البيانات الختامية

البيان الختامي للدورة العادية السادسة والعشرين

البيان الختامي

للدورة العادية السادسة والعشرين

للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بمدينة إستانبول في تركيا

في الفترة من: 3-7 محرم الحرام 1438هـ الموافق لـ 4-8 تشرين الأول (أكتوبر) 2016م

تحت عنوان: “هدي الإسلام في إقرار السلام والأمان ودفع الظلم والعدوان”

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أمّا بعد.. فقد انعقدت بتيسير الله وتوفيقه الدّورة العادية السادسة والعشرون للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بمدينة إستانبول بتركيا، وذلك في الفترة من الثالث حتى السابع من شهر محرم الحرام سنة 1438هـ الموافق للرابع حتى الثامن من شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة 2016م، برئاسة سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس المجلس، وبحضور أغلبية أعضائه وعدد من الضيوف والمراقبين.

افتتحت أعمال هذه الدورة بكلمة ترحيب ألقاها الشيخ حسين حلاوة الأمين العام للمجلس، ركز فيها على أهمية هذه الندوة لمستقبل المسلمين في أوروبا.

ثم بكلمة أعضاء المجلس والضيوف ألقاها فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالمجيد النجار، شكر فيها جمهورية تركيا (الدولة المضيفة لهذه الدورة) على الحفاوة البالغة التي قوبل بها الجميع والتسهيلات التي تمت لعقد هذا اللقاء، وحضور نائب رئيس مجلس الوزراء الأستاذ ياسين أقطاي.

ثم بكلمة الأستاذ الدكتور أحمد جابالله الأمين العام المساعد للمجلس شرح فيها محاور هذه الدورة وأهميتها، مع الإشارة إلى البحوث التي تقدم فيها.

تلت ذلك كلمة معالي الأستاذ الدكتور محمد جورماز رئيس الشؤون الدينية بجمهورية تركيا، حيث رحب بالحاضرين، وأشاد بالمجلس ودوره في خدمة الأقلية المسلمة في أوروبا، وبالقرارات والفتاوى التي صدرت والتي كان لها أثر طيب في النهوض بالفكر الوسطي المعتدل في أوروبا، وذكر أن الإسلام هو دين الرحمة، ونبينا هو نبي الرحمة، وأمة الإسلام هي الأمة الوسط، وأمة الشهادة على الناس، لكن الواقع الأليم يدل على التقصير في القيام بهذا الواجب.

وختمت الجلسة بكلمة سماحة رئيس المجلس العلامة يوسف القرضاوي، ركز فيها على أهمية الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن، ومسؤولية الجميع في توصيلها بصورة حضارية، وطالب العلماء بالاجتهاد في خدمة قضايا الأمة، وبالقيام بدورهم للنهوض بها؛ لأنهم هم المسؤولون أمام الله تعالى، وختم كلامه بنبذة طيبة من السيرة النبوية العطرة ومنهج من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة فمن بعدهم لتكون قدوة لنا جميعًا في منهجنا وسلوكياتنا.

ثم توالت أعمال المجلس لهذه الدورة، وتناولت محاور متعددة في الإبانة عن هدي الإسلام في إقرار السلام والأمان ومنع الظلم والعدوان، استعرضت فيها البحوث التالية:

1 – أسباب الانحراف الفكري وعلاجه الشامل في الإسلام (دراسة شرعية تحليلية)، أ.د. علي القره داغي.

2 – السلام في تاريخ الإسلام نظرية وتطبيقًا، د. طاهر مهدي.

3 – واقع المسلمين في المجتمعات الأوروبية بين المواطنة والتهميش، د. صهيب حسن.

4 – الدعم الدولي لنظم الاستبداد وأثره في تنامي الإرهاب، د. جاسر عودة.

5 – الإسلاموفوبيا وتعبيراتها في الواقع الأوروبي، أ. حسام شاكر.

6 – أسباب الغلو وتجارب الحوار مع المتطرفين، أ.د. عصام البشير.

7 – وثيقة التفاهم والتعايش وفق المنهج الوسطي والمبادئ والمقاصد للتعايش، أ.د. علي القره داغي.

8 – الأسباب الاجتماعية والتربوية والسياسية لظاهرة الغلو لدى بعض الشباب، أ. فرانسوا بيرغا.

9 – الإرهاب في ميزان الشرع، الشيخ حسين حلاوة.

10 – النصوص القرآنية والنبوية في الجهاد ومنهج فهمها، العلامة أ.د. يوسف القرضاوي.

11 – حول مفهومي الشهادة والشهيد من منظور إسلامي وأثرهما على نظرة المسلم إلى الحياة، أ.د. جمال بدوي.

12 – الجهاد نظام الدولة الدفاعي، د. طاهر مهدي.

13 – حول التكفير والردة، أ.د. عبد الستار أبو غدة.

14 – حد الردة وحرية الاعتقاد، د. خالد حنفي.

15 – نحو رؤية أعمق لمسألة الاندماج، أ. أحمد الراوي.

16 – دور المؤسسات الإسلامية في تحصين الشباب من الغلو، أ. عبدالله بن منصور.

17 – الخطاب الإسلامي ودوره في تأصيل الوسطية ومناهضة الغلو، الشيخ أمين الحزمي.

18 – المرجعية الإسلامية في أوروبا: المحددات، عوامل التشكّل والإشكاليات، أ.د. أحمد جابالله.

19 – تجربة الجماعات التركية الإسلامية في أوروبا في تكريس المرجعية الدينية المعتدلة، د. مصطفى ملا أوغلو.

20 – التجربة التركية في تحصين الشباب من الغلو، أ. د. أكرم كلش.

وتمت مناقشات مستفيضة لمضامين هذه البحوث، تمخضت عن مجموعة من القرارات والفتاوى والتوصيات.

كما أن المجلس بحث على مدار أربع جلسات إدارية سبل تطوير وزيادة تفعيل دور المجلس ورسالته على الساحة الأوربية، واتخذ في ذلك جملة من القرارات والتوصيات الإدارية، كما شكل اللجان لوضع الخطط وبدء العمل، والإعلان عن النتائج في الدورة القادمة بإذن الله تعالى.

وفيما يلي ذكر القرارات والفتاوى والتوصيات المتعلقة بموضوع هذه الدورة:

أولًا: القرارات

قرار 1/26

منهج فهم النصوص القرآنية والنبوية في الجهاد

نوقش هذا المحور، وانتهى المجلس بعد مداولات إلى ما يلي:

إن حسن فهم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وسلامة فهم أقوال الفقهاء الواردة في موضوع الجهاد وفق منهج علمي وسطي رصين من شأنه أن يعصم الفكر عن الوقوع في الغلو وتنزيل النصوص على غير ما تنطبق عليه.

وإن كثيرا مما يستند إليه الغلاة في آرائهم وأفعالهم الخاطئة يعود إما إلى الاستناد إلى نصوص قرآنية ونبوية صحيحة أسيء فهمها أو تنزيلها، أو إلى نصوص حديثية لم يثبت سندها ولا يصح الاحتجاج بها.

وإن من قواعد المنهج السليم في فهم النصوص القرآنية والنبوية وفي فهم التراث الفقهي في موضوع الجهاد ما يلي:

أولًا: حسن الفهم والتعامل مع آيات الجهاد.

يجب أن نفهم القرآن في ضوء أساليب اللغة العربية، بحقيقتها ومجازها، مُراعين السِّبَاق والسياق واللِّحاق، غير متعسِّفين ولا متكلفين، جامعين بين النصوص بعضها وبعض، موقنين بأن هذا الكتاب يُصدِّق بعضه بعضًا، ويُفسِّر بعضه بعضًا، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

ثانيًا: حسن الفهم والتعامل مع أحاديث الجهاد في السنة النبوية.

من المعلوم بالضرورة للكافة أيضا أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، ونعني بها السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وتقريره، والتي جاءت بها الأحاديث التي صحَّ سندها بلا انقطاع ولا شذوذ ولا عِلَّة، ولا تُعارض ما هو أقوى منها وأثبت: من القرآن أو من أحاديث أخرى، أو من منطق العلم والعقل، بحيث تكون مبيِّنة لما نزل به القرآن لا مُعارضة له، وتسير في ضوء ما أنزل الله من الكتاب والميزان.

ثالثًا: في التعامل مع التراث الفقهي.

إن الفقه الحقَّ ليس هو النقل من الكتب، فإن الكتب تمثِّل عصرها وبيئتها. بل الفقه الحقُّ اجتهاد الفقيه لزمانه ومكانه وعالمه، كما اجتهد السابقون لزمانهم ومكانهم وعالمهم، ولا كلُّ ما صلح لعصر يصلح لغيره، ولا كل ما صلح لبيئة يصلح لغيرها، ولا سيما أن التغيُّر في زماننا صار كبيرًا جدًّا. والفقيه الحق هو الذي يُزاوج بين الواجب والواقع، كما قال ابن القيم رحمه الله، فلا يعيش فيما يجب ولا يكون مُغْفِلًا ما هو كائن.

رابعًا: التفريق بين الثوابت والمتغيرات في قضية الجهاد.

إن على الفقيه المسلم في عصرنا إذا تحدَّث عن الجهاد أو القتال أو الحرب: أن يدرك جيدًا حقيقة التغيرات الكبيرة والجذرية في هذا المجال على مستوى العالم، ولا بد له لكي يصدر حكمًا شرعيًّا قويمًا أن يفرِّق بين الثوابت والمتغيرات، فمما لا ريب فيه: أن هناك ثوابت في هذه القضية، مثل (سنة التدافع) التي قرَّرها القرآن في دفع الله الناس بعضهم ببعض.

ومثل: أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم، وأن الحرب عارضة، تكتب على المسلمين وهي كره لهم.

ومثل: أن الأصل في الدعوة إلى الإسلام: الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

ولكن هناك متغيرات حدثت في العالم، منها: استنكار الحروب والنفور منها ومن موقدي نارها.

ومنها: الرغبة في السلام والتعايش السلمي مع المخالفين.

ومنها: ظهور مواثيق دولية أصبحت موضع احترام العالم كله في الجملة، مثل: ميثاق حقوق الإنسان، ومثل ميثاق الأمم المتحدة، وغيرهما.

ومنها: ظهور مؤسسات دَوْلية اعترف بها العالم وشارك فيها، مثل: (هيئة الأمم المتحدة)، و(مجلس الأمن الدولي)، و(محكمة العدل الدولية)، و(هيئة اليونسكو)، وتوابعها.

ومن آثار ذلك: وجوب احترام سيادة الدول الإقليمية، ووجوب حلِّ النزاع بين الدول بالطرق السلمية، وتحريم استعمال أنواع معينة من الأسلحة.

ومنها: ظهور اتفاقيات (دولية)، مثل: اتفاقية إلغاء الرِّق من العالم، واتفاقية جنيف بشأن الأسرى.

في ضوء ما سبق بيانه فإننا – بصفتنا مسلمين – نستطيع في ظلِّ إسلامنا وقرآننا وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نعيش في عالم ينادي بالسلام لا الحرب، وبالأمان لا الخوف، وبالتسامح لا التعصُّب، وبالحب لا الكراهية، وبالحوار لا الصدام، وبالتعارف لا التناكر.

نستطيع أن نعيش مع الأمم المتحدة، والقوانين الدولية، ومواثيق حقوق الإنسان، والرفق بالحيوان، وجماعات حماية البيئة، ولا عجب، فقد كان الإسلام بتعاليمه سباقاً إلى تأسيس المبادئ الدولية، وإلى رعاية حقوق الإنسان، سيَّما الضعفاء والمعُوقين، والرحمة بالحيوان، ورعاية البيئة بكل مكوناتها، ورعاية التوازن الكوني.

قرار 2/26

أسباب الانحراف الفكري لدى الشباب المسلم

نوقش هذا المحور، وانتهى المجلس بعد مداولات إلى ما يلي:

أولًا: أولى الإسلام عناية قصوى بإصلاح الفكر والتصورات، وبالتربية الفكرية التي تؤدي إلى صياغة عقول سوية بعيدة عن أحادية الفكر والتصور، وهذا يقتضي بذل الجهود لتحقيق هذا الهدف بدءًا من البيت والروضة والمدرسة، وانتهاءً بالجامعة، من خلال إصلاح المناهج والبرامج وتطويرهما.

ثانيًا: إن الانحراف الفكري هو الينبوع المسبب لكل المفاسد والشرور والرزايا، ويترتب عليه الانحراف السلوكي والخلقي.

ثالثًا: إن للانحراف الفكري في إطار المجتمع المسلم أسبابه، والتي من أهمها:

1 – التربية الدينية الخاطئة في بيان العلاقات والتصورات، وبخاصة في مجال التوسع في التكفير والتفسيق والتبديع، وفي مجال الولاء والبراء.

2 – الاستبداد والقهر السياسي والكبت ومصادرة الحريات في بقاع من العالم الإسلامي.

3 – اليأس والإحباط من قبل الشباب المسلم في تلك البقاع من الوصول بالطرق السلمية إلى أنظمة عادلة تحترم خيارات الشعوب، وحقها في الحرية والحياة الكريمة.

4 – الجهل المركب بالقضايا الكبرى، كفهم الولاء والبراء، والتكفير، والجهاد، ودار الحرب ودار الإسلام، وغير ذلك؛ للأسباب التالية:

أ –    الأخذ بحرفية النص وظاهره دون رعاية معانيه ومقاصده ومآلاته، وترك الأخذ بالمبادئ والقواعد الأصولية في تفسير النصوص الشرعية.

ب –    اتباع المتشابهات.

ج –    القراءة الانتقائية غير الكاملة للنصوص الشرعية.

د –    جعل المختلفِ فيه مجمعًا عليه، والوسائلِ مقاصدَ، والإسرافِ في التحريم بدلًا من رعاية أصل الإباحة.

5 – اتخاذ من لا علم لهم مرجعية شرعية، والعمل على إسقاط دور العلماء المتمكنين، بل إبعادهم عن الشباب من خلال تشويه صورتهم.

6 – التخلف والفقر والبطالة والمشاكل الاقتصادية.

7 – غربة الإسلام في ديار الإسلام، حيث ليس له الأثر المطلوب في حياة الناس وفي القوانين والتشريعات.

8 – الدعم الدولي لنظم الاستبداد والقمع في بعض بقاع العالمين العربي والإسلامي، والالتفاف على خيارات الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية والكرامة.

9 – عمليات القتل والإرهاب التي تمارسها دول وأنظمة في ظل صمت دولي، كالذي يجري في سوريا وفلسطين وغيرهما، كل ذلك يهيئ أذهان بعض الشباب المسلم لردود فعل غير مقبولة، وللإصابة بالإحباط الذي يدفع نحو الغلو والتطرف.

رابعًا: إن العلاج الناجع هو ما يتناول جميع أسباب الانحراف الفكري وفق منهج علمي قائم على الاستفادة من جميع الوسائل المؤثرة، والتجارب القديمة والجديدة، وفقه المراجعات.

قرار 3/26

الإرهاب في ميزان الشرع

نوقش هذا المحور، وانتهى المجلس بعد مداولات إلى ما يلي:

إن الإسلام يحرم أي إرهاب يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان، كل إنسان، في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه، أو أي شيء يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم، أو الاعتداء على حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أموالهم، بل يرفض كل عمل يريق دماء الأبرياء ويزهق أرواح الآمنين وينشر الفساد في الأرض، أيًّا كان دين مُنَفِّذِه، ذلك بأن ديننا الحنيف يحترم النفس الإنسانية ويرعى حرمتها، ويحرم الاعتداء عليها، ويجعلها من أكبر الكبائر، إذ يقول الله تعالى: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:  32]، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “لَا يَزَالُ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا”().

والإسلام يحض الناس جميعًا على إزالة، بل استئصال شأفة كل أسباب الإرهاب سواء الاجتماعية أو التربوية أو السياسية أو الاقتصادية، والتي تثير في النفس السخط والعنف، وهي بمثابة البيئة التي ينمو فيها الفكر المنحرف، والغلو في الدين، بل إنه يقرر مبدأ “المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ”()، وما من شيء أقوم لعلاج هذه الظاهرة إلا إقامة العدل بين الناس وإعطاؤهم حقوقهم، وعدم الكيل بمكيالين، والاهتمام بالشباب خاصة، وإفساح المجال لهم ليساهموا بإيجابية في بناء المجتمع الذى يعيشون فيه.

قرار 4/26

التفاهم والتعايش وفق المنهج الوسطي

نوقش هذا المحور، وانتهى المجلس بعد مداولات إلى ما يلي:

1 – إن النصوص الشرعية المتظافرة تدل على أن الإسلام أنزل ليكون رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وأنه يقوم على الإحسان وحسن التعامل مع الخالق والخلق أجمعين.

2 – إن الوسطية في الإسلام تقتضي تحقيق التوازن والعدالة في الفكر والعقيدة والسلوك.

3 – جعل الله تعالى الناس جميعًا خلفاء في الأرض التي خلقها للناس جميعًا، فقال تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] أي لجميع المخلوقات، والجميع شركاء في الأرض فيجب أن يتعايشوا جميعًا حتى ينعموا بخيراتها.

4 – إن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو السلم والتعايش والتعاون، إلا في حالة الاعتداء والظلم، فحينئذ يكون رده مشروعاً في جميع الشرائع السماوية والقوانين الدولية.

5 – إن الإسلام وضع مجموعة من المبادئ العظيمة لترسيخ هذه العلاقة، من أهمها:

أ –    أن البشر جميعًا من أصل واحد وهو (آدم وحواء)، وأنهم جميعًا مكرَّمون ولهم حقوقهم على حد سواء، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]؛ ولذلك أمر الله تعالى بصلة الأرحام من جميع بني آدم فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

ب –    الاعتراف بأن اختلاف الأديان والفرق والأفكار من سنن الله تعالى، كما ان اختلاف الألوان والألسنة والطبائع ومظاهر الكون من سنن الله تعالى.

ج –    الأصل في حل المشاكل هو الحوار والجدال بالتي هي أحسن، رعاية لمنهج القرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

د –    الأصل في التعامل بين الناس العدل والمساواة والرحمة والإحسان، والوفاء بالعهود والعقود، والقيم والأخلاق السامية.

هـ –    إن الأصل في الاسلام هو عدم تكفير أي مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله، ولا ينكر شيئًا ثابتًا عُلِمَ في الدين بالضرورة.

و –    إن الجهاد في الإسلام هو بذل ما في الوسع لخدمة الدين ونفع الخلق، وأن القتال إنما يشرع إذا توافرت شروطه وآدابه، وكان لردع الظلم والعدوان، ولتحقيق الحرية للجميع، وهو حق مشروع للدولة في جميع القوانين الدولية للدفاع.

ز –    إن التحقيق أن الآيات التي ذَكَرَت الولاء، إنما أريد بها ولاء النصرة لمجتمع متحد متماسك، وهو مجتمع الحقوق والواجبات. والولاء المطلوب هو ولاء الحق ضد الباطل، وولاء الخير ضد الشر، وولاء الوحدة ضد التفرق والتمزق والتشرذم. وأما الآيات التي ذكرت البراء فإنما أريد بها النصرة والتأييد عند النزاع والحروب الظالمة.

ح –    إن تقسيم الدور إلى دار إسلام، ودار حرب، هو تقسيم فقهي خاص بزمنه، وأن جميع الدول اليوم في العالم ما عدا الدول المحاربة هي دول عهد وأمان، حيث السفارات، وبينها العهود والمواثيق الدولية والخاصة.

قرار 5/26

ضوابط المرجعية الدينية لمسلمي أوروبا

تناول المجلس البحث حول حاجة المسلمين في أوروبا أفرادًا ومجموعات إلى مرجعية دينية راشدة، تقوم بدور التوجيه الإسلامي ودور الإفتاء في القضايا الفقهية والشرعية كحاجة ماسة، وأن حالة الاضطراب في وضوح هذه المرجعية الدينية اليوم بسبب تعدد مصادر التلقي عبر الوسائط المختلفة، وخصوصًا الإلكترونية، تقتضي بيان مجموعة من الضوابط لحسن اختيار المرجعية الدينية:

أولًا: العودة إلى أهل العلم الراسخين الذين يجمعون بين الزاد الشرعي، والخبرة بالواقع، والقدرة على حسن التنزيل للأحكام والفتاوى الشرعية على الواقع الأوروبي.

ثانيًا: التأكيد على أهمية المرجعية الدينية المؤسسية التي تجمع عددًا من أهل الاختصاص الشرعي، كالمجامع الفقهية، وكالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث باعتباره مجلسًا شرعيًّا متخصصًا في شؤون الحضور الإسلامي في أوروبا.

ثالثًا: العناية بوسائل الاتصال الحديثة التي تساعد على تحقيق التواصل بين المرجعية الدينية وبين الأئمة والدعاة وعموم المسلمين في أوروبا.

ثانيًا: الفتاوى

فتوى 1/26

تقدم بعض صفوف المصلين على الإمام لضيق المكان

السؤال: لدينا مكان من طابقين نقيم فيه صلاة الجماعة، الطابق الأول هو الأكبر مساحة، ونستغله للرجال، نقيم فيه الصلوات الخمس والجمعة، وطلبت منا بعض الأخوات إفراد الطابق السفلي لهن لإقامة الصلاة مع الجماعة يوم الجمعة، وحضور بعض الدروس التي تقام في المسجد، إلا أن مخطط هذا المكان يجعل النساء متقدمات في صفوفهن على الإمام ببعض الأمتار، ونحن في حيرة من أمرنا ونلتمس منكم إنارتنا، علمًا بأن بعض المصلين يرى عدم جواز ذلك تمامًا، ونحن في إدارة المسجد نرى إمكانية ذلك للضرورة، كما نرى فيه مصلحة لأخواتنا؛ لما يتحقق به من إشراكهن في النشاطات، وذلك إلى أن نتمكن من إيجاد مكان آخر مناسب.

كذلك، فإن بنيتنا في إدارة المسجد الاعتماد عليكم كمرجعية فقهية في كل الأمور الفقهية والفتاوى، وشأن الهلال في رمضان، وفي باقي المناسبات، ونحن على يقين بأنكم الأجدر في التقييم والإجابة عن تساؤلاتنا كمقيمين بأوروبا خاصة، ونتطلع هنا في إيطاليا لأن تكون لديكم لجنة بهذه البلاد، وفقكم الله وجزاكم عنا خير الجزاء.

الجواب: الأصل في صلاة الجماعة أن يقف المؤتمون خلف الإمام، ولا يتقدَّمون عليه إلا للضرورة والحاجة الملحة التي تقدر بقدرها؛ لما ثبت في الحديث الصحيح: “إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ”()، والإمام كما يقول العلماء – رحمهم الله – مأخوذ من الأمام، وهو المعروف من فعل الصحابة – رضوان الله عليهم – في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده.

 فإذا اقتضت الحاجة إلى تقدُّم بعض المؤتمِّين على الإمام لضيق مكان ونحوه، فلا بأس في ذلك، وهو مذهب المالكية أن الصلاة قُدَّام الإمام صحيحة مع الكراهة من غير عذر، كما جاء في “مختصر خليل” في معرض حديثه عن المكروهات: “وصـلاةٌ بين الأساطين أو أمام الإمام بلا ضرورة”، ونصوا على أنه لو تقدم المأموم لعذر كضيق المسجد جاز من غير كراهة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور والشافعي في القديم وداود الظاهري.

والذي ننصحكم به أن تخصصوا جزءًا من الطابق الأول للنساء إن كان فيه متَّسعٌ، فإن لم يتَّسع فلا بأس من فتح الطابق السفلي لهنَّ على ما تقدم.

ولا تخفى حاجة المرأة المسلمة لشهود الجمعة وغيرها والمناسبات الدينية ومجالس العلم، فلا ينبغي أن يُحرم النساء حقهن في ذلك، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ”().

فتوى 2/26

الضريبة والزكاة

السؤال: عندما يقبض تاجر العقار ثمن العقار عند بيعه فإن قانون الضرائب يُلْزِمه بدفع ضريبة مقدارها 35% من إجمالي الربح. فلو حان موعد إخراج الزكاة قبل موعد دفع الضرائب، فهل يُخْرِج الزكاةَ عن ثمن العقار كاملًا؟ أم يخرجها من الثمن بعد حسم الضريبة؟

الجواب: بما أن الضريبة المذكورة 35% حق ثابت على ثمن العقار، فإن الزكاة تجب في ثمن العقار إذا توافرت شروطها، وذلك بعد حسم الضريبة المقررة؛ لأن الدين الثابت في الذمة يُحْسَم من وعاء الزكاة.

فتوى 3/26

الزكاة في المال المحجوز ضمانًا

السؤال: تاجر في مجال الاتصالات الهاتفية، يقوم عمله على الشراء بالجملة لكميات كبيرة من الوحدات الهاتفية من شركة كبيرة للاتصالات، ثم يقوم ببيعها مفرقة على زبائنه. الشركة التي يتعامل معها كزبون تشترط عليه دفع مبلغ نقدي بقدر حجم مشترياته السنوية، تحجزه الشركة كضمان طوال مدة التعامل بينهما، بحيث لا يحق له أن يتصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرف، وقد يمتد ذلك سنين طويلة. ويتم التعامل بينهما أنه كلما اشترى منهم كمية من الوحدات الهاتفية يدفع ثمنها مؤجلًا بأجل أقصاه 45 يومًا. فهل تجب الزكاة كل سنة على المبلغ المحجوز؟

الجواب: خدمة الاتصالات منفعة، والمنافع تزكى إيراداتها التي تبقى لدى المزكي من تمليك الوحدات الهاتفية إلى الزبائن. أما المبلغ المأخوذ ضمانًا فهو ليس ناميًا، والملك ليس تامًّا عليه؛ وذلك لعدم تمكن صاحبه من استثماره وتنميته. وعليه، فلا زكاة فيه إلى أن يسترده صاحبه فيزكيه لسنة واحدة.

فتوى 4/26

زكاة المقاول على مبلغ مدفوع مقدَّمًا للاستصناع

السؤال: أحيانا يطلب مني بعض الزبائن أن أبني له بيتًا مقابل مبلغ من المال يُدْفَع عند العقد (استصناع)، فإذا حان موعد الزكاة قبل إنشاء البيت، فهل أدفع الزكاة عن المبلغ المقبوض في العقد (وهو ثمن البيت)؟ أم على المبلغ بعد حسم تكلفة الإنشاء؟

الجواب: الزكاة في النقود ترتبط بما يبقى منها في آخر الحول. وبما أن تكلفة الإنشاء هي مصروفات تخرج من ملك المزكي، فتبقى الزكاة على ما بقي عنده من المبالغ المقبوضة محسومًا منها ما صُرِفَ على الإنشاء، ويضم المزكي ذلك إلى موجوداته الزكوية الأخرى من مواد خام للمتاجرة بها بعد تصنيعها، مع جميع ما يؤول إليه من نقود، وما لَه من ديون مرجوة السداد.

فتوى 5/26

زكاة العقار المعد للتجارة

السؤال: تاجر في العقار يقول: عندما أعرض دارًا للبيع مثلًا، فقد يأخذ ذلك سنين قبل أن تباع، فهل تجب زكاة هذه الدار في كل سنة من السنوات التي ظلت فيها معروضة للبيع؟ أم يزكى ثمنها عند البيع؟ وإذا كانت زكاتها تجب في كل سنة فهل على القيمة أم على سعر التكلفة؟ وإذا كان على القيمة ثم باع بأقل من القيمة، فهل يُحْسَم الزائد من زكاة العام المقبل؟

الجواب: إن الدار المعروضة للبيع تجب فيها الزكاة؛ لأنها معدة للتجارة لا للسكن الشخصي. وتحسب زكاتها بتقييم ثمن الدار في نهاية كل حول وإخراج ربع العشر 2.5%. ويجب إخراج الزكاة عن كل عام هجري، ولا يجزئ إخراجها عامًا واحدًا عن كل السنوات. والزكاة لا تربط بثمن الدار عند البيع قل أو كثر، وإنما يجب إخراجها عن قيمة الدار على رأس كل حول. أما إذا كان عدم البيع يعود إلى الكساد أو إشكالات إدارية فيزكى زكاة سنة واحدة عند بيعها.

فتوى 6/26

الزكاة عن منحة الدولة للأيتام

السؤال: مجموعة من صناديق الدولة تدفع أموالًا للأيتام عند وفاة الأب، وتبقى هذه الأموال محفوظة في حسابات خاصة لا يُمَكَّن منها اليتيم ولا من يليه حتى يبلغ  ١٨ من عمره. فهل تجب الزكاة في هذه الأموال؟

الجواب: إن جماهير الفقهاء يرون وجوب الزكاة في جميع أموال اليتامى إذا بلغت النصاب وحال الحول وتوافرت فيها بقية الشروط المطلوبة، وخالفهم في ذلك الإمام أبو حنيفة في غير زكاة ما تنتجه الأرض.

والصحيح الراجح هو قول الجمهور؛ لأن الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة عامة في جميع الأموال التي تتوافر فيها الشروط، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:  24 – 25]، كما استدلوا لذلك بحديث: “اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى؛ لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ”().

ولكن أموال الأيتام المسؤول عنها والتي تسمى “منحة الوفاة”، حيث إنها أموال لا يسمح للأيتام ولا لأوليائهم التصرف فيها حتى يبلغوا 18 سنة، فهذه لا يتناولها الحكم السابق؛ لعدم القدرة عليها قبل ذلك وتنميتها، وإنما تجب الزكاة فيها عند استلامها، وحينئذ يدفع عنها زكاة سنة واحدة.

فتوى 7/26

الأموال المحسومة من الضريبة عند الدفع من الزكاة لهيئة خيرية

السؤال: قانون الضرائب في فرنسا يُعْفِي المتبرعين للجمعيات التعليمية والخيرية وغيرها أكثر من ٦٠ ٪ من المبلغ المتبرع به. فلو كان على الشخص أن يُخْرِج ١٠٠٠ يورو زكاة، فإن الدولة تُعْفِيه من ٦٠٪ من ذلك المبلغ، ولا تأخذ إلا من ٤٠٪. فهل ذلك يجعله مزكيًا عن كل ماله؟

الجواب: الحكم في دفع الزكاة في الحالة المذكورة ما يأتي:

أولًا: إن ما يبقى من بعد الضرائب المدفوعة فعلًا، هو الذي تجب فيه الزكاة.

ثانيًا: إن ما يؤخذ للضرائب فإنه يُحْسَم من الوعاء الزكوي، ولكنه لا يعد زكاة.

ثالثًا: إن نسبة الضرائب المسترجعة أو المعفاة تدخل في الوعاء الزكوي، فيجب دفع الزكاة منها بنسبتها الشرعية بعد توافر الشروط المطلوبة للزكاة.

فتوى 8/26

حساب فدية الصوم

السؤال: ما هي طريقة حساب الفدية عن صيام رمضان؟

الجواب: مما لا شك فيه أن صيام شهر رمضان فرض على جميع المسلمين المكلفين إلا مَنْ كان مسنًّا، أو كان مريضاً مرضًا لا يرجى شفاؤه، ومن كان في معناهما، فهؤلاء حيث لم يتمكنوا من الصيام للعذر، فعليهما دفع الفدية بدله؛ وذلك لبقاء الرخصة لهم في قوله تعالى: {‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏} [البقرة: 184‏]، وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: “لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ، وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا”().

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: “وأجمعوا على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة أن يفطروا”.

وقد حُدِّدت الفدية بطعام مسكين لكل يوم، واختلف في تفسير الطعام، فذهب المالكية والشافعية إلى أن مقدار الفدية هو مُدّ من غالب قوت البلد عن كل يوم، والـمُدّ هو ربع صاع، والصاع كيل يختلف مقداره بالوزن حسب نوعية الطعام، ولكن تقديره بكيلوين وربع أو نصف هو الأقرب. وذهب الحنفية إلى أن مقدار الفدية هو صاع إلاّ من القمح، فنصف صاع.

والذي نرجحه أن التقدير بالـمُدّ والصاع اجتهاد ليس عليه نص صريح يمنع غيره، ولذلك ذهب بعض السلف إلى تفسير الطعام بمعناه الشامل للخبز واللحم، فقد ثبت عن أنس بن مالك أنه كان في العام الذي مات فيه لم يستطع أن يصوم رمضان، فأطعم ثلاثين مسكينًا خبزًا ولحمًا، وزيادة حَفنة أو حَفْنتين. وفي رواية عنه: أنه ضَعُفَ عن صوم شهر رمضان وكبر عنه، فأمر بمساكين فأطعموا خبزًا ولحمًا حتى أُشْبِعُوا().

وبناءً عليه، فإن الأولى أن تُقوَّم الفدية بطعام مسكين وجبتين كل يوم أو قيمتهما، وذلك بحسب أوسط طعام المفطر (صاحب العذر)؛ لأن الله تعالى قال: {‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏} [البقرة:  184]، وطعام مسكين في عصرنا لا يتحقق بأن يُعْطى ربع صاع، أي حوالي نصف كيلو من القمح، أو حتى كيلو منه، بل إطعامه بأن تشبعه ليومه، وهذا إنما يتحقق بوجبتين لمن قدر على ذلك، أما من لم يكن قادرًا فله أن يدفع ما أمكنه: ربع صاع، أو نصف صاع، أو صاعًا (بحسب ما تقدم) أو قيمة ذلك.

كما يراعى في قدر الطعام وصفته وقيمته عرف البلد الذي يقيم فيه دافع الفدية.

ولا مانع شرعًا من دفع الفدية ونحوها إلى المؤسسات الخيرية التي توصلها إلى مستحقيها.

فتوى 9/26

فتح وكالة وسيط للتأمينات والعمل في هذا المجال

السؤال: ما حكم فتح وكالة وسيط للتأمينات، أو العمل في هذا المجال؟ علمًا أن لدي خبرة في ذلك، وأعمل مع مؤسسة تبيَّن لي أن عقودها مع الزبائن تقوم على الكذب والغش والتغرير والتدليس والسرقة والتحايل باستغلال ثغرات قانونية تتعلق بالتأمينات عمومًا، مما جعلني أقرر الخروج منها؛ رغبة في إيجاد بديل مشروع، وهو التأمينات الإسلامية التي تخضع للشروط والأركان التي تقرها العقود في هذا المجال.

والصيغة هي: فتح مكتب، أكون الوسيط فيه بين الوكالة والزبون، مع الشفافية في توضيح كل بنود العقد والابتعاد عما ذُكِر سلفًا من التغرير والتدليس وغير ذلك. أي أن العقد يقوم على الوضوح والشرح المدقق لحقوق الزبون وكيفية حصوله عليها، وكيفية فسخ العقد عند وجود مبرره، إلى سائر ما يتعلق بهذه المعاملة.

الجواب: ما دمت مقتنعًا وعالمًا بأن وكالة الوسيط للتأمينات التي تعمل فيها تقوم على الكذب والتغرير والغش والتدليس والسرقة والتحايل كما ذكرتَ، فإنه لا يجوز لك البقاء في هذا العمل، بل يجب السعي لعمل آخر لا تشوبه المحرمات المذكورة وغيرها مما لا يحل. وعليه، فإن قرارك صحيح في السعي إلى فتح مكتب يؤدي عمل الوساطة بشكل مباح، فقد أمرنا الله تعالى بالسعي للكسب الحلال الطيب والابتعاد عن المحرمات، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].

فتوى 10/26

الطلاق البدعي وطلاق الغضبان

السؤال: ما هو حكم الطلاق البدعي، وطلاق الغضبان؟ حيث احتار الناس والمفتون عندنا في ذلك.

الجواب:

أولًا: حكم الطلاق البدعي.

وهو الطلاق الذي خالف السنة في طريقة وقوعه، بأن يطلق الرجل زوجته في طُهْر جامعها فيه، أو يطلقها في حالة الحيض أو النفاس. وهو غير جائز باتفاق العلماء.

وهذا الطلاق وإن كان غير جائز فإن جمهور العلماء يقولون بوقوعه، ويستحبون للزوج أن يراجع زوجته بعد ذلك، وبعضهم يوجب عليه أن يراجعها، كما هو مذهب الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد؛ وذلك لحديث ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها(). وظاهر الأمر الوجوب في نظر أكثر العلماء.

وقال طائفة من العلماء: لا يقع؛ لأنه طلاق لم يشرعه الله تعالى، ولا أَذِنَ فيه، فليس من شرعه تعالى، فكيف يقال بنفوذه وصحته؟ وقد جاء في الحديث الصحيح: “مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”()، وهذا ما ذهب إليه بعض السلف وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم.

وحيث إن المسألة اجتهادية، فإن الذي نرجحه هو الرأي الثاني، وهو عدم وقوع الطلاق البدعي؛ لأنه هو الذي يتفق مع مقاصد الشريعة في تحقيق السكن والاستقرار، والمحافظة على تماسك الأسرة، وذلك من أهم المقاصد الخاصة بهذا الشأن.

ثانيًا: حكم طلاق الغضبان().

وهذه المسألة خلافية، وهي على التفصيل التالي:

1 – أن الغضبان الذي لا يُرَى عليه أثر غضبه فلا يتغير عليه عقله، وأنه يعلم ما يقصده ويقوله، فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وصحة تصرفاته.

2 – أن الغضب الذي يبلغ إلى نهايته، بحيث ينغلق على صاحبه القصد الحقيقي والإرادة فلا يعلم ما يقول، فهذا لا يقع طلاقه؛ لأنه معذور شرعًا، وعليه يدل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ”().

3 – الغضبان المتوسط غضبه بين الحالتين السابقتين، فهذا هو محل خلاف، والذي يظهر رجحانه هو عدم وقوع طلاقه؛ لأنه داخل في الحديث السابق، ولأن الطلاق تصرف إرادي تترتب عليه آثار خطيرة وكبيرة، فيجب أن يتوافر فيه القصد بصورة واضحة، وأن لا يشوبه إكراه أو غضب، كما أن جماعة من الفقهاء، ومنهم طاوس اليماني وإسماعيل بن إسحاق القاضي من كبار علماء المالكية، قالوا بعدم انعقاد يمين الغاضب، استدلالًا بقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225].

ومقياس الغضب المؤثر، على ما ذكره بعض الفقهاء، كابن عابدين، هو أن يفقد اتزانه في الكلام والتصرف، بحيث يقول ويفعل ما ليس من شأنه وعادته في حال الهدوء والرضا. وزاد ابن القيم بأن يندم على ما فرط فيه إذا زال الغضب. وندمه بعد زوال الغضب دليل على أنه لم يكن يقصد الطلاق.

وينصح المجلس بالرجوع إلى أهل العلم لديكم من الأئمة والعلماء؛ لعرض المسألة من أجل تحديد نوع الغضب وحكمه في ضوء ما سبق.

فتوى 11/26

أخذ المطلقة من معاش مطلقها بعد وفاته بحكم القانون

السؤال: امرأة مطلقة منذ سنتين توفي مطلقها عن زوجة ثانية، فقسمت الجهات الرسمية بحسب ما يقتضيه قانون البلد حق المعاش بين الزوجة المتوفى عنها ومطلقته، فهل لهذه المطلقة حق في ذلك؟

الجواب: المعروف أن الزوجة المطلقة التي انتهت عدتها كما في السؤال المعروض ليس لها حق في أموال زوجها المطلِّق ومعاشه الذي يتركه بعد موته مما كان اكتسبه أو استحقه في حياته. لكن معاش الزوج المتوفى الذي تقرره الدولة أو تأمينه الاجتماعي لا يدخل في التركة لأنه مال نشأ بعد الوفاة، وإنما هو حق تلتزم به الدولة أمام أسرة المتوفى المستحق للمعاش. وعليه، فإنه إذا كان قانون بلد مّا يحكم بحق مشاركة المطلقة في ذلك المعاش فلا مانع لها من قبوله.

فتوى 12/26

المنتجات المصرفية الإسلامية (أمانة)

السؤال: يزمع بنك العمل والاقتصاد BAWAG P.S.K وصندوق الادخار FN 2025240X، تقديم منتجات مصرفية للمواطنين المسلمين في النمسا، وهى المنتجات التي تراعى الجانب الديني في التعاملات المالية. وكان من المرتقب أن تصدر في النصف الأول من عام  2016 منتجات مصرفية جارية مشتملة على إمكانية التمويل الآجل، وفى النصف الثاني من العام نفسه يقدم البنك عرض أوعية استثمار تلبي متطلبات المجتمع الإسلامي في النمسا.

ويعتزم البنك المذكور أعلاه طرح ثلاثة نماذج مصرفية إسلامية، وسيتضمن كل نموذج إمكانيات المعاملات المصرفية والمعاملات المباشرة في فروع البنك (نظير تكلفة إضافية)، والمعاملات عبر الصراف الآلي، علاوة على توفير بطاقة حساب لجميع النماذج، ويمكن كذلك إتمام جميع المعاملات المصرفية الإسلامية على خدمة (شكرًا)، من خلالها يحصل العميل تلقائيًّا مع كل عملية شراء ببطاقة الحساب على خدمة ( شكرًا)، ومن خلالها يمكنه الاستفادة من العديد من المزايا حسب الاختيار.

وعلاوة على ذلك تتوفر للعملاء الخدمات التالية: حجز البطاقات، السحب النقدي للطوارئ، خدمة الصناديق، خدمة تغيير الحساب، إغلاق الحساب والاستعمالات الهاتفية حول الرصيد.

الحساب الأول سيتم فقط عن طريق الحساب القائم فعليًّا، أما الحسابان الآخران فسيكونان مزودين باحتياطي تسوق وبطاقة ائتمان، ولن يدفع البنك المذكور أعلاه فائدة ربوية على الودائع الموجودة، كما لن تحسب أي فائدة ربوية في حالة تجاوز الحد الائتماني (السحب على المكشوف).

لهذه الخدمات سيتم استقطاع رسوم شهرية حسب نموذج الحساب الجاري، كما وسيتم فرض رسوم خدمة العملاء فيما يتعلق بالمعاملات المصرفية، وفق قائمة أسعار البنك المذكور، يتم إبرام العقد بخصوص هذه النماذج من الحسابات بين بنك BAWAG P. S. K والعميل مباشرة.

كما يدير بنك BAWAG P. S. K صناديق مالية لشركات استثمارية، مثل الشركة الفرنسية AMUNDI SA والتي تعد من أكبر الشركات الأوروبية في مجال إدارة الأصول (رؤوس الأموال)، هذه الشركات لديها صناديق استثمار في حافظتها المالية، والتي تستخدم مؤشر داو جونز الإسلامي كمقياس، وهو مؤشر عالمي للأسواق الإسلامية، ويشكل أول معيار للأداء الاستثماري للأسهم المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتستخدم هذه المؤشرات التي تتضمنها عائلة مؤشرات داو جونز للأسواق الإسلامية كمعايير لقياس الأداء الاستثماري وتتوافر أيضًا للترخيص باستخدامها كأساس للمنتجات الاستثمارية. إضافة إلى ذلك، وعبر فحص توافق الاستثمارات مع أحكام الشريعة من خلال مجلس شرعي مؤلف من علماء شرع مختصين عالميين، تساعد المؤشرات في خفض تكاليف الأبحاث والمحافظ الاستثمارية. أما الاستثمارات في هذه الصناديق فتتم في شركات تعمل معظمها في مجال استخراج المواد الخام وتصنيعها (النفط والنيكل والنحاس والألومنيوم)، وأيضًا في مجالات التكنولوجيا والصناعة والطاقة والاتصالات، هذه الاستثمارات هي استثمارات مساهمة ومضاربة لا تتضمن أي تعامل مع أي نوع من الربا (الفوائد)، كما وأنها عرضة للمكسب الشرعي والخسارة، وسيتم اعتماد سياسة الاستثمار لكل صندوق من قبل هيئات الرقابة الشرعية، مثل (AMUNDI ISLAMIC SICAV)، ويتحقق الدفع في أي من هذه الصناديق إما بصورة شهرية أو دفعة واحدة، وكذلك السحب منها يكون بنفس الكيفية: إما بصورة مستمرة أو لمرة واحدة. ولم تتم حتى الآن الموافقة في النمسا على إدراج أي من هذه الصناديق، حيث إن المصادقة عليها تتم عن طريق تقديم طلب مشترك من بنك BAWAG P. S. K وشركاء الصناديق الاستثمارية، وسيتولى بنك BAWAG P. S. K  إدراج المنتجات المصرفية الإسلامية المذكورة من واقع اختصاصه الوظيفي والقانوني والفني.

الجواب: نشكركم على حرصكم بتوجيه السؤال الخاص بالبنك إلى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ولكن بما أن المجلس ليس لديه المعلومات الكافية، ولم تقدم إليه العقود والوثائق لتدقيقها؛ لذلك لم يتمكن من الإجابة عنه. فإذا أردتم الجواب الدقيق فإنه يمكن للمجلس إحالتكم إلى لجنة من الخبراء المختصين بالصيرفة الإسلامية للقيام بذلك.

والمجلس يشجع على إنشاء المؤسسات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، ويؤكد على أهمية وجود هيئات متخصصة تراقب عمل هذه المؤسسات وتصحح عقودها.

ثالثًا: التوصيات

ومما خلص إليه المجلس في هذه الدورة التوصية بما يلي:

أولًا: دعم الاندماج الإيجابي لمسلمي أوروبا في مجتمعاتهم؛ من أجل تحقيق مشاركة فاعلة في إطار ‏المواطنة الصالحة التي تكفل الحقوق، وتساعد على الوفاء بالواجبات.‏

ثانيًا: دعوة المؤسسات الإسلامية في أوروبا إلى مواصلة العمل من أجل الاندماج الإيجابي في المجتمع المدني، والمشاركة في مختلف مجالات مؤسساته؛ خدمة للصالح العام، والمساهمة في أمن واستقرار المجتمعات الأوروبية.

ثالثًا: دعم المؤسسات التعليمية الخاصة التي يرعاها المسلمون في أوروبا، حتى تؤدي دورها في تقديم تعليم وسطي معاصر يصحح المفاهيم ويجدد الفكر الإسلامي.

رابعًا: دعوة الحكومات الأوروبية إلى دعم مسيرة الشعوب نحو الحرية والديمقراطية، وإلى مراجعة السياسات التي تؤدي نتائجها إلى دعم الممارسات الاستبدادية في بلاد الأغلبيات المسلمة؛ نظرًا لأن هذا الدعم يصب في مصلحة الجماعات المتطرفة.

خامسًا: على علماء الأديان جميعًا إدانة التأويلات الخاطئة والبعيدة عن ملابساتها التاريخية للنصوص الدينية التي تعطي للمتطرفين تبريرًا لأعمال العنف، وعليهم أن يعملوا لإدانة سياسات الحكام غير العادلة التي تصنع المتطرفين الذين يلجؤون إلى العنف، سواء أكانت في الغرب أم في سائر بلاد العالم.

سادسًا: ضرورة تطوير الخطاب الديني وتجديده، وتحديث وسائله وآلياته لمواكبة الواقع المتجدد، وأن يكون معبرًا عن خصائص الإسلام من الوسطية والاعتدال، ونبذ العنف والغلو والتطرف، متسمًا بالحكمة والموعظة الحسنة، معززًا لقيم المواطنة والعيش المشترك.

سابعًا: تأهيل المتصدرين للخطاب الديني من أئمة ومرشدين ومرشدات تأهيلًا متكاملًا يشمل الدراية بالشرع ومقاصده، والمعرفة بالواقع ومتطلباته، ومآلات التصرفات، وذلك اجتنابًا لأي تبعات سلبية قد تضر بالمجتمع أو تسيء إلى الإسلام نتيجة خطاب متشنج يفتقر إلى الرشد والصواب.

ثامنًا: قيام المراكز الإسلامية بدورها في توجيه الشباب إلى الالتزام بما يوجبه عليهم عهد المواطنة في أوروبا من المحافظة على السلم الاجتماعي، والحرص على نفع الناس، والبعد عن العاطفة التي تغري بعضهم بالهجرة عن أوطانهم باسم الجهاد أو غيره بحسب التفسيرات الخاطئة التي تخرج عن سياقها الشرعي فتنتهي بهم إلى الهاوية.

وفي هذا السياق يُذَكِّر المجلس أنه بالرغم من واجب نصر المظلوم لرفع الظلم عنه ودفع العدوان، فإنه لا يجوز أن يقوم المسلم بنصرة إخوانه بطرق مخالفة للشريعة ولا خارجة عن القوانين، كما لا يُسَوِّغ لنفسه بحالٍ الإساءة إلى المجتمعات التي ينتمي إليها، فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

ثامنًا: تجسيد المسلمين في الغرب قِيَم الإسلام وتعاليمه في سلوكهم وتصرفاتهم، ليكون وجودهم بوابة كبرى للتعريف بقيم الإسلام السمحة، وأن يحذروا من السلوك المناقض لتعاليمه لما يترتب على ذلك من الصد عن سبيل الله، كما عليهم أن لا يكونوا ذريعة يستغلها الحاقدون لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، وأن يعملوا على التعريف برسالة الإسلام بالوسائل والأساليب الحضارية التي تتوافق مع قوانين البلاد ولا تُخِلُّ بالسلم الاجتماعي وثوابت العيش المشترك.

ويذكّر المجلس عموم المسلمين في أوروبا بما سبق أن أوصى به من:

1 – أن يراعوا الحقوق كلها، وأن يعطوا الصورة الطيبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم.

2 – أن يقوموا بدورهم بالإبداع والابتكار، وتشجيع ذلك على كافة المستويات.

3 – أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة أبنائهم وبناتهم تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف.

4 – أن يلتزموا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات المواطنة أو عقد الإقامة، والالتزام بالقانون والنظام العام في البلاد التي يعيشون فيها.

5 – أن يجتنبوا العنف بكل صوره ومظاهره، وأن يكون أسلوبهم الرفق والرحمة والحكمة في التعامل مع الناس جميعًا كما يأمرهم الإسلام، وأن ينكروا على كل من حاد عن هذا الطريق الإسلامي السوي.

6 – وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا، ويلتزموا الأخوّة، والسماحة، والوسطية، والتعاون على البر والتقوى، ورعاية الحوار الهادئ والأساليب السليمة في معالجة قضايا الخلاف، بعيدًا عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامة، وإلى الأقليات المسلمة خاصة، فيتلقفها بعض الناس للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ]النحل:  125[.

ختام الدورة:

بعد انتهاء المداولات العلمية للمجلس فقد تقرّر أن يكون انعقاد الدورة القادمة في السابع عشر من شهر شوال 1438هـ الموافق للحادي عشر من شهر يوليو (تموز) من العام 2017م بإذن الله تعالى.

والمجلس في ختام دورته يتقدّم بخالص الشكر للأمانة العامة للمجلس وجميع من قام من الإخوة الكرام على العمل لإنجاح هذه الدورة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق