البيانات الختاميةمميز

البيان الختامي للدورة العاديّة التاسعة والعشرين للمجلس

البيان الختامي

للدورة العاديّة التّاسعة والعشرين

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

المنعقدة بمدينة باريس / فرنسا

في الفترة من 3 إلى 7 ذي القعدة 1440ه 

الموافق 6-10 يوليو )تموز( 2019م

تحت عنوان: “أحكام العلاقات الاجتماعيّة في أوروبا ودور المسلمين في تعزيزها”

البيان الختامي للدورة العاديّة التاسعة والعشرين للمجلس                                          29

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى إخوانه من النبيّين والمرسلين، وآله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أمّا بعد..

 فقد انعقدت- بتيسير الله وتوفيقه- الدّورة العاديّة التاسعة والعشرون للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بمدينة باريس. فرنسا، وذلك في الفترة من: 3 إلى 7 ذي القعدة 1440ه 

الموافق 6-10 يوليو )تموز( 2019م

برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور صهيب حسن عبد الغفار القائم بأعمال رئيس المجلس، وبحضور أغلبيّة أعضائه، وعدد من الضيوف والمراقبين.

افُتتحت أعمال هذه الدورة بكلمة ترحيبيّة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور حسين حلاوة الأمين العام للمجلس، أبان فيها عن أهمية هذه الدورة في مسيرة المجلس، تلتها كلمة الأعضاء ألقاها الأستاذ الدكتور/ عبد المجيد النجّار عضو المجلس، تلتها كلمة الأستاذ الدكتور/ أحمد جاب الله نائب رئيس المجلس، التي شرح فيها محاور الدورة وأهدافها، مع الإشارة إلى البحوث التي ستقدَّم فيها، وبعض الملاحظات التنظيميّة للضيوف والمراقبين لضمان حسن سير الجلسات، تلتها كلمة الأستاذ الدكتور على القره داغي النائب السابق لرئيس المجلس، ثمّ خُتمت الجلسة الافتتاحيّة بكلمة لفضيلة الشيخ الدكتور صهيب حسن رئيس المجلس بالإنابة، كما ناقش المجلس عددًا من البحوث التي قدّمت في إطار موضوع هذه الدورة التي تناولت ما يلي: 

  1. تصحيحٌ وتأصيلٌ لبعض المفاهيم. للأستاذ الدكتور/ علي القره داغي.
  2.  القواعد والمبادئ الأصوليّة والفقهيّة المؤسِّسة للعلاقات الاجتماعيّة للدكتور/ خالد حنفي.
  3.       أسس العلاقات الإنسانيّة بين منظورات مختلفة للأستاذ الدكتور/ ساري حنفي. ضيف المجلس.
  4.      الحريّة أساسًا للعلاقات الإنسانيّة بين الفكر الإسلامي والفكر الوضعي للأستاذ الدكتور/ عبد المجيد النجار.
  5. مقصد احترام الكرامة الإنسانيّة وأثره في تعزيز العلاقات الاجتماعيّة للأستاذ الدكتور/ أحمد جابالله. 
  6.    تحقيق مقصد الكرامة الإنسانيّة. مقاربة إسلاميّة مقاصديّة للأستاذ الدكتور/ جاسر عودة.
  7.    تفعيل مقاصد الشريعة في التنمية الاجتماعيّة للأستاذ الدكتور/ علي القره داغي.
  8.   الكفالة الشرعيّة من خلال القوانين الأوروبية للتبنّي المفتوح للأستاذ الدكتور/ جاسر عودة.
  9.   وجوه التطابق بين الشريعة والقانون في مسألة التبنّي في بريطانيا للدكتور/ صهيب حسن.
  10.  حقوق الأرحام والأقارب غير المسلمين  في الشريعة الإسلاميّة للدكتور/ حسين حلاوة.
  11.  تنوّع البيئات الإسلامية في أوروبا وتأثيرها على العلاقات الاجتماعيّة للدكتور/ أحمد خليفة.ضيف المجلس.
  12.  زيارة المريض: قيمتها الأخلاقيّة والحضارية، وأحكام الدعاء للمريض غير المسلم للشيخ/ نهات جفتجي.
  13. أحكام المشاركة في مناسبات غير المسلمين: الحفلات الدينيّة للدكتور/ محمد أكرم الندوي. ضيف المجلس.

وجرت مناقشات مستفيضة لمضامين هذه البحوث، تمخّضت عن مجموعة من القرارات والفتاوى والتوصيات.

وفيما يلي ذكر القرارات والفتاوى والتوصيات المتعلقة بموضوع هذه الدورة:

أولًا: القرارات

قرار 1/29

مقصد الكرامة الإنسانيّة وأثره في تعزيز العلاقات الاجتماعيّة

إنّ الكرامة الإنسانيّة مقصد من مقاصد الإسلام في النظرة إلى الإنسان والتعامل معه؛ وتتمثّل في شعور الإنسان في نفسه بأنّ له مكانة مرموقة جعلته أفضل المخلوقات؛ وهي مكانة ناشئة عن إرادة إلهية، فينبغي له المحافظة على أسباب هذه الكرامة، وعليه أن ينافح عن حقّه في أن يُعامل بكرامة من الآخرين؛ والكرامة مرتبطة بالصفة الإنسانيّة المجردة، دون النظر إلى أيّ اعتبارات أخرى، بناءً على ما قرّرته نصوص القرآن الكريم والسّنّة النبويّة من التكريم الشامل لجميع بني آدم دون استثناءٍ لأحد من البشر. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [الإسراء: 70] ، وفي ضوء هذه الآية الكريمة ينبغي أن تُفهم بقيّة النصوص القرآنيّة والحديثيّة التي تتناول مكانة الإنسان في الإسلام.

يحرص الإسلام على إقامة علاقات إنسانيّة على أسس أربعة: التعارف، العدل، الرحمة، والحكمة، وإنّ من آثار مقصد الكرامة الإنسانية تقرير حريّة الإنسان، ومسؤوليّته، ومساواته مع بقية جنسه دون تمييز،

وللكرامة الإنسانية آثار في تعزيز العلاقات الاجتماعيّة تعود إلى:

أ ـ تقرير مبدأ الأخوّة الإنسانيّة.

ب ـ التعاون على الخير بين بني البشر.

ج ـ ترسيخ أسباب العيش المشترك.

د ـ حماية حقوق المرأة وكرامتها.

هـ ـ حماية الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصّة والفئات الضعيفة في المجتمع.

و ـ دفع الظلم والعدوان مطلقًا.

ز ـ حماية حقوق الشعوب في العيش الكريم ورفض الهيمنة والاستغلال.

ر ـ درء أسباب التنازع والحروب.

ن ـ تشجيع التبادل الثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب.

قرار 2/29

الحريّة أساسًا للعلاقات الإنسانيّة 

الإنسان متشوّف بطبعه إلى الحرية، وظل ينشدها أن تكون واقعًا في حياته على مرّ تاريخه، وقد جاءت الأديان، والمذاهب لتؤصّل لها، وتدعو إليها، وعلى رأس هذه الأديان: الإسلام، وعلى رأس المذاهب: مذاهب التحرر الحديثة، إلّا أنّ هذه الحرية كثيرًا ما تنتهك في حقّ الأفراد والجماعات والشعوب، فيكون الظلم والاستبداد .

والمجلس الأوربي من منطلق إسلامي يدعو إلى تحقيق الحريّة الفرديّة والعامة كونها حقًّا ثابتًا لا يتغيّر على الدوام، وحقًّا للناس كافّة دون انتقائيّة على أساسٍ من لون أو جنس أو دين، ويدعم نضال الأفراد والأمم والشعوب من أجل الحريّة بالوسائل المشروعة ، وبالضوابط التي تحول دون الفتنة والفوضى.

قرار 3/29

القواعد والمبادئ الأصوليّة والفقهيّة المؤسِّسة للعلاقات الاجتماعيّة في السياق الأوروبي

من المعالم الرئيسة للاجتهاد واستنباط الأحكام، فهم الفروع والجزئيّات في ضوء الأصول والكليّات، وجعل الكليّات التشريعيّة والأصول الكليّة هي الحاكمة على الفروع الجزئيّة والضابطة لها؛ لأنّ الكليّات مُحكمةٌ، كما أنّها تكوّنت من مجموع النصوص الجزئيّة، والجزئي لا يحكم على الكلّي، فضلًا عن أن يُقدَّم عليه، والنصّ الجزئيّ قد يعرض له من العوارض ما يمنعه من العمل به حتى لو كان ثابتًا صحيح النسبة إلى الشارع؛ إذ لا تلازم بين صحّة الدليل والعمل به، وإنّما يجب العمل بما صحّ بعد تحقق شروط أخرى مضافة إلى صحة نسبته، وليس كذلك الكلّي. 

وعليه يقرر المجلس ما يلي: 

  1. إنّ الكليّات التشريعيّة والأصول الكليّة المؤسِّسة والحاكمة على موضوع العلاقات الاجتماعيّة في السياق الأوروبي هي: المعاني الكليّة المستفادة من استقراء نصوص الشريعة، وتتبع تصرّفات الشارع ومعهوده في شرع الأحكام في باب العلاقات الاجتماعيّة، وهذه الكليّات هي الحاكمة والمؤثرة والمرجّحة في فروع الباب وجزئيّاته ومسائله، وهذه الكليّات هي: 
  1. البرّ والعدل: ويدلّ عليها قوله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8]، وهو خطاب عام محكم غير منسوخ، ينطبق على أصناف الملل والأديان جميعها ، وهو أمرٌ بحسن المعاملة، والإكرام وبذل المال لهم، وفاءً وصلة وقربًا، وقد استعمل فيه التعبير القرآني في الإحسان إلى الوالدين وهو البرّ. 
  2. التعاون على البرّ والتقوى: ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2] وهو أمرٌ لجميع الخلق بالتعاون على البرّ والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، وإن وُجدت دوافعه. 
  3. الفطرة الإنسانيّة: ويدلّ عليها قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] وقد تقرّر لدى علماء الأصول: أنّ ما جُبل الإنسان على حبّه والميل إليه بالفطرة لا يفرضه الشرع اكتفاءً بداعي الفطرة، وكذا ما تستقذره النفوس لا يحرِّمه الشرع اكتفاء بباعث الفطرة، إلّا إذا ترتّب على الاتساق مع الفطرة تفويت مصلحة أعلى، وصلة المسلم ومحبّته وتعاونه وبذله لجيرانه ووطنه أمر فطريّ جُبل عليه وإن كان في مجتمع غير مسلم، فلا يصحّ التشويش على مقتضيات الفطرة الصحيحة بالفُهوم الخاطئة للنصوص الجزئيّة أو الأقوال الفقهيّة التراثيّة.
  4.  الإحسان: ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 195] وهو خطاب عامّ لا يكتفي بمجرّد الصّلة، وإنّما يدعو إلى تقديمها في أعلى درجات الرقي والجمال. 
  1. لا يصحّ أن يغْلُب على فقه العلاقات الاجتماعيّة في المجتمعات الأوروبيّة جانب الحظر والنهي والتشدّد، وإنّما يتعيّن الاعتناء أكثر بالمأمورات والمندوبات، ولا يقتضي هذا بالضرورة إغفال جانب المنهيّات؛ لأن نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة تدل على ذلك، وهو مذهب كثير من الأصوليين.  
  2. على الأئمة والدعاة الأوروبيّين أن يراعوا في خطابهم واختياراتهم الفقهيّة حاجات النّاس وأعذارهم، وأن يفرّقوا بين محرّمات الوسائل ومحرّمات المقاصد، وأن يفيدوا من القاعدة الأصوليّة المقرّرة: ما حرّم لذاته لا يباح إلّا للضرورة، أمّا ما حرم سدًّا للذريعة فيباح عند الحاجة، وللقاعدة تطبيقات كثيرة في باب العلاقات الاجتماعيّة في السياق الأوروبي.  

قرار 4/29

القِيَم الإسلاميّة ودورها في تعزيز التكافل الاجتماعي

إنّ القيم الإسلامية تدعو إلى تقوية أواصر الأخوة والتعاون والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد، وهي تسعى لتحقيق ذلك من خلال دوائر متعدّدة تنطلق أوّلًا من دائرة الأسرة، ثمّ من دائرة الأقارب والأرحام، ثمّ من دائرة الجيران لتشمل بعد ذلك المجتمع كلّه، وقد حثّ الإسلام  على كثيرٍ من التدابير التي من شأنها أن تحقّق العدالة في التعامل الاجتماعي والاقتصادي، وتمنع استغلال الضعفاء، مع تأكيد تقديم العون للمحتاجين من أجل بناء مجتمع متكافل متآخٍ، ومقاومة أسباب التفكّك الاجتماعي كلّها.

إنّ مما يساعد على ذلك: دعم المؤسّسات الخيريّة، والمؤسّسات ذات النفع العام التي تعمل على تخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين، وإنّ مبدأ التكافل الاجتماعي الذي تحتاج إليه المجتمعات الإنسانية كلّها لتحقيق الاستقرار والأمن، ينبغي أن يتوسّع على مستوى الإنسانيّة، وذلك بالعمل على تأسيس العلاقات بين الأمم والشعوب على قاعدة العدل والإنصاف بعيدًا عن الهيمنة والاستضعاف.  

قرار 5/29

تنوع البيئات الإسلاميّة في أوروبا وتأثيرها في العلاقات الاجتماعيّة

ناقش المجلس قضية تاريخ المسلمين في أوروبا ، فتوصل إلى أن وجود المسلمين في أوروبا ليس مرتبطًا بالقرن الأخير، أو القرنين الأخيرين، بل إنّ الإسلام قد وصل إلى أوروبا في القرن الثامن الميلادي، وقد لاحظ الأوروبيّون ما لدى الإسلام والمسلمين من تفاعل علميّ، ولغويّ، وحضاريّ، وأخلاقيّ، وإنسانيّ، حتّى سجّل ذلك بعض المفكرين والمؤرخين الأوروبيين، فتفاعلوا مع المسلمين تفاعلًا بنّاءً، لا سيما في الجانب العلميّ والحضاريّ؛ لذلك يؤكّد المجلس هذا التأريخ الإيجابي ليكون دافعًا لمزيد من الاندماج الإيجابي والتفاعل الحضاري.

ومما شهد به المجتمع الأوروبي بعد ملاحظاته للجانب الاجتماعي من الوجود الإسلامي:

  • حسن العلاقات داخل الأسرة، وبرّ الوالدين وصلة الأرحام.
  •  العلاقة المتميزة من حسن الجوار ورعايتهم، خاصّة كبار السن منهم.
  •  احترام الكرامة الإنسانيّة، من كرم الضيافة وإطعام المحتاج، وعيادة المرضى.
  •  التعاون على البرّ والتقوى وخلق التكافل والمناصرة.

وعليه نوصي عموم المسلمين ومؤسّساتهم التي تمثّلهم بالآتي:

  1. التعاون مع مؤسسات الدولة الاجتماعيّة والسياسيّة بما يحمي الوجود الإسلامي وخصوصيّاته.
  2.  مقاومة تيّارات التشدّد، والغلوّ، والتسيّب الوافدة ليحتفظ المسلمون بوسطيّتهم الآمنة دينيًّا، والنافعة اجتماعيًّا.
  3.  إضافة القيم الاجتماعيّة إلى الجانب التعليمي، والتركيز على إظهارها في الخطاب الديني، وبرامج المراكز والمؤسسات الإسلاميّة في أوروبا.

قرار6/29

  تصحيحٌ وتأصيلٌ لبعض المفاهيم

إنّ تصحيح المفاهيم وفقًا للمنهج الوسطي المعتدل أصبح واجبًا ؛ حيث اختلّت المفاهيم والتصوّرات حول بعض المصطلحات الأساسيّة، وترتّب على ذلك إفراط وتفريط، أضرّا بالسِّلم الاجتماعي للمجتمعات؛ لذلك يقرّر المجلس الأوروبي تأصيل هذه المفاهيم وتصحيحها وفقًا للأدلة المعتبرة من الكتاب والسنّة، ومقاصد الشريعة، ومن أهمها:

أوّلًا: مفهوم الولاء والبراء

الأصل في التعامل بين المسلمين هو توسيع دائرة الولاء لله تعالى، ولرسوله، وللمؤمنين والمحبّة والتعاون والتكافل والنصرة فيما بينهم،  والتضييق في دائرة البراء ، بل إن هذا المصطلح ( الولاء والبراء) لم يكن سائدًا بين الصحابة الكرام وفي ظل الخلافة الراشدة، وإنّما أبرزه الخوارج ضدّ الخليفة الراشد علي بن أبي طالب- رضى الله عنه- حتى قتلوه ظلمًا وعدوانًا؛ ولذلك يقول الإمام أحمد في كتابه السنة (2/479) : ” الولاء والبراء بدعة…” ، فالبراء المحرّم شرعًا: هو البراء من الله ورسوله، ومن المؤمنين، أو من الثوابت والقطعيّات في الإسلام. 

والمجلس يوصي بقوة أن لا ينشغل المسلمون بهذه المسألة، ولا يطلقون البراء فيما بينهم أبدًا، بل عليهم أن ينشغلوا بالدعوة إلى نشر الخير وقيم المحبة والرحمة والأخلاق السامية، والبعد عن كلّ ما يؤدّي إلى الكراهية والنُّفور.

ثانيًا: خطاب الكراهية

 الأصل أنّ الإسلام يدعو إلى خطاب التقارب والوئام، وينفر من خطاب الكراهية والصدام، وإنّ من عوامل تقوية العلاقات الاجتماعيّة في المجتمع: انتهاج الخطاب الذي يحقّق التقارب بين الناس مع الإقرار بحقّ الاختلاف بينهم، والبعد عن خطاب الكراهية والتنافر.  

وخطاب الكراهية يقصد به: كل ما يصدر عن الإنسان من قول أو فعل أو إشارة، تؤدّي إلى الانتقاص من شخص آخر( فردًا أو جماعةً أو شعبًا أو غير ذلك) بسبب دينه، أو عرقه ، أو لونه، أو جنسه، بما يترتّب عليه من النُّفور  والحقد والغضب.

وهذا الخطاب بهذا المعنى محرَّم في الإسلام ، بل يتعارض تمامًا مع رسالته التي هي رحمة للعالمين، وتعاليمه القاضية بالمساواة في الأصل والخلقة، قال سبحانه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ( الحجرات/13). وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ( الحجرات/11).

وقد حرَّم الإسلام التنقيص من الآخر، حتى اللّمز والغمز فقال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} ( الهمزة/ 1)، كما منع المسلمين من أن يسبُّوا أيّ دين فقال تعالى : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ} ( الأنعام/108)، بل إنّ الإسلام يدعو إلى خطاب إنساني روحي جامع بين الخيرات، يستوعب الجميع لسعته ومرونته، يقوم على التسامح والكلمة الطيبة ، والأخلاق العظيمة ، والحكمة والموعظة الحسنة، والحوار الأحسن ، والدفع بالتي هي أحسن فقال تعالى : ” { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ( فصلت/ 34-35)، وأن يكون الخطاب للناس جميعًا بالتي هي أحسن فقال تعالى: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ( البقرة/ 83).

قرار 7/29

حقوق الأقارب والأرحام من غير المسلمين في المجتمعات الأوروبيّة

أكّد الإسلام حقوق الأقارب والأرحام ولم ينظر في ذلك إلى اختلاف الدين، وإنّما نظر إلى ما يجمع بين النّاس من أواصر القربى وأصل الإنسانيّة. قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” ( الحجرات/13). وهذه الحقوق تبدأ بالتواصل والسؤال، وتمتد لتشمل ما يكون بين الأقارب والأرحام من مجاملات: كالزيارة والتهادي والتهنئة والتعزية والمواساة، وبذل المال، وغير ذلك، بالإضافة إلى مجالات التعاون الكثيرة التي تكون في إطار النفع العام بالتعاون على البرّ وما فيه الخير ، وهذه الحقوق تتأكّد عند الحاجة حتّى تصل إلى الوجوب شرعًا.

قرار8/29

رعاية حقوق الجوار لتعزيز العلاقات الاجتماعيّة

إنّ من أهم مقتضيات تعزيز العلاقات الاجتماعيّة في المجتمع رعاية حقوق الجيران بتقوية التواصل بينهم، والتكافل معهم، والإحسان إليهم، ولقد جاءت التعاليم الإسلاميّة مؤكّدة لحق الجار وداعية إلى حسن معاملته، كما جاء القرآن الكريم في السياق نفسه الذي يأمر فيه بعبادة الله تعالى والإحسان إلى الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين، ويأمر كذلك بالإحسان إلى الجار، بقول الله تعالى :” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ” ( النساء/ 36)، وأكّد النبي- صلّى الله عليه وسلّم- أهمية رعاية حقوق الجار، فعنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ) ، بل إنه اعتبر أن من عدم كمال الإيمان أن يسيء الإنسان إلى جاره، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ).

ومن المهم التذكير بأنّ الوفاء لحقوق الجار تنطبق على كلّ جار، ولا تقتصر على الجار القريب أو الجار المسلم، ويتأكّد حسن الصلة بالجيران في أيّام الأعياد والمناسبات وعند المرض والموت.

وينبغي للمسلمين في إطار العناية بحق الجوار أن يراعوا حقوق جيرانهم في السكن، وكذلك جيران المساجد، وأن يتجنّبوا كل ما يؤذيهم خصوصًا عند الحضور بكثافة إلى المساجد أيام الجمع والأعياد، وفي الصلوات المبكّرة والصلوات المتأخّرة، وأن يتحلّوا بالسكينة ويمتنعوا تمامًا عن إزعاج الآخرين ورفع الصوت دخولًا وخروجًا، وأن ينتهوا عن كلّ الصور غير الحضاريّة والمرفوضة شرعًا وذوقًا: مثل إغلاق الطريق على المارّة بسياراتهم، أو وضعها في أماكن لا يُسمح بها قانونًا، أو التعدّي على حقوق الآخرين في صفِّ السيارات ورصّها. 

قرار9/29

من مقتضيات تعزيز العلاقات الاجتماعيّة، عيادة المرضى والتعزية في الأموات

إنّ من أسباب تعزيز العلاقات الاجتماعيّة في المجتمع القيام بعيادة المرضى، وقد أجمع الفقهاء المسلمون على فضل عيادة المريض، والترغيب فيها سواء أكان المزُور مسلمًا أم غير مسلم، وتتأكد هذه الزيارة لمن تربطه بالمريض المُزَارِ قرابةً، أو جواراً ، أو صداقةً، وقد زار النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ابن جارٍ له من اليهود، كما أنّ الدعاء بالشفاء والرقية الشرعيّة مرغّب فيها شرعًا للمسلم وغير المسلم، بناءً على النصوص العامّة التي تحثّ على تمنّي الخير والنفع لكلّ إنسان، كما جاء في الحديث: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّه أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاس ِ) ، وكذلك فإنَّ من الإحسان تعزية غير المسلم بموت قريب له أو صديق، وهو ما نص عليه الإمامان: الشافعي، وأحمد.

وقد ذكر الفقهاء في تعزية المسلم لغير المسلم عبارات كأن يقال له: (أخلف الله عليك) أو: ( أذهب الله حزنك، وعوضك خيرًا في مصيبتك، ورزقك الصبر عليها). 

قرار10/29

الكفالة عن طريق التبنّي المفتوح أو البسيط في القوانين الأوروبيّة

يؤكّد المجلس ما قرره سابقًا من أنّ التبنّي الذي يقطع صلة الطفل أو الطفلة بالأبوين الأصليّين، أو الذي  يُنسب فيه الطفل إلى غير أبويه محرّمٌ شرعًا لقوله تعالى( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ)(الأحزاب/5) .

والمجلس بعد بحث ومناقشات في هذه الدورة يرى أنّ التبنّي المفتوح أو البسيط في التشريعات الغربية والمسمّى بالإنكليزية والفرنسية: 

( Adoption Simple , Open Adoption ) يتيح علاقة بين الطفل وراعيه، وهي أقرب ما تكون إلى علاقة الكفالة في الشريعة الإسلامية. قال تعالى : (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ) المائدة/37)،  وقد حثّت الشريعة الإسلاميّة على كفالة الأيتام وغيرهم من الأولاد الذين يحتاجون إلى الرعاية لعدم وجود من يرعاهم، فالتبنّي بهذه الصفة جائز، على أن لا تنقطع صلة الطفل بأبيه وأمه إن عُرفا ووُجدا ، وأن لا تتغيّر نسبة الطفل إلى أبيه، ولو اضطر الكافل قانونًا إلى إضافة اسمه أو اسم عائلته جاز له ذلك، إذا احتفظ باسم والد الطفل مقرونًا باسم المتبنّي أو اسم عائلته، وإذا لم يتمكّن من ذلك سعى في تسجيل اسمه مع اسم والده في السجّلات الرسميّة حتى لا يضيع نسبه.

وأمّا قضية الميراث فتُحلّ من خلال الوصيّة الشرعيّة المأذون بها قانونًا، وأما قضية المحرمات فينبغي أن تحل بالطرق المشروعة كالرضاعة مثلا حسب الضوابط الشرعية.

ويؤكد المجلس أنّ هذه الكفالة هي من أعظم القربات عند الله تعالى كما قال النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم-:  «كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.، دون تفريق بين المكفولين على أساس الدين أو العرق.  

قرار11/29

أحكام المشاركة في مناسبات غير المسلمين) الحفلات الدينيّة(

إنّ حرص المسلم على الالتزام بشعائر دينه هو حق تكفله القوانين لكلّ أتباع الأديان، وإنّ التمسك بمقتضيات الهويّة الدينيّة سلوك طبيعي لأصحاب كلّ دين، ولكن ذلك لا ينفي التواصل والتعاون على البرّ والتقوى.

وإنّ ما ينقل من آراء لبعض الفقهاء المسلمين تدعو إلى التشدّد في التمايز عن الآخرين يجب فهمه في سياقه، فضلًا عن أنّ التوصيف الصحيح لواقع المسلمين في أوروبا، بعدّهم مواطنين يعيشون مع بقية إخوانهم من المواطنين على اختلاف معتقداتهم وعاداتهم، يقتضي النظر إلى واقعهم نظرة مختلفة، ولا ينبغي محاكمة هذا الواقع الجديد إلى اجتهادات فقهيّة لا تنطبق على هذا الواقع.

إنّ من أهم المناسبات التي يحييها الناس: الأعياد الدينيّة، وقد اعترف الإسلام بحقّ كلّ النّاس في الاحتفال بأعيادهم. قال عليه الصلاة والسلام (إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) . فلكلّ قوم عيد يحتفلون به ولا يحتفلون بغيره وللمسلمين أعيادهم التي يحتفلون بها ولا يحتفلون بغيرها؛ ولكن هذا التعدّد الديني لا يمنع من التهنئة المشتركة بالأعياد، فالمسلم يهنّئ غير المسلم بعيده، ويتلقّى تهاني غيره بعيده؛ وهذا يدخل فيما دعت إليه النصوص بالتعامل بالإحسان والبرّ مع الناس جميعًا.   

ثانيًا: الفتاوى

فتوى (1/29)

استهلاك اللّحم البيولوجي

السؤال:  السلام عليكم، عندي سؤال يخصّ أكل اللحم البيولوجي و تفضيله عن اللحم الذي يتمّ بيعه عند محلاّت بيع اللحم الحلال. أنا مقيم في هولندا و يصعب علينا ايجاد اللحم أو الدجاج البيولوجي و الحلال في الآن ذاته. (أقصد ببيولوجي : أي أن الدجاج أو الغنم أو البقر لم يتعرض إلى العلاج بالحقن و المضادات الحيوية قصد التسريع في نموه و مداواته ما من شأنه أن يضر بصحة المستهلك).
هل يجوز استهلاك اللحم البيولوجي المتأتي من الحيوان الذي لم يذبح على الطريقة الإسلامية نظراً لعدم توفر اللحم البيولوجي الحلال؟  

الجواب: على المتاجر الإسلامية التي تبيع اللحم الحلال أن تبذل جهدها في توفير اللحم البيولوجي؛ لما في ذلك من مساعدة على تيسير الحصول على الطعام الصحّي السليم، ولكن في حال عدم توفّر اللحم البيولوجي الحلال فلا يجوز شرعًا للمسلم أن يستهلكه؛ إذا تبين له أنه لم يُذبح وفق الشروط الشرعية.
والحرص على استهلاك المواد الطبيعيّة هو مسلكٌ حسنٌ يتّسق مع مبادئ الإسلام في الدعوة إلى تناول كلّ حلال طيب، لقوله تعالى:  {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا } [البقرة: 168].

فتوى (2/29)

ترك صلاة الجمعة بسبب العمل

السؤال:  السلام عليكم . حصلت مؤخراً بعد جهد جهيد على عمل وعند كتابة العقد شرحت للشركة عن موضوع صلاة الجمعة وكم هو هام للمسلم، وطلبت منهم ساعة من كل جمعة لأجل الصلاة في المسجد مقابل أن أعمل هذه الساعة بشكل إضافي أو يتم خصم هذه الساعات من المرتب الشهري، أو أي طريقة تريحهم مقابل حصولي على هذه الساعة، ولكني تفاجأت بردهم عندما رفضوا هذا الأمر، وقالوا لدينا أربع أشخاص مسلمين في الشركة ولانستطيع إعطاءك إستثناء، وهذه قوانين الشركة وطلبوا التفكير بالموضوع أنهم يقبلوا بي كمتدرب بدون الإذن بصلاة الجمعة. فما الحكم الشرعي لهذه الحالة؟ أرجو توضيح الإجابة مع ذكر الدليل الشرعي ولكم جزيل الشكر.

الجواب: يُشكر السائل على حرصه على أداء صلاة الجمعة، وهي فريضة كما هو معلوم على كلّ مسلم مُقيم قادر على أدائها، قال تعالى:  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة: 9، 10] ، وصلاة الجمعة لها أبعاد ومقاصد روحيّة وثقافيّة واجتماعيّة، وتتأكّد هذه المقاصد في حقّ المسلم الأوروبي بالنظر إلى خصوصيّاته وواقعه.

وعلى المسلم أن يحاول الاتفاق مع صاحب العمل على صيغةٍ ما تمكّنه من أداء فريضة الجمعة، وذلك بتعويض وقت الصلاة بوقت بديل، أو بالتنازل عن أجر ذلك الوقت من راتبه؛ كما يمكنه أيضًا- في حال عدم تيسُّر هذه الحلول- أن يطلب أحيانًا ــــــ وفقًا لما هو معمول به في قوانين العمل ـــــ راحة من عمله يوم الجمعة، ولو بمعدّل مرّة في الشهر على الأقل ليتسنّى له أداء صلاة الجمعة ولا ينقطع عن أدائها لأسابيع كثيرة، ويحسُن بالمسلم الأوروبي أن يجعل من مرجِّحات اختياره للعمل: تمكينه من الانتظام في أداء صلاة الجمعة.

فإذا عجز بعد كل ذلك عن أداء صلاة الجمعة فهو داخل تحت باب الضرورة؛ إذ يجب على المسلم الاجتهاد في القيام بأوامر دينه حسب المستطاع. قال تعالى:  {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) .

قال الإمام ابن عبد البر: (وأما قوله في الحديث: “من غير عذر” فالعذر يتسع القول فيه، وجملته: كلّ مانع حائل بينه وبين الجمعة مما يتأذّى به، أو يخاف عدوانه، أو يبطل بذلك فرضًا لا بدل منه)، وأمّا إذا توفر له عمل آخر مناسب يستطيع معه أداء صلاة الجمعة فعليه أن ينتقل لهذا العمل، ونوجِّه المراكز الإسلامية في أوروبا إلى تنظيم أوقات صلاة الجمعة وتنويعها على نحوٍ يراعي ظروف الطلبة والعمال في المدن الأوروبية المختلفة. 

       فتوى (3/29)  

 العمل في شركة برمجيّات بعض أعمالها محرّم

السؤال : هل يجوز لي أن أعمل محترفًا في تكنولوجيا المعلومات بشركة برمجيّات تقدم خدمات للألعاب الرياضيّة بالرهان المحرم؟

الجواب: إذا كان عملكم في البرمجة في سياق مشروع في نفسه، وليس له علاقة بالعقود المحرّمة التي تُبرمها الشركة، ولا يدخل في جملة تخصّصكم وضع البرامج التي تستعمل في القمار، فلا نرى مانعًا من هذا العمل، وإلّا فلا يجوز.

فتوى (4/29)

العمل مبرمجًا في شركة تنتج لحم الخنزير والدجاج 

السؤال: أنا مبرمج في شركه لإنتاج كروت للتنقل، وقد وجدت فرصة عمل أفضل من الناحية العملية، و المادية، في شركة لتصنيع منتوجات من لحم الخنزير والدجاج. عملي سيكون في إطار تصميم برامج تساعد في حساب عمليات الاستيراد والتصدير، وبعض العمليات المالية هل يعدّ هذا العمل حرامًا أم حلالًا؟  

الجواب:  إن الله تعالى إذا حرّم شيئًا حرّم كلّ ما يؤدّي إليه، وعليه فالعمل على النحو المذكور يترجح فيه التحريم، لحرمة الخنزير في الإسلام، ويجوز في حالة الضرورة أو الحاجة، وبما أنّك مستقرّ في عملك المقطوع بإباحته، فننصحك بالبقاء فيه، وعدم الانتقال للعمل المشار إليه، تجنّبًا للشبهات وطلبًا للحلال الخالص. 

فتوى (5/29)

إنشاء شركة لتوفير مستلزمات المتوفّى

السؤال: أعيش في هولندا وأودّ إنشاء شركة (لتأمين مستلزمات الوفاة وتكاليفها ) وتتلخّص صورة المسألة فيما يلي: عندما يتوفى الله أحد ( المسلمين ) فإنّ ذويه يعانون من مشكلة تأمين القبر والمستلزمات أو نقل الجثمان التي تتراوح تكاليفها بين 5000 و 10000 يورو موزّعة بين ثمن القبر والتجهيزات، أو نقل الجثمان؛ ولذلك أودّ إنشاء شركة تأمين خاصّة بتوفير مستلزمات المتوفّى سواءً للنقل أو القبر أو التجهيزات الأخرى، وطريقة عمل الشركة أن يسجّل المشترك في الشركة بمبلغ وقدره 150 يورو سنويًّا على سبيل المثال، وسيقسم المبلغ بين رسوم التسجيل، والاشتراك في التأمين، وفي حالة الوفاة تقدّم الشركة مبلغ تكاليف نقل الجثمان  إلى بلد المتوفّى و التجهيز وما إلى ذلك، أو توفير مقبرة في المقابر الإسلامية في أوربا، التي تنوي الشركة شراءها في عدد من المناطق. كنت قد سألت سابقًا وعلمت أنّ التأمين حرام، ولكن  ذكر لي بعض الإخوة أنهم استفتوا بعض العلماء في صور مماثلة فأفتوهم بالجواز، لذلك قرّرت أن أتوجّه إليكم للحصول على الفتوى الشرعيّة في هذا الأمر، ولكم جزيل الشكر.

الجواب: يجوز إنشاء شركة لتأمين مستلزمات الوفاة وتكاليفها وفقًا للخطوات الآتية:

أوّلًا: إنشاء شركة ينص نظامها الأساسي  على ما يأتي:

  1. أن تكون للشركة ذمّتها الخاصّة بها، بحيث تكون لها حقوقها، وعليها التزاماتها الخاصة.
  2.  وأن ينصّ أيضًا على أنها تدير صندوق التكافل في مقابل أجر الوكالة أو ما يسمّى الرسوم، وأنّها- أيضًا- تدير أموال الصندوق عن طريق المضاربة الشرعيّة بنسبة من الربح تحدّد في العقد إن وجد استثمار لها.
  3.  أن يُنشأ صندوق خاصّ بجمع الاشتراكات ( الأقساط الاشتراكيّة) مثل 150 يورو، وهذا الصندوق يؤخذ منه المصروفات الخاصة بالمتوفى وكلّ ما يتعلق به حسب العقد، وكذلك يؤخذ منه الرسوم وأجرة الوكالة لصالح الشركة ( أو الشخص المدير).

ثانيًا: ثمّ إنّ ما يتبقّى من الأقساط أو الاشتراكات بعد المصروفات والرسوم يسمّى (الفائض) وهذا الفائض إمّا أن يعاد في آخر العام إلى المشتركين ، وإمّا أن يبقى في الصندوق بعدّه احتياطيًّا مستقبليًّا للظروف الطارئة، ولكن يجب أن يتضمّن العقد المنظّم أحد الأمرين السابقين حتى يكون التصرّف في الفائض وفقًا للوثيقة المنظّمة.

ثالثًا: لا مانع من أن تكون الشركة المنظمة شركة مساهمة عامة أو شركة مساهمة خاصة.

رابعًا: يفضّل أن تخضع الشركة لتدقيق محاسبي خارجي، وأن يكون لها مستشار شرعي لسلامة التطبيق، والتأكد من صحة العقد وتوافر الضوابط السابقة.

خامسًا: يمكن أن تنشأ الشركة وفقًا لقانون البلد، ثم ينتظم ما ذكر آنفًا في وثيقة داخليّة للشركة وعقود تنظم ذلك.

فتوى (6/29)  

الزكاة والضرائب

السؤال: ماحكم إخراج الزكاة في أوروبا إذا كانت الدولة تستقطع ثلث الراتب أو الدخل ضرائب، وقسم كبير منها يذهب إلى الإعانات الاجتماعيّة؟

 الجواب: الزكاة من أركان الإسلام وقد حدّدت النصوص الصريحة من تجب عليهم، وفيما تجب من الأموال، ولمن تجب، فحصر القرآن الكريم مصارف الزكاة في ثمانية أصناف من المستحقين، وليس من ذلك ما تصرفه الدولة من نفقات مختلفة في شتى المجالات.

فما تقتطعه الدولة من رواتب الموظفين المستحق للخزينة العامة أو للصناديق الاجتماعيّة هو حقٌّ اجتماعي في المال زائد عن حق الزكاة، فلا تجزئ هذه الاقتطاعات عن دفع الزكاة المفروضة إذا بقي في المال بعدها ما يبلغ النصاب. 

فتوى (7/29)

دراسة الطبخ والعمل في طهو لحم الخنزير

السؤال: هل يجوز لي أن أدرس فن الطبخ، ليكون عملي الدائم فيما بعد بالمطاعم السويديّة، وبالتأكيد سيكون ضمن عملي: طهو لحم الخنزير، وكذلك اللّحم غير الحلال، علمًا بأنّني لا أستطيع تعلّم عمل آخر؟ 

الجواب: تعلّم الطبخ أمر مباح وهو من حاجات الناس التي ينبغي أن يسلكوا إليها الوسائل المباحة ما أمكن، فإن لم يحصل ذلك إلّا عن طريق  المدارس التي قد تتخذ لحم الخنزير مادّة من مواد تعلّم الطبخ، ولا بديل لديه عنها كما يبدو من السؤال، فلا بأس بذلك- إن شاء الله تعالى- استثناءً؛ لأنّ الأصل حرمة الخنزير بصفة عامّة أكلًا ومعالجةً، إلّا أنّ الأكل محرّم قصدًا ومعالجة الخنزير (كالتقطيع والطبخ) محرّمة تحريم وسائل، وما حرّم قصدًا لا تبيحه إلّا الضرورة، وما حرّم وسيلةً تبيحه الحاجة كما هو متقرّر في أصول الفقه، ولا يخفى ما في تعلّم الحرف ومنها (الطبخ) -التي هي من أسباب المعايش- من الحاجات العامّة التي تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور.

أمّا عمل المسلم في المطاعم التي تقدّم الخنزير لزبائنها، حيث يُطلب من الطباّخ المسلم أن يطبخ الخنزير فهو وإن كان من محرّمات الوسائل إلّا أنّ الاستثناء فيه أضيق لوجود البدائل، ومن ذلك انتشار المطاعم التي لا تقدّم الخنزير كمطاعم المسلمين أو اليهود، ومن ذلك أن يتخصّص الطبّاخ المسلم في طهو أصناف من الأطعمة من غير لحم الخنزير في المطاعم العامّة، أو ينشئ لنفسه مشروعًا بفتح مطعم خاص به وهو الأفضل.

ومع ذلك فإذا انسدّت أمامه طرق الكسب الحلال كلّها ولم يجد بديلًا من المطاعم التي تقدّم الخنزير فله أن يعمل فيها إلى أن يجد البديل بشرط الاجتهاد في البحث عن عمل لا شبهة فيه.

فتوى (8/29)

التكييف الفقهي لصورة وسطاء بين الشركات

السؤال: نعمل وسطاء بين الشركات وأصحاب الأموال فنأتي بأموالهم ونضعها في شركة ما؛ كي توسع من نطاق عملها، تكون نسبة الأرباح على حسب المال الذي جئنا به من قيمة الشركة الإجماليّة، نأخذ نحن بصفتنا وكلاء نسبة 50% من الأرباح الشهريّة، والباقي يوزّع على أصحاب الأموال، لا علم لمن وكلونا على أموالهم بقيمة نسبتنا، وإنّما يعلمون أنّنا نأخذ نسبة ما، وهم راضون بذلك.

والسؤال: ما تكييف المسألة؟ وهل علاقتنا بأصحاب الأموال علاقة وكالة؟ ثمّ ما علاقة أصحاب الأموال مع الشركة، هل هم شركاء؟ وإذا كانوا كذلك فهل ينالهم إثم التأمين؟

الجواب: أولًا: هذه المسألة مخالفة لقوانين الشركات في جميع الدول الأوروبيّة والعربيّة؛ لأنّ أخذ الأموال للاستثمار يجب أن يكون وفقًا لشركة قانونيّة، وقد حدثت مشكلات كبيرة في مثل هذه الحالات التي ذكرت في السؤال.

ثانيًا: إنّ ما هو موجود في السؤال عقد فاسد؛ لأنّه لو كُيّف على أساس المضاربة، فإنّها تقضي علم الطرفين بالنسبة المحدّدة من الربح في العقد أو الاتفاقيّة، وهنا لا توجد نسبة محدّدة متفق عليها بين الطرفين، ومن ثمّ فالمضاربة فاسدة، ولا سيما أنّ الاتفاق فيه غرر وجهالة.

وكذلك لو كُيِّف الاتفاق المذكور في السؤال على أساس الوكالة فإنّها تقتضي أن يكون الأجر محدودًا، وهناك لا يوجد أجر معلوم، ولذلك فلا يُكيَّف على أساس الوكالة، ولو كُيِّف على أساسها فإنّ الوكالة التي لم يذكر فيها الأجر المحدّد تُحمل على التبرّع بالوكالة: أي دون أجر، أو على أجر المثل إن كان الوكيل معروفًا بأخذ الأجر.

وأكبر خلل في هذا الاتفاق هو عدم وجود الشفافية، وعدم وجود الإذن للوكيل أو المضارب (فرضًا) بالإضافة إلى جهالة الأجر أو النسبة؛ لذلك فالاتفاق فاسد وغير صحيح ، وأنّ ما أخذه الوكلاء يجب ردّه إلى أصحاب الأموال، أو يُتّفق عليه ويكون التراضي بمقدار أجر المثل.

فتوى (9/29)

تغطية وجه المرأة

 السؤال: مِن العلماء عندنا من يرى النقاب واجبًا، واللون الأسود كأنّه، سنّة وإن لم يصرّحوا به، وأصواتهم عالية وسلطتهم في المجتمع كبيرة، وبعضهم في جمعيّة العلماء بسريلانكا، فصارت الفتوى الرسميّة في جمعية العلماء:  وجوب نقاب المرأة فتوى.

ولكن الذي نراه أنّ مشكلات كثيرة تحدث بسبب النّقاب، ثمّ إنّ غير المسلمين لا يستطيعون أن يتحمّلوا النقاب خاصّة في الأماكن العامّة مثل: المدارس والجامعات والدوائر الحكوميّة والبنوك وغيرها، والعلماء عندنا يتمسّكون بأقوالٍ لبعض الفقهاء المتأخّرين من الشافعية تقول بوجوب نقاب المرأة.

ومن هنا نلتمس منكم أن تكتبوا فتوى بما هو القول الأقرب للكتاب والسنّة باسم المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث عندكم، مع تحرير أقوال الشافعيّة في المسألة. وجزاكم الله خيرًا. 

الجواب: تغطية المرأة لسائر بدنها عدا الوجه والكفين فرضٌ شرعيّ متفق عليه، والذي عليه جمهور الفقهاء أن الوجه والكفين ليسا من العورة، وهذا ما نص عليه الحنفية كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (2/392)، والمبسوط للسرخسي (10/152-153)، وبدائع الصنائع (5/121)، والمالكية كما في المنتقى (7/252) وكذلك الشافعية كما في الأم (1/89) حيث قال: “وكل المرأة عورة إلّا كفيها ووجهها” والحنابلة، حيث قال ابن قدامة في المغني (1/349):” ولو كان الوجه والكفّان عورة لما حرّم سترهما”؛ ولأنّ الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع ….، وقال المرداوي في الإنصاف (1/422): “الصحيح من المذهب أن الوجه ليس بعورة ، وعليه الأصحاب وحكاه القاضي إجماعًا”.

وقد ألَّف الأستاذ عبد الحليم محمد أبو شقة كتابًا من ستة مجلدات سمّاه: تحرير المرأة في عصر الرسالة ، اعتمد فيه على القرآن الكريم، وصحيحي: البخاري، ومسلم، وتوصل فيه بعد جهد جهيد إلى أن الأصل في العهد النبوي هو كشف المرأة لوجهها وكفيها؛ لوجود حالات كثيرة من كشف الوجه في عصر الرسالة، إمّا بحضور الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بعلمه، أو إقراره، ومن ثمّ فإنّ المرأة المسلمة لها الحق في كشف وجهها وكفّيها عند خروجها وصلاتها، لا سيّما في البلاد التي تحدَّث عنها السؤال، حين تقع الفتنة والمضايقات عند نقاب الوجه؛ لذلك فلا حرج عليها في الكشف.

فتوى (10/29)

 استعمال زيت القنب لعلاج بعض الحالات المرضيّة

السؤال: هل يجوز استعمال زيت القنب  ( CBD) لعلاج بعض الحالات المرضيّة: كالتّوحد والخرف، وقد لوحظ أنّه يفيد- بشكل ملحوظ- دون آثار جانبيّة مقارنة بعلاجات أخرى، علمًا بأنّ هذا الزيت مستخرج من نبات القنب، ويزرع بشكل قانوني في بعض البلدان إلّا أنّ فيه مادّة مُسْكرة ؟

الجواب: الأصل في المسائل الطبيّة الرجوع فيها إلى الأطباء المتخصّصين والاستفادة من التقدّم العلمي في عالم الطب، ومع ذلك إذا ثبتت فائدة هذا الدواء، ولم يوجد بديل أنقى منه يقوم مقامه فاستعماله في المداواة جائز، وباب التداوي ألصق بالضرورات أو الحاجات التي تنزل منزلة الضرورة، وإنما جاءت الشريعة لتحقيق المصالح وجلب المنافع، ودرء المفاسد والمضار.

قال الشربيني الشافعي: ” أمّا الترياق المعجون بها (يعني الخمر) ونحوه مما تستهلك فيه فيجوز التداوي به عند فقْد ما يقوم مقامه، ولو كان التداوي بذلك لتعجيل شفاء”، علمًا بأنّ استعمال القنب بقصد السكر لا يجوز شرعًا. 

فتوى (11/29)

تأجير محطّة وقود يباع فيها الكحول والسجائر 

السؤال:  أعتزم استئجار محطة للوقود استئجارًا طويل المدى، ولكن من شروط تأجيرها من أصحاب العلامة التجاريّة أن يباع فيها: الكحول والسجائر بالإضافة إلى البنزين…الخ، وسؤالي هو: هل وجود الكحول والسجائر التي هي شرط للتأجير فيه إثم و تُعدُّ محرّمة أم لا؟  

الجواب: يجب التفريق بين من كان له اختيار بين الحلال النقي وبين الحلال المشتبه، وبين من فرض عليه الحرام بدون اختيار منه، والسائل في هذه المسألة بالذات له الخيار الكامل في تأجير المحطة المذكورة بالشروط المذكورة وهي بيع شيء من الكحول والسجائر أو تركها استعفافا قال الله تعالى :  {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2، 3]  وقال أيضا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]. ومن الورع ترك الشبهات لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْب” . 

وأما العامل الأجير الذي يعمل في مثل هذه المتاجر لكسب قوت عياله إن لم يكن له بد من التعامل بمثل هذه المحرمات ولم يكن في وسعه أن يجد عملا في غيرها من وجوه الحلال إما لظرف خاص أو بسبب الكساد الاقتصادي العام  فلا حرج عليه بشرط التحفظ من الحرام و الاحتياط لدينه ما أمكن فيشوب عمله بالصدقة كما جاء في حديث النبي صلى الله علي وسلم للتجار : “يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ “. 

ثالثًا: التوصيات

يوصي المجلس العلماء والمفكّرين المسلمين بدراسة ما يقتضيه علم الاجتماع من دراسة الطبائع والخصائص المتعلّقة بالمجتمعات الأوروبيّة، ودراسة السُّنن الخاصّة بهذا الموضوع، والاستفادة منها في التعامل مع مشكلات المجتمع، والإسهام في حلّها أو التخفيف من آثارها، ويكون ذلك بالتعامل الإيجابي مع العلوم الاجتماعية والإنسانية، والدفع لتفاعلها مع علوم الدين، من خلال إظهار الفوائد والتنبيه على ما لا يناسب السياق والتاريخ والثقافة والدين لمجتمع ما في زمان ما.

ويذكّر المجلس عموم المسلمين في أوروبا بما سبق أن أوصى به من:

  1. أن يراعوا الحقوق كلّها، وأن يعطوا الصورة الطيّبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم.
  2.  أن يلتزموا ما دلّت عليه نصوص الكتاب والسنّة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات المواطنة أو عقد الإقامة، والالتزام بالقانون والنظام العام في البلاد التي يعيشون فيها. 
  3.  أن يجتنبوا العنف بكلّ صوره ومظاهره، وأن يكون أسلوبهم الرفق والرحمة والحكمة في التعامل مع الناس جميعًا كما يأمرهم الإسلام، وأن ينكروا على كلّ من حاد عن هذا الطريق الإسلامي السويّ. 
  4.    وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا، ويلتزموا الأخوّة، والسماحة، والوسطيّة، والتعاون على البرّ والتقوى، ورعاية الحوار الهادئ والأساليب السليمة في معالجة قضايا الخلاف، بعيدًا عن مناهج التشدّد ومسالك التطرف التي تشوّه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامّة، وإلى الأقليّات المسلمة خاصّة، فيتلقّفها بعض الناس للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ]النحل:  125[.

 وقد خصّص المجلس بعض جلساته لمناقشة أموره الإداريّة واتخذ فيها من القرارات ما رآه مناسبًا محقّقًا لرسالته وأهدافه، كما قبِلَ المجلس بالإجماع استقالة فضيلة الشيخ الدكتور/عبد الله الجديع لظروفه الخاصّة، مقدّرًا إياها ومثمّنًا جهوده وعمله في خدمة المجلس داعيًا له بالتوفيق والفلاح.

وكلَّف المجلس فضيلة الشيخ الدكتور/صهيب حسن عبد الغفار بالقيام بأعمال رئيس المجلس حسب النظام الأساسي لحين إجراء الانتخابات. 

ختام الدورة:

بعد انتهاء المداولات العلميّة للمجلس تقرّر أن يكون انعقاد الدورة القادمة- بإذن الله تعالى- في 4 ـــ  10 أكتوبر 2020م في أحد الأقطار الأوروبية.

والمجلس في ختام دورته يتقدّم بخالص الشكر للأمانة العامّة للمجلس وجميع من قام من الإخوة الكرام على العمل لإنجاح هذه الدورة.

والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق