البيانات الختامية

البيان الختامي للدورة الرابعة

البيان الختامي
للدورة العادية الرابعة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
انعقدت الدورة الرابعة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بالمركز الثقافي الإسلامي بدبلن بايرلندا في الفترة من 18-22 رجب 1420 هـ الموافق 27-31 أكتوبر 1999 برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور / يوسف القرضاوي رئيس المجلس و بحضور غالبية الأعضاء 0
و قد استعرض المجلس جدول أعماله المشتمل على التقرير الدوري للأمانة العامة ، واتخذ القرارات اللازمة للأعمال الإدارية والمالية  ثم تدارس مجموعة من الموضوعات الواردة إليه ، واتخذ بشأنها القرارات المناسبة  و من أبرزها :

القرار 1/ 4: حكم الحوار بين الأديان :
يستعمل الكثيرون عبارة ” التقريب بين الأديان ” والأولى استخدام كلمات أخرى مثل الحوار والاشتراك والتعاون، وبخصوص ذلك ينبه المجلس إلى أنه إذا كان المقصود به إذابة الفوارق بينها من أجل اللقاء في منطقة وسطى جمعا بين التوحيد والتثليث والتنـزيه و التشبيه مثلا ، فذلك مما يأباه الدين الخاتم الكامل قال تعالى: “و أن احكم بينهم بما انزل الله ، ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ”
غير أن للحوار والاشتراك والتعاون بين رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى معاني مقبولة ، لأمر الله تعالى بقوله ” وجادلهم بالتي هي أحسن ” ، ولقوله عز وجل ” يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله “، وتأسيا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوار مع نصارى أهل نجران وغيرهم ، وذلك اعتبارا لأصول الإسلام ، في وحدة الألوهية والنبوات والأصل الإنساني ، وفي عموم الرسالة وواجب الدعوة إلى الله عز وجل عن طريق الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، بعيدا عن كل ضروب الإكراه والإجبار والنيل من مشاعر المخالف في الملة، ذلك أنه ولئن تباينت رسالة الإسلام والرسالات
السماوية الأخرى في أصول وفروع معروفة، فقد اشتركت معها في أخرى معتبرة ، مثل عموم الإيمان بالله تعالى والنبوات واليوم الآخر وأصول الأخلاق، وأسس البناء الاجتماعي كالأسرة والمحافظة على البيئة وقضايا حقوق الإنسان والشعوب المستضعفة والتصدي للطغيان والمظالم على كل المستويات القطرية والدولية، وإشاعة روح التسامح ونبذ التعصب وحروب الإبادة والعدوان.
ويؤكد هذه المعاني للتقارب مع أهل الملل الأخرى اشتداد عواصف الفلسفة المادية والإباحية والإلحاد والتفكيك لأواصر المجتمعات في ظل ثورة الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة توشك أن تشترك في المصير، بما يعزز مساعي الحوار والتعاون مع أهل الملل الأخرى ولا سيما مع أهل الكتاب إبرازا للمشترك ودفاعا عنه، بدل النكء المستمر لجراح الاختلاف، قال تعالى:” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، ولقد شهد صاحب الدعوة عليه السلام أن عباد الله كلهم اخوة، وقال تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ” 0

القرار 2 / 4: حكم شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في غير بلاد الإسلام :
نظر المجلس في القضية التي عمت بها البلوى في أوروبا وفي بلاد الغرب كلها ، وهي قضية المنازل التي تشترى بقرض ربوي بواسطة البنوك التقليدية 0
وقد قدمت الى المجلس عدة أوراق في الموضوع ما بين مؤيد ومعارض ، قرئت على المجلس ، ثم ناقشها جميع الأعضاء مناقشة مستفيضة ، انتهى بعدها المجلس بأغلبية أعضائه إلى ما يلي :
1 – يؤكد المجلس على ما أجمعت عليه الأمة من حرمة الربا ، وأنه من السبع الموبقات ، ومن الكبائر التي تؤذن بحرب من الله ورسوله ، ويؤكد ما قررته المجامع الفقهية الإسلامية من أن فؤائد البنوك هي الربا الحرام 0
2 – يناشد المجلس أبناء المسلمين في الغرب أن يجتهدوا في إيجاد البدائل الشرعية ، التي لا شبهة فيها ، ما استطاعوا الى ذلك سبيلا ، مثل (بيع المرابحة) الذي تستخدمه البنوك الإسلامية ، ومثل تأسيس شركات إسلامية تنشئ مثل هذه البيوت بشروط ميسرة مقدورة لجمهور المسلمين ، وغير ذلك 0
3 – كما يدعو التجمعات الإسلامية في أوروبا أن تفاوض البنوك الأوروبية التقليدية ، لتحويل هذه المعاملة إلى صيغة مقبولة شرعا ، مثل (بيع التقسيط) الذي يزاد فيه الثمن مقابل الزيادة في الأجل ، فإن هذا سيجلب لهم عددا كبيرا من المسلمين يتعامل معهم على أساس هذه الطريقة ، وهو ما يجري به العمل في بعض الأقطار الأوروبية ، وقد رأينا عددا من البنوك الغربية الكبرى تفتح فروعا لها في بلادنا العربية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية ، كما في البحرين وغيرها 0
ويمكن للمجلس أن يساعد في ذلك بإرسال نداء الى هذه البنوك ، لتعديل سلوكها مع المسلمين 0
4 – وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ميسرا في الوقت الحاضر ، فإن المجلس في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارات الشرعية ، لا يرى بأسا من اللجوء إلى هذه الوسيلة ، وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج اليه المسلم لسكناه هو وأسرته ، بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه ، وأن يكون هو مسكنه الأساسي ، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكّنه من شرائه بغير هذه الوسيلة ، وقد اعتمد المجلس في فتواه على مرتكزين أساسيين :
المرتكز الأول : قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) : وهي قاعدة متفق عليها ، مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع ، منها قوله تعالى في سورة الأنعام : ” وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ” ، ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرمات الأطعمة : ” فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ” ، ومما قرره الفقهاء هنا أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة ، خاصة كانت أو عامة 0
والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج وإن كان يستطيع أن يعيش ، بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها ، والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن كما في قوله تعالى في سورة الحج : ” وما جعل عليكم في الدين من حرج ” وفي سورة المائدة : ” ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ” .
والمسكن الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه وفي سعته وفي مرافقه ، بحيث يكون سكنا حقا.
وإذا كان المجلس قد اعتمد على قاعدة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ، فإنه لم ينس القاعدة الأخرى الضابطة والمكملة لها ، وهي أن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، فلم يجز تملك البيوت للتجارة ونحوها 0
والمسكن ولا شك ضرورة للفرد المسلم وللأسرة المسلمة ، وقد امتن الله بذلك على عباده حين قال : ” والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ” ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم السكن الواسع عنصرا من عناصر السعادة الأربعة أو الثلاثة ، والمسكن المستأجر لا يلبي كل حاجة المسلم ، ولا يشعره بالأمان ، وإن كان يكلف المسلم كثيرا بما يدفعه لغير المسلم ، ويظل سنوات وسنوات يدفع أجرته ولا يملك منه حجرا واحدا ، ومع هذا يظل المسلم عرضة للطرد من هذا المسكن إذا كثر عياله أو كثر ضيوفه ، كما أنه إذا كبرت سنه أو قل دخله أو انقطع يصبح عرضة لأن يرمى به في الطريق 0
وتملك المسكن يكفي المسلم هذا الهم ، كما أنه يمكّنه أن يختار المسكن قريبا من المسجد والمركز الإسلامي ، والمدرسة الإسلامية ، ويهيئ فرصة للمجموعة المسلمة أن تتقارب في مساكنها عسى أن تنشئ لها مجتمعا إسلاميا صغيرا داخل المجتمع الكبير ، فيتعارف فيه أبناؤهم ، وتقوى روابطهم ، ويتعاونون على العيش في ظل مفاهيم الإسلام.
كما أن هذا يمكّن المسلم من إعداد بيته وترتيبه بما يلبي حاجته الدينية والاجتماعية ، ما دام مملوكا له.
وهناك إلى جانب هذه الحاجة الفردية لكل مسلم ، الحاجة العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقلية خارج دار الإسلام ، وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية ، حتى يرتفع مستواهم ، ويكونوا أهلا للانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس ، ويغدوا صورة مشرقة للإسلام أمام غير المسلمين ، كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم ، ليقوموا بواجب الدعوة ويساهموا في بناء المجتمع العام، وهذا يقتضي ألا يظل المسلم يكد وينصب طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لخدمة مجتمعه، أو نشر دعوته 0
المرتكز الثاني : هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني – وهو المفتى به في المذهب الحنفي – وكذلك سفيان الثوري وإبراهيم النخعي، وهو رواية عن أحمد، ورجحها ابن تيمية، فيما ذكره بعض الحنابلة من جواز التعامل بالربا – وغيره من العقود الفاسدة – بين المسلمين وغيرهم في دار الحرب، ولهم في ذلك أدلة ذكرها الإمام الطحاوي وغيره، لا يتسع المقام لذكرها 0
والمراد بدار الحرب عند الحنفية ما ليس بدار إسلام، فالتقسيم عندهم ثنائي وليس ثلاثيا، فيدخل فيها ما يسمى عند غيرهم دار عهد، أو دار أمان، ولهذا نفضل التعبير عن هذا المعنى بقولنا : التعامل خارج دار الإسلام 0
ويرجح الأخذ بهذا المذهب هنا عدة اعتبارات، منها :
1 – أن المسلم غير مكلف شرعا أن يقيم أحكام الشرع المدنية والمالية والسياسية ونحوها مما يتعلق بالنظام العام في مجتمع لا يؤمن بالإسلام، لأن هذا ليس في وسعه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وتحريم الربا هو من هذه الأحكام التي تتعلق بهوية المجتمع ، وفلسفة الدولة ، و اتجاهها الاجتماعي والاقتصادي 0
وإنما يطالب المسلم بإقامة الأحكام التي تخصه فردا ، مثل أحكام العبادات ، وأحكام المطعومات والمشروبات والملبوسات وما يتعلق بالزواج والطلاق والرجعة والعدة والميراث وغيرها من الأحوال الشخصية ، بحيث لو ضيق عليه في هذه الأمور ، ولم يستطع بحال إقامة دينه فيها لوجب عليه أن يهاجر إلى أرض الله الواسعة ما وجد إلى ذلك سبيلا0
2 – أن المسلم إذا لم يتعامل بهذه العقود الفاسدة – ومنها عقد الربا – في دار القوم ، سيؤدي ذلك بالمسلم إلى أن يكون التزامه بالإسلام سببا لضعفه اقتصاديا، وخسارته ماليا، والمفروض أن الإسلام يقوي المسلم ولا يضعفه ، ويزيده ولا ينقصه، وينفعه ولا يضره ، وقد احتج بعض علماء السلف على جواز توريث المسلم من الكافر بحديث ” الإسلام يزيد ولا ينقص ” أي يزيد المسلم ولا ينقصه ، ومثله حديث ” الإسلام يعلو ولا يُعلى ” ، وهو إذا لم يتعامل بهذه العقود التي يتراضونها بينهم ، سيضطر إلى أن يعطي ما يطلب منه ، ولا يأخذ مقابله ، فهو ينفذ هذه القوانين والعقود فيما يكون عليه من مغارم ، ولا ينفذها فيما يكون له من مغانم ، فعليه الغُرم دائما وليس له الغُنْم ، وبهذا يظل المسلم أبدا مظلوما ماليا ، بسبب التزامه بالإسلام ، والإسلام لا يقصد أبدا إلى أن يظلم المسلم بالتزامه به ، وأن يتركه – في غير دار الإسلام – لغير المسلم ، يمتصه ويستفيد منه ، في حين يحرم على المسلم أن ينتفع من معاملة غير المسلم في المقابل في ضوء العقود السائدة ، والمعترف بها عندهم.
وما يقال من أن مذهب الحنفية إنما يجيز التعامل بالربا في حالة الأخذ لا الإعطاء ، لأنه لا فائدة للمسلم في الإعطاء وهم لا يجيزون التعامل بالعقود الفاسدة إلا بشرطين:
الأول : أن يكون فيها منفعة للمسلم ،
والثاني : ألا يكون فيها غدر ولا خيانة لغير المسلم ، وهنا لم تتحقق المنفعة للمسلم ، والجواب : أن هذا غير مسلّم ، مما يدل على ذلك قول محمد بن الحسن الشيباني في السير الكبير، وإطلاق المتقدمين من علماء المذاهب، كما أن المسلم وإن كان يعطي الفائدة هنا فهو المستفيد ، إذ به يتملك المنزل في النهاية 0
وقد أكد المسلمون الذين يعيشون في هذه الديار بالسماع المباشر منهم وبالمراسلة: أن الأقساط التي يدفعونها للبنك بقدر الأجرة التي يدفعونها للمالك ، بل أحيانا تكون أقل ، ومعنى هذا أننا إذا حرّمنا التعامل هنا بالفائدة مع البنك حرمنا المسلم من امتلاك مسكن له ولأسرته ، وهو من الحاجات الأصلية للإنسان كما يعبر الفقهاء ، وربما يظل عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر ، يدفع إيجارا شهريا أو سنويا ، ولا يملك شيئا ، على حين كان يمكنه في خلال عشرين سنة – وربما أقل – أن يملك البيت 0
فلو لم يكن هذا التعامل جائزا على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه ، لكان جائزا عند الجميع للحاجة التي تنزل أحيانا منزلة الضرورة ، في إباحة المحظور بها 0
ولا سيما أن المسلم هنا ، إنما يؤكل الربا ولا يأكله ، أي هو يعطي الفائدة ولا يأخذها ، والأصل في التحريم منصب على (أكل الربا) كما نطقت به آيات القرآن ، إنما حرم الإيكال سدا للذريعة، كما حرمت الكتابة له والشهادة عليه، فهو من باب تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد 0
ومن المعلوم أن أكل الربا المحرم لا يجوز بحال، أما إيكاله – بمعنى إعطاء الفائدة – فيجوز للحاجة ، وقد نص على ذلك الفقهاء ، وأجازوا الاستقراض بالربا للحاجة إذا سدت في وجهه أبواب الحلال.
ومن القواعد الشهيرة هنا : أن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة، والله الموفق.

مسائل حول موضوع المرأة والعلاقات الزوجية :
القرار 3 / 4: هل للمرأة الحق في أن تبرم عقد زواجها دون تدخل وليها ؟
يعتبر عقد الزواج من أهم العقود ، لما يترتب عليه من قيام أسرة جديدة في المجتمع ، وإنجاب أولاد وحقوق وواجبات تتعلق بكل من الزوجين 0
ولما كان كل واحد من الزوجين طرفا في العقد ناط الشارع إبرامه بهما ، وجعله متوقفا على إرادتهما ورضاهما فلم يجعل للأب ولا لغيره على المرأة ولاية إجبار ولا إكراه في تزويجها ممن لا تريد بل جعل لها الحق التام في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها ، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية (فتاة صغيرة السن) أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم – أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وجاءت النصوص النبوية الأخرى تؤكد للمرأة ذلك الحق فقال عليه الصلاة والسلام : “لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم حتى تستأمر” ، وقال : ” والبكر يستأذنها أبوها ” 0
وبهذا جعل الإسلام عقد الزواج قائما على المودة والرحمة ، والألفة والمحبة ، قال الله تعالى : ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ” ، ومن المحال – عادة – تحقيق تلك المقاصد الكريمة بزواج قائم على الإكراه والإجبار 0
لكن لما كانت المرأة – رغم إرادتها المستقلة التي جعلها الإسلام لها – عرضة لأطماع الطامعين ، واستغلال المستغلين فقد شرع من الأحكام ما يحفظ حقوقها ، ويدفع استغلال المستغلين عنها ، فجعل لموافقة وليها على عقد زواجها اعتبارا هاما يتناسب مع أهمية هذا العقد ، لما يعكسه من أثر طيب يخيم على الأسرة الجديدة ، ويبقي على وشائج القربى بين الفتاة وأوليائها ، بخلاف ما لو تم بدون رضاهم ، فانه يترتب عليه الشقاق والخلاف ، فينجم عنه عكس المقصود منه 0
ومع أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن رضى ولي المرأة هو الأولى والأفضل ، غير أنهم اختلفوا في جعله شرطا من شروط صحة العقد :
– فذهب جمهور الفقهاء الى أن رضى ولي المرأة شرط من شروط صحة العقد لا يصح بدونه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ” ، وقوله أيضا : ” لا نكاح إلا بولي ” 0
– وذهب الحنفية الى عدم اشتراط ذلك مستدلين بأدلة كثيرة منها ما رواه مسلم والأربعة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الأيم أحق بنفسها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها” ، وحملوا أحاديث اشتراط الولي على من كانت دون البلوغ ، وقالوا : لو زوجت البالغة العاقلة نفسها كان زواجها صحيحا إن استوفى العقد شروطه الأخرى ، ويجوز لوليها أن يتظلم إلى القاضي فيطلب فسخ العقد إذا كان هذا الزواج من غير كفء ، وعلى القاضي إجابة طلبه إن تحقق من ذلك 0
وان المجلس يوصي النساء بعدم تجاوز أولياء أمورهن ، لحرصهم على مصلحتهن ، ورغبتهم في الأزواج الصالحين لهن وحمايتهن من تلاعب بعض الخطاب بهن 0
كما يوصي الآباء بتيسير زواج بناتهن ، والتشاور معهن فيمن يرغب في الزواج منهن دون تعسف في استعمال الحق وليتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ” ، وليعلموا أن عضلهن من الظلم المنهي عنه ، والظلم محرم في الإسلام 0
كما يوصي المجلس المراكز الإسلامية مراعاة ما تقدم لأنه أسلم وأحكم إلا اذا لم يوجد للمرأة ولي فيكون المركز الإسلامي وليها في البلاد التي ليس فيها قضاء إسلامي ، ومع هذا يرى المجلس أن البالغة العاقلة لو زوجت نفسها ممن يرضى دينه وخلقه فزواجها صحيح 0

القرار 4 / 4: رخصة الزواج من أربع نسوة وسوء استخدامها :
كان الناس قبل الإسلام يتزوجون من شاءوا من النساء بغير قيد ولا شرط، حتى ذكروا أن داود عليه السلام كان عنده ثلاثمائة امرأة بين زوجة وسرية، وأن سليمان كان عنده سبعمائة امرأة كذلك.
فلما جاء الإسلام وضع لهذا التعدد حداً وشرط له شرطاً.
فأما الحد فجعل أقصى العدد أربعاً لا يزاد عليهن بحال: “فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع” ولما أسلم رجل من ثقيف ومعه عشرة نسوة، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً، ويطلق الباقي.
وأما الشرط، فيتمثل في ثقة الرجل في نفسه بالعدل، وإلا حرم عليه الزواج بالمرأة الأخرى: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”.
وهذا إلى جوار توافر الشروط الأخرى لأي زواج، مثل: القدرة على الإنفاق، والقدرة على الإحصان.
وإنما أباح الإسلام ذلك لأنه دين واقعي، لا يحلّق في مثاليات حالمة، ويترك مشكلات الحياة دون علاج مقدور عليه. فالزواج الثاني قد يحل مشكلة عند الرجل الذي لا تنجب امرأته، أو تطول عندها فترة الحيض، وهو قوي الشهوة، أو يصيبها المرض، ويستمر معها، ولا يريد أن يطلقها، إلى غير ذلك.
وقد يحل مشكلة عند المرأة الأرملة التي يموت زوجها ولا تطمع في الزواج من شاب لا زوجة له، ومثلها المطلقة وهي شابة، وخصوصاً لو كان لها طفل أو أكثر.
وقد يحل مشكلة عند المجتمع كله، عندما يزيد عدد النساء الصالحات للزواج عن عدد الرجال القادرين على النكاح، وهذا قائم باستمرار، ويزداد تفاقماً بعد الحروب ونحوها.
فماذا نفعل بالعدد الفائض من النساء؟ إنها واحدة من ثلاث:
1- إما أن يقضين العمر كله محرومات من حياة الزوجية والأمومة، وهذا ظلم لهن.
2- وإما أن يشبعن غرائزهن من وراء ظهر الدين والأخلاق، وهذا ضياع لهن.
3- وإما أن يقبلن الزواج من رجل متزوج قادر على النفقة والإحصان، واثق بالعدل، وهذا هو الحل المناسب.
أما سوء استعمال هذه الرخصة أو هذا الحق، فكم من حقوق يساء استخدامها، ويتعسف في استعمالها، ولا يؤدي ذلك إلى إسقاطها وإلغائها. الزواج الأول نفسه كم يساء استخدامه، فهل نلغيه؟ الحرية كم يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ الانتخابات يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ السلطة.. أياً كانت يساء استخدامها، فهل نلغيها وندع الحياة فوضى؟
إن الأولى – بدل أن ننادي بإلغاء الحق – أن نضع الضوابط لاستخدامه، ونعاقب من يسئ في ذلك، قدر ما نستطيع.

قرار 5 / 4: زواج الرجل ممن زنى بها:
الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، فزواجهما صحيح بالإجماع، وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما.
والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى: “الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين”.
أما موضوع (العدة) وهل يجب على الزانية أن تعتد أو لا؟ ففي هذا خلاف بين الفقهاء.
والذي نختاره هو: ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والثوري: أن الزانية لا عدة لها. ولو كانت حاملاً من الزنى، وهو المروي عن ثلاثة من الصحابة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. وقد استدلوا بالحديث المتفق عليه: “الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر” ولأن العدة شرعت لاستبراء الرحم حفظاً للنسب، والزنى لا يتعلق به ثبوت النسب، فلا يوجب العدة.
وإذا تزوج الرجل امرأة حاملاً من الزنى من غيره صح عند أبي حنيفة وصاحبه محمد، وعليه الفتوى في المذهب الحنفي. ولكن لا يجوز له وطؤها حتى تضع، لحديث: “لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يسقي ماءه زرع غيره”.
وهذا بخلاف ما إذا كان الحمل من الزاني نفسه، فإن نكاحها جائز باتفاق الحنفية ومن يجوزون نكاحها، ويحل وطؤها عندهم جميعاً إذ الزرع زرعه، والحمل منه.

القرار 6 / 4: التساوي بين الزوجين في العلاقة الزوجية :
تعد الزوجة مساوية للزوج في العلاقة الزوجية، حتى إن القرآن يسمي كلاً منهما (زوجاً) فالرجل زوج، والمرأة زوج، لأن كلاً منهما – وإن كان فرداً في ذاته- يحمل هموم الآخر وحاجاته، فهو (زوج) في الحقيقة.
ونرى قوله تعالى:” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات” هذا الخطاب في الآيتين للرجال والنساء جميعاً، إذ لا دليل على اختصاص الخطاب بالرجال.
وفي الآية التي خاطب الله بها الرجال خاصة، ذكر بعدها ما يفيد تساوي الجنسين في العلاقة الزوجية، وذلك قوله تعالى: “أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن”. فالمرأة بمنزلة اللباس للرجل والرجل بمنزلة اللباس للمرأة، بما توحي به كلمة (اللباس) من القرب واللصوق والدفء والستر والزينة.
وهذا التساوي في الأصل لا ينفي أن يختص الرجل ببعض ما يتميز به عن المرأة، مثل (القوامة) على الأسرة، كما قال تعالى: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”.
ومن روائع البيان القرآني هنا: أنه لم يقل (بما فضلهم على النساء) بل قال (بما فضل الله بعضهم على بعض)، أي أن الرجل مفضل من بعض الأوجه، والمرأة مفضلة من أوجه أخرى كالجانب العاطفي، والرجل هو الذي يدفع المهر ويؤسس البيت وينفق عليه، فإذا حاول أن يهدم الأسرة فإنما بهدمها على أم رأسه.
وقد أرشد القرآن إلى أن الحقوق بين الطرفين مساوية للواجبات إلا ما استثني، وذلك قوله تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة”. وجاء عن ابن عباس: أتجمل لامرأتي كما تتجمل هي لي، واستدل بالآية الكريمة. وقد فسر الإمام الطبري (الدرجة) في الآية بمزيد من الأعباء المطلوبة من الرجل، وفسرها غيره بدرجة (القوامة) على الأسرة وكلاهما تفسير صحيح. والنبي صلى الله عليه وسلم يحمّل كلا من الزوجين المسؤولية، كما في حديث ابن عمر المتفق عليه “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته… والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”.
ومسؤولية المرأة في بيت زوجها توجب عليها أن يكون لها دور توجيهي أو إرشادي تجاه زوجها، يقوم على النصح له وحب الخير والسداد له، ودعوته إلى الخير وأمره بالمعروف إذا قصر فيه، ونهيه عن المنكر إذا وقع فيه، فهذا واجب على كل مسلم تجاه المسلم، حتى الابن مع أبيه، والتلميذ مع أستاذه، والمحكوم مع الحاكم، وكذلك الزوجة مع زوجها، ولكن في حدود وضوابط معينة ذكرها العلماء في مظانها. والله تعالى يقول: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”، والعلاقة الزوجية لا تسقط فرضية الأمر والنهي بل تؤكدها.
وقد كانت المرأة من نساء السلف تقول لزوجها إذا خرج من البيت للتجارة والضرب في الأرض: يا أبا فلان، إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والطوى ولا نصبر على حر النار وغضب الجبار!
ولو وجدت المرأة زوجها يقصر في أداء الصلاة المفروضة، فالواجب عليها أن تأمره بالرفق وبالموعظة الحسنة أن يحافظ على صلاته، ولو وجدته يشرب الخمر، فعليها أن تنهاه عن أم الخبائث وتنصحه أن يحافظ على دينه ونفسه وماله وولده باجتناب هذا الرجس من عمل الشيطان ، ولو وجدته يهمل رعاية أولاده أو النفقة عليهم، فيلزمها أن تنصحه وتحضه أن يقوم بواجبه.
فإن قيل: هل للزوج سلطة على زوجته وإلى أي حد؟ فالجواب: أن للزوج سلطة (القوامة) ولكنها ليست سلطة مطلقة، بل هي سلطة مقيدة بأحكام الشرع ومقتضيات العرف. فأحكام الأسرة مقيدة – في القرآن الكريم – بقيدين:
أحدهما: رباني، وهو ما سماه القرآن (حدود الله) وقد تكررت كثيراً في شأن الأسرة.
والثاني: إنساني، وهو ما سماه القرآن (المعروف) وهو ما تعرفه الفطر السليمة والعقول الرشيدة وأهل الفضل من الناس. نقرأ في القيد الأول قوله تعالى في شأن الطلاق:”تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون”. وفي مقام آخر بقوله: “تلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون”، وفي سورة الطلاق بقوله: “تلك حدود الله ومن يتعد حدود فقد ظلم نفسه”.
وفي القيد الإنساني بقوله تعالى: “وعاشروهن بالمعروف”، وقوله: “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” (البقرة: )، وقوله: “فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف”، وقوله: “وللمطلقات متاع بالمعروف”.
والأصل: أن يتم أمر الأسرة بالتشاور فيما بين الزوجين، والتشاور لا يثمر إلا خيراً، وقد أشار إلى ذلك القرآن في قضية فطام الطفل الرضيع، كما قال تعالى: “فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما”. فإن اختلفا فالزوج هو صاحب السلطة في إطار (المعروف)، ولا يجوز له أن يفرض على المرأة أهواءه باسم الطاعة الواجبة، فإنما يطاع في (المعروف) لا في غيره. وهذا أولى من تعبير (في غير معصية)، بل الأدق أن نقول: عليها الطاعة في المعروف لا في غيره، بدليل قوله تعالى في بيعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولا يعصينك في معروف”، وفي الحديث المتفق عليه “إنما الطاعة في المعروف”.

القرار 7 / 4 : حكم الخل المصنوع من الخمر :
قرر المجلس أن الخمر إذا تخللت – أي تحولت إلى خل – بنفسها فهي حلال وطاهرة بالإجماع، وإذا كانت تخللت بمعالجة وعمل متعمد، كوضع ملح أو خبز أو بصل أو خل أو مادة كيميائية معينة، فقد اختلف فيها الفقهاء، فمنهم من قال : تطهر ويحل الانتفاع بها، لانقلاب عينها وزوال الوصف المفسد فيها، ومنهم من قال : لا تطهر، ولا يحل الانتفاع بها، لأنا أمرنا باجتنابها، وفي التحليل اقتراب منها، فلا يجوز.
وبعد أن استعرض المجلس أدلة الفريقين خلص إلى ترجيح المذهب الأول وهو طهارة الخل وحل الانتفاع به وذلك لأن التخليل – مثل التخلل – يزيل الوصف المفسد وهو الاسكار ، ويثبت وصف الصلاحية ، لأن فيه مصلحة التغذي والتداوي وغيرهما ، ولأن علة التنجيس والتحريم هي الإسكار ، وقد زالت ، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، تأكد هذا بقوله عليه الصلاة والسلام : ” نعم الإدام الخل ” من غير تفريق بين خل وآخر ، ولا طلب منا البحث عن أصله ماذا كان.
وما روي بخلاف ذلك مما يدل على المنع من تخليلها فإنما هو من باب الردع والتشديد عليهم في أول الأمر، حتى لا يتهاونوا فيها بحال.

التوصيات:
أولا : يناشد المجلس الأمم المتحدة والهيئات المتفرعة عنها :
أن تراعي خصوصيات الأمم الدينية والثقافية ، ولا تفرض عليها باسم العولمة ، ما ينافي عقائدها وقيمها ومقومات حياتها ، ومن ذلك : محاولة تجريم عقوبة القصاص بكل صورها ، ولو كانت على قاتل معتد متعمد 0
والإسلام يعتبر القصاص من القاتل العامد فريضة كتبها الله على المؤمنين ، كما قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ” ، وبين الله تعالى أثره فقال : ” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ” 0
ويؤكد المجلس ما قررته الشريعة الإسلامية من وجوب المحاكمة العادلة لكل منهم ، وتوفير كل الضمانات له ، وحقه في الدفاع عن نفسه ، وأمام قاضيه الطبيعي ، دون عسف ولا إعنات ، وأن من حق ولي الدم أن يعفو عن القاتل ببدل أو من غير بدل ، كما قال تعالى : ” فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ”
ثانيا : لاقتراب حلول شهر رمضان المبارك فإن المجلس يذكر المسلمين بقراره الصادر في دورته الثالثة ، والذي نصه:
” يثبت دخول شهر رمضان أو الخروج منه بالرؤية البصرية، سواء كانت بالعين المجردة أم بواسطة المراصد، إذا ثبتت في أي بلد إسلامي بطريق شرعي معتبر، عملاً بالأمر النبوي الكريم الذي جاء به الحديث الصحيح: “إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا”و “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”.
وهذا بشرط ألا ينفي الحساب الفلكي العلمي القطعي إمكان الرؤية في أي قطر من الأقطار. فإذا جزم هذا الحساب باستحالة الرؤية المعتبرة شرعاً في أي بلد، فلا عبرة بشهادة الشهود التي لا تفيد القطع، وتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب، وذلك لأن شهادة الشهود ظنية، وجزم الحساب قطعي، والظني لا يقاوم القطعي، فضلاً عن أن يقدم عليه، باتفاق العلماء.
ويؤكد المجلس هنا أنه لا يعني بالحساب الفلكي: علم التنجيم المذموم والمرفوض شرعاً، كما لا يعني به المدون في (الرزنامات) المعروفة في البلاد الإسلامية، كما قد يتوهم بعض أهل العلم الشرعي. إنما نعني بالحساب: ثمرة علم الفلك المعاصر القائم على أسس رياضية علمية قاطعة، والذي بلغ في عصرنا مبلغاً عظيماً، استطاع به الإنسان أن يصل إلى القمر والكواكب الأخرى وبرز فيه كثير من علماء المسلمين في بلدان شتى”.

ثالثا : التأكيد على ما سبق للمجلس أن أوصى به المسلمين في دورتيه السابقتين وما ارتآه في هذه الدورة مما يلي:
1- المحافظة على هويتهم الإسلامية، وشخصيتهم الدينية، وذلك بالتزام شرع ربهم في ما أمر ونهى وأحل وحرّم في عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم ومآكلهم ومشاربهم وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية وحسن التعامل مع غيرهم.
2- يوصي المجلس المسلمين المقيمين في أوروبا بالعمل الجاد للحصول على اعتراف الدول التي يقيمون فيها بالإسلام ديناً، وبالمسلمين أقلية دينية على غرار الأقليات الدينية الأخرى في التمتع بحقوقهم كاملة وفي تنظيم أحوالهم الشخصية كالزواج والطلاق والميراث. ويناشد الدول الأوروبية الاعتراف بالدين الإسلامي وحقوق المسلمين على غرار ما قامت به بعضها كبلجيكا وإسبانيا والنمسا والمجر. ومن أجل ذلك فإن المجلس يوصي المسلمين بتشكيل هيئات شرعية تتولى تنظيم أحوالهم الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، مع مراعاة الالتزام بالقوانين السائدة.
3- كما يوصي المجلس هؤلاء الإخوة المسلمين ويشدد في الوصية بالالتزام بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنّة وبما أجمع عليه فقهاء الإسلام من وجوب الوفاء بمقتضيات عهد الأمان وشروط الإقامة والمواطنة في البلاد الأوروبية التي يعيشون فيها، ومن أهم ما يجب عليهم:
أ – أن يعتقدوا أن أرواح غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم معصومة بمقتضى ذلك العهد الذي دخلوا به هذه البلاد، والذي لولاه لما سمح لهم بدخولها أو استمرار الإقامة فيها، وقد قال الله تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا).
ب – أن يحترموا قوانين هذه البلاد التي آوتهم وحمتهم ومكنتهم من التمتع بكل ضمانات العيش الكريم، وقد قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
ج – أن يجتنبوا كل أساليب الكسب الحرام على اختلاف أنواعها، ومنها سعي بعض المسلمين للحصول على معونة الضمان الاجتماعي مع أنهم يعملون أو يتاجرون.
د – أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة الجيل الجديد – بنين وبنات – تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف.
4- كما يوصي المجلس المسلمين عامة والمقيمين في ديار الغرب خاصة بالاعتصام بحبل الله والأخوّة والسماحة والاعتدال والتعاون على البر والتقوى والتزام الحوار الهادئ والأساليب السلمية في معالجة قضايا الخلاف، بعيداً عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوّه صورة الإسلام وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامة وإلى الأقليات المسلمة خاصة فيتلقفها أعداء الإسلام والجاهلون به للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهما، وقد قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).

ويطيب لرئيس المجلس وأعضائه أن يتوجهوا بخالص الشكر والامتنان لأمانته العامة على ما تقوم به من جهد لإنجاح أعمال المجلس ، ولهيئة المكتوم الخيرية وللمركز الثقافي الإسلامي في ايرلندا والقائمين عليهما على استضافتهم لهذه الدورة وما بذلوه من كرم الضيافة وجميل الحفاوة وحسن الاستقبال ومن جهد تنظيمي مقدر ، وكذلك على ما أبدوه من استعداد لاستضافة دورات المجلس القادمة في المركز المذكور، كما يتقدم المجلس بالشكر للحكومة الايرلندية التي منحت تأشيرات السفر لأعضاء المجلس حتى يسّرت انعقاده على أراضيها على الوجه المرضي.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق