البيانات الختامية

البيان الختامى للدورة الثانية عشر

البيان الختامي
للدورة العادية الثانية عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث
 المنعقدة في مقره بدبلن في الفترة
من 6 – 10 ذي القعدة 1424هـ الموافق 31/12/2003 – 4 يناير 2004
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد..
فقد انعقدت بعون الله وتوفيقه الدورة العادية الثانية عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في مقره بدبلن (جمهورية أيرلندا) في الفترة من 6–10 ذي القعدة 1423هـ الموافق 31/12/2003 – 4 يناير 2004م، برئاسة سماحة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس المجلس حفظه الله، وبحضور أغلبية الأعضاء، وبعد أن استهل المجلس جلساته بتلاوة من كتاب الله تعالى، ألقى سماحة رئيس المجلس كلمة توجيهية شاملة، رحب فيها بأصحاب الفضيلة أعضاء المجلس والسادة الضيوف والإعلاميين الذين حضروا لتغطية أعمال الدورة، والإخوة والأخوات الذين حضروا جلسة الافتتاح، كما أشاد سماحته بدور المجلس وما يقدمه في فتاواه من منهج مستنير، جعل المسلمين في أوربا ينتظرون هذه الفتاوى التي لا تشبع نهم الطالبين والراغبين، على الرغم من كثرتها، وأشار سماحته إلى أن المجلس يعقد اجتماعه هذا في آخر أيام عام 2003 الذي حمل الكثير من الأهوال والكروب والحروب والمفاجآت والذي قاست الأمة فيه وعانت كثيراً، معرباً عن أمله في أن يكون العام 2004 عام سلام وأمن على الشعوب عامة.
وأبرز ما تحدث عنه سماحته من مفاجآت العام المنصرم قضية الحجاب، وذلك فيما صدر من دعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك لإصدار قرار يحظر على المسلمات ارتداء الحجاب.
وأشار سماحته إلى أن الأمر ليس بالجديد على فرنسا، فقد أثير عام 1994م، وتردد الكلام أن الحجاب رمز، وقد أجاب عن ذلك منذ زمن بقوله: “إن المرأة المحجبة تستجيب لأمر ربها، ولا تقصد بالحجاب أي رمز، وأشار إلى أن ما يلبسه الرجل والمرأة في عرف الفكر العلماني هو حرية شخصية، ولا علاقة بين ارتداء الحجاب والتدخل في شئون الدولة”، وتساءل: “ما علاقة أن تلبس المرأة غطاء رأسها بسياسة الدولة العامة؟”.
وقال: إن “قضية الحجاب حرية شخصية ودينية، وإن كانت فرنسا لا تمنع العري والإباحية، فلماذا تمنع المسلمات من الحجاب؟”، واستشهد سماحته بقول شيراك: “إن حرية المعتقد مكفولة لكل مواطن وكل إنسان، والتعبير عن حرية المعتقد مكفول أيضاً”.
وأضاف سماحته أن “التعبير عن المعتقد قد يكون بالكلام وقد يكون بالسلوك، والمرأة تعبر عن إيمانها بالحجاب، وإلا فمعنى هذا أن التعبير عن حرية المعتقد التي نادى بها شيراك حبر على ورق، أو كلام أجوف لا فائدة منه”.
وتابع قائلاً: “إذا كان الإسلام يدعو أبناءه أن يتسامحوا مع الآخرين، فلماذا لا يتسامح غير المسلمين مع المسلمين، إن كلام شيراك دعوة للمسلمات أن يُطعنَ أمرهُ هو، وأن يَعْصِينَ الله تعالى”.
وأضاف: “نحن المسلمين في شريعتنا لا نضيّق على المخالفين فيما أبيح لهم في شريعتهم، فلهم أن يأكلوا لحم الخنزير، وهو محرم بنص القرآن عندنا، وأن يشربوا الخمر، وهي أم الخبائث في الإسلام، حتى إن الإمام أبا حنيفة قال: من أتلف خمراً لذمي غرم قيمتها، لأنها مال متقوَّم عنده”.
وأبدى سماحة رئيس المجلس أسفه لما بدر من بعض المسلمين إزاء مسألة الحجاب في فرنسا من موقف سلبي، معتبراً أن “بعض من ينتسبون للإسلام يقولون كلاماً لا يعقل ولا يفهم، ولا يقوم على أي تصوّر إسلامي”.
ثم تناول سماحته قضية الوسطية وأبان عن كونها المنهج الذي يتبناه المجلس منذ قيامه، وتُنادي الأوساط الدولية اليوم – على اختلاف مستوياتها في الغرب والشرق، من المسلمين وغير المسلمين – بتبنيه، وأبدى تخوفه من أن تكون “الدعوة إلى الوسطية موجهة لغير أهلها، أو توضع في غير محلها، أو تستخدم لأغراض شخصية أو استبدادية، ليست في صالح الشعوب الإسلامية، وإنما للسعي وراء تحقيق بعض المكاسب السياسية تحت غطاء الوسطية”.
وحرصاً على أن يكون منهج الوسطية منهجاً مستقيماً يؤتي ثماره، ولا يستغل في أغراض بعيدة عن نشأته، وضع سماحته عشرين ضابطاً لمنهج الوسطية، تبرز ملامحه وتحدد معالمه، وتحسم منطلقاته وأهدافه، وتميزه عن غيره من التيارات، تتمثل فيما يلي:
1- الملاءمة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر.
2- فهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة في ضوء مقاصدها الكلية.
3- التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة.
4- التشديد في الأصول والكليات، والتيسير في الفروع والجزئيات.
5- الثبات في الأهداف، والمرونة في الوسائل.
6- الحرص على الجوهر قبل الشكل، وعلى الباطن قبل الظاهر، وعلى أعمال القلوب قبل أعمال الجوارح.
7- الفهم التكاملي للإسلام بوصفه: عقيدة وشريعة، ديناً ودنيا، ودعوة ودولة.
8- دعوة المسلمين بالحكمة، وحوار الآخرين بالحسنى.
9- الجمع بين الولاء للمؤمنين، والتسامح مع المخالفين.
10- الجهاد والإعداد للمعتدين، والمسالمة لمن جنحوا للسلم.
11- التعاون بين الفئات الإسلامية في المتفق عليه، والتسامح في المختلف فيه.
12- ملاحظة تغير أثر الزمان والمكان والإنسان في الفتوى والدعوة والتعليم والقضاء.
13- اتخاذ منهج التدرج الحكيم في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير.
14- الجمع بين العلم والإيمان وبين الإبداع المادي والسمو الروحي، وبين القوة الاقتصادية والقوة الأخلاقية.
15- التركيز على المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية، كالعدل والشورى والحرية وحقوق الإنسان.
16- تحرير المرأة من رواسب عصور التخلف، ومن آثار الغزو الحضاري الغربي.
17- الدعوة إلى تجديد الدين من داخله، وإحياء فريضة الاجتهاد من أهله في محله.
18- الحرص على البناء لا الهدم، وعلى الجمع لا التفريق، وعلى التقريب لا المباعدة.
19- الاستفادة بأفضل ما في تراثنا كله: من عقلانية المتكلمين، وروحانية المتصوفين، واتباع الأثريين، وانضباط الفقهاء والأصوليين.
20- الجمع بين استلهام الماضي، ومعايشة الحاضر، واستشراف المستقبل.
وفي ختام كلمته دعا سماحته المسلمين إلى التزام الإسلام، وهو كبرى نعم الله على البشر، وعدم التفرق والتشرذم، كما دعاهم إلى التعاون على البر والتقوى، اتباعاً لقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].
وبعد جلسة الافتتاح عقد المجلس جلسة إدارية استعرض فيها جدول أعماله المشتمل على التقرير الدوري للأمانة العامة، وموضوعات أخرى، واتخذ القرارات اللازمة للأعمال الإدارية والمالية.
وفي الأيام التالية توالت جلسات العمل، والتي سعد المجلس فيها باستضافة البروفسور بيتر كوننجسفيلد رئيس قسم تاريخ الأديان بجامعة ليدن ومدير معهد دراسات الأديان بهولندا، والبروفيسور داوود جريل دينس رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة إكس في فرنسا، واللذَين كانت لهما مشاركات مشكورة خلال جلسات المجلس نالت استحسان سماحة رئيس المجلس وأعضائه، كما حضر الجلسات عدد من الباحثين والباحثات و طلاب العلم الشرعي.
وتدارس المجلس مجموعة من الموضوعات المدرجة على جدول أعماله، واتخذ بشأنها القرارات والفتاوى والتوصيات المناسبة، أبرزها ما يلي:
 
أولاً: القرارات
القرار رقم (1/12)
حول حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب
تناول المجلس هذا الموضوع الخطير بسبب تداعيات توجه الحكومة الفرنسية إلى منع ما سمي بـ(الرموز الدينية)، والذي يتناول المسلمات في فرنسا، وبعد مناقشات مستفيضة أصدر المجلس بخصوص ذلك البيان المرفق، كما شكل لجنة لمتابعة الحوار حول الموضوع برئاسة معالي العلامة الشيخ عبدالله بن بيّة وزير العدل الأسبق بمورتانيا عضو المجلس.
 
القرار رقم (2/12)
حول مواقيت الصلاة والصيام
في البلاد ذات خطوط العرض العالية
تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية، واستمعوا إلى الدراسات الشرعية والفلكية المقدمة من بعض الأعضاء، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس، وقرر ما يلي:
أولاً: تأكيد القرار السادس الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية ونصه:
“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد r.
أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406 هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع “أوقات الصلاة والصيام لسكان المناطق ذات الدرجات العالية“.
ومراعاة لروح الشريعة المبنية على التيسير ورفع الحرج وبناءً على ما أفادت به لجنة الخبراء الفلكيين، قرر المجلس في هذا الموضوع ما يلي:
أولا. دفعاً للاضطرابات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعي في تحويل هذه العلامات إلى حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس فوق الأفق أو تحته، كما يلي:
 (1) الفجر: ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضاً في الأفق “الفجر الصادق” ويوافق الزاوية (18ْ) تحت الأفق الشرقي.
(2) الشروق: ويوافق ابتداء ظهور الحافة العليا لقرص الشمس من تحت الأفق الشرقي ويقدر بزاوية تبلغ (50َ) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(3) الظهر: ويوافق عبور الشمس لدائرة الزوال ويمثل أعلى ارتفاع يومي للشمس يقابله أقصر ظل للأجسام الرأسية.
(4) العصر: ويوافق موقع الشمس الذي يصبح معه ظل الشيء مساوياً لطوله مضاف إليه فيء الزوال، وزاوية هذا الموقع متغيرة بتغير الزمان والمكان.
(5) المغرب: ويوافق اختفاء كامل قرص الشمس تحت الأفق الغربي، وتقدر زاويته بـ(50َ) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(6) العشاء: ويوافق غياب الشفق الأحمر حيث تقع الشمس على زاوية قدرها (17ْ) تحت الأفق الغربي.
ثانياً. عند التمكين للأوقات يكتفى بإضافة دقيقتين زمنيتين على كل من أوقات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإنقاص دقيقتين زمنيتين من كل من وقتي الفجر والشروق.
ثالثاً. تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:
المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45ْ) درجة و(48ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة طالت الأوقات أو قصرت.
المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (48ْ) درجة و(66ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.
المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً أو ليلاً.
رابعاً. والحكم في المنطقة الأولى: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم، ومن عجز عن صيام يوم أو إتمامه لطول الوقت أفطر وقضى في الأيام المناسبة.
خامساً. والحكم في المنطقة الثانية أن يعيّن وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما في ليل أقرب مكان تتميّز فيه علامات وقتي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط (45ْ) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45ْ) درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.
سادساً. والحكم في المنطقة الثالثة أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45ْ) درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرين ساعة في المنطقة من (66ْ) درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات في خط عرض (45ْ) درجة.
فإذا كان طول الليل في خط عرض (45ْ) يساوي (8) ساعات، وكانت الشمس تغرب في الساعة الثامنة، وكان العشاء في الساعة الحادية عشرة جعل نظير ذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45ْ) درجة في الساعة الثانية صباحاً كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه وبُدئ الصوم منه حتى وقت المغرب المقدّر.
وذلك قياساً على التقدير الوارد في حديث الدجّال الذي جاء فيه: (قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض – أي الدجال – قال: أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كجمعة . . . إلى أن قال: قلنا يا رسول الله: هذا اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره) [ أخرجه مسلم وأبو داود في كتاب الملاحم ]. والله ولي التوفيق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين”. انتهى قرار المجمع الفقهي.
ثانياً: نظراً إلى أن هذه القضية اجتهادية وليست فيها نصوص قطعـية فلا يرى المجلس حرجـاً في الاعتماد على تقديرات أخرى صـادرة من هيئات فتوى إسـلامية مثل الاعتماد على درجـة انحطاط الشمس بدرجة (12) الموافقة لصلاتي الفجـر والعشاء ومثل تحديد الفارق الزمني بين وقتي المغرب والعشاء ووقت الفجر وشروق الشمس بساعة ونصف.
وينصح المجلس الجهات الإسلامية المسئولة في المساجد والمراكز الإسلامية باتباع الطريقة التي ذكرها المجلس والمتفقة مع ما انتهى إليه المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة كما ذكر أعلاه.
ثالثاً: يؤكد المجلس قراره السابق رقم (3/3) بشأن مشروعية الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء عند ضياع علامة العشاء أو تأخر وقتها، رفعاً للحرج وتيسيراً على المسلمين المقيمين في ديار الغرب، والله أعلم.
 
القرار رقم (3/12)
بشأن انتفاع الأطفال من لبن بنوك الحليب
القائمة في البلاد الغربية
تداول أعضاء المجلس في موضوع انتفاع أطفال المسلمين – ولا سيما الخدَّج وناقصي الوزن عند الولادة – من لبن بنوك الحليب المنتشرة في المجتمعات الغربية، والتي يحتاجها هؤلاء الأطفال إنقاذاً لحياتهم.
وبعد الاطلاع على القرار رقم 6(6/2) الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن إنشاء بنوك الحليب في العالم الإسلامي وحرمة الرضاع منها، استعرض المجلس الدراسات الفنية والشرعية المقدمة من بعض أعضائه حول بنوك الحليب، ونظراً لتغير الحيثيات التي استند إليها قرار المجمع الفقهي الدولي وبخاصة ما يتعلق بالمسلمين المقيمين في ديار الغرب، حيث إن هناك بنوكاً للحليب قائمة منذ زمن وتأخذ بالتزايد والانتشار من قطر إلى آخر، إضافة إلى تزايد أعداد المسلمين المقيمين في الغرب وعدم توافر المرضعات المعروفات كما هو الشأن في العالم الإسلامي فإن المجلس يقرر ما يلي:
أولاً : لا مانع شرعاً من الانتفاع من لبن بنوك الحليب عند الحاجة.
ثانياً:  لا يترتب على هذا الانتفاع التحريم بسبب الرضاعة؛ لعدم معرفة عدد الرضعات، ولاختلاط الحليب، ولجهالة المرضعات بسبب المنع القانوني المطبَّق في هذه البنوك من الإفصاح عن أسماء مُعْطِيات الحليب، فضلاً عن وفرة عدد هؤلاء المعطِيات الذي يتعذر حصره؛ وذلك استئناساً بما قرره الفقهاء من عدم انتشار الحرمة فيمن يرضع من امرأة مجهولة في قرية، لتعذر التحديد، ولأن الحليب المقدم من تلك البنوك هو خليط من لبن العديد من المرضعات المجهولات ولا تعرف النسبة الغالبة فيه، والله أعلم.
 
القرار رقم (4/12)
بشأن الأسواق المالية وتطبيقاتها
تداول أعضاء المجلس في موضوع الأسواق المالية (البورصة) والتطبيقات التي تجري فيها والتعامل بأسهم الشركات المساهمة واستمعوا إلى الدراسات الشرعية والاقتصادية المقدمة من بعض الأعضاء والمناقشات التي دارت حولها، ومن ثَمَّ قرر ما يلي:
يؤكد المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث القرار رقم 63(1/7) الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن الأسواق المالية، مع إضافة بعض وجهات النظر الشرعية التي اختارها المجلس، وذلك على النحو التالي:
قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي:
“أولاً الأسهم:
1 – الإسهام في الشركات:
أ – بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
ب – لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها.
ج – الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة”.
قرار تكميلي من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:
قرر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بالنسبة للأقليات الإسلامية في الغرب – حيث لا تتوفر المؤسسات الإسلامية والشركات ذات الأغراض والأنشطة المشروعة – أنه: لا مانع من تعاملها بأسهم الشركات المساهمة التي غرضها الأساسي مشروع وتتجنب الأغراض المحرمة، مثل الخمور والخنزير والقمار، ولو كانت لها إيداعات أو قروض ربوية أو موجودات ثانوية غير مشروعة، شريطة مراعاة الضوابط التي قررتها الهيئات الشرعية وصدرت بها فتاوى في الندوات المصرفية، وهي:
أ – عدم تجاوز القروض من البنوك التقليدية ثلث موجودات الشركة.
ب – وعدم تجاوز الفوائد 5% من العوائد.
ج – وعدم تجاوز الموجودات غير المشروعة 10% من الموجودات.
على أن يتم التخلص من الفوائد والكسب غير المشروع مهما كانت نسبتها، بصرف ذلك في وجوه الخير، وأن يكون التداول في حالة زيادة الموجودات العينية والمنافع، على الديون والنقود.
ويرجع إلى الجهات المعتمدة من الهيئات الشرعية لتصنيف الشركات المقبولة، مثل مؤشر داو جونز الإسلامي المعتمد من الهيئة الشرعية للمؤشر وغيره.
بقية قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي يؤكده المجلس:
“2 – ضمان الإصدار (UNDER WRITING):
ضمان الإصدار هو: الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم أو جزء من ذلك الإصدار، وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره.
وهذا لا مانع منه شرعاً إذا كان تعهد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التعهد، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه – غير الضمان – مثل: إعداد الدراسات، أو تسويق الأسهم .
3 – تقسيط سداد قيمة السهم عند الاكتتاب:
لا مانع شرعاً من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه، وتأجيل سداد بقية الأقساط؛ لأن ذلك يعتبر من الاشتراك بما عجل دفعه والتواعد على زيادة رأس المال، ولا يترتب على ذلك محظور؛ لأن هذا يشمل جميع الأسهم، وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير؛ لأنه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة.
4 – السهم لحامله:
بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة، وأن شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة، فلا مانع شرعاً من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها.
5 – محل العقد في بيع السهم:
إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة.
6 – الأسهم الممتازة:
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال، أو ضمان قدر من الربح، أو تقديمها عند التصفية، أو عند توزيع الأرباح.
ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية.
7 – التعامل في الأسهم بطريقة ربوية:
أ – لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن، وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.
ب – لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع، وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم؛ لأنه من بيع مالا يملك البائع، ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به، بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض.
8 – بيع السهم أو رهنه:
يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقضي به نظام الشركة، كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقاً، أو مشروطاً بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
9 – إصدار أسهم مع رسوم إصدار:
إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم لتغطية مصاريف الإصدار لا مانع منها شرعاً ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديراً مناسباً.
10 – إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار:
يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة (حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة)، أو بالقيمة السوقية”.
11 – ضمان الشركة شراء الأسهم (المؤجل حكمه في قرار المجمع):
قرر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أنه يجوز أن تصدر الشركة وعداً ملزماً بشراء الأسهم من بعض حملتها خلال مدتها، أو عند التصفية بالقيمة السوقية، أو بما يتفق عليه عند الشراء، ولا يجوز الوعد بالشراء بالقيمة الاسمية.
بقية قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي يؤكده المجلس:
“12 – تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة:
لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها؛ لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة، وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة.
كما لا مانع شرعاً من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام، وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية.
13 – حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها:
يجوز للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض الأسهم، بأن لا يتم إلا بواسطة سماسرة مخصوصين ومرخصين بذلك العمل؛ لأن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة.
وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية؛ لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة.
14 – حق الأولوية:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
15 – شهادة حق التملك:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
ثانياً: بيع الاختيارات:
صورة العقد:
إن المقصود بعقود الاختيارات: الاعتياض عن الالتزام ببيع شيء محدد موصوف، أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة أو في وقت معين، إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
حكمه الشرعي:
إن عقود الاختيارات – كما تجري اليوم في الأسواق المالية العالمية – هي عقود مستحدثة لا تنضوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة.
وبما أن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه، فإنه عقد غير جائز شرعاً.
وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداءً فلا يجوز تداولها.
ثالثاً: التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة:
1 – السلع:
يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية:
الطريقة الأولى:
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه.
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية:
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم وأن يتضمن شرطاً يقتضي أن ينتهي فعلاً بالتسليم والتسلم.
وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين، ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة، فإذا استوفى شروط السلم جاز.
وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها.
الطريقة الرابعة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم، دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس.
وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً.
2 – التعامل بالعملات:
يتم التعامل بالعملات في الأسواق المنظمة بإحدى الطرق الأربع المذكورة في التعامل بالسلع.
ولا يجوز شراء العملات وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة.
أما الطريقتان الأولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملات وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة.
3 – التعامل المؤشر:
المؤشر هو: رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة، يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالمية.
ولا يجوز بيع وشراء المؤشر لأنه مقامرة بحتة، وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده.
4 – البديل الشرعي للمعاملات المحرمة في السلع والعملات:
ينبغي تنظيم سوق إسلامية للسلع والعملات على أساس المعاملات الشرعية، وبخاصة بيع السلم، والصرف، والوعد بالبيع في وقت آجل، والاستصناع، وغيرها.
ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة وافية لشروط هذه البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلامية منظمة”.
 
القرار رقم (5/12)
حول فقه الأقليات
بحث المجلس على مدار يوم كامل محور فقه الأقليات، الموضوع الذي يوليه أهمية خاصة؛ من أجل ما ينبني على مراعاته من فهم واقع الوجود الإسلامي في غير البلاد الإسلامية، وتنزيل الأحكام الشرعية المناسبة على ذلك الواقع، وتم في هذا اللقاء استعراض الأبحاث التالية:
1 – في فقه الأقليات، لسماحة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس المجلس.
2 – الفرق بين الضرورة والحاجة، لسماحة العلامة الشيخ الدكتور عبدالله بن بية عضو المجلس.
3 – مدخل إلى فقه الأقليات، لفضيلة الدكتور طه جابر العلواني عضو المجلس.
4 – مآلات الأفعال وأثرها في فقه الأقليات، لفضيلة الدكتور عبدالمجيد النجار عضو المجلس.
5 – نظرات في فقه الأقليات المسلمة، لفضيلة الشيخ العربي البشري عضو المجلس.
6 – الضوابط المنهجية لفقه الأقليات المسلمة، لفضيلة الدكتور صلاح الدين سلطان عضو المجلس.
واستقر المجلس على صحة استعمال مصطلح (فقه الأقليات) حيث لا مشاحة في الاصطلاح، وقد درج العمل عليه في الخطاب المعاصر، إضافة إلى كون العرف الدولي يستعمل لفظ (الأقليات) كمصطلح سياسي يقصد به: “مجموعات أو فئات من رعايا دولة تنتمي من حيث العرق أو اللغة أو الدين إلى غير ما تنتمي إليه الأغلبية”.
كما استقر رأي المجلس على أن موضوع (فقه الأقليات) هو: الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسلم الذي يعيش خارج بلاد الإسلام.
ثانياً: الفتاوى
ورد إلى المجلس كم من الأسئلة، تناول طائفة منها بالإجابة، من أبرزها ما يلي:
 
الفتوى (1/12)
السؤال:
نحن هنا في بريطانيا، يحضر المسجد عندنا لشهود الجمعة من يفهم اللغة العربية ومن لا يفهمها، والجميع أو الأكثر يفهم لغة أهل البلد، فهل يجوز لنا إلقاء خطبة الجمعة بلغة المخاطبين وإن كانت غير العربية؟
الجواب:
حيث إن المقصود بخطبة الجمعة هو التعليم والإرشاد، فمراعاة لغة المخاطبين هو الأصل في خطابهم، ونبه القرآن الكريم على هذا المعنى في الإبانة عن وظيفة الرسل، فقال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيِّنَ لهم} [إبراهيم: 4]، وقال عز وجل: {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} [النحل: 35]، والبلاغ لا يكون مبيناً إلا إذا كان بلسان يفهمه المخاطب.
والأصل في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية إذا غلب على المخاطبين فهمها، وذلك من أجل حاجة الخطبة إلى الاستدلال بالآية من القرآن، والحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر الله تعالى، ليحصل بذلك الغرض منها، والأبلغ في كل ذلك أن يكون بالعربية، ثم تحقق حاجة من لا يفهمها بالترجمة له حسب ما تيسر.
والأشبه أن يكون هذا هو المراد في رأي جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن تكون الخطبة بالعربية.
فإن قل أو انعدم من يفهم العربية من الحاضرين، فلا مانع في أن تكون بلغتهم، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة حيث أجاز الخطبة بغير العربية.
 
الفتوى (2/12)
السؤال:
يقع للقائمين على بعض المؤسسات الإسلامية، كالمراكز أو المساجد أو الجهات الخيرية، أنهم يدعون المسلمين إلى التبرع لصالح مشروع معين، ثم يفضل من المال شيء بعد تنفيذ المشروع، أو يلغى ذلك المشروع أصلاً، فما الحكم في تلك الأموال؟ هل للقائمين على تلك المؤسسة حق التصرف فيها في مصالح عامة أخرى دون إعلام المتبرعين؟ وإذا لزمهم إعلام المتبرعين، فكيف العمل في حال تعذر ذلك؟
الجواب:
يُنْظر: فما أمكن تعيين كونه مال زكاة مفروضة، فإن المعطي لزكاة ماله لا يملك حق الاشتراط فيها أن تنفق في وجه مخصوص، وإنما محلها حيث مصارفها المبينة في كتاب الله تعالى بقوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله} [التوبة: 60]، فهذا يجعله القائمون على تلك المؤسسات في مصارفه باجتهادهم فيما يحقق مصلحة مجتمعهم.
وما لم يتعين كونه مال زكاة مفروضة، فالمتبرع قصد به ذلك المشروع المحدد الذي دعي إلى التبرع لأجله، فهو بتبرعه بمنزلة الواقف، والأصل التزام شرط الواقف، فلا يصرف ذلك المال إلا حيث أراد، وعليه: فإن عُرِفَ المتبرع بعينه وأمكن استئذانه فالواجب فعل بذلك، وإن تعذر وأمكن استئذان جماعة المتبرعين، شأن الأموال التي تجمع من المصلين في المساجد مثلاً، فيفعل ذلك، فإن تعذر فعل شيء من ذلك، فلا مانع من صرف المال في مشروع مشابه للمشروع الذي جمع لأجله، والأصل في ذلك كله قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].
 
الفتوى (3/12)
السؤال:
أعاني من زكام مزمن لا يفارقني طول أيام العام، ولا أستطيع ترك استعمال قطرة الأنف خلال النهار، فماذا أصنع بشأن الصيام في رمضان؟ هل يصح صومي مع استعمالي لذلك، علماً بأني أبتلع تلك القطرة ولا أقدر على تجنب ذلك، كما أني لا أستطيع الفدية لو كان ذلك يفطرني؟
الجواب:
لا حرج عليك في الصوم على ما وصفت من الحال، وصومك صحيح، إذ الصوم إنما هو الإمساك عن الشهوات، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: “يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي” (متفق عليه)، وقطرة الأنف ليست شهوة، وليست غذاءً، كما أن تعاطيها ليس بحاصل من منفذ الغذاء المعتاد.
 
الفتوى (4/12)
السؤال:
تعرفت على امرأة غربية اعتنقت الإسلام، وبسبب عدم إمكان التقائنا للزواج في بلدي، سافرت للقائها في بلد آخر، ففوجئنا في تلك البلاد بتعذر إجراء عقد الزواج لنا لأسباب قانونية، فقيل لنا بأننا يمكن أن نزوج أنفسنا ونشهد الله على ذلك، عائلتي وعائلتها يعلمان بزواجنا، وكنت طلبت يدها من أمها فوافقت على الزواج، فتزوجنا دون ولي ولا شهود، ظناً منا بصحة ذلك، وعليه تعاشرنا عشرة الأزواج، فما الحكم فيما قمنا به؟
الجواب:
هذا العقد على ما وصف السائل عقد فاسد لفقدانه الشروط الشرعية، فقد تم بغير ولي ولا شهود، ولم يقل بصحته على هذا النحو أحد من الأئمة المتبوعين، فالذين قالوا بعدم اشتراط الولي، وأن للمسلمة أن تزوج نفسها وهم الأحناف ومن قال بقولهم اشترطوا أن يكون ذلك بحضور الشهود، والذين لم يشترطوا الشهادة على العقد واشترطوها عند الدخول وهم المالكية اشترطوا أن يتم العقد بحضور الولي الشرعي للمسلمة، فإذا فقد لموته أو شرعاً (لعدم إسلامه) فالولاية تنتقل إلى غيره من المسلمين.
وعليه، فالواجب عليكما الامتناع عن المعاشرة الجنسية، حتى تقوما بإجراء عقد جديد بحضور الشهود من المسلمين وولي للمرأة إن وجد، فإذا فقد فيكفي في تزويجها من تقوم هي بتوكيله من المسلمين، وما أقدمتما عليه من المعاشرة قبل العلم بهذا الحكم فالواجب عليكما الاستغفار منه.
 
الفتوى (5/12)
السؤال:
هل يحل لبس المعطف المصنوع من جلد الخنزير؟
الجواب:
ما يتخذ من جلد الخنزير بعد دباغته هل يدخل في حكم الجلد النجس، أم يطهر بالدباغ؟
الذي تدل عليه الأدلة أن جميع الجلود النجسة تطهر إذا دبغت؛ لقوله r: “إذا دبغ الإهاب فقد طهر” (رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس)، وفي رواية: “أيما إهاب دبغ فقد طهر” (رواه الترمذي)، فأفاد هذا الحديث بروايتيه أن الدباغ مطهر لجلد ميتة كل حيوان، وذلك أن لفظ (أي) و(إهاب) لفظان عامان، فيشمل كل إهاب، ولم يأت من ذلك استثناء خنزير أو ميتة.
وعليه فلا حرج في استخدام جلد الخنزير المدبوغ في اللباس ونحوه.
 
الفتوى (6/12)
السؤال:
ما هي صفات الفقير الذي تصرف له زكاة المال؟
الجواب:
الفقير الذي جعله الله سبحانه وتعالى من الأصناف التي تصرف لها الزكاة في قوله: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة: 60]، اختلف في وصفه الفقهاء، والصحيح من أقوالهم: أنه الذي لا يملك مالا يكفيه في مطعمه وملبسه ومسكنه وسائر ما لا بد منه لنفسه ولمن تلزمه نفقته، من غير إسراف ولا تقتير، كمن يحتاج إلى عشرة ماركات ألمانية ولا يجد إلا ثلاثة أو اثنين.
على أننا ننبه إلى أن من كان ظاهر حاله الفقر، فلا مانع أن تعطى له الزكاة. وكذلك من ادعى أنه فقير فيصدق في قوله وتعطى له الزكاة. إلا إذا كان ظاهر حاله يدل على خلاف ذلك.
 
الفتوى (7/12)
السؤال:
تقوم بعض الشركات من باب الدعاية لمنتجاتها بإرفاق بعض الصور بها، فإذا قام شخص بتجميع بعض هذه الصور وإرسالها إلى الشركة فقد يحصل على جائزة رصدتها الشركة لمن يفعل ذلك، فهل لأحد أن يقوم بذلك لنيل تلك الجائزة؟
الجواب :
هذه الجوائز المذكورة لا حرج على المسلم في أخذها؛ وذلك لأنها تتم من طرف واحد وهي الشركة المانحة لها دون اشتراط زيادة في سعر السلعة، وإنما هو من باب الترويج لبضائعها ولا يتحمل الطرف الثاني (المشتري) أي خسارة تدخله في أحكام القمار المحرم شرعاً.
والممنوع فقط في هذه المسألة أن يشتري المسلم هذه السلع لغرض الحصول على هذه الجوائز، فهذا القصد يدخله في القمار المحرم.
 
الفتوى (8/12)
السؤال:
أنا مقيم في المملكة المتحدة وأعمل مترجماً لمراكز صحية، خدمات اجتماعية، معونات مالية، إلى غير ذلك، وأواجه مشكلة في عملي، وهي: أن بعض الزبائن يأتون إليّ للقيام بترجمة أقوالهم، فأفعل ذلك وأنا أعلم أنهم يكذبون فيما يقولون، وليس لدي حق التدخل لتكذيب أقوالهم، فهل أنا مذنب بسكوتي عن ذلك؟
الجواب:
عمل المترجم مشروع فيما تجوز ترجمته، ومن ذلك ما ينقله المترجم من أقوال الناس إلى مؤسسات الدولة، كدار القضاء ومراكز الخدمات الصحية والاجتماعية وغيرها.
فإذا كنت موظفاً في مؤسسة من هذه المؤسسات ويأتيك الناس لترجمة ما يصرحون به لهذه المؤسسات، فلا تكلف نفسك البحث في صدق هذه الأقوال؛ لأن الله لم يكلفك بذلك، وليس هو من مشمولات وظيفتك، فلا حرج عليك فيما تترجم من أقوال وإن كان أصحابها غير صادقين فيها، وغاية ما يطلب منك هنا إذا تحققت من كذبهم أن تنصح لهم، إذا كان ذلك لا يؤدي إلى مفسدة أكبر من مفسدة الكذب، ولا يتسبب في مخالفة قانونية.
وكذلك إذا كنت مترجماً خاصاً، فأنت غير مكلف بالبحث عن صدق زبائنك، ولا يجوز لك تتبع عوراتهم أو تسيء الظن بهم. فإن حصل لك علم يقيني أن القول الذي تترجمه كذب يؤدي إلى اقتطاع حق معصوم عاماً كان أو خاصاً، فلا يجوز لك أن تعين صاحبه على ذلك، لقوله تعلى: {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].
 
الفتوى (9/12)
السؤال: ما هو حكم التأمين على ما يقع تحت مسؤوليتنا من الأماكن التي يرتادها الجمهور، كالمكتبات والمراكز وشبهها، والتي قد يسبب وقوع بعض الحوادث فيها عجزنا عن التعويضات المترتبة على ذلك؟
الجواب:
إن عقود التأمين التقليدي (المطبقة في الغرب) الأصل فيها أنها ممنوعة شرعاً بسبب قيام التأمين التقليدي على أساس المعاوضة بتملك الشركة الأقساط لصالحها والتزامها بالتعويضات، وفي ذلك غرر بسبب عدم الجزم بوقوع الخطر، بحيث يقع الاحتمال في حصول التعويض أو عدمه، وكذلك الاحتمال في استفادة الشركة من الأقساط أو خسارتها مع غيرها.
والبديل الشرعي لذلك هو التأمين التكافلي القائم على تكوين محفظة تأمينية لصالح حملة وثائق التأمين، بحيث يكون لهم الغنم وعليهم الغرم، ويقتصر دور الشركة على الإدارة بأجر، واستثمار موجودات التأمين بأجر أو بحصة على أساس المضاربة. وإذا حصل فائض من الأقساط وعوائدها بعد دفع التعويضات فهو حق خالص لحملة الوثائق، وما في التأمين التكافلي من غرر يعتبر مغتفراً؛ لأن أساس هذا التأمين هو التعاون والتبرع المنظم، والغرر يتجاوز عنه في التبرعات.
وبما أن التأمين التكافلي لا يزال حديث النشأة ومحدود الانتشار وغير قادر على التأمينات الكبيرة فقد أفتت الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية بجواز اللجوء إلى التأمين التقليدي في حال الحاجة الماسة إلى حماية الموجودات وتأمين الأنشطة، وذلك على أساس أن الغرر يغتفر للحاجة.
وعليه: فلا مانع من الدخول في عقود التأمين المتاحة في الغرب في حال فقدان التأمين التكافلي، أو عدم إمكانية تغطيته لبعض المخاطر.
 
ثالثاً: التوصيات
يوصي المجلس المسلمين المقيمين في بلاد الغرب بما يلي:
1 – أن يراعوا الحقوق كلها، ويعطوا الصورة الطيبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم.
2 – أن يقوموا بدورهم بالإبداع والابتكار، وتشجيع ذلك على كافة المستويات.
3 – أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة الجيل الجديد – بنين وبنات – تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف.
4 – أن يسعوا جادين لإنشاء شركات ومؤسسات مالية تخلو من المخالفات الشرعية.
5 – أن يعملوا على تشكيل هيئات شرعية تتولى تنظيم أحوالهم الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، مع مراعاة الالتزام بالقوانين السائدة.
6 – أن يبذلوا وسعهم للحصول على اعتراف الدولة التي يقيمون فيها بالإسلام ديناً، وبالمسلمين أقلية دينية على غرار الأقليات الدينية الأخرى في التمتع بحقوقهم كاملة، وفي تنظيم أحوالهم الشخصية كالزواج والطلاق وفقاً لأحكام دينهم.
7 – أن يلتزموا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات عهد الأمان وشروط المواطنة والإقامة في البلاد التي يعيشون فيها، ومن أهم ما يجب عليهم الوفاء به ما يلي:
أ – أن يعتقدوا أن أرواح وأموال وأعراض غير المسلمين مصونة بمقتضى ذلك العهد الذي دخلوا به هذه البلاد، والذي لولاه لما سمح لهم بدخولها أو استمرار الإقامة فيها، وقد قال الله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً} ]الإسراء: 34[.
ب – أن يحترموا قوانين هذه البلاد التي آوتهم وحمتهم، ومكنتهم من التمتع بكل ضمانات العيش الكريم، وقد قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ]الرحمن: 60[.
ج – أن يجتنبوا كل أساليب الكسب الحرام على اختلاف أنواعه، ومنها سعي بعض المسلمين للحصول على معونة الضمان الاجتماعي بمخالفة القانون.
كما يوصي المجلس المسلمين عامة والمقيمين في بلاد الغرب خاصة بالاعتصام بحبل الله، والأخوّة، والسماحة، والوسطية، والتعاون على البر والتقوى، والتزام الحوار الهادئ والأساليب السليمة في معالجة قضايا الخلاف، بعيداً عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامة وإلى الأقليات المسلمة خاصة، فيتلقفها أعداء الإسلام والجاهلون به للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ]النحل: 125[.
 
نهاية أعمال هذه الدورة
الدورة التالية للمجلس:
اتفق أعضاء المجلس بالتنسيق مع الأمانة العامة على تحديد موعد الدورة الثالثة عشرة، وذلك مساء يوم الأربعاء 20 من جمادى الأولى 1425هـ الموافق 7/7/2004 حتى مساء يوم الأحد 24 من جمادى الأولى 1425هـ الموافق 11/7/2004م، إن شاء الله.
وسيكون جدول أعمالها مركّزاً على مشكلات الأسرة المسلمة في الغرب والحلول الشرعية لها.
ختام أعمال هذه الدورة:
ختم سماحة العلامة رئيس المجلس أعمال هذه الدورة بتوجيه خالص الشكر لهيئة آل المكتوم الخيرية على دعمها المستمر للمجلس، وللإخوة العاملين في المركز الثقافي الإسلامي في أيرلندا على ما بذلوه من كرم الضيافة وجميل الحفاوة وحسن الاستقبال ومن جهد تنظيمي مثمن، وكذلك الشكر لقناة “الجزيرة” الفضائية ومؤسسة “إسلام أون لاين” ومجلة “الأوروبية” على تغطيتهم الشاملة لوقائع الجلسات، والشكر للإخوة المراقبين والأخوات على حضورهم ومشاركتهم.
كما يتقدم المجلس بالشكر للحكومة الأيرلندية التي منحت تأشيرات السفر لأعضاء المجلس حتى يسّرت انعقاده على أراضيها على الوجه المرضي.
 
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
 
 
بيان المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث
حول مسألة الحجاب في فرنسا
 
إن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بصفته ممثلا للمرجعية الدينية الكبرى للمسلمين في أوروبا قد فوجئ ، كما فوجئ المسلمون في العالم بالتوجه لمنع ارتداء ما يسمى “بالرموز الدينية” في فرنسا ، والذي سيؤثر بالدرجة الأولى على حق المسلمات في فرنسا في ارتداء الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة.
وإن المجلس إذ يثمن اعتراف فرنسا بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وإذ يشيد بمواقف فرنسا العادلة تجاه قضايا عربية وإسلامية أساسية وبوقوفها ضد العولمة المهيمنة ودعوتها المتكررة إلى احترام التنوع الحضاري والثقافي  والتعايش بين الثقافات والحضارات والديانات، وإذ يتفهم كذلك قلق قطاع كبير من المجتمع الفرنسي إزاء بروز بعض الشعائر والتقاليد الإسلامية غير المعهودة في ثقافته ومحاولته أن يتعامل مع هذه الظاهرة  بما يحفظ وحدته وهويته،  ويحقق التعايش بين مكوناته،  فإن المجلس يود أن يوضح الأمور التالية:
 
1- أن التعايش بالنسبة للمسلم يعتبر أصلا في بناء المجتمعات الإنسانية،  ويقتضي الاعتراف بالتعددية والتنوع ، في إطار الوحدة القومية والإنسانية ، وإشاعة أجواء الحوار بين الثقافات والتعاون بين ومع الجماعات الدينية والعرقية المختلفة، والمحافظة على السلم الاجتماعي . ولطالما أكد المجلس في كل بياناته على حث المسلمين في أوروبا على العيش المشترك والاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها دون فقدان هويتهم ، والإسهام  في رقيّ وتقدم وأمن هذه المجتمعات ، وذلك انطلاقا من إيمانهم بالله تعالى رب الجميع وبأواصر الأخوة الإنسانية وما بينها من قواسم مشتركة رغم تنوعها الثقافي والحضاري.
 
2- أن المبادئ السابقة للعيش المشترك لا يمكن أن تطبق إلا باحترام الحريات الشخصية للأفراد والجماعات والحفاظ على حقوق الإنسان . وقد كان للثورة الفرنسية دورا مهما في ترسيخ هذه المفاهيم مما جعل فرنسا توصف بأنها “أم الحريات” ومن أهم البلاد التى يحافظ فيها على حقوق الإنسان.
 
 
3-  أنه ليس هناك تعارض حقيقي بين مقتضيات التعددية والتنوع  البشري وبين مقتضيات الوحدة الوطنية والتى لا يجوز أن تكون مبررا لمصادرة الحريات الشخصية والدينية
 
 
أوتهديد فرص المسلمين الفرنسيين أو غيرهم في التعليم والتكسب وتهميش دورهم كمواطنين،  وبالتالي الدفع بهم إلى مزيد من العزلة بدلا من التلاحم على إخوانهم المواطنين الفرنسيين ، 
كما لا يجوز أن تكون العلمانية الليبرالية مبررا لسن “قوانين صارمة” من شأنها الانقضاض على أهم حقوق الإنسان وحرياته وهما الحرية الشخصية والدينية . ولا يجوز كذلك أن تتخذ بعض التجاوزات في سلوك بعض المسلمين أو غيرهم بما لا يتفق ومتطلبات العيش المشترك كمسوغ لحرمان خمسة ملايين مسلم في فرنسا من حقوقهم المشروعة. إن احترام التنوع والمحافظة على الحريات هو الأساس المتين والضمان الأكبر للوحدة الوطنية والأمن العالمي وخاصة في الأمد البعيد.
 
4- أن ارتداء الحجاب أمر تعبدي وواجب شرعي وليس مجرد رمز ديني أو سياسي وهو أمر تعتبره المرأة المسلمة جزءا مهما من ممارستها المشروعة لتعاليم دينها،  وأن هذا الالتزام أمر غير مرهون بأي مكان عام سواء أكان من أماكن العبادة أم كان من المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية،  فإن تعاليم الإسلام بطبيعتها لا تعرف التناقض والتجزؤ في حياة المسلم الملتزم بدينه. وهو أمر أجمعت عليه كل المذاهب الإسلامية قديما وحديثا، وأقره أهل التخصص من علماء المسلمين في جميع أنحاء العالم. ويدخل في ذلك موقف فضيلة شيخ الجامع الأزهر الذي صرح بوضوح أن الحجاب الإسلامي فريضة شرعية وليس “رمزا دينيا”. أما ما نسب إليه من حق فرنسا كدولة ذات سيادة في سن ما تراه مناسبا من قوانين وتشريعات فهو أمر وارد ومقبول دوليا، ولكننا نحسب أنه كان من المفيد كذلك أن يضيف فضيلته أن هذا الحق مشروط كذلك بمواثيق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية وميثاق الأمم المتحدة،  فلا يتصور أن تكون سيادة أي دولة مبررا لتشريعات تناقض حقوق الإنسان وحريته الشخصية والدينية. ولعل هذا التوضيح من فضيلته كان حريّا بأن يمنع سوء تأويل موقفه الذي ظنّه البعض تخليا عن واجبه في معاضدة إخوانه المسلمين. أو غيرهم في المطالبة بحقوقهم المشروعة وأداء واجباتهم الدينية وبذلك يكون موقفه مطابقا لما أجمع عليه علماء الأمة بشتى مذاهبها في القديم والحديث.
 
5- أن إكراه المسلمة على خلع حجابها المعبّرعن ضميرها الديني واختيارها الحر يعتبر من أشد أنواع الاضطهاد للمرأة بما لا يتفق مع القيم الفرنسية الداعية إلى احترام كرامة المرأة وحريتها الشخصية والإنسانية والدينية. وإن المجلس ليؤكد على أن ارتداء المرأة المسلمة للحجاب يجب أن يكون مؤسَّسا على القناعة الشخصية والفهم ، وإلا فقد قيمته الدينية، وبالمثل فإنه لا يجوز إجبار المرأة المسلمة على خلع حجابها كثمن لتعليمها أو استفادتها المشروعة بمرافق الدولة.
 
 
 
 
6- أن هذا القانون المقترح وإن بدا أنه يشمل كل “الرموز الدينية” فإنه في المحصلة يستهدف تحديدا الحجاب الإسلامي مما يمثل تفرقة دينية ضد المسلمين،  و يخالف كل الدساتير والأعراف في ما يسمى بالعالم الحر.
 
7- أن المجلس ينصح المسلمين في فرنسا في مطالبتهم بحقوقهم المشروعة ومعارضتهم لمثل هذا القانون الظالم أن يلتزموا بالوسائل السلمية والقانونية ، قولا وعملا ، في إطار الديمقراطية وبالأسلوب الحضاري، وأن يثمّنوا إسهام إخوانهم وأخواتهم من المسلمين الذين أيّدوهم رغم اختلافهم معهم في موضوع ارتداء الحجاب، وكذلك إخوانهم وأخواتهم من غير المسلمين الذين وقفوا معهم دفاعا عن حريتهم الشخصية والدينية والإنسانية وإن لم يشاركوهم في اعتقادهم وممارساتهم الدينية،  فإن قضية الحريات الأساسية لا تتجزأ.
 
 
8- وفي النهاية يدعو المجلس المسؤولين في فرنسا على شتى المستويات أن يعيدوا النظر في هذا المشروع بما يتفق مع غايات الوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي والتعاون والتلاحم بين شتى قطاعات المجتمع الفرنسي في عصر حوار الحضارات لا صراعها.
 
9- ولمتابعة هذا الأمر شكل المجلس لجنة من أعضائه لعرض رؤية المجلس على الجهات المعنية في فرنسا وذل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق