قرارات المجلس

منهج فهم النصوص القرآنية والنبوية في الجهاد

قرارات الدورة العادية السادسة والعشرين

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

المنعقدة بمدينة إستانبول / تركيا

في الفترة

03-07 المحرم 1438 هـ – الموافق 04 – 08 أكتوبر 2016م

قرار 104 (1/26)

منهج فهم النصوص القرآنية والنبوية في الجهاد

نوقش هذا المحور، وانتهى المجلس بعد مداولات إلى ما يلي:

إن حسن فهم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وسلامة فهم أقوال الفقهاء الواردة في موضوع الجهاد وفق منهج علمي وسطي رصين من شأنه أن يعصم الفكر عن الوقوع في الغلو وتنزيل النصوص على غير ما تنطبق عليه.

وإن كثيرًا مما يستند إليه الغلاة في آرائهم وأفعالهم الخاطئة يعود إما إلى الاستناد إلى نصوص قرآنية ونبوية صحيحة أسيء فهمها أو تنزيلها، أو إلى نصوص حديثية لم يثبت سندها ولا يصح الاحتجاج بها.

وإن من قواعد المنهج السليم في فهم النصوص القرآنية والنبوية وفي فهم التراث الفقهي في موضوع الجهاد ما يلي:

أولًا: حسن الفهم والتعامل مع آيات الجهاد

يجب أن نفهم القرآن في ضوء أساليب اللغة العربية، بحقيقتها ومجازها، مُراعين السِّبَاق والسياق واللِّحاق، غير متعسِّفين ولا متكلفين، جامعين بين النصوص بعضها وبعض، موقنين بأن هذا الكتاب يُصدِّق بعضه بعضًا، ويُفسِّر بعضه بعضًا، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

ثانيًا: حسن الفهم والتعامل مع أحاديث الجهاد في السنة النبوية

من المعلوم بالضرورة للكافة أيضا أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، ونعني بها السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وتقريره، والتي جاءت بها الأحاديث التي صحَّ سندها بلا انقطاع ولا شذوذ ولا عِلَّة، ولا تُعارض ما هو أقوى منها وأثبت: من القرآن أو من أحاديث أخرى، أو من منطق العلم والعقل، بحيث تكون مبيِّنة لما نزل به القرآن لا مُعارضة له، وتسير في ضوء ما أنزل الله من الكتاب والميزان.

ثالثًا: في التعامل مع التراث الفقهي

إن الفقه الحقَّ ليس هو النقل من الكتب، فإن الكتب تمثِّل عصرها وبيئتها. بل الفقه الحقُّ اجتهاد الفقيه لزمانه ومكانه وعالمه، كما اجتهد السابقون لزمانهم ومكانهم وعالمهم، ولا كلُّ ما صلح لعصر يصلح لغيره، ولا كل ما صلح لبيئة يصلح لغيرها، ولا سيما أن التغيُّر في زماننا صار كبيرًا جدًّا. والفقيه الحق هو الذي يُزاوج بين الواجب والواقع، كما قال ابن القيم رحمه الله، فلا يعيش فيما يجب ولا يكون مُغْفِلًا ما هو كائن.

رابعًا: التفريق بين الثوابت والمتغيرات في قضية الجهاد

إن على الفقيه المسلم في عصرنا إذا تحدَّث عن الجهاد أو القتال أو الحرب: أن يدرك جيدًا حقيقة التغيرات الكبيرة والجذرية في هذا المجال على مستوى العالم، ولا بد له لكي يصدر حكمًا شرعيًّا قويمًا أن يفرِّق بين الثوابت والمتغيرات، فمما لا ريب فيه: أن هناك ثوابت في هذه القضية، مثل (سنة التدافع) التي قرَّرها القرآن في دفع الله الناس بعضهم ببعض.

ومثل: أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم، وأن الحرب عارضة، تكتب على المسلمين وهي كره لهم.

ومثل: أن الأصل في الدعوة إلى الإسلام: الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

ولكن هناك متغيرات حدثت في العالم، منها: استنكار الحروب والنفور منها ومن موقدي نارها.

ومنها: الرغبة في السلام والتعايش السلمي مع المخالفين.

ومنها: ظهور مواثيق دولية أصبحت موضع احترام العالم كله في الجملة، مثل: ميثاق حقوق الإنسان، ومثل ميثاق الأمم المتحدة، وغيرهما.

ومنها: ظهور مؤسسات دَوْلية اعترف بها العالم وشارك فيها، مثل: (هيئة الأمم المتحدة)، و(مجلس الأمن الدولي)، و(محكمة العدل الدولية)، و(هيئة اليونسكو)، وتوابعها.

ومن آثار ذلك: وجوب احترام سيادة الدول الإقليمية، ووجوب حلِّ النزاع بين الدول بالطرق السلمية، وتحريم استعمال أنواع معينة من الأسلحة.

ومنها: ظهور اتفاقيات (دولية)، مثل: اتفاقية إلغاء الرِّق من العالم، واتفاقية جنيف بشأن الأسرى.

في ضوء ما سبق بيانه فإننا – بصفتنا مسلمين – نستطيع في ظلِّ إسلامنا وقرآننا وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نعيش في عالم ينادي بالسلام لا الحرب، وبالأمان لا الخوف، وبالتسامح لا التعصُّب، وبالحب لا الكراهية، وبالحوار لا الصدام، وبالتعارف لا التناكر.

نستطيع أن نعيش مع الأمم المتحدة، والقوانين الدولية، ومواثيق حقوق الإنسان، والرفق بالحيوان، وجماعات حماية البيئة، ولا عجب، فقد كان الإسلام بتعاليمه سباقًا إلى تأسيس المبادئ الدولية، وإلى رعاية حقوق الإنسان، سيَّما الضعفاء والمعُوقين، والرحمة بالحيوان، ورعاية البيئة بكل مكوناتها، ورعاية التوازن الكوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق