الفرمان بالاختصار ينتج مايلي من الحقوق:

1- حق العبادة وإقامة القيم التي يعتقدونها،

2- الأمانة والمحافظة لأموالهم، وأرزاقهم، وملكياتهم، وخزائنهم وحدائقهم، وحوانيتهم وسفنهم، بالجملة وأعراضهم وأولادهم وخدامهم.

3- الحرية الدينية وتعيين المسؤلين الدينيين فيما بينهم،

4- العفو من خدمة العسكرية مقابل الجزية،

5- حق التجول، (السياحة)

6- حق التمليك والعقار،

7- حق التجارة ( البيع والشراء)،

8- حق التدريس والتعليم،

أي كل ماهو من الضرورات لكل إنسان مهما كان شكله واعتقاداته والذي يسمى في الفقه الإسلامي الضرورات الخمس:

1- الدين.

2- النفس.

3- العقل.

4- النسل (العرض).

5- المال.

وكانت الأقليات غير المسلمة يستفيدون من كل هذه الحقوق مثل المسلمين دون نقصان.

وكل هذا موجود في المصادر والأرشيف العثماني، وأن كل مانقل وكتب في القوانين قد طبق في عهد كل السلاطين العثمانية دون التنازل من أي حق، وكان مصدرهم فيه هو الشريعة الإسلامية الغراء.

قصة عن “أبي السعود أفندي” المتعلقة في هذا الموضوع:

لما سمع السلطان “سليمان القانوني” مقتل مسلمي الأندلس، غضب غضباً شديداً وأصدر قراراً بأن يجمع جميع غير المسلمين (الذين يعيشون في أمان واطمئنان تحت حكم المسلمين) في ميدان “بيازيد” في إستانبول ويقتلهم جميعاً بنية الانتقام.

السلطان غاضب ولا يجرأ أحد أن يوقفه ويبين أن ما سيفعله السلطان ظلماً (والله لايحب الظالمين)، حان وقت صلاة الجمعة وصعد شيخ الإسلام “أبوالسعود أفندي” إلى المنبر وخطب، ثم وقف ليصلي بهم صلاة الجمعة والسلطان واقفاً خلف شيخ الإسلام.

بدأ “أبوالسعود أفندي” يقرأ الفاتحة ويقول: “الحمدلله رب المسلمين، الناس من الخلف يوقظونه ويقولون: سبحان الله، سبحان الله، ولكن الشيخ يعيد ثلاثة مرات ويقول نفس الشيء، ثم يبدأ للصلاة من جديد ويتم الصلاة، أراد الشيخ أن يقول للسلطان أن الله سبحانه وتعالى رب العالمين جميعاً، وهؤلاء الذميين الذين نعيش معاً بريئون مما يفعله “الفردناند” وجنوده لمسلمي الأندلس، ففهم السلطان “سليمان” مقصد الشيخ وقال: لقد أخذت الدرس الذي أعطيتني في الصلاة يا شيخنا، جزاك الله خيراً، وتراجع من قراره الذي اتخذه خطأً”.

وفي العصور الأخرى وفي العهود السلاطين العثمانيين الآخرين، كان الأمر لا يختلف عما كان في عهد السلطان “محمد الفاتح” تقريباً.

وعلى سبيل المثال ذكر المؤرخون أنه بين سنة 1520م إلى سنة 1530م في العهد العثماني أي في خلال عشر سنوات كان يعيش في استانبول: 16326 نسمة مقسمين على النحو التالي:

المسلمون: 9517.

المسيحيون: 5162.

اليهود: 1647.

كانوا يعيشون بلا خلافات، ولم يحدث بينهم طوال هذه المدة أي مشكلة.

ولذلك عندما فتح العثمانيون البوسنة والهرسك وخيروا المسيحيون الصربيون بالاتباع إلى دولة يريدونها أو باتباع الدولة العثمانية قال الكاردينال الصربي “البروتاستان” قولته المشهورة: “لإن أرى عمامة المسلمين العثمانيين خير من أن أرى كاووك الكاردينال الكاثوليك”.

هكذا كان الوضع في “الدولة العثمانية” حتى إلى زمن آخر خليفة المسلمين السلطان “عبدالحميد الثاني” رحمه الله، عندما أسس “دار الشفقة” للعزة في استانبول أنشأ في داخلها مسجداً للمسلمين وكنيسة للمسيحيين وحوارى لليهود.

إلا الاستثنآءات القليلة التي صدرت من الأفراد في المعاملات الشخصية الغير مناسبة شرعاً.

والله سبحانه وتعالى أعلم

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق