الأخبار

بيان توضيحي بخصوص تحديد بداية شهري رمضان وشوال

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان توضيحي من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

بخصوص تحديد بداية شهري رمضان وشوال

بيان توضيحي بخصوص تحديد بداية شهري رمضان وشوال 4235

 

لا يزال يدور الجدل بين المسلمين في كل عام بخصوص تحديد بداية شهر رمضان وشهر شوال، وهو خلاف يعيشه العالم الإسلامي منذ سنوات عدة، وله مع الأسف تداعيات على المسلمين في أوروبا في عدم اجتماع كلمتهم على رأي واحد بهذا الخصوص؛ ومن أجل معالجة هذه الظاهرة ومحاولة توحيد المسلمين في أوروبا في صيامهم وإفطارهم فقد تصدى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث لدراسة هذه القضية، وتوصّل إلى اختيار فقهي جامع من خلال البحث الفقهي والعلمي الرصين، ومن خلال إعمال مقاصد الشريعة في تمكين المسلمين في أوروبا من تقويم هجري موحد يُمكنّهم من تحديد أعيادهم والمطالبة باعتبارها في مجال العمل والدراسة لأبنائهم، وذلك إسوة بأصحاب الأديان الأخرى في احترام خصوصياتهم الدينية، إذ أنه لا يمكن أن يُطالب المسلمون باحترام أعيادهم دون أن تكون مواعيدها معلومة بشكل مسبق.

وكان الذي توصل إليه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في سنة 2009 هو اعتماد وسيلة الحساب العلمي للرؤية وفق ضوابط معينة لتحديد بداية الشهور القمرية؛ ولئن كان بعض المسلمين يثيرون خلافا بين ما اعتمده المجلس من وسيلة الحساب العلمي وبين وسيلة الرؤية البصرية إلا أن المتأمل في رأي المجلس يعلم أنه قد أخذ بعين الاعتبار حصول الرؤية وليس مجرد ولادة الهلال؛ وبالتالي فإنه لا خلاف على اعتماد قاعدة الرؤية لتحديد بداية الشهر القمري، إلا أن هذه الرؤية يمكننا اليوم بالوسائل العلمية الصحيحة والقطعية معرفة وقتها بالدقة المتناهية بشكل مسبق، ولا حاجة بعد ذلك لتحري الرؤية البصرية للهلال؛ إذ أن المعلوم عند المتتبعين من أهل الاختصاص أن المعطيات الفلكية المعلومة مسبقا عن رؤية الهلال لا تناقض البتة الرؤية البصرية إذا كانت صحيحة.

ولقد بدأ العديد من المسلمين في أوروبا يُدركون أنه بإمكانهم اعتماد وسيلة الحساب باعتبارها وسيلة تُفيد العلم القطعي، وهي بالتالي مقدمة على وسيلة الرؤية البصرية التي يعلم الجميع أنها ظنية وبالتالي فهي عرضة للخطأ، وهو ما بينه المختصون في علم الفلك بشأن حصول نسبة عالية من الخطأ في إعلان الرؤية في بلاد عديدة؛ وإذا المقرر شرعا أن الدليل القطعي مقدّم على الدليل الظني، فإنه ينبغي الأخذ بدليل الحساب القطعي وترك الاعتماد على الرؤية البصرية الظنية.

لقد أيقن المجلس أن الوسيلة الأقرب والأجدى في جمع كلمة المسلمين في أوروبا هي الأخذ بوسيلة الحساب الفلكي للرؤية والخروج عن الأخبار الظنية التي ترد في كثير من الأحيان متضاربة من بلاد إسلامية شتى.

وينبغي بهذا الصدد للإجابة عن بعض التساؤلات التي تُثار اليوم بالنسبة للمقتنعين بالأخذ بوسيلة الحساب الفلكي ولكنهم يميلون للأخذ بما يسمى بـ”التقويم الثنائي”، الذي يقسم العالم إلى قسمين لكل قسم تقويمه الخاص، أن نبين ما يلي:

ـ إن تعريف التقويم، أي تقويم، لدى أهل الاختصاص في وضع التقاويم، يقتضي أن يُحَدِّدَ بشكل دقيق الأيام والشهور بشكل منضبط، بمعنى إن اليوم في أي تقويم هو عبارة عن نقطة واحدة في مسار الزمن لا يمكن أن تتعدد، فلا يمكن أن يكون مثلا اليوم الأول من شهر رمضان الأربعاء 16 مايو، وفي نفس الوقت، وفي نفس التقويم الهجري، يكون ذات اليوم الأول من رمضان هو الخميس 17 مايو. إن تقويما يجعل لليوم الواحد نقطتان مختلفتان في خط الزمن لا يمكن اعتباره تقويما؛ وتخيل لو أن التقويم الشمسي المعتمد عالميا كان قائما على هذه التعددية كيف يمكن لحركة الناس أن تنتظم، وكيف يُمكن لمواعيد الناس وحركة السفر والطيران أن تضبط؛ وإذا قبلنا بأن يكون التقويم الهجري تقويما متعددا فكأننا نقول بأنه تقويم لا يصلح ليكون تقويما عالميا؛ وبناء على هذا فإن التقويم لا يمكن إلا أن يكون أحاديا ليكون تقويما معتبرا. وإن مما يُستفاد من النصوص القرآنية أن الله تعالى قد جعل حركة الشمس والقمر منضبطة لتكون علامة واضحة لتحديد الأوقات للناس كافة وللمسلمين في ضبط الشعائر العبادية الموقتة بوقت معين، يقول الله تعالى: “يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج” البقرة 189، فالأهلة جعلها الله تعالى علامة لمواقيت الناس كافة. إن الكون كله لله عز وجل ولا يمكن أن نعطي قداسة في ظهور هذه العلامات الكونية لجهة ما على غيرها من الجهات، فأن يُرى الهلال في مكة أو في غيرها من بقاع الأرض فإنما هو نفس الهلال الذي خلقه الله عز وجل؛ ولحظة الاقتران هي لحظة كونية واحدة، وهذا المعنى هو الأليق بطبيعة هذا الدين العالمي الذي تعم رسالته الكون كله، فضلا على أنه اليوم ليس هناك بلد في العالم إلا وفيه مسلمون، كما أن المسلمين ينتقلون ويسافرون إلى كل بلاد العالم وهم مطالبون بالقيام بواجباتهم الإسلامية من صلاة وصيام أينما كانوا وأينما حلّوا.

. إن الخلاف المعروف بين الفقهاء قديما حول اعتبار اختلاف المطالع أو عدم اعتبارها خلاف قديم، وما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم اعتبار اختلاف المطالع، وهو ما سارت عليه  وأكدته العديد من المجامع الفقهية حديثا، يبين أن الرأي الراجح فقها هو اعتبار التقويم الأحادي بناء على عدم اعتبار اختلاف المطالع؛ وهو ما بنى عليه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث رأيه في هذه القضية؛ ولذلك فإن أصل الخلاف القائم إنما هو بين الدول الإسلامية التي تعتمد مبدأ الرؤية المحلية فتختلف فيما بينها، إذ أن الهلال قد يُرى في بلد إسلامي ولا يُرى في بلد آخر في نفس القسم الثنائي من العالم؛ وهو خلاف ناتج عن اختيار سياسي لكل دولة تريد أن تمارس رؤيتها محلية، سواء استعانت بالحساب الفلكي أم لم تستعن به؛ ومن هنا فإن القائلين من بعض الفلكيين بالتقويم الثنائي هم يقولون برأي ليس له سند فقهي فيما هو مشهور من أقوال الفقهاء القدامى والمعاصرين، وليس له كذلك تطبيق عملي في واقع المسلمين؛ فلا نجد بلدا إسلاميا واحدا يُعلن عن ثبوت الشهر بناء على تقويم ثنائي، ومن هنا فإن الخلاف الحقيقي في واقع الأمر هو بين المتمسكين بالرؤية البصرية وبين الآخذين بالحساب الفلكي للرؤية كوسيلة لتحديد بداية الشهور القمرية.

ويجب أن نضيف بهذا الصدد أن الفقهاء الذين ذهبوا في أغلبهم إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع يؤكدون أن دخول الشهر إذا تحقق في بلد ما فإنه يكون شاملا لجميع تلك البلاد التي اشتركت في جزء من ليلها حتى وإن تباعدت.

. إذا كان الخلاف بين الدول الإسلامية لا يسبب إشكالا في كل بلد إسلامي لأن المسلمين يلتزمون في بلدهم بما تصدره جهات الفتوى الرسمية من رأي، بقطع النظر عن الطريقة المعتمدة في ذلك؛ ولا يسبب ذلك حرجا كبيرا في واقع الناس بخصوص أحوالهم وإجازاتهم لأنها تراعي ذلك في نظمها، فإن الأمر يختلف بالنسبة لمسلمي أوروبا الذين يعيشون في مجتمعات غير إسلامية وليس لهم مرجعية واحدة ملزمة ولا يمكن أن يُحسم الخلاف فيما بينم إلا بتحديد تقويم هجري أحادي موحد يقوم على قاعدة علمية منضبطة؛ والقول بالتقويم الثنائي سيترك الأمر محل أخذ ورد في النظر ولن يحقق الحاجة إلى التحديد الواضح للتقويم.

ـ إن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الذي يصدر كل عام بيانا يُذكّر فيه بما انتهى إليه من قرار فقهي سنة 2009 يعتمد وسيلة الحساب العلمي القطعي للرؤية ويحدد بناء على ذلك بداية شهر رمضان وشهر شوال، لم يلغ البتة أو يتراجع عما أصدره من بيانات؛ وهو يدعو مسلمي أوروبا للأخذ به تجنيبا لهم من الخلافات التي لا طائل من وراها؛ وهو لا يريد لمسلمي أوروبا أن تختلف آراؤهم في هذه القضية بناء على الاختلاف الحاصل بين الرؤية المحلية لكل دولة إسلامية، إذ أنه ليس هناك دولة إسلامية واحدة تدّعي أن رؤيتها مُلزمة لغيرها، فلماذا نُلزم مسلمي أوروبا بما لا يمكن أن يُلزموا به.

ـ إن واقع الحال اليوم في أوروبا يُبين أن هناك العديد من الدول في أوروبا يأخذ فيها المسلمون جميعا منذ سنوات بالتقويم الأحادي القائم على الحساب العلمي للرؤية، كما هو الحال في بلدان شرق أوروبا ودول البلقان ودول أخرى مثل لوكسمبورغ وغيرها؛ وحتى في الدول الأخرى التي لم يحسم فيها الأمر على رأي واحد لم يزل هناك من المؤسسات الإسلامية التي تأخذ بالتقويم الهجري الأحادي، خصوصا بعد أن تعزّز رأي المجلس بما توصل إليه المؤتمر العالمي لتوحيد التقويم الهجري الذي انعقد في إسطنبول في 21 ـ 23 شعبان 1437 الموافق لـ 28 ـ 30 مايو 2016؛ وقد حضر هذا المؤتمر الجامع عدد كبير من الفقهاء والفلكيين وممثلين عن المجامع الفقهية ومسؤولي المؤسسات الإسلامية في العديد من دول العالم، وقرر بعد التصويت بأغلبية كبيرة الأخذ بالتقويم الهجري الأحادي؛ وهذا القرار الذي توصل إليه المؤتمر هو تأكيد لما اتخذته الدول الإسلامية مجتمعة في مؤتمر إسطنبول لسنة 1978 وإن كانت لم تلتزم به عمليا إلا تركيا.   

إننا ندعو الأئمة والدعاة بأن يعملوا على توعية المسلمين بالأخذ بما يجمع الكلمة والعودة إلى أصحاب الاختصاص من أهل العلم والفتيا بما يحقق المصلحة الشرعية للمسلمين في هذه الديار.

كما أننا نهيب بالمؤسسات الإسلامية في أوروبا أن تنأى بالمسلمين عن هذا الجدل وأن تعمل على جمع كلمتهم بعيدا عن أي اعتبارات جانبية؛ وألا تنشغل بما يجري في العالم الإسلامي من خلافات بهذا الخصوص وينعكس على المسلمين في أوروبا؛  ونهيب أيضا بالمنشغلين بهذا الأمر من خارج أوروبا أن يَدَعُوا مسلمي أوروبا بعيدا عن أوضاع الخلافات الخارجية التي لا تخدمهم.

نسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين على الخير والبر وأن يوحد صفوفهم وأن يجمع كلمتهم؛ كما نسأله تعالى أن يبارك لنا في شهر رمضان الكريم وأن يرزقنا فيه حسن الصيام والقيام، وأن يفرج فيه كربات المسلمين في كل مكان، والحمد لله رب العالمين.

الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

     

     

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق