الفتاوى

الزواج والعلاقة الزوجية

رقم الفتوي: 4256

تاريخ النشر: 7 نوفمبر,2018

التساوي بين الزوجين في العلاقة الزوجية

السؤال

قرار 11 (6/4) التساوي بين الزوجين في العلاقة الزوجية تعد الزوجة مساوية للزوج في العلاقة الزوجية، حتى إن القرآن يسمي كلاً منهما (زوجاً) فالرجل زوج، والمرأة زوج، لأن كلاً منهما – وإن كان فرداً في ذاته – يحمل هموم الآخر وحاجاته، فهو (زوج) في الحقيقة. ونرى قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، هذا الخطاب في الآيتين للرجال والنساء جميعاً، إذ لا دليل على اختصاص الخطاب بالرجال. وفي الآية التي خاطب الله بها الرجال خاصة، ذكر بعدها ما يفيد تساوي الجنسين في العلاقة الزوجية، وذلك قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]. فالمرأة بمنزلة اللباس للرجل والرجل بمنزلة اللباس للمرأة، بما توحي به كلمة (اللباس) من القرب واللصوق والدفء والستر والزينة. وهذا التساوي في الأصل لا ينفي أن يختص الرجل ببعض ما يتميز به عن المرأة، مثل (القوامة) على الأسرة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]. ومن روائع البيان القرآني هنا: أنه لم يقل (بما فضلهم على النساء) بل …

الإجابة

قرار 11 (6/4)

التساوي بين الزوجين في العلاقة الزوجية

تعد الزوجة مساوية للزوج في العلاقة الزوجية، حتى إن القرآن يسمي كلاً منهما (زوجاً) فالرجل زوج، والمرأة زوج، لأن كلاً منهما – وإن كان فرداً في ذاته – يحمل هموم الآخر وحاجاته، فهو (زوج) في الحقيقة.

ونرى قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، هذا الخطاب في الآيتين للرجال والنساء جميعاً، إذ لا دليل على اختصاص الخطاب بالرجال.

وفي الآية التي خاطب الله بها الرجال خاصة، ذكر بعدها ما يفيد تساوي الجنسين في العلاقة الزوجية، وذلك قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]. فالمرأة بمنزلة اللباس للرجل والرجل بمنزلة اللباس للمرأة، بما توحي به كلمة (اللباس) من القرب واللصوق والدفء والستر والزينة.

وهذا التساوي في الأصل لا ينفي أن يختص الرجل ببعض ما يتميز به عن المرأة، مثل (القوامة) على الأسرة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

ومن روائع البيان القرآني هنا: أنه لم يقل (بما فضلهم على النساء) بل قال: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، أي أن الرجل مفضل من بعض الأوجه، والمرأة مفضلة من أوجه أخرى كالجانب العاطفي، والرجل هو الذي يدفع المهر ويؤسس البيت وينفق عليه، فإذا حاول أن يهدم الأسرة فإنما بهدمها على أم رأسه.

وقد أرشد القرآن إلى أن الحقوق بين الطرفين مساوية للواجبات إلا ما استثني، وذلك قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]. وجاء عن ابن عباس: أتجمل لامرأتي كما تتجمل هي لي، واستدل بالآية الكريمة([1]). وقد فسر الإمام الطبري (الدرجة) في الآية بمزيد من الأعباء المطلوبة من الرجل، وفسرها غيره بدرجة (القوامة) على الأسرة وكلاهما تفسير صحيح. والنبي صلى الله عليه وسلم يحمّل كلاً من الزوجين المسؤولية، كما في حديث ابن عمر المتفق عليه “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته… والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”([2]).

ومسؤولية المرأة في بيت زوجها توجب عليها أن يكون لها دور توجيهي أو إرشادي تجاه زوجها، يقوم على النصح له وحب الخير والسداد له، ودعوته إلى الخير وأمره بالمعروف إذا قصر فيه، ونهيه عن المنكر إذا وقع فيه، فهذا واجب على كل مسلم تجاه المسلم، حتى الابن مع أبيه، والتلميذ مع أستاذه، والمحكوم مع الحاكم، وكذلك الزوجة مع زوجها، ولكن في حدود وضوابط معينة ذكرها العلماء في مظانها. والله تعالى يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]، والعلاقة الزوجية لا تسقط فرضية الأمر والنهي بل تؤكدها.

وقد كانت المرأة من نساء السلف تقول لزوجها إذا خرج من البيت للتجارة والضرب في الأرض: يا أبا فلان، إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والطوى ولا نصبر على حر النار وغضب الجبار!

ولو وجدت المرأة زوجها يقصر في أداء الصلاة المفروضة، فالواجب عليها أن تأمره بالرفق وبالموعظة الحسنة أن يحافظ على صلاته، ولو وجدته يشرب الخمر، فعليها أن تنهاه عن أم الخبائث وتنصحه أن يحافظ على دينه ونفسه وماله وولده باجتناب هذا الرجس من عمل الشيطان، ولو وجدته يهمل رعاية أولاده أو النفقة عليهم، فيلزمها أن تنصحه وتحضه أن يقوم بواجبه.

فإن قيل: هل للزوج سلطة على زوجته وإلى أي حد؟ فالجواب: أن للزوج سلطة (القوامة) ولكنها ليست سلطة مطلقة، بل هي سلطة مقيدة بأحكام الشرع ومقتضيات العرف. فأحكام الأسرة مقيدة ـ في القرآن الكريم ـ بقيدين:

أحدهما: رباني، وهو ما سماه القرآن (حدود الله) وقد تكررت كثيراً في شأن الأسرة.

والثاني: إنساني، وهو ما سماه القرآن (المعروف) وهو ما تعرفه الفطر السليمة والعقول الرشيدة وأهل الفضل من الناس. نقرأ في القيد الأول قوله تعالى في شأن الطلاق: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]. وفي مقام آخر بقوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 230]، وفي سورة الطلاق بقوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].

وفي القيد الإنساني بقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]، وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241].

والأصل: أن يتم أمر الأسرة بالتشاور فيما بين الزوجين، والتشاور لا يثمر إلا خيراً، وقد أشار إلى ذلك القرآن في قضية فطام الطفل الرضيع، كما قال تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233]. فإن اختلفا فالزوج هو صاحب السلطة في إطار (المعروف)، ولا يجوز له أن يفرض على المرأة أهواءه باسم الطاعة الواجبة، فإنما يطاع في (المعروف) لا في غيره. وهذا أولى من تعبير (في غير معصية)، بل الأدق أن نقول: عليها الطاعة في المعروف لا في غيره، بدليل قوله تعالى في بيعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12]، وفي الحديث المتفق عليه “إنما الطاعة في المعروف”([3]).

——————–

([1])      هذا معنى الرواية عن ابن عباس، وأخرجها ابن جرير في “تفسيره” (2/453) وابن أبي حاتم (رقم: 2196) عن ابن عباس قال: إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى ذكره بقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]. وإسناده صحيح.

([2])      أخرجه البخاري (رقم: 853 ومواضع أخرى) ومسلم (رقم: 1829).

([3])      أخرجه البخاري (رقم: 4085، 6726، 6830) ومسلم (رقم: 1840) من حديث علي بن أبي طالب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق